من هو المرتد؟ وما حكمه؟

من هو المرتد؟ وما حكمه؟

مجيد أبو رقية

«أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون » صدق الله العظيم انطلاقاً من هدي القرآن وفي ضوء هذه الآية نرغب في تقديم المفارقات الهائلة بين أحكام البشر، وحكم الله عز وجل من خلال ما ورد في كتابه العزيز. إن الله قد ضمن حرية المشيئة والاختيار في الاعتقاد ولكل الناس وفي كل الأزمنة وفي كل مكان يعيش فيه الإنسان في العالم.

قال سبحانه وتعالى: » وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » )سورة الكهف( والضمان من الله الذي هو «رب الناس « » إله الناس « » ملك الناس » « قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما أنا عليكم بوكيل » )سورة يونس( « كذب به قومك وهو الحق، قل لست عليكم بوكيل » )سورة الأنعام( « فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر » ) سورة الغاشية( « وما أنت عليهم بجبار، فذكر بالقرآن من يخاف الوعيد » )سورة ق( « ولو شاء ربك ما أشركوا، وما جعلناك عليهم حفيظاً، وما أنت عليهم بوكيل « » )سورة الأنعام( « قد جاءكم بصائر من ربكم، فمن أبصر فلنفسه، ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ » )سورة الأنعام( « ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم، وإن يشأ يعذبكم، وما أرسلناك عليهم وكيلاً » ) سورة الإسراء( « والذين اتخذوا من دونه أولياء، الله حفيظ عليهم، وما أنت عليهم بوكيل » ) سورة الشورى( « أرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلاً » )سورة الفرقان( تأمل هذه الآيات الكريمة في مخاطبة الله تعالى لرسوله الكريم في ضمان حرية الاختيار.. فمن اهتدى اهتدى لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولست عليهم بمسيطر ولا وكيلا ولا حفيظاً وإنه هو العلي القدير صاحب الشأن الإلهي لو شاء لجعلهم مؤمنين وما أشركوا به، وإنه هو العالم بخلقه إن شاء عذبهم وإن شاء برأهم من العذاب.

وفي حكمه سبحانه وتعالى لا يجوز قتال الناس لعدم إيمانهم، بل كان قتل المسلمين لأعدائهم فقط في حالة الدفاع عن النفس عملاً بالأمر الإلهي الذي بينه القرآن الكريم:

« وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين » )سورة البقرة( « طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى، الرحمن على العرش استوى » )سورة طه( هنا نستطيع القول: إن القرآن كما صرح الله سبحانه وتعالى تذكرة لمن يخشى الله ويقبل الإيمان والاعتقاد، ولم يحض أبداً على حمل السيف وقطع رقاب الناس عنوة حتى يؤمنوا.

« ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين » )سورة يونس( انظر إلى سعة رحمة الله بعباده ومحبته لخلقه أجمعين، وتحذيره لرسوله أن الخلق محكومون بمشيئة الله، وإياك أن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين بل فرض عليه محبة الناس بغض النظر عن إيمانهم أو ضلالهم.

«قل الله أعبد مخلصاً له ديني، فاعبدوا ما شئتم من دونه » ) سورة الزمر( «لكم دينكم، ولي ديني » ) سورة الكافرون( إلا أن جهل الناس من جهة وتفوق عنصر المصلحة والحقد من جهة أخرى و تنامي ظاهرة التطرف والتشدد بعمل مقصود من بعض فرقاء رجال الدين وتقربهم من البلاطات وخدمة الملوك الأفاقين والخمريين والسكيرين والمسافحين… جعلوهم يفترون ويدعون ويتناولون أهم العلماء وأشرفهم وأكثرهم إيماناً عبر التاريخ بالارتداد والهرطقة أحياناً والتجديف والغرابة والكفر أحياناً أخرى والأمثلة هنا كثيرة جداً.

إذا تناولنا الموضوع من بداياته الأولى منذ آدم عليه السلام و ولديه قابيل وهابيل وحتى هذه اللحظة التي نعايشها من اتهامات التكفيريين والداعشيين وألوية الحق والإخوان المسلمين، أحفاد الرسول وأنصار الدين… سيتوضح الهول الذي عاشته البشرية عبر تواريخ الدين.

ألم يخالف آدم أمر ربه؟… فأكل من الشجرة المحظورة.. لماذا لم يتناوله الله قتلاً وسحقاً؟.. بل طرده من الجنة فقط إلى شقاء الدنيا، هكذا تقول القصة القرآنية.

ألم يخالف إبليس أمر ربه عندما أبى واستكبر ولم يسجد لآدم؟ لماذا لم يقتله الله عز وجل وكان بمقدوره ويسيراً عليه أن يغوي الخلق ويحملهم على مخالفة خالقهم، ولكن الله اكتفى بلعنه وطرده من الجنة. وكلنا يعلم بمحاكمة عقلية بسيطة أن الله سابق العلم بكل ما جرى وما سيجري، وكان يعلم ماذا سيحصل، وأن آدم سيأكل من الشجرة وأن إبليس سيرفض السجود ولكن هكذا كانت مشيئته، صحيح أن هؤلاء خالفوا أمره ولكنهم استجابوا لمشيئته، والمشيئة أقوى من الأمر. ونعلم كذلك أن قابيل وهابيل اعتدى أحدهما على أخيه لأنه وجد فيه ما يعارض تفكيره أو قناعاته أو حتى إيمانه أو طريقة عيشه بين المزارع و الرعي أو اختياره في الزواج…. «فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين » صدق الله العظيم كذلك قوم نوح وجدوا بينهم رجلاً مجرماً يخالف دينهم وآلهتهم فهو مرتد بنظرهم. «لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المجرمين » صدق الله العظيم

وقول أصحاب القرية للمرسلين بعد تكذيبهم، قالوا: » لئن لم تنتهوا لنرجمنكم و ليمسنكم منا عذاب أليم » وقول آزر والد ابراهيم الخليل عليه السلام «لئن لم تنته لأرجمنك » وقول قوم شعيب » لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا » وكان جواب النبي شعيب لقومه الذين اضطهدوه « أولو كنا كارهين

أي أننا لم نغصب أحدا ولم نقاتل شخصاً ليتبعنا، بل ندعوا إلى سبيل ربنا بالنصح فقط.

فرعون وهامان وقارون زعماء الدين في عهد موسى قالوا: «اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نسائهم » أصحاب الأخدود » والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود، قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السموات والأرض، والله على كل شيء شهيد »

أما في العصر الإسلامي وما أدراك ما العصر الإسلامي؟.. ففي القرن الأول الهجري:

قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال لقتلته: لو قتلتموني اليوم فتذكروا أن المؤمنين لن يتحدوا بعدها في صلاتهم ولا في جهادهم ضد أعدائهم حتى آخر الأيام.

ألم يكن قتله بسبب ادعاء قتلته بمخالفته العهود والمواثيق والخروج عن مألوف الحكم بالإسلام.

قتل علي بن أبي طالب وابنه الحسين باسم الردة، لأن الخوارج ادعوا أن الحكم لله ولا يحق لعلي القبول بالتحكيم فهو مرتد، أما الحسين فلأنه خرج على الحاكم » أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم » والخروج ارتداد حتى ولو كان حقاً.

في القرن الثاني الهجري : باسم الدين والردة والكفر قتل الجنيد- ومحمد الفقيه- الإمام مالك بن أنس- الإمام الشافعي- وأبو حنيفة بن النعمان سجن وسمم في السجن وحرقت جثته.

في القرن الثالث الهجري : رمي الإمام البخاري بالكفر وشهد على كفره) 3000 ( من العلماء ونفي إلى خارتانج فدعا على نفسه بالموت العاجل.

الإمام أحمد بن حنبل سُجن وقيد بالسلاسل وأُجبر على السير مشياً من طرسوس إلى بغداد تحت لفحة الشمس وضُرب بالسياط وهو صائم في رمضان لأنه أبى القول بأن القرآن مخلوق كسائر المخلوقات. ذي النون- سهل التستري- أحمد بن يحيى- أبو سعيد الخزار- الإمام النسائي- ابن الحنان- أبو العباس بن العطا- أبو محسن النوري- عُذّبوا وسُجنوا ونُصح الملك بإعدامهم حتى لا يشيعوا الكفر بين الناس، ولما أوقفوهم أمام السياف لقطع رؤوسهم بادر النوري قائلاً: أنا أؤمن بالتضحية بالنفس، وخدمة بني الإنسان لذلك فإنني ألتمس من الملك أن يضرب عنقي أولاً كي ينال رفاقي لحظات أطول من هذه الدنيا لا تعيدها ألف سنة من الآخرة. عندئذ أوقف الملك تنفيذ الحكم وأمر القاضي أن يعيد النظر في قضاياهم، ويرفع الأمر إليه فقال القاضي: هؤلاء الأجلاء هم أصدق إيماناً بتوحيد الله من أي واحد عرفته، فأطلق الملك سراحهم. في القرن الخامس الهجري: حجة الإسلام الإمام الغزالي، اتُّهم بالكفر و الإلحاد و الارتداد، و أن كتبه مخالفة للسلف، و أحرقت جميعها و أُمر بقطع أعناق مريديه.

الإمام ابن حزم الأندلسي اتُّهم بالكفر عندما كشف بالأدلة القرآنية أخطاء علماء زمانه فنفي إلى أحراش لابالا في أسبانيا و مات هناك.

في القرن السادس الهجري: الشيخ عبد القادر الجيلاني صار سلطان الصوفية و امتد تأثيره الروحي و لا يزال، اتُّهم بالارتداد و الخروج عن الدين.

– الشيخ العالم أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي، سانده مائتان من المؤيدين لإيذاء عبد القادر الجيلاني العارف الجليل.

– الشيخ محي الدين العربي الأندلسي العظيم، كان يدعو الله «اللهم أدخلني في محيط أحديتك اللانهائي »، أعلن رجال دين عصره أنه كافر فاسق و أطلقوا عليه اسم المرتد الأعظم.

– شيخ الأشراف شهاب الدين السهروري، اتُّهم بالكفر و الارتداد و سُجن ثم خُنق حتى الموت.

– فريد الدين العطاء، و شهيب حسن المغربي اضطهدا على أيدي علماء زمانهم في القرن السادس عشر.

في القرن السابع الهجري: الشيخ أبو الحسن الشاذلي – و عز الدين بن عبد السلام أقطاب صوفية معروفة رماهما علماء زمانهم بالتجديف.

نظام الدين سلطان الأولياء المشهورين في الهند، رُمي و شجب لسماعه الموسيقى و قدم لهم الدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم قد استمع إلى الموسيقى، و لكن ذلك لم يكن كافياً لدى المفتي الحنفي المذهب الذي أصّر على دليل يثبت أن الإمام أبا حنيفة استمع إلى الموسيقى.

الإمام ابن تيمية، لاقى الكثير من الاضطهاد و سُجن في مصر و عُذب حتى مات في السجن، وسامح الوزير و السلطان و الناس لأنهم لم يعرفوا الحقيقة في تقديره. التبريزي، كان ولياً كريماً في عصره، سلخوا جلده حياً لأنه قال: الغناء ليس حراماً.

جلال الدين الرومي، صاحب الطريقة المولوية صاحب « المثنوي » وهو فن شعري في الأدب الفارسي، نال حظاً كافياً من التكفير.

في القرن الثامن الهجري: الإمام ابن القيم، سُجن و عُذب و حُرق و اتُّهم بالهرطقة لأنه لم يسوِّ بين زيارة قبر النبي ابراهيم و زيارة الكعبة و المسجد النبوي.

تاج الدين السبكي، هوجم و اضطهد من رجال عصره.

في القرن التاسع الهجري: الشيخ عبد الرحمن جامي الولي المعروف – و محمد الجونبوري مؤسس الصوفية المهدوية، رُميا بالكفر و الإلحاد.

الشيخ علائي، شيخ الحركة المهدوية في البنغال، قرر العلماء ضرب عنقه.

في القرن العاشر الهجري: قُتل الشيخ أحمد البيهاري في دلهي، بتهمة كتاباته التجديفية ) مرتد(، قُذف أبو يزيد البسطامي بالخروج و الفسق.

في القرن الحادي عشر الهجري: اتُّهم الحكيم علي الثاني من علماء الهند بالهرطقة أمام المحكمة الإمبراطورية و نجا من عقوبة القتل و سُجن لأنه أراد أن يقوّم الاعوجاج الصوفي الأرمني سرمد الذي دخل الإسلام و ذهب إلى الهند و حُكم عليه بضرب عنقه أمام المسجد الجامع في دلهي، و قرأ هذه السطور عندما تقدم الجلاد شاهراً سيفه « أيقظتنا ضجة من سبات العدم، ففتحنا العيون، و إذا بليل المحن لم ينجلِ بعد، فعدنا إلى النوم .»

في القرن الثاني عشر الهجري: اتُّهم الشيخ معصوم علي شاه مير من دكا جنوب الهند بالخروج و الفسق واغتيل و قُطعت آذان و أنوف مريديه و حُلقت لحاهم.

تعرض الشيخ شاه ولي الله الدهلوي ،الذي ترجم القرآن إلى الفارسية، للاغتيال و نجاه الله تعالى بعد صلاة العصر.

في القرن الثالث عشر الهجري: نُفي الشيخ عبد الله الغزنوي الأفغاني من بلده و حين عودته في زمن الأمير الثاني أذلوه و سجنوه حتى مات.

الشيخ محمد قاسم النانوتي، كان قائداً إسلامياً محبوباً، ومؤسس معهد ديوباند في الهند للدراسات الإسلامية و مناظرا شديد الحجة أمام هجمات الديانات الأخرى، اتُّهم بالكفر والردة من اثني عشر عالماً من مكة و اثنين و ثلاثين من المدينة لقوله بأن بعث نبي جديد تابع لمحمد صلى الله عليه و سلم دون شرع جديد لا يبطل مقام النبي الأكرم بوصفه خاتم الأنبياء و المرسلين، و دليله في ذلك المسيح الموعود الذي ذكره محمد صلى الله عليه و سلم. في القرن الرابع عشر الهجري: منصور الحلاج في نشوة تأملاته يجد نفسه أحياناً مستغرقاً في الله فيصبح أنا الحق، جعله علماء عصره في وقته غريباً متحجراً و انقضوا عليه و اعتقلوه و سجنوه و جلدوه و قطعوا أطرافه ثم صلبوه، و قبل صلبه وقف يصلي و قال: هؤلاء عبيدك الذين اجتمعوا متعطشين لقتلي من أجل دينك، و ابتغاء لمرضاتك، فاغفر لهم يا رب و ارحمهم، لأنك لو كشفت لهم ما كشفت لي ما فعلوا ما هم فاعلون، و لو أنك سترت عني ما سترت عنهم، ما قاسيت هذا البلاء، تباركت فيما تفعل، و تباركت فيما تشاء.

بهذا الدعاء المؤمن الصادق الصادر من قلب رجل رأى الله فآمن به و تصدع بما رأى و آمن، بأي حق يتصرف هؤلاء الذين كانوا ينصبون أنفسهم وكلاء عن الآلهة لمعاقبة الناس و المؤمنين؟ من فوضهم ليصلبوا العلماء و يقطعوا أطرافهم؟ فهل كانت الرسالة تخصهم فقط؟ أم أن محمدا كان رسول الناس أجمعين .

قال سبحانه و تعالى « و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » و من قال إن محمداً صلى الله عليه و سلم كان يُكره الناس على الإيمان قطعاً لا، لأن الله لا يأمره أصلاً بذلك، و استجابة لرسالة ربه لم يجازف بما كان يفعله الناس و المسلمون من بعده.

قال تعالى » لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .»

« إنّ هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( » سورة الإنسان( « و قل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر » ) سورة الكهف( و لسوء ما جازف به العلماء في مسألة العقيدة و ما وصفوا به الرسول حسب تقديرهم السيء لخدمة أمراء المؤمنين و تبرير أفعالهم و فسقهم، ألحقوا إساءات كبيرة بسمعة الإسلام كدين و رسالة سامية حتى أوصلوه إلى مرحلة المرادف الآخر للإرهاب.

تأمل هذا النقد من الناقد الديني جيانداويف شارما شاشتري، الذي ألقى خطبة عام 1928 حيث قال : إن هؤلاء النقاد عُمي لا يبصرون، إنهم عاجزون عن إدراك حقيقة أن السيف الوحيد الذي أشهره محمد كان سيف الرحمة والتعاطف و الصداقة و العفو، السيف الذي كسب محبة الأعداء و طهر قلوبهم، لقد كان سيف محمد أقطع حدا من السيوف الفولاذية…. و هذا الناقد غير مسلم، لنقارن قوله بقول الشيخ أبو علي المودودي » عندما فشلت كل وسيلة للإقناع، و لمدة تزيد على ثلاث عشرة سنة من التبشير، لجأ رسول الله إلى السيف، ذلك السيف الذي أزال الشر و الأذى كما أزال نجاسات القلب و قذارات الروح، السيف الذي فعل المزيد، فلقد أزال العمى عن العيون فجعل الناس يبصرون نور الحقيقة، كذلك شفاهم من تكبرهم و غطرستهم التي تمنعهم من قبول الحق، الرقاب المتصلبة، و الرؤوس المرفوعة بالتكبر انحنت للسيف بإذلال.

قال المستشرق المسيحي ستاندبول في كتابه « مختارات من القرآن و الحديث »، إن يوم أعظم نصر لمحمد على أعدائه كان أيضاً أعظم نصر له على ذاته، فلقد عفا بطواعية نفس عن قريش، و غفر لعتاتها جميع سنين الألم و القسوة والاحتقار التي أنزلوها عليه و أعطى الأمان لجميع سكان مكة.

قال تعالى » لا تثريب عليكم، اليوم يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين » ) يوم فتح مكة(. و قال الرسول: ماذا تروني فاعلاً بكم؟ قالوا: أخ كريم، و ابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. المودودي أظهر محمدا بأنه نبي السيف و أن دينه دين السيف، و لكن التاريخ يشهد بأنه كان نبي الرحمة ورسول السلام مصداقاً لقوله تعالى » و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .»

فيما تقدم لم نر من الآيات في الكتاب الكريم أي تلميح لقتل المرتد أو حتى تصريح إلهي أو بيان قرآني، و في حين وروده كان مكتسباً درجة الحدود القرآنية كالزنى و السرقة…….الخ.

قال تعالى: و من يرتد منكم عن دينه، فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. ) سورة البقرة(. « إن الذين آمنوا ثم كفروا، ثم آمنوا ثم كفروا، ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم و لا يهديهم سبيلا » )سورة النساء(. «إن الذين ارتدوا عن أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، الشيطان سول لهم و أملى لهم .» « يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، و لا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم ». )سورة النمل(. « و من كفر بالله بعد إيمانه، إلا من أكره و قلبه مطمئن، و لكن من شرع بالكفر صدراً فعليهم غضب الله و لهم عذاب عظيم ». ) سورة النمل(. « و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه، فلن يضر الله شيئاً، و سيجزي الله الشاكرين .» )سورة آل عمران(. « و قالت طائفة من أهل الكتاب، آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار و اكفروا آخره، لعلهم يرجعون ». ) سورة آل عمران(. لو تمعنَا في أحكام ما ورد في القرآن صراحة مثل الجزاء في الحكم بقطع يد السارق أو السارقة مثلاً قوله تعالى: » و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء مما كسبا نكالاً من الله » ) سورة المائدة(. حكم الزاني أو الزانية، قال تعالى: » و الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحدا منهما مئة جلدة » )سورة النور(.

بيانات إلهية تقر حدود الله في أحكامه قطعاً لا التباس فيها، و تأكيداً و تعزيزاً لما سبق إليكم خطبة الرسول عندما تشفع زيد للمرأة المخزومية عندما سرقت و قد شاط غضباً شديداً على زيد و قال أتشفع في حدٍ من حدود الله….!

و صعد المنبر و قال: يا أيها الناس إنما ضلَ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ». رواه البخاري.

أما في حكم المرتد، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يقتل المرتد إلا إذا كان محارباً…. أو قاتلاً….. أو مفسدا في الأرض.

و قال: إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه. ) أبو داوود و الترمذي و ابن ماجد(. متى يكون المسلم مرتدا؟ً….

-1 إنكار ما عَلم من الدين بالضرورة، مثل إنكار وحدانية الله، و خلقه للعالم، و إنكار وجود الملائكة، و إنكار نبوة محمد، و إنكار أن القرآن وحي الله، و إنكار البعث و الجزاء و إنكار فريضة الصلاة و الزكاة والصيام و الحج.

-2 استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر و الزنى و الربا و أكل الخنزير و استحلال دماء المعصومين و أموالهم.

-3 سب النبي و الاستهزاء به، و كذا سب أي نبي من أنبياء الله تعالى.

-4 تحريم ما أجمع المسلمون على حله، كتحريم الطيبات.

-5 سب الدين و الطعن بالكتاب و السنة، و ترك الحكم بهما و تفضيل القوانين الوضعية عليها.

-6 ادعاء فرد من الأفراد بأن الوحي ينزل عليه.

-7 إلقاء المصحف في القاذورات، و كذا كتب الحديث الشريف استهانة بها و استخفافاً بما جاء فيها.

-8 الاستخفاف باسم من أسماء الله الحسنى أو أمر من أوامره أو نهي من نواهيه أو وعد من وعوده إلا أن يكون حديث العهد بالإسلام و لا يعرف أحكامه و لا يعلم حدوده.

و الآن و بعد بيان ما ورد في القرآن و ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أستشهد بقوله تعالى: » كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم و شهدوا أن الرسول حق و جاءهم البينات، و الله لا يهدي القوم الظالمين، أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين » ) سورة آل عمران( و لم يقل سبحانه و تعالى قتلهم أو رجمهم أو قطع أيديهم أو صلبهم و لكنه اكتفى بهم إلى يوم يبعثون و أنه لا يهدي القوم الظالمين.

« تلك آيات الله نتلوها عليه بالحق فبأي حديث بعد الله و آياته يؤمنون » صدق الله العظيم، و في حديث الرسول صلى الله عليه و سلم: » يوشك أن يأتي زمان على الناس و لا يبقى من الإسلام و من القرآن إلا رسمه ومساجدهم عامرة و هي خراب من الهدى، علماؤهم شر تحت أديم السماء، منهم تخرج الفتنة و فيهم تعود .» )مشكاة المصابيح كتاب العلم(.

صدق الرسول الأعظم محمد و كأنه يقول لا يبقى من الإسلام إلا داعشه و من القرآن إلا من يقرؤونه ويدعون به و مساجد عامرة محولة إلى أوكار تجتمع فيها فصائل الإرهاب و السلاح الموبوء، و رجالهم أشباه العلماء و هم أشرار يعتدون على أحكام الله و القرآن و يقودون الفتنة و الشر و القتل و الخراب و لا يتعظون بحديث الله و آياته و لا يؤمنون.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى