شروح من الفلسفة الأوجلانية

شروح من الفلسفة الأوجلانية

التطورات الجارية منذ سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي وحتى الهيمنة شبه التامة للإمبريالية على مساحات واسعة من المجتمع تبدو وللوهلة الأولى تأكيداً على أن النظرية الماركسية بمختلف فروعها غير صالحة للاقتداء بها- على الأقل  لقيادة المجتمع أو أنها ليست السبيل الأمثل لفهم التطورات الحاصلة في بنية المجتمعات.

لا نحاول تقديم بحث تاريخي عن الظروف السابقة لولادة الماركسية ولا البحث في النظرية ولا في فروع المعرفة الإنسانية ولكن لتقديم صورة واضحة عن أي قضية لابد لنا أن نرجع بضع خطوات إلى الوراء ومن ثم التقدم خطوة خطوة منها لتبدو الصورة واضحة لدى الغوص في مختلف جوانبها فيما بعد، على هذا الأساس نجيز لأنفسنا الحق في تبيان المصادر الثلاثة للماركسية ما هي هذه المصادر؟ وما هي فروع هذا النهر؟ وأين توقف كل منها؟ وهل هناك في أعتاب الألفية الثالثة مفكرين يرشدون البشرية إلى الطريق الصحيح ويتبعون المصادر الثلاثة للماركسية وإذ نشير إلى الطريق الصحيح في مصادر النظرية الماركسية فهذا دليل واضح في أنه لدينا إيمان مطلق بأن الماركسية هي الطريق الصحيح رغم ما أصابها من تشوهات على يد الأصدقاء والأعداء، هل لدينا الآن ممثلون لذلك الطريق الذي لابد للبشرية من السير عليه للوصول إلى بر الأمان ؟

لا نبحث في جدال الأعداء هذا ليس مجال بحثنا، ذلك أمر انتهى من تاريخ الفلسفة ونعني بها الصراع المرير بين المثالية والمادية، ولكن الأصدقاء الذين كانوا على سبيل المثال أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي السابق كيف ساهموا في تخريب النظرية ووقفوا في صف الأعداء بل أصبحوا أعداء للبشرية التي كانت ترى خلاصها فيهم أين هم الآن من كانوا يمثلون النظرية؟، على أي حال لنعود إلى بحثنا الأساسي…! إن مصادر الماركسية هي الفلسفة الاقتصادية والاشتراكية كما هو معروف فإنه خلال سير التطور التاريخي وخاصة في النصف الثاني من القرن الماضي، يبدو وكأن عقماً بل انسدادا قد أصاب تلك المصادر.

أن الأهمية الحقيقية والطابع الثوري للماركسية يقومان بالضبط في أن الماركسية قد حولت الاشتراكية من طوباوية إلى علم وذلك عندما أكمل ما قام به العالم ريكاردو باكتشافه سر التراكم الرأسمالي والذي يجعل الرأسمالي أكثر ثروة وهذا السر هو قانون القيمة الزائدة كما هو معروف فأن كافة العلاقات الرياضية والاكتشافات العلمية تكون صالحة الاستعمال في كل وقت وحين بل وتصبح أرضية قوية لمواصلة السير العظيم لبناء صرح الحضارة الإنسانية الذي يجب أن تصعد إلى الأعلى دائماً في سلم المعرفة. أما الفلسفة التي طورتها الماركسية بدءاً من هيغل الذي قدمها على أن العالم بكل ما فيها هي على شكل عملية في حالة مستمرة من التطور والتحول.

دون أن يفلح في كشف الترابط الداخلي لهذه الحركة والذي كان من نصيب الماركسية التي تدل على أن المبادئ لا تستخلص من التفكير بل من الطبيعة والعالم الخارجي وأنها لا تكون صحيحة إلا بقدر ما تتطابق مع الطبيعة والوجود بشكل عام، وبالتالي لا يمكن بناء العالم الواقعي من الأفكار أو من المتحولات الموجودة منذ القدم.

وبناءً عليه فإن الاكتشافات العلمية آنذاك كاكتشاف الذرة وقوانين تحول الطاقة وعلم الأجنة ومختلف الاكتشافات الخاصة بالعلوم الطبيعة قد أثبتت أن التطور الديالكتيكي قد توسم الأمور بطابعها حتى في قوانين تطور المجتمع والذي يفرض على القديم أن يخلي مكانه للجديد إما طواعية أو بالقوة، فأن البروليتاريا قد دخلت إلى الساحة كقوة ثالثة من أجل السيطرة كما نوه أنجلز…..

أما بالنسبة للاقتصاد السياسي والذي يعني علم قوانين إدارة الإنتاج وتبادل الخيرات المادية في المجتمع أن إدارة الإنتاج وتبادله تؤثران في بعضهما البعض ويتبين ذلك في رسم الخط البياني الاقتصادي والفوارق الطبقية تظهر مع الفوارق في التوزيع وبذلك ينقسم المجتمع إلى طبقات مسيطرة ذات امتيازات وأخرى محرومة ولكي تبقى الأمور لصالح الطبقات السائدة في كل وقت قدر الإمكان أوجدت أدارة تحكم بموجبها على المضطهدين وهذه الأداة هي الدولة.

إن مهمة علم الاقتصاد تتلخص في البرهنة على أن عيوب النظام الاجتماعي التي تظهر ناتجة عن أسلوب الإنتاج القائم هذا أولاً أما ثانياً فأن علم الاقتصاد يكشف عناصر التنظيم الجديد داخل الشكل الاقتصادي المتفسخ وحالما يظهر الغبن والامتعاض في مجتمع ما فإن هذا يعني أن الأمور وصلت إلى حد لا يطاق وبذلك تبدأ العناصر الجديدة بالظهور وتتشابك الأمور مع بعضها ويعبر المستغلون عن سخطهم من النظام القائم وخاصة في عدم التوزيع العادل للإنتاج هكذا كانت الأمور في النظام الإقطاعي وهكذا صار في العهد البرجوازي وبالطبع الفضل يعود إلى ماركس في كشف تناقضات البرجوازية الأوروبية آنذاك أي منذ القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، باختصار هكذا كانت الأمور عشية ثورة أكتوبر 1917 م وتحققت نبوءة أنجلس فأن الطبقة التي دخلت على الخط من أجل السيطرة وأعني بها الطبقة العاملة ها قد سيطرت على أكبر بلد أوروبي وأفقرها آنذاك بقيادة لينين وبدأت عملية بناء الاشتراكية بعد لينين وكما سماها القائد عبد لله أوجلان بالاشتراكية المشيدة التي دامت زهاء سبعين سنة وسقطت كما تسقط أوراق الخريف ما هي الأسباب من وجهة النظر الفلسفية والاشتراكية والاقتصادية. هذا ما سنبحثه في الفصول القادمة…….

الفصل الأول كما نوهنا في المقدمة لا نحاول تقديم بحث تاريخي ذلك لسبب بسيط وهو أنه بإمكان أي كان قراءة ما يراه مناسباً وذلك عن طريق شبكة الانترنت أو أي جهاز كومبيوتر يحوي مثل هذه السرود ما نحاول القيام به هو الرجوع بضع خطوات إلى الوراء على صعيد النظرية لإعادة صياغتها لتلاءم الواقع وتحل محل النظرية التي كانت ثورية في بداية القرن السابق لذلك فإعادة كتابة ثورة أكتوبر عام 1917 م ممكنة دائما وذلك بقدر ما أن هذا التاريخ ليس محض أحداث تسرد ووقائع تسجل ومواقف تدان أو تبرر، على حد قول جورج طرابيشي في مقدمة كتابه » ماركسية تروتسكي » ولكن لتبيان مدى تطابق النظرية الماركسية على أرض الواقع على يد وريث ماركس العملي مهندس تطبيق الماركسية في روسيا ألا وهو لينين، وبرحيل لينين جرت مجموعة من الأحداث الدراماتيكية كانت ترجمة لجملة من القوى المتصارعة طبقات وأحزاب ورجال ظهرت على شكل تناقضات بين البروليتاريا والفلاحين وبين الحزب والطبقة بين الطليعة والجماهير وأخيراً بين النظرية والممارسة ومنذ أن رفعت القيادة السوفيتية آنذاك شعار «السلام العالمي » بنهاية الحرب الإمبريالية الثانية ظهرت الدولة السوفيتية القطب الآخر للتوازن العالمي بين المعسكرين الإمبريالي والاشتراكية المشيدة التي تقاسمت مع شريكتها أمريكا مناطق النفوذ في العالم ولتاريخ الثورة الكوبية وخلافات الثوار وخاصة تشي غيفارا مع الاشتراكية المشيدة باع طويل في ذلك لقد خان المعسكر الاشتراكي الكثير الكثير من الحركات التحررية هذا ليس سراً على أحد بعد الآن وأكثر الشعوب المقهورة التي تعرضت للغبن والنسيان والإحباط كان الشعب الكردي وخاصة في عام 1975 م عندما أدار حلف وارسو ظهره للحركة الكردية في العراق آنذاك وقبلها لجمهورية مهاباد ومن ثم لحركات التمرد في تركيا والطريف في الأمر أن الأحزاب الشيوعية العالمية المعترف بها من قبل الاتحاد السوفيتي قد أصبحت تلعب دور راسبوتين في تقسيمات الحركة الشعبية في العالم وبالتالي ساهمت في قمعها كالثورة البوليفية وغيرها…… وهكذا كان القائد عبد لله أوجلان الوحيد الذي قام بنقد المعسكر السوفيتي والذي أطلق عليها أسم الاشتراكية المشيدة وذلك في كتابه الصادر عام 1988 م باسم الاشتراكية المشيدة وقضايا الاشتراكية الراهنة في وقت كان فيه مجرد النقد ولو ببضع كلمات للاتحاد السوفيتي جريمة لا تغتفر ويصدر بحقه صك الحرمان ولكن هذه الإجراءات لم يمنع فيلسوف بمستوى القائد أوجلان من مواصلة النقد إلى أن ثبتت وجهة نظره أخيراً. وفي الحقيقة فأن هذا الفيلسوف الذي ظهرت آراءه من سجنه لم يكن متفرغاً كفاية ليقوم بالتحليل الخلاق للقضايا الراهنة للماركسية عامة بسبب انشغاله بقيادة الثورة المسلحة في شمال كردستان، ولكن على أية حال فأنه أعطى ثمرة مجهوده شبه كاملة ليس فقط في النظرية الماركسية بل وفي الإمبريالية على حد سواء.

إصداراته التي يسميها مرافعات. قد قام القائد أوجلان بطرح الماركسية أرضاً ليس بسلاح النقد بل كشيء غير قابل للاستعمال تماماً كما فعل فور باخ بصاحبه هيغل يظهر التباين واضحاً في موقفيهما من مختلف القضايا من خلال أن ماركس يصف الموجود بما هو موجود وأوجلان يصف الوجود كما يجب أن يكون عليه، أن ماركس وأنجلس وصفا مختلف القضايا الفلسفية والاقتصادية والسياسية والاشتراكية بشكل خلاق ودقيق ومتواتر أي من منظور ديالكتيكي صحيح ولكنهما أيضاً وقعا ضحية نهجهما الذي رسماه ووضعا له نهاية ألا وهي دكتاتورية البروليتاريا.

ووفرا لها من المنظور التصوري كل دعائم القوة على اعتبار أن دكتاتورية البروليتاريا تعني نهاية سعيدة للبشرية جمعاء وذلك من خلال الاشتراكية والديمقراطية أولاً ومن ثم إرساء دعائم النظام الشيوعي تحت شعار »الكل بحسب عمله ولكل حسب حاجته » وبذلك يكون قد تم تحقيق العدالة الأبدية ويتم الوصول إلى الحقيقة المطلقة التي لطالما حارباها لدى الفيلسوف هيغل. يدرك المتتبع لتاريخ الثورات البرجوازية الأوروبية أن هؤلاء الذين حاربوا النظام الإقطاعي آنذاك وأعني بهم البرجوازية الأوروبية قد نادوا بضرورة إرساء مملكة العقل والعدالة الأبدية والمساواة أمام القانون، وبذلك أصبحوا طلائع كافة الشرائح الذين كانوا يعانون من جور وتعسف النظام الإقطاعي بمن فيهم العمال والفلاحين أي أصبحت البرجوازية تعمل بالنيابة عن العمال ومختلف الشرائح الأخرى أبان الثورة ولكن كما هو معروف تبين زيف ورياء البرجوازية بعد تسلمها السلطة في فرنسا وألمانيا وانكلترا وأصبح الوضع لا يطاق من جديد وهكذا. من مآثر أوجلان الأساسية هي تجاوز الماركسية فتتركز في أنه » رفع الطاقية وكشف المستور « كما قال، عندما أعلن أن لا أحد يشك بصدق ثورية لينين لكنه مع الأسف وقع في فخاخ السلطة. وكدح خلال تسع سنوات في السجن الانفرادي وحتى الآن، وعمل على تبيان ماهية السلطة التي تجعل من أعظم الثوار أكثر البشر دمويةً وجشعاً وتسلطاً أنها » السلطة » وأسهب في شرح ماهيتها وهرميتها من العهد السومري إلى الآن مبيناً الأطوار التي تحولت بها والأسماء التي اتخذتها ولكن ماهيتها تبقى هي لا تتغير.

لكننا لا نحمّل دعاة دكتاتورية البروليتاريا )ماركس، أنجلس ولينين( وزد عدم بلوغهم مستوى هذا القرن » الألفية الثالثة » أقول مستوى هذا القرن بكل ما تحمله الكلمة من معنى أي من النواحي العلمية والقفزات الهائلة للبشرية في الاكتشافات العلمية التي توصلت إليها كانوا عباقرة زمانهم ولكن التاريخ تجاوزهم.

أن الاكتشافات الهائلة التي حدثت في مختلف مجالات العلوم كان لابد أن تلقي بظلالها على قضايا علم الاجتماع والقوانين التي تسيّر المجتمع أيضاً.

لسنا هنا بحاجة للتذكير بأن الماركسية عاصرت ثلاثة اكتشافات هائلة وهي اكتشاف الخلية وقانون تحول الطاقة والداروينية وأدركوا ما يلي ما دام العلم يتطور من براثن القرون الوسطى الأوروبية فأن علم الاجتماع لابد له من السير مع هذا التطور جنباً إلى جنب وهكذا بدأت الطبقة العاملة تعمل للسيطرة حسب أنجلس في » ضد دوهرنج .» أما اللينينية فقد عاصرت ثورة هامة في الفيزياء كما هو معروف لذلك قال أن القوانين العلمية تسير على علم الاجتماع مثلاً: كما أن هناك قانون الفعل ورد الفعل فهناك قانون يسمى الصراع الطبقي حسب تعبيره وكان الصراع الطبقي سيبقى سمة العصور كلها من أجل نيل كرسي السلطة أما في العصر الحالي عصر القائد عبد لله أوجلان فأن الاكتشافات في مختلف المجالات قد بلغت حدوداً طردية بعيدة، بدءاً بالشبكة العنكبوتية التي جعلت من العالم قرية صغيرة اعتماداً على أي جهاز كمبيوتر وإلى الخارطة الوراثية والاستنساخ وما إلى ذلك.

أصبحنا مقيدين بمقولة » نمط التفكير الأوروبي » أو أسلوب التفكير العلمي، أصبح العلم اليوم استمراراً للدين أي بنفس القدسية كما نوه أوجلان. قد يكون من المفيد البحث عن القوى التي تقف وراء حوافز الشخصيات التي تطفو أسمائها على السطح والمسّاهمة في إحداث تغيرات كبرى في التاريخ، لدى الحديث عن دور لينين في ثورة أكتوبر لا شك في أن الحوافز التي حركت الشعب الروسي كانت من القوة والاندفاع تفوق الحوافز التي حركت لينين بإبعاد كبيرة لكن يا ترى لو بقي لينين عشرين سنة أخرى على رأس الهرم هل كانت التروتسكية أو الستالينية ستظهر. إن هذا السؤال يطرح على أية حال أو لو بقي الأسكندر المقدوني في الشرق عقداً آخر من الزمن فهل كانت أوضاع المنطقة بكل تقسيماتها ستأخذ الشكل الراهن وكذلك الثورة الروسية هل كانت ستنهار بعد لينين مباشرة. مما سبق أعلاه إذا كنتم توافقونني الرأي، أليس هناك شخصيات عظام في التاريخ نسميهم بالطفرات التي تصيب المجتمعات وتظهر في أضعف حلقات المجتمع والقائد عبد لله أوجلان واحد منهم من دون شك. أن الوضع العام للعالم الحالي في الألفية الثالثة يشبه أعوام 1905 – 1907 م حيث الانحطاط وفساد المعنويات والانشقاقات والعهر السياسي واشتداد الميل إلى التصوف وإنكار سنين التطور في الطبيعة والمجتمع.

ونحن إذ نقدم الفلسفة الأوجلانية لا نعني بها أنها تحل محل الفلسفة الماركسية المادية الديالكتيكية بل أنها الجواب الواضح على ممارسات الإمبريالية وكشفها وفضحها وبالتالي إيجاد الحلول للخروج من الفوضى السائدة نحو طريق الخلاص بدلاً من الضلال الذي تسير فيه البشرية.

كانت الامبريالية في القرن التاسع عشر قد بدأت تتحول إلى رأسمالية احتكارية وهي على طول القرن العشرين والواحد والعشرين قد ترسخت بكامل أوجهها إلى احتكارية شاملة في كل مناحي الحياة وهي تبحث بشكل دائم عن الوسائل اللازمة لإدامة هذا الاحتكار على كل الأوعية الشعرية للمجتمع، على شكل رأسمالية تمويلية.

فأن مأثرة القائد أوجلان الثانية هي فضح ودراسة تلك الوسائل التي بها تحاول الامبريالية ترسيخ احتكارها ووسائلها الأساسية هي الثالوث الصناعي المتمثل في صناعة الجنس وصناعة الرياضة وصناعة الثقافة والفن كما بين القائد أوجلان.

أن هذه الوسائل لم تكن الامبريالية قد ابتدعتها إبان الفترة التاريخية الذي كان فيه ماركس على قيد الحياة بل أنها تحدث الآن ويعود الفضل إلى أوجلان في كشف تلك الوسائل وباعتبارنا لا ننسخ حرفياً ما كتبه لذلك ندعو القارئ إلى مراجعة مرافعات القائد أوجلان- إذا كان يهمه بالطبع  للوقوف بشكل أعمق على معرفة تلك الوسائل. أننا لسنا من أنصار النزعة الذاتية في السوسيولوجيا ومدركون بأن للجماهير دور حاسم في التاريخ وفي تطور المجتمع البشري وخير مثال على ذلك أن الثورة الديمقراطية الكردستانية بل على العكس ازدادت قوة وعزماً رغم اعتقال قائد الثورة عبد لله أوجلان

أما مأثرة القائد أوجلان الثالثة والدالة على صحة وجهة نظره كناطق باسم هذا العصر فهو تأكيد على أن قوى السلطة العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية قد اقتاتت على نظام الاشتراكية المشيدة أو حركات التحرر الوطني اليسارية طيلة القرن العشرين أي بمعنى أن أنظمة الاشتراكية المشيدة وأنظمة الدول التي تحررت بفضلها هي ذاتها ومتوافقة بل وعلى نفس البعد من قضايا شعوبها من النظام الامبريالي ولدى انهيار المنظومة الاشتراكية أصبح النظام الرأسمالي يبحث عن عدو آخر يقتات علية فأتجه صوب الشرق الأوسط نحو الحركات الراديكالية وما زالت وأننا على يقين الآن بأنهم يحضرون لأنفسهم عدواً آخر بعد إيران وربما هذه المرة تكون الصين.

لماذا هذا النظام يبحث دائماً عن عدو فهذا واضح من سياسات ممثليهم وأي متتبع اعتيادي للأخبار اليومية لا يرى مشقة في فهم لماذا يطالب وزير الخارجية أو الرئيس الأمريكي من الكونغرس مليارات الدولارات وذلك لسد فواتير حروبهم في الخارج » وكرمى لعين النظام » وليبقى النظام قائما يلزم النقود ولجمع النقود يلزم ذريعة والذريعة هي الفلسفة الإلهية للنظام وهذه الفلسفة هي القيام بتخويف الشعب بأن هناك تروتسكي يتربص بهم خلف الباب أو بن لادن موجود كسيف ديموقليس على أعناقهم ولردعه ومحاربة بن لادن أو تروتسكي يلزم المال والسلاح وكما هو معروف فأن شركات تجارة وصناعة الأسلحة هي وراء الإتيان بالرؤساء إلى البيت الأبيض منذ عهد رونالد ريغان وحتى الآن وهكذا كل الحكومات السائرة في فلك النظام تتسابق على شراء الأسلحة ليبقى النظام سائدا أطول مدة ممكنة لذلك.

على الجبهة الديمقراطية العالمية أن تطور أكثر الأساليب ديمقراطية لمواجهة النظام كالاحتجاجات والمسيرات وتقوية الأحزاب ذوي الصفة الديمقراطية وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف لمواجهة النظام إلا بقدر الدفاع الذاتي المشروع هذا من جهة ومن جهة أخرى القيام بثورة ذهنية لفضح ممارسات النظام ومواجهة وسائل إعلامه وقبل الحديث عن الثورة الذهنية الأوجلانية، ننوه هنا بأن عدم الإصرار على العنف لمواجهة النظام ونعني به العنف المسلح لإرغامه على تقديم التنازلات واعتبار ذلك الرد الأمثل والوحيد أو اللغة الوحيدة التي تفهمها الدكتاتوريات، أن هذا لا يعتبر الوقوع في درك الانتهازية على غرار بعض أجنحة الحزب الديمقراطي الألماني جناح كاوتسكي.

مأثرة القائد عبد لله أوجلان حول قضية الثورة الذهنية مأخوذة من كتابه المعروف باسم » دفاع عن الشعب » أن المادية العلمية الطبيعية تؤلف أساس بناء المعرفة الإنسانية وليس البناء نفسه لأننا لا نعيش فيها وحدها أي في الطبيعة بل أننا نعيش أيضاً في المجتمع الإنساني وهذا أيضاً له تاريخ تطوره وعلمه، فالمهمة إذا توفيق علم الاجتماع مع الأساس المادي الذي هو علم الطبيعة وإعادة بناءه على هذا الأساس كما يرى فور باخ.

ولكن القوانين التي تؤثر في الطبيعة تختلف في نقطة هامة عن قوانين تطور المجتمع وهي أنه في الطبيعة الموضوعية تظهر قوى عمياء تؤثر في بعضها البعض والنتيجة هي القوانين الطبيعية وبدون أن يكون هناك هدف واع في جميع الصدف الطبيعية ولا في النتائج المرتجاة فيما بعد.

ولكن في النهاية يبدو وكأن هناك انتظام داخل هذه الصدف أما في المجتمع فأن الناس الذين يعملون يضعون نصب أعينهم أهدافا معينة يسعون إلى تحقيقها ويعملون بتأثير العاطفة والعقل أو بالتفكير ولا يقومون بشيء دون تخطيط أو نية سابقة فيها ولكن أيضاً لا يمكن التحكم في النتائج أي أنها تظهر وعلى الأغلب ليس بالمستوى المطلوب.

أن الاصطدامات في أهداف الناس المنفردة والمتناظرة تؤدي إلى نتائج غير متوقعة تماماً كما في الطبيعة وأخيراً تظهر قوانين تطور المجتمع على خلاف الأهداف الموضوعة حسب أنجلس ويسمى أيضاً بالحتمية التاريخية. أما مأثرة أوجلان فهي أنه لم يقل قط بأن الحتمية هي التي تفرض هنا أن هناك مسافة الفوضى البينية لدى كل محاولة لعمل ما واصطلاح المسافة البينية جديد في علم الاجتماع هذا العلم الذي ينتقده القائد أوجلان في شخص أغلب علماء علم الاجتماع الذين تحولوا إلى مجرد أدوات تحت تصرف السلطة تماماً مثل بقية العلماء الذين يسيرون في فلكها ويخضعون محصلاتهم العلمية في السوق للعرض والطلب عليها وما العالم الذري الباكستاني عبد الأمير خان سوى رمز هذه العملية المبتذلة.

هنا يتساءل القائد أوجلان أنهم «العلماء » بإمكانهم أن يقسموا الشعرة إلى أربعين جزء طولياً وليس بإمكانهم إيقاف هذه الأهوال والمآسي التي تتعرض لها البشرية على يد عناصر السلطة.

لذلك يدعو إلى إعادة بعث مآثر هؤلاء الذين كانوا على هامش الحياة باعتبارهم بعيدين عن السلطة كالحلاج والسهروردي وماني وغيرهم في الشرق وفي الغرب والاقتداء بعظماء عصر النهضة الأوروبية.

اعتبرت الأوجلانية أن الثقافة الآن تصنع كما تصنع الشوكولاتة وكذلك الرياضة والجنس ولإعادة الأمور إلى نصابها لابد من التعرف على الثقافة المصنعة من قبل الرأسمالية والنابعة من الذهنية الأوروبية التي عملت بل وساهمت في اعتبارها بمثابة دين القرن من حيث حقيقتها الوجودية الصوفية الباطنية أنها مدرسة في الفكر والعقل الأوروبي ويلعب الأسلوب العلمي دورا بارزا في هذا النظام. أن تحليل الرأسمالية منذ القرن السادس عشر وحتى الوقت الحالي تعتبر مأثرة كبرى من مآثر الأوجلانية وهي تجاوز الماركسية شكلاً و مضموناً. أن الرأسمالية قد قطعت سير التطور الطبيعي للحضارة الإنسانية إبان القرن السادس عشر ومنذ ذلك الحين بسطت سيطرتها على كافة الأوردة الشعرية في المجتمع وهذه الأطروحة هي الميدان الذي كلفت القائد عبد لله أوجلان أعمال فكر قاسية. أن الماركسية قد شهدت ولادة الرأسمالية بالاعتماد على قانون القيمة الزائدة وفائض الإنتاج ولا شك في ذلك لكن للتاريخ دور لا يستهان به كما نوه القائد أوجلان فقد مضى على ولادة الرأسمالية أربعة قرون من الزمن ولا يزال يستمر.

أن البحث عن الأدوات والطرق والبدع والأساليب التي استخدمتها الرأسمالية في شخص مفكريها لإطالة عمرها وسبل مواجهتها وتفتيتها وبالتالي تقوية الجبهة الديمقراطية العالمية لتشكيل أطروحة حياتية جديدة للمجتمعات هي المهمة الأسمى التي قررت الفلسفة العصرية التقدمية الآبوجية اتخذتها هدفاً، هذه هي إحدى سمات العصر الحديث وإذا كانت الدوائر الرسمية الدولتية تتنكر لها وتعتمها ولا تجعلها في متناول الرأي العام العالمي فأن هذا نابع من طبيعتها بالذات- السلطة  وفي التاريخ الكثير من الأمثلة المشابهة وإذا كانت الرأسمالية لا تُعرف فقط بأساس نشؤها- القيمة الزائدة  وسيكون التعريف ناقصاً فأن الأوجلانية أوضحت الآليات والأساليب الأخُرى للتعريف وهي تبدأ بالزمان والتاريخ والفلسفة والدين وحتى الجغرافيا. أن الإيحاء بأنها سرمدية وهي محور الحياة وبكونها صاحبة الكلمة الأخيرة للتاريخ لا يعني سوى تكرار للميثيولوجيا القديمة بأسلوب عصري وبالمقابل لا يجب اعتبارها راسخة لا تتغير أبتكرها فعل وعمل موجهان من مركز واحد بمقدار كونها عبارة عن نشاط مجموعات انتهازية كانت غير معترف بها في تاريخ المجتمعات وأن هذه المجموعات لم تكن ذا تأثير لو لم تضع يدها على أهم الأشياء التي تحتاجها مجتمعاتهم وبدأوا يخضعون قوت المجتمع للعبة العرض والطلب، أنها مجموعات لم تكن شرعية على مر التاريخ بل كانت مصدر الازدراء والامتعاض وكانت متمردة على أخلاقيات وقيم مجتمعاتهم ولدى حلولهم محل النظام السلطوي المهيمن أصلاً ودخلت البشرية في ظلمات أحلك من ظلمات العصور الوسطى بآلاف المرات.

علماً بأن المآسي التي تعرضت لها الشعوب على مر التاريخ من إبادة واستعمار و استغلال وحروب هي من جراء حكم النظام السلطوي المهيمن منذ القدم أي قبل الرأسمالية ولذلك فأن حكم النظام الرأسمالي لا يعني نهاية وضياع البشرية ذلك لأن تاريخ البشرية شهد أعظم أشكال التضاد والمضاد أيضاً.

أن الإسهاب في شرح العقل كما أوردته الأوجلانية أو العقلانية ضمن الأبعاد الكونية الصغرى والكبرى وتموضعها في الجزيئات ما تحت الذرية وبالتالي إكساب صفة العقلانية على العوالم الفيزيائية والبيولوجية على حد سواء لا يفيدنا بشيء ذلك لأننا نقدم شروحاً مبسطة في الفلسفة بحد ذاتها وبالتالي فأن الإيغال في شرحها ومحاولة منا بتقديمها مبسطة يلزم مراجع وإسهاب لسنا بمستواها الآن.

على أية حال فان القول بأن المجتمع الغربي يملك خاصية عقلانية أي كما يقال بأنهم استخدموا العقل وخلقوا العلم وجعلوا من العلم قوة يستفيدون منها في السيطرة على الغير وخلال سير التطور الطبيعي للجماعات الإنسانية فإن الذكاء العاطفي هو الحاكم والذي يتميز بالعمل بردود الأفعال وتعتبر الفطرة أقدم أنواع الذكاء.

ومن مميزات الذكاء العاطفي أنه يلبي وظيفة الحماية بأفضل الأشكال وهذا هو الجانب الهام فيه أي حماية الحياة فأن تقدير الحياة مرتبط بمستوى تطور الذكاء العاطفي إلى أن وصلت الجماعات البشرية إلى لغة التفاهم عبر الاصطلاحات بدلاً من الإشارات وهذه ثورة عظيمة في التاريخ البشري وخاصة مع وصول البشرية إلى تركيب الجمل اللغوية وهذا ما فتح الباب للتفكير بشأن الأحداث وبالتالي أدت إلى بروز الفكر التحليلي الذي به يستطيع الإنسان أن يكون عالماً من التطورات والخيالات والأوهام.

وصلت البشرية آنذاك إلى نصب الفخاخ والمصائد وحَبّك المؤامرات والدسائس وهذا أدى إلى ظهور المشاكل داخل المجتمع ولذلك أوجد المجتمع الأخلاق مبدأ للتنظيم.

تلتقي الأوجلانية والماركسية على أساس أن الصراعات المثيولوجية والدينية ليست في جوهرها سوى صراعات اقتصادية وسياسية وأن بدت مستورة دينياً إلى حين ظهور الذهنية الرأسمالية، على أساس أن البروتستانتية توافق البرجوازية الصاعدة والمعارضة للكاثوليكية الإقطاعية.

إن كل معاني الحياة ومراحل تطورها تبرهن بأن التطور والتغيير ينبعان من النشوء لذلك كونت تكاملاً مذهلاً في مختلف تصنيفات الفكر المثيولوجية والدينية والفلسفية والعلمية وكل هذه التصنيفات لا يمكن إنكارها، فمنها ما لجأ إلى أساليب المثيولوجية وأُخرى لأساليب دينية وفلسفية لكن العلم وحده يتميز دون غيره من التكاملات بالضوابط المُثلى قد سلّط الضوء على ديناميكيات النشوء بنسبة هامة.

أما المأثرة الهامة لدى شرح الفلسفة الأوجلانية فهي تُمكنّها من الإمساك بناصية الأركولوجيا إذا صح التعبير فهي من هذه الناحية تتجاوز الماركسية كثيراً بل وتختلف عنها أيضاً وتلتقي مع مؤلف مورغان العالم الأمريكي في بحثه الشامل » المجتمع القديم » مع وجود فارق بطبيعة الحال فإذا كان مورغان قد أوجد القوانين التي كانت سارية في المجتمعات القديمة وطبعاً المفهوم المادي عن التاريخ وتوصل إلى نفس النتائج التي توصل إليها ماركس بدءاً من القارة الأمريكية فإن أوجلان يبدأ من المجتمع السومري معتمداً على الأبحاث الأركولوجية التي أثبتت أن تاريخ البشرية بما يتضمنه من تأويلات فكرية وحضارية ودينية ومثيولوجية قد انبثقت من منطقة بلاد ما بين النهرين أي ما تسمى بمنطقة » ميزوبوتاميا » وإذا كانت الماركسية تعتبر أن المسيحية هي نتيجة الخلط بين اللاهوت القديم والفلسفة الإغريقية أو ذلك المزج بين الديانة اليهودية والفلسفة الإغريقية المبتذلة كما كتب أنجلس في مؤلفه » فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية » فأن الأوجلانية تعتبر أن الأديان وقبلها القوالب الدينية بكل قوم وعشيرة بما فيها أصنام النماردة وديانة التوحيد المجردة مع ظهور إبراهيم الخليل على مسرح التاريخ منذ ما يقارب أربعة آلاف عام والمنبع الأساس للميثيولوجيا وكذلك للدين والمدنية هي منطقة ميزوبوتاميا وإذا كان علم التاريخ المقارن والأبحاث الأركولوجية واللقى الأثرية تثبت ذلك فأن هذا يدل على منطقة عذراء من فكر ماركس من جهة ومن جهة أخُرى يتوجب إعادة تقويم وتصويب الكثير من الدراسات والنظريات ذات الصلة وللدخول من أبواب المدن السومرية وصولاً للخروج إلى الفهم المادي للجماعات البشرية التي كانت تعيش على شكل كلان في حواف جبال طوروس وزاغروس ومنها إلى باقي أرجاء المعمورة لقد أعطى مورغان وصفاً دقيقاً لنهاية وتحلل الإمبراطورية الرومانية التي بنت حقها من الوجود على صيانة النظام في الداخل وعلى الحماية من البرابرة لكن نظامها كان فوضى شريرة وإذا البرابرة الذين كانوا يدعون حماية المواطنين منهم ينتظرهم جميع الشعوب المنضوية تحت نير الإمبراطورية الرومانية كمنقذين لكن الأوجلانية مع إعطائها نفس الوصف تقريباً لسيادة الرأسمالية والتي سماها إمبراطورية الفوضى لا تجد أنصار سلطة أُخرى كمنقذ للبشرية بل تدعو إلى بناء كلانات قديمة بأساليب وطراز حديثة عصرية بذلك يكون خلاص البشرية النهائي والوضع العام في منطقتنا لا يختلف عما ورد أعلاه ويكفي إيراد مثال واحد من الأمثلة العديدة فإن الشعب الجزائري الذي قدم مليون شهيد لطرد الاستعمار الفرنسي من أرضه والأيتان بحكومة وطنية التي كانت في مرحلة التمرد تدعي بأنها المنقذ للشعب من براثن الاستعمار فإن نفس الحكومة هي سبب لجوء المئات بل الآلاف من الشباب الجزائري إلى أرض فرنسا هربا من الجوع والفوضى والحظي بالهدوء والحرية وأحيانا يغرق البعض منهم في الطريق عبر البحر إلى هناك هؤلاء هم أبناء الشهداء الذين ساهموا بدمائهم في إخراج الاستعمار أن هذا المثال وغيره الكثير يؤكد صحة النظرية الأوجلانية وروعتها في وصف أساس السلطة وذلك عندما يكون الهدف من أي ثورة هو استلام السلطة وبالتالي السيطرة على مقاليد الأمور من السلطة السابقة » السلطة تبقى سلطة من يكون المسيطر لا يهم ». كما أنها في الوقت نفسه تبين مدى عقم الماركسية في هذا المجال وأَعني به طبعاً مجال السيطرة والسلطة عندما تقول بأنه ينبغي للقوى الجديدة وسواء في الثورة الديمقراطية أو الثورة التحررية الوطنية أن تستولي على السلطة فأن المبادئ سوف تُنسى ويبقى مستلم السلطة خادماً لها سواء جاء من حركة ديمقراطية أو أي حركة تحررية كما يؤكد القائد عبد لله أوجلان وكما هو واضح خلال سير التاريخ………يتبع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى