المناضل والشخصية المنضلة

المناضل والشخصية المنضلة

 

يمكن للفرد أن يصل إلى مستوى المفكر العظيم والفنان الكبير والأخلاقي الشهير والمنظم العظيم والممارس العملي الداهي بمقدار إسهامه في كشف النقاب عن القضايا الغامضة وتحليلها من كل النواحي التي تساهم بدورها في تطوير المجتمع. لهذا ينبغي الوصول إلى شخصية مناضلة تتسم ببعض الخصائص التي تؤهلها للقيام بالدور الطليعي تجاه شعبها فهي:

مفعمة بالحب الشديد لوطنها الوطنية إحدى الفضائل الأساسية التي يتوجب على الشخصية المناضلة أن تتحلى بها. الوطنية ليست صفة عادية يمكن اكتسابها بالطرق العادية البسيطة إنها على النقيض تأتي في طليعة العناصر التي تمكّن الشخصية المناضلة من أن يصبح مناضلاً حقاً. إن انهماك المناضل في العاطفة والوعي الوطنيين يعني قبل كل شيء أن تتعرف على الواقع الوطني والاجتماعي وتوحيده من ثم بالأممية. بهذا المعنى تعني الوطنية توحيد التعرف على الوطن الذي هو العنصر الأساسي للوطنية وامتلاك العاطفة والوعي الكاملين إزاءه والتطلع الصادق والرغبة العميقة في تحقيق الحرية والديمقراطية.

لا بد للمناضل من الإيمان العميق بضرورة تقييم الصفات الاجتماعية للمجتمع تقييماً صائبا مع الاحتفاظ بمشاعر الحب والمودة إزاءها ورفع هذه القيم إلى أعلى المستويات بعد الإيمان المطلق بها، كما أنه لا بد له من أن يعلم بأنه من المستحيل أن يحقق أي شيء في مجال الحرية والديمقراطية لوطنه إلا بالاستناد إلى هذا الإيمان الراسخ والعميق بتلك المبادئ والمثل. عليه التعرف على وطنه من الناحية الجغرافية والمناخية وثرواته، كما يجب عليه أن يكون مستعداً لأن يضحي بأغلى ما لديه في سبيل تراب هذا الوطن عندما تدعو الحاجة لذلك.

لا يمكن تصور وجود إنسان على وجه المعمورة لا يكون مستعدا للتضحية بأغلى ما لديه في سبيل إحياء هذه القيم والمثل الوطنية. فهي تُعتبر إحدى معايير الإنسان السوي في عصرنا. وعدم السعي والنضال من أجل إحلال الحرية والديمقراطية في الوطن يعتبر عمالة من قبل أي مفهوم كان. لذا فإن الوطنية أولى الصفات التي يجب على الشخصية المناضلة أن تتحلى بها.

إن الوطنية التي نتحدث عنها والتي نقول بضرورة توفرها لدى المناضل هي المفاهيم الوطنية الخاصة بالمجتمع، غير أن هناك في يومنا الراهن الكثير من المحاولات التي ترمي إلى إفراغ هذا المفهوم المجيد والعظيم من محتواه لتسخيره لخدمة بعض الأغراض الدنيئة والقذرة، وجهود تبذل في سبيل خلق الفوضى والغموض في ساحة المفاهيم.

كيف يتجسد العنصر الوطني في المناضل إذا أردنا أن نفصل في هذا الموضوع أكثر؟ كما أكدنا من قبل يجب على المناضل أن يعرف وطنه ويحييه وخصوصاً إذا كان هذا الوطن رازحاً تحت نير الاحتلال والاستعمار. _ وبصورة بالغة الدناءة_ فمن الطبيعي أن يظهر عنده ميل قوي للحرية والديمقراطية. أما إذا لم يكن مثل هذا الاحتلال والاستعمار الفظيعين يخلقان عنده وعياً للنضال من أجل تحقيق الحرية وإحلال الديمقراطية من جميع النواحي فإن ذلك الشخص لن يكون مناضلاً بل سيبقى ذا روح أشبه بأرواح العبيد. ومعايشة المثقفين لهذا الوضع دليل قاطع على أنهم مصابون بمرض لا براء لهم منه.

ففي وضع كهذا عدم المبادرة إلى تبني فكر ووعي الحرية والديمقراطية وعدم تبني المقاومة ضد هذه الممارسات اساسا له لن يستطيع أن يصبح مواطناً شريفاً ناهيك عن أن يصبح مناضلاً. لن يصبح مثل هذا الإنسان إلا إنسانا بروح عبد أجير لا قيمة له في مجتمعه.

فالوطنية في الظروف اليومية الملموسة في كردستان الحالية بهذا المعنى تتجسد في شخصية حركة الحرية الوطنية، وتظهر على شكل نضال ومقاومة ضمن هذا الصراع.

فالوطنية تتطلب النضال في جميع ساحات الوطن وتطوير المقاومة بما يتناسب مع الاستراتيجية وبما يخدم أهداف النضال التحرري الديمقراطي للشعب. إن من لا يناضل اليوم بوعي ومشاعر وطنية متأججة في جميع ساحات الوطن، ومن لا يدعم مثل هذا النضال سواء خارج البلاد أو داخلها، سواء في القرى أو المدن لا يمكن أن يكون وطنياً حقاً ولا يستطيع أن يتحرر من الغرق في أوحال العمالة والخيانة. الوطنية توجب حب الوطن ككل لا التعلق ببقعة من بقاعه والنظر إلى مصالحها بوصفها أهم من مصالحه. فمثل هذا الموقف الجزئي لا يمكن أن يتفق مع الوطنية في أي وقت من الأوقات بل ويقف في طريقها.

فالشخصية المناضلة الحقيقية هي التي تعرف كيفية التضحية بما هو نفيس في سبيل وطنها وتعتبر حبها لوطنها أسمى من جميع الروابط وسائر القيم.

ديمقراطية بالارتباط مع الوطنية هناك سمة أخرى من الواجب على المناضل أن يتحلى بها ألا وهي الديمقراطية. تستطيع الديمقراطية أن تتطور بالارتباط مع الوطنية. فكما أن الوطنية تتطلب ميزة عميقة تتركز على أساس التحرر من القوى الاستعمارية تجد الديمقراطية التي  هي صداها الداخلي تعبيرها في الانقضاض على بقايا العصور الوسطى. فالالتزام بالمبادئ الديمقراطية يجعل النضال ضد المفاهيم الإقطاعية والعشائرية والطائفية وعبودية المرأة وغيرها من مخلفات القرون الوسطى أمرا ضرورياً. وهذا الالتزام بالديمقراطية في الوقت نفسه موقف مرتبط بالوطنية ارتباطاً وثيقاً. فالطبيعة الوطنية الديمقراطية لثورتنا تجعل كلاً من سمتي الوطنية والديمقراطية من السمات الأساسية المطلوبة من المناضل. ولهذا السبب فإن من لا يكون وطنياً لا يستطيع أن يكون ديمقراطياً، ومن لا يكون ديمقراطياً لا يمكن أن يكون وطنياً. فهاتان الصفتان متداخلتان ومترابطتان ترابطاً وثيقاً وعضوياً.

كما أن التصدي للمفاهيم العشائرية والإقطاعية والطائفية وعبودية المرأة وغيرها من المستلزمات الضرورية ليكون المرء ديمقراطياً، كذلك لا بد لهذه المواقف من أن تكون موجودة لدى كل وطني أيضاً. لا بد للوطني من النضال ضد المفاهيم الرجعية في وطنه ذلك لأن الوطنية لا تتجلى إلا في نضاله الدؤوب لإيصال الشعب والوطن إلى مستوى الحرية والديمقراطية وإزالة جميع المظاهر الرجعية والعقبات التي تعيق التطور.

على الوطني والديمقراطي أن يواجه مختلف المفاهيم الرجعية وأن يعرف كيف يتحرك في إطار الروح والوعي الوطني الديمقراطي. لبلوغ مثل هذه الميزة أهمية كبرى. إن الوطني هو الذي ينمي العلاقات الوطنية والديمقراطية بدلاً من العلاقات العشائرية_ الإقطاعية والعائلية القروسطية، ولا يعترف بأية روابط قومية مع الأمة الحاكمة.

وهو يوظف سائر العلاقات العائلية والعشائرية بما يعزز الروابط الوطنية والديمقراطية ويزرع الروح الوطنية في عائلته وعشيرته وينطلق من ذلك ليصل إلى الديمقراطية.

كما أن الالتزام بالديمقراطية يوجب النضال ضد سائر أشكال الاستغلال والظلم التي يتعرض لها الشعب. فعلى المناضل أن يقف بشكل خاص في وجه الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية والوحشية التي ترتكب ضد الشعب، ولا سيما النساء وأن يناضل في سبيل حرية جميع فئات المجتمع وفي مقدمتها المرأة. عليه أن يناضل ضد الظلم والاستغلال الذين يعاني منهما الشعب في ظل النظام الرأسمالي الاحتكاري. عليه أن يتابع نضالاً عنيفاً وقوياً ضد الفاشية جامعاً بين الديمقراطية ومعاداة الفاشية. لن يكون المرء جديراً بلقب الديمقراطي إلا بعد امتلاك سائر هذه السمات.

هناك جملة من التشهويات في موضوع الديمقراطية كما في موضوع الوطنية. ما أكثر الأفراد والتنظيمات التي ترفع عالياً اسم >>الديمقراطية<< في حين يكونون في حقيقة الأمر بعيدين كل البعد عنه ومرتبطين بالدوائر الاحتكارية! يكون كابوساً على الشعوب والأمم ومعادياً لمبدأ مصير الشعوب ولكنه مع ذلك يبقى >>ديمقراطياً كبيراً<<حسب زعمه. ونحن في كردستان نستطيع أن نجد العديد من الأمثلة المشابهة. هناك فوضى عارمة وغموض كبير وتشويه كريه في مجال الديمقراطية كما في سائر الميادين الأخرى. كثيرة هي التنظيمات التي تزعم أنها ديمقراطية غير أنها ما إن يطرح موضوع حرية الشعب الكردستاني على بساط البحث حتى تغرق في وحل الشوفينية رافضة الاعتراف بهذه الوقائع من الأساس علماً أن أحد معايير الديمقراطية هو الموقف من حقوق الشعب والأمم الأخرى. وبالشكل نفسه هناك العديد من الأفراد والتنظيمات التي ظهرت في كردستان زاعمة أنها >>ديمقراطية<< ولكنها بقيت مستندة إلى روابط الدم والقرابة العشائرية مما أغرقها في مستنقع خدمة الرجعية وفي أوحال التواطؤ. من واجبات المناضل والشخصية المناضلة ضمن الثورة أن يبرز المعايير الفعلية الصحيحة للديمقراطية وأن يكون متيقظاً وحذرا إزاء سائر أنواع الديمقراطية الزائفة وأن يناضل بحزم ضدها.

أممية تناضل من أجل الاشتراكية! هناك سمة أخرى أكثر سمواً يجب أن تتحلى بها الشخصية المناضلة ألا وهي الالتزام بالاشتراكية.

فالخط الوطني والديمقراطي الثابت كفيل بإيصال الفرد تدريجياً إلى الاشتراكية. فبدون الاشتراكية لا يستطيع الإنسان أن يصبح وطنياً ثابتاً أو ديمقراطياً حقيقياً. لأن بلوغ الطبيعة الحقيقية لهاتين الميزتين لا يتم إلا من خلال اندماجهما مع الاشتراكية. ففي بلاد تسودها مخلفات القرون الوسطى وترزح تحت وطأًة المستعر لا بد من توفير إمكانية التحرر الوطني والاجتماعي عبر خوص نضال جذري ضد الرأسمالية مما يقود بطبيعة الحال إلى تبني الاشتراكية .هذا يعني أن الوطنية والديمقراطية الثابتتين والدائمتين تؤديان بصورة حتمية إلى الاشتراكية.

أما امتلاك الوعي الاشتراكي فيقود مباشرة إلى الأممية. وفي هذه النقطة يمكن القول بأن اجتماع الوطنية والديمقراطية والاشتراكية في كردستان يساوي الأممية. لا يمكن الحديث عن أية أممية في كردستان إلا في ظل توفر مثل هذه الظروف.

على كل فرد يعيش على أرض كردستان مهما كانت قوميته، جنسه، ديانته أو عقيدته المذهبية أن يخوض نضالاً لا هوادة فيه ضد المفاهيم الشوفينية التي تفرض لونا وقومية ولغة وثقافة وعقيدة واحدة. مما لا شك فيه أن النضال ضد هذه القوى يجب أن يستند على أسس أيديولوجية. أي لابد من اتخاذ الموقف الثوري الثابت في مثل هذه المواقف. أي أن لا يتم فسح المجال أمام ممارسات القوى الشوفينية. لن تكون المساومات مع الحركات والقوى الأخرى إلا على أساس التكامل. أي أن تطور الأممية في الشخصية لن يكون من خلال إنكار القوميات والثقافات واللغات الأخرى. لا بد للمناضل من أن يفهم الأممية بمثل هذا الجوهر العميق ومن أن يجعلها سمة مسيطرة على شخصيته بشكل قوي. إن الميزة التي ليس لها مثيل والتي أبدتها حركة الحرية الكردستانية في هذا الموضوع معروفة تماماً. تم خوض النضال الدؤوب بالاستناد إلى مثل هذه القاعدة المتينة.

فالشخصية الوطنية والديمقراطية والاشتراكية والأممية الحقيقية التي نراها اليوم في كردستان هي الشخصيات التي تم خلقها عبر خوض نضال مرير ضد المفاهيم الرجعية. فعلى المناضل والشخصية المناضلة في يومنا الراهن أن يتحلى بهذه السمات وأن يمتلك الروح السامية تجاهها. ورغم العلاقة الوطيدة التي لا تنفصم بين الأممية والوطنية من الممكن أن نصادف عددا كبيرا من النماذج الأخرى في كردستان. كثيرة هي تلك النماذج المغتربة عن وجودها وكيانها الوطني لتأثرها المفرط بسياسات الإبادة. وهي مع ذلك تظهر على الساحة باسم الوطنية ولكنها تتنكر لوطنها وشعبها فضلاً عن أنها تفعل هذا كله باسم الأممية ! فأية >>أممية << هي هذه ؟! إن مثل هذا التصرف مثال ساطع ونموذج واضح للزيف والتضليل! أما حركة الحرية الكردستانية فتمكنت من إبراز الأممية على حقيقتها من خلال كشف القناع الذي كانت تتستر وراءه عبر ممارسة نضالية صحيحة داخل وخارج الوطن. فالمناضل والشخصية المناضلة كي تكون جديرة بالمهمات التي تقع على عاتقها عليها أن تجمع بين الأممية والوطنية على أساس صحيح.

إن الثورة الكردستانية ثورة ذات جانب أممي واضح لأنها ذات تأثير قوي على النضالات التحررية للعديد من الشعوب الأخرى في الوقت نفسه. فكردستان بواقعها الحالي تشكل حلقة أساسية في إحداث تطور جذري ضمن المنطقة. إن الشرارة التي اندلعت في كردستان ستؤدي إلى اشتعال لهيب نيران النضال التحرري في الساحة الشرق أوسطية مما سيؤدي حتماً إلى طريق التحرر أمام شعوب هذه المنطقة. ولهذه الأسباب مجتمعة نرى أن الثورة الكردستانية ذات طبيعة أممية واضحة وعميقة . ومن المؤكد أن المناضلين الذين هم بناة مثل هذه الثورة ذات الطبيعة الأممية العميقة يكونون مناضلين على مستوى يؤهلهم لأن يجسدوا الأممية تجسيداً قوياً ؛ بل لا بد للأمر من أن يكون كذلك. لقد تم الوصول إلى الوطنية والديمقراطية والاشتراكية والأممية في كردستان من خلال إبداء آيات البطولة في المقاومة وعبر تقديم تضحيات عظيمة وبدائل كبيرة. هذه المكاسب التي تحققت عبر خوض نضالات عظيمة ستكون مكاسبنا ومرتكزاتنا الأقوى في المراحل المقبلة. كما أن الوعي في هذا المجال سيمهد الطريق إلى صفات وسمات أقوى وأهم للشخصية النضالية. فالمناضل الوطني الديمقراطي والاشتراكي والأممي الذي يتملك الوعي الذي يمكنه من الوصول إلى مستوى العصر يعني بطبيعة الحال أنه استطاع إلى حد كبير أن يتملك الصفات الضرورية الواجب توفرها في المناضل الثوري في كردستان.

ما هو السلوك الذي ينبغي للمناضل أن يسلكه من جميع النواحي ضمن البنية التنظيمية مع رفاقه ومع أبناء الشعب حتى يعزز هذه الصفات أكثر فأكثر ويطورها أغنى فأغنى؟ كيف يجب عليه أن يوجه نشاطاته الفردية وكيف يغنيها؟

ما هي النوحي التي لا بد له من تطويرها وتعزيزها ضمن النضالات التي يخوضها؟ هذه أسئلة من الواجب التوقف عليها مليا.

مفعمة بالحب والاحترام لرفاقها وللشعب! يجب على الشخصية المناضلة أن تعرف كيف تكون مفعمة بالحب والاحترام لسائر القيم المعنوية التي توحد البنية التنظيمية والتي توحد المناضلين وفق فكر وأهداف واحدة. غير أن بعض الأشخاص بعيدون كل البعد عن هذه الصفة. فهم لا يستطيعون أن يغرقوا في بحر حب واحترام هذه القيم وعلى رأسها العلاقة فيما بين المناضلين. فهذه المواقف تعاكس السمات التي من الواجب على المناضل والشخصية المناضلة التحلي بها. فهذه القيم وروابط العلاقة فيما بين المناضلين هي القيم التي يجب أن تحظى بأسمى آيات الاحترام وأعمق مشاعر الحب والمودة. ذلك لأن أمة المستقبل، والمجتمع الجديد الذي يتم السعي لإنشائه متجسدان في شخصية المناضل. لا يتحول التنظيم إلى واقع ملموس إلا من خلال مناضليه. وكما أنه من المستحيل التفكير بالتنظيم بدون المناضلين كذلك لا يمكن التفكير بإمكانية وجود المناضلين بدون تنظيم. لهذا السبب يجب على المناضلين أن يكونوا منسجمين تماماً وأن تجمعهم ببعضهم مواقف ودّية للغاية. هذا لا يعني أن هؤلاء لن يتخذوا مواقف نقدية إزاء نواقص وأخطاء بعضهم، بل على النقيض تماماً سيكونون حازمين وصريحين إزاء الأخطاء والنواقص انسجاماً مع مستلزمات الحب والاحترام والعلاقات الصادقة، وسيستخدمون آلية النقد بالشكل المناسب في سبيل القضاء على نواقص وأخطاء بعضهم البعض. من الواضح والمؤكد أن الهدف من مثل هذا التصرف هو خلق الشخصية الأقوى والأمتن والأقرب إلى القلوب والأكثر احتراماً، فآلية النقد ليست سلاحاً يُستخدم لزرع الكراهية والحقد. وكل من يتكبر على رفاقه ولا يحترمهم، ويكنُّ مشاعر الحقد والغيرة إزاءهم يكون شخصاَ يثير الشبهات.

وهذا الحب والاحترام تجاه المناضلين يجب أن يشمل سائر قيم التنظيم الأخرى أيضاً، وفي مقدمتها الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما لديهم في سبيل الوصول إلى حرية المجتمع، وهذا الحب والاحترام والالتزام بالقيم يجب أن يتعمق ويتعزز أكثر فأكثر مع مرور الزمن . في هذه البنية الممزقة والمتنافرة للناس بسبب بذور الحقد والكراهية التي بذرتها الخلافات والصراعات العشائرية والطائفية وقضايا الثأر المثارة من خلال العديد من الألاعيب والمؤامرات ضد شعبنا ووحدته لن يتم توفير إمكانية فرض الوحدة القوية إلا من خلال رابطة تنظيمية متينة تستند إلى أساس إيديولوجي، سياسي راسخ ومتين بالحب والاحترام قبل كل شيء.

فبمثل هذه الرابطة التنظيمية فقط يمكن الوقوف في وجه تفاقم التمزق واتساعه وإحباط الفوضى التي خلقها العدو في المجتمع. من الطبيعي أن >> مناضلاً<< لا يستطيع التعايش مع رفاقه في ظل الوحدة القائمة على أنبل الأسس والقيم لن يكون قادراً قط على التعايش مع الشعب أيضا. لا بد من إيقاف حوادث القتل والاقتتال والمشاجرات والكراهية وعدم الاحترام بين الناس نتيجة قضايا الثأر والعشائرية والطائفية؛ لا بد من وضع حد حاسم للحقد والغيرة والكراهية التي فرضتها الأنظمة الحاكمة على الشعب وجعلتها سائدة إلى حد كبير. ولكن السؤال هو : كيف السبيل إلى ذلك ؟ من المؤكد أن الانسجام الكبير والنضج والاحترام والمودة بين المناضلين قبل كل شيء وبين سائر الأصدقاء والمتعاطفين هو السبيل، التعايش والتعاون في القضاء على العيوب والنواقص لدى بعضهم هو السبيل، الامتناع عن تدمير بعضهم بعضاً بحجة >> القضاء على الأخطاء<< هو السبيل، التمسك الشديد بهذه الصفات والسمات الإيجابية وجعلها السمات السائدة في شخصياتهم، وتمثلها بشكل قوي وعميق هو السبيل إلى ذلك.

إن ظهور مثل هذه التصرفات السلبية ضمن علاقة المناضلين فيما بينهم بشكل خاص يشكل أحد أكبر الأضرار التي يمكن للتنظيم أن يتعرض لها. إن ظهور الخلافات والصراعات بين هؤلاء الذين يجب أن يكونوا طليعيي الشعب والمجتمع والذين يجب أن يكونوا موحدين ومنسجمين تمام الانسجام فيما بينهم يشير إلى أنه لا جدوى من التأمل في قيامهم بتحقيق وحدة الملايين والتحام صفوفهم. ومثل هذا التصرف يُلحق أكبر الأذى بالمجتمع كما يُنزل أكبر الضربات الخطيرة بالمكاسب التي تم تحقيقها. إن مفهوم الحب والاحترام المتبادلين هو من الميزات التي ينبغي لكل مناضل ضمن النضال أن يعززها. فبناء مشاعر الودِّ والاحترام التي تعرضت لقدر كبير من التشويه على أسس سليمة وتوجيهها توجيهاً صحيحاً ينطويان على قدر كبير من الأهمية. أي أنه يستحيل الحديث عن وجود تنظيم إن كانت مشاعر الودِّ والاحترام مهمشة في حياة التنظيم وإن كان المناضلون خالين من هذه العواطف.

بالارتباط مع الميزة التي تحدثنا عنها قبل قليل وإلى جانبها لا بد للمناضل من أن يطور عواطف المودة والاحترام ويعمقها إزاء سائر شرائح وفئات المجتمع والشعب. لابد له من أن يُكِنَّ قدراً كبيراً من الاحترام العميق للشعب انطلاقاً من إيمانه الراسخ بأن التاريخ يصنعه هذا الشعب. غير أن هذا الاحترام يجب أن يكون في مكانه المناسب. فالقدرة على التعامل الناجح مع الشعب وحثه على العمل مشروطة بمدى الإيمان بأن الشعب هو المنبع الحقيقي لمختلف القيم والمثل، والثقة بأن الحياة تكتسب معناها من خلالها وتسير بقوتها.

مثل هذه الثقة القوية بالشعب هي القادرة على انطلاقها. تأتي مشاعر الحب والاحترام للشعب في بداية كل خطوة. لذا فإن المناضل يكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالناس انطلاقاً من قناعته بأنه لا يستطيع أن يحقق شيئاً إلا عبر الناس الذين يتبنون قناعاته ومبادئه.

مَن مِن الناس يمكن أن يقترب من المناضل الذي يعنّف الجميع ويعبس في الوجوه كما ويبادر إلى إطلاق عبارات من قبيل >> أنت لن تصبح رجلاً<< و>>أنت أيضاً لا جدوى منك!<< في وجه الذين يلتقي بهم ؟ إن مثل هذا المناضل لن يفعل إلا أن ينسف التنظيم القائم، يبعد الشعب عن التنظيم ويحثهم على المعاداة، ناهيك عن القيام بتنظيم الشعب وقيادته وبناء جسور الصداقة معه.

لذا لا بد من تحاشي الوقوع في مثل هذا الوضع والمسارعة إلى اكتساب صفات التواضع والنضج التي لا بد منها لإقامة العلاقات الودّية مع الشعب.

إن الموقف الحساس الذي يتخذه المناضل المسلح بمشاعر المودة والاحترام إزاء طبقات المجتمع وفئاته المختلفة هو الذي يجعل منه مركز جذب ومنظماً قوياً للغاية.

فرجال الدين والقساوسة مثلاً يعلنون أنهم يريدون خلق عالم يستند إلى الحب والاحترام ويتخذون مواقف ودية إزاء جميع الأمور. غير أن موقف هؤلاء يبقى هو هو حتى إزاء الأوضاع التي يجب أن تحظى بالحقد والكراهية أيضاً. من الواضح أن موقفنا نحن لا يمكنه أن يقبل بمثل هذا السلوك على الإطلاق. سنبدي مشاعر الودّ والحب غير أننا لن نبديها تجاه الجميع؛ لن نبدي هذه العواطف النبيلة إلا تجاه العمل، تجاه أصحاب قوة العمل، تجاه سائر القيم التي تدفع بالإنسان إلى الأمام. لذا لابد لنا من حماية الحب والاحترام من التشويه، من السقوط في الدرك الذي يتحرك فيه الباباوات والقسس. لا يجوز السماح بتحريف الحب والاحترام عن الاتجاه الصحيح كما لا يجوز التساهل مع تحويلهما إلى أدوات في خدمة الرجعية. المناضل ليس بمؤسسة خيرية أو رجل دين يوزع المحبة على ما هب ودب كما ليس جرة خل مفعم بالحقد والكراهية إزاء الجميع. إنه رجل يحدد بوضوح كامل المكان والزمان المناسبين للتعبير عن مشاعر الودّ والحب والاحترام من جهة كما يعرف من جهة ثانية المكان والزمان الملائمين لإطلاق عواطف الحقد والكراهية والغضب، وما المناضل العاجز عن تقييم القيم الحقيقية في أماكنها المناسبة إلا مناضلاً لا يملك المعايير السليمة والصحيحة. يجب أن نضيف إلى كل ما سبق لنا أن قلناه أن الشكل الذي يمكن أن يتخذه الحب والاحترام في الواقع الكردستاني الملموس هو حب الوطن بمعنى من المعاني. لن يستطيع المناضل أن يجسد في ذاته سائر المعايير التي أتينا عل ذكرها قبل قليل إلا إذا تمكن من الوصول إلى قيم الحب والاحترام الضرورية. وبالتالي يمكن تطوير مشاعر المودة والاحترام القوية إزاء الشعب كله في الوقت الذي يتم فيه تعزيز وتقوية روابط المحبة والأنفة بشكل متين لا يمكن أن ينقطع. وهذا العامل الذي يضمن المزيد من الجذب الشعبي للثورة يصبح في الوقت نفسه واحدا من أهم مصادر القوة وأكبرها بالنسبة للمناضل. حيث أن أحد أقوى العوامل المعنوية التي تضمن إمكانية التغلب على مختلف الصعوبات والمآزق والمآسي التي قد يصاب بها الإنسان هو حب الوطن ، حب الشعب.

لذا فإن على المناضل أن يجعل من هذه القوة المعنوية مرتكزاً له وسنداً في إيصال نضاله إلى النصر، وأن يعرف كيف يكون نموذجاً حياً للحب والاحترام إزاء شعبه ووطنه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى