حياة خاطئة لا يمكن أن تعاش على نحو صائب

حياة خاطئة لا يمكن أن تعاش على نحو صائب

آراس كاردوخ
ينبغي في عام 2015 إدراك وفهم المكاسب التي حققها الثامن عشر من أيار بشكل أفضل من الأعوام السابقة، لأننا في يومنا الراهن أمام مكاسب ملموسة عظيمة تحققت بالاستناد إلى نهج الثامن عشر من أيار. ففي كل عام كان يتم تحليل أهمية ومعنى ومكانة الثامن عشر من أيار، إلا أنه في هذا العام ينبغي أن تكون تلك التحليلات أكثر عمقاً وشمولاً من كل النواحي. فالعديد من الأمور التي لم يتم إدراكها في الأعوام السابقة باتت رؤيتها ممكنة في هذا العام، ولهذا السبب بالإمكان التحدث عنها وعليها.
للثامن عشر من أيار معان تاريخية وأيديولوجية وفكرية وسياسية وحتى عسكرية. فمن الناحية الأيديولوجية تم وضع أسس الحركة التي تحولت لأسلوب حياة جديدة للإنسانية وأسلوب لبيان كيفية تمسك الفرد بإنسانيته ورفضه لشكل الحياة التي تفرضها الأنظمة الرجعية الكلاسيكية. أسلوب الحياة هذا تعرض للهجمات من قبل تلك الأنظمة الاستبدادية. والإصرار على التمسك بأسلوب الحياة الجديدة هذا تجسد في الثامن عشر من أيار. أي أنه كان رداً على تلك الهجمات وإصراراً على التمسك بأسلوب الحياة الجديدة ذاك. فلولا الثامن عشر من أيار ولولا الشهادة ولولا الإصرار كان سيتم القضاء على أسلوب الحياة الجديدة من قبل تلك القوى الاستبدادية الاستعمارية كما فعلت بجميع أساليب الحياة الأخرى، وما كان بمقدور هذا الأسلوب صون استمراريته حتى يومنا الراهن. فعملية استشهاد الرفيق حقي قرار والمرحلة التي تلتها كانت السبب ليتحول الإصرار والتمسك بالقيم الإنسانية إلى إصرار عظيم، ويتم إدراك ورؤية جميع أبعادها في يومنا الراهن، وعرض هذه الحياة التي تم خلقها بالاستناد إلى هذا النهج كنموذج للعالم أجمع. فالعالم أيضاً بات يعرف ويدرك أن أسلوب الحياة هذا أسلوب جديد ولا يشبه أساليب الحياة الأخرى. فهو الأسلوب والطريقة التي بحث الإنسان عنها على مر التاريخ. قام الكثيرون بتجربة هذا الأسلوب وامتحنوه، إلا أنهم لم ينجحوا في الاستمرار فيه. ولكننا في يومنا الراهن نمثل هذا الأسلوب في أعلى مستوياته. حيث أنه إن تم النظر إليه بنظرة أيديولوجية فسلفية نرى بأنه يعبر عن عملية عظيمة جداً. فهو عملية ستعود بالنفع على العالم والإنسانية جمعاء. وهو توحيد للمساعي الإنسانية الهادفة إلى الحرية والديمقراطية. الثامن عشر من أيار يعبر عن طريق الشهادة عن هذه الحياة. ونحن نرى حقيقته في يومنا الراهن ويمكننا الحديث عنه. وهناك الكثيرون يؤيدون هذا النهج ويتمسكون به. إذاً؛ استناداً إلى أية أسس يتم هذا؟ هذا يستند إلى الإدراك والثقة بالمكاسب والنتائج التي حققها هذا النهج. الشخصيات التاريخية التي غيرت مسار التاريخ هي الشخصيات التي ناضلت ضمن هذه الحركة ونالت مرتبة الشهادة من أجل إحياء هذا النهج وتحقيق هذه الحياة. فلولا إصرارهم على تحقيق هذه الحياة ما كنا لنرى المكاسب والنتائج التي نراها اليوم أمامنا. إلا أن مدى إدراك هذا غير معلوم وغير واضح، ولكنها الحقيقة. أي إن كنا نرى اليوم الآلاف من الأبطال والملايين من الشعب يسيرون على هذا النهج ويناضلون من أجل إحيائه فإن هذا لم يكن معلوماً في الأيام الأولى، أي أن هذه الحياة وهذا النضال لم يكن بهذه القوة والوتيرة التي هو عليها في يومنا الراهن، ولم يكن واضحاً بأنه سيسفر عن هذه النتائج، كما أنه لم يكن هناك إمكانيات للحديث عنه كما هي عليه في يومنا الراهن. إلا أن المؤمنين بهذا النهج وهذه الحياة وثقتهم بها وإصرارهم على تحقيقها ساهم في تحقيق وترجمة وإحياء هذه الحياة على أرض الواقع، وكانوا السبب في تقوية هذا النهج وتوضيح حقيقة هذه الحياة للجميع. وقد اتضح للجميع بأن هذا النهج هو النهج الذي يمكن للإنسان العيش فيه وإيجاد الحلول لجميع للقضايا التي تواجهه من خلاله.
أما من الناحية الفكرية فيمكننا الحديث عن العديد من المكاسب العظيمة التي تم تحقيقها من الناحية الفكرية؛ فكل فكرة تاريخية عظيمة تكللت بالنصر والنجاح عن طريق الإنسان، وفكر هذه الحياة الجديدة تكلل بالنصر والنجاح بفضل تضحيات الرفيق حقي قرار وشهداء الثامن عشر من أيار. لهذا السبب يحوز الثامن عشر من أيار على أهمية بالغة بالنسبة لحركتنا، ونعيره هذا القدر من الأهمية ونركز عليه بهذا القدر. لأنه لولا الثامن عشر من أيار ولولا عمليات الاستشهاد ما كان بمقدورنا الحديث حتى عن حياة كهذه.
فالشهادة هي الأساس الذي تستند إليه هذه الحياة الجديدة وهذه الحركة. نضال هذه الحركة من أجل إحلال هذا النهج وإحياء هذه الحياة ساهم في أن تمتلك جميع شعوب المنطقة إرادة التعبير عن ذاتها، وليس الشعب الكردي فحسب. في هذه النقطة فإن الموقف الذي أبدي مقابل هذا النضال يحوز على القدر نفسه من الأهمية والعظمة. أي أن الموقف الذي أبدي مقابل عملية استشهاد الرفيق حقي قرار يحوز على أهمية ومعنى كبيرين، فلولا استناد هذا الموقف إلى إدراك ووعي وفكر عظيم ما كانت هذه الحركة وتلك التضحيات لتصل إلى هذه النتيجة التي حققتها في يومنا الراهن.
الثامن عشر من أيار أو الشهادة تحوز على أهمية ومعان كبيرة من الناحية السياسة أيضاً. فالسياسة هي طريق تحقيق تلك الأمور، وهي طريق تحقيق أسلوب الحياة الجديدة. حيث أن أسلوب الحياة الجديدة تم تحقيقه من خلال الاستناد إلى سياسة تستند إلى الشهادة. فالسياسة التي نسميها اليوم بالسياسة الديمقراطية، والتي لا يمكن لسياسات الأنظمة الحاكمة الصمود أمامها ضمن الأوساط العالمية وضمن السياسة الداخلية لكل من الدولة التركية وباقي الدول التي يعيش فيها الكرد، هي نتاج روح الثامن عشر من أيار، هي نتاج روح الشهداء. فالشهداء بموقفهم ووقفتهم كانوا السبب في تجسد روح عظيمة كهذه في كردستان والمناطق المجاورة لها والتي يصعب على جيمع القوى المادية الحد من تطورها. وفي الوقت نفسه تعني عظمة المعنويات وعظمة تأثيرها على الجوانب المادية. فلولا عظمة الفكر المعنوي بهذا القدر ما دخل النظام المادي بكل إمكانياته الكبيرة حالة من اليأس مقابلها، كما أنها قد تظهر ثقل الحياة الميتافيزيقية للإنسانية مقابل الحياة المادية للإنسان.
بلا شك للحياة أبعاد ميتافيزيقية ومادية، ولكن عند مقارنتها مع بعضها نرى بأن الأبعاد الميتافيزيقية أهم بكثير من الأبعاد المادية. أي أنه يمكن للحياة الاستمرار حتى وإن كانت أبعادها وجوانبها المادية ضعيفة، والأصح أنه يمكن إحياؤها من الناحية الميتافيزيقية إلى أبعد الحدود وفي أعلى مستوياتها أيضاً. ولكن عندما يكون الجانب الميتافيزيقي للحياة ضعيفاً حينها مهما كان الجانب المادي قوياً وصاحب إمكانيات كبيرة إلا أنه سوف يلاقي الكثير من القضايا والمشاكل التي تعيق استمرارية الحياة. إذاً فالحياة تستند بشكل أكبر إلى المعنويات. والمعنويات التي خلقها الشهداء هي التي صانت استمرارية الحياة المعنوية للإنسان على الرغم من كل المصاعب والقضايا التي يعيشها في كردستان، وساهمت في تطورها يوماً بعد يوم، ودفعت بها كي تتحول إلى أساس للحياة الصحيحة في كردستان. ولكن مع الأسف لا يتم إعطاؤها المعنى الذي تستحقه في يومنا الراهن، ولا يتم التوقف عليها بالشكل المطلوب، ولا يدرك الإنسان عمقها وأبعادها. حيث أن الكثيرين يفكرون بشكل أعمى ويعتقدون بأن الحياة تستند إلى أبعادها المادية فقط. إلا أن نظرة وحيدة فقط إلى علميات الشهادة تلك تظهر بأن الحياة تستمر بشكل أقوى من خلال استنادها إلى أبعادها المعنوية. فالسياسة المتشكلة بفضل عمليات الشهادة والشهداء هي السياسة التي تظهر الطريق الصحيح لصاحب هذه الفكرة وتظهر الأسلوب والنسق الصحيح للوصول إلى أهدافهم الإنسانية.
وكذلك الأمر من الناحية الاجتماعية: فالشهداء هم أساس الحياة التي تطور علاقات جديدة ضمن المجتمع. ففي عالم أصبحت فيه كل الأشياء مادية وخضع فيه ذهن الإنسان لتأثير الماديوية وعلى أساسها يتم عقد العلاقات الاجتماعية، الشهداء هم من قاموا بعكس هذه اللوحة من خلال النضال الذي خاضوه من أجل إحلال أسلوب الحياة الجديدة، أي أنهم قاموا بكل جرأة وجسارة بتحطيم العلاقات المادية المتشكلة بالاستناد إلى المادة وإحلال علاقات معنوية مستندة إلى أسس اجتماعية وتطويرها عوضاً عنها. عند العودة إلى عام 1977 وإلى عملية استشهاد الرفيق حقي قرار نرى بأنها تعبر عن هذه الحقية في أعلى مستوياتها. ففي الفترة التي كانت فيها الدولة التركية تعيش حالة اختناق بسبب تأثير الحداثة الغربية وكانت الحياة في تركيا بشكل عام خاضعة لتأثير هذه الحداثة، وكانت تسعى بإعلامها ومؤسساتها إلى تقليد الأوروبيين وإنشاء أوروبا وأمريكا في دولتها لا يُعتبر التخلي عن كل هذا والتمسك بحياة حرة والنضال من أجل أهداف إنسانية بالأمر السهل. فهذا الإصرار في هذا النهج وأسلوب الحياة الجديدة والأهداف الإنسانية قام به الشهداء. حيث مثّل الرفيق حقي قرار الطليعة في هذا المجال، فقد كان قدوة الذين لم يعيروا أي اهتمام لجميع الإمكانيات المادية، واتخذوا من الحياة المعنوية أساساً لهم، وقاموا بخلق مجتمع جديد. فإن كان المجتمع الكردي أكثر المجتمعات حيوية في منطقة الشرق الأوسط ومازال يبدي الصمود والمقاومة، وإن كان الكرد على الرغم من كل القضايا والمصاعب يمثلون طليعة الحرية والديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وتحولوا إلى قدوة للعالم أجمع، وإن كانت المقاومة العظيمة التي أبديت في كوباني يتداولها كل من في العالم وتقام مسيرات تضامنية من أجلها في كل أرجاء العالم، وتحولت إلى رمز للمقاومة الإنسانية، فالشهداء هم الذين كانوا أساس كل هذا.
فالشهادة تعني الإصرار على النهج، لهذا السبب يمكننا القول من الناحية الاجتماعية بأن الشهداء هم أساس الحياة المثالية التي قدموها للإنسان بأسلوبهم وطريقتهم وعلاقتهم والتي تختلف كل الاختلاف عن الحياة الموجودة. بلا شك عند تطور حياة اجتماعية جديدة وأيديولوجية وسياسة جديدة تتطور إلى جانبها عواطف جمالية تتخذ من الجمال والرونق أساساً لها. لهذا السبب فإن الفن والثقافة الفنية المتشكلة حول هؤلاء الشهداء تكسب الحياة لوناً إضافياً. وفي يومنا الراهن جميع نتاجات مجتمعنا وكل مراحل مجتمعنا مليئة بالنتاجات الفنية كالأغاني والأفلام والعديد من الجوانب الثقافية الأخرى التي تعبر عن ذاتها في كل مناطق كردستان والتي تتحدث عن الحياة الحرة والنضال والإنسانية، هذا أيضاً تشكل من خلال الاستناد إلى الأحاسيس والعواطف الحرة والتي تشكلت بفضل هؤلاء الشهداء. فلولا إصرار هؤلاء الشهداء لاختنقت تلك الأحاسيس والعواطف تحت تأثير الحملة المادية التي تحدثنا عنها، ولتم القضاء على الأرضية التي ساهمت في خلق الفنانين. نعم الفنانون يظهرون في أصعب الظروف والشروط، لكي يكونوا الجواب لتلك الظروف والشروط الصعبة التي تفرض ذاتها أو يتم فرضها، وللتصدي للواقع ولكي يظهروا أن أسلوب الحياة هذا غير صحيح وعلى هذا الأساس يعبرون عن أسلوب حياة أخرى بفنهم الذي يعرضونه للعالم. ولكن ربما يكون هناك شخص أو شخصان أو ثلاثة أشخاص، أو لنقل مدرسة فنية، أو مجموعة صغيرة من الفنانين والمثقفين أصحاب ثقافة جديدة يسعون إلى التأثير على التاريخ، أو ربما تكون هناك مجموعة تعمل كي تتحول إلى حركة للتو. حيث أن مدى نجاحهم وعدم نجاحهم يعتبر موضوعاً آخر قابلاً للنقاش.
ولكن في كردستان حصل العكس؛ فتلك الأحاسيس والعواطف التحررية التي خلقها الشهداء والتي غرسوها في الحياة من خلال التضحيات الجسام التي قدموها هي التي خلقت أساس الثقافة والفن الكردي وأساس الثقافة التحررية وأساس قوة تلك العواطف والأحاسيس التحررية التي احتواها الفن على الدوام والتي تحتويها الثقافة الإنسانية. لهذا السبب فإننا أمام أساس عظيم يمكنه بلا شك أن يؤثر على جميع النتاجات الفنية. ربما يحتوي هذا الأساس على بعض النواقص من الناحية الثقافية والطريقة والأسلوب الفني، ولكن الأحاسيس التي يعبر عنها والمضمون الذي يحتوي عليه سوف يتحول إلى مضمون يتم بناء مستقبل مشرق بالاستناد عليه ضمن الساحة الفنية.
كما أن العواطف والأحاسيس الفنية الكلاسيكية لم تكن بتلك القوة مقارنة مع يومنا الراهن، فقد كانت تقتصر على بعض النتاجات الكلاسيكية التي تتطرق أو تتحدث عن حياة ابتدائية، ولكننا في يومنا الراهن نقف أمام فن استمد أسسه من هناك.
فكل تطور سياسي اجتماعي تحول إلى سبب لولادة أسس فنية جديدة. والشهادة في كردستان قامت بخلق هذا أيضاً. أي أن الأحاسيس الوطنية وأحاسيس الحياة الإنسانية والأحاسيس البعيدة عن القذارة المادية دفعت بالإنسان كي يقول إن العودة إلى الفن من أجل جوهر إنسانيته يتم من خلال الابتعاد عن الوضع الذي يخدم الرأسمالية والحياة المادية. في يومنا الراهن يواجه الفن أزمة ألا وهي: هل يمكن للفن أن ينقذ نفسه من السلطة المادية المستندة إلى البيع والشراء؟! فأفضل الأحاسيس والعواطف الفنية تقف في يومنا الراهن وجهاً لوجه أمام عميلة البيع والشراء، إلا أن الشهداء الذين لا يمكن بيعهم وشراءهم أروا الفن طريق المقاومة والتصدي لعمليات البيع والشراء التي تتم في الساحة الفنية. وفي يومنا الراهن هناك أرضية تمكن الفنانين أصحاب النية الصادقة، الذين لا ينون بيع نتاجاتهم الفنية، من تطوير نتاجاتهم الفنية وفنهم. كل هذا تشكل بفضل ثقافة الحياة الحرة. وهذا يعني كما يقول القائد آبو « الحياة الخاطئة لا يمكن أن تعاش على نحو صائب » هذه المقولة كانت لادورنوا وقام القائد باستخدامها. أي أن هذه الثقافة تظهرالحياة الحقيقية والصحية، الحياة التي يحتاجها الإنسان، التي تحتاجها الإنسانية في يومنا الراهن. فتصحيح الحياة الخاطئة يتم من خلال الاستناد إلى هذا الأساس. وبما أننا نريد أن نحيا الحياة بشكل صحيح ينبغي علينا تصحيح تلك الحياة الخاطئة. فمن الذي قام بوضع أسس هذه الحياة أي أسلوب الحياة الجديدة؟ بالطبع الشهداء هم الذين وضعوا هذه الأسس.
يمكننا الحديث مطولاً عن الشهادة وعمليات الاستشهاد في كردستان والتي قادها الرفيق حقي قرار. باختصار يمكننا القول بأن كل الأمور الموجودة في يومنا الراهن وكل الإمكانيات المتوفرة من أجل النصر والنجاح، وكل المكاسب التي تم تحقيقها، ما كانت لتتحقق لولا عمليات الشهادة تلك ولولا وجود الشهداء. وربما ما كانت أية واحدة منها ستدخل ضمن جدول أعمال الإنسان حتى، وما كانت جزءاً من الحياة التي نعيشها الآن. لهذا السبب فإن تحليلها في كل عام يحوز على أهمية بالغة جداً، فينبغي علينا أن نقوم بتحليلها كل عام من خلال الاستناد إلى الدروس التي تم استنباطها والمكاسب التي تحققت بالاستناد إليها، وأن نفكر في سبب حصول كل هذه التطورات، لنتخذه أساساً لنا خلال المرحلة القادمة. فماهي الشهادة كي نتخذها أساساً؟ الشهادة هي الابتعاد عن الحياة المادية، واتخاذ المعنويات والعظمة أساساً في التفكير. فمن هم العظماء؟ هل العظماء هم الشهداء الذين نتحدث عنهم أم هؤلاء الأشخاص الذين يتخذون الحياة المادية بكل إمكانياتها أساساً لهم والذين يقومون بخلق إمكانيات الحياة بالاستناد إليها، وتحويل الوسط المحيط بهم إلى جنة صناعية وإخضاع الإنسان لخدمة مصالحهم، والقيام بإنشاء تنظيمات مادية كبيرة لخدمة مصالحهم؟ فهل هؤلاء هم الخالدون أم الخالدون هم الشهداء الذين نتحدث عنهم اليوم؟ الشهيد والشهادة يخلقان إمكانيات عظيمة من أجل الإنسان تفتح له طريق السعادة والفرح والحياة العظيمة. والأمر يعود للفرد وقدرته على إحياء هذه الحياة. وتوعية المجتمع بهذه الحقيقة هي وظيفة الذين يدركون معنى هذه الحياة. كما أن الذين يعروفون معناها ولا يريدون العيش وفقها أو على أساسها لن ينجوا من فساد الحياة الضيقة إلى الأبد وسيهترئون ضمنها. أي أن الاختيار بيد الإنسان فإما أن يختار الحياة من الناحية المعنوية بهذه العظمة أو يعيش من دون معنى. هذا الأمر عائد للإنسان ذاته فهو الذي يختار طريقة الحياة التي يريدها. حين نكون أمام هذا القدر الهائل من المكاسب التي حققتها الشهادة والتي نراها على أرض الواقع من الصحة القيام بنضال عظيم من أجل هذه الحياة، وتعريف الإنسان بأن هذه الحياة هي الحياة اللائقة بالإنسانية وهي الحياة التي تحتاجها الإنسانية وهي الحياة التي ينبغي أن نختارها من دون تردد. فالآلاف من رفاق حقي قرار الذين استشهدوا، والملايين من رفاقه الذين مازالوا على قيد الحياة والعشرات من الشعوب التي تتقبل الطريق الذي وضعه وأسسه يؤكدون هذه الحقيقة. فالشهادة ذات معنى عظيم، ينبغي علينا أن نحولها لدروس في حياتنا، وأن تظهر في كل لحظة من حياتنا بكل أبعادها المادية والمعنوية. من الأهمية التعمق فيها في كل مراحل حياتنا. فجميع شهداء كردستان الذين استشهدوا بعد الرفيق حقي قرار وكل الشهداء الذين أتوا من جميع أنحاء العالم واستشهدوا في كردستان أثبتوا حقيقة أن هذا الطريق هو طريق النضال وطريق الحياة وطريق الإنسانية.
كما يمكننا التطرق إلى بعض الأمور بخصوص كردستان أيضاً. فبالشهادة فقط كان بالإمكان تحرير أو إنقاذ كردستان من وضع التجزئة الذي كانت تعيشه ومن الحياة التي تفتقد إلى المعنى، والتحرر من الفكر الرجعي. فتشخيص ورؤية هذه الحياة المهترئة المبتعدة عن الإنسانية وعن حقيقتها حتى النخاع كان يحوز على أهمية بالغة كما خوض النضال من أجل تجاوزها. فالإصرار في هذا النهج والذي مثله الشهداء في أعلى مستوياته حقق هذه النتيجة. أي أن أعظم إصرار في هذا النهج قام به هؤلاء الأشخاص الذين لم يتخلوا عنه وقدموا أرواحهم في سبيله. فإن كنا نتحدث اليوم عن العواطف والأحاسيس الكردية المشتركة، وإن كنا نتحدث عن وحدة الكرد، وإن وصلنا إلى مرحلة تتطلب وحدة الكرد من كل النواحي المادية والمعنوية، فكل هذا تم بفضل هؤلاء الشهداء الذين قدموا أرواحهم لتحقيق هذه النتائج. فلولا هذه التضحيات لما انحصر تقسيم وتجزئة الكرد بين أربع دول فقط، إنما كان سيتم تقسيم الكرد وفق اللهجة والمنطقة والمذهب والمصلحة العائلية، وكانوا سيتجهون نحو الزوال. ولكن هؤلاء الشهداء بإصرارهم على نهج الحرية استطاعوا وساهموا في توحيد الكرد مرة أخرى، ودفعوهم ليعيشوا ويناضلو بشكل موحد مع بعضهم. وهذا يعبر عن قيمة عظيمة جداً ينبغي ألا ينساها أي فرد أو شخص كردي. والكرد الذين لا يعرفون هذه الحقيقة يحيون حالة من الغفلة تعتبر أخطر من الخيانة كما قال القائد آبو: «يمكن إيجاد حل للخيانة، أي يمكن للخائن أن يتراجع عن خيانته ويستقيم، ولكن الغافل حتى وإن حاول الاستقامة لا يمكنه التحرر من الآثار العميقة للغفلة والوصول إلى جوهره الحقيقي » لهذا السبب ينبغي على الكرد الإحساس بقيمة ومعنى الشهيد والشهادة في كل مراحل حياتهم، فالطريقة التي وضعها الرفيق حقي قرار هي الطريقة نفسها أو الأسلوب نفسه الذي اتبعه الآلاف من الشهداء في جنوب كردستان كالرفيق دكتور سيروان والشيهدة فيان والمئات الآخرين الذين استمروا عليه، وهو الأسلوب نفسه الذي ضحى الآلاف من الشهداء بأرواحهم في باكوري كردستان من أجله، وهو الأسلوب نفسه الذي مثله الآلاف من الشهداء في روج آفا والمناضلين الذين استمروا في ثورتهم إلى يومنا الراهن على الرغم من كل العوائق التي تعيق مسيرة هذه الثورة المستندة إلى الفكر الحر. وهو النهج نفسه الذي سار عليه المئات من الشهداء في شرق كردستان. ففي شرق كردستان كان العدو يعتقد بأنه يستطيع خنق الكرد هناك بأساليبه اللينة المستندة إلى حيل وخدع النظام الإيراني والممتدة إلى آلاف الأعوام، واعتقد بأنه تمكن من إسكات الكرد بطريقته هذه، ولكن عند وصول هذه الأحاسيس إلى تلك المنطقة تبناها الآلاف من أبنائها أمثال فرزات كمنكر والعشرات من الذين حُكم عليهم بالإعدام ولم يقم أحد منهم بالاستسلام. لماذا؟ لأنهم احتضنوا روح الرفيق حقي قرار وروح الشهادة التي ولدت في كردستان، وقاموا بتعظيمها يوماً بعد يوم حتى شملت جميع مناطق كردستان. فاكتساب روح الشهادة في كردستان معناها الحياتي ساهم في تغيير وضع الكرد. فالشهادة في كردستان وفي نهج الحركة الآبوجية صاحبة أوجه إنسانية لا تستند إلى القوموية ولا تتخذها أساساً لها، فكون الشهيد الأول في كردستان «الرفيق حقي قرار » من قومية أخرى، وكون الرفاق المقربين منه أمثال «كمال بير » أصحاب الفكر نفسه دليل على أن هذه الحركة لها طابع إنساني ولا يطغى عليها الطابع القومي. استطاعت عملية الشهادة في كردستان ومنذ البداية أن تتحول إلى أرضية لحياة جميع الشعوب، ولهذا السبب كانت منتصرة وناجحة منذ البداية. فهي منتصرة منذ البداية أي منذ ثلاثين عاماً وهي منتصرة في يومنا الراهن ويتم الإيمان والوثوق بها حيث أننا نرى في يومنا الراهن العديد من المكاسب السياسية والعسكرية العظيمة التي قامت بخلقها أو تحقيقها. في الأيام الأولى لم يكن هناك مثل هذه المكاسب وعلى الرغم من ذلك كانت ثقة الشعب بها كبيرة وساروا في هذا النهج لماذا؟ لأنه كان منتصراً في روحه، أي أن النصر لم يتم تحقيقه الآن إنما تم تحقيقه في المرحلة التي وضع فيها أساس هذا النهج بشكل صحيح، وسار الشهداء على هذا النهج وأحيوا الشهادة بشكل صحيح. في تلك المرحلة استطاع هؤلاء الأشخاص أن يخلقوا حياة مستندة إلى الأخوة والمساواة والمقاييس التي تتخذ من جميع الأفكار الإنسانية والدينية أساساً له. أي أنهم قضوا على الفوارق بين الجنسين، حيث أن الفكرة الدينية تستند إلى الشيء نفسه « إنا خلقناكم من ذكر وأنثى » كما قضوا على الفوارق بين القوميات حيث أن الفكرة الدينية تشير أيضاً إلى الشيء نفسه «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا » واتخذوا فقط فكرة «إن الذي يسير في المسار الصحيح هو المنتصر والناجح » أساساً، حيث تشير الفكرة الدينية أيضاً إلى الشيء نفسه «إن أكرمكم عند الله أتقاكم » أي أن جميع المكاسب الإنسانية تحتوي على الأفكار الأخرى لهذا السبب كانت تضم عظمة كبيرة، لذلك نقول بأنها انتصرت ونجحت منذ ولادتها.
استناداً إلى هذا يمكننا القول إن الشهادة في كردستان هي عملية إنشاء وخلق الحياة الصحيحة، وهذه هي الحقيقة، نعم ربما لم ينتشر ويتوسع صدى صوتها بالشكل المطلوب ولم تسعَ لفرض حاكميتها أي لم يقم هذا النهج بفرض حاكميته على الإنسان والتحول إلى سلطة جديدة، ولكنه يعبر عن حقيقة يقبلها الجميع من تلقاء أنفسهم، حيث أنه يقال الحقيقة تستند إلى نوع من التواضع، فالنهج المستند إلى التواضع هو النهج الذي يتم تقبله بالروح والفؤاد من قبل الجميع في يومنا الراهن، كالأفكار الإنسانية التي ظهرت على مر التاريخ. وهذه الحقيقة العائدة للحياة الصحيحة تقوم بخلق كل شيء في الحياة، لأن الحقيقة كما يقول القائد آبو « الحقيقة هي الشيء الجيد والجميل والصحيح والحر » وهذه الحقيقة تشكلت من خلال الاستناد إلى تلك الشهادة، لهذا السبب مهما تم وصف عملية الشهادة في كردستان يبقى الوصف ناقصاً، فكل الجمال الذي يمكننا أن نحصل عليه ونتمسك به خُلق بالاستناد إلى تلك الشهادة وبإصرار هؤلاء الشهداء. لهذا السبب فإن الحديث عنها والسير على نهجها يحوز على أهمية بالغة. وفي يومنا الراهن نرى في كردستان وبشكل خاص في روج آفا كيف تحول الشهداء والشهادة إلى حبل الله يعتصم به الجميع ولا يتفرقوا. كما ورد في إحدى الآيات القرآنية « واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا » حيث تحول الشهداء في روج آفا إلى ذلك الحبل، يقوم الجميع بالاعتصام بالشهداء مقابل كل الأخطاء التي تتم، ويتوحدون مرة أخرى بهذا الشكل، أي أن الشهداء يوحدونهم مع بعضهم، لهذا السبب فإن العمود الفقري لحياة كردستان من الناحية المادية والمعنوية هم الشهداء، هذه هي الحقيقة التي تتم معايشتها. وفي هذا الإطار التصرف الصحيح هو أن يدرك الكل معناه ويسعى إلى تنظيم نفسه على أساسه بخوض صراع داخلي مع الذات والالتفاف حول الشهداء، وعدم السماح بتعريف معنى الشهيد والشهادة بمعاني تختلف عن المعاني التي كان يراد تعريفها بها، وألا يسمح بأن تخرج حياته من الإطار الذي حدده الشهداء. بهذا الشكل فقط يمكننا أن نصبح رفاق دربهم، ومن دون ذلك سوف نكون رفاق أولئك الأشخاص الماديين الذين ينتهون بموتهم. إن توحدنا مع الشهداء وسرنا على دربهم حينها نكون من رفاق الخالدين، أي أنه بهذا الشكل فقط يمكن الوصول إلى الأبدية التي طالما بحث الإنسان عنها وسعى للوصل إليها. تم إثبات أن المادة تطرأ عليها تغييرات لهذا السبب من المستحيل أن نكون أبديين من الناحية الجسدية، فالموت سيكون موجوداً من الناحية الجسدية على الدوام، أي أنه في يوم من الأيام ستنتهي الحياة المادية وعلى إثر ذلك سيتحول أو يتبدل جسدنا إلى شيء آخر، ولكن عندما نتخذ من الحياة المعنوية أساساً لنا كما فعل الشهداء حينها تكون الأبدية المطلقة من نصيبنا أيضاً. إن تم النظر إلى الحياة بهذه النظرة العظيمة، وإن تم النظر إليها بنظرة فلسفية، حينها يمكننا القول بأننا وصلنا إلى مرحلة ذات معنى للحياة الإنسانية، وحينها يمكننا بكل فخر النظر إلى لوحات أو صور هؤلاء الشهداء ونقول لهم إننا إلى جانبكم ونسير على دربكم وكم نحن فخورون لأننا رفاقكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى