الأمة الديمقراطية هي النموذج الأمثل للشرق الأوسط الجديد

 الأمة الديمقراطية هي النموذج الأمثل للشرق الأوسط الجديد

مزكين دليلا

تشهد منطقة الشرق الأوسط حرباً طاحنة خلال هذه المرحلة، حيث تم تحريف انتفاضة الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية لتتحول إلى حروب مذهبية وطائفية كنوع لمداخلة هذه الانتفاضات. فنموذج الدولة القومية كان مشروعاً لخلق التجزئة بين الشعوب وتحطيم الحياة المشتركة فيما بين المجتمعات والأثنيات الدينية. لهذا السبب قامت الدولة القومية بخلق الحرب الداخلية فيما بين الجماعات والأثنيات الدينية التي عاشت بشكل متداخل مع بعضها لمئات وآلاف السنين ضمن جغرافية الشرق الأوسط. وسعت إلى صون استمرارية الصراع وخلق حالة من عدم الثقة والتناقض فيما بين الشعوب والمجتمعات الدينية. مساعي الذهنية الواحدة الاحتكارية الهادفة إلى فرض الهيمنة جوبهت بقماومات عظمية من قبل الشعوب على الدوام. ربما استطاعت الدويلات المتشكلة من خلال مشروع الدولة القومية أن تقوم بتسيير وفرض سياساتها الهادفة إلى الصهر والإبادة الثقافية وخلق مجتمع واحد «مجتمع مستند إلى قومية واحدة »، ودفعت بالشعوب لتعاني الكثير من الآلام في هذا الموضوع، ولكن هذا المشروع لم ينجح في تحقيق مجتمع واحد «مجتمع مستند إلى قومية واحدة » من خلال القضاء على التنوع والاختلاف فيما بين الشعوب والمعتقدات . كما أنه من الصعب له النجاح انطلاقا من هذا يمكن القول بأنه قد ولى زمن هذا المشروع وانهار. من ناحية أخرى فإن الأنظمة الاستبدادية لم تفرض الظلم والضغط على معتقد ديني محدد؛ إنما فرضت الظلم والضغط على جميع المعقتدات الدينية وجميع الشعوب، وبسبب تعميقها الاستعمار والاستبداد دفعت بجميع الشعوب والمعتقدات الدينية – وليس الأثنية المراد إبادتها من قبل الدولة فقط- ما عدا فئة معينة إلى إبداء مواقف مناهضة للنظام الذي تم تشكيله في منطقة الشرق الأوسط. كل هذا جلب معه إفلاس ويأس الدولة القومية، ودفع بالشعب ليقوم بالانتفاض ضدها. إلا أن تلك الانتفاضات والمقاومات والصراعات تم تحريفها من قبل دول عدة لعدم وجود ذهنية ومشروع اقتصادي سياسي اجتماعي ثقافي بديل عن مفهوم الدولة القومية وسياسة الإمبريالية المستندة إلى مبدأ فرق- تسد في منطقة الشرقالأوسط. في هذا الوضع قامت العديد من القوى ذات الذهنية المستندة إلى العقيدة الواحدة والأثنية الواحدة بتطوير حروب فرض الهيمنة والسلطة والتأثير من خلال الاستفادة من هذا الفراغ الحاصل. وبهذا الشكل تعمقت الأزمة في منطقة الشرق الأوسط، وتحولت إلى وضع من الفوضى بكل ما للكلمة من معنى. ففي يومنا الراهن تمزقت وتشتت الأنظمة القديمة الموجودة في المنطقة، ولعدم إيجادها حلاً للقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والعقائدية والاقتصادية ساهمت في  ولادة وضع الفوضى هذا. إلا أنه إن تم تسخير كل الإمكانيات المتوفرة في هذه المرحلة أي مرحلة الفوضى فسوف يسفر ذلك عن نتائج عظيمة، حيث يقول قائد الشعب الكردي السيد عبد الله أوجلان: إن لحظة الإبداع والخلق تعاش في مراحل الفوضى. بلاشك مرحلة الفوضى هذه تحتوي على مشاريع سياسية مختلفة.

أحد هذه المشاريع يتمثل في الدولة القومية المنهارة والقوى المدافعة عن الدولة المستندة إلى دين محدد. هناك دولتان تسعيان لكي تكونا صاحبتا تأثير وهيمنة في منطقة الشرق الأوسط من خلال الاستناد إلى دهنية الدولة القوموية «الدولة المستندة إلى قومية واحدة »، وهما الدولة التركية وإيران. فهاتان الدولتان تسعيان إلى صون ذهنية الدولة القومية والهياكل الموجودة. فحتى وإن كانت إيران دولة دينية إلا أننا نرى في يومنا الراهن بأنها تقوم بخدمة القوموية الشيعية في إيران بالكامل. إلى جانب هذا هناك دول تستند إلى الذهنية الدينية كالسعودية. فهذه الدول الثلاث ومن خلال الاستناد إلى ذهنياتها التعصبية تسعى إلى فرض تأثيرها السياسي على منطقة الشرق الأوسط. ينبغي على الجميع أن يعلم بأن لهذه الدول الثلاث درواً أساسياً في جميع الصراعات الموجودة في المنطقة. أي أن افتقادها إلى مفهوم سياسي يهدف إلى إيجاد حل لجميع قضايا الشعوب وخلق حياة مشتركة تشترك فيها جميع القوميات والمعتقدات الدينية ساهم في تعميق واستمرار حالة الفوضى هذه.

المشروع الآخر هو مشروع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. بالنسبة إلى هذا المشروع فإنه يتركز حول العمل على تقسيم وتجزئة منطقة الشرق الأوسط وصون الصراع والتوتر فيها كخيار لصون حاكميتها وتأثيرها على الشعوب المتيقظة والتي لم تتمكن من فرض الحاكمية أو السيطرة عليها. فهي من ناحية تثير الصراع المذهبي بين المذاهب أو تسعى إلى الاستفادة من الصراع بين المذاهب على أساس سياسة فرق- تسد، ومن ناحية أخرى تسعى إلى الوصول إلى أهدافها السياسية في منطقة الشرق الأوسط من خلال غض النظر وحث القوى المرتزقة كداعش على تعميق حالة الفوضى هذه. وبهكذا الشكل ازدادت قوة خيار أو ميل تقسيم كل من العراق وسوريا مع دخول داعش الساحة. فتقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة سيساهم في إفقاد تلك الدول قوتها وسهولة إدارتها من قبلهم. هذا بكل تأكيد مشروع الحداثة الرأسمالية. فكما قامت الحداثة الرأسمالية بتعميق استعمارها من خلال خلق الدولة القومية ومازالت تقوم بإدارة العالم بسهولة من خلال هذا المشروع، نراها تسعى في يومنا الراهن أيضاً إلى تعميق تقسيم وتجزئة منطقة الشرق الأوسط من خلال تحجيم عقلية الدولة القومية أكثر. ويمكننا القول بأنها وصلت لهدفها أو حققت هدفها في هذا الموضوع بنسبة هامة. بالطبع ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعد الآن بخلق هياكل جديدة من خلال تقسيم المنطقة بذهنية الدولة القومية إلى دويلات صغيرة تؤدي إلى تقاسم السلطة. هذا هو مشروع الحداثة الرأسمالية في منطقة الشرق الأوسط.

أما بالنسبة للمشروع الثالث فهو المشروع الذي طرحه القائد آبو؛ مشروع الأمة الديمقراطية الهادف إلى إيجاد حل ليس فقط للقضية الكردية إنما لقضايا جميع الأثنيات والجماعات الدينية في المنطقة. فنموذج الحل هذا يهدف إلى خلق الوحدة فيما بين الشعوب والمعتقدات الدينية على أساس الأمة الديمقراطية في مواجهة مشروع الحداثة الرأسمالية المستند إلى الدولة القومية وسياسة فرق تسد.

ففي مقابل مشروع الحداثة الرأسمالية المستند إلى التقسيم والتجزئة، التوتر المستمر، صون حالة الصراع، يهدف مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه القائد آبو إلى تقوية وتعزيز التعايش المشترك بين جميع العقائد الدينية والأثنيات المختلفة بكل غناها وتنوعها.

فكل مشروع من هذين المشروعين مضاد للآخر. بلا شك توجد ضمن مشروع الأمة الديمقراطية ذهنية وهياكل تعبر عن حرية وخصوصية وذاتية الأثنيات والجماعات الدينية المختلفة على أساس الديمقراطية، إلا أنه لا يقوم بخلق النزاعات والتقسيم والتجزئة بين الأثنيات المختلفة والمجتمعات ولا يسعى إلى فرض هيمنة إحداها على الأخرى، ولا أن تقوم إحداها بالقضاء على الأخرى ولا أن يتم تعظيم شأن مجموعة على حساب الآخرين، ولا يستند إلى خلق الصراع والتوتر بين المكونات. بل هو مشروع يستند إلى المساواة والحرية والتوحد وفق مفهوم الأمة الديمقراطية، وخلق حياة مشتركة بين الشعوب والمعتقدات الدينية على أساس الأمة الديمقراطية. أي أنه يستند إلى حقيقة الحياة المشتركة ضمن الوطن المشترك على أساس الأمة الديمقراطية.

انهار مشروع كل من الدولة التركية وإيران والسعودية، ولا مستقبل له. حيث تقوم هذه الدول بذهنيتها المستندة إلى الدولة القومية، والمستندة إلى الذهنية الواحدة بخلق أرضية لسياسات ومشاريع الحداثة الرأسمالية والإمبريالية الرأسمالية وتخدم سياسة فرق-تسد. حتى أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تقومان باستخدام هذه الدول من بعض النواحي لتحقيق أهدافها. فسياسة كل من الدولة التركية وإيران وكذلك السعودية تساهم في إثارة االصراعات المذهبية والأثنية في المنطقة وتكون سبباً في تعمق هذا الصراع أكثر. بطابعهم هذا سيفتحون الطريق أمام تجزئتهم وتقسيمهم وسيتحولون إلى مساندي ومطبقي سياسة الحداثة الرأسمالية في المنطقة.

فهم من ناحية يسعون إلى القضاء على جميع الأثنيات والمعتقدات الدينية من خلال فتنة الدولة القومية التي اختلقتها الحداثة الرأسمالية ومن ناحية أخرى يقومون من خلال سياساتهم بتقديم الدعم والمساعدة وتقوية سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الهادفة إلى تقسيم وتجزئة المنطقة. وبهذا الشكل يفتحون بأنفسهم المجال أمام تقسيم حدودهم السياسية ضمن إطار سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وهم يقومون بتسيير هذه السياسات باسم وحدة الأمة ووحدة المنطقة ووحدة الشعوب. حيث أن السياسة التي يتبعونها باسم وحدة المنطقة ووحدة الشعوب تقوم بخدمة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الهادفة إلى إضعاف وإدارة منطقة الشرق الأوسط من خلال تقسيمها بالكامل إلى دويلات صغيرة. إنهم يفتقدون إلى النظرة السياسية والأيديولوجية لدرجة يصعب عليهم فيها رؤية هذا. وبسبب العمى الذي أصابهم وذهنية الدولة القومية يصعب عليهم فهم وإدراك مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه القائد آبو، وحتى أنهم يحللون هذا المشروع على أنه مشروع للتقسيم والتجزئة لعدم رؤيتهم جانبه المستند إلى التكامل والتوحد، ويسعون إلى إفقاد حركة الحرية الكردية مع مشروعها تأثيرها والضغط عليها. وعلى الرغم من أن الدولة التركية وإيران تتناقضان في الكثير من الأمور والمواضيع إلا أنهما تتعاونان معاً في موضوع إفقاد حركة الحرية الكردية تأثيرها.

لا يهدف القائد آبو من خلال مشروعه الى تقسيم كل من العراق وسوريا وإيران والدولة التركية إلى دويلات صغيرة بذهنية الدولة القومية، إنما يهدف إلى خلق وحدة شعوب منطقة الشرق الأوسط بذهنية الأمة الديمقراطية التي تحقق الحياة الحرة والديمقراطية لجميع الشعوب على أساس الدمقرطة والأمة الديمقراطية. الإصرار على ذهنية الدولة القومية وعدم فهم وإدراك نموذج الأمة الديمقراطية يفتح الطريق أمام تسيير حرب باسم الإمبريالية والحداثة الرأسمالية ضد مشروع القائد آبو الهادف إلى تقوية المنطقة ليس من خلال تقسيم كل من العراق وسوريا وإيران والدولة التركية إنما من خلال إحلال الديمقراطية فيها.

في الفترة التي يسعى فيها القائد آبو إلى خلق شرق أوسط جديد يتوافق مع تاريخ المنطقة ويعبر عن العيش المشترك لجميع الأثنيات والمعتقدات الدينية ضمن تاريخ الشرق الأوسط على أساس العلاقة الكونفدرالية الطبيعية، تقوم كل من إيران والدولة التركية والسعودية وبعض الدول الأخرى في المنطقة من خلال تمسكها بالذهنية القوموية للدولة القومية، والعائدة للغرب والتي لا تتوافق مع حقيقة المنطقة والتي تفرض تحطيم وحدة المنطقة وتضادها مع بعضها، بتعميق حالة الفوضى هذه أكثر. في الوضع الراهن فإن كلاً من الدول الكبرى وقوى الحداثة الرأسمالية، والقوى السياسية والدول التي تسعى إلى فرض هيمنتها أو تعريض الجماعات الدينية والأثنية الأخرى للإبادة مسؤولة عما تم معايشته من خسائر وعن حالة الفوضى هذه.

استاءت الشعوب وسئمت من هذا الصراع والتوتر، وهي تبحث عن حل حقيقي وجذري. لهذا السبب فإن مشروع الحل المستند إلى إحلال الأمة الديمقراطية والذي طرحه القائد يثير ويخلق البهجة والأمل في منطقة الشرق الأوسط. فتطبيق هذا المشروع على أرض الواقع في روج آفا زاد من قدرته على حل جميع قضايا منطقة الشرق الأوسط، وتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى وطن ديمقراطي تشترك فيه جميع الشعوب والأثنيات الدينية المختلفة الموجودة في منطقة الشرق الأوسط. انطلاقاً من هذا فإن مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه القائد والذي تُرجم على أرض الواقع بشكل نسبي في ثورة روج آفا أحيا الأمل في منطقة الشرق الأوسط وتحول إلى نور هداية من أجل الحياة الحرة والديمقراطية لشعوب المنطقة.

لقد تمت رؤية نور الهداية هذا في منطقة الشرق الأوسط. فحتى وإن أرادت الدول الكلاسيكية أو القديمة كتركيا وإيران والسعودية الحفاظ على وضعها القائم من خلال إبقاء المنطقة في حالة توتر وصراع، وحتى وإن قامت الحداثة الرأسمالية بتقسيم المنطقة أكثر لفرض هيمنتها عليها فلا مستقبل لهذه السياسات.

بالتأكيد إن نهج الأمة الديمقراطية للقائد آبو سيكون النهج المحدِّد للمصير والموجِّه خلال الأعوام المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك نضال حركة الحرية. وسيكون تأثير مشروع الأمة الديمقراطية على التطورات السياسية أشمل مما هو عليه الآن.

فهزيمة داعش أمام مناضلي الحرية في كل من روج آفا وباشوري كردستان، في الفترة التي لم تصمد فيها أية قوة أخرى في وجه داعش، نابع من ذهنية وقوة وطاقة الحرية والحياة الديمقراطية المستندة إلى الأمة الديمقراطية. استناداً إلى هذا فانتصار قوات الكريلا في كل من روج آفا وباشوري كردستان ضد داعش هو في البداية انتصار أيديولوجي، وانتصار لمشروع الأمة الديمقراطية. وينبغي تحليله بهذا الشكل. إن مشروع الأمة الديمقراطية هو المشروع الذي سيخلق ويحقق الانتصارات. ولا مستقبل لذهنية وسياسة الدولة القومية. فمثل هذه السياسات محكوم عليها بالهزيمة. وعلى وجه الخصوص إن كان الموضوع هو القضية الكردية والكرد، السياسات القومومية غير المستندة إلى ذهنية الأمة الديمقراطية لن تجلب سوى الهزيمة للشعب الكردي.

فكما أن الحرية والحياة الديمقراطية للكرد سوف تتحقق بنموذج الأمة الديمقراطية في الأجزاء الأربعة من كردستان، فإن طريق ضمان عدم تعرض الكرد لعمليات إبادة من قبل القوى الرجعية، وإفشال جميع سياسات الإبادة أيضاً يمر من الذهنية الديمقراطية والمشاريع السياسية المستندة إلى هذه الذهنية. وكما أن ذهنية الأمة الديمقراطية سوف تحقق للكرد الحرية والحياة الديمقراطية في جميع الأجزاء، هي في الوقت نفسه المشروع الذي سيحقق الديمقراطية لعموم منطقة الشرق الأوسط وسيكون ضمان الحرية والحياة الديمقراطية في المنطقة. وجميع المقاربات السياسية والأيديولوجية الأخرى لن تجلب للكرد أية نتيجة سوى الهزيمة. لن يكسب الكرد أي شيء من مشاريع الدولة القومية للحداثة الرأسمالية. أي أنها لن تجلب أي نفع سوى خدمة سياسة الحداثة الرأسمالية وإسرائيل المستندة إلى فرق تسد والهادفة إلى تقسيم وتجزئة المنطقة واختلاق الصراعات والنزاعات بين شعوبها. وتقوية هذه المقاربات القوموية المضادة لن تشكل فقط خطراً على الحرية والحياة الديمقراطية للشعب الكردي إنما سوف  تشكل تتهديداً حتى على الوجود الكردي. انطلاقاً من هذا ينبغي على الكرد وبكل تأكيد أن يتحرروا و يتخلصوا من المقاربات القوموية الضيقة، ويسعوا إلى إحلال الحرية والحياة الديمقراطية المستندة إلى مفهوم الأمة الديمقراطية في المناطق التي يتواجدون فيها وعلى أساسه تولي الدور الطليعي في خلق شرق أوسط ديمقراطي، وتحويل القرن الحادي والعشرين إلى قرن تحقيق الحرية والحياة الديمقراطية لعموم منطقة الشرق الأوسط على أساس تطوير الحرية والحياة الديمقراطية للشعب الكردي. فالكرد أمام هدف ومهمة ومسؤولية تاريخية هامة في يومنا الراهن.

بكل تأكيد افتقاد الكرد للمبادرة في مرحلة الصراع والنضال الذي تعيشه المنطقة في يومنا الراهن، والتطرق إلى مقاربات وسياسات بسيطة تتعلق بقضايا الكرد فقط لن يجلب أي شيء للكرد في مرحلة انهيار التوازنات القديمة وإنشاء توازنات جديدة سوى الخسارة. لهذا السبب ينبغي على الكرد اتباع سياسات إقليمية أي سياسات تخص المنطقة ككل. كما ينبغي عليهم اتباع سياسات تخص المناطق التي يتواجدون فيها.

ينبغي على الجميع اتباع سياسات شاملة متعددة الأبعاد في هذه الفترة التي يتم فيها إنشاء توازنات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، لأنه سوف تتم إعادة إنشاء منطقة الشرق الأوسط من جديد، وسيكون هناك توازنات سياسية ككل وبالاستناد إليها نضال لتغيير النظام الموجود. انطلاقاً من هذا فمن دون الدخول ضمن هذا النضال المتكامل، ومن دون التحول إلى جزء من هذا التكامل، ومن دون التطرق إلى مواقف سياسية أيديولوجية تحقق النصر والحرية والحياة الديمقراطية للكرد والأصح مواقف تحقق الحرية والحياة الديمقراطية لجميع شعوب منطقة الشرق الأوسط ضمن هذه الحرب الشاملة، من غير الممكن أن تتحقق الحرية والحياة الديمقراطية للكرد في أي جزء من أجزاء كردستان. أي أن حصر الأمر فقط بباشورى كردستان لا يمكن أن يحقق الحرية والديمقراطية، كذلك الأمر بالنسبة لثورة روج آفا؛ فبقاؤها محصورة فقط بروج آفا لن يجعلها تحقق الحرية والحياة الديمقراطية. قد تكون قد حققت مكاسب هامة في يومنا الراهن، إلا أن التحول إلى ضمان في الفترة التي يتم فيها السعي إلى إعادة إنشاء منطقة الشرق الأوسط من جديد يتم من خلال الانضمام إلى نضال إعادة الإنشاء على أساس حرية وديمقراطية منطقة الشرق الأوسط. إن لم يتم امتلاك المبادرة في عملية إعادة إنشاء المنطقة، وإن لم يتم خوض نضال يحقق الحرية والحياة  الديمقراطية للمنطقة، وإن لم تخض شعوب منطقة الشرق الأوسط نضال وحدة الشرق الأوسط الديمقراطي بكل تأكيد سيخرج الكرد من الحرب التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط مهزومين خاسرين. فكما أن تحقيق الكرد للحرية والحياة الديمقراطية لكردستان وللمناطق التي يتواجدون فيها سوف يحقق الحرية للكرد ولشعوب المنطقة، فإنهم من خلال تحقيق الحرية والحياة الديمقراطية لعموم شعوب منطقة الشرق الأوسط سوف يخلقون شرق أوسط تسوده الحرية والحياة الديمقراطية والتي ستكون الضمانة الحقيقية للوجود الوطني لكردستان. البقاء في وضعية المشاهد للتطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، والقول لنتفادى هذا البلاء وذاك البلاء، وعدم إبداء مواقف ومبادرات تؤثر وتوجه كل النضالات التي يتم إبداؤها في منطقة الشرق الأوسط من خلال تنظيم الذات ضمن هذه النضالات، سوف يجعل الكرد معرضين لخطرالسحق كسحق العشب بين أرجل الفيلة المتعاركة. يؤكد كل من القائد آبو وحركة الحرية الكردية على وحدة الأمة. فالهدف من وحدة الأمة هو امتلاك التأثير ضمن سياسات الشرق الأوسط من ناحية ومن ناحية أخرى القضاء على كل المخاطر بنضال وحدة الأمة. في الحقيقة قيام الكرد بتحقيق وحدتهم الوطنية سيساهم في جعل كل الدول تقوم بحل القضية الكردية، حيث أنها لن تقوم بحل القضية الكردية فحسب إنما سوف تلعب الدور الأساسي في دمقرطة المنطقة.

فالدور الأساسي في إحلال دمقرطة المنطقة في القرن الحادي والعشرين الذي تصاعدت فيه الديمقراطية وفرضت القيم الديمقراطية حاكمتيها سيكون من نصيب الشعب الكردي.

استناداً إلى هذا تحوز سياسة الوحدة الوطنية والمؤتمر الوطني على أهمية بالغة، حيث أن تحرك الكرد بشكل مشترك وخاصة في الساحة الدبلوماسية والدفاع الوطني له اهمية كبيرة. فإن لم تتم الحركة بهذا الوعي والإدراك خلال هذه المرحلة، وإن لم يتم إبداء مثل هذه المواقف سوف يقطع الكرد الغصن المستندين عليه. من هنا فإن سياسيات الحزب الديمقراطي الكردستاني ومقارباته ضيقة ومحصورة بذاته فقط. فمن خلال إبداء المقاربات البعيدة كل البعد عن جيمع التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، والانشغال بالسياسات اليومية فقط، والسعي إلى فرض الحاكمية والسيطرة عن طريق الاستناد إلى المصالح الحزبية والبعيدة عن الوحدة الوطنية يتبع سياسة تجلب الضرر للكرد. إن إبداء مواقف سلبية ضد نضال حركة حرية كردستان الذي يخاض بطليعة حزب العمال الكردستاني صاحب أكبر قوة في أكبر أجزاء كردستان في باكورى كردستان والذي يعتبر ضمان نضال الحرية والحياة الديمقراطية في جميع أجزاء كردستان، وكذلك إبداء مواقف سلبية ضد ثورة روج آفا تلك الثورة التي أثرت على عموم منطقة الشرق الأوسط، يعبر عن عدم رؤية الحزب الديمقراطي الكردستان للمصالح الوطنية بسبب مصالحه الضيقة والأنانية. فعوضاً عن اتباع سياسيات في كيفية العمل والنضال بشكل مشترك مع حركة الحرية الكردستانية وحزب العمال الكردستاني، وكيفية خلق وحدة وطنية، يقوم بفرض الضغط على حزب العمال الكردستاني، وإفقاده تأثيره وإضعاف سياساته الأساسية. ولم يتخلى عن المقاربات المستندة إلى كيفية فرض الضغط والسيطرة على حركة الحرية الكردستانية وحزب العمال الكردستاني. حيث يقوم في كل فرصة باتباع سياسات وإبداء مقاربات تعادي حزب العمال الكردستاني وآخرها كان دخول قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال الفترة الأخيرة إلى منطقة خنيرة ضمن مناطق الدفاع المشروع الواقعة تحت سيطرة قوات الكريلا دون علم الكريلا بدخولهم، وحملة الدعاية التي قام بها الحزب الديمقراطي بعد هذا التوتر والتي أدت إلى فقدان أحد أعضاء هذا الحزب لحياته وجرح آخر كشفت عن اتباعه لسياسة غير صحيحة وتفتقد إلى النية الحسنة. من الواضح بأنهم عقدوا حساباتهم على تحريض بعض التنظيمات ضد حزب العمال الكردستاني وعلى أساس ذلك إفقاد حزب العمال الكردستاني تأثيره ضمن الرأي الكردي وإضعافه وغيرها من الحسابات البسيطة. فهذه المقاربات تفيد أو تعبر عن قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني باتباع حرب نفسية، حرب خاصة، ضد حركة الحرية الكردستانية.

حيث أنه مقابل الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، والتطورات الحاصلة في كل من باكورى وباشورى ورج آفا كردستان، والعداوة التي طورتها كل الدولة التركية وداعش معاً، يقوم باختلاق مثل هذه التوترات عوضاً عن اتباع سياسة الوحدة الوطنية، وهذا يعبر عن عدم فهم وإدراك متطلبات وضروريات المرحلة.

نضال حرية الشعب الكردي يتطور ويتقدم في جميع الساحات. فبعد أن ألحقت ثورة روج آفا الهزيمة بداعش في كوباني حققت انتصارات هامة في مقاطعة الجزيرة في روج آفا. فالانتصارات التي تحققت في كل من تل حميس وتل براك، وإفشال هجمات داعش في تل تمر وإفشال محاولة حصار شنكال من الحدود السورية، وطرد داعش من الكثير من المناطق، وسيطرة وحدات حماية الشعب مؤخراً على جبل كزوان المعروف بجبل عبد اللعزيز ذي الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لكل من قضاء شنكال ومقاطعة الجزيرة، وازدياد تأثير ثورة روج آفا على عموم سوريا تحوز على أهمية بالغة في نقل ثورة روج آفا إلى سوريا عامة. انتصار ثورة روج آفا وسيطرتها على جبل عبد العزيز في الوضع الراهن سوف يسفر عن تطورات سياسية هامة على الرغم من التقدم النسبي الذي حققته كل من داعش وجبهة النصرة في المناطق الأخرى من سوريا.

تعيش سوريا حالة فوضى بكل ما للكلمة من معنى. فحتى وإن قامت بعض القوى كداعش وجبهة النصرة بتحقيق تقدم نسبي من خلال استخدام قناع الإسلام وأيديولوجيته، إلا أنها بعيدة كل البعد عن فرض حاكميتها وسيطرتها على سوريا ككل. ففي الأساس هجمات ومقاربات كل من داعش وجبهة النصرة في الوضع الراهن لاتساهم في أي شيء سوى خدمة سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الهادفة إلى تقسيم سوريا. فتحقيق الحرية والحياة الديمقراطية لعموم شعب سوريا بكل أطيافه من كرد وسنة وعلويين وكل الجماعات الأثنية والدينية يكمن فقط وفقط في ذهنية ثورة روج آفا ومشروعها السياسي. وكون هذا المشروع هو الوحيد القادر على تحقيق الخلاص من هذه الأزمة سوف يزيد من تأثيره وتقبله من قبل العلويين والسنة والعرب خلال المرحلة المقبلة. بلا شك هناك سياسات قامت الدولة التركية والسعودية بتطويرها معاً بصدد سوريا، حيث تسعى الدولة التركية إلى فرض حاكميتها على المناطق القريبة من منطقة عنتاب والمناطق المجاورة لها ضمن الحدود السورية عن طريق جبهة النصرة وأحرار الشام. أي أنها بهذا الشكل تسعى لفرض الضغط والانتقام من نظام الأسد. ومن ناحية أخرى قيام كل من السعودية ودولة قطر بتقديم الدعم والمساعدة لداعش للسيطرة على العديد من المناطق وآخرها تدمر لا يساهم في أي شيء سوى تعميق الأزمة وحالة الفوضى التي تتم معايشتها في سوريا.

في هذا الوضع إن كان يراد دمقرطة سوريا، وإن كان الوضع الموجود في سوريا يثير الإزعاج وعدم الارتياح ويتم السعي إلى إنشاء سوريا جديدة، حينها ينبغي على الجميع الالتفاف حول المشروع السياسي لثورة روج آفا. فهذا هو الطريق الوحيد إن لم يكونوا يرون فائدة من صراع الشعوب مع بعضها والأزمة التي تعيشها سوريا.

إن قامت قوى ثورة روج آفا بتعريف مشروعها بشكل مناسب للشعب العربي، وعلى هذا الأساس عقدت علاقات مع كل القوى السياسية في سوريا، وعرفت هذا المشروع لجميع القوى الديمقراطية على أنه المشروع الذي سيحقق الاستقرار في سوريا وسيساهم في تحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، حينها بالإمكان القيام بانطلاقة مرتبطة بتحقيق الحرية والحياة الديمقراطية وأخوة الشعوب في سوريا. هذا ما ينبغي القيام به في الوضع الراهن في سوريا أو ستتعمق الحرب الدائرة فيها أكثر لا سيما وأن الدولة التركية مازالت مستمرة في عدائها لثورة روج آفا، وتقوم بتحريض بعض التنظيمات ضد هذه الثورة، حيث أن توحد بعض القوى السياسية ضد جبهة الأكراد ذات التأثير في منطقة حلب وضواحيها، وكذلك قيام بعض القوى المرتبطة بالدولة التركية بتوجيه تهديدات لثورة روج آفا وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب من خلال عفرين يظهر بأن الدولة التركية ليست إلى جانب تحقيق أو خلق الوحدة الديمقراطية والاستقرار والسلام في سوريا، بل هي تقف إلى جانب تعميق الصراع الدائر فيها أكثر. فالدولة التركية الآن وعوضاً عن قيامها بتأييد فكرة أو مشروع دمقرطة سوريا أو دمقرطة أية دولة أخرى تسعى إلى فرض حاكمية سياساتها من خلال تقديم المساعدة والدعم للقوى والمجموعات السياسية في الدول المختلفة. هذه السياسة تشكل خطراً على الدولة التركية ذاتها، فهذه السياسة لا تسفر عن أي شيء أو تهدف إلى أي شيء سوى تحريض الأثنيات والمذاهب الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ضد بعضها وتعميق هذا الصراع أكثر. فمن الطبيعي أن يؤدي هذا الوضع إلى انتقال هذا الصراع وهذه الحرب إلى الدولة التركية أيضاً.

أي كأن الدولة التركية تسعى من خلال سياساتها هذه إلى نقل الصراع والحرب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط إلى داخل حدودها. فالأرضية والإمكانيات متوفرة في الدولة التركية لتطور وضع كهذا. يتضح لنا بأن الدولة التركية تسعى إلى فرض هيمنتها على سوريا من خلال تقسيم سوريا إلى قسمين، ومن ثم خنق ثورة روج آفا عن طريق بعض المجموعات المتقنعة بالإسلام. أي أن سياسة الدولة التركية سوف تتطور ضمن هذا الإطار في المرحلة المقبلة. والسياسة التي تتعبها الآن تظهر هذه الحقيقة. إلا أن قيام ثورة روج آفا بتقوية ذاتها، وتطوير علاقات ديمقراطية مع الشعب العربي، وكذلك تقوية مكانة ووضع الكريلا في باشورى كردستان، واكتساب الميول الديمقراطية في تركيا وباكورى كردستان القوة، سوف يُفشل سياسات الدولة التركية الحربية من الداخل والخارج. وإفشال سياسة حكومة العدالة والتنمية الحربية من الداخل والخارج سوف يؤثر بشكل مباشر على التطورات في سوريا، وسوف يزيد إمكانية إنشاء أو خلق سوريا ديمقراطية مستندة إلى ثورة روج آفا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى