الأمة الديمقراطية هي صيغة الحياة الحرة للمجتمعات

الأمة الديمقراطية هي صيغة الحياة الحرة للمجتمعات

فرات عفريني

قبل التطرق لمفهوم الأمة الديمقراطية التي تشهد عواصف قوية، من الفائدة بمكان توضيح ما نفهمه وكيف نحلل هذا المصطلح. الأمة الديمقراطية: هي إعادة تفسير جدلية المجتمع التاريخية والتنظيم الديمقراطي للفئة الاجتماعية الذي يتم تعريف جوهره على أنه تكوين اجتماعي ثقافي استناداً إلى تفسيرات القائد APO .هو نموذج تنظيم الأمة الذي طوره القائد APO بشكل يتوافق مع جدلية المجتمع التاريخية خارج مفهوم الدولة الهيارارشيكية بالتحرر من براديغما السلطة ضمن مفهوم علوم الاجتماعية. مقابل الكيان السياسي المتشكل والمنظم وفق المصالح البرجوازية، ونموذج التنظيم الاجتماعي المرتبط بالظروف الموضوعية للعلاقة الاجتماعية الاقتصادية للنظام الرأسمالي.

مفهوم الأمة التي طورتها البرجوازية على الأسس الاقتصادية الاجتماعية تحولت تدريجيا إلى دولة  قومية. مقولة الذي تدعي بأن بزوغ الأمة جاءت في فجر الرأسمالية يفيد هذا المفهوم. وكما عبره هيغل على أنه » نزول الرب إلى الأرض «. وهذا يعبر عن الوحش واللويثان الذي يتم ذكره في التوراة. وتعني اختناق كل الشعوب والأديان والطبقات والمذاهب والطوائف. باختصار اختناق كل شيء.

بمعني تحول الأرض من جنة إلى جهنم لا يطاق. إن التحرر من هذا الجحيم والوحشية يتم من خلال التخلص من كل القوالب المتشكلة وعلى راسها قوالب الذهنية. أسماها القائد ب « تجاوز حدود وعي النظام «. الشرط الأساسي لتحدي هذا الوحش هو تجاوز معارف هذا الوحش، وهذا يتطلب إعادة تعريف الأمة من جديد. على أساس التعريف الجديد للأمة يتوجب تطوير خصائص الأمة الديمقراطية والتي تعتبر مهمة أساسية. فمن أجل عدم الوقوع في مصيدة النظام يجب تجاوز مفهوم ومنطق الدولة القومية التي اعتمدت على التحاليل الاقتصادية الاجتماعية للرأسمالية. والشرط الأساسي لهذا هو فصل كل من الدولة والأمة عن بعضها البعض.

الأمة التي تعبر عن التطور التاريخي  الاجتماعي ليس من الضرورة أن تتحول إلى دولة. وعلى الأساس نفسه مثلما أن الدولة لم تخلق الأمة أو ليس ضرورياً لتكوّن الأمة.

فاستخدام هاتين الظاهرتين معاً وبشكل مكثف تساهم فقط في الخداع والمغالطة أكثر. لهذا السبب من الفائدة بمكان إعادة النظر إلى تكوين الأمة والدولة من جديد.

من المعلوم بأن الدولة تشكلت كتنظيم إداري. ومع الدولة تراكمت الجماعات المستندة إلى الطبقية والمجتمعية. انطلاقا من هذا من الصواب رؤية الدولة كقوة اجتماعية وليست آلية إدارية فقط ويمكن استخدام تعابير « مجتمع ضمن مجتمع » ،« مجتمع فوقي على المجتمع «. استمرت الدولة بالمحافظة على جوهرها عن طريق الأمن العام وآلية التقسيم الاجتماعي الطبقي، حتى ولو اكتسبت أسماء مختلفة بشكل يتناسب مع شكل السلطة المسيرة. بدأت من الراهب، السلالة، الدولة الدينية إلى أن وصلت إلى الدولة القومية.

اذاً فالدولة تشكلت قبل الدولة القومية بكثير. مرحلة الدولة القومية هي تسمية جديدة لجوهر السلطة. لم تسير ولادة الأمة وولادة الدولة القومية معاً كما يعتقد.

حيث أن الأمة تشكلت قبل الدولة القومية في اوروبا. فإن تكوّن الأمة الإنكليزية والسويدية والايطالية وحتى الاسبانية تمت ما بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر تحت سقف أشكال إدارات مختلفة  أغلبها كومينالية وكونفدرالية – وبعدها وصل إلى الدولة القومية تحققت فيما بين القرن الثامن عشر والعشرين.

اضطرت الدولة الرأسمالية إلى خلق مجتمعية من حولها. فعلاقة الأمة بدأت مع المجتمع الرأسمالي قبل الدولة الرأسمالية. فالدولة – القومية سعت إلى تشكيل ذاتها على أساس هذا الرابط أو هذه العلاقة. فبعد فترة سعت البرجوازية من خلال إظهار نفسها كقوة طليعية للأمة، وطورت القوموية في السياسة، والليبرالية في الاقتصاد لأجل إنشاء نظامها. فبتوسع المجتمع الرأسمالي بهذا الشكل سعت إلى أن تشمل كل الأمم. علينا هنا أن لا نفهم الظاهرة بالشكل الخاطىء، علاقة الأمة والمجتمع الرأسمالي لم تكن ضرورة حتمية. حتى أنها لم تتكون وفق ذهنية واحدة. تكوّن الأمة يسلك مساراً مختلفا في النشوء. أما بالنسبة للمجتمع الرأسمالي، فهو اجتماعية الدولة الرأسمالية المركزية. أي لو لم تصل الرأسمالية إلى نظام حاكم في نهاية القرن التاسع عشر فإن الأمة كانت ستستمر في وجودها خارج الرأسمالية. الأمة، ليست نتاج الرأسمالية. لكن من الواجب رؤية تشابه الأمة مع المجتمع الرأسمالي وفيما بعد مع الدولة الرأسمالية على أنه حذاقة للبرجوازية. حيث تطرق القائد آبو إلى هذا الموضوع في مرافعته المعنونة ب « دفاع عن شعب « بهذا الشكل.

من الضروري الإدراك بأن تشكُّل المجتمعات كظواهر قومية، ليس ثمرة مباشرة للرأسمالية. فالزعم، في هذا الموضوع أيضاً، بأن الرأسمالية تخلق الأمة، خطأ حقيقي.

وللماركسية أيضاً نصيبها في هذا الخطأ. فالمرحلة البارزة في المجتمعات على شكل كلان، قبيلة، عشيرة، قومية، وأمة؛ لها جدليتها الخاصة بها. وهي لا تتولد كثمرة للمجتمع الطبقي. إذ يمكن تكوُّن الأمة دون وجود الرأسمالية. فاللغة والثقافة والتاريخ والقوة السياسية تلعب دوراً مصيرياً أكبر في تشكل الأمة. وبإمكان الأمم المستاوية الحرة والديمقراطية أن تتطور بسلامة أفضل في البنى الاجتماعية. نلاحظ أن الأمم تشكلت في أوروبا الغربية منذ القرن الثاني عشر. لم يتبين أيٌ من تلك الأنظمة الموجودة ستسود بين الأمم، إلا في أواخر القرن الثامن عشر، مع انتصار البورجوازية. وانتصار الرأسمالية بين الأمم يتماشى وإحلالها القوموية محل الدين، كأيديولوجية حاكمة. فتطوير السوق داخلياً، والانفتاح نحو الخارج، منوطان عن كثب بوجود قوموية راسخة. وخاصية القوموية الوطيدة هذه تفضي إلى الدولة القومية. تتطور الدولة القومية بعد تجاوز الستار الأيديولوجي الديني، عبر العلمانية.

إن القول بدولة الأمم، أمر خاطئ في مضمونه كلياً. فقد يعكس الحديث عن قومية المجتمع وتكامله القومي نسبة من الحقيقة القائمة، أما قومية الدولة فهي حُكم أيديولوجي، وليست واقعاً اجتماعياً قائماً. لا وجود لأصحاب دولة اجتماعية بالكامل. فالدولة دائماً في إمرة وخدمة أقلية قومية. وما تفعله الدولة هو تحويل الظاهرة القومية إلى ظاهرة أيديولوجية، لتأمين أسس مشروعيتها؛ تماماً كما هي الحال في الظاهرة الدينية. فكل قومويات القرنين التاسع عشر والعشرين مرتبطة بالطموح إلى تأمين المشروعية الاجتماعية. والقوموية تلعب دوراً بارزاً في مواراة التناقضات الطبقية في الداخل، والتحفيز على الاعتداءات صوب الخارج. من المهم فهم القوموية كسلاح أيديولوجي للدولة الرأسمالية، من حيث الاستيعاب الصحيح لمراحل توسعها وانتشارها.

تُزيد القوموية من تعزيز المركزية داخل الدولة، في الوقت ذاته. وتنزلق قوموية الدولة نحو البنى المركزية الأحادية، إزاء البنى الإقطاعية الأكثر ديمقراطية. من هنا يتم العبور نحو مفهوم الدولة الفاشية والتوتاليتارية.

يتماشى تحول المرض الاجتماعي إلى حالة الهيستريا جنباً إلى جنب مع توجه النظام الرأسمالي نحو شكل الدولة الفاشية والتوتاليتارية. والمحصلة تكون انتحار الرأسمالية. من هذا المنطلق، يمكن التفكير في الحربين العالميتين الأولى والثانية بأنهما عمليتان انتحاريتان للنظام المتولد من الاستخدام المفرط لعيار القوموية. إنها مرحلة ولوج الرأسمالية – التي تُعتَبَر أزمة الحضارة – أشمل وأعمق مراحل الأزمة والفوضى. ر إلى نظام المجتمع الرأسمالي بإرشادات إذا ما نُظ نظرية أكثر شمولية وتكاملاً، سيُرى أنه مُجَمَّع العناصر الأكثر استغلالاً، والمتسربة داخل صفوف مجتمع الإنسان. يمكن تناول الاستغلالية كالانتهازية التي تحوِّل كل شيء لمنفعتها على الفور. إنها تطوير للنفعية على الصعيد الفني.

وهدفها أولاً هو القيم المادية. لكنها تتوجه نحو القيم الفكرية والعقائدية والفنية، والتي يمكننا تسميتها بالقيم المعنوية؛ بالتكافؤ مع نسبة خدمتها للتطور المادي. فلسفتها الأساسية هي انتظار الربح المنفعي من كل ما هو موجود باسم الظاهرة الاجتماعية.

إنها لا تميز في الاستغلال بين القيم الطبيعية المشاعية، وقيم الدولة الهرمية. المهم هنا أن تكون معطاءة ومثمرة. وتشبيهها بالدود المعشش داخل البنية، أو بجرثوم السرطان، مرتبط بنوعيتها هذه. وهي تذكرنا أيضاً بالتشبيه القائل: دود الشجرة من الشجرة.

لنبيِّنْ مرة أخرى اعتماداً على تلك التشبيهات، أن الظواهر المعنية يمكنها مواصلة وجودها تحت المراقبة والعناية، ما لم يتغلغل الدود داخل كل السرب، أو يحيط الجرثوم بكامل البنية، أو ينخر الدود الشجرة حتى يقلبها. تُعتَبَر الرأسمالية في أخطر مراحلها لدى تحولها إلى نظام مهيمن، وانزلاقها معه نحو أشكال مفرطة. هذا أمر وارد في طبيعتها. هذه هي الظاهرة المسماة بالفاشية والتوتاليتارية. في هذه الحالة تُشاهَد حالة من الحرب الدائمية داخل المجتمع. وهي ليست مجرد حروب عسكرية عالمية رسمية، كالحربين العالميتين، بل وتعاش الحروب الأخطر والأضرس داخل المجتمع، في كافة مؤسساته وعلاقاته. ويبدأ المنطق الذي مفاده: »الإنسان ذئب الإنسان « بالفاعلية كلياً. وتتفشى الحروب حتى بين الأزواج والأطفال، وفي البيئة الطبيعية برمتها. وما القنبلة الذرّية سوى تعبير رمزي عن هذه الحقيقة. حيث تعاش حالة من القنبلة الذرّية داخل عموم المجتمع، بشكل دائمي، ولكن تدريجي وبطيء.

إذا ما نظرنا إلى مرحلة الدولة القومية والعولمة، نجد أن الوضع مرئي بشكل أوضح. إذ، وبعد الإفراط في الظاهرة القومية والاستيلاء كلياً على الدولة، يكاد الفرد المعزَّز بالقوة سابقاً، يدخل مرحلة »التَنَمُّل « (التحول إلى نملة. ويغدو الفرد والإنسانية المثالية المتعاظمان مع النهضة، موضوعاً لمرحلة معكوسة؛ وكأنهما أضحيا هدف الهجومات والتهكمات.

هذه الحقيقة لوحدها كافية ووافية للإشادة بمدى التضاد والتباين بين الرأسمالية وقيم النهضة. فبينما يتضخم الرأسمالي، يتقزم الفرد. ويتحول مضمون الإنسانية المثالية إلى مصطلح أجوف، أو مصطلح يبعث على الحياء، تجاه حروب الفتح الضارية الناشبة بين الشركات العملاقة تحت اسم العولمة. أما تذويب كافة المؤسسات – عدا الدولة القومية – واستعمارها؛ فيغدو ظاهرة ضرورية لا بد منها. وبإيصال مبدأ »ما من قيمة أثمن وأسمى من الدولة القومية « إلى حالة كهذه، تتقمص الدولة درع الحصانة بما لم تبلغه في أي من العصور الأخرى. كل شيء من أجل الدولة المللية. وفي الحقيقة، كل شيء من أجل الرأسمالي، لكنْ تحت رداء أو مكر الدولة المللية. فالدولة، وخاصة القومية منها، مستحوذة على سحرِ جلْب المنفعة والربح الأعظمي عبر الطريق المختزلة، لدرجة يُعلى من شأن القوموية، كأيديولوجية للدولة القومية، لتضحي تياراً عقائدياً وإيمانياً بنسبة وبأبعاد تعجز عن بلوغها كل الإدراكات الميثولوجية والفلسفية والدينية، وتكاد تُعمي كافة الأبصار والأفئدة المعنية.

هكذا لا يبقى لأية قيمة معناها، فيما عدا عناصر الواقع المللي المبالَغ فيها. فالقدسية مخفية، فقط وفقط، في عناصر القيم المللية المبالَغ فيها. مقابل ذلك، يسعى الفرد كمواطن، إلى التمسك ب «طرائقية الدولة «، وكأنه يُعَد ويُجهَّز لعضوية طرائق العصور الوسطى.

حقيقة المواطَنة هي مصطلح يستلزم التحليل على نحو كامل الحسن. حيث حلَّت علاقةُ الفرد – الدولة فيها محلَ علاقة القن – العبد بالدولة، والتي كانت سائدة في العصور الأولى والوسطى. إنها تعبِّر عن ضرب من التحول إلى علاقة البورجوازية (الدولة) والعبودية. فمواطَنة الدولة تعني إعداد الشكل الحديث للعبد من أجل النظام القائم.

إنه الفرد المُعَدّ بحالة تفيد أغراض الطبقة البورجوازية، حيث يحتل مكانه في العديد من المواضيع، وفي مقدمتها التجنيد والضرائب. إنهم يوَلِّدون القوة المحتاجة للدولة والطبقة الحاكمة. في حين أن إنجاب الأطفال أضحى عملاً بلا مصاريف أو أجر. ومهما يكثر الحديث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إلا أن المنتفع منها مضموناً، وبشكل ساحق، هو الطبقة المهيمنة.

الطبقة الرأسمالية تدرك سلامتها وراحتها تكمن من خلال السيطرة وفرض حاكميتها على كل المجتمعات والطبقات. لا يمكن لطبقة تهدف الوصول إلى سوية الطبقة الحاكمة أن تبقى كطبقة مهمشة. بل على العكس تهدف إلى السيطرة وفرض حاكميتها على المجتمع بأكمله. ومن هذا تظهر ميلها لفرض اجتماعيتها على كل الطبقات، تظهر مصالحها على أنها مصالح المجتمع بأكمله، وترى أحكامها المميزة على إنها أحكام مميزة بالنسبة للمجتمع بأكمله، وتفرض نتاجاته على المجتمع بأكمله. في النتيجة تصبح الخصوصية العامة للطبقة الساعية لفرض حاكميتها على المجتمع هي الخصوصية العامة لذاك المجتمع، وتصبح اجتماعية تلك الطبقة هي الحاكمة. هذا فإن كانت الطبقة وصلت للدولة عن طريق تلك الممارسات، بالتأكيد ستلاقي الطبقات الأخرى مصاعب جمة. أي أن تلك الطبقة الحاكمة سوف تتصدى لكل من لا يقبل مجتمعية هذه الأمة عن طريق الدولة، حيث تشكل الرأسمالية أفضل مثال في هذا الخصوص. حيث أن مصلحة أمة معينة أصبحت فوق مصالح كل الأمم الأخرى. فكل طبقة من أجل أن لا تتهمش تظهر مصالحها على أنها مصالح الأمة وعندها يتم التطرق للدولة على إنها حاجة. حيث يتم تعريف الأمة وفق الطبقة.

وادعت بأن البنى الأخرى لن تتحول إلى أمة. حيث هناك الكثير من الشخصيات لا يؤمنون بحل قضية الأمة من دون وجود الدولة. بالإضافة لهذا تنظر للأمم التي لا دولة لها على أنها أمم غير حرة أو متحررة. من هذا المنطق نرى بأن الحرية تساوي الدولة أو الدولة تساوي الحرية. فأصحاب هذه النظرة يدعون بأن القضايا المعقدة للأمة ستحل عن طريق الدولة. إلا أنه اتضح في يومنا الراهن مدى زيف وكذب هذا الادعاء. الدول القومية هي الأماكن التي تعيش اشد الأزمات في يومنا الراهن. وهي المناطق التي تأزمت فيها الصراعات الاجتماعية والقومية، ولحد الآن لم تحل أي قضية من قضايا الأمم. على العكس تماماً فالقضايا تعقدت أكثر ووصلت إلى مرحلة لا يمكن الخروج منها وتكاثفت الصراعات مع استمرار وجود الدولة القومية. فعندما نسأل كم دولة تعايش الديمقراطية والحرية والمساواة بين الأمم التي تحويها، فالجواب سيكون بالطبع صفر دولة أي لا توجد أية دولة بهذا الشكل.

بإختصار؛ الدولة هي صيغة البنية العليا للمجتمع. يمكن لها التحلي بأسماء مختلفة وبشكل عام تسعى إلى إحلال علاقتها مع المجتمع وتقبيل نفسها لإحلال مشروعيتها. لا يمكن التطرق لها على أنها صيغة للمجتمع ومن الواجب عدم الوقوع في خطأ تساوي المجتمع مع »المجتمع التحتي .« الأمة: هي صيغة المجتمع التحتي. اكتسبت المجتمعات شكلها عبر التاريخ بأسماء مختلفة. فالأمة: هي استمرارية لمراحل تكوين الكلان، القبيلة، العشيرة، القوم، التي مرت بها المجتمع. المجتمع الفوقي والمجتمع التحتي، في علاقة محددة مع الدولة، ولكن تنشأ بالأغلبية ضمن ديالكتيكها الخاصة «. كل من اللغة والثقافة والتاريخ والقوة السياسية تلعب دوراً بارزاً في عملية التكوين.

التحول إلى أمة وظاهرة الأمة تظهر من خلال استمرار وتكاثف علاقة الأقوام فيما بين بعضها. كل من تقيّد حل الاقتصاد المقسم بالأسوار الإقطاعية وظهور السوق المشترك لها الدور البارز في ظهور الأمة أو تكوين الأمة. ولكن الخطأ الهام في هذا الموضوع هو التطرق للسوق على أنه يساوي أو يشبه الرأسمالية. المهم هو كيف يتم تفعيل السوق. هل الرأسمالية أم الجماعية أم الكومينالية؟ فالكومينالية تستطيع أن تفعل السوق بكل بساطة. ليس صحيحا القول بأن » كل أمة بحاجة إلى سوق رأسمالية «. بالإضافة لذلك فالسوق المشتركة المتطورة، كانت موجودة في المدن قبل ولادة الرأسمالية. السوق لم تظهر مع الرأسمالية. أي الإنتاج المستند إلى الربح، وبنية الطبقة موجودة في كل المراحل. إلا أنها وصلت وضعية نظام الإنتاج المركزي في القرنين السادس عشر والسابع عشر. حيث أن تاريخ السوق يمتد إلى مراحل العصر النيولوتيكي. من الخطأ التحرك بهذا المنطق واعتبار الأمة نتاج السوق الرأسمالية. كما أن الأمة لم تنشأ عن طريق الدولة أيضاً. من الممكن أن تتطور كل من اللغة والثقافة والمنظمات الاجتماعية والسياسية حول الأسواق المتطورة. المجتمع المتطور يطور السوق، والسوق المتطور يطور الأمة. فالدولة الرأسمالية حولت السوق الحرة فيما بعد إلى أرضية لمنافسة اقتصادية حرة.

زيادة التجارة فيما بين الأماكن المأهولة بالسكان تلعب درواً هاماً في تجاوز الاجتماعية ذات الفكر الإقطاعي الضيق وتساهم في التحول إلى الأمة. حيث أن الكونفدراسيون التي استندت إلى المجالس والكومونات هي شكل الإدارة لتلك الأماكن المأهولة المتوسعة والمتزايدة والمتحولة إلى أمة.

وكذلك إن تجاوز المفاهيم المحافظة المتحجرة عن طريق الثورات المذهبية في الأديان وخصوصاً الجهود المتطورة مع البروتستانتية ساهمت في خلق أرضية لولادة جماعات كبيرة تستند إلى ثقافة الأثنية. حيث تم تجاوز المخاوف الدينية من لم الشمل أي توحده في مكان واحد.

في النهاية ومع القرن التاسع عشر وجد المجتمع الرأسمالي أرضية الأمة ناضجة وخصبة بهذا الشكل. إذاً، كيف أنه من الواجب عدم رؤية الدولة مساوية للأمة من المهم أن لا يتم رؤية الرأسمالية والأمة متطابقين أيضاً. من الفائدة أن لا نرى كل من الرأسمالية والأمة متشابهين أو كوحدة.

تم رؤية إدارة الكونفدرالية الكومانيالية للأمة حتى ولو كانت بشكل قليل أو ضعيف في أواسط القرن العشرين بعد أن كانت فعالة في العصور الوسطى أي مابين القرنين الثاني عشر والثامن عشر. أظهرت تنظيمات إدارة الأمة وجودها في كل من كومين المحافظات الايطالية، وكومون وتنظيم وحدت الأحياء الفرنسية، ومجالس المدن الأمريكية، وكومونات المحافظات الاسبانية، وكونفدرسيون سويسرا، والجمهوريات المستندة على المذاهب والأعراق في الشرق الأوسط.

الصراع على الأمة انتهت بحاكمية الرأسمالية في أواخر القرن الثامن عشر. حيث أخذت القوموية مكان الأيديولوجية الدينية. وأصبحت البرجوازية مهيمنة ضمن البنية الاجتماعية المتعددة الطبقات. وقامت بمصاحبة السوق بشكل أقوى. القوموية القوية المتوحدة مع السوق، هدفت لتطوير السوق من الداخل وفتحها على الخارج. فخاصية القوموية هذه تعزز الدولة القومية. حيث أن سلطة الدولة المركزية توسعت لأول مرة بين المجتمع عن طريق مؤسساتها النوعية. بدأ كل المجتمع باختيار سلطة الدولة وإن الدولة تمثل المجتمع بأكمله، بهذا الشكل صان أو حقق توحد أو وحدة الدولة والأمة. حيث أن حقيقة الدولة القومية التي لم تكن يومًا ملكاً للجميع، بل كانت الدولة تمثل دائماً مجموعة، طبقة، وجماعة معينة تستند إلى إبراز ذاتها على أنها تمثل جميع القوميات. فإن كانت الدولة لكل القوميات فالتوسع والتغلغل إلى أعماقها شيء طبيعي. حيث تم تطبيقها مرات عدة ضمن كل من العائلة والمدارس وأماكن العمل وغيرها. وأوصلت الأحزاب لأن تصاحب أجهزة تطبيق سلطة وحاكمية الدولة. وحدت الاقتصاد مع السلطة بإيصالها لسوية الاقتصاد الاجتماعي. بهذا الشكل تم تسليع كل ميادين الحياة. بالإضافة إلى هذا إن التحول إلى أمة كانت تعني وجود أثنيات وطبقات ومجموعات ومذاهب مختلفة أكثر. إلا أن الرأسمال المركزي المستند إلى الإنتاج وحاكمية السوق التي تدير تجانس الأمة والدولة، أظهرت الميل إلى نوع واحد، أي المركزية كشرط للنظام. ودفعت لأن توجد لغة رسمية، تميز القوميات والأقليات المضطهدة، والمجموعات الثقافية والمذاهب المختلفة عن بعضها البعض. حتى أن شكل القومية المتعاظمة »القوموية الزائدة « ساهم في زيادة الحالة التهجمية والحروب في العالم.

تلعب القوموية دوراً هاماً في دين الدولة القومية. حيث يمكن أن نرى بأن كل من ميثيولوجية الدولة الرهبانية، وميثيولوجية الدولة العبودية، والفلسفة والإلهيات تساوت مع إيديولوجية الدولة الدينية في العصور الوسطى. فإن إخفاء الصراع الطبقي بداية، وكل التناقضات من الداخل، ومن الخارج التشويق إلى الشعور بالإحساس الوطني من خلال لعب الدور في تشويق كل البنى في المجتمع إلى المركزية، تحتل مكان مسمار الأمان ضد القيم الكومينالية الديمقراطية، يعطي القدرة والقوة للهياكل المركزية الوحدوية.

إن النتيجة الهامة الواجبة استخراجها من هذه التوضيحات، أن النظام المستند إلى التكامل بين الدولة والأمة ساهمت في ولادة وضع يفتد إلى الديمقراطية. تحولت الدولة إلى آلة للضغط وكذلك الأمة بدأت تفقد غناها وتنوعها. لم يشبه مجتمع الدولة في أي مرحلة من المراحل كما تشبه في مرحلة الدولة الرأسمالية. لم تقم أية دولة كالدولة الرأسمالية بتحطيم توازن الأمة من خلال دمج كل من الاجتماعية والفردانية بهذا القدر.

حان الوقت للفصل بين الدولة والأمة. حيث أنها تعني التخلص من حاكمية هذه الدولة. إن الافتراض بأن الدولة حاجة من أجل اللغة والثقافة والمذاهب والمعتقدات الدينية والإنتاجيات الاقتصادية وحتى لتطوير السوق تفتقد إلى الصحة. إن هذه القيم؛ اقتصاد مشترك، حيوية اللغة والتنوع الثقافي، وحرية المعتقدات الدينية كانت تحيى في الكثير من الأماكن في نهاية العصور الوسطى تحت سقف إدارتها الذاتية والجوهرية. حيث كان الإيمان بتطور حرية ومساواة القومية عن طريق بُنى ديمقراطية حاكما في القرنين السادس عشر والسابع عشر. من الأنسب تعريف الأمة في يومنا الراهن عن طريق النظام الديمقراطي والتخلي عن تعريفها بإدارة الدولة. حيث أن مصطلح الأمة الديمقراطية تتوافق وتتناسب مع تاريخ تكون الأمة بدلاً من الدولة القومية. كما ذكرنا سابقا بأن الدولة استطاعت التوحد مع الأمة مابين القرنين الثامن والتاسع عشر. فمن خلال حفاظ الأمة على تنوعها سراً استطاعت صون هذه الوحدة. إلا أن تاريخ الديمقراطية قديم بقدر قدم تاريخ المجتمع. فمبدأ الإدارة الجوهرية التي يستند إليه النظام الديمقراطي طبق أكثر من كل أنظمة الدولة من قبل الكلان والقبيلة والقوم والشعب والأمة. إن اعتقدنا بأن الأمة تكونت أو تشكلت اعتباراً من القرن الثاني عشر، فإن طريقة الإدارة الديمقراطية هي التي كانت تتبع أكثر من إدارة الدولة والمدن الرأسمالية والملكية حتى أواخر القرن الثامن عشر.

فبإخراج الأمة بالكامل من إطار الدولة والتمسك بإدارتها الذاتية لا تعني أنها لا تبقى لها علاقة أو ارتباط بالدولة. إن دمقرطة الأمة هي شرط من أجل إيصال الدولة إلى مرحلة تكون فيها متيقظة للديمقراطية. هذا يشبه حالة دمقرطة الجمهورية.

إن وصول جماعات الشعب إلى إدارتها الجوهرية هي أساس الأمة الديمقراطية. تطور تنظيمها الديمقراطي الكومينالي في أماكن تواجدها في القرى، الأحياء، البلدات والمحافظات. حيث أن كل من الكومون والمجالس تأتي في مقدمتها. حيث تقوم باتخاذ كل القرارات المتعلقة بأماكن تواجدها وتطبيقها بدأ بالسياسة ووصولا للإنتاج. هذه المجالس والكومونات المفعلة عن طريق الديمقراطية بالشكل الصحيح والتي تتوافق مع العملية الديمقراطية هي ألية تأدية أعمالها من دون انتظار ذلك من الدولة المركزية.

كذلك إن غض النظر عن الانقسامات بين الطبقة والجنس والمذاهب، وتمحور حرية ومساواة المواطنين في نقطة واحدة، واستنادهم إلى مبدأ الإدارة الجوهرية السليمة تشكل آلية للحد من اللامساواة واللاحرية الناتجة. ففي الفترة التي يتم فيها تحقيق الديمقراطية ستساهم في زيادة الحرية والمساواة. التضامن والولاء، والالتزام بمكان الإقامة، والاستناد إلى الوعي الإيكولوجي للحياة والسلام الاجتماعي التي تتفق مع مفهوم الأمة الديمقراطية تنتشر ضمن المجتمع عن طريق التنظيم الذي يقوم به الكومونات.

فالعنصر الأكثر أهمية للأمة الديمقراطية هو، الفرد المدرك لحرية ومساواة المواطنين. فقد تحول الفرد المهمّش من قبل السلطة المركزية المحكومة بالخدمة العسكرية والتصويت والضرائب فقط، إلى فرد ينادي بحقوقه ويقوم بالتنظيم ويقوم بإدارة نفسه بنفسه. فالتنظيمات الديمقراطية الكومينالية، تتطور بالاستناد على المواطنة الحرة. لأن الفرد هنا، يمثل الحجر الأساس في بناء حرية ومساواة المواطن.

بقيام السياسة الاقتصادية للأمة الديمقراطية بتوضيح أن  نظام الدولة المركزية كانت وسيلة من أجل الانتاج الرأسمالي المركزي، بدأت تأخذ شكل الإنتاج المستند إلى التنوع الديمقراطي والغناء. يحد من الإنتاج بغية الربح. بل يدعم الإنتاج المستند على المشاركة العادلة والقيمة الاستهلاكية.

إن كل من الجمعيات التعاونية وورشات العمل والتشجيع على الزراعة من جديد وكل العمليات الإنتاجية المستندة إلى رأس المال، أي أن التجارة وكل الفعاليات الصناعية تكسب الأهمية باستنادها إلى تلبية الاحتياجات وليس بغية الربح فقط. وتعترف بحق الكلمة للوحدات السكنية المتشكلة تحت سقف الكومون والإدارة الجوهرية للمجالس بخصوص امتلاك المناطق التي يتواجدون فيها والإنتاج والمشاركة وتحول السياسة الاقتصادية إلى اقتصاد اجتماعي. كما هو واضح ويتضح أن الإيديولوجية الاجتماعية بدأ من المواطنة الحرة والمتساوية في القاعدة ووصولاً إلى شكل الأمة الديمقراطية في القمة بعيدة كل البعد على القوموية. وتطور المعرفة الكومينالية الديمقراطية والتنظيمات المستندة لها. فمن الناحية الاجتماعية تهدف إلى أنشأ توازن عادل وحر من خلال رفض التحكم فيما بين – الجنس، الأقليات، البنى القومية، المذاهب، العمر وفي نفس الوقت يسعى إلى إحلال التوازن الايكولوجي فيما بين المجتمع والطبيعة من خلال تحقيق الايكولوجية الاجتماعية بتجاوز حالة الحاكمية الاجتماعية. وبهذا الشكل يتم تحقيق السلم الاجتماعي.

فإلى جانب دعم إيديولوجيته للسلام الداخلي، أنه في نفس الوقت لا يكون عدائيا لأية أمة أو كيان آخر خارجيا، كذلك الأمر أنه يدعم شكل السلم. لا توجد أية قوة لتتصارع معها الأمة الديمقراطية. إنها تبدي مقاربات واثقة بخصوص الخارج لكونها حققت السلم الداخلي. وكما لتجاوزها التحكمية القومية لا تبدي مقاربات تغصب قيم الآخرين.  وفي نفس الوقت لتجاوز شكل الدولة القومية لا تبدي مقاربات بخصوص ضرورة وجود الحدود السياسية للدولة.

لم يبق هناك أي صراع من أجل حدود الدولة ولا من أجل الدولة. تهدف إلى وطن مستند إلى جغرافيا ثقافية، وتراها أرضية أساسية للحياة الاجتماعية. لا تبدي أي صراع من أجل السوق العالمي. لأنها تؤيد فكرة المشاركة الديمقراطية بين الأمم. إن الطريق الأفضل والأنسب للتخلص من فوضى القوموية في يومنا الراهن هو تركيبة قيم الأمم المختلفة وليست الأمة المتعصبة ولا الأمة الإنكارية العدمية.

إن شكل آلية إدارة الأمة الديمقراطية كما أوضحنا ليست الدولة إنما هي الكونفدرالية الديمقراطية. حيث أن الكونفدرالية الديمقراطية تتطلب تنظيم كل المجتمع التي تشكل القاعدة. تحيى الديمقراطية وحدة متكاملة مع كل المؤسسات ضمن الأمة. من الواجب على الشعب تنظيم إدارته الجوهرية في كل الأماكن بدأ من القرى والمحلات والبلدات وصولاً للمحافظات. وتحلّ كل من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية وغيرها عن طريق هذا التنظيم. ألا يمكن رؤيتها ضمن نظام الجمهورية؟ بالطبع يمكن رؤيتها، إلا أنها في أدنى مستوياتها ضمن النظام من ناحية اعتبارها كمبدأ ديمقراطي.

من الممكن التطرق إلى الجمهورية الديمقراطية كأرضية ومرحلة انتقالية للكونفيدرالية الديمقراطية. فالدولة تستمر بوجودها بالرغم من قيام الجمهورية الديمقراطية بإنقاص دورها. من الواجب أن تستند المركزيات على مفهوم الحاجة والاتفاق الطوعي بهدف إكمال بعضها البعض. حيث أن الكونفدراسيون كآلية التنظيم، وكل فعاليات المجتمع المبتدئة من الكومينات والمجالس تستند إلى الإدارة الذاتية وبعيدة عن المركزية. فآلية المبادرة المستندة إلى الإدارة الجوهرية في المناطق هي مركزية ومحلية. لأن الإدارة الديمقراطية تطور الأمة الديمقراطية.

فالمبدأ الأساسي لتنظيم الأمة الديمقراطية هو أن تكون اتخاذ القرارات والفصل بين مرحلة التطبيق والمتابعة مبدأ أساسي للكونفدرالية الديمقراطية. كيف أنها قلصت من فعالية الإدارة فإنها من خلالها تبين آلية القرارات تخضعها للمراقبة الديمقراطية. فتطبيق القرارات التي اتخذها الشعب عن طريق مجالسهم من الواجب أن تتم عن طريق الهيئة الديمقراطية.

فالإدارة المنتخبة عليها أن تتجاوز مرحلة فرض الحاكمية على الشعب ورفاهية الإدارة. فالإدارة المنتخبة هي صاحبة القرار في المتابعة وحتى حق الانسحاب إن تطلب الأمر.

نظام المحاكمة والتحقيق في الكونفدرالية الديمقراطية، مرتبطة باجتماعية المجالس. لا تعتمد على العلاقة الكلاسيكية. فقوة الجهاز القضائي ضمن الكونفدرالية الديمقراطية مرتبطة بقدر قيامها بحل قضايا المجتمع.

فقوتها ليست في عدد القضاة والمحامين. فقوة المجالس مرتبطة بعدد القضايا الاجتماعية التي تم حلها عن طريق لجانها. فإدارة الإدارة مرتبطة بمدى نجاح تطبيق القرارات التي تم اتخاذها. فالمجتمع صاحب القوة ضمن هذا المجتمع.

فنظام القضاء يتطور عند حل القضايا التي يطلب المجتمع بحلها. حين يقوم ديوان العدالة والنزاهة المنتخبة من ضمن مجالس المواطنين بحل قضايا الحي من دون الحاجة لدولة حينها يتم إحلال الحقوق الكومينالية. ليس بالضرورة أن تكون لمحاكمة شخص، بل هو من أجل إحلال نظام يتوافق مع تطوير المعاير الديمقراطية المختلفة للمجتمع. فالحقوق الاجتماعية هي التي تطور هذا النظام.

الأمة هي المستفيدة الأكبر من فهم الأمة الديمقراطية. سوف يتحرر من النظر بمنظار حاكمية الدولة إلى التنوع الاجتماعي، فلوجود الاختلاف سيسعون لإحلال حرية الفكر.

يتم حل قضايا الأفراد والجماعات عن طريق الحوار ضمن الأمة الديمقراطية. لا تحتاج إلى ممارسة ولغة القوة. ولا تعترف بحق قيام جماعة بالضغط على مجموعة أخرى تفتقد إلى الرسمية والعدد. كيف أنها لن ترى ممارسة الضغط على الأطفال في العائلة مشروعاً، فلا ترى أية مشروعية لقيام الرجل بممارسة الضغط على المرأة، والتركي على الكردي، والسني على العلوي بل سوف تتصدى لها.

فالأمة التي حققت التكامل الداخلي الديمقراطي لا تهاب القوى الخارجية ولا يوجد أي سبب لخوفها. على العكس تماما تكتسب القوة وتكسب القوة وتتجاوز احتمالات تعرضها لمؤامرات خارجية.

تطرق الكرد إلى هذا الموضع ضمن نطاق الأمة الديمقراطية؛ وحتى وإن لم يحقق الكرد أمتهم الديمقراطية إلا أنهم دخلوا مرحلة الإحلال الصحيح لأمتهم الديمقراطية.

فالقسم الأكبر من نضال حزب العمال الكردستاني خلال 35 عام كان من اجل تطوير الديمقراطية والأمة. ففي يومنا الراهن بدأت مرحلة قيام الكرد بإحلال الأمة الديمقراطية نتيجة نضال طال ٣٥ عام. ففي المرحلة الماضي تم الحد وتجاوز تأثير العشيرة والأقوام بنسبة هامة، وأبديت انطلاقة نحو الأمة ولكن من المعلوم تم السعي إلى تجاوز ما تبقى عن طريق الدولة. فمن خلال الممارسات العميلة ونتيجة الأبحاث والدراسات الهامة اتضح بأن التدول لم تحل قضية الأمة. فالمشاكل والقضايا ستستمر حتى وإن تم إنشاء دولة.

للكرد قضية أخرى تختلف عن الأمم الأخرى. حيث يمكن اتخاذ كل من الضغط المفروض على مجتمعيته، والصهر الثقافي الذي يتعرض له كأمثلة في هذا الموضوع. فالأمة الديمقراطية هي ما تحتاجه كردستان المقسمة. حيث اتضح أن تم إيجاد الحل بالتأكيد لن يتم عن طريق السلطة والحاكمية. حيث هدف إلى توحيد الأجزاء الأربعة بالديمقراطية.

الذهنية التي تصون وجودها بشكل جدي في يومنا الراهن؛ هي الذهنية المستندة إلى »أنه لا يمكن إدارة الأمة من دون الدولة «. حيث أنه إن تم النظر إلى التاريخ نرى بأنه تم إدارة الكثير من الأمم من دون وجود الدولة. وحتى أنها كانت بهذا الشكل في تاريخ كردستان. ففي يومنا الراهن أثبتت إدارة نفسها وصون حقائقها التاريخية والاجتماعية والعلمية من دون وجود الدولة. حتى أن هذه الهياكل أو البنى الاجتماعية ضعفت في الفترة التي نشأت فيها البنى والهياكل الدولتية، وزادت المشاكل. إلا أن الذهنية القديمة ورغم هذه الحقائق متأثرة ببراديغما الدولة لأبعد الحدود.

إن المفهوم الهادف إلى حل القضية الكردية بالدولة لها علاقة وطيدة مع هذه البراديغما. حيث أن القائد من خلال الكونفدرالية الديمقراطية يطور نظام ونضال لاستعادة قيم المجتمع التي قامت الدولة بالسيطرة عليها من جديد. إلا أن المفهوم المتطور لدى هؤلاء الذين لم يحيوا هذه الذهنية هي »أنا لا أريد أن أقوم بحل مشاكلي، لتأتي الدولة وتحلها. لن أقوم بتحديد نظامي الخاص بالتعليم لتأتي الدولة لحلها «. أي أنه من الواجب الحد تدريجيا من آليات الإدارة التي تفرضها الدولة على المجتمع من خلال تطوير مشاريع مستمرة، وليس القضاء على الدولة. فعند القيام بهذا من الواجب أن يهدف إلى عدم الدخول في وضعية محاربة مع الطرف المقابل. وعدم تأجيل حياة المجتمع بل احياء الاشتراكية الديمقراطية من اليوم. بهذا الشكل تتحطم علاقة الدولة مع كل من المجتمع والأمة، وتهمش الدولة وتبقي وحيدة. ومن ثم يتم إحلال منسقية الديمقراطية الاجتماعية مكان الدولة.

لو سعينا إلى إيضاح التكوين التنظيمي للأمة الديمقراطية للكرد ضمن إطار نظام الكونفدرالية الديمقراطية؛ هي أن مجالس الشعب في الأجزاء الأربعة من كردستان تعتبر ممثلي لمؤتمر الشعب. وهناك نظام مستند إلى نظام الكونفدرالية الديمقراطية في الأجزاء الأربعة من كردستان كافة. وتم تنظيم مؤسسات المرأة والشبيبة والصحافة والثقافة في الأجزاء الأربعة من كردستان. وتم تنظيم الأحزاب الديمقراطية المجتمعية في الأجزاء الأربعة من كردستان.

بالإضافة إلى أن هذه المؤسسات توسعت لتشمل مناطق تواجد الكرد في كل من أوروبا وآسيا والبلقان. هذه المؤسسات صاحبة نظام إداري، ولكن نظام إدارة هذه المؤسسات والإدارة المتكونة ليست الدولة. ففي عقد اتصال وعلاقة مستمرة بين التنظيم في الأجزاء الأربعة وحتى مع التنظيم خارج الوطن حينها لا يبقى للحدود أي معنى. بالإضافة من الواجب تسير نضال ضمن جغرافية كردستان عن طريق الدفاع المشروع ضد المداخلات العسكرية للأجزاء الأربعة. في حين التطرق إلى هذه البنى وأسلوب التحرك عن قرب يرى بأنه خلق وحدة المصير وروح مشترك للكرد في كل أماكن تواجدهم. وكسبت كل من السياسة والإيديولوجية الجوهر ضمن إطار نفس النهج.

فمع تطوير العلاقة فيما بين تنظيمات الأمة الديمقراطية المنشأة من حيث الإدارة المشركة والإنتاج المشترك وغيرها من الميادين الأخرى ستطور وتفعل الكونفدرالية الديمقراطية وإنها ستستمر أكثر من خلال زيادة تلك العلاقات فيما بين تلك التنظيمات.

ومن هذا فبنمو المجتمع سوف تقوم بإخراج الدولة من مناطقها. فمع تطوير هذا النظام ستتحرر مجتمعات الشرق الأوسط وتركيا من بلاء الدولة. بهذا المعنى على الكرد بشكل خاص أن يثبتوا قدرتهم على إدارة أنفسهم من خلال إنشاء الأمة الديمقراطية من دون وجود الدولة عند إنشاء المجتمع من جديد من الواجب عدم اعطاء فرصة لأن تقوم الدولة بترك آثارها ضمنه. من الواجب أن لا يسمح للدولة ولنظامه الهيارارشيكي والسلطوي أي مكان له ضمن أي ميدان من ميادين الحياة. على هذا الأساس من الواجب عدم عقد الأمل على الدولة في أي شيء من الأشياء. إن إعادة هيكلة بهذا الشكل سوف تجلب معها وحدة المجتمع الكردستاني.

كان من الصعب توحيد الكرد لو تم إنشاء دولة في الأجزاء الأربعة من كردستان. إن القوى في جنوب كردستان لا ينضمون إلى هذه الهياكل التنظيمية لعدم وجود الدولة ضمن نظام اتحاد المنظومات. تم إنشاء دولة في جنوب كردستان، ماذا قدم هذا الهيكل للشعب في جنوب كردستان؟ وماذا قدم للشعب الكردي في الأجزاء الأخرى من كردستان؟ يتم تسيير فعالية اقتصادية هامة ضمن هذه الدولة. ويتم تفعيل الجامعات، يتم تفعيل الحكومة وكل المؤسسات التابعة لها.

كان بإمكان هذه الفعاليات أن تنمي كردستان بكاملها ولكن لعدم وجود الهيكل الديمقراطي تبقى محدودة ومحصورة ضمن نطاق دولة واحدة. ما الذي سيحصل لو تم تشكيل دولة بهذا الشكل في شرق كردستان، إلى أي مدى ستقوم بحل قضايا الشعب هناك؟ وبالإضافة هل بإمكانها أن تتوحد مع بنية الدولة في جنوب كردستان؟ بالطبع لن تتوحد معها، لأن المصالح الطبقية والدولية ستتغير. ولكن هيكل الأمة الديمقراطية لها القدرة على التوحيد. فالمواطنة الحرة في تركيا لها القدرة على التأثير على الشعب الكردي في سوريا بلحظتها.

الكثير من الأشخاص والأطراف في يومنا الراهن يعتبرون الكونفدرالية الديمقراطية مجرد أقاويل لا يؤمنون بها من أعماقهم. من الواجب أن نعلم أنه في يومنا الراهن لن يتم إزالة الدولة أو القضاء عليها مباشرة. بالطبع أن تهميش دور الدولة ستأخذ وقتا. حيث أن طول وقصر هذه الفترة مرتبطة بالنضال الذي سيتم خوضه أو تسييره بهذا الخصوص. أي أنه مهما تم الإسراع في إحلال نظام المجتمعية الديمقراطية وتطوير هذا النظام، أي تقديم نضال ضمن هذا الإطار ستتحقق بنفس السرعة وستتحقق عملية تهميش دور الدولة. فإن تم التطرق له من دون إيمان وعلى أنها هيكل مجرد بالطبع ستساهم في تعظم الدولة وتتسع اجتماعية الدولة أكثر. حينها لن تصل النضالات والمقاومات التي تبدى ضدها إلى أية نتيجة. حيث لن يبقى لتلك المقاومات التي تبدى فرصة أخرى سوى »اقتل وانقتل «. إن تم التقرب بالشكل الصحيح وتم إبداء نضال منظم فالشيء الذي من الواجب فعله فيما بعد هو إخراج الدولة من كل ميادين المجتمع، ودفع الدولة إلى احترام تلك الميادين، وإحلال نظام الكونقدرالية الديمقراطية تدريجياً.

حيث أن حركة حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي  دخلت مرحلة بهذا الشكل. إلا أنه وحتى الآن يتم النظر إلى الدولة كشكل للحياة. ربما لم يتم تطوير الكونفدرالية الديمقراطية بالشكل المطلوب، ولكن من الخطأ القول »لما لا نشكل دولة « أن سنحت لنا الفرصة ضمن مرحلة النضال. فحتى القول إن تحقيق الأمة الديمقراطية الكردية عن طريق الإدارة الايكولوجية المحلية وأحزاب المجتمع والمواطنة الحرة، تبقى مجرد خيال، بل سيكون الحل أسرع إن تم إسنادها إلى نظام مركزي والمشاركة في الدولة، يعتبر خطاً فادحاً، ولا تعطي أية نتيجة. على العكس تماما أنها ستساهم في تفاقم الأزمة أكثر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى