الديانات التوحيدية (السماوية) في كردستان

 الديانات التوحيدية (السماوية) في كردستان

عبدالله شكاكي

د( الديانة المانوية:

ظهرت على يد الحكيم ماني بن فاتك ) 216 – 273 ( م، حاول التوفيق بين الأديان المعاصرة لزمانه وهي الزرادشتية واليهودية والبوذية والمسيحية، حيث اطلع عليها بعمق خلال إقامته في بابل كما اطلع على الأديان القديمة في ميزوبوتاميا، ادعى النبوة وأنه هو المخلص، كما أخذ من الزرادشتية فلسفة النور والظلمة والخير والشر والحساب يوم القيامة.

بدأ حياته النبوية عندما كان في الرابعة والعشرين من عمره، انتشرت أفكاره في عموم كردستان وإيران وخراسان والهند، وكذلك في مصر وإسبانيا واعتنقها القديس أوغسطينوس (430-354 )م قبل اعتناقه المسيحية، واكتُشِفت وثائقه الدينية في تركستان بلغة الأويغور واللغة الصينية حيث كان منفياً هناك بتأثير كهنة الزرادشتية، وبعد عودته من المنفى إلى إيران تمكن من إقناع الملك الساساني بهرام الأول ) 273 – 276 ( م بقبول دينه، لكنه لقي معارضة شديدة مرة أخرى من قبل كردر كبير كهنة الزرادشتية الذي تمكن من إعادة الملك إلى دينه القديم، وحمله على قتل ماني وصلبه على بوابة المدينة.

بعد مقتل ماني تم إحياء الزرادشتية من جديد على يد كردر بتنظيم طقوس العبادة وجمع الوثائق الدينية وإخراج كتاب الآفستا من جديد، بعد أن فقد الكثير من فصوله إثر تعرضه للنهب والحرق من قبل قواد الاسكندر، أعقب مقتل ماني صراع ديني واضطهاد عنيف لأتباع المانوية، ومع ذلك تابعت المانوية انتشارها عن طريق الدعاة حتى وصلت إلى روما وفرنسا، وحافظت على سيرورتها حتى القرن السابع عشر الميلادي.

ترك ماني وراءه عدداً من الكتب منها: كتاب الأسرار، رسالة الجبابرة، كتاب الأصلين، كنز الحياة، كتاب شابور قان، وكتاب باسم الإنجيل، وقد جمعت كتبه في كتاب واحد دعيت “كتاب الكفلايا »، وقد كتبت جميع مدوناته بالأبجدية البهلوية القريبة من الآرامية.

تميز ماني بالإضافة إلى مقدرته في الكتابة والخطابة ببراعته في الرسم والتصوير، فقد حاول التعبير عن أفكاره لأتباعه ومحبيه أحياناً عن طريق الرسم، وهذه صفة خاصة تميزه عن بقية الأنبياء، فقد “رسم الشياطين بصورة منفِّرة وصوّر أبناء النور في صور جذّابة جميلة ومحبّبة” 1، وزعم ماني أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا، ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم.

حضت تعاليم المانوية على قمع الشهوات والابتعاد عن السحر، ومنعت شرب الخمر، وترك الزواج من أجل تقليل النسل، كما فرضت على معتنقيها الصلاة أربع مرات في اليوم والسجود سبع عشرة مرة في كل صلاة، والتطهر بالماء الجاري أو التيمم بالرمل في حال انعدام الماء، كما فرضت الصيام سبعة أيام في كل شهر وأداء العشر للزكاة .

ه( الديانة الإسلامية:

ظهر الإسلام وانتشر من موطنه الجزيرة العربية، وقد عاش العرب قبل الإسلام حياةً بدائية جداً، وكانوا يعتقدون أن الطبيعة مليئة بقوى غيبية تفوق قوة الإنسان مثل الكهوف والأشجار والينابيع والحجارة حيث تسكن فيها الأرواح  مدخل إلى تاريخ فارس وحضارتها القديمة قبل الإسلام، محمد حرب فرزات ص 157 .

التي قد تؤذي الإنسان كالعفاريت، وقد تساعده إن قُدِّمت لها الطاعة والرعاية، ويرجح أن تقديس الحجر الأسود جاء من تلك الاعتقادات، وكان لكل قبيلة إله من حجر أو تمر ويتوجب على أفراد القبيلة تقديسه وتقديم فروض الطاعة له، وكان بمثابة رابط يشد عُرى القبيلة ويوحّدها، وكانت للآلهة مقامات ثابتة أغلبها في الكعبة التي بنيت من قبل النبي إبراهيم واعتبرت مكاناً مقدساً حيث احتوت على 360 صنماً تتم زيارتهم في أوقات محددة، وقد ارتقت ثلاث من الآلهات إلى مقامات رفيعة لدى غالبية العرب وهن : اللاة والعزّى ومناة، إضافة إلى “هُبَلْ” إله القمر القديم، وكان لدى بعض العرب اعتقاد قديم بوجود إله واحد خالق للكون ومنهم الأحناف بقايا أفكار الحركة الإبراهيمية، ويعتقد أن بنو هاشم آباء محمد (ص) منهم.

ولد محمد (ص) في مكة سنة 53 قبل الهجرة الموافق لسنة 571 م تقريباً من أسرة فقيرة، توفي والده قبل ولادته بشهرين، وبعد سنوات قليلة توفيت أمه آمنة بنت وهب، نشأ يتيماً في كنف جده عبد المطلب ثم عمه أبي طالب، وتفتقر المصادر الإسلامية عن أخبار مرحلة شبابه، إلا أنه من المؤكد في تلك المرحلة أنه قد رافق القوافل التجارية المتجهة نحو بلاد الشام أكثر من مرة، وشاهد بساتينها التي تحتوي على عموم أنواع الخضار والفواكه التي لم يرها من قبل، وقد ذكر أسماء بعضها في القرآن الكريم، كما لمس عن قرب نظام الإدارة البيزنطية المتطور والمختلف كلياً عن نظام مكة القبلي، وأظهر مواهب عالية وتجارة رابحة، وقد أعجبت به خديجة بنت خويلد التي كانت تعمل في التجارة، وشعرت نحوه بتعلق شديد، وتزوجته عندما كان في الخامسة والعشرين وهي في الأربعين من عمرها، حيث أمّنت له الرعاية والدعم المالي اللازم لبلوغ أهدافه، وشهد على عقد الزواج عمه أبو طالب وابن عمها ورقة بن نوفل مطران مكة، ويراودنا الاعتقاد أن محمداً قَبِلَ بالمسيحية ديناً لكي يفوز بالزواج من خديجة المسيحية، حيث لا يمكن لكاهن مشهور مثل ورقة بن نوفل أن يعقد زواجاً لامرأة مسيحية من رجل لا دين له (في تلك المرحلة)، وكان محمد يتوجه نحو بيت المقدس كقبلة في صلاته حتى السنة الثانية للهجرة، ولأن تعدد الزوجات يعتبر زنى في المسيحية فإن محمداً لم يتزوج على خديجة والتزم بالعهد الديني، وبوفاة خديجة أصبح محمد في حل من العقد وبدأت زيجاته المتعددة التي وصل عددها إلى 39 من الزوجات والجواري ونسرد فيما يلي أسماءهن حسب ما حفظته الكتب الإسلامية.

تزوج محمد من 31 امرأة وهن: خديجة بنت خويلد، سودة بنت زمعة، عائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر بن الخطاب، زينب بنت خزيمة، أم سلمة هند بنت أبي أمية، زينب بنت جحش، جويرية بنت الحارث، ريحانة بنت زيد، أم حبيبة بنت أبي سفيان، صفية بنت حيي بن أخطب، ميمونة بنت الحارث، فاطمة بنت الضحاك، أسماء بنت النعمان، أميمة بنت شرحبيل، مليكة بنت كعب الليثي، ابنة جند بن ضمرة الجندعي، خولة بنت حكيم، ليلى بنت الخطيم، ليلى بنت حكيم النصارية، أم شريك غزية، أم هانىء بنت أبي طالب، النشأة بنت رفاعة، الشنباء بنت عمرو الغفارية، ضباعة بنت عامر، صفية بنت بشامة، جمرة بنت الحارث، أمامة بنت عمه حمزة، أم حبيب بنت العباس، نفيسة جارية زينب بنت جحش، زبيحة القرضية، وتزوج عدداً من الجواري والسبايا نذكر أسماء ثمانية منهن : ماريا القبطية، شراف بنت خليفة، العالية بنت ظبيان، فاطمة بنت شريح، خولة بنت الهذيل، نعامة من سبي بني العنبر، عمرة بنت يزيد من بني كلاب، فاطمة بنت الضحاك، كما تزوج عدداً من النساء ولم يدخل بهن لأسباب مختلفة منها قتيلة بنت قيس بن معد يكرب (توفيت قبل أن يدخل عليها)، وعمرة بنت يزيد بن الجون والضفارية(لم يدخل عليهما) شراف بنت خليفة (هلكت قبل الدخول عليها)، أسماء بنت الصلت وخولة بنت الهذيل (توفيتا في طريقهما إلى محمد)، عمرة بنت معاوية الكزرية (وصلت بعيد وفاته) وسودة القرشية خطبها ولم يتزوجها، وطلق العالية بنت ظبيان، وقد فتح بيوتاً لتسع زوجات منهن شكلت البيت العائلي لمحمد، ويعتقد أن معظم زيجاته كانت لأسباب سياسية وليست ترفيهية.

بعد استقراره بالزواج من خديجة اجتماعياً وحل مشاكله المالية انصرف إلى التفكير بالأمور الدينية في مراحل مبكرة لأنه كان صاحب نفس صافية، ولأن الوثنية التي تحيط به لم تروِ ظمأه، فقد اتصل باليهود والمسيحيين في رحلاته وأجرى مناقشات مستفيضة معهم، وشكل محمد أول حلقة نقاش إيديولوجية مع ورقة بن نوفل وخديجة، حيث تولد لديه شعور قوي بالإيمان بالوحدانية، وبالملائكة فقط كشفعاء عند الله دون سواها، وفي انعزاله في غار حراء وتعمقه في التفكير بالأمور التي تؤرقه شعر أنه مدعو لأداء رسالة النبوة، كما حدث مع أنبياء الشعوب الأخرى، وتأكد ذلك لديه عندما أوحي إليه عن طريق المَلَك جبريل بأن الله قد اختاره لهداية الأمة، وقد توسعت النقاشات فيما بعد بانضمام أعضاء جدد إلى حلقتهم مثل الفتى الجسور علي بن أبي طالب ابن عمه وربيبه، وزيد بن حارثة خادمه، وسلمان الفارسي 2 وبلال الحبشي وصهيب الرومي (المسيحي) وكعب الأحبار (اليهودي)، ويعتقد أن محمداً قد تأثر بثقافات الأعضاء الجدد الذين وفدوا من ثقافات وأديان مختلفة وانعكس صدى أفكارهم المتطابقة مع أفكار محمد في الآيات المكية، وبانضمام أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب القويين واللذَيْن اعتُبرا من الصحابة المقرّبين، آن وقت الانتفاضة الكبرى ويستحيل تأجيلها لأن القرشيين الذين ضاقوا ذرعاً بمحمد كانوا يخططون ويتربصون للانقضاض عليه وقتله.

بدأت الانتفاضة بهجرة محمد وأنصاره إلى يثرب التي دُعيت فيما بعد بالمدينة المنورة، ومنها بدأت غزواته وفتوحاته في الجزيرة العربية وخارجها لنشر الدين الإسلامي، وفيها بدأ تأسيس الدولة الإسلامية، ويتضح ذلك بجلاء من خلال الآيات المدنية التي بلغت حوالي ثلث القرآن الكريم، وتتضمن تلك الآيات الشرائع الاجتماعية والدينية والأحكام المدنية أو ما يدعى في هذه الأيام بالمراسيم التشريعية، والأمور العسكرية وما يتبعها من حروب وغزوات )بدر، أُحد، الخندق، مؤتة، تبوك، حنين، وأخيراً فتح مكة(، ويمكن القول إن محمداً قد وضع دستور 2 يعتقد أنه كان كردياً زرادشتياً لأنه ينحدر من أسرة مگوسية وكان والده سادن بيت النار في بلاده، والمگوس قبيلة زرادشت بمثابة بني هاشم سدنة الكعبة.

دولة، وبنى عليه دولته الإسلامية، ونسرد فيما يلي بعضاً مما تضمنه الدستور والذي يشتمل على العقيدة الإسلامية التي تعتبر الركيزة الأولى، وتستند على القرآن وكل التعاليم مبثوثة فيه حيث ورد “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون” 3، كما تضمن عدداً من الشرائع الدينية والاجتماعية منها:

الصلاة: حيث ورد “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين” 4، ولم ترد تفاصيلها في القرآن الكريم وإنما قال محمد (ص) : «صلوا كما رأيتموني أصلي .»

الزكاة: حق معلوم في مال المسلم يؤديه سنوياً، لم ترد تفاصيلها في القرآن وقد بينتها السنّة، لكن القرآن بين أوجه الصرف “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله “ 5.

الصيام: الإمساك عن الطعام والشراب والشهوات من الفجر حتى غروب الشمس، خص به شهر رمضان لأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن لأول مرة، حيث ورد “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” 6، وشرع في المدينة في السنة الثانية للهجرة.

الحج: ورد في سورة آل عمران “ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” كما ورد في سورة البقرة، وقد شرع في المدينة في السنة السادسة للهجرة.

كما تضمن القرآن عدداً من الشرائع التي تعتبر ركيزة الدولة وهي الشورى “وأمرهم شورى بينهم” 7، وعدم

3 سورة النحل الآية 44

4 سورة البقرة الآية 43

5 سورة التوبة الآية 60

6 سورة البقرة الآية 183

7 سورة الشورى الآية 3

إكراه الناس على دخول الإسلام «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين 8» ، وما يخص المجتمع مثل الأحوال الشخصية وخاصة ما يتعلق بأمور الزواج في سُوَر (البقرة، النساء والمائدة) والطلاق في سورتي (البقرة و الطلاق)، والميراث وأمور اليتامى وحماية حقوقهم (سورة النساء)، كما اهتم بأمور المعاملات التجارية فأمر الوفاء بالعقود، ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل كما نهى عن أكل الرّبا، وأوصى بتوثيق عقود الرهن والديون والاستشهاد عليها، كما أوصى القرآن بعدد من الآداب الأخلاقية العامة مثل: التحية والرد بمثلها أو أحسن منها، وآداب دخول البيوت بالاستئذان من أهلها، ونهى النساء عن إبداء زينتهن للغريب )سورة النور(، وتضمن أيضاً أحكام الجرائم والعقوبات باسم شريعة القِصاص (سورة الإسراء)، والحدود مثل: حد الزنى والقذف والسارق وقاطع الطريق (سورة المائدة).

واختتم الدستور الإسلامي (ختام القرآن) في السنة العاشرة للهجرة، في يوم الحج الأكبر قبيل وفاة محمد بثلاثة أشهر بخطابه المشهور في حجة الوداع “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، وفي تلك السنة ظهر عدد من الأشخاص ادّعوا النبوّة منهم مسيلمة الكذّاب الذي أخذ يؤلف نصوصاً شبيهة بالقرآن 9 شكلاً، وقد أمضى أبو بكر السنة الأولى من خلافته في محاربة هؤلاء والمرتدين، وفي نهاية تلك السنة أو بداية السنة الحادية عشرة للهجرة توفي محمد عن عمر بلغ ثلاث وستين سنة قمرية، وتم جمع القرآن الذي استغرق نزوله ثلاثاً وعشرين سنة ونزل حسب المناسبات في مصحف واحد في خلافة أبي بكر، وبلغ عدد سور القرآن الكريم 114 سورة واعتبرت67 سورة منها سوراً مكية لكن 32 سورة فقط نزلت كاملة في مكة، و 44 سورة مكية لكن بعض آياتها مدنية، و 19 سورة اعتبرت مدنية منها 15 سورة نزلت كاملة في المدينة وأربع سور مدنية بعض آياتها مكية، و 19 سورة لم يثبت مكان نزولها في مكة أو المدينة.

8 سورة يونس الآية 99

9 منها “ولقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من صفاق وحشى”.

الفرق الإسلامية:

تعود جذور انقسام المسلمين إلى اليوم الذي توفي فيه محمد وقبيل دفنه، فقد اجتمعت قيادات المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة لانتخاب خليفة لمحمد لقيادة المسلمين وعلى مدار يومين، ولمّا لم يفلحوا اضطر علي بن أبي طالب إلى مغادرة الاجتماع والتفرغ لتجهيز ودفن الجنازة 10 ، وبعد أن تم الدفن في اليوم الثالث كان المجتمعون قد انتهزوا فرصة غياب علي عندما طلب عمر من أبي بكر مد يده ومبادرته بمبايعته خليفة للمسلمين، حينئذ اضطر المسلمون إلى مبايعته ترغيباً أو ترهيباً لأن عمر عرف أن الخلافة لن تكون من نصيبه لذلك سجل لنفسه معروفاً كبيراً لدى أبي بكر، وردَّ الأخير له معروفه عندما أوصى بالخلافة لعمر قبيل موته ناسياً أو متجاهلاً النص الشرعي “الشورى”، ومن بعده كان عثمان، وتُرك علي خارج دائرة السلطة وانتصر التيار اليميني أصحاب المصالح التجارية من قريش والمنتفعون من قادة الجند على التيار الثوري الذين عضدوا محمد وآمنوا برسالته في بدايتها وتحملوا كل الصعاب من أجله، ومن تلك اللحظة بدأ أنصار علي أو شيعته بتشكيل حزبهم والنضال من جديد، وتتالى تشكيل الأحزاب فيما بعد.

1- الشيعة:

تشكلت من الجماعة التي رفضت خلافة أبي بكر ومن بعده عمر وعثمان ولم يبايعوه إلا عنوة وبعد زمن، ورأوا أن الخلافة يجب أن تنحصر في بيت النبي وتحديداً في علي وأولاده من بعده لأنهم الأجدر والأكثر إخلاصاً وفهماً لرسالته استناداً إلى عدد من النصوص منها الحديث النبوي “أنا مدينة العلم وعلي بابها”، ولأن علي ابن عمه وربيبه وزوج ابنته الوحيدة، ولذلك وصفهم البعض بالملكيين 11 ، مع أن علي لم يكن من عشاق السلطة وكان اهتمامه محصوراً بتقدم وانتصار الميراث الذي تركه محمد، لكن الذي حدث في سقيفة بني ساعدة كان الدافع الأول للانشقاق وتشكيل نواة حزب، أما الدافع الثاني فكانت فاجعة النجف ومقتل علي على يد ابن ملجم، وهذه الحادثة الأليمة أعطت دفعاً .

10 حيث حرارة بلاد الحجاز العالية لا تبقي الجنازة على حالها ساعات قليلة فكيف بقاؤها أكثر من يومين، وقد ورد في الحديث “إكرام الميت دفنه”.

11 تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن، الجزء 2 ص 4.

قوياً لتنشيط شيعة علي وتوسيع نشاط حزبه، لكن الدافع الثالث والأقوى كان مأساة كربلاء ومقتل الحسين وأبنائه وسبي بناته، وهذه الحادثة أعطت أمر القطيعة النهائية مع أهل السقيفة، ليس هذا فحسب بل بدأ أيضاً اقتسام تركة محمد المعنوية من الصحابة والشهداء والأحاديث النبوية.

وأصبح حزب علي مذهباً مستقلاً في الإسلام دعي بالشيعة ورأوا في الأئمة الاثني عشر “المعصومين قدوتهم”، كما دعي بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق (الإمام السادس)، وقد انشقت الشيعة على نفسها فيما بعد بسبب الخلاف على من يخلف جعفر الصادق، أهو ابنه إسماعيل الأكبر سناً أم موسى الأصغر؟.

آ( الموسوية:

وهم الذين اعتبروا الإمام السابع هو موسى الكاظم بالتسلسل التالي )علي- الحسن- الحسين- زين العابدين- محمد الباقر- جعفر الصادق- موسى الكاظم- علي الرضا- محمد الجواد- علي الهادي- الحسن العسكري- محمد المنتظر(، ومركزهم الرئيسي إيران وبعض من أطرافها الشرقية كما يؤمن بمذهب الشيعة الكرد الفيليون الذين يقطنون في منطقة لورستان في شرق كردستان، وفي لبنان يوجد معتنقوه في جبل عامل وبعض القرى في سوريا.

ب( الإسماعيلية:

وهم الذين اعتبروا الإمام السابع إسماعيل بن جعفر الصادق دون أي تعديل لبقية الأئمة، وكان مركزهم الرئيسي مدينة السلمية وقلعة مصياف بسوريا. وانتشروا بشكل قوي في آسيا الوسطى وبلاد ما وراء النهر ومصر وشمال أفريقيا، وشكلوا الدولة الفاطمية في مصر والمغرب ويشرف عليهم حالياً مؤسسة “آغا خان”. وننوه بأن الإمام المنتظر هو محمد المهدي الذي مات أبوه الحسن العسكري وكان عمره خمس سنوات، ويقال إنه دخل سرداباً في سامراء وأمه تنظر إليه ولكنه لم يعد واختفى أثره، ويقولون بأنه سيظهر، ويعتبر الشيعة أول مذهب في الإسلام.

2- أهل السنة والجماعة:

عرّفها العرب بالجمهرة الكبرى من أهل الإسلام كما دعيت بأهل السنة، الذين رضوا بتولية أبي بكر ومن بعده عمر وعثمان، ورضوا بالدولة الأموية ودخلوا في طاعتها، ويرون أن الدولة العربية الإسلامية تشكلت من الجمهرة الكبرى، وقد تبلورت فكرتهم في العصر الأموي وتكاملت خلال القرون الهجرية الثلاثة الأولى عندما انضم إليهم “مجموعة المجتهدين”، وبها توزعوا على أربعة مذاهب فرعية هي الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، عارضهم أهل المدينة أنصار النبي واعتبروهم غاصبين للحكم، كما عارضتهم الشيعة أنصار أهل البيت، ورأوا فيهم الحكم الامبراطوري المطلق وأنهم نسخة طبق الأصل عن الامبراطورية الرومانية حيث استوردها معاوية بن أبي سفيان عندما كان والياً في الشام.

انضمت معظم العشائر العربية إلى “أهل السنة والجماعة” لأسباب براغماتية )منفعية( وتخاصموا مع شيعة علي وأريقت دماؤهم وفي تلك المعارك قضى علي نحبه ومن ثم أبناؤه وأحفاده من بعده، وما زالت الشيعة تستذكر فاجعة النجف ومأساة الحسين بمراسم مهيبة وحزينة، وتلك النكبات المتلاحقة هي التي ولّدت الشيعة ووحدتها وبها تصاعدت قوتها نوعاً وكمّاً. وننوه بأن غالبية الكرد يدينون بمذاهب أهل السنة (الحنفية والشافعية)، وانضم العثمانيون الأتراك الذين دخلوا الإسلام مؤخراً إلى أهل السنة واتخذوا المذهب الحنفي كطريق تركي إلى الإسلام، لأن مذهب أبي حنيفة يجيز أن يتولى الخلافة الإسلامية رجل مسلم غير عربي، وبهذا أصبحت الخلافة العثمانية شرعية.

مما يجدر ذكره أن مؤسس هذا المذهب هو أبو حنيفة النعمان (80-150)هجري (699-767)ميلادي نشأ في العراق وعمل في التجارة، لكن والده وجدُّه كانا من أفغانستان وينسب إلى مدينة كابل وقد تكون أصوله كردية، وقد عاصر التطورات السياسية في المرحلة الأموية ولمس مظالم عاملها الحجاج في العراق، كما شهد سقوط دولة بني أمية وقيام الدولة العباسية، وعنف السفاح وما اقترفته يدا أبي جعفر المنصور من سفك للدماء بدءاً من أبي مسلم الخراساني وحتى العالم الجليل وصاحب الرأي السديد أبي حنيفة النعمان حيث استقدمه المنصور من الكوفة إلى بغداد وعاش خمسة عشر يوماً ثم سَمّمهُ ومات، وقد وصفه البعض بأنه “مخ العلم” 12 وآخرون بأنه «بطل » لتجرّئه على رفض الكثير من الأحاديث التي نسجها أصحاب المصالح ونسبوها إلى النبي (ص) ظلماً.

عمل أبو حنيفة بداية في مجال النحو وأراد أن يعمل بالقياس، فأراد أن يجمع (كلب) على (كلوب) قياساً كما يُجمع (قلب) على (قلوب) فقيل له جمعه (كلاب)، فترك النحو وتوجه إلى الفقه الذي بإمكانه أن يقيس فيه بخلاف اللغة التي هي سماعية لا قياسية، وكان أبو حنيفة لا يعاب على شيء سوى قلة العربية، واجتهد في الرأي وكان في مذهبه حرية للعقل ومبعثٌ لحركة فكرية قوية، ومن أقواله إن “الطاعات كالصلاة ليست إيماناً، إنما الإيمان بالقلب” وفي رؤيته حول الأحاديث النبوية كان يستند على الحديث النبوي “ما أتاكم عني يوافق القرآن فهو مني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس مني”.

تأخر أبو حنيفة في الدخول إلى باب العلم لأنه لم يكن يريد أن يزج بنفسه في الصراع السياسي، لكنه اضطر أخيراً إلى الانخراط فيه ولم يخفِ رأيه السياسي، وكان يجهر بكلامه ضد الخليفة المنصور.

12 مخ العلم أبو حنيفة النعمان، د. علي الشعيبي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى