روح لا تهاب الصعاب

روح لا تهاب الصعاب

 

الاسم والكنية: نهرو أحمد ، الاسم الحركي: خليل ،تاريخ الانضمام: 1989 ،تاريخ الالتحاق: 1989 ،تاريخ الاستشهاد:1996غرزان ،ولد الرفيق خليل في قرية حمزة بك التابعة لمنطقة ديركا حمكو في غرب كردستان و ترعرع في كنف عائلة قروية متوسطة الحال ومفعمة بالروح الوطنية. كان أبوه منتسباً إلى المجموعات الكردية الإصلاحية ومتأثراً بمدرسة جكرخوين وعثمان صبري وغيرهم من الشخصيات الوطنية. وتسمية الرفيق خليل باسم المناضل الهندي الكبير نهرو لم تكن عبثاً بل كانت إشارة واضحة إلى ارتباط العائلة بقيم الحرية والإنسانية وافتخارها بنضال الشعوب. وقد أثبت الرفيق الشهيد خليل بأنه جدير بهذا الاسم.

عندما كان الرفيق طفلاَ يلعب في محيط قرية حمزة بك مع أطفال القرية كان يحب البقاء في الهواء الطلق والتوجه نحو التلال المحيطة والوديان للتمتع بأجواء الطبيعة وجمالها. وقد كان هادئاً وصبوراً واجتماعياً في تصرفاته وعلاقاته. تعلم التواضع من الأخلاق الاجتماعية النبيلة التي كانت ماتزال تؤثر في المجتمع القروي الكردي في تلك المرحلة. لقد جسد التواضع مثل الأولياء والرسل، وتمتع بالصبر والهدوء مثل الحكماء منذ أن كان شاباً صغيراً.

التقيت بالرفيق نهرو وكان شاباً وسيماً وجذاباً وخفيف الدم ومنسجماً مع أصدقائه بروح مجتمعية نقية بعيدة عن الأنانية والفردية التي زرعتها الحداثة في ذهن الشبيبة وقلوبهم بغية إبعادهم عن الروح الكومونالية الاجتماعية. وبسبب اسمه الجميل والملفت للنظر كان يثير الانتباه في محيطه. وكان يمثل جوهر هذا الاسم في شخصيته بكل معنى الكلمة . لقد كانت قريتنا مجاورة وقريبة جداَ من قرية الرفيق خليل، لذا كنا نلتقي أثناء الخروج من القرية نحو الوديان وفي أيام الدراسة والعطلة المدرسية. لقد بقيت صورة الرفيق في مخيلتي كشاب ناضج ومميز في علاقاته مع بقية الأصدقاء.

لم يكن الرفيق خليل يتحدث في كل الأمور ولا يتدخل في الأحاديث بشكل عشوائي، كان يراعي الأخلاق والقواعد الاجتماعية في كلامه وعلاقاته وتصرفاته رغم صغر سنه. وكان رشيقاً ونشيطاً في المشي والحركة ولم يكن يبدي اهتماماً كبيراً بمظهره بل كان طبيعياً ويراعي وضع عائلته.

على الرغم من انتشار التقليد والسعي إلى الابتعاد عن القيم القروية النقية في تلك المرحلة إلا أن الرفيق نهرو لم يحاول تقليد شباب المدينة وخصوصياتهم. لم ينكر طبقته وانتماءه القروي الأصيل. ولكنه في الوقت نفسه كان صاحب موقف واضح تجاه الآغاوات والأرستقراطية العشائرية لأن الشعور الوطني الكردستاني كان هاجسه وهو يقوم بتثقيف نفسه بالكتب المتعلقة بالاشتراكية والتحرر الوطني. كان معجباً ب غيفارا وماو إلى جانب اهتمامه بالأغاني الكردية الأصيلة وتعلقه بنغمات ونبرات محمد شيخو وأياز يوسف وأردوان زاخوي. كان يحب التحدث مع الرعاة الكوجر والسير في الطرقات والجلوس حول الينابيع والعيش مع الطبيعة والرومانسية والدخول في الخيال الشبابي الثوري الذي كان مسيطراً على روح الرفيق خليل. كان يتخيل العالم مثل قصيدة شعر أو أغنية فلكلورية أو وردة ربيعية جميلة، مزدهرة، نقية وجذابة.

في هذه السنوات تعرّف الرفيق خليل على أفكار حركة الحرية التي انتشرت في منطقة ديركا حمكو وخصوصاً بعد انضمام الكوكبة المثقفة من الشبيبة الوطنية الثورية إلى الحركة. لقد كان لانضمام الرفاق إسماعيل إبراهيم )سمكو( وعمر إبراهيم )مدني( وعبد الرحمن شاويش )علي( وعلي فقه ومحمد صوفي)حمزة( وغيرهم إلى الحركة فعلياً تأثيراً كبيراً على جميع الشباب في المنطقة. كانوا يعرفون بعضهم وتربطهم علاقات اجتماعية حميمة ومتينة. لقد قرأ الرفيق نهرو المقاومة حياة والمسألة الشخصية ومختارات القائد وكان متعلقاً بهذه الكتب إلى درجة القدسية.

الرفيق الشهيد خليل تمتع بروح وطنية صادقة تلك الروح التي كانت منتشرة في منطقة ديركا حمكو في تلك المرحلة خصوصاً. ولأن هذه المنطقة منقطة استراتيجية تربط بين أجزاء كردستان الثلاثة )شمال- جنوب- غرب( وتعتبر صلة وصل بين بوطان وبهدينان وغربي كردستان لذا حافظت على هويتها القومية الكردية من الناحية الثقافية واللغوية. فالحاجز فيما بين منطقة ديركا حمكو ومنطقة جزيرة بوطان وسلوبي حاجز طبيعي متمثل بنهر دجلة. وقد كانت هذه المنطقة في أيام الحكم العثماني وقبل تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء امتداداً طبيعياً لمنطقة بوطان وزاخو لهذا السبب تحولت المنطقة إلى ملجأ لكل الحركات الكردية التقليدية في مراحل عديدة، كما تحولت إلى جسر بين قلب كردستان والشرق الأوسط، لذا تأثرت المنطقة بالروح الكردياتية البدائية. ولكن مع ظهور حركة الحرية وخروجها إلى ساحة الشرق تحولت ديركا حمكو إلى طريق هام واستراتيجي لمرور الكريلا من ساحة لبنان إلى بوطان بشكل خاص، خصوصاً بعد قفزة 15 آب الثورية.

وكان الرفيق خليل شاهداً على هذه التطورات وكان شاباً يافعاً ومتحمساً للقضية لذلك تأثر بهذه الأجواء ونضج روحاً وذهناً في سني الدراسة ضمن مجموعة الشبيبة الثورية الوطنية المتأثرة بمقاومة سجن ديار بكر وبعد قفزة 15 آب. كان الرفيق نهرو يذهب مع رفاقه إلى حافة نهر دجلة وينظر إلى عظمة جودي وقدسيته ويفكر في أسباب نجاح بكو عوان في تصفية العشق الإلهي المقدس بين مم وزين، وعندما كان يرجع إلى قريته حمزة بك كان يصعد جبل قره جوخ الصغير وينظر إلى برية جبل شنكال في الجنوب ويسأل عن أسباب عدم حصول اللقاء بين درويش عبدي وعدولة، وعندما كان

ينظر إلى جبل به خير كان يردد أغنية وطني ) WELATE  MIN ( ل أياز يوسف. لقد كان الرفيق الشهيد يشعر بمأساة شعبه ووطنه بكل ثقلها وحجمها. تعرف الرفيق خليل على الحزب في بداية الثمانينات ولكنه انضم إلى الفعاليات في سنتي 1987 – 1988 وفي عام 1989 انضم الرفيق نهرو بشكل فعلي إلى صفوف الحركة وذهب إلى أكاديمية معصوم قورقماز بغرض التدرب، خلال عملية التدريب كانت شخصية الرفيق نهرو ملفتةً للنظر من حيث التواضع والأخلاق الثورية المجتمعية العالية لذا اهتم القائد آبو به وضمه إلى المجموعة المكلفة بأمنه الشخصي ومرافقته. استطاع الرفيق نهرو الوصول إلى الشخصية الحزبية الثورية حسب المقاييس الأيديولوجية بسرعة مذهلة. لأنه انضم إلى الحركة قلباً وقالباً واستطاع الوصول إلى حلمه في خدمة شعبه الكادح والمحب للحرية والسلام. في عام 1990 انضم الرفيق نهرو إلى المجموعة التي ذهبت إلى ساحة الكريلا في حفتانين للانضمام إلى المؤتمر الرابع للحزب.

استمد الرفيق نهرو خبرة كبيرة من مناقشات المؤتمر الرابع وشاهد عن قرب النواقص والأخطاء والعوائق التي تشكل حجر عثرة أمام طراز وأسلوب القائد في ساحة الحرب الساخنة. بعد المؤتمر الرابع انتقل الرفيق نهرو ككادر حزبي مكلف ببعض المسؤوليات والوظائف إلى منطقة بستا وذلك في بداية عام 1991 .في منطقة بستا قام الرفيق خليل بتدريب المقاتلين الجدد المنضمين إلى صفوف الكريلا وكان مثالاً يحتذى في عمله وأدائه وشخصيته التي جمعت بين الخط الإيديولوجي والعسكري للحزب.

لقد انضم الرفيق الشهيد إلى نشاطات HPP )هيزا باراستنا بارتي( كمسؤول عن النشاط في منطقة بوطان في تلك المرحلة. وعلى الرغم من التناقضات المصطنعة والمتأججة  من جانب التصفوية والعصابوية ضمن صفوف الكريلا إلا أن الرفيق الشهيد استطاع القيام بمسؤولياته ومواجهة كل العوائق والوصول إلى مستوى قائد عسكري- سياسي حسب الموازين الآبوجية.

كان الرفيق نهرو يحمل في حقيبته جهاز راديو صغير بغرض الاستماع إلى الأخبار والأغاني الفلكلورية الكردية إلى جانب ألبوم صور، وما عدا ذلك كان يحمل معه كل ما يلزمه من التجهيزات العسكرية الضرورية. لم يكن يحمل معه شيئاً زائداً ولا قيمة له. وبحكم مسؤوليته في النضال ضد الخصوصيات المتناقضة مع روح الحزب كان يزور كافة المواقع والقواعد في منطقة بوطان فلم يبقَ نهرٌ إلا واجتازه ولا جبلٌ إلا وصعد إليه ولا نبعٌ إلا وشرب من مياهه ولا صخرةٌ إلا وجلس فوقها ولا شجرة إلا وجلس تحتها. هكذا استطاع الرفيق خليل أن يحمل في قلبه المتواضع والكبير حب الطبيعة والجغرافيا ويتعرف عليها بكل تفاصيلها وتفرعاتها.

لقد اكتسب الرفيق خليل حب واحترام جميع الرفاق والمقاتلين وثقتهم خلال فترة قصيرة لم تتجاوز السنتين وتحول إلى مثال يحتذى به في كل مكان.

في عام 1992 كان الرفيق خليل يقوم بمسؤولياته كقائد عسكري- ميداني في منطقة كابار، إلى جانب تنظيمه لحركة الكريلا ونشرهم حسب جغرافية المنطقة، وتأمين عملية تدريبهم وتوجيههم، وكان يقود العمليات العسكرية أيضاَ. من العمليات التي قام الرفيق خليل بدور القائد المنسق فيها عملية الهجوم على الموقع العسكري ل )كل فندك( وقد كانت نتيجة العملية إيجابية ومؤثرة. إلى جانب هذه العملية نظم الرفيق نهرو عملية الهجوم على تل TRT )مخفر بلجونا( في كابار وألحق هزيمة كبيرة بالعدو. هذه العملية أيضاَ كان لها صيت كبير وتأثير واسع على معنويات الكريلا في تلك المرحلة. لقد خطط الرفيق نهرو للعملية مع الشهيد روزهات بلوزر واشترك فيها بكل إرادته وجسارته وعقله بغية الوصول إلى النتيجة. ساهمت العمليات العسكرية التي كان يتم القيام بها في كابار خلال تلك السنة في تخفيف حدة الضغوطات على قوات الكريلا في ساحة الجنوب لأن قوات البيشمركة  (DK. YNK( (وقوات الجيش التركي كانوا يهاجمون الكريلا معاً في مناطق بهدينان وصوران.

في كونفرانس الكريلا الذي عقد في منطقة بوطان في بداية ربيع عام 1994 تم تسليم مسؤولية منطقة كارسا بأكملها إلى الرفيق نهرو. وقد ركز الرفيق نهرو كل جهوده على القيام بالعمليات العسكرية مثل عملية شكفتييا وغيرها من العمليات المؤثرة.

بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب القيادة ولأول مرة في تاريخ حركة الحرية عاد الرفيق خليل مرةً أخرى إلى منطقة بستا وأخذ على عاتقه مسؤولية إدارة المدارس الحزبية في المنطقة. ونظراً لتجربته وشخصيته الناضجة وأسلوبه الجذاب تمكن من القيام بهذه المهمة بشكل جيد والوصول إلى النتائج المرجوة.

بقيَ الرفيق نهرو في منطقة بستا حتى نهاية شتاء 1994 وبعد ذلك ذهب إلى منطقة كارسا كقائد للمنطقة وتمكن من تجاوز الكثير من النواقص والخصوصيات السلبية السابقة التي كانت موجودة هناك.

في عام 1995 عندما تم عقد المؤتمر الخامس للحزب في حفتانين تم استدعاء الرفيق لحضور المؤتمر، وقد تم انتخابه عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر. بعد المؤتمر الخامس للحزب تم إرسال الرفيق نهرو إلى كَرزان كقائد للإيالة إلى جانب الرفاق كمال سبرتي والرفيق ياسين وعدد من الرفاق من الكوادر الطليعية. وأثناء التحضير لاجتماع قيادة الإيالة في المنطقة الواقعة بين تطوان وبدليس وساسون عام 1996 وقعت معركة إثر قيام العدو بعملية تمشيطية واسعة استعمل فيها التقنية والأسلحة الثقيلة. كان مكان الاجتماع معروفاً من قبل العميل عدنان وقد قام هذا المخبر بإعطاء كل المعلومات حول الاجتماع للعدو وبشكل دقيق. وهكذا تجهز العدو للقيام بعملية تمشيطية قام من خلالها بمحاصرة مكان الاجتماع.

وقعت المعركة واستشهد فيها 39 رفيقاً كان من بينهم الرفيق خليل وكمال سبرتي وياسين والكثير من الكوادر الذين كانوا يتخذون مكانهم في إدارة المنطقة.

عندما ندون هذه السطور عن الرفيق نهرو ندرك بأننا لم نتمكن من سرد كل شيء، لأن الكلمات والأقوال تظل قاصرة أمام وصف حقيقة وجوهر تلك الشخصيات التي سطرت بدمائها ونضالها المرير ملاحم تنطق بها القلوب والأفكار على مر الحياة والتاريخ. وها هي صخور جبال هركول ووديان بستا وينابيع كارسا وغابات كرزان تشهد للرفيق خليل، تشهد لجسارته ولإرادته وحكمته السياسية في مواجهة المتآمرين الإقطاعيين من أمثال زكي وجلال….

وسوف تظل جماهير غرب كردستان تحتضن ميراث هؤلاء الشهداء والشخصيات الثورية العظيمة مثل الرفيق نهرو وجميع شهداء الثورة. ونحن كرفاق الدرب نعاهد الشهيد والقائد آبو وشعبنا بأننا سوف نتابع الدرب على خطاهم.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى