المناضل والشخصية المناضلة

 المناضل والشخصية المناضلة

ه( ممثل أخلاق المجتمع الأخلاقي السياسي:

الأخلاق هي معيار السلوك، فنحن حين نتحدث عن الأخلاق لا نتحدث عنها بصورة عامة بل نتحدث عن قواعد وقوانين أخلاق المجتمع الأخلاقي السياسي. ينبغي أن تكون القواعد التي تحكم تصرفات الشخصية المناضلة قواعد وقوانين أخلاق المجتمع الأخلاقي السياسي، أما التصرفات وأشكال السلوك التي لا تعترف بالقواعد والمعايير فهي تصرفات بعيدة عن تلك القواعد والقوانين. هذا يعني أن على المناضل أن يطبق تلك القواعد والقوانين في حياته وتصرفاته وعلاقاته وأن تكون خطواته محسوبة وواعية.

المناضل ليس بإنسان حطم القيود والضوابط جميعاً، فهو مضطر بالتأكيد لأن يُكنّ ويبدي رد فعل ومواقف حازمة ضمن النضال والممارسة العملية، ولكنه مقابل ذلك ينبغي أن يكون بالغ التواضع والوعي والاحترام في تعامله مع المجتمع والشعب. فعلى المناضل أن يكون مفعما بالاحترام إزاء عادات وتقاليد الشعب ومثله وتجاه أموال الشعب وأملاكه ناهيك عن أنه يجب أن يكون بعيداً كل البعد عن إلحاق الأذى بالشعب؛ فهذا لا يتفق مع طبيعته من الأساس. للمناضل معايير أخلاقية محددة لا بد له من امتلاكها والتمسك بها في هذه المواضيع. عليه قبل كل شيء أن يعي ما يلي بعمق : عليه أن يتحاشى بصورة عامة أشكال الحياة التي ينفر منها الشعب وألا يهاجم الأشياء التي يراها الشعب صحيحة ويؤمن بها – مهما كانت – ولا يكيل لها الشتائم بصورة علنية . فمثلاً من الحقائق الواضحة أن المناضل الذي لا يؤمن بالإله لا يستطيع أن يكون طليعة للشعب، وسيصل به الأمر إلى مستوى الثرثرة وإطلاق أشكال الزندقة. مثل هذه التصرفات لا تساعد أبداً على التحول إلى قوة طليعية بالنسبة للشعب.

من الضروري التمسك بالجوانب الإيجابية والمشرقة والمعايير الصحيحة في موضوع الأخلاق. يجب الوقوف في وجه التصرفات وأشكال السلوك الفاسدة التي انتشرت في المجتمع، ولكن هذا يجب أن يتم بأشكال مناسبة وبأساليب بناّءة. كما لابد من الالتزام بمبادئ العدل لدى حل المشاكل التي يعاني منها الشعب، مع تطبيق العدالة الاجتماعية في هذا الميدان.

لهذا السبب لا بد لنا من معرفة هذه العدالة معرفة جيدة وعميقة. لا يجوز اللجوء إلى أساليب القسر والعنف في أي وقت من الأوقات لدى حل المشاكل التي تظهر ضمن المجتمع، بل لا بد من اتباع أساليب الإقناع في حل هذه التناقضات بما يضمن اجتذاب مختلف الأطراف إلى صف الثورة واقتلاع تلك المشاكل من جذورها.

لعل المسألة الأخرى التي يجب التوقف عندها باهتمام هي مسألة الموقف الذي يجب اتخاذه من ممتلكات وأموال الشعب. لا بد للمناضل من أن يتصرف بحذر بالغ وبحساسية كبيرة إزاء هذه القيم. أما اقتطاع الجزية والخراج من ممتلكات الشعب باسم الثورية وإلحاق الأذى بأمواله فموقف لا يمكن القبول به على الإطلاق في حين أن المساهمة الطوعية في الثورة من جانب الشعب أساسية.

غير أن المساهمات التي يتم الحصول عليها قسراً لا تعبّر عن أي مغزى أو قيمة من وجهة نظر نضالنا كما أنها بعيدة عن الأخلاق الاجتماعية أو أخلاق المجتمع الأخلاقي السياسي. فالموقف اللائق بالثوري في هذا الموضوع هو تأمين مساهمة الشعب ودعمه دون اللجوء إلى استخدام أساليب الإكراه ضده أو إلحاق الأذى به. تمّ في الماضي ارتكاب العديد من الأخطاء من قبل البعض، حيث نستطيع أن نرى بوضوح مدى فداحة الأخطار والأضرار التي تلحقها مثل هذه المواقف بنضالنا. من الضروري إبداء أعظم قدر من الحذر والانتباه والابتعاد عن أية ممارسة سلبية مهما كانت صغيرة وخصوصاً في هذه المرحلة. فتأمين مساهمات الشعب التي تعتبر حاجة ضرورية وحتمية بالنسبة للثورة على أساس طوعي فقط، وتحويل الدعم الواعي والطوعي من قبل الشعب إلى دعم مادي أمران ضروريان. لا يقف المناضل عند حدود الامتناع عن إلحاق الأذى بالشعب، بكل تأكيد، بل يجب عليه في الوقت نفسه أن يمنع الآخرين من إيذائه أيضا. حيث لا يمكن لأي مناضل أن يقف موقفاً لامبالياً تجاه السلوك والتصرفات التي تتم بحق الشعب. فانعدام المواقف لا يشكل معياراً من معايير الأخلاق الجيدة غير أن اتخاذ الموقف يجب أن يتم بشكل واعٍ وبصورة مناسبة.

إن المواقف السليمة والمنسجمة مع الثورة والنضال، وتحاشي الحركات والممارسات البعيدة عن قواعد السلوك الصحيح، وإبداء مشاعر الاحترام لأحكام القيم والميول والمثل الثقافية لدى الشعب، كل هذه التصرفات تشكل سماتاً لا بد للمناضل من التحلي بها. فالمناضل الذي يريد أن يساهم في تطوير الأخلاق لا بد أن يكون مثالاً يحتذى ويثير إعجاب الشعب من خلال دفع الشعب إلى تقبل هذه التصرفات عن طريق الإقناع. ولهذا السبب يجب على المناضل أن يجسد في شخصه المعايير الأخلاقية السليمة وأن يكون قدوة لمن حوله. فالمناضل أفضل من يجسد ميزات الشعب، ويكاد يكون جوهر الشعب وخلاصته فهو ليس غريباً عنه، ولا مخلوقاَ عجيباً، بل هو النموذج الأكثر تطوراً ونضجاً. وبصفته هذه يمثل مستقبل الشعب.

إنه قائد طليعي يجسد في شخصه المعايير الأخلاقية المطورة التي سيمتلكها الشعب في المستقبل. ولهذا السبب فإن الشعب يرى مستقبله في شخص المناضل ويبادر إلى الالتفاف حوله والسير في دربه.

لابد للمناضل من أن يصل إلى الميزات التي تمكنه من أن يعكس المستقبل المطور ومن أن يوضح في شخصه وسلوكه كيف ينبغي لمستقبل الشعب أن يكون، أي يجب عليه أن يكون قادراً على الخلق والقيام بدور الطليعة في هذه القضية. عليه أن يتحلى بهذه المثل الأخلاقية التي تشكل قدوة للرفاق والأصدقاء والمتعاطفين وسائر أبناء الشعب وأن يسعى إلى إقناع المجتمع كله بتبني هذه المعايير الأخلاقية تدريجياً بعد أن يجسدها في شخصه. وبمقدار ما يتحلى المناضل بهذه المثل الأخلاقية يكون قادراً على قيادة الجماهير وتمثيل الدور الطليعي المنوط به وإلا فسيكون من المستحيل أن يتمكن من تنفيذ مهماته العظيمة والنبيلة.

هذه الميزات والمواصفات التي أتينا على ذكرها حتى الآن هي سمات يمكن أن تؤدي إلى تكوين شخصية بالغة القوة لدى المناضل. غير أنها ليست كافية لدفع المناضل إلى ساحة الممارسة العملية. صحيح أنها صفات وسمات أساسية وضرورية غير أنها تبقى بحاجة إلى أن تُستكمل بمواصفات وميزات أخرى. إذا كيف سيتم تجسيد هذا ضمن الساحات النضالية؟ وماذا يتوجب على المناضل أن يفعل ضمن الممارسة العملية؟ وما هي السمات التي ينبغي له أن يتحلى بها؟

إن المواصفات التي سنتناولها بعد الآن هي التي ستلقي الضوء على هذه القضايا وستلعب الدور التكميلي في عملية تصليب وضمان سلامة شخصية المناضل.

و- ليس بجبان ولا أناني ، بل شجاع ومستعد للتضحية: الشجاعة ضرورية للمناضل ليتمكن من زرع الثقة لدى الشعب الغارق في هستيريا الخوف المفروضة عليه من قبل الأنظمة. فقد تم تحويل المجتمع أو يكاد إلى مجتمع للجبناء وبُذلت كل الجهود الممكنة بهدف زرع الخوف في كل مكان وجعل كل إنسان يخاف من كل إنسان آخر. لقد أُقحم الشعب تحت كابوس من الخوف الدائم بحيث أقلع عن الخروج من البيت وامتنع عن الاختلاط بالمجتمع وغدا عاجزا عن الالتحاق بأية منظمة أو حركة.

من الواضح أن المناضل يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة والجرأة كي يستطيع التدخل في مثل هذا الوضع. لا بد له من أن يصل إلى مستوى عال من الجرأة أثناء النضال بين الشعب. تلك هي الطريقة الوحيدة لتحويل الخوف الذي يلف الجماهير إلى جرأة وشجاعة. غير أنه من المفيد أن نذكر بأنه لا ينبغي أن نفهم الجرأة على أنها مفهوم مجرد؛ فالمقصود هنا هو القدرة على السير في طريق إنجاز المهمات الضرورية مهما كان الثمن، وعدم التردد في إنجاز ما يجب إنجازه، ليست >> البطولة << العمياء هي المقصود بالجرأة هنا، فالجرأة الثورية هي الصفة التي يجب توفيرها من أجل تحقيق إمكانية تنفيذ المهمات. مما لا شك فيه أن هذه السمة هي إحدى السمات الأولى لدى المناضلين، ولكن المقصود هنا هو عامل الجرأة والشجاعة الذي يجب تعزيزه وترسيخه لدى الشعب عبر التعامل معه.

ومن الجدير بالذكر أنها ليست سمة يستحيل امتلاكها فطالما أن المصالح الحيوية للثورة تتطلب الوصول إلى امتلاك مثل هذه الصفة لا بد للفرد من أن يطورها في ذاته من العبارات الشائعة بين الشعب عبارة تقول: «من الأفضل للإنسان أن يعيش حياة شريفة وجريئة ليوم واحد على أن يظل قابعاً في الكهوف بسبب الخوف أو يتخلى عن كل شيء لهذا السبب وحده ! ». من الواضح أن مثل هذا الكلام دليل على مدى الاحترام الذي تحظى به الجرأة في نظر المجتمع وعلى مدى إدانته للجبن والخوف. لا مكان للجبناء في صفوف المجتمع ولا قيمة لهم على الإطلاق لذا فإن على المناضل الذي يواجه مهمة تنظيم الشعب وقيادته أن يجعل الجرأة أوضح وأسطع سمات الطبيعة الثورية حتى يتمكن من زرع الاحترام والثقة في نفوس الشعب قبل كل شيء.

فعنصر الجرأة لدى المناضل يكتسب أهمية بالغة. بالإضافة إلى ذلك فإن الجرأة مطلوبة في سائر الأعمال والنشاطات التي يجب القيام بها اليوم في كردستان . فبدون تطوير عنصر الجرأة والشجاعة يستحيل إزالة الخوف المتراكم عبر مئات السنين ضمن المجتمع. يستطيع الذين تتبعوا تطور حركتنا )حزب العمال الكردستاني( عن كثب أن يروا بوضوح أن الجرأة كانت كامنة وراء كل خطوة من الخطوات التي تم خطوها. التفسخ والانحلال يظهران حيث تكون الجرأة غائبة.

على كوادر حركة لها مثل هذا الماضي النضالي أن يجسدوا في شخصياتهم سمة الجرأة التي تتحلى بها حركتهم كي يكونوا جديرين بذلك الماضي وبهذه المنظمة، عليهم أن يواجهوا مهماتهم بجرأة بالغة وأن يجعلوا الجرأة هي السمة السائدة في جميع تصرفاتهم ونشاطاتهم. لا بد من إبداء الشجاعة في كل الأماكن ومهما كانت الظروف. فالطريق المؤدي إلى تنفيذ مهماته يمر من هذه السمة.

السمة الأخرى التي يجب أن تتوفر في الشخصية المناضلة إضافة إلى الجرأة هي الاستعداد للتضحية. من الواضح أن الشعب لا يقترب الآن إلا ممن يرى فيه روح التضحية. يستطيع الإنسان المستعد للتضحية أن يصبح مركز جذب في المجتمع فالشخص الذي تكون حياته مرصعة بآيات التضحية مصدر ثقة بالنسبة للشعب لهذا السبب يعتبر مستوى التضحية أحد أهم وأقوى الأسلحة لدى المناضل في مجال اجتذاب الجماهير وبالتالي تنظيمها. التضحية ضرورية حتى يقدم المناضل كل ما هو منتظر منه في الميدان المادي والمعنوي وحتى يكون ناجحاً في اجتذاب الجماهير واستنهاضها.

ففي جغرافية كجغرافية كردستان ينبغي أن تكون التضحية في أعلى مستوياتها. ولهذا فإن القدرة على زرع هذه الروح في المجتمع تتطلب قبل كل شيء أن يكون المناضل متحلياً بأسمى أنواع التضحية.

وتصبح ضرورة معرفة الذات أكثر وضوحا إذا أضفنا إلى هذا الواقع ضرورة تحطيم قيود العبودية. غير أن هذا العنصر ما زال ضعيفاً بعض الشيء لدى بعض المناضلين.

فهناك العديد ممن يمتلكون قدراً جيداً من الوعي ولكننا نراهم أحياناً يثيرون المشاكل والصعوبات أمام التنظيم والرفاق لدى الوصول إلى هذه النقطة. في حين أنه من المستحيل على المرء أن يكون ثوريا إلا إذا كان مستعدا لمواجهة الصعوبات وللتضحية ومعرفة الذات. فالثورية تعني التضحية ومعرفة الذات في الوقت نفسه. على الفرد أن يكرس نفسه للشعب وللثورة وأن يعمل بكل ما لديه من طاقة في سبيل خدمة مصالحهم.

لحركة حزب العمال الكردستاني في هذا المجال مناضلون جسّدوا في شخصهم هذه الميزات ولم يترددوا لحظة واحدة إزاء تقديم أرواحهم لخدمة القضية المقدسة من خلال معرفة ذاتهم، ضاربين أروع الأمثلة في الفداء والبطولة وأسمى آيات الشجاعة في أصعب الظروف وأعقدها. على كل مناضل من مناضلي حزب العمال الكردستاني كما على الأصدقاء والمتعاطفين والوطنيين جميعا أن يكونوا جديرين بروح البطولة وأن يصلوا إلى مستوى إدارك ومعرفة الذات والشجاعة النادرة التي تجسدت في شخصية العديد من الرفاق العظماء كالرفيق حقي وصالح ومظلوم وكمال وخيري. لا يمكن الحديث عن النضال الثوري الجدير باسم النضال في كردستان إلا من خلال الوصول إلى هذه السمات والمواصفات.

ز- غير منكمش، بل مندفع وحماسي:

هناك صفة أخرى للمناضل هي أنه لا يكون ضمن الفعاليات التي يقوم بها مدافعاً سلبياً من النمط البطيء والمتأني، بل على النقيض من ذلك، يكون حتى في الأجواء الدفاعية نشيطاً وفعالاً بما يتناسب مع الأحوال ومندفعاً بكثير من الحماس المتدفق.

نحن في وضع يفرض علينا أن نقوم بأكبر ثورة فكرية في العالم. حيث أن الثورية تعني الاستعداد للمقاومة. إن الأمر الضروري والملح والذي يفرض ذاته هو أن نصبح مندفعين متحمسين كشعب وككل لا كمجموعة من المناضلين فقط.

فكما أن هذا الاندفاع والحماس ضروري في المراحل الأولى من الثورة فهو ضروري بنفس القدر في مراحلها المتقدمة أيضاً.

نستطيع أن نتحدث عن العديد من الأمثلة الرائعة التي خلقها نضالنا في هذا المجال كتلك النماذج التي سطرت ملاحم بطولية للمقاومة والحماس والاندفاع في زنزانات المستعمرين. ما أكثر الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم وكانوا نماذج للحماس والاندفاع سواء في مرحلة النضال الأيديولوجي أم في مرحلة النضال السياسي ضد الأنظمة القائمة. فحلقات المقاومة التي صنعها كل من حقي وخليل وصالح ودليل وأحمد ومظلوم وخيري وكمال هي الأمثلة الساطعة في هذا الموضوع. لا بد للسلوك الذي تجلى في هذه المناسبات من أن يتحول إلى خصوصية وطنية عامة. إن وضعية المقاومة والاندفاع التي تجلت بصورة دائمة كانت شرطا ضروريا لبناء الأمة الوطنية من جديد، شرطا ضرورياً لكي نكوّن مجتمع المستقبل الذي ينعم بالحرية.

كما أن حركات المقاومة هذه كانت في الوقت نفسه اللبنات التي شيد بها صرح حزب العمال الكردستاني. لهذا السبب لا يجوز التخلي عن المقاومة والبقاء في حالة الاندفاع الدائم، كما يجب أن نرى كلاً من الحياة والمقاومة صنوان متلازمان حيث تم إثبات هذا المبدأ ضمن تاريخ نضالنا الطويل. تلك هي الميزة التي أوصلتنا إلى عتبة المرحلة التي نقف عليها اليوم. ما من فترة شهدت تخلياً عن المقاومة والاندفاع كما يتضح من الأمثلة الكثيرة التي ترصع تاريخ حزب العمال الكردستاني، لأن هذه الصفة هي من الصفات الملائمة للمرحلة بالنسبة للشعب وفي الوقت نفسه لا بد لأي مناضل ثوري من أن يتحلى بها.

على المناضل أن يكون دوماً في وضعية المقاومة والهجوم. لا يجوز أن يكون بطيئاً كسولاً من النمط الذي يكتفي بالإصغاء والسير خلف الأحداث. لا يجوز له أن يبقى أصم إزاء القضايا المطروحة. من المستحيل على أولئك الذين يمضون أكثر أوقاتهم وهم نائمون ولا يفعلون شيئاً خلال ثلاثة أرباع الوقت المتوفر لهم أن يصبحوا مناضلين. المناضل هو الشخص الذي يصارع ذاته ومن حوله وينقض بحماس على القضايا التي تواجهه لحلها قبل كل شيء. المناضل هو الشخص الذي يخطط للثورة والاندفاع والمقاومة ضد جميع هذه الصفات السلبية؛ إنه الشخص الذي يستطيع أن ينتقل إلى مواقع الهجوم ويكون طليعة للمجتمع بفضل الميزات الإيجابية التي يتحلى بها . يستطيع المناضل من خلال البقاء في ساحة النضال أن يصبح فعالاً بعد أن كان سلبياً عنيداً وبعد أن كانت تنقضه روح المقاومة ، مهاجما بعد أن كان في مواقع الدفاع. وهو يفعل هذا كله ليتقدم نحو المسائل المطروحة. إنه مضطر لأن يكون هكذا في كل الميادين؛ لدى الاندفاع نحو العدو وفي أثناء التقدم على طريق التنظيم وخلال القيام بحل مختلف المسائل والمشاكل التي تواجهه. لا بد للمناضل، باختصار ، من أن يكون من النموذج المندفع المتحمس.

ح- يتقن الجمع بين المرونة والصلابة :

هناك ميزة أخرى يمتاز بها المناضل هي أنه يتقن فن الجمع بين المرونة والصلابة. على المناضل أن يعرف كيف يجسّد وبشكل جيد كلاً من الصلابة والمرونة في مختلف نشاطاته ولا سيما في ممارساته السياسية والعملية كما في الفعاليات اليومية سواء داخل الحزب أم خارجه. ففي الوقت الذي يجب أن يعرف فيه كيف يكون مرناً في العديد من المواضيع يجب أن يعرف أيضاً كيف يكون صلباً في العديد من المواضيع الأخرى.

لم تتطور المرونة في مجتمعنا كثيراً فالظروف الاجتماعية تحصر الناس في إطار بنية تتصرف بالحدود القصوى من الألم والخيبة والانطواء. إنها بنية هشة قابلة للانهيار بمجرد اللمس. إن النموذج السائد في مجتمعنا ليس النموذج المتحفز والمرن كالنابض، بل هو النموذج القاسي والصلب المعرض للكسر بسرعة. إن إتقان فن استخدام المرونة في الكثير من المواقف وتطويره أمر إيجابي لا غنى عنه بالنسبة للفرد. إن لإتقان فن استخدام المرونة أهمية كبيرة جدا في الواقع الكردستاني لأن هذا الواقع مثقل ببنية شديدة التعقيد فيما يتعلق بموضوع المرونة، ولأن التاريخ أيضاً مملوء بالسلبيات الناجمة عن انعدام المرونة، ولأن ذلك كله انعكس على الشخصية بصورة بالغة التشويه والتعقيد والاختلاط. فكون الصلابة، لا المرونة، هي التي توفرت لها فرصة التطور في المجتمع ينعكس بكثافة ضمن الحياة التنظيمية أيضاً. إنه موقف ينعكس أيضاً على تصرفات المناضلين ولهذا يكتسب إتقان فن المرونة أهمية كبيرة في سائر النشاطات الأيديولوجية

– السياسية والتنظيمية. إن المرونة تعني تحاشي الانفعال المباشر والمبادرة إلى التحطيم، تحاشي إظهار ردة الفعل بسرعة، تحاشي الصراع مع الأشخاص لأسباب تافهة، والقدرة على إبداء مستوى عال من النضج في التصرفات والسلوك. كما أن المرونة تنطوي على العمق في التفكير وسعة الصدر والقدرة على منع حدوث الأزمات واندفاع البعض للقيام ببعض الأعمال الهدامة التي لا طائل منها.

ونظراً لأن المناضل يستطيع بالاستناد إلى هذه الصفة أن يقوم بالكثير من الأعمال في المجتمع يجب عليه أن يخضع لمتطلباتها ومستلزماتها.

أما الصفة التي تقابل المرونة فهي الصلابة. هناك أمور تتطلب الصلابة ولا يجوز إبداء أية مرونة تجاهها. هناك لحظات حاسمة لا بد للمناضل فيها من أن يتخذ موقفاً صلباً وحاسماً تماماً مثل لحظات ترجمة أحد المبادئ الأساسية للتنظيم ضمن الحياة العملية، غير أن هذه الصلابة يجب أن تكون صلابة تقود إلى النصر الحاسم في تنفيذ المهمة، لا صلابة تجر معها الخيبة والإخفاق في تنفيذ المهمة وزيادة تعقيد الموقف.

على المناضل أن يجمع في كيانه كلاً من صفتي  المرونة والصلابة. غير أنه عليه في الوقت نفسه أن يعرف أين وكيف يمارسهما بشكل صحيح. في الماضي غرق بعضهم فيما يشبه الآغوية باسم الصلابة في حين انزلق آخرون في طريق اللامبالاة الليبرالية تحت اسم المرونة.

كما تأكد عبر تجاربنا السابقة أن هنالك الكثير من النماذج عندنا ممن لا يستطيعون أن يتعايشوا مع رفاقهم ضمن التنظيم ناهيك عن التعايش مع القوى الأخرى فهم إما أن يكونوا أصلب مما ينبغي أو أن يتصرفوا بمرونة تصل إلى حد الميوعة. فأحدهم إما أن يكنّ الحقد لرفيقه ويحاول أن يسبب له العثرات مع الميل إلى التخلي عنه لمجرد هفوة بسيطة، أو أن يغرق في الليبرالية فيغدو عاملاً على نشر العلاقات اللامسؤولة ) علاقات المودة ( مما يجعله يتحاشى توجيه أي نقد لصديقه القديم أو أحد أقربائه ويغض النظر عن أخطائه .

إن الموقفين ينطويان على الكثير من الأضرار بالنسبة للنضال والتنظيم. على المناضل أن يعرف يكف يقطع صلاته بمن يتأكد من أنهم يلحقون الأذى بالنضال كما يجب أن يعرف كيف يبقي على صلات ودية مع جميع الذين يمكن أن يستفيد منهم لخدمة هذه المصالح.

غير أنه يجب أن يحذر من اتباع الأسلوب نفسه في كل الأوقات والظروف يجب عليه أن يكون مبدعا وخلاقا في هذا المجال. ذلك يعني أن على المناضل الثوري أن يمتلك الكفاءة التي تؤهله لأن يبدي المرونة أو الصلابة المطلوبة عبر أخذ الظروف والشروط بعين الاعتبار وبمقدار ما ينجح في ذلك يستطيع أن يساهم في تطور النضال مساهمة أكبر من خلال الإفادة من طاقة الجميع بمن فيهم >> الأصدقاء الأقل بعثا على الثقة <<.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى