العقد الاجتماعي الجديد في العهد الديمقراطي الجديد

العقد الاجتماعي الجديد في العهد الديمقراطي الجديد

سيهانوك ديبو

ملخص إن جوهر اشتقاق الشرعية الثورية في مرحلة التأسيس للإدارة الذاتية الديمقراطية و التي تمثل روح الأمة المجتمعية الديمقراطية ، يمثل الضمان الأنسب للعقد الوطني السياسي لكل المكونات المنتمية للمجتمع السوري الحديث سيّما و هو على أعتاب التأسيس، أو محاولة الخوض لتأسيس الجمهورية السورية الثالثة ) مرحلة التأسيس هذه مرهونة بحجم و بمنشأ التسويات و التوازنات الداخلية و الإقليمية و العالمية، و في الوقت نفسه مرهونة بصراع أيديولوجي متمم مع لعبة الأمم على نحو فاضح مع الرغائبية الدولتية و مصالح القوى و الأيديولوجيات التي تروضها، و لو كانت على أنقاضها المتداعية، و من جهة أخرى بصراع أيديولوجي منبته الشعب و تطلعاته إلى التغيير الذي يلزم من أجل أن يكون هذا الشعب سيد نفسه (.

بعد فشل الجمهوريتين: الأولى و التي نشأت بعد الاستقلال و امتدت حتى عام 1958 – الوحدة مع مصر – و الجمهورية الثانية التي قضت على الأولى و امتدت حتى الأيام الأولى للحر اك الثوري الرفضي المجتمعي لقيود نمطية الحكم الشمولي القوموي، أصبح من اللازم البحث قصيّاً عن البديل الثوري الذي يضمن عدم الانزياح، فكانت الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد أشبه بحاجة الإنسان إلى اختراع يضمن تطوره وتبدله و الارتقاء و النهوض الجمعي و البشري الممكن، لذا كان العقد الاجتماعي المولود في كانتونات الإدارة الذاتية الديمقراطية الثلاثة؛ والمأمول كعقد « متمدد » في الوطني السياسي السوري في الجمهورية الثالثة مرتبط أشد ارتباط بالنهضة المتوقعة من النهضة المجتمعية المتأصلة للحراك الرفضي لسلطات الاستبداد و من بعده قوى التسلط المستحدثة.

مرحلة التأسيس للجمهورية الثالثة ليست في حال مثلى بل ربما كان العكس تماما ، فقد ساهم النظام و غالبية فئات معارضته من خلال العنف و العنف المضاد، كما ساهم العنف المستشري في انحراف في المسار و تسارع في تعميق انقلاب العقد الاجتماعي للحراك، ولكن يبقى العقد الاجتماعي المتأسس في روج آفا بمثابة التصحيح للثورة و منعها من انحراف صميمي أو تقسيم طلاقيٍّ أو حتى هجوم رسمي خارجي متوقع أن يُمارس من قبل جهات يرعبها كنه الإدارة الذاتية الديمقراطية ، ولأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط « قفز الشعب من مستبَد إلى سيادي، و تشكل مفهوم السيادة الوطنية، وتمت إعادة تشكيل مفهوم الهوية ، و بالتالي التغيير الذي نحتاجه.

فخ المركزية التنميط في المفهوم القومي، و النمطية القومية في الدولة القومية بخصوص سوريا حديث؛ لم يبلغ المائة عام، علاوة على ذلك فإن كل الأشكال المركزية لا يمكن دوامها بهذا الشكل الاستبدادي، و مستقبل سوريا لا يمكنه الاستقرار من خلال إيلاج هذه المفاهيم الواحدة في الجسم الواحد لسبب بسيط لا يمكن للمستقبل تحمله و حمل وزره. في علم الحساب البسيط يمكن فقط إدراك ماهية « الواحد » ، و الواحد هو المتناسب معرفيا مع العصبية التي تحدث عنها ابن خلدون ، و تحدثت عنها أيضا طبائع الاستبداد و المستبدون الجدد في المائة عام المنصرمة، و هو ما يتحدث عنه بعض من فقد الأمل بحركية التاريخ وبالتغيير، في زمن ادعاء ذهاب الأيديولوجية إلى غير رجعة، ولذلك نجده تفسيرا منهجياً مُلبّياً لأهداف دعاة المركزية ) أينما تواجدوا(، وهؤلاء هم ) النرجسيون الجماعيون( والمعتمدون على ثنائية الأكثرية والأقليات، والتراتب الهرمي، وهو وعي الجيل الذي تم تشريب عقله الباطني بهذه السموم؛ ربما لهذا نجد أن يساريا يتعاطف مع كل قضايا الكون و ينسى كل اليسارية حينما يغدو الأمر متعلقا بالكردي وقضيته، فيتململ و يتذكر المواطنة « فقط «من أجل إعادة القمع و إعادة إنتاج السلطوية، و المنبوذ أي الممارس بحقه العنف ينبض في نوابض الارتداد و يتخذ المتوقع منه و هي وهم الدوائر المغلقة ، و في كلا الحالتين: قوى الهيمنة و توابعها المحليين و توابع التوابع يسعدها هذا الأمر.

لكن ماذا بخصوص الجولة الأولى من جنيف 2 سوريا- كردياً؟ « المدد الغيبي « أسلوب أو وسيلة فاضت بها خشبات مسارح روما و اليونان و اعتمدها كُتَّاب المسرح في الحضارات الإغريقية والرومانية، و مفاد هذه الوسيلة : أن تعقيدا حاصلا يطرأ على الحبكة الدرامية، و تحتمل في تلك اللحظة مخارج عديدة و تكون هذه المخارج غير متطابقة مع البدايات الناشئة، فَيُعتَمَد « المدد الغيبي « كطريقة تتوضع وفقها نهاية لائقة. و لعل التدقيق في سوابق اللاحقة، يشبه تراجيديا المسرح الإغريقي، لكن هذه المرة على الخشبة السورية، و النتيجة: الضحك لشدة الألم، فحقيقة الأمر أن المجتمع السوري تعرض لأبشع تمدد و تقلص في البنية المجتمعية، و أدت هذه التمددات القسرية إلى شقلبة الواقع المجتمعي، مرة عن طريق الدفع بالحراك الثوري إلى مسألة العنف و الفوضى و إيجاد جنيف 1 كمدد غيبي، اعتبرت وفقها الحل الدامي، و من ثم و بعد حوالي العشرين شهراً تعرض المجتمع نفسه إلى عملية شد القهقري، و كنه هذا الشد هو العودة في الخراب، من أجل الزيادة في خلق النوابذ و نوابضها من أجل خلق عدم القبول، وعليه فإن عملية الترميم المجتمعي لن تكون مرفقة بأية تسوية أو مخرج سياسي يلون الأزمة وفق مقتضيات الحل.

و الجانب الكردي الذي شارك في الجولة الأولى ظل جانبا و مجانبا للوقائع الأساسية، فلم يكن ظهوره في البدء و الوسط و الخاتمة سوى شواهد، كمثل الشواهد الشعرية في كتابة إنشاء عام، القضية الكردية في سوريا مثلها مثل أية قضية محورية، لا بد من إيجاد حل جمعي في العام السوري، و هذا مدخل الحل، وعلى العكس من ذلك لم يُشأ أن يتطرق إليها، لا من قريب و لا من بعيد، بل كانت حاضرة فقط خارج الرواق و خاصة حينما تكون الأمور متعلقة بالميديا و الظهور النرجسي، و النتيجة ) سورياً- كردياً( و في الجولة الأولى كانت فاشلة بامتياز، و لا يمكن حتى القول إن الجولة الثانية مُمهدة لها في الأولى، فاختلاف العناصر، و المتطلب في مشاركة العناصر الفاعلة على المشهد السوري، أو احتمالية مشاركة الآخرين و خاصة من فئات المعارضة كهيئة التنسيق و احتمالية وجود وفد كردي واحد، و احتمالية مشاركة وفد من وحدات حماية الشعب كقوة عسكرية دفاعية أثبت النهج الثالث جدوى وجودها، حيث أن غالبية مكونات الشعب في روج آفا تتفق على الشرعية الثورية لوحدات حماية الشعب ال Y P G …. أصبحت مشاركة الفاعلين شرطا من أجل النجاح و الوصول بعد النجاح إلى التوافق و تصورات الحل. لكن ماذا سيحدث لو تم قبول الجميع للجميع و خاصة للممثلين الجدد؟

برامج….أهداف ….سلوك إن الإدارة الذاتية الديمقراطية تؤكد اليوم و في كل الأيام وحدة سوريا أكثر، و هي بمثابة الإجراء الذي يُفنِّد تبعيات و تداعيات الانهيار الكامل للدولة السورية وانتقال النزاع إلى دول الجوار، و نموذج الإدارة الذاتية و التي اتفقت عليها المكونات في روج آفا و هي بصدد تشكيل دقائقها، هو نموذج ديمقراطي لإدارة المقاطعات الثلاث، و هي بذلك تسعى جاهدة كي يحتذى به في المناطق السورية الأخرى كسبيل من أجل الوصول إلى مجتمع سوري ديمقراطي تعددي و برلماني و تشاركي .

هذا الوعي الفتي الذي اتحد فيه، لأول مرة، اللوغوس والإيروس، أي العقل والعاطفة والوجدان والشعور، لدى فئة الشباب خصوصاً، اللاتي تصدين والذين تصدوا ل ) هجوم الغُزاة( المدعوم من التكتل القديم المعادي لإرادة الشعوب و بترسانة ميديائية قل نظير شراستها، و العقد الجديد في العهد الجديد؛ أثار الخوف والهلع لدى الفئات المحافظة في السلطة والمعارضة، على السواء؛ فبادرت الأولى إلى حصاره والثانية إلى احتوائه، الأولى فعلت و ما تزال تفعل من أجل إفشالها ، بكل ما امتلكت من ذهنية شوفينية ووسائل حربها المدمرة، والثانية حاولت وتحاول وأد الذهنية الثورية المتولدة وبسمومها الأيديولوجية، البعثية أو الإحيائية، السلفية والأصولية والجهادية، الأثنية منها والمذهبية؛ كما يقول الدكتور الجباعي.

و الذهنية الثورية التي تعتبر حاسمة في التغيير بالنسبة للشرق و سوريا و روج آفا، تشكل منها وعي يُناسب حالة الذهنية الثورية و يتناسب مع حداثتها الديمقراطية، وهذا الوعي أحدث انتقالا عميقا في الشخصية في روج آفاييه كردستان و بكل مكوناته و الانتقال يبدو واضحا من المرحلة الثانية )مرحلة التطور الطبيعي( المرهونة بالتأثيرات الكونية و التقنية منها على أشد الخصوص ) مرحلة الترابية(، إلى مرحلة نوعية تشكل فيها الوعي و اتحد فيه اللوغوس و الايروس، أي العقل و العاطفة ، و هذا ما يجب تسميته ) بمرحلة التنين( حيث يتوضح فيها الإطار العام للشخصية النوعية المرتبطة بالذهنية الثورية لدى كل الفئات العمرية و خاصة فئة الشباب و التي وجدت محلا لها في حركة الحرية في مواجهة الفئات المحافظة سواء في السلطة أو المعارضة؛ أيديولوجية الأمة الديمقراطية في مواجهة أيديولوجية الحداثة الرأسمالية و قوى الأوليغارشية و المتعوبة و المتزعمة في رؤوس حربتها المحليين: البعثية و السلفية و الأصولية و المتهافتين المحسوبين قوميا ) شهود يهوه الجدد – الكرد المستعربين(.

إن أبرز المهمات قبل هذه الرؤى كلها العمل سوية من أجل تشكيل )الهوية الوطنية( و التي ما زالت متبعثرة و ما زالت تصطدم بالتأدلج العروبي و التسيس الإسلاموي كأهم عاملين و أصل مشكلة نقص الاكتفاء الذاتي السورية في تكوين الهوية الوطنية. و المعياران الأساسيان من أجل تلمس الهوية الوطنية السورية يكمنان في مدخلين:

أولهما: شكل و صيغة الإدارة في سورية المستقبلية و التي لا بد أن تكون على صيغة الدولة السورية الحداثوية الديمقراطية و المتمدنة.

ثانيهما: إيجاد حل ديمقراطي و دستوري للقضية الكردية في سوريا وفق ماهية الأمة الديمقراطية و التي تؤكد محددات الحل الديمقراطي للمسألة القومية لكل القوميات، و من بينها القومية الكردية وعلى أساس ) كلية المفهوم( الشعب و الأرض، و هذا بدوره يتناسب مع المعايير و المعاهدات الدولية.

المشاركة المعبرة والضامنة والعادلة للوفد الكردي في جنيف 2 كجزء أساس للمعارضة الوطنية السورية و كممثل لكل المكونات المجتمعية ومؤسساته المدنية في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية. و هذه الإدارة جزء أساسي من الإدارة العامة في دمشق و التي ستتشكل من أجل بناء مجتمع ديمقراطي وتعددي ومتمدن في سوريا. و لا يمكن تحقيق هذا إلا من خلال قيام المرأة بدورها في بناء مجتمع متمدن و عصري معبر عن الإرادة المجتمعية والإسهام في تحقيق الأمن و السلام في سوريا المستقبلية.

لكن كيف؟

من أجل الوصول إلى هذا الهدف لا بد من توافر نقاط تكون ضامنة للحل من أجل تنفيذ ما يلي:

  1. تعريف مؤتمر جنيف 2 و الذي يتضمن المفاوضات والوضعيات السابقة للأزمة السوية قبل انعقاد المؤتمر و الوضعيات التي تلحق المؤتمر ضمن الأرضية الحقوقية التي تضمن عدم انزياح القرارات الصائر إليها من قبل المؤتمرين.

-2 الاتفاق الذي سينشأ سيكون مدعوماً بالرغبة الدولية الراعية للمؤتمر و المتوافقة في الوقت نفسه لإيجاد الحل و آليات الحل ضمن أرضية قانونية و إطار قانوني سياسي للحل الديمقراطي.

-3 المفصلين الأوليين سينجم عنهما بالتأكيد «كيفيات قانونية للحل « من أهمها:

أ- تشكيل إدارة موسعة بصلاحيات تنفيذية كاملة

ب- تشكيل هيئة تحكيم مشتركة ) سورية و دولية( لمتابعة و تصويب المرحلة الانتقالية.

-4 لأننا ندرك تماما أن الوضع السوري الحالي مقلق لأبنائه و للأسرة الدولية خاصة من الجوانب المتعلقة بالأمن و السلام، ولأن مناطق الإدارة الذاتية تتمتع حتى هذه اللحظة بنوع متقدم من الأمن مقارنة بمثيلاتها من المناطق السورية، ومن المهم هنا التأكيد على الدور الوطني الذي لعبته وحدات حماية الشعب Y P G في مجالي السلام و الأمن لذلك من الضروري أن تكون هذه المؤسسة الوطنية موجودة في كل مراحل الحل، سيّما أن وحدات حماية الشعب هي جزء من الجيش السوري الوطني.

الجمهوريات الثلاث: سورياً من المهم التوضيح أنه قد يكون الحل الكلي) سوريا- كرديا( غير وارد بشكل كلي على دفعة واحدة وفي أي مكان، بل على العكس فإن اعتماد المتدرج في الحلول له جوانب إيجابية أكثر بكثير من جوانبه السلبية من أهمها الصلابة في البناء بسبب التدرج الزمني نفسه، ووفقا لما تقدم فإن الحل السوري كردياً يُعتَبرُ غالباً أن القضية الكردية تبتدأ بالاتفاق المجتمعي في سوريا و أن أساسيات حل القضية الكردية في سوريا محددة بالاتفاق أساسا على عدة مناحي:

– بداية تشكل الدولة السورية: واعتبار أن اتفاقيات سايكس بيكو و فرساي و أخيرا لوزان 2 و التي أطاحت بالرجل المريض و في الوقت ذاته بتطلعات شعوب الشرق الأوسط و من بينهم الشعب الكردستاني، و أن كردستان وحدها دفعت الثمن الأكثر تضررا خاصة في ابتلاع جغرافيتها، و لكن الكرد و في كل الأجزاء و خاصة في سوريا دافعوا عن بلادهم و قيمهم و الأمثلة في هذا المنحى كثيرة جداً. هذه النقطة التي لا يستطيع الشركاء إدراكها، و ربما لا يستسيغونها مطلقا، مع العلم أنها تُشّكل الضرورة الابستيمية المجتمعية من أجل النهوض الديمقراطي و إحداث عملية التغيير.

– الجمهورية السورية الأولى و الثانية: إن أنظمة الاستبداد المتعاقبة على الحكم على الشعب السوري لم تجلب معها سوى الدمار المجتمعي و لكل أبناء الشعب السوري، والأيديولوجية الحشدية التي استعملتها هذه الأنظمة فرقت بين أبناء البلد الواحد، واتخذت و بالمفهوم السلبي موزاييك سوريا و عد مسألة التنوع الطائفي و القومي بمثابة نقاط ارتكاز بالنسبة لهم وفق المفهوم السلبي، وهذا باعتقادنا سبب فشل المحاولات الجمعية و المدنية في كل اختبار يحاول بناء سورية عصرية ديمقراطية تعددية، خاصة أن الكرد و المناطق الكردية شهدت في هذا المنحى ثورات تضامنت مع نظيراتها في الداخل و الساحل من أجل طرد المستعمر آنذاك.

– الجمهورية السورية الثالثة: الحل السوري يبتدأ ديمقراطيا، و أية تسوية سياسية تفتقر إلى المضمون الكلي الديمقراطي ستكون فقط تسوية متعثرة، و ربما تستند إلى المزيد من العنف، عندما تقتنع الأطراف المشاركة في جنيف 2 بأن مفتاح الحل الديمقراطي في سوريا يكمن في الخطوة الحقيقية و المتعلقة بحل ديمقراطي حقيقي للقضية الكردية في سوريا و النظر إليها من ثابتي: الأرض والشعب، و غير ذلك هو حل منقوص، و أي حل منقوص في هذه اللحظات الحرجة هو استدامة للعنف طالما هناك ديمومة لعناصر الحشد الانفجاري. وعلى المفاوض الكردي أن يدرك بأنه واحد من أصل مجموعة متنافرة سيساهمون مجتمعين في خلق ظروف التحول أثناء و بعد جنيف 2. و لعل أبرز سمات التحول هو وقف العنف المجتمعي، و كل المظاهر المتعلقة بهذا العنف، و هنا من المهم الإشارة إلى صيغة جنيف الأولى و عدها صيغة مناسبة للحل السياسي، و لكن من الضروري إجراء بعض التعديلات عليها بما يناسب مسألة التمثيل في الوفود المشاركة و مسألة التمثيل في الحكومة الانتقالية المزمع تشكيلها في فترة لاحقة، و كل ما تقدم و كل ما يؤخذ بعين الاعتبار بخصوص الإدارة الذاتية المتشكلة و بكانتوناتها الثلاثة أعتقد أنه سيكون مدخ مناسباً للحل الديمقراطي في سوريا. ووفق ما تقدم أعتقد أن المطلوب وطنياً، و في هذه اللحظات أن تتوفر القناعة الكاملة في دعم الإدارة الذاتية الديمقراطية و بكانتوناتها الثلاثة ) وطنياً(، وعلاوة على ذلك أن تحظى هذه الإدارة بالدعم و بالرؤية الإيجابية للإدارة المتشكلة، سيّما أنها تلبي الوضع المجتمعي وإرادته في تقرير مصيره من خلال هذه الإدارة الذاتية.

التسوية السورية التاريخية تبدو بعيدة نوعا ما ، على الأقل في جنيف 2 بسبب تعنت السلطة و تعنت وفد المعارضة و الشخصيات الكردية الملحقة بالوفد؛ و التي حاورتها في الجولة الأولى، والتسوية «السياسية » التي تطرحها القوى الخارجية، أقرب إلى هدنة منها إلى صفقة تاريخية، فقط لملتزمي الخط الثالث تعتبر بالنسبة لهم تسوية ضمن الهدنة، و الهدنة هي وقف العداء بين المتحاربين، و الحرب في سوريا هي بوشاح السلطة، و السلطة في روج آفا لا مأوى لها ولا مسكن ولا مأكل، الكل متساوون في الأمة الديمقراطية كمطلب تغييري و كرؤية لفلسفة التعايش مرة أخرى.

خاتمة

لأسباب مفهومة و لدِواعٍ واضحة ؛ تُرَكز الحكومات الوطنية الرشيدة في العالم كله على مسائل الأمن و السلام، و أي خلل ينجم عنها له تأثيرات مباشرة على البنية التحتية المجتمعية و الثقافية، و الاقتصاد السياسي الجمعي والدولي على رأس هذه التأثيرات .

الأنظمة المتكسرة في الشرق ، و الأنظمة التي تلتها لا تعير اهتماما كافيا لهذه المسألة و هي مُلحَّة في المدى القصير ) الاقتصاد و الأمن ( أبرز قضايا المرحلة . و المتكسرة من الأنظمة و ما تلتها أيضا لا تعير أي اهتمام لمسألة الديمقراطية التوافقية و إشراك جميع الأطراف في أية تسوية سياسية. و عليه فإن المسألة الأخيرة ) الديمقراطية ( ستكون بمثابة الروح في جسد الاقتصاد و الأمن و السلم ، سواء بالنسبة إلى شعوب الشرق أو شعوب العالم كله . الفيلسوف الهولندي دسيدريوس إراسموس، من رواد الحركة الإنسانية في أوروبا، في كتابه «مديح الحمق » يخاطب بعض الذين تاهوا عن الطريق الحقيقي قبل أكثر من خمسمائة عام قائلا لهم :

«إننا نتقدم، و لو كنت عاقلا لسارعت بالمجيء إلى هنا .»

و يمكن أيضاً أن نقارب الوضع السوري و الذي يشبه مأساة هاملت لشكسبير؛ والتي تحولت في نهاية المسرحية إلى ملهاة، فخوف هاملت من الشر ) الملك(، تبيّن أنه لم يكن خوفا، ربما مواربة أو قدرة فائقة على الصبر و التحمل، أو نضال ذاتي حقق عن طريقه النصر .

كل العجب من كل من يخاف في زمن الحرية؛ وبالأخص لمن يقرأ الإدارة الذاتية الديمقراطية، و ما زال متردداً خائفاً، مع العلم أن الخوف هو شعور قد يكون مجانبا للحقيقة، و مع العلم أيضاً أن الإدارة الذاتية الديمقراطية و كانتوناتها الثلاثة شعور في العمل، و كل العمل هو من أجل أمة ديمقراطية يخفت فيها العراك على أسس قوموية تضمن الميلان عنوة نحو الهاوية. و هذا مردّه الدوائر ، أصحاب الدوائر يخافون من كل شيء خارج دوائرهم. على العكس و بناءً على مفهوم التغيير تطل الأمة الديمقراطية بأبهى حالاتها للحل و لإدارة أفقية لمجتمع وحضارات أنهكتها السلطة العمودية في الشرق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى