لنصعد النضال من أجل حياة ديمقراطية حرة

لنصعد النضال من أجل حياة ديمقراطية حرة

مصطفى قره سو

في الوقت التي تُظهر التطورات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط التوجه الديمقراطي للشعوب، فأنها من الناحية الأخرى تشير إلى مدى تعمق الأزمة التي تعيشها النظم. وكلا الحالتين توفران الأرضية المناسبة لتصعيد نضال الشعوب من أجل الديمقراطية والحرية.

وهذه الأرضية هي السبب الأساسي لبحث نظام الدولة السلطوية عن التوافق. لذلك ينبغي عدم تقييم الالتفاف أو اللجوء إلى الشدة والعنف من أجل إلحاق الهزيمة بالجهة المعارضة فحسب. بل أنها تدل في الوقت نفسه على البحث عن الحل أيضاً. فمنطق الهزيمة والخسارة ضمن الصراع المستمر وضع غير مقبول في عالمنا اليوم، لذا يتم السعي لإيجاد حلول تكتيكية للتناقضات التي يواجهها النظام في المنطقة. وهذا ما يوحي للسعي إلى التوافق حتى وأن كان عن طريق الصراع، وهذا ما يحصل في كل من سوريا ومصر وأوكرانيا أيضاً. فالتناقضات ضمن حقيقة القطب الثنائي في الماضي كانت تتطور على أسس استراتيجية والقضاء على المعارضين، فحتى لو كانت هذه الحقائق تظهر سياسة الاستفادة من التناقضات ولكنها تبين عدم صحة الاستراتيجيات المستندة على التناقضات.

حتى الآن لم يتم ايجاد حل للقضية التي تعيشها كل من سوريا ومصر منذ فترة طويلة في منطقتنا، بل توسعت لتضم العراق أيضاً وبشكل فعّال. بدأ يتضح وبشكل قوي قدرة نظام الأسد على الفوز بالحرب في سوريا أكثر من أي وقت مضى، وحتى إن لم ينتصر أظهر قوته في حماية وجوده، وهذا ما سيساهم في إيجاد مرحلة يتم على أساسها البحث عن توازنات جديدة في المنطقة. ففي الماضي كان هناك تقرب يرفض الأسد بالكامل، ولكن الآن قوى الغرب التي كانت تقدم المساعدة للمعارضة تتهمها باستخدام الأسلحة الكيماوية. كما أن كل من روسيا والصين تقدمان المساعدة والدعم لنظام الأسد أكثر من أي وقت مضى. ويبدي العلويين مقاومة كبيرة. وكل من إيران وحزب الله يحاربان إلى جانب سوريا. وفي الطرف الآخر يمكن رؤية أن كل من إيران والنظام يقدمان المساعدة للدولة الإسلامية في الشام والعراق بشكل مباشر وغير مباشر لحماية التوازن في سوريا. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بمساعدة القوى التي تُدعى بالجبهة الإسلامية المعادية للدولة الإسلامية في الشام والعراق. كما تتبع كل من سوريا وإيران هذه السياسة لتعيق استهداف هذه الجبهة لها ومن جهة أخرى تتبع هذه السياسة لعدم ارتياح كل من إيران وسوريا للمكاسب التي حققتها ثورة غرب كردستان ولجرّ ثورة غرب كردستان لطرفها.

في الفترة التي تسعى فيها كافة القوى لكسب ثورة غرب كردستان لطرفها، تقوم بعض القوى المندرجة ضمن محور الحزب الديمقراطي الكردستاني، تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بتضييق الخناق على هذه الثورة. لهذا السبب يتم استهداف ومهاجمة ثورة غرب كردستان من كافة الجهات. ولإفشال المخطط المشترك للدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يستهدف الضغط على ثورة غرب كردستان. لابد من القيام بخطوتين تستندان إلى الدفاع المشروع فأولهما: هي تشكيل ثورة غرب كردستان لجبهة ديمقراطية تشمل سوريا بأكملها، وتطوير حركات وقوى ثورية من أجل شمال سوريا وغربي كردستان، أما الخطوة الثانية: ارتباطاً بالأولى هي تطبيق نهج سوريا ديمقراطية ضمن الممارسة العملية. فالمقاومة التي يتم ابداءها في غربي كردستان وكافة الفعاليات التي تساهم في استمرارية الثورة يمكنها فقط اعطاء النتائج بهذه الطريقة. ومن هذا المنطلق فأن تعميق وتوسيع ثورة غربي كردستان بكل جوانبها وتتويجها بسوريا ديمقراطية من خلال توسيعها لتشمل كامل سوريا ستحقق النصر لثورة غربي كردستان، فثورة غربي كردستان ستكون أساس لثورة سوريا.

قام الحزب الديمقراطي الكردستاني بتوحيد الأحزاب المرتبطة به من ناحية ومن الناحية الاخرى بدأ بفرض حصار من خلال حفر الخنادق على الحدود مع غربي كردستان كجزء من مخططه لتصفية ثورة غربي كردستان. فمقابل الولادة الميتة للحزب الديمقراطي الكردستاني في غربي كردستان والمقاومة التي يبديها الشعب تظهر السياسة العدائية من خلال رأي نيجيرفان البرزاني في الحاجة لتحليل وتقييم الوضع بشكل مشترك مع الحكومة التركية ولهذا السبب توجه إلى تركيا. حتى وأن كانت هذه الزيارة تبرر وكأنها زيارة لمناقشة مسألة البترول، ولكنها في الحقيقة كانت لمناقشة طبيعة السياسة المشتركة الواجب اتباعها لإفقاد تأثير ثورة غرب كردستان وتضييق الخناق عليها. فمديح نيجيرفان البرزاني لحزب العدالة والتنمية بعد اللقاء والقائه كلمة تضمن العداء لثورة غربي كردستان تعبير واضح على ذلك. إن مهاجمة ثورة غربي كردستان ليست منفصلة أو مستقلة عن استهداف الحزب الديمقراطي الكردستاني لحركة الحرية الكردية في كل الأجزاء.

فكيف أن تجاوز قضايا إنشاء النظام في غربي كردستان ضد هذه الهجمات ستوضح للجميع ماذا تعني الانطلاقة البديلة فهي في نفس الوقت ستفشل كافة ألاعيب الحزب الديمقراطي الكردستاني والقوى المؤيدة للنظام. فالحزب الديمقراطي الكردستاني لا يقوم بتسيير نضال شامل فقط في غربي كردستان فحسب، أنما يقوم بتسييرها ضد حركة الحرية في الأجزاء الأربعة من كردستان أيضاً. حيث حول النضال ضد حركة الحرية الكردية في الاجزاء الأربعة إلى سياسة أساسية ويطبقها ضمن الممارسة العملية. ويرى كل الاساليب والطرق مباحة من أجل تحقيق هذا الهدف. فهناك علاقة بين هجمات الدولة الاسلامية في الشام والعراق وهجمات الحزب الديمقراطي الكردستاني سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

يستمر التوتر السياسي في العراق وجنوب كردستان ويزداد عمقاً. فالحزب الديمقراطي الكردستاني يستخدم التوتر الموجود مع الحكومة المركزية كأداة دعائية للانتخابات العراقية. حيث يسعى السنة الذين يراد تركهم خارج السياسة إلى فتح ساحة للتعبير عن ذاتهم أكثر مع تزايد هجمات الدولة الإسلامية في الشام والعراق ضمن الأراضي العراقية. ومن الناحية الأخرى فأن الموقف الواضح الذي اتخذه مقتدى الصدر بحق المالكي في الفترة الأخيرة له تأثير على محيطه وخاصة الشيعة الفقراء. دخل الانتخابات باللائحة التي شكلها بطليعة شخص آخر له علاقة وطيدة مع إيران «عمار الحكيم » الذي حقق نجاحاً في آخر الانتخابات المحلية. رغم أن الشيعة لم تحقق النجاح المطلوب بالرغم من المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة الامريكية في الانتخابات السابقة دخل اياد العلاوي الانتخابات ضمن لائحة ذات أغلبية سنية هذه المرة ضمن اللائحة الوطنية. كل هذا يظهر الحرب الأهلية التي تواجهها انتخابات العراق وعلى هذا الأساس تحولت إلى جزء من هذه الجبهة المتشكلة.

لا يملك السنة الفرصة أو الحظ المواتي مقابل الشيعة من حيث عدد السكان. لكن طارق الهاشمي الساعي إلى تحديد سياسة سنة العراق من خلال علاقته مع الدولة التركية واقامته في اسطنبول ومن خلال علاقته بالدولة الاسلامية في الشام والعراق يظهر قدرة السنة على أن يكونوا فاعلين. فالبحث عن تسوية بصدد موضوع رئاسة الجمهورية من خلال اللقاء الذي جمع بين علاوي ومسعود البرزاني في الفترة الأخيرة تظهر بأنه مع الانتخابات التي جرت في الثلاثين من نيسان يسعى الشيعة الدخول في البحث عن تسوية مع الكرد والسنة إلى خلق أرضية مستقرة. إن تحول الانتخابات إلى جزء من الحرب الأهلية من ناحية فهي من الناحية الأخرى تشكل أرضية للحل من أجل العراق المفتقد إلى الاستقرار.

تشكل السياسة المذهبية التي يتبعها المالكي حالياً تهديداً خطيراً لمستقبل العراق. فلا يمكن لأي سياسة تقوم باستبعاد السنة بتحقيق الاستقرار في العراق. وفي الطرف المقابل لا تملك أية قوة وفي مقدمتها السنة أي مشروع لتحقيق الديمقراطية.

فالشخصيات التي تكون في حالة صراع مذهبي فيما بينها دعك من وضعهم لطرح مشروع للحل جانباً فهي على العكس تعمق الصراع أكثر. وهذا يساهم في ازدياد أهمية الكرد في موضوع احلال الديمقراطية في العراق. ولكن اتباع الشعب الكردي في الجنوب لسياسة النعامة التي تقوم بطمر رأسها في الرمال تبقيهم محليين جداً. حيث يتمحور عمل جنوبي كردستان بشكل فعلي حول مركزين منفصلين )هولير والسليمانية(. مما لا شك فيه أن الحياة الذاتية النسبية ضمن خاصية مناطق جنوبي كردستان ليست خاطئة.

الشيء الذي قصدناه هو السياسة المجزئة المتبعة ضمن جنوبي كردستان وخارجها. لقد آن الأوان للنظر إلى نضال دمقرطة العراق من زاوية ثالثة والظروف مهيئة لذلك. فالسياسة الصحيحة هي، أن يتخلى الحزب الديمقراطي الكردستاني عن السياسة الابتزازية التي يتبعها من خلال قوله «سنقيم دولة كردستان مستقلة » وعن التقربات التي تخفي وراءها حقيقته، ومن خلال تفعيل دور الكرد في دمقرطة العراق يحتاج الكرد لسياسة تؤهلهم ليكونوا فعالين ليس في العراق فحسب أنما في عموم منطقة الشرق الأوسط. فإذا ما اتبع الكرد السياسة الصحيحة لكان لديهم الفرصة ليكونوا فعالين في سياسة كل من العراق، وتركيا وسوريا، وكذلك إيران. إن قام الكرد بالدور الطليعي في إحلال الديمقراطية في كل هذه الأجزاء ستحول هذه الحقائق الكرد في القرن الحادي والعشرين إلى شعب مثالي يقتدى به. هذه السياسة ستمنح الكرد مكاسب أكثر قيمة من المكاسب التي ستمنحها اقامة دولة قومية في جنوب كردستان. من هذا المنطلق فأن الانفتاح الكبير الذي ستحققه القوى السياسية في جنوبي كردستان ستكون السياسة التي ستحقق وحدة ودمقرطة جميع المذاهب والمجموعات الأثنية في العراق. وأي سياسة غير هذه السياسة ستعبر عن مأزق ليس فقط لجنوبي كردستان أنما من أجل العراق ككل.

إن انقضاء شهور على عدم تشكيل الحكومة الجديدة في جنوبي كردستان توضح ماهية السياسة التي يتبعها الحزب الديمقراطي الكردستاني. فهو لا يتخلى عن عقلية الهيمنة ويريد حكومة ووسط سياسي يكون هو الحاكم فيه. ويسعى لجعل الأحزاب الأخرى مطيعة لسياساته فقط. هذا الوضع يبين مدى أهمية النضال الديمقراطي وبناء المؤسسات الديمقراطية في جنوبي كردستان. ينبغي رؤية العلاقة الموجودة بين عدم تشكيل حكومة ذات طابع ديمقراطي مع ثورة غربي كردستان، لأن الحكومة ذات الطابع الديمقراطي والتي لا يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني ستتقرب بحيوية وحماس من ثورة غربي كردستان.

ولأن كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة التركية لا يريدان ذلك لا يتم تشكيل الحكومة الجديدة. ورفع علم الحزب الديمقراطي الكردستاني في معبر سيمالكا مؤخراً يوضح وبشكل جلي وجود اتفاق بين الدولة التركية وهذا الحزب.

يتم إدارة جنوبي كردستان عن طريق حزب واحد كما في الدولة التركية. حتى وأن كانت هناك عمليات انتخابية فلا يوجد سوى نظام سياسي لحزب واحد. حتى وأن كان الاتحاد الوطني الكردستاني، الاسلاميون، وحركة كوران غير راضين عن ذلك ولكنهم في نفس الوقت لا يشكلون معارضة مؤثرة. إن وضع الحزب الديمقراطي الكردستاني وسعي حركة كوران التي تعتبر كمعارضة راديكالية للوصول إلى تسوية مع هذا الحزب للحصول على بعض المكاسب تظهر هي الأخرى مدى حاجة جنوبي كردستان إلى تطوير حركة ديمقراطية راديكالية جذرية في جنوب كردستان. علينا أن ندرك أن قوة لوحدها لا يمكنها تطوير موقف ديمقراطي بل أن انضمام عدة قوى للحركة الديمقراطية ستكون ذو فعالية أكبر في عملية الدمقرطة التي هي حاجة بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضاً. كما أن هذا الحزب سيكون المتضرر الأكبر إذا خلق العوائق أمام تطبيق الديمقراطية إن لم يتحرك مع حركة الحرية الكردية بشكل مشترك بصدد عقد المؤتمر الوطني. لقد أشار قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان إلى أنه يجب على الحزب الديمقراطي أن يظهر مواقف بنّاءة ومشوقة ليلعب الدور الايجابي وليس السلبي.

فدخول الحزب ضمن خط ايجابي يحوز على الأهمية بالنسبة للكرد وخاصة في قيامه بتحطيم التوازنات القديمة في منطقة الشرق الأوسط وخلق توازنات جديدة، ووصول الحزب الديمقراطي الكردستاني مع كافة القوى الوطنية إلى سياسة واستراتيجية مشتركة من خلال عقد مؤتمر على الارضية التي طورها نضال الحياة الحرة الديمقراطية في الأجزاء الأربعة من قبل الشعب لها أهمية تاريخية. ينبغي على كافة القوى السياسية الكردية تحمل مثل هذه المسؤولية ولأن قائد الشعب الكردي يولي الأهمية لهذه الحقيقة قام ببذل الجهود بصدد عقد المؤتمر الوطني.

بدأت إيران بإظهار ميولها لإيجاد حل لقضيتها مع الغرب عن طريق الحوار مع تسلم روحاني سدة الحكم. وهذا التقرب ليس سوى مماطلة لتطبيق سياستها الداخلية والخارجية. ويمكن تحليل مشروع روحاني على أنه تكتيك مرحلي. ولهذا السبب يرى من الصعوبة قيام الثقافات والهويات المتعددة التي تحتل مكانة ضمن الخلفية التاريخية لإيران بالانفتاح من خلال اتباع سياسة مرنة للوصول إلى الأمة الديمقراطية. لأن السياسة المرنة وخبرة الحياة المشتركة بين الجماعات المختلفة الموجودة في تاريخ ايران ممكن فقط عن طريق تجاوز قوموية الدولة القومية. وهذا يمكن تحقيقه من خلال وصول نظام آية الله إلى مرحلة تصغي فيها للديمقراطية أو عن طريق نضال الوحدة الديمقراطية المشتركة للشعوب. ولكن تطور ميول قوموية الحداثة الرأسمالية في إيران خلال القرن الماضي وكذلك لتقوم الثورة الإيرانية بإنقاذ نفسها من هذه القوموية، دفعت بإيران لتعيش حالة الانسداد فيما يتعلق بموضوع إيجاد حلول لقضاياها الداخلية. لذلك فنضال الدمقرطة في إيران وكافة الميول القوموية في البلاد سيكون صعباً وميؤساً منه.

ينبغي رؤية النضال الذي تخوضه الولايات المتحدة الامريكية والغرب مع ايران على أنه بحث لإيجاد تسوية ضمن النظام. حيث تسعى كل من ايران والولايات المتحدة الامريكية عن طريق هذه التسوية إلى خدمة مصالحها. فعملية وقف اطلاق النار الذي اعلنه حزب الحياة الحرة الكردستانية منذ عام هي في الاساس جانب من النضال السياسي. وأنها توضح هذه الحقيقة وهي:

أن القوى السياسية تستطيع تسيير النضال ليس بالحرب إنما تستطيع ادامتها بالسبل السياسية أيضاً. وهذا الطابع المتداخل لنضال القرن الواحد والعشرون يتضح يوماً بعد يوم. فوفق البراديغما الجديدة لحركة الحرية الكردية فأن الحياة الحرة والديمقراطية للكرد لا تتم عن طريق الوصول إلى الدولة القومية إنما عن طريق الانضمام إلى نضال تطبيق الديمقراطية في المناطق. كيفما يتم اتباع سياسة تطوير نضال الدمقرطة وتقوية أرضية حل القضية الكردية في تركيا عن طريق مشروع حزب الشعوب الديمقراطية، ففي ايران أيضاً سيخلق اتباع سياسة ديمقراطية من اجل ايران ككل مكاسب وفرص أكثر بالنسبة للشعب الكردي. أن تقوية علمية تطبيق الديمقراطية في ايران سوف تخلق فرص أكبر لحل القضية الكردية.

عاش كل من شمالي كردستان وتركيا وخلال الفترة القليلة الماضية مرحلة الانتخابات. حيث حققت حركة التحرر الكردية نجاحاً هاماً في الانتخابات رغم الحيل والألاعيب حتى ولو لم تكن كما كانت تريدها. مما لا شك فيه هناك جوانب يجب انتقادها ضن عملية الانتخابات تلك، وهناك أعمال يجب تصحيحها أيضاً.

ولكن يجب عدم استخدام الاسلوب السلبي الذي هو عمل قوى استعمارية للحرب الخاصة تم تطويره ضد حركة التحرر الكردية. لذا فالتقرب الأصح هو تجاوز النواقص الموجودة بدون التطرق إلى هذا النمط من الاسلوب. حيث أن التقرب وكأن الانتخابات جرت في جو تركيا ديمقراطية وكردستان حرة، وكانت انتخابات عادلة ومنصفة، ولم تقم الدولة التركية التي تسيير الحرب الخاصة ضد الكرد بأية مداخلة، تعني غض النظر عن الحقائق وحتى أنها تعني عدم التعرف على القوى المناضلة. فكما يقال أن الابتعاد عن مفهوم وحقيقة العدو يعني الوقوع في الغفلة. علينا أن نولي الأهمية لهذا الوضع عند القيام بالتحليل. فكل تقرب لا يعير الأهمية لذلك هو تقرب يفتقد إلى فهم الحرب الخاصة والحرب النفسية التي يتم ممارستها ضد الكرد.

وتعني عدم رؤية طابع الدولة التركية الاستعمارية والتي تفرض الإبادة الثقافية على الكرد. فرغم كل ما ذكرناه فقد جرت الانتخابات بنجاح.

مما لا شك فيه أن الإدارة الذاتية هي التي فازت في هذه الانتخابات. ومن هذا المنطلق يجب تنظيم بلدياتها بشكل مختلف بحيث تخلق أرضية لتطوير وتقوية الإدارة الذاتية الديمقراطية. فمن الخطأ حصر الإدارة الذاتية الديمقراطية ضمن الأعمال التي ستقوم بها الإدارة المحلية لأن ذلك يعبر عن حالة التحريف. أظهرت الإدارة الذاتية الديمقراطية ومن خلال الممارسة العملية والقدرة على إدارة نفسها بنفسها أنها تتجاوز نظام الاشتراكية الديمقراطية. فدخول الانتخابات بالرئاسة المشتركة وتحقيق النجاح بهذا المستوى حاز على الأهمية البالغة فيما يتعلق بتطبيق النظام وإضفاء الطابع المؤسساتي عليه. لهذا السبب فأن تطبيق نموذج الإدارة الذاتية المستندة إلى الرئاسة المشتركة بجوهرها وكافة جوانبها ضمن الممارسة العملية لها أهمية بالغة ليس فقط من أجل الإدارة المحلية الصحيحة إنما من أجل التنشئة الاجتماعية لنضال الحرية وتطوره أيضاً.

أظهرت هذه الانتخابات المساعي الهادفة إلى تطبيق سياسة الإنكار والإمحاء التي تطبق على كردستان منذ عهد الاتحاد والترقي بقيادة حزب العدالة والتنمية. أي أن الاستعمار يسعى إلى صون وجوده في كردستان عن طريق حزب العدالة والتنمية ضمن إطار سياسة الحرب الخاصة. كما أنه لم تتوضح سياسة حزب العدالة والتنمية المماطلة والساعية إلى التصفية وصون استمرارية سلطته والساعية إلى إبراز مرحلة الحل التي سعى قائدنا إلى تطويرها ضمن إطار السياسة الديمقراطية على أنها مشروعه. هكذا ظهر تصور وكأن حزب العدالة والتنمية هو الذي بدأ بمرحلة الحل وأنه يعمل على تسييرها، وهذا ساهم في احتفاظ حزب العدالة والتنمية بأصواته في مرحلة الانتخابات. ليس من الخطأ القول بأن نسبة هامة من الاصوات التي كسبها حزب العدالة والتنمية في تركيا وفي كردستان كانت لمشروع الحل الذي طوره القائد ابو. ومن الناحية الأخرى تعقب ما ستسفر عنه لقاءات إمرالي وكيف سيكون رد حزب العدالة والتنمية في الفترة التي كان مشروع القائد آبو نضال القوى الديمقراطية. حالة التأمل هذه أعاقت مهام النضال، كل هذه تحولت إلى عوامل تعيق تطوير النضال. ومن الناحية الأخرى ساهمت في اضعاف المشروع الذي طرحه القائد أبو ومكانته السياسية. وهذا يوضح أنه لم يبذل النضال الكافي ضد سياسة الحرب الخاصة التي اخفاها حزب العدالة والتنمية تحت ستار الحل. فعدم تناول السياسة الديمقراطية والمرحلة التي طورها أو طرحها القائد أبو وسياسات العدالة والتنمية، كانت ذو تأثير على ظهور تصور أنه هناك مرحلة حل وسلام. رغم أن حركة التحرر الكردية أبدت مواقف وتقربات تشهر بسياسات العدالة والتنمية، إلا أنها لم تستطيع أن تفقد تأثير التصور والاعتقاد الخاطئ الذي خلق من خلال الدعاية التي قامت بها العدالة والتنمية. يجب تحليل سياسات العدالة والتنمية بالشكل الصحيح والتشهير بها بشكل قوي. كما يجب إدراك المرحلة التي بدأها القائد أبو والمهمات التي ألقيت على عاتق القوى الديمقراطية والتحررية.

فمن دون إدراك وتطبيق هذه الأمرين من الصعب تطوير الحركة الديمقراطية الكردية ونضاله التحرري. كل هذه الحقائق تفرض علينا القيام بإجراء تحليلات سياسية وسوسيولوجية شاملة لنتائج الانتخابات. عند إلقاء نظرة على نسبة الأصوات التي حققها حزب الشعوب الديمقراطية يتضح أن نهج المعارضة الحقيقية هو الذي حقق الفوز والمتمثل بحزب السلام والديمقراطية وحزب الشعوب الديمقراطية. فالهجمات التي طورتها الدولة ضد حزب الشعوب الديمقراطية والتحليلات التي نشرت ضمن الجبهة الكردية والمعتمدة على نشر عدو الثقة توضح مدى صحة مشروع حزب الشعوب الديمقراطية. بالتأكيد أن مصدر التقرب السلبي المستهدف لحزب الشعوب الديمقراطية هي الدولة، حيث أن كل من الدولة التركية والقومويين المتواطئين مع الدولة الذين لا يريدون حل القضية الكردية عن طريق النضال الديمقراطي للشعوب يقومون بخلق محيط سلبي ضد حزب الشعوب الديمقراطية. وهكذا يسعون إلى فرض سياسة اللاحل على الكرد. أن كلا السياستين تعادي نضال حرية الشعب الكردي وحل القضية الكردية. وتتخذ من عدم حل القضية الكردية أساساً لها. فالدولة التركية والقوى الكردية المتواطئة المساندة لها لا تريد حل القضية الكردية. حتى وأن كانت كل واحدة منها لا تريد الحل على حدى بسبب ذهنيتها وسياستها إلا أن توحدهم مع بعضهم في مسألة عدم الحل تعتبر حقيقة. لذا ينبغي تسيير نضال سياسي ايديولوجي ضد هذه الهجمات من أجل حل القضية الكردية. فهذه السياسة وحدها قادرة على تأهيل القوى الديمقراطية لامتلاك المبادرة في منطقة الشرق الأوسط وتحقق حل القضية الكردية. لذلك على حزب الشعوب الديمقراطية التقرب من مشروعهم بشكل استراتيجي ويكونوا اصحاب قرار في هذا الموضوع.

إن المعادين لهذا المشروع يصرون على عدم حل القضية الكردية وإبقاء حركة التحرر الكردية بدون سياسة وترك المجتمع معرضاً للقوموية والحرب العمياء. لهذا يجب خوض نضال ايديولوجي ضد هذا التقرب، فمشروع حزب الشعوب الديمقراطية لا يضعف الكرد بل يساهم في تقوية كافة المناطق ويجعل منها قوة فاعلة وهو المشروع الذي سيوصل الشعب الكردي إلى نموذج يحتذى به. إن كل تقرب بعيد عن هذا المشروع يهدف إلى ترك الكرد في حالة صراع وعداء مع شعوب المنطقة والقضاء عليه وخلق أرضية لسياسة الإبادة بحق الشعب الكردي في الشرق الأوسط بأكمله. لا يمكن لحزب الشعوب الديمقراطية أن يخلق حركة ديمقراطية راديكالية ذو منهج من دون انضمام القوى اليسارية إليه، فهو مشروع يشمل الجميع يجب أن يكون للجماعات الدينية أيضاً مكاناً ضمن هذا المشروع. لابد من ضم المسلمين الديمقراطيين لهذه الحركة لأن التقرب الذي يساهم في خلق التوتر بين القيم الاسلامية والقيم اليسارية تقرب خاطئ وغير صحيح. على العلويين وكافة الجماعات الدينية والأثنية أخذ مكاناً ودورا فاعلاً ضمن هذا المشروع بهويتها وخاصيتها. باختصار، ينبغي رؤيته كحزب لمجتمع ديمقراطي يشمل جميع الشخصيات الاجتماعية. قد يصف البعض هذا الحزب بأنه «يقوم بإبعاد المحافظين » وهذا تحريف للوقائع.

فمن الخطأ اعتبار كل المسلمين محافظين وأن حزب الشعوب الديمقراطية لا يشمل كافة المجتمع. بالطبع لن يكون حزب المحافظين بل سيكون حزب ديمقراطي راديكالي ولن يكون للمحافظين السياسيين مكاناً فيه. إن الهيمنة الموجودة في تركيا ليست هي الهيمنة القديمة، وتلاقي صعوبة في خلق الهيمنة الجديدة لأن الشعب لا يريد هيمنة جديدة، وهذه حقيقة. تقوم القوى الديمقراطية بخلق فرص النضال من خلال الاتفاق حول برنامج ديمقراطي وستقوم بزيادة فرص وإمكانيات إنشاء أو خلق تركيا جديدة. هنا لا بد من وجود مداخلة للمرحلة السياسية ضمن هذا الوسط. فلا يمكن أن يكون انتظار قيام القوى الاستعمارية بالإبادة الثقافية وإنشاء هيمنتها موقفاً تتخذه القوى الديمقراطية والتحررية أساساً لها. فالقيام بعقد اتفاق ديمقراطي في هذه المرحلة والالتقاء في نقطة واحدة وعدم الانضمام لنضال دمقرطة تركيا يعتبر لا مسؤولية تاريخية. تتطلب المرحلة المقبلة تصعيد النضال وتطوير تنظيم سليم للإدارة ابتداءً من الإدارة المحلية ضد تحركات الدولة ضمن محور الحرب النفسية الهادفة إلى التصفية. فمن خلال رؤية التطورات في العالم والبلاد والمنطقة تقدم فرص وامكانات لظروف تقوية الموقف الديمقراطي ونجاحها ينبغي إبراز نهج النضال والتقرب المؤمن بتحقيق النصر عن طريق نضال ديناميكيتها الجوهرية والثقة بالذات. فإنتظار الحل من حزب العدالة والتنمية والدولة التركية هي كأن يتم انتظار الولادة من البغال. المهمة الأساسية في المرحلة المقبلة هي إيصال النضال إلى سوية له القدرة على دمقرطة تركيا وحل القضية الكردية.

من هذا المنطلق ينبغي وخلال فترة قصيرة تجاوز النهج والأسلوب الاستباقي الذي يساهم في عدم فهم المشروع الذي طرحه القائد ابو ويبعد المجتمع عن إدراك حقيقة العدو والذي يفرض على المجتمع الدخول في حالة انتظار الحل. تقوم الحكومة والدولة بتسيير سياسة لتصفية حركة التحرر الكردية باسم مرحلة الحل. ويفرض على الكرد وكافة القوى الديمقراطية وبشكل اساسي الشعب التخلي عن النضال. لذا يجب خوض النضال تحت شعار «الحقوق لا تمنح إنما تُسترد » لإفشال هذه الالاعيب. بدأت مرحلة نضال جديد مع نداء القائد ابو في عام 2013 . ولكن هذا النداء يفهم وكأنه أن تنتظر كل شيء من الدولة والتخلي عن النضال. اسفرت هذه المرحلة ومما لا شك فيه عن ولادة هدنة ووقف لإطلاق النار. إلا أنه لا وجود لمفاوضات أو وضع سياسي يخلق السلام. فرؤية أو اعتبار اللقاءات والحوار مع القائد على أنها مرحلة سلام وحل يعتبر خداع للذات. فالمرحلة الممتدة لعام اظهرت وبكل وضوح ممارسات وسياسات العدالة والتنمية والدولة لإفشال موقف وإرادة القائد في الحل.

إن الاصغاء للقاءات في امرالي والتخلي عن النضال الاساسي لا يعني تقوية الولاء للقائد والسياسة التي اتبعها على العكس تقوم بإضعافها. وأن ترك كل شيء على كاهل القائد يعتبر تقرب رخيص وبسيط. انطلاقا من ذلك يجب رؤية خطأ المفهوم المستند إلى التحرك وفق ما ستسفر عنه اللقاءات مع القائد على الدوام والتي تقوم بخدمة عدم ادراك نهج القائد واحلال المشروعية للتخلي عن النضال والتي تقوم بخدمة سياسات الدولة التركية وحزب العدالة والتنمية، ولابد من إبداء موقف سياسي وايديولوجي لتجاوز هذا التقرب الخاطئ.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى