تاريخ حركة الحرية الكردية 

تاريخ حركة الحرية الكردية 

جميل بايك

النقطة الأخرى التي ينبغي التركيز عليها في حملة التحزب الثانية هي كونفرانس السجن الذي انعقد عام 1991 . حاز هذا الكونفرانس على أهمية بالغة ضمن تاريخ حركتنا، وقد انعقد في أكاديمية معصوم قورقماز إثر خروج عدد من الرفاق من السجون التركية، لأنه كانت هناك حاجة وضرورة لعقد كونفرانس كهذا في تلك الفترة. فالممارسات التي كانت الدولة التركية تقوم بها في السجون كانت تسفر عن اكتساب الشخصية لجوانب إيجابية وأخرى سلبية. وبسبب ما اكتسبه هؤلاء الرفاق من السجن جراء الممارسات الممنهجة التي كانت الدولة تفرضها عليهم كانوا يندهشون أو يستغربون أو تتولد لديهم ردود فعل ضد الحركة. فالرفيقة سارا اندهشت واستغربت من ارتداء الرفاق لبدلات عسكرية والنظم والقوانين التي كانت موجودة في ساحة الأكاديمية عندما أتت إليها. فردود الفعل التي كانت تتولد لدى الرفاق الذين خرجوا للتو من سجون الدولة التركية ضد بدلات الرفاق العسكرية والحياة المبنية على النظام كانت تشبه الردود التي كانت تتولد لديهم ضد العدو في السجن. لهذا السبب كانت الرفيقة سارا تقول «لو دخلنا بهذا الشكل إلى صفوف الجيش التركي لكان بإمكاننا تحطيمه .«

بلا شك تم إبداء وإحياء مقاومة عظيمة في السجن ولكن في المقابل تمت معايشة خيانة كبيرة أيضاً. حيث كانت الدولة التركية تسعى إلى فرض سيطرتها في السجن عن طريق ممد شنر وأمثاله، وتشكيل مجموعة منهم كي تتمكن من السيطرة على الحركة في الخارج، أي خارج السجن. انتصار المقاومة والصراع العظيم الذي أبدي في السجون كان من أهم ما تم القيام به هناك، والمقاييس العظيمة التي حددتها ثورية الرابع عشر من تموز دفعت بالحركة والقائد آبو إلى التركيز والتوقف جلياً على الممارسة العملية التي تمت في السجون من كل النواحي. كان الرفاق يعرفون بعض الأمور التي كانت تجرى في السجون – من خلال عمليات التواصل والتقارير- إلا أنه كان هناك بعض الممارسات تمت معرفتها بعد خروج الرفاق من السجن. أي أن الرفاق كانوا يعلمون فقط بعض الخطوط العريضة عن تلك الممارسات التي تتم في السجون ولكن بعد خروج الرفاق من السجن باتوا يدركون تلك الممارسات بتفرعاتها. وكانت تلك التفرعات تحوز على أهمية بالغة لأن العديد من الأمور كانت مخفية ضمن تلك التفرعات. البقاء في السجن يضيّق أفق الإنسان بحكم انعزاله عن الوسط الخارجي والبقاء محصوراً بين أربعة جدران، وتطورت لدى الرفاق في السجن أو فيهم بعض المفاهيم السلبية لانقطاعهم عن الممارسة العملية، فهم مثلاً يستطيعون إجراء مناقشات طويلة حول بعض الأمور البسيطة وذلك بحكم طول الوقت. والأمر الآخر هو عدم قدرتهم على تطبيق ما يقرؤونه ضمن الممارسة العملية، أي أن الجانب الأيديولوجي لديهم كان يتطور وكانوا يكتسبون خبرة قوية من الناحية النظرية إلا أن الجانب السياسي لديهم لم يكن يطرأ عليه تطور كبير أي أن الجانب العملي كان يبقى محدوداً. وهذا بدوره كان يساهم في اكتسابهم بعضاً من الطباع التي تميل إلى الغيظ ورد الفعل وطلب الاهتمام والعناية بشخصياتهم. كما أنهم كانوا يحيون حالة نفسية ويعتقدون بأن كل شيء قد تم إنجازه وأنه عند خروجهم سوف يقومون بإدارة وتسيير الأعمال وسيطيعهم الجميع في كل شيء، أي أنهم كانوا يعقدون آمالاً على هذا الأساس. ولكنهم عندما لم يجدوا هذا انتابهم الغيظ وأبدوا ردود أفعال معادية.

للسجون تاريخ نضالي عظيم ضمن حركتنا، حيث مثلت راية الحركة التي تم رفعها في الخارج في الخامس عشر من آب، لهذا السبب فهي تعتبر ساحة هامة بالنسبة للحركة، خلقت فيها مقاومات وشخصيات عظيمة وفي المقابل ظهرت خيانات كبيرة أيضاً، وتشكلت شخصيات تحت تأثير الظلم والتعذيب. كان هناك قسم كبير من الرفاق ما يزالون معتقلين في تلك السجون، وكذلك كانت هناك مشكلة التوحد مع الحركة، والانقطاع عن الحركة لفترة طويلة، هذه الأمور كلها كانت تحوز على أهمية بالغة بخصوص عقد هذا الكونفرانس، لهذا السبب كان لابد من عقده. السجون كانت تمثل جزءاً أساسياً من الحركة لهذا السبب كان من الواجب عقد هذا الكونفرانس ومناقشة الممارسة العملية التي تمت في السجون من كل النواحي، وكان ينبغي انتقاد الجوانب التي يجب انتقادها وتقوية الجوانب التي تتطلب التطوير والتقوية ووضعها في خدمة الحركة وعلى أساسها تعظيم الحركة. على هذا الأساس عُقد الكونفرانس، وتم اتخاذ العديد من القرارات فيه، ومن ثم تم إرسال نتائج ذاك الكونفرانس إلى جميع السجون كي تقوم قاعدتنا الموجودة في السجون بالتدريب عليها، وخلق وحدة الكادر مع الحركة وإدراك القضايا والمشاكل التي تتم معايشتها وإنقاذ نفسه منها، وتصحيح الجوانب الخاطئة، وعلى أساسه العمل على عقد كونفرانس في السجون أيضاً.

وبالفعل تم عقد الكونفرانس على أساس تلك القرارات. لا أعتقد بأن أي أحد قام بعقد كونفرانس في أي سجن كان، حيث أنني قد قرأت تاريخ العديد من الثورات والثوريين في العالم ولم أصادف أحداً قام بعقد كونفرانس في السجن. فعقد كونفرانس في السجن يحوز على أهمية بالغة بالطبع، وهذه الحركة قامت بعقد كونفرانس في السجن بالاستناد إلى الكونفرانس الذي عُقد قبله. فعقد كونفراس في وسط ووضع كهذا، وطرح الانتقادات وحث الكوادر في السجون على التقرب على أساس تلك الانتقادات يحتاج إلى جسارة عظيمة، بالإضافة إلى أنه يحتاج إلى إيمان وثقة قوية. أي لو لم يعطِ القائد آبو والحركة أهمية كبيرة للسجون ولتلك المقاومة والممارسة العملية التي تمت فيها، وإن لم يكن ارتباطهم قوياً وكبيراً بهذا القدر، وإن لم تكن لديهم ثقة بكوادرهم في السجون ما كان بالإمكان السعي إلى عقد كونفرانس كهذا في السجن.

لأنه كما ذكرت الكوادر الذين كانوا في السجن كان يحيون عواطف وحالة نفسية خاصة، والأمر الآخر هو أنهم كانوا تحت مراقبة وظلم العدو، في وسط كهذا فإن توجيه الانتقادات إليهم وحثهم على تقبل تلك الانتقادات ودفعهم إلى تصحيح شخصياتهم بالاستناد إلى تلك الانتقادات ليس بالأمر السهل والهين. حيث أنه لا يمكن لأحد أن يتطرق إلى اتخاذ مثل هذا القرار وتطويره بهذه الجرأة. فكل من القائد آبو وحزب العمال الكردستاني قاما بخطو هذه الخطوة دون أي تردد، لماذا؟ لأنهم كانوا يثقون بكوادرهم ومرتبطين بهم ويكنون لهم الاحترام وكانوا يملكون مسؤولية تجاه هؤلاء الكوادر، لهذا قاموا بخطو تلك الخطوة بتلك الجرأة، كما أن رد الرفاق على تلك الخطوة كان عظيماً بنفس القدر. ولم تظهر أية مشاكل جدية في هذا الخصوص. حيث تقرب الرفاق من قرارات الكونفرانس التي أُرسلت إليهم لتقلي التدريب عليها بآلية النقد والنقد الذاتي، أي أنهم اتخذوا من كيفية التوحد مع تلك القرارات وتحليلات الحركة أساساً لهم. كان ارتباط الكوادر بالقائد والحركة قوياً جداً على الرغم من حالة العزلة والظلم الممارس عليهم من قبل العدو وتطور بعض المفاهيم الخاطئة لديهم. لأن المقاومة التي طورها كل من الرفاق مظلوم وخيري وكمال كانت نابعة من قوة ارتباط الكتلة بالحركة وثقتها القوية بها. أي أنهم على الرغم من النواقص والأخطاء التي كانوا يحيونها في السجن إلا أنهم كانوا يملكون ارتباطاً وثقة وإيماناً قوياً بالحركة والقائد.

لهذا السبب أعطت قاعدتنا في السجن هذا الرد العظيم. وهذا أيضاً يحوز على أهمية بالغة ضمن تاريخ حركتنا. كان القائد يجري نقاشات مطولة مع الرفاق الذين كانوا يخرجون من السجن أي أنه لم يكن يوكلهم بتنفيذ المهمات فور خروجهم من السجن، وهذا لم يكن نابعاً من عدم قدرة هؤلاء الرفاق على تولي تلك المهمات، ولكن القائد كان يدرك بأن هؤلاء الرفاق بحكم انقطاعهم عن الحركة لفترة طويلة قضوها في السجن اكتسبوا جوانب لا بد من تجاوزها أولاً والتي كانت تتمحور حول توحدهم مع الحركة، لهذا السبب لم يكن يوكلهم بالمهمات فور خروجهم، بل كان يقوم بإسناد المهمات إليهم تدريجياً بعد أن يتم تجاوز تلك المشكلة، أي بعد أن يتم تخليص هؤلاء الرفاق من الحالة النفسية التي اكتسبوها من السجن. لأن الشخص الذي يخرج من السجن وحتى بعد مضي فترة يحس بأنه مازال في السجن، أي أنه يتحرك بتلك الحالة النفسية. تعتبر هذه القضية هامة جداً، فإخراجه من تلك الحالة النفسية وإعادة التوحد بينه وبين الشعب والحركة تتطلب فترة من الزمن، بالإضافة إلى أنها تتطلب العمل من أجل تحقيق ذلك، وكان القائد آبو يتخذ هذا أساساً له، وكان يوكل الرفاق بالمهمات بعد أن يتأكد من تجاوز تلك القضايا التي تم ذكرها، فإن تم توكيل الرفاق الخارجين من السجن بالمهمات بعد أن يتجاوزوا تلك الأمور حينها بإمكانهم خلق وتحقيق نتائج عظيمة، ولكن إن تم توكيلهم بالمهمات قبل أن يتجاوزوا تلك الأمور فذلك سوف يساهم في فقدان الحركة لهؤلاء الرفاق وبذلك تفقد الحركة قيماً عظيمة. مثلاً عايشت إدارة هذه الحركة خطأ كهذا بعد المؤامرة الدولية، وعلى إثره فقدت الحركة خزنة كبيرة، وخسرت عدداً كبيراً من الكوادر. الخسائر التي عايشتها الحركة في تلك الفترة كانت لهذه الأسباب، فالرفاق قاموا باستدعاء الرفاق الذين خرجوا من السجن وعقدوا لهم اجتماعاً ومن ثم تم توكيلهم بمهمات في أعلى المستويات مباشرة، ولم يتم إعداد او تهيئة الرفاق بالشكل المطلوب، أي أنه لو تم إعدادهم وتهيئتهم ومن ثم توكيل المهمات لهم ذلك كان سيسفر عن نتائج إيجابية من الناحية التنظيمية. كنا نملك عدداً كبيراً من الكوادر، وكانوا يوفون كل احتياجات هذه الحركة ولسنوات طويلة أيضاً، وكانوا أصحاب خبرة قوية أيضاً، وعلى وجه الخصوص من الناحية النظرية والأيديولوجية، مشكلة هؤلاء الكوادر كانت انقطاعهم عن الحركة بحكم بقائهم لفترة طويلة في السجن هذه كانت مشكلتهم الوحيدة، لهذا السبب كان من الواجب تجاوز حالة الانقطاع هذه خلال فترة وخلق توحدهم مع الحركة والشعب مرة أخرى حينها كان بإمكان هؤلاء الرفاق جميعاً القيام بكل الأعمال، وما كانت ستظهر أية مشكلة في هذا الموضوع. ولكن الشيء الذي حصل أنه تم تكليف هؤلاء الرفاق بمهمات على كل المستويات وعلى جميع الأصعدة دون أن يتجاوزوا تلك القضايا التي كانت موجودة وهذا ما أدى بهم إلى الفشل في تحقيق المهمات التي أوكلت إليهم، وبهذا فقد الكوادر ثقتهم بأنفسهم كما فقدوا ثقة الشعب بهم، لأن الشعب كان يعقد الآمال بأن خروج هؤلاء الرفاق من السجن سوف يحل كل القضايا والمشاكل الموجودة، لأنهم كانوا قد أبدوا مقاومة عظيمة، وكانوا مكان ثقة كما كانوا يمثلون قوة الحل، هذه كانت آمالهم. فالرفاق الذين خرجوا من السجن كانوا قد خرجوا من مقاومة وكانوا يعتقدون بأن كل شيء «التنيظم والنضال والعمل » في الخارج يسير بشكل سليم حتى وإن وجدت بعض النواقص والأخطاء الصغيرة، أي أنهم كانوا يعتقدون أن بإمكانهم تسيير الأعمال بعد خروجهم مباشرة. بعد خروجهم لم يروا ذاك الحزب الذي كانوا يتخيلونه، ورأى الشعب بأنهم لا يستطيعون حل القضايا، لهذا السبب فقد هؤلاء الرفاق ثقتهم بأنفسهم ومن ناحية أخرى فقدوا ثقة الشعب بهم وهذا بدوره دفعنا لأن نخسر خزينة كبيرة وخبرة عظيمة وفقدنا أو أضعنا قيماً عظيمة. فهؤلاء الكوادر كانوا الكوادر الأساسيين الذين كان بالإمكان الاتكال عليهم في حماية وصون وصمود الحركة في جميع الظروف والشروط. وبهذا الأسلوب تم فقدان وخسارة هؤلاء الرفاق، هذا الخطأ الكبير الذي ارتكب هو بالطبع خطأ إدارة حركتنا. أي لو كنا قمنا بضمهم إلى النضال بشكل تدريجي لما عشنا أو مررنا بتلك المرحلة، وكان بإمكان هؤلاء الرفاق تولي كل مهمات الحركة، لأنهم كانوا أصحاب خبرة تؤهلهم للنجاح فيها.

في حملة التحزب الثانية عقدنا كونفرانساً لمعوقي الحرب في منطقة الشهيد هارون عام 1998 ، وذلك بطلب من القائد، حيث تم عقد أول كونفرانس لمعوقي الحرب في عام 1998 في منطقة شهيد هارون، قام القائد بطرح تحليلات بهذا الخصوص وأرسلها إلينا وبالاستناد إلى تلك التحليلات قمنا بعقد ذاك الكونفرانس. كان القائد يصف معوقي الحرب بالشهداء الأحياء، وكان يعتبر تنظيم معوقي الحرب كمؤسسة القائد من بعد الشهداء، كان القائد يريد بهذا الكونفرانس أن نقوم بتطوير تنظيم وحركة معوقي الحرب، كان يريد أن يحيا معوقو الحرب نهج الحركة وأن يناضلوا ضمن هذا النهج، وحثهم على النضال أكثر من الكل لأنه كان يصفهم بالشهداء الأحياء، فأصحاب هذه الحركة الأساسيون هم الشهداء، لم يقل القائد في أي يوم من الأيام لمن يعيش بأنه صاحب هذه الحركة، إنما قال إن أصحاب الحركة هم الشهداء، لأن الذين يحيون أو يعيشون ضمن الحركة الآن ربما يكونون اليوم ب ك ك ليين ويسعون لأن يكونوا كذلك ولكن هناك أمر آخر ألا وهو أنهم ربما يقومون بخيانة أو معايشة حالة خيانة لهذه الحركة. ولا سيما أن الكثيرين قاموا بذلك حيث تمت معايشة الخيانة حتى على مستوى إدارة هذه الحركة، لهذا السبب لا يمكن للذين يعيشون أن يكونوا أصحاب الحزب، فالذين يعيشون ضمن الحزب هم الذين يسعون لأن يصبحوا ب ك ك ليين، ومصاحبتهم وتبنيهم للحركة سوف يتضح مع الزمن. كما أن القائد لم يقل عن نفسه أيضاً بأنه ب ك ك لي، إنما كان يقول أسعى لأن أكون ب ك ك لي. فالذي قام بخلق ب ك ك والذي قام بتطويره في كل وقت وكان تاريخه هو تاريخ هذه الحركة وحقيقتها لم يقل في أي يوم من الأيام لقد أصبحت ب ك ك لي، إنما كان يقول أسعى لأن أكون كذلك، لهذا السبب فإن الذين يعيشون ضمن حزب العمال الكردستاني هم الذين يسعون لأن يكونوا ب ك ك ليين، فال ب ك ك ليون الحقيقيون هم الشهداء، لهذا السبب الشهداء هم أصحاب حزب العمال الكردستاني. وهذا الأمر مهم ويحوز على أهمية بالغة ضمن تاريخ حزب العمال الكردستاني، وبالنسبة لمعوقي الحرب كان القائد يقول هم ال ب ك ك ليون من بعد الشهداء، وكان يصفهم بالشهداء الأحياء، أي الأقرب من حزب العمال الكردستاني ضمن حزب العمال الكردستاني، بهذا الشكل كان يعطي قيمة لمعوقي الحرب، وكان يريد أن ينضم كل معوقي الحرب إلى التنظيم الخاص بهم، والانضمام إلى هذا النهج والقيام بتلبية مهام ومسؤوليات هذا النهج كي يتحولوا إلى قوة الإدارة والسيطرة على النهج من بعد الشهداء. هذا كان تقرب القائد من تنظيمهم وكونفرانسهم. لم يقل القائد في أي يوم من الأيام بأنهم ضحوا بجزء من جسدهم ويحتاجون إلى الاهتمام وينبغي مساعدتهم وتلبية مطالبهم وعدم جرح مشاعرهم، لم يتقرب منهم ومن تنظيمهم حسب المفاهيم الدارجة ضمن المجتمع، بل على العكس تماماً كان يتوقف على أخطائهم ونواقصهم بصرامة، لأنه كان يراهم الشهداء الأحياء، وكان من الواجب عليهم عدم ارتكاب أي خطأ مهما كان صغيراً، فلماذا كان القائد يتقرب منهم بهذا الشكل؟ لأنه عن طريق معوقي الحرب كان يريد أن يصون مقاييس هذه الحركة، كان يريد أن يصون المقاييس التي حددها ووضعها الشهداء عن طريق معوقي الحرب، أي إن مثّل معوقو الحرب ثورية هذه الحركة ومناضليتها حينها لا يمكن لأحد أن يحدد مقاييس أدنى من تلك المقاييس التي تبناها معوقو الحرب. فتلك المقاييس بذلك الشكل تصبح الحد الأدنى من المقاييس وعلى أساسها ينبغي تعظيم المقاييس التي يصونها معوقو الحرب من قبل الشعب والكوادر. أي بما أنهم ضحوا بجزء من جسدهم ويتخذون من الثورية أساساً لهم حينها لا يمكن لأحد أن يتخد ثورية ومقاييس وشخصية أدنى من تلك أساساً له. لهذا السبب كان القائد يصفهم بالشهداء الأحياء، أي أنه عن طريقهم كان يريد تطوير سوية المقاييس ضمن هذه الحركة كي يصون بها مناضلي وثورية هذه الحركة. تلك التعاريف وتلك التحليلات وذاك الكونفرانس والتنظيم كان من أجل هذا الهدف. فإن قام معوقو الحرب بتمثل ثورية ومناضلية هذه الحركة وتوكل مهامها ومسؤولياتها فسوف يؤثر ذلك بشكل قوي على الشعب وكوادر الحركة، وسيساهم في تعظيم المقاييس أكثر وليس العكس. فإن قام أحد معوقي الحرب بهذا العمل حينها لا يمكن لإنسان سليم أن يقول لا أستطيع النضال والعمل، وإن قام باتخاذ مقايس أدنى من تلك المقاييس يعتبر ذلك خيانة. أي أن أحد التدابير التي اتخذها القائد من أجل صون مقايس ونهج هذه الحركة كان عن طريق معوقي الحرب وتنظيمهم وكونفرانسهم. وقيام معوقي الحرب بالنضال والعمل خلق تأثيراً قوياً على الشعب، ورجعت ثقة الشعب بالحركة وثقته بتحقيق الحركة للنصر والنجاح. ربما يعطي الشعب معنى للخيانة من بعض النواحي ولكن لا يمكنه إعطاء معنى للخيانة من قبل معوقي الحرب لأنهم الشهداء الأحياء ضمن الحركة وضحوا بجزء من أجسادهم في سبيل هذا النهج لهذا السبب رأى القائد أهمية ذاك التنظيم والكونفرانس. وهذا أيضاً كان خطوة من الخطوات الهامة في هذه الحركة.

عندما قام شمدين صاكك بتسليم نفسه إلى الدولة التركية وخان قيم هذه الحركة قال للدولة التركية: «إن كنتم تريدون نيل النتيجة من حزب العمال الكردستاني ينبغي عليكم أولاً إخراج القائد آبو من سوريا، وثانياً إلحاق ضربة قوية بالحركة في منطقة بوطان، وثالثاً إخراج آمد من سيطرة حزب العمال الكردستاني، لأن آمد كانت ذات أهمية كبيرة من الناحية السياسية لتمثيلها الهوية الكردية، فمن يفرض حاكميته وسيطرته على آمد يكون الحاكم والمسيطر على كردستان بأكملها. إذاً فلمنطة آمد دور سياسي أي إن كنت تريد إلحاق ضربة بالحركة من الناحية السياسية ينبغي إخراج آمد من سيطرة هذه الحركة، وإن كنت تريد إلحاق ضربة بالكريلا ينبغي إلحاق ضربة بالكريلا في منطقة بوطان لأنها تلعب دوراً أساسياً في تطور الكريلا والحزب والجيش. أي أن الأمور التي تتطور تنتقل إلى المناطق الأخرى من منطقة بوطان. فمنطقة بوطان لها دور بهذا الشكل، كما أن عمليات الفرز أيضاً كانت تتم من تلك المنطقة، وكل الطرق أيضاً كانت تمر منها، فإن كنت تريد نيل النتيجة ينبغي إعاقة منطقة بوطان ومنعها من لعب هذا الدور الأساسي. والنقطة الثالثة إفقاد القائد تأثيره وهذا يتم بإخراجه من سوريا وبهذا الشكل تتمكنون من نيل النتيجة .» هذا ما قاله شمدين صاكك للعدو عندما قام بالخيانة أي عندما هرب من ضمن صفوف الحركة واستسلم للعدو، وهذا ما قام به العدو، حيث لاحظنا أنه بعد أن تم إخراج القائد من سوريا تم التركيز على كل من منطقتي آمد وبوطان، قام العدو بالتركيز على منطقة بوطان بكل ما يملك من قوة لتصفية الكريلا، لأن تصفية الكريلا في منطقة بوطان يعني تصفية الكريلا في جميع المناطق الأخرى، كما أن إلحاق ضربة نفسية بالكريلا في تلك المنطقة يعني أنه تمكن من إلحاق ضربة نفسية بالكريلا في جميع المناطق. بالإضافة إلى هذا كانت مساعيهم الأخرى هي إخراج آمد من سيطرة هذه الحركة، ولاحظنا أن جميع الأعمال كانت على هذا الأساس. ففي تلك الفترة ركز أرودغان على ثلاث مناطق هي آمد وديرسم وبوطان. كان إخراج منطقة بوطان من سيطرة هذه الحركة ضرورياً لإخراج منطقة آمد من سيطرتها وبهذا الشكل يمكن السيطرة على منطقة آمد وكردستان ككل، فتركيزهم على تلك المناطق كان من أجل هذه الغاية.

فعلى الرغم من جميع مساعي ونضال القائد آبو من أجل تجاوز الأخطاء والنواقص التي تمت معايشتها في حملة التحزب الأولى، وتطوير حملة التحزب والتجييش من خلال حملة الخامس عشر من آب بشكل قوي، وتطوير عملية تحزب وقيادية وإدارة وثورية بشكل يتوافق مع المرحلة، وعدم السماح للعدو بأن يخطو خطوات نحو تحقيق هدفه إلا أن القائد أيضاً لم يصل إلى هدفه. فما هي الأسباب التي أعاقت القائد في تحقيق أهدافه في التحزب والتجييش والقيادية والإدارة والثورية والمناضلية؟ الأسباب التي أعاقت تحقيق القائد لأهدافه لم تكن فقط أعمال العدو فإلى جانب تلك الأعمال كان هناك التصفوية التي كانت تحيا ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني، والنقطة الثانية هي الثورية الناقصة، فكل من التصفوية والثورية الناقصة أو غير المكتملة ومفهوم الخط الوسط أعاق تحقيق القائد لتك الأهداف التي كان يسعى إليها. قدم القائد آبو نضالاً عظيماً جداً، حيث سخَّر جميع إمكاناته من أجل تحقيق تلك الأهداف، وقام بتحقيق ما يمكن تحقيقه في الفرد في ذاته وفي أعلى المستويات، أي أنه بدأ من ذاته حيث أخرج ذاته من ذات عائدة لنفسه إلا أنه لم يصل أو يحقق النتيجة التي كان يأملها أو أن النتائج التي وصل إليها لم تكن كما يريد لها أن تكون. على الرغم من ذاك النضال والكدح الذي قدمه القائد آبو تمت معايشة بعض الأمور ضمن هذه الحركة كانت تعادي فلسفة القائد ونهجه بالكامل وتعادي الأسلوب الذي طوره القائد، فالذي أعاق القائد ومنعه من تحقيق نتيجة تتوافق مع النضال والكدح الذي قدمه كانت التصفوية التي تطورت ضمن هذه الحركة والشيء الآخر كان الثورية الناقصة أو الثورية غير المكتملة. فالثورية الناقصة أو كما تدعى مفهوم الخط الوسط أي الثورية المزاجية كانت تعني النضال من أجل الحركة من ناحية ومن ناحية أخرى من أجل النظام.

هذه الثورية كانت أساس تقوية التصفوية ضمن الحركة والحزب وهي التي خلقت تلك التخريبات فقد كانت مصدر ومنبع كل حالات التصفية التي تمت معايشتها ضمن هذه الحركة، كما أن هذه الثورية هي التي أعطت الأمل للعدو، وكانت السبب في قيام العدو بشن الهجمات على الحركة كما كانت السبب الأساسي في تطور المؤامرة الدولية أيضاً. لهذه الأسباب تعتبر هذه الثورية أي الثورية الناقصة من أخطر أنواع الثورية وكانت سبب جميع الخسائر والبدائل التي قدمتها الحركة، وكانت مصدر جميع السياسات التي مورست على هذه الحركة وهي التي أعطت الأمل لتلك السياسات، وتشكل مسنداً للعدو والاستعمار والامبريالية ضمن هذه الحركة. لم يستطع أي شيء أن يضعف هذه الحركة كما فعلت هذه الثورية الناقصة، ولم يعرض أي شيء هذه الحركة للمخاطر كما فعلت هذه الثورية الناقصة، فهي التي عرّضت الحركة للمخاطر وهي التي دفعت الحركة لتقديم البدائل والتعرض للخسائر، لهذا السبب ينبعي أن لا يتم إحياء هذه الثورية الناقصة ضمن الحركة، ومن الواجب عدم غض النظر عنها أبداً. فإن كانت هذه الحركة تريد وتسعى لاستخراج الدروس من تاريخها فهذا هو الدرس الواجب على هذه الحركة استخلاصه من تاريخها العظيم. ينبغي على كل كادر وثوري ومناضل في هذه الحركة أن يقوم بقتل الثورية الناقصة في ذاته وضمن الحركة ولا يسمح لهذه الثورية الناقصة بالحياة مرة أخرى ضمن هذه الحركة. فإن كانت هذه الحركة تريد الوصول إلى نتيجة في هذا الموضوع فطريقها يمر من هذا.

حملة التحزب الثالثة بدأت بالمؤامرة الدولية. فهذه المرحلة التي نعيشها الآن هي مرحلة التحزب الثالثة. وهي تعني إعادة إنشاء حزب العمال الكردستاني من جديد بالاستناد إلى البردايغما الجديدة، وتعني في الوقت نفسه تطوير التحزب ضد المؤامرة الدولية، كما تعني إفشال المؤامرة الدولية، وإفشال مخططات العدو والاستعمار والمتواطئين معهم، والقضاء على الثورية الناقصة أي مفهوم الخط الوسط، وتعني إيصال ثورة كردستان إلى النهاية أي النصر، أي تطوير ثورة الحل التي ستتطور بالاستناد إلى ثورة الميلاد إلى النصر. تطورت هذه الحركة منذ البداية بآلية النقد والنقد الذاتي، فظهور هذه الحركة وولادتها ومسيرتها وانتفاض الشعب وحيوية الشعب والقيام بثورة الميلاد تم من خلال الاستناد إلى هذه الآلية.

فهي التي قامت بخلق ثورة، ثورة الديمقراطية في كردستان، بخلق شعب، وخلقت حركة قامت بخلق شعب، بالاستناد إلى هذا قام القائد آبو بطرح مرحلة نقد ونقد ذاتي جديدة، كانت أشمل وأوسع من الأولى، طورها على المستوى الكوني، فمرحلة النقد والنقد الذاتي الأولى التي طرحها القائد آبو بدأت من كردستان وتوسعت تدريجياً وهذه المرحلة من النقد والنقد الذاتي أي المرحلة الثانية توسعت لتشمل ليس العالم فحسب إنما شملت الكون كله. أراد القائد عن طريق هذه الآلية التصدي والوقوف ضد المؤامرة الدولية وسعى إلى تطوير الحركة وإيصالها إلى هدفها أي تطوير الحل. طور البراديغما الجديدة من خلال الاستناد إلى آلية النقد والنقد الذاتي هذه.

إن الممارسة العملية التي طورها من خلال الاستناد إلى مرحلة النقد والنقد الذاتي الأولى كانت قد وضعت أسس البراديغما الجديدة، وفي المرحلة الثانية للنقد والنقد الذاتي قوّى من تلك الأسس وسعى إلى إنشاء بناء عليها، أي تحقيق الهدف. فالشيء الذي طوّره أو طرحه في إمرالي لم يكن شيئاً جديداً، إنما قام بتصفية أيديولوجيته وفلسفته من شوائب النظام الرأسمالي والوصول بها إلى النقاء، وتحويلها إلى نظام. أي أن القائد في مرحلة إمرالي سعى إلى تحويل تلك الفلسفة والأيديولوجية إلى نظام كوني. الكثيرون قالوا بأن القائد قد تغير وما شابه ذلك من الأقوال ولكن ردّ القائد كان «لم أتغير أو لم أغير نفسي إنما عمّقت نفسي أو تعمقت فيها أكثر، لقد  قمت بتنظيف ذهنيتي وأوصلتها إلى النقاء » أي أنه عمّق نفسه بهذا الشكل. الكثيرون قالوا أيضاً بأن القائد قد تخلى عن الثورة وعن الوطنية وما شابه ذلك، واتخذ من النظام أساساً لنفسه، واتخذ من الديمقراطية الليبرالية أساساً لنفسه، إلا أن ردّ القائد على هؤلاء كان «لم أتخذ من النظام أساساً كما لم أتخذ من الديمقراطية الليبرالية أساساً إنما اتخذت من الديمقراطية الكومينالية أساساً لنفسي، وبالاستناد إليه اتخذتها كنظام لنفسي وأنا أقوم بتطويرها ». بالطبع الكثيرون كانوا يقولون بأن آبو قد تخلى عن كل شيء واتخذ من النظام الرأسمالي أساساً له، واتخذ من الديمقراطية الليبرالية أساساً لنفسه، أي أنه يخطو خطوات عن طريق الديمقراطية الليبرالية كي يتحد مع النظام وحتى أنه يسعى إلى إرضاء النظام الرأسمالي كي ينقذ نفسه من السجن، أي أنهم كانوا يقومون بتلفيق مثل هذه الأكاذيب والادعاءات والافتراءات والهجمات، وحتى أن الكثيرين من بيننا كانوا يقولون بأن القائد يتخذ النظام الرأسمالي أساساً له ويخطو خطوات تخدم هذا النظام. لهذا السبب اتخذ الكثيرون من بيننا الديمقراطية الليبرالية أساساً لهم، وعلى أساسها كانوا يخطون الخطوات، وكانوا يتخذون من ذهنية النظام المستند إلى المجتمع الدولتي أساساً لهم، حتى أنهم وبشكل خاص كانوا يتخذون النظام الرأسمالي أساساً لهم، لهذا السبب كان يتولد لديهم رد فعل ضد هذه الحركة، ضد حياتها وأخلاقها وثقافتها وشخصيتها ومقاييسها، حتى أنهم في بعض الأحيان كانوا يحولون ردود الفعل تلك إلى حالة من العداء ضد الحركة، كانوا يتخذون الحياة الرأسمالية وثقافتها وأخلاقها وشخصيتها ومقاييسها أساساً بالنسبة لهم، وكانوا يقولون بأننا نتخذ من نهج القائد والقائد أساساً، كانوا يعادون القائد ويخوضون الحرب ضد القائد ويلحقون في كل يوم ضربة بالقائد آبو وفي كل يوم يقضون على القائد، وكانوا يقولون بأنهم يتخذون القائد آبو أساساً لهم. يمكن إعطاء تفسير بشكل من الأشكال لقيام أي شخص خارج هذه الحركة بهذه الممارسات ولكن لا يمكن إعطاء أي تفسير لقيام كوادر هذه الحركة بهذه الممارسات. لهذا السبب كانت تتم معايشة مشكلة جدية في تلك الفترة. وضع القائد آبو أسس حملة التحزب الثالثة في عام1992 ، مع عملية وقف إطلاق النار التي أعلنت في عام1993 ، وسعى إلى تقوية هذا الأساس من خلال عمليات وقف إطلاق النار التي أعلنها في أعوام 1995 / 1998 ، فالتحليلات التي قدمها أو طرحها القائد آبو في الخامس عشر من آب عام 1998 كان توضح بأن القائد يخطو خطوات ليس على المتسوى التكتيكي فحسب إنما بدأ بخطو خطوات على المستوى الاستراتيجي، وطوّر استراتيجية جديدة، لأن القائد كان قد رأى بأنه لا يمكنه إجراء تغييرات استراتيجية بتلك الخطوات السابقة، وعلى أساس ذلك قرر إجراء تغييرات على المستوى الاستراتيجي وتطوير استراتيجية جديدة، لأن التطورات السياسية كانت تفرض القيام بمثل هذه الخطوات، أي أنه من خلال إجراء تلك التغييرات يمكنه الحد من المخاطر وصون الحركة ودفعها لخطو خطوات نحو التقدم، وإن لم يقم بها فالمخاطر كبيرة وسوف تضطر الحركة لمعايشة تلك المخاطر. لهذا السبب قرر القائد آبو إجراء تغييرات على المستوى الاستراتيجي عبر التحليلات التي قدمها في الخامس عشر من آب عام 1998 بهذا الخصوص. بدأ في عام 1998 بتلك التحليلات وقرّر التقدم فيها، ولكن المؤامرة الدولية أعاقت القائد من خطو تلك الخطوة. إلا أن القائد آبو في مرحلة إمرالي طوّر تلك القرارات التي اتخذها بكل جرأة ولم يتراجع عنها. سعى القائد آبو من خلال تطوير هذا القرار في شروط وظروف إمرالي وحالة العزلة التي فرضت عليه إلى تطوير الاستراتيجية الجديدة لإفشال المؤامرة والحد من المخاطر التي كانت تحدق بالشعب والحركة، وصون وحماية القيم الموجودة وعلى أساسها إيصال الحركة إلى الهدف المنشود. بالطبع إجراء تغيير جذري كهذا في ظل ظروف كهذه ليس بالأمر السهل ولا يجرؤ أي شخص على القيام به، إلا أن القائد آبو قام بخطو تلك الخطوة بكل جرأة وجسارة، لأنه كان يثق بنفسه ويثق بالحركة والشعب الذي خلقه. كان يعرف الشعب والحركة والتنظيم الذي خلقه. فالقائد آبو كان يثق بالشعب والحركة على الرغم من النواقص والأخطاء وإدراك الشعب النسبي، لهذا السبب خطا تلك الخطوة. لا يمكن لشخص عادي أن يقوم بخطو خطوة كهذه في مثل تلك الشروط ولا سيما أن تجربة الاتحاد السوفيتي ما تزال ماثلة أمام الأعين، فهي الأخرى كانت تسعى إلى خطو بعض الخطوات إلا أن ذلك ساهم في انهيارها، والجدير بالذكر أنها كانت تمتلك كل السلطة، أي أن الذين قاموا بخطو تلك الخطوة كانوا ممن يمثلون السلطة والحكم وكانوا أصحاب كل الإمكانيات إلا أن النتيجة التي أسفرت عنها كانت الانهيار. القائد آبو لم يكن حراً أي كان في الأسر وقد فرضت عليه عزلة تامة عن الشعب والحركة والعالم، وتعرض لجميع أنواع الضغط النفسي، وكان وجهاً لوجه أمام أبشع أنواع الإمحاء، في هذه الظروف قام القائد آبو بخطو تلك الخطوة، وهذا أيضاً يعتبر نقطة من أجل فهم وإدراك حقيقة القائد آبو. فهذه القيادة لا تشبه أية قيادات أخرى، وليست بقيادة عادية، فالقيادة العادية أو قيادة كتلك القيادات المعروفة لا يمكن لها أن تقدم على خطو خطوة كهذه في نفس الظروف، فإن لم تكن أهدافهم كبيرة وارتباطهم قوياً لا يمكنهم في وسط وظروف كهذه خطو خطوة كهذه أبداً.

لا يقبل هذا القائد شيئاً اسمه الهزيمة أو الخسارة، بل يتخذ من الهزيمة أو الخسارة أساساً لتحقيق النصر والنجاح. لهذا كان على القائد آبو مقابل مؤامرة كبيرة بهذا القدر أن يحدد أهدافاً كبيرة وعظيمة، ويبذل جهوداً عظيمة، كي يتمكن من الوقوف والتصدي لتلك المؤامرة والممارسات الهادفة إلى الإمحاء. فلو لم يحدد أهدافاً وجهوداً أكبر وأعظم وأشمل من المؤامرة لما كان بمقدوره القيام بخطو تلك الخطوة. فالقائد آبو يرى بأنه ينبغي أن تكون الممارسة العملية والفكرية والعلمية من أجل التصدي للمخاطر والمؤامرات أكبر من تلك المخاطر التي تحدق بالحركة والشعب. بهذا الشكل فقط كان بالإمكان القضاء على تلك المخاطر المحدقة بالحركة والشعب. فالقائد آبو هدف إلى تحقيق ما لم يحققه في عملية التحزب الأولى والثانية، وكان يصر على تحقيقه، وهذه أيضاً خاصية من خصائص أو ميزات وحقيقة القائد آبو، أي أنه صاحب إصرار وعزيمة في تحقيق الهدف الذي وضعه لنفسه ولا يتخلى عنه مهما كانت الظروف وحجم العوائق. ففي بداية عملية التحزب الأولى كان قد هدف إلى تحقيق عملية التحزب إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل الكامل وعلى أساسه أصر على تحقيقها في عملية التحزب الثانية، وفي العملية الثانية أيضاً لم يتحقق الهدف كما هو مطلوب لهذا السبب أصر على تحقيق عملية التحزب التي كان يريدها أو يسعى إليها في عملية التحزب الثالثة ولم يتخلَّ عنها. أي أنه كان يصر على تحقيق التحزب الذي يسعى إليه والنجاح فيه. هذا كان أحد أسباب قيامه بخطو تلك الخطوات في إمرالي. قال القائد آبو في فترة المؤامرة عندما كان في روما «أنا استقيل من حزب العمال الكردستاني الموجود »، الكثيرون فهموا هذه الجملة بشكل خاطئ، أي أنهم اعتقدوا بأن القائد يستقيل من الحزب بالفعل. فالقائد لم يكن يقصد الاستقالة من حزب العمال الكردستاني، إنما كان يستقيل من حزب العمال الكردستاني الذي لم يتشكل كما هدف إليه. وبهذا كان يريد توجيه رسالة ودفع كل من الشعب والحركة إلى فهم حجم المخاطر المحدقة بالحركة والشعب. أي أنه من خلال هذه الجملة أراد تعريض كل من الشعب والحركة لصدمة قوية. كان القائد آبو يعتمد في حل الكثير من الأمور والقضايا أسلوب الصدمة أو الصعق. لقد قال هذه الجملة في أجواء المؤامرة كي يحث الشعب وعلى وجه الخصوص الكوادر على فهم وإدراك المؤامرة. فتلك الجملة كانت من أجل هذا الأمر. أي أنه كان يريد أن يوضح ما الذي يسفر عن الثورية والحزبية الناقصة، وحث الكوادر على الخروج من هذا الوضع. فالقائد آبو كرّس كل حياته من أجل خلق حزب العمال الكردستاني وتطويره وإنجاحه، القائد آبو لا يتخلى أو يخون شيئاً قام بإنشائه أبداً، وكان يرى أبسط الإمكانيات التي يقوم بتحقيقها على أنها إمكانيات عظيمة وكبيرة، ويدخل ضمن أبحاث من أجل إعطاء القيمة التي تستحقها تلك الإمكانيات التي تم خلقها وصونها وتطويرها. فعلى الرغم من احتواء حزب العمال الكردستاني على العديد من الأخطاء والنواقص وأنه لم يتشكل كما هدف له القائد آبو إلا أنه كان يشكل نجاحاً للقائد، ويمثل كدح القائد آبو، لهذا السبب لا يتخلى القائد آبو عن حزب العمال الكردستاني بهذه السهولة، ومن غير الممكن له أن يتخلى عنه ويخون الكدح الذي قدمه أصلاً. فكان الأساس لدى القائد آبو هو تجاوز الأخطاء والنواقص الموجودة ضمن حزب العمال الكردستاني، أي ليس التخلي عنه بل على العكس تماماً القضاء على المخاطر التي تهدد وتشكل خطراً على الكدح والنضال الذي قدمه ضمن حزب العمال الكردستاني. لهذا السبب كان يقول تلك الجملة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى