الصراع الإنسانيّ… الأسباب والنتائج

الصراع الإنسانيّ... الأسباب والنتائج

«عبدالعزيز حمدوش

كثيرٌ من النظم الفكريّة المتصلة بالسياسة والدين والتي يُروَّج على أنّها أيديولوجيا هي في حقيقة الأمر أدواتُ ترويضٍ للإنسانِ لسلبِ الإرادةِ باعتبارها العائقَ الأساسيّ أمام مشاريع السيطرةِ، ووفقَ هذا المنحى يُنظرُ إلى قضايا الشعوب ومطالباتها بالحريّة وتحقيق ذاتها على أنّها حالات من التوحّشِ والتمرّدِ يجب وضعُ حدٍّ لها وإخضاعها بما أُوتي من قوّةٍ، أي قيادتُها بالخوفِ والقهرِ، وتدفعُ القوى المسيطرةُ بطوابيرِ الجيوشِ لتحقيقِ هذه الغاية، فيما يشبه فعلَ السائسِ في ميدانِ ترويضِ الخيولِ البرّيّة، لتستجيبّ نتيجةً للتدريبِ لأوامرِ من يمتطي صهوتَها ويُمسك بالزمامِ، ووظيفةُ الجيوشِ النظاميّةِ لا تختلف من حيث المهمة عن المرتزقة إلا بالاسم وهيكليّة التنظيم، فهي تشاركها أيضاً عملية غسل الدماغ وتسبقها فيها، لتؤدّي المهام الموكلة إليها بصرف النظر عن عدالة القضية أو مشروعيّة الحرب، بل من منطلق الولاء لولي النعمة الذي تمثله السلطة الحاكمة.

والمحصلة أنَّ أبناء الطبقة الواحدة غالباً هم الضحايا على طرفي ميدان الحرب فهم ممثلو النظام القائم المدافعون عنه باسم الشرعيّة، والمتمردون الخارجون على القانون في الطرف الآخر، والقضية هنا تأخذ بعداً قانونيّاً تراكميّاً ليس إلا، فالقوانين والدساتير ومعظم القواعد الاجتماعيّة تسهم في إيجاد مسوغات الحرب وشرعنتها لمصلحة السلطة القائمة، إلى أن يحدث الانقلاب على القانون نفسه ويُنسفَ دفعةً واحدةً، فسقوطُ القانون هو إسقاط لشرعية النظامِ، الاستعصاء القانونيّ ومناعته أمام السقوط أو عدم التصدّي لإعطائه تأويلات تمثل مصلحة العامة يعني استمرار الصراع السلطويّ، ما دامتِ النصوص القانونيّة سارية المفعول، وهي كذلك غالباً، ويأخذ الصراع شكلَ جولاتٍ كلّما توفّرت له الظروف.

المرونةُ في إحداثِ التغييرِ القانونيّ أو الحدّ الأدنى منه هو علامة وجودِ حراكٍ فكريّ مجتمعيّ حرٍّ قادرٍ على التصدّي لمتطلباتِ المرحلةِ ويلبي حاجاتِ الناسِ، ويتوقّف كلُّ ذلك على تحديدِ الجهةِ المخوّلةِ أن تكونَ منبعَ القانونِ، ففي حالةِ الانقسامِ الطبقيّ والفئويّ غالباً ما يستجيبُ القانونُ لمصلحةِ فريقٍ دونَ آخر, والقضيةُ تبدأُ من اعتباراتٍ اجتماعيّة أولاً والتأسيسُ عليها ومن ثمَّ الانتقالُ إلى خططِ العملِ السياسيّ والاقتصاديّ والبيئة الثقافيّة التي تراعي التركيبة المجتمعيّة، فالإشكالُ قانونيّ يعكسُ واقعَ الإشكالِ الاجتماعيّ وعدم الانسجامِ فيه. فطبيعةُ الحياةِ الإنسانيّةِ لا تثبُتُ على نمطيّةٍ واحدةٍ، بل تخضعُ للتغيير من مرحلةٍ لأخرى. وإذا كان النصُّ القانونيّ يمثّل ذهنيّةَ المجتمعِ ومرجعيّةَ الفصلِ في الخلافات وقَوْنَنَةِ السلوكِ، فإنّه لا ينبغي له أن يكونَ متخلفاً عن الحِراكِ الاجتماعيّ ومُنقطعاً عنه زمنيّاً، ولا أن يتقدّمَ عليه أشواطاً بعيدةً فيحمّلَ الناسَ ما لا تطيقُ، فالنصُّ يجبُ أن يتضمنَ روحَ العصرِ ولا يتجاوزَ خصوصيّةِ المجتمعِ.

القانونُ يمثّلُ حالةَ الأمةِ الثقافيّةِ ومعاييرَ قياسِ السّلوكِ، ليكونَ الميزانَ الذي تُحاكمُ بموجبِه أعمالُ الناسِ، وهنا يجب ألا يشكّلَ تطبيقُه عبئاً إضافيّاً يُثقِلَ كواهلَهم ومصدرَ خشيتهم.

لم تتمكنِ المجتمعاتُ الإنسانيّةُ واقعاً من نمذَجَةِ قوانينها، سواءٌ في صيغتها النظريّةِ أو تطبيقها العمليّ، لأنّ ذلك قولاً واحداً هو الضميرُ المجتمعيّ، وهنا لا يحتاجُ تطبيقُ النصِّ عملَ أجهزةِ الرِّقابةِ والمُحاسبةِ، وللمفارقة أنّه عموماً يحتاجُ إلى القوّة في التطبيقِ، ومحصلةُ جمعِ القوّةِ والنصِّ تعني الدّولة تماماً ككيان سياديّ سياسيّ وممثّلاً لكتلةٍ ديمغرافيّةٍ قد تكون مزيجاً لأعراقٍ وقوميّات وأديان جمعتها ظرفيّةٌ تاريخيّةٌ في إطارٍ جغرافيّ محدّدٍ، وواقعُ الفسادِ يكْمُنُ بِحُضورِ القُوّةِ دونَ النّصِّ، ليكونَ حالةَ تسلّط بعضٍ على آخرين، باسمِ القَانونِ المُغيّبِ فكرةً، والحَاضرُ عبرَ أدعياءَ له، وتحوّلُ القانونِ منقسماً إلى امتيازٍ يختصُّ بالبعضِ ومسؤوليّةً تختصُّ بآخرين هو عينُ الفسادِ.

اللباس الظاهر للحرب هو العقائدُ والأديانُ والنظرياتُ التي تستند إليها ووفقاً لها يُجنّد مزيد من المقاتلين، أيّ حديثٍ عن الحربِ هو عن سلوكٍ وحشيّ في غايةِ القسوةِ، وإنّ لم يكن القتلُ فيها غايةً، فهو حتماً نتيجةٌ محتملة جداً، والقضية متعلقة بأسمى قيمة لدى الإنسانِ أعطيت للناس دونما اجتهادٍ منهم وعلى قدر المساواةِ، والحرب هي شكلُ التنافسِ لنزعِ هذا العطاءِ، وأيّاً كانت قيمة الأشياء التي حولنا فهي لا تُقارن بحقِّ الحياةِ، وما يعيش المرء به لا يستحقُّ أن يموت أو يقتل لأجله، ولذلك لا مبرّر أبداً للقتل لأنّه أقصى حالات التعدّي، ومن أجل إملاء هذا الفراغ وإعطاءِ الحربِ مسوّغاً، تمَّ اللجوء إلى البُعدِ الغيبيّ لاقتباسِ المبرّرِ، أو الانتقالِ إلى المستوى الوطنيّ والقوميّ وما في حكمِهما، بذلك يأخذُ الصراعُ بعداً أيديولوجيّاً وفكريّاً أو دينيّاً مقدّساً، ففي الحروبِ الوطنيّةِ والقوميّةِ، يتمُّ إبرازُ الشخصيّةِ الجمعيّةِ على أنّها القيمةَ الأعلى ومن واجبِ الأفرادِ التضحيةُ بحياتهم الخاصّة لبقاء تلك الشخصيّة، ليصلوا الخلودَ أبطالاً أماجدَ في ذاكرةِ الأمةِ الجمعيّةِ، الحديث هنا لا يتصل بنوع حروب المقاومة التي تفرض نفسها على الأمة من قبيل الدفاع المشروع عن حقِّ الحياةِ من التعدّي، والتي تصوغ حالة التماهي بين الشخصيّتين الفرديّة والجمعيّة، وما كان سبباً للحربِ سيجمعُ المقاومين في جبهةٍ واحدةٍ، فلو أنَّ حرباً شُنّت على جماعةٍ لسبب عقائديّ فعندئذٍ ستتحوّل تلك العقيدة إلى رافعة واحدةٍ تجمع الناس ليؤسسوا معاً مقاومةً بدافعِ التشاركيّةِ في العقيدةِ، في حين أنّ تلك العقيدةَ فشلت في اختباراتِ التعاونِ والتقاربِ بين أولئك الناس أنفسهم قبلَ الحربِ، هذا ينطبق على حروبِ الاستقلالِ الوطنيّ ومقارعةِ المحتلِّ.

تأخذ الحرب طابع الجهاد المقدّس إرضاءً لإله صِيغ وفق نسقٍ من الأفكار والنظريات المتضافرةِ، يتخذ موقف الشاهد في عليائه يبارك المحاربين في سبيله ويكافئهم ويقرّبهم لديه زلفى، هنا لا بدَّ لتلك النظريات أن تستغرق في خلق صورٍ عن عالمٍ غيبيّ، لا يسعِ الناس إدراكه لتجاوزه حدود الحياةِ، والموت هو العتبة التي يجب تجاوزها لبلوغ ذلك العالم، والذي يُقدّم على أنّه نمطٌ من الاحتفاليات المستمرّة بلا حدود، يُجزى فيها المحارب بكلِّ المتع تعويضاً عما تخلّى عنه في حياته الأولى، ولكنَّ السؤال: لصالح مَنْ تمَّ ذلك التخلّي؟

الأصعب أنَّ القضية لا تتوقف عند حالة الزهد بما توفّر في اليد من متاعِ الحياةِ ومباهجها، بل بالإقبال في رسوخٍ من الإيمان وثباتِ القلبِ على بذل الحياةِ وقتلِ النفسِ والغيرِ طمعاً بمزيدِ من الرضا الغيبيّ، ولعل عوامل داخليّة أكثر من الظروف المحيطة تمنع المحاربَ فرصةَ مساءلة نفسه ولو مرّةً واحدةً، ورغم أنّ العقل البشريّ سمته التمرّد، والإنسان مزوّدٌ بآلية دفاعيّة معقدةٍ تتدخّل في مواطن الخطر، حيث لا فرصَ متاحة للتفكير المنطقيّ ومراجعة المسائل، فتنقذه من التهلكة، وتمنحه طوق النجاة، ويبدو أنَّ هذه الآلية تتوقف، وأنّ ثمّة عوامل تعطّل العقلَ وتأسره تماماً لصالح فكرة الحرب فقط، دون الخوض في أهدافها ونتائجها، إلا ضمنَ حدودِ ما تمَّ تلقينه، والسؤال المهمّ: هل يحتاج الإله كلَّ هذا العطاءِ من البشرِ؟ لا يمكن لتلك النظريات أن تعطي جواباً منطقيّاً، فهي تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ نسيج العنكبوت يلفُّ العقولَ، ورغم أنّها واهنة جداً ولكنها تمنع وضوح الرؤية، والإله وفقها يجمع في صفاته بين جملة المتناقضات، فهو مانح الحياة، راغب بالتضحية وكأنّه يسترجعُ ما أعطى، وهو رحيمٌ بالبشرِ والخلقِ، متعطشٌ لدمائهم، يشكرونه تارةً حمداً لسلامتهم وأخرى لأنّه أمكنهم من رقابِ الآخرين.

إنَّ فكرة الإله تقوم في أحد أهم جوانبها على الإقرار الإنسانيّ بالعجز والقصور، تجاه القدرة المطلقة، وتنطوي على علاقة المحدود الماديّ في إطارِ ما يُصطلح عليه بالطبيعةِ مع اللامحدود أو ما وراءَ الطبيعيّة «الميتافيزيقيا»، هنا المسافةُ جِدُّ كبيرة غير قابلةٍ للقياس، وكان من شأنِ الأنبياءِ والرسلِ أن عمِلوا ضِمنَ حدودِ هذه المسافةِ، فكانوا جسورَ تواصلٍ رساليّة، ولهذا كان من المُمكن تصديقُ المعجزاتِ تجري على أيديهم، ولكن ماذا عن اليوم وعن سائر البشرِ؟

إننا نتصوّر الإله غنياً مطلقاً، وبالتالي فإن استغناؤه عما غيره هو مطلق كذلك، ومن كان غناه كذلك تنتفي عنه كلُّ صور الحاجة، لا بل إنّ الحاجة تُسقط الألوهيّة، لأنّها تُنزل مقامه إلى مرتبة المخلوقاتِ وسائرِ الكائناتِ التي خلقها من غيرِ عونٍ أو اتكال، ولا يستقيم عقلاً الجمع بين نقيضين الغنى والحاجة في صورة الإله، وأكثر من ذلك فالمطلق مفهوم يُسقط معه كلُّ شكلٍ للمحاكمة والمقايسة، إذ ليس لدى المحدود آلية قياس اللامحدود لاستحالة إدراكه، أو الجمع بين المطلق والشكِّ إلا أن يكون تطفلاً فكريّاً وإقحاماً مشوّهاً للعقول، للوصول إلى الوصاية عليها بعد تعطيلها.

بهذه الصورةِ سبقَ المتدينون من يعتبرونهم مُلحدين في تشويهِ صورةِ الإلهِ، ولا نقولُ الإلهَ نفسه، لإيماننا بأنَّ الإلهَ أعزُّ وأجلُّ من كلِّ ذلك، وما يحدثُ هو هرطقةٌ أو تجديفٌ على الله باسم الدين، وخروجٌ عليه باسمه، وخطورة المسألة تتأتى من كونها تُلبس الكفر لبوسَ الإيمان، فتجعلُ من جرائم القتل جهاداً ومن الانتحار شهادةً.

الحقيقة أنَّ كلَّ ما تمَّ التخلّي عنه طواعيةً بدافعِ الإيمان والتقرّب من الإله تراكمه السلطة الحاكمة لصالحها فتزيد من رصيد سلطتها وحالة الاحتكار لها، ولتكونَ صورة الإله المحتاج هي نفسها السلطة القائمة واقعاً، فمساحةُ السلطةِ تُطابقُ تماماً حجمَ المساحةِ التي تخلّى الناس عنها، وهم عندما يتوقفون عن التخلّي المجاني، تسقط السلطة المستبدة المتألّهة.

شهدت أوروبا هذا النموذج من التلاعب بعقولِ الناسِ وتاجرت الكنيسة «بصكوك الغفران» على حساب تضحية السيّد المسيح، وأنَّ بوسعِ العامة أن يبتاعوا قسطاً من فائضِ القربان المقدّس تكفيراً عن آثامهم، ومارس القساوسة ورجال الدينِ صوراً قاسيةً من الوصاية على العقول وحاربوها، ورموا المفكرين والمصلحين بتهم الكفر والهرطقة، ومثّل الكثيرون أمام محاكم التفتيش، ولم تتجاوز أوروبا تلك المرحلة السوداء من تاريخها إلا بدفع القرابين بالجملة على مذبح الحرية، لتطلق سراح العقل من زنزانة التخلّف، وترفع عنه الوصاية، ولتتوقف الأرض عن حركتها متنقلةً من قرن إلى آخر لثورٍ ضخمٍ, وتأخذ مسارها في المجموعة الشمسيّة تدور حول نفسها والشمس حرّة، فالأرض أخيراً كرويّة.

المثير للغرابة هو حالة التبادلِ الفكريّ بين الشرق والغرب غير المتوازنة، فغابت عنها الندّيّة، لتكون تبادلاً للأدوارِ وليس حواراً حضاريّاً، ولتعود الهوة واسعة يقصر عنها القياس، ولكن مع اختلاف جهة رجحان الكفة، فقد انتقل كلُّ التراث الحضاريّ الذي راكمه الشرق عابراً ما كان يُدعى بحر «الروم»، وبالتالي لم تبدأ أوروبا نهضتها العلميّة والمعرفيّة من العدم، بل من حيث وصل الشرق بكلِّ حضاراته هنديّة، صينيّة، فارسيّة، عربيّة وكذلك إغريقيّة، وبالمقابل انتقلت محاكم التفتيش إلى الشرقِ تُحاكم الناس على الدين والمذهب والهويّة، وكذلك مقصلةِ الثورة الفرنسيّة وبدائيّة الصحراء، والمسافة باتت كبيرة جداً بين صاروخٍ يُطلق إلى الفضاءِ لغايةِ البحثِ العلميّ ودراسةِ إمكانيّةِ الحياةِ على كوكبٍ آخر، وبين سباقِ الهجنِ الذي يُعيدُ سِيرةَ داحسَ والغبراءَ ويستحضِرُها من عُمقِ التّاريخِ إلى الألفيّةِ الثالثةِ.

الحديث شائكٌ عن أسبابِ تنازعِ البشرِ وحروبهم، وقد يقودُ للاستغراقِ في التاريخِ لدرجةِ التيه، فلا تسعفنا فرصةٌ للخروجِ بنتيجةٍ مجملةٍ.

البشرُ متماثلون من حيثُ الجوهرِ والأصلِ، وكلُّ فردٍ حائزٌ على حقِّ الحياةِ بمجرّد وروده إلى حيز الوجود في الحياةِ كقدرٍ لا يملكُ القرارَ فيه، باعتباره منحةً أُعطيت للناسِ جميعاً على نحوٍ من المساواةِ التّامةِ، على أنّ الوجودَ سابقٌ للقوانين والقواعدِ على اختلافِ أنواعِها، ومن المتفقِ أنَّ الإرادةَ التي شاءت ذلك مُقدّسةٌ ما يُكسِبُ الوجودَ قدسيّة تشتقّها من قدسيّة تلك الإرادةِ، ولا معنى حاجةَ لإثباتِ شيءٍ تساوى الناسُ فيه، تشكّل مسألة التساوي أولى الحقائق الأساسيّة وتأسيساً عليها تبنى الحقائقُ الفرعيّة، فالإثباتُ ضمناً هو إقرارٌ بالتفاضلِ والتباينِ وهو ينسفُ فرضيةَ التّساوي، الوجودُ يُعرفُ بنقيضِه وهو العدمُ، وهما مفهومان متقابلان غير قابلان للاجتزاءِ والقِسمةِ، فإما وجودٌ أو عدمٌ، والقول بخوضِ الصراعِ أو التنازع من أجل إثبات الوجود شكلٌ من الأدلجة للصراعِ لا أكثر، فالواقع أنَّ الإنسان يخوضُ الصراع إذا مُنعت عنه حاجاته الماديّة الطبيعيّة أو صودرت أو تعرّض لأيّ شكلٍ من التعدّي فتأخذ القضيةُ بعداً حقوقيّاً، وأمّا لمجرد التجاهلِ أو التعامي والتجاهل فتلك ليست بقضيةٍ لعدم ترتب نتائجَ عنها، هنا خلطٌ في المفاهيمِ، بين إثبات الوجود وإعطائه المعنى، وقد يعطيان المعنى ذاته كأحدِ مبرّرات الصراعِ يتقدّم إلى صدارة الأولويات الحقوقيّة.

القضيةُ الأساسُ ومحلُّ الاختبارِ للأفرادِ والجماعاتِ والأممِ هو إعطاءُ معنىً أخلاقيّ للوجودِ، وهنا محلُّ التفاضلِ والتنافسِ، ومن المهمِ أن نعرفَ أنَّ القانون الأخلاقيّ فطريّ طبيعيّ، وما من تغييرٍ طرأ على مضمونه ولا تبديلَ في مسارِه العام، وقيمةُ الوجودِ الإنسانيّ المقدّسِ لا ينتقصُ منها شيءٌ، ولكن ثمّة تطورات وتبدلات في المظهرِ والسلوكِ ومنهج العمل باتجاه حياةٍ أقل تعباً وإرهاقاً، ولكن ليس على حساب المضمون أو القيمة الأخلاقيّة، بل هي نتيجةٌ للتطوّرِ المعرفيّ والإنجازِ العلميّ الذي تحقّقه البشريّةُ باطرادٍ والتي ما زالت مقياسَ تحضّرِ الأفرادِ والشّعوبِ، وبالتالي ليس من شأنِ القانونِ الأخلاقيّ استيعابُ المتغيراتِ الطارئةِ على حياةِ الناسِ، فتلك مهمةُ القواعدِ الاجتماعيّةِ والقوانين الوضعيّةِ التي يجب أن تساير حركة الحياة، بل أنّه يحافظ على صفةِ الثباتِ عبر الزمان والمكان، يلخّص كلَّ ذلك القولُ إنَ الإنسانيّة الحقّة هي القانونُ الأخلاقيّ.

المسألة تفتح الباب لمفهوم الشرعيّة، والتي تعني مدى مُطابقةِ السّلوكِ الإنسانيّ للقانونِ الأخلاقيّ، وانسجامه مع الفطرةِ السليمةِ والتكوينِ الطبيعيّ، والفطرة تأخذ معنى النقاء والسلامة من كلّ انحرافٍ في الفكرِ والسلوكِ.

الإنسان عاجزٌ منعزلاً بذاته عن إنجاز المعنى الأخلاقيّ، والصحيحُ أنّه لا يحتاجه، ولو جاز أن نتخيلَ وجودَ إنسانٍ يعيشُ في جزيرةٍ نائيةٍ فما حاجته للقيمِ والقانونِ الأخلاقيّ، هنا الحاكمُ الأساسُ للسلوكِ هو الحاجةُ الماديّةُ وضرورةُ العيشِ فقط، ولا داعيَ لعرضِه على أيّ قانون للنظر في مدى صوابها، مجرّدُ الحاجةِ هو القانون الذي يقودُ الحياة، ثم هل في شكلِ هذه الحياةِ وجودٌ لقوانين أصلاً؟ هي الفطرةُ في إطارِها الغريزيّ البدائيّ ليس إلا، فتقييمُ السلوكِ يحتاجُ لجملةِ مقارنةٍ وهي المحيطُ الاجتماعيّ، وبعبارةٍ أخرى إنَّ حاجةً الإنسانِ لنمطِ حياةٍ مجتمعيّةٍ هو الذي يمنحُ الوجودَ الإنسانيّ معنىً ويوفّرُ البيئةَ لتطبيقٍ أمثلَ للقانونِ الأخلاقيّ.

السلوكُ الفرديّ يُقاسُ في سياقِ المجتمعِ ضمنَ أُطرٍ تتسلسلُ من أضيقَ إلى أوسعَ، والمجتمعاتُ تُقاسُ في الإطارِ الإنسانيّ العام، والطابع الاجتماعيّ مشترك بين الإنسان وباقي الكائنات ولكنه عند الإنسان أكثر استعداداً للتغيّر والعقلنةِ ما يحرّره من سطوةِ البهائميّةِ والغرائزيّةِ التي لا تعي ذاتها إلا في إطارِ الحاجةِ التي تجدُّ البحثَ عن سبيلِ إشباعٍ حتى تسكن وتهدأ حتى حين فتعود للثورة مجدّداً، ولذلك فهو الباعثُ الحقيقيّ للعمرانِ والتطوّرِ عندَ الإنسانِ، المعيار هنا أيضاً أخلاقيّ، فيما بقيت الكائنات الحيّة الأخرى في مستوىً واحدٍ من نمطِ الحياةِ تحكمُها الغريزةُ فلا تتجاوزها، إلا إذا تمَّ إخضاعُها لشروطٍ بيئيّةٍ جديدةٍ فإنّها أيضاً تمتلكُ إمكانيةَ الاستجابةِ المشروطةِ للتغيير، ولكنها لا تُقارن بالإنسان أبداً.

ثمّة خلطٌ خطيرٌ في المعنى بين مفهومي المساواةِ والعدالةِ، فقانونُ المساواةِ الصّارمِ يشتملُ على المحاصصةِ المتساويةِ في خيرِ الأرضِ والقيمةِ الأخلاقيّةِ بصرفِ النظرِ عن اللونِ والجِنسِ والعِرقِ، وأما مراعاة التفاوت وفق استحقاقات العمل والاستثناءات الظرفيّة والخصوصيّة فهو مضمون قانون العدالة، على أنّ حياةَ الإنسان تبدأ من التطابقِ بين القانونين، ثم إنّهما يفترقان لتكون المساواة منطلقاً لتحقيقِ العدالة بين الناسِ.

يترافق معنى الوجود دائماً بفكرتي الحضور والغياب ولهما معان اصطلاحيّة تتصل بحجم الدور الذي يقوم به الإنسان، وإذا كان الوجود مطلقاً فإنَّ الحضور معناه نسبيّ متعلق بقيمة العملِ ومعناه الأخلاقيّ، ربما يكون المعنى الآخر للغياب هو الفناء أو الموت، أو المعنى المناقض للوجود فهو العدم، والحديث عن صراعِ البشرِ يتصلُّ بالموتِ كنتيجةٍ له، قد يكون المصطلح الذي له علاقة بسبب الحروب هو «التغييب»، وهو بمعناه الشامل الانتقاص أو مصادرة أيّ حقٍّ طبيعيّ للإنسان، وبذلك فإنَّ كلَّ أشكالِ التعدّي من قبيل الظلم ومنع الحريّات والاحتلال لا تخرج عن إطار التغييب، والحضورُ بمقابلها يرتب على الإنسان العملَ على رفع التعدّي أيّاً كان شكله، الحضور يأخذ معنى الدور وليس الوجود، إذ لا تعدّي على غير موجودٍ، وأما تغييب الذات سواءٌ على مستوى الأفرادِ أو المجتمعِ، فهو شكلٌ من التقصير وظلمٌ يوقعه المرءُ بنفسه، وإعادة التوازن الطبيعيّ يستلزم أيضاً العمل لتتكامل الأدوار كلّها.

القانونُ الطبيعيّ لا يتطلب أبداً حضورَ أحدٍ على حساب تغييب آخر، ومصادرة أدوار الآخرين، فالحياة تأخذ توازنها اعتماداً على حضور الجميع، وهذا القانون يسري على كلِّ الكائنات الحيّة، والإنسان بات يدركُ بعد مراحل التطوّرِ العلميّ والإيكولوجيّ أهميّة الحفاظ على بعضِ الأجناسِ الحيّة المهدّدة بالانقراضِ وينشئ محميات طبيعيّة لها لحماية وجودها وتكاثرها، ويمنع الرعي الجائر وتحطيب الغابات وتجفيف المسطحات المائيّة ويعالج مصارف المياه المؤدية إلى الأنهار، لما يشكّله كلُّ ذلك من مخاطرَ للإخلالِ بالتوازن البيئيّ، والقول بأنّ الحياة تستمرُّ صحيحٌ، ولكنها مختلّة التوازن في كثير من الجوانبِ، وفناء أيّ من الأجناس الحيّة يعني غيابَ دورٍ في النظامِ الطبيعيّ.

وفي كلِّ أشكال الصراعِ الإنسانيّ حالات تمرّدٍ على القانون الطبيعيّ، فالإنسان هو أحد أنماط الوجودِ، ومن تجليات هذا التعدّي فقدان التوازن الاجتماعيّ ومظاهر المجاعات والفقر والأمراضِ في مجتمعاتٍ، والتخمة والثراء الفاحش ومظاهر الرفاهية المبالغ فيها في مجتمعاتٍ أخرى.

لا شيءَ في حاجاتِ الإنسانِ الطبيعيّةِ الأساسيّةِ يمكن أن يخلقَ التناقض بينه وبين الإنسانَ الآخر، فهو في الحدِّ الأدنى صورة أخرى للمثيل، ومرآته هو نفسه، وبذلك فليس ثمة ما يدعو للتنازع أو الصراعِ ما دامت كلُّ حاجاته تُؤمّن بيسرٍ ودون مصادرةٍ، ولتستكين دوافعه في حالة من الإشباعِ، إذ لا مشكلةَ في الفطرة، والاختلاف يقعُ في ميدان المعارف والخبراتِ المكتسبةِ وعوامل التربيةِ، ولنعودَ إلى تأثيرِ المحيطِ المجتمعيّ، وحالات الانحراف عن القيمةِ الأخلاقيّة للسلوك.

ذلك يقود للقول بأنَّ مجتمعاتنا ونظامنا الاقتصاديّ يقومُ على أساسِ فكرةِ زائفةِ تماماً مفادها أنّنا البشر فرديّون أنانيّون وأنّ تصرّفاتنا وسلوكنا هي مصداقُ صفاتٍ فطريّةٍ ووراثيّةٍ جينية لها اليد العليا في التحكّم في طبيعتنا، وتمَّ الترويج لهذه الفكرةِ وانتشر أتباعها بشكلٍ خطيرٍ في بناء كلِّ المؤسسات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والقانونيّة، وهي تنطوي على تبرير عملية ازدواجية في التطبيقِ، فمن جهة تلتمس المبررات للبعض في أخطائهم وتبرئ ساحتهم ومن جهة أخرى تضيّق الخناق على آخرين وتقترح استخدام القوة في التعامل معهم لترويضهم، والفارق بين الطرفين هو القوّة.

في الحقيقة إنَّ البشرَ كائناتٌ اجتماعيّةٌ وصفاتهم البيولوجيّة والوراثيّة محكومةٌ بالبيئةِ وبالتجاربِ الحياتيّة التي يخوضونها، وقد تتسبّبُ هذه التجارب أحياناً بانحرافات جينيّة وليس العكس، وإذا افترضنا أنّ هنالك أشخاصاً يحملون انحرافاتٍ جينيّة وراثيّةٍ تعزّز أو تحرّض فيهم السلوكَ العدوانيّ وتمَّ نقلهم للعيشِ في ظروفٍ مختلفةٍ أكثرَ ملاءمةً، فمن المرجّح أنّ هذه الانحرافاتِ الوراثيّة تنحسر تدريجيّاً وصولاً للاختفاء، وهو الدور الطبيعيّ للبيئةِ في تكوين الإنسان وتأهيله، وكذلك لآليات الاستجابة لمقتضيات البيئة والتعديلِ السلوكيّ.

وتظهِر التجاربُ العلميّةُ الحديثةُ أنّ الحيواناتِ تغيّر تصرّفاتها بحكمِ البيئةِ وبأنَّ بعض الضواري والجوارح والزواحف الفتاكة كالأسودِ والنمورِ والأفاعي قد أمكن تغييرُ سلوكِها العدوانيّ عندما تنشأ في ظروفٍ مختلفة مغايرة، وكذلك بعضُ الأسماكِ والحيواناتِ البحريّة التي تعيشُ في أحواضٍ خاصةٍ قد تمّ ترويضها وتأهليها وتلقينها وأنّها تدريجيّاً تقلع عن افتراسِ وأكلِ بعضِها البعض عندما يتمُّ توفيرُ الغذاءِ لها بيسرٍ، ووفق برامجَ منظمةٍ زمنيّة تأخذ بالحسبان حاجاتها ونظامها الغذائيّ، هنا ثمة حالتا انتقال متناقضتان، من وإلى التوحّش، أو أنّها بنفس الوقت من وإلى الموادعة والمسالمة، ويظهر فيهما أنَّ البيئةَ المحيطةَ تلعبُ فيهما الدورَ الحاسمَ، والفارق الجوهريّ بين الإنسان والحيوان، إنّ إشباعَ الحاجاتِ الماديّة لدى الإنسانِ يأخذُ طابعاً أكثر تطوّراً ويمكنه ليس فقط إخضاعها وملاءمتها مع قواعدَ اجتماعيّة، بل وجعلها مناسباتٍ وعواملَ للتواصلِ مع المجتمع، ولكنها لدى الحيوانِ لا تتجاوز حدود الاستجابة الطبيعيّة لإشباعِ الدافعِ بشكلٍ متيسرٍ.

وما يبدو غالباً أنّه تصرّف فرديّ أو قرارٌ اتخذه الفرد بوحي من إرادته هو في الواقع نتاج التجارب التي مرّ بها الإنسانُ وتأثير البيئة التي نشأُ فيها، ولذلك نرى أنّ الجرائمَ والسلوكيّات المنحرفة تتزايد في الأحياءِ الفقيرةِ أو في تجمعات الأقليّاتٍ السكانيّةٍ المهمّشة بالكامل وخاصةً اقتصاديّاً وخدميّاً، وتؤكّد الإحصاءاتُ كيف أنَّ معدلاتها ترتبط مباشرة بالأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة للسكانِ وبمعدلاتِ الرفاهيّةِ ومستوى تحقّق العدالةِ الاجتماعيّةِ.

ليس من شأن الطبيعة أن تصادر من الإنسان شيئاً من حاجاته باعتباره هو نفسه أحد تجلّيات الطبيعة ذاتها، وهي لا تقوم على مبدأ التناقض، بأن تعطي الشيء وتمنعه بآن واحدٍ، وأدنى درجات القانون الطبيعيّ هو البدائيّ الغريزيّ، وهو يقود السلوكَ إلى حيث تُشبع الدوافعُ، دون تحديد الشكل والأسلوب فذلك ميدان القانون الأخلاقيّ، حيث تتمثل حاكميّة العقلِ على السلوكِ لتكون النتيجةُ «أنسنَةَ الدوافعِ» وهي الارتقاء بالسلوك من طورها البدائيّ واقتران الحاجة الماديّة بالغايةِ الأخلاقيّة، أي إدراك مضمون الفعلِ وإمكانية تنظيمه وتجنب الصدام بين الأفراد في سياق سعيهم لتأمين حاجاتهم.

ومن المهم الإشارة إلى أنَّ الحاجاتِ الماديّة تتجلى بصورةِ الاستهلاكِ، واتسام الدافع بصورة البقاء يفسره التجدد بعد كلِّ حالة استهلاكٍ، وهي في حدها الأدنى «الكفاف» الذي يضمن البقاء، وعلى هذا فإنَّ ضمان تأمين «حدِّ الكفاف» عاملٌ مهمٌّ في التخفيفِ من حالاتِ التنازعِ، وبمقابلها تقوم «الوفرة» وهي محكومة بالظرفيّة والبيئةِ، أو المكان والزمان كشروط طبيعيّة، وأما مسعى الإنسان لحيازة الوفرة فيفسره نزوعه إلى «التملّك» بما يفيض عن حاجة الاستهلاك، ولا تكمن المشكلةُ بأخذ الاستهلاك صورةَ الترف والتنعّمِ، بل بمراكمةِ الخيراتِ من فوائض الاستهلاك لدرجةٍ مبالغٍ فيها.

جاءتِ الاشتراكيةُ لتقدّم تصوّراً لحلٍّ، ومجتمع قائمٍ على الندرة وعجزُ المجتمعِ عن إقامة مجتمع الوفرة, لذلك اقترح ماركس إيداع السلطة في عهدة الطبقة العماليّة «البروليتاريا» وتبنّي فكرةِ توزيعِ المواردِ بطريقةٍ أمثل، وقطع الطريق على مراكمة فوائض الإنتاج لصالح طبقة أو أفراد.

نعتقد بأنّ البشريّة قد تجاوزت مجتمعَ الندرةِ ومعها جميعُ الأيديولوجيّاتِ الليبراليّةِ والشيوعيّةِ وغيرها، ولكنّها مازالت قاصرةً في توجّهاتها ونظريّاتها لحلِّ مشاكلِ الإنسانيّةِ الأعمقِ، والأرجحُ أنَّ الاشتراكيّة كانت تجربة رائدةً في ظرفيّتها التاريخيّة لو تكاملت شروطُ تحقّقها، إذ أصابها النخر من الداخل وتوقفت عند حدودٍ ركنت فيها لنموذجٍ إداريّ شبهِ ثابتٍ واستعاضَ النقص في استيعابِ طموحاتِ الناسِ بالسلطةِ، بينما كانت الرأسماليّة تحقّق إنجازاتٍ متقدّمةً وتقطع أشواطاً بعيدة في نموذجِ حياةِ الرفاهيةِ والمتعةِ، على حسابِ عرقِ الناسِ وانحناءِ قاماتِهم وكدحِهم، ولكن ماكينتها الإعلاميّة وأدواتها التنظيريّة كانت في حالة استنفارِ وتعملَ على إجراءِ عملياتِ التجميلِ وإخفاءِ العيوبِ وتبريرِ الخطايا بما فيها القتل والاحتلال، واليوم فإنّ البشريّة قد تجاوزت كلّ هذه الحلولِ القديمةِ ضيقة الأفقِ وباتت تتطلع  لاستحقاقاتٍ تستوعب حالة التطوّر الحضاريّ والحقوقيّ.

لم تعد هناك حاجة لتوزيعِ المواردِ فالصحيحُ هو توفيرها، نحن لا نقسم التفاحةَ بالتساوي بل توفير التفاحِ للجميع، هذا ما لم يكن ممكناً في الماضي ولكنه ممكن اليوم وهو الطموح.

كارل ماركس كان قد أشار إلى مجتمع الوفرة والتوزيع حسب الحاجات بدلاً من التوزيعِ حسب العمل ولكن الماركسيّة كانت منشغلة بإيجاد حلول فوريّة لمجتمع الندرة و بنت نظريتها «السياسيّة» على أساس كيفية تحقيق ذلك.  لسنا بحاجة إلى عبادة النظريات، والأفكار ليست هويات بالنسبة إلينا. هذا هو ما يجري للأسف في عالمنا ويقوم به الكثير من الاشتراكيين واليساريين الذين يبحثون عن هوية فيقول أحدهم بأنّه ستاليني وآخر بأنّه تروتسكي أو غير ذلك.

الاشتراكيّة كانت طروحات سياسيّة لمرحلة انتقاليّة بين الاقتصاد الرأسماليّ والاقتصاد القائم على الموارد، ولكنها فشلت في إقامة هذا المجتمع الانتقاليّ. ولا يهمّ أسباب ذلك الفشل ولا نودُّ أن نخوض في جدال حول ما إذا كان تحقيق هذا النظام ممكناً أصلاً، فالأهم من ذلك هو أنّ هذا النظام يعتمد على بقاء الدولة والسلطة والنظام القائم على النقود, ويحتاج إلى أجهزة بيروقراطيّة لإدارته، هذه الأجهزة يفترض أن تقوم بمراقبتها مجالس عماليّة لمنع فسادها، ولكن مثل هذه الرقابة الاجتماعيّة فشلت في الماضي لأنّ الأجهزة البيروقراطيّة تمتلك وسائل السيطرة من جيوش ونفوذ وأموال تجعل فرصة المجالس العماليّة ضعيفة في مراقبتها ومنع فسادها.

عندما يكون التملّك على حساب مصادرة ومنع الحاجات الأساسيّة عن أفرادٍ آخرين فإنّ دوافعهم ستصبحُ معلقةً دون إشباعٍ، ما يخلق حالات كبتٍ تتناسب في حجمها مع حجم المنع الذي مُورسَ، وعموماً فالكبت أقل من أن يلغي الدافع لكنه يراكم التعطّش بانتظار الفرصة المواتية للارتواء بصورةٍ قد تتجاوز السلوكَ السويَّ، وتتجلّى بالانفجارِ أحياناً إن تجاوزت حدَّ الاحتمال.

الأرضُ هي ذاتها منذ آلاف السنين، تُزرع وتُحصدُ ويؤكلُ من خيرها، ويتناوبُ على ذلك الجيلُ بعد الجيلِ كلهم مضوا وبقيت الأرض حيث هي لتضمّ في ثراها كلَّ من مضى، ولا زالت الأرضُ تُزرعُ وتُحصدُ ويؤكلُ نتاجها، الإنسانُ فانٍ والأرضُ باقيةٌ، ولا يمكن للفاني أن يمتلك الباقي، ذلك من سننِ الحياةِ وحقيقةٌ ثابتةٌ عابرةٌ للزمان، لا تحتاج نظرياتٍ تؤيّدها، ولذلك يجب تحرّر الإنسانِ من وهمِ التملك.

الأصل في المُلكيّة هو المَشاعيّة وهي نقيض الملكيّة الفرديّة أو الطبقيّة بل هي نفيٌ كليٌّ لها، والبشر متساوون في الشراكة في خيراتِ الطبيعة والصراعات بما فيها أشكال المنافسة السياسيّة والاقتصاديّة هي عملياتُ إزاحةٍ منظمة للاستثمار بحصصِ الشركاءِ ومراكمتها في جهة واحدة وحرمانهم منها، وبهذا تتجلّى الصورةُ الأقسى والأدقّ للاحتكارِ لتشتملَ على سرقةِ الكدحِ والتعب والاحتفاظ بالسلطةِ كعامل يتضمن القوّة وامتيازٍ محصورٍ بفئة معينةٍ اقتصاديّة أو سياسيّة أو قوميّة أو دينيّة ونزع كلِّ الحقوقِ عن الآخرين، فنزعة التملك لا تتوقف عند حدود الاستيلاء على الجغرافيا وخيرات الأرضِ وتجاوزتها بالتطلع إلى الأراضي غير الخصبة والمراعي والسيطرة على المواقع ذات الأهميّة الاستراتيجيّةِ والمعابر البحرية الأساسيّة في العالم، ولم يعد يُنظر إلى الإنسان كوسيلةٍ للصراعِ ومحاربٍ في الميدانِ، وإنما كشكلٍ من الملكية لها قيمتها الماديّة، ففي ظل تطور نظم الإنتاج الاقتصاديّ تمَّ تجاوز نموذج الإنسان الرقيق الذي كان يُباع ويُشترى في أسواق النخاسة وتنتقل ملكيته من سلطة سيد إلى سيّد آخر، ولتتعدد أشكال العبوديّة المُقنعة كأن يسلم الإنسان نفسه طوعاً وفق منهجيّة عقائديّة أو نظامٍ اجتماعيّ ليكون تابعاً مسلوبَ الإرادةِ همّه قوتُ يومه وأبسط شكل للعيش، وتسمية الناس بموالي السلطانِ وأتباعِه أو عبيد الملك الذي يملك الأرض وما عليها، هو تجسيدٌ للفكرة ذاتها.

قضية المرأة تأتي في الإطار نفسه، إذ يُنزع عنها الجوهر الإنسانيّ وتعاملُ على أنّها ساحة للمتعةِ الماديّة، وجُعِلَ ذلك ميراثاً ثقافيّاً ساهمت المرأةُ نفسها في نقلِه والخضوعِ له وتصدّت في مفاصل كثيرة للجهد النسوي للخروج من عباءاتِ الوصايةِ وقصورِ العقلِ ونقصِ الدّينِ، والقبول أن تكون عالة اقتصاديّة مستهلكة فقط.

الإنسان هو ذاته في مستوى دوافعه الماديّة وحاجاته أينما ومتى كان، وما تاريخه الشخصيّ إلا جملة السلوكيات والأعمال التي يقوم بها في سبيل الاستجابة لتلكم الدوافع وتلبية حاجاته، ولكنه يقوم بتكييفها وفق القواعد السائدة في الإطار الاجتماعيّ المحيط.

إنَّ معظم النظم الاجتماعيّة التي عاش الإنسان في كنفها فرضت عليه أنماطاً سلوكيّة تم بموجبها استغلال دوافعه وحاجاته واستثمارها لدرجةٍ كبيرةٍ في شكلٍ من المقايضةِ اكتنفت الكثير من الغبن والظلم لتجعله عبداً لها بمحض إرادته، ويرى حريته في ظل تلك التبعيّة ذلك لأنَّ النظام أخذ صورة التعميم، والحرية رسمت لها أبعادٌ محدّدةٌ لا تتجاوز الإطار الخارجيّ لحلقةِ ترويضِ الحصانِ، ويجد أنَّ حريته مقصورة على الجري ضمن الحلقة بالسرعة التي يشاء، دون أن يدري أنَّ الحريّة هي خارج الحلقة تماماً، المسألة هنا تطويعٌ للإرادةِ والعقل، فالحرية داخل الحلقة كانت جزئيّة، إلا أنّه يتنازل عن الكلِّ بوهم بكفافِ الجزءِ، وربما جهلاً بأنّه غير ملزم بالسير الدائريّ يعيد ما أنتجه بشكلٍ آليّ مراراً.

لم يكن بالوسع التحرّر من صورةِ الإنسانِ المحاربِ في الميدانِ على ذمةِ قضيةٍ لا مصلحةَ له فيها إلا أن يكونَ حامل السلاح، فالنهضة الصناعية جعلت منه محارباً في ميدان المعملِ، والرأسماليّة التي استلمت مقاليد القيادةِ باحتكارِها السلطة واستغلالها التقدّم الصناعيّ كرّست عبوديّة الإنسان وجعلته متماهياً مع الآلةِ نفسها مكمّلاً دورَها، باعتبارِه أداةَ الإنتاجِ أيضاً، فيما كان الرّأسماليّ يُراكمُ فوائضَ الإنتاجِ لنفسِه، ولتزدادَ الهوةُ الطبقيّةُ في المجتمعِ والتي يصعُبُ ردمُها إلا بجهدٍ مجتمعيّ منظّم يتجلّى بالسلوكِ الثوريّ وهو القيام بقفزةٍ كبيرةٍ بحجم الهوةِ بدل التدرّجِ البطيءِ لعمليات الإصلاح التي تستهلك مراحلها قبل أن تخلص إلى نهاية وتتعرض إلى خرقٍ في مستوى نظرياتها وقياداتها فتحرفها عن مسارها وأهدافها، كما أنَّ معظمَ حالاتِ الإصلاحِ والدعواتِ إلى تطبيقِ نظامِ العدالةِ الاجتماعيّةِ التي لم تتجاوز إطارَ التنظيرِ لا تملكُ القدرةَ المُلزِمةَ لتنظيمِ المجتمعِ وتوحيدِ جهودِه وظلت تراوحُ في إطارِ الترفِ الفكريّ، كما أنّها قُوبلت بنتاجاتٍ فكريّةٍ مقابلةٍ ومناهضةٍ دافعت عن الرأسماليّة وجمّلتها بعناوين الحرية والليبراليّة وأضفت عليها القداسةَ ديناً جاعلة لها مضموناً أيديولوجيّاً يستقطب مزيداً من الأنصارِ.

حينما يكون الوجودُ موضوعَ الحديث، فإنّ القوى الاجتماعيّة التي ضاق الخناق عليها والتي تتشارك الألم والمعاناة ستجد في إنجاز القفزة متنفساً ونهاية لألمها، ولا ضمانَ لنجاحِ الثورةِ إلا بتطوير المستوى الفكريّ أولاً والتنظيم السياسيّ والاقتصاديّ والعسكريّ والخروج من شرانق الشعاراتِ والتحرّر من نزعات الانتهازيّة والتسلّق والتماهي في قضية الجماهير، ولعله من السهل أن تحقق الثورة حالة الانقلاب ولكنها تعجز عن إحداث التغيير والاستجابة لتطلعات الناس بما فيهم العاملين عليها، والسرُّ أنَّ الثورات تسلم قيادة أمورها من حيث تدري أو لا تدري، وقد شهدت كثيرٌ من النماذجِ الثوريّةِ حالاتٍ تمَّ فيها أخذُ الثورةِ بكلِّ إنجازاتها في لحظاتِ مفصليّة وتحت العناوين والشعارات الثوريّة نفسها وباسم محاربة الظلم ورفع المعاناة، إلى موقع آخر، يفرغ الثورة من أهدافها، المسألة هي وجود قوى أكثر تنظيماً ولها برامج عملٍ متكاملة وتمتلك أقنية العبور إلى خط الثورة ولكنها تنتظر لحظة الانقضاض المناسبة والمتمثلة بالمرحلة الانتقاليّة، فتقوم بالاستيلاء على الأدوار مباشرة، فالقوى المهزومة تفضل تسليم كلّ الصلاحيات والامتيازات إلى أيّ طرف معارضٍ على أنّ تسلمها لقوى المجتمع، ذلك لأنَ العلاقة بينهما عضويّة، ولتصبح السلطةُ الجديدة هي حالة تطوّر أو قفزة بالنسبةِ للسلطةِ القديمةِ، ولتنتهي الثورة بمجرّد تغييرِ الجلاد فيما بقي السجين أسير الزنزانة نفسها.

تعبّر الأزمات عن حالةِ عجزٍ في الرصيدِ الفكريّ وقصورٍ في الجهدِ المجتمعيّ في إيجادِ حلولٍ للمشاكلِ المتراكمةِ والمسائل الحياتيّة التي عولجت بشكلٍ مجتزأ، فنصفُ الحلِّ هو ببقاءِ نصفِ المشكلةِ.

هناك تناسبٌ عكسيٌّ بين حجمِ الطبقة الاجتماعيّة الغنية بنفوذها وقوّتها وسلطتها والطبقة الفقيرة، ولتكون كلُّ زيادةٍ على حسابِ نقصٍ، وليتناسب حجم الترف والرفاهية في طرف مع حجم العوز والحاجة في الطرف الآخر، المسألة هنا بنيويّة محضّة تتعلّق بمجملِ النظام المجتمعيّ، وتحدّدُ الإطارَ العامَ له وكذلك مسارَ حركتِه وعلاقاتِ الإنتاجِ وأنماطَ الحياةِ وأسلوبَ عملية التربية وصولاً لأدقِّ التفاصيل.

مفهومُ السلطةِ يقومُ على المعنى ذاته، أيّ علاقةُ التناسبِ العكسيّ نفسها، إذ هو تراكمُ الصّلاحيّاتِ والامتيازاتِ لصالحِ جهةٍ حاكمةٍ، مقابلَ الانقيادِ والخضوعِ من عوامِ الناسِ، هنا يُصبحُ مُسمّى «العوامِ» أكثرَ ملاءمةً للسوادِ الأعظمِ من المجتمعِ، وحجمُ المسافةِ الكبيرةِ ينطوي على انقطاعِ العلاقةِ المتوازنةِ بين طبقتين غير متكافئتين بالسلطةِ والنفوذ، وهذا هو تماماً ما تُوصفُ به حكوماتُ الاستبدادِ، التي تقومُ على تسخيرِ المواردِ لصالحِ جهةٍ واحدةٍ وتجسّدُ معنى السلطةِ المطلقةِ.

إنَّ مفهومَ السلطةِ يقومُ على اقترانِ المعنى القانونيّ بالقوةِ المُلزِمَةِ لتطبيقه، ويُفترضُ وجودَ حالةٍ من التوازنِ الدقيقِ، فالقانونُ يُعتبرُ مقياساً مجتمعيّاً للسلوكِ العامِ، ويذهبُ البعضُ بتعريفِه بأنّه ضميرُ المجتمعِ، فالحاجةُ للقوّةِ تساوي مقدارَ ما غابَ من القانونِ، والمشكلةُ هي حضور القوة متجاوزاً معنى الإلزامِ إلى العنفِ مع غيابِ القانون، وتصبح أجهزة السلطة منزّهة عن المساءلةِ مهما كانت سياساتها ونتائج ممارساتها، ووفقاً لذلك يكون الناس موضع السؤال لمجرّد التقصير في ضروبِ الخضوعِ والولاءِ وتحت طائلةِ توجيه تهمِ الخيانةِ والتمرّدِ، وإذا كانت السلطة قائمة على أساس الدين بتطويع نصوصِ الدين بما يوافقها، فالتكفير والردّةُ ستكون تهماً جاهزةً، والسلطان يصبح ممثل الإرادة الإلهيّة على الأرض، وهذا إن لم تصل السلطة درجة التأله نفسه، بإضفاءِ صفاتِ الخلودِ والحكمة البالغة عليها، وأن الناس تعيش من فيض نعمها وخيراتها باعتبارها مالكة الأرض وما عليها.

بالمقابل فإنّ الإدارة تعني معنىً مختلفاً وحركةً بالجهة المعاكسة أي صعوداً من القواعد الشعبيّة واعتبارها مصدر التكليف والتوكيلِ وتنقلب المناصب من حالة امتياز واستثناء إلى مسؤوليّة وأمانة وعهدة قانونيّة بموجب التوكيلِ، والمنطلق أنَّ حاجات الناس هي الأساسُ، فتنقلب جهة المساءلة ومعاييرها.

يعاني النظام السلطويّ من استعصاءٍ في تداول السلطةِ، إذ تمر عبر نزاعٍ وحالةِ أزمةٍ تهزُّ أركانَ المجتمع وقد تتحوّل لأزمةٍ مفتوحةٍ، فالقضية ليست مجرّد انتقال صلاحياتٍ، بل هي الدفاعُ عن امتيازاتٍ احتكرتها طائفة أو طبقة ومنع انتقالها لطبقة أو فئة أخرى، وتأخذ أبعاداً إضافيّة وتُصوّر كقضية وجوديّة وتهديدِاً لمصيرِ فئة أو طائفة، ووفقاً للتوصيف الطبقيّ يصبحُ الصراعُ أثنياً عرقيّاً أو دينياً مذهبيّاً مثلاً، ومن طبيعة هذه الصراعات أن تترك جراحاً لا تندمل وتثقل الذاكرة، ولتأخذ كلُّ حالة صراعٍ مقبلةٍ طابعاً ثأريّاً على ذمة صراعٍ سابقٍ وجيلٍ راحلٍ، ويصبح إنجازُ الانتصارِ لعقيدةِ وفكرِ الطائفة هاجساً يأخذ معنى ضمان استمرار البقاء.

ربما يكون ذلك صحيحاً لدرجةٍ كبيرةٍ، والمسألة ليست بمجرّد الاختلاف بقدر ما تتعلق «بأدلجة طبيعة الصراع» فيكتسبُ سمةَ الديمومةِ، ومردّ ذلك أيضاً أنَّ كلَّ سلطة قائمة تجهدُ من خلال الصلاحيّات وقوة السلطة والأيديولوجيا المفروضة في الإبادة الثقافيّة لمن عداها من الفئات والطوائف، وبذلك تختلط في الصراعِ معاني المقاومةِ والثورةِ والثأرِ والتمرّد والتأديبِ وسلطةِ القانونِ، وبكلِّ الأحوالِ تقودُ هذه الصراعات إلى مزيدٍ من التشدّدِ الدينيّ درجة التطرّف والتعصّب القوميّ درجة العنصريّةِ، وتبدّلات جوهريّة في المنظومة الفكريّة للمتنازعين، والضحايا من كلّ الأطراف هم قرابين انتقال السلطةِ. الحروب الإسلاميّة تنقسم إلى نوعين أحدهما التوسّع وسُمّي «الفتوحات»، والآخر جسّد حالة الصراعِ السلطويّ، فالأمويون استولوا على السلطة عبر حلقات أولها الانقلابُ في موقعةِ الجملِ وإعلان التمرّد في صفين وبالتوازي مع تعديلات مهمة في مستوى الفكر والأيديولوجيا لشرعنة الصراعِ، وحين سيطر آل الزبير على دمشق كانت موقعة مرج راهط تثبيتاً لدعائم الحكم، وجاءت موقعة النهروان كحالةِ تمرّدٍ كاملةٍ استغرقت في الشكليّة ومارست أقصى درجاتِ العنفِ، وانتقل الحكمُ إلى العباسيين عبر ميدان معركةِ الزاب وقطع رأس الخليفةِ، والعثمانيون دخلوا سوريا عبر مرج دابق وحيثما سيطروا كان حكمهم بالغلبةِ حتى استهلكوا كاملَ قوّتهم ومرّوا بمرحلةِ احتضارٍ ليتوقف عدادُ الزمن على أربعة عقودٍ ثم ينحسرَ المدُّ العثمانيّ نتيجة المواقف الأوروبيّة وتبلور نظامٍ عالميّ جديد تقوده فرنسا وبريطانيا فكانت سايكس بيكو التقسيم، وأما موجات الغزو المغوليّ والصليبيّ والاحتلال الأوروبيّ فهي لا تتصل بمعنى انتقال السلطة بل كانت حروب توسعٍ واحتلالٍ كما فعل العرب في مرحلة الإسلام الأولى.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى