الأزمة السورية والحل الفيدرالي الديمقراطي

الأزمة السورية والحل الفيدرالي الديمقراطي

الإدارة الفيدرالية الديمقراطية

 تشكل مشكلة النظام والسلطة في سوريا الموضوع الأساسي في مباحثات جنيف. والنتيجة المستخلصة من هذه المباحثات هي أنه باستثناء روج آفا فإن جميع الأطراف الأخرى همها الوحيد هو الصراع على السلطة.  فالمجموعات المختلفة التي تسمي نفسها بالمعارضة والمدعومة من قوى خارجية تدّعي بأن السلطة من حقها فقط, أما النظام السوري فلا يقبل بمشاركة السلطة مع أي طرف آخر.  فالرئيس السوري بشار الأسد يصرّ ويتشبث بالسلطة بسبب عدم حصوله على ضمانات لحمايته وحماية عائلته, وكذلك الدعم العسكري الروسي كان دافعاً معنوياً قوياً له للتشبث أكثر بالسلطة. بالنسبة لهؤلاء وأمثالهم لا توجد مشكلة فيما يخص الديمقراطية, الحرّية, العدالة, أو المصالح المصيرية للشعوب والمجتمعات.  فالمعارضة همّها الأكبر هو السلطة فهي ترى نفسها الأحق بالسلطة حيث أن هذه المعارضة تعتقد بأن سلالة الأسد حكمت سوريا بما فيه الكفاية, وبالتالي فقد جاء دورها لتحل مكان بشار الأسد لتقوم بممارسات مشابهة لممارسات نظام البعث الإقصائية أو حتى أسوأ منها. باختصار المعارضة السورية هي الأخرى ترغب بالاستئثار بالسلطة واستغلال الشعب.  لذلك فإن رحيل نظام بشار الأسد لتحل مكانه المعارضة لا يمكن اعتباره تغييراً جذرياً. كما أن هذه المجموعات المدعومة من تركيا والسعودية هي عبارة عن إفرازات شوفينية  وفاشية شبيهة بتنظيم داعش وسيكون استلامها للسلطة في سوريا مجازفة  وخطراً كبيراً على الشعوب.  وبالنظر إلى هذا الجانب فإن مشكلة السلطة وشكل الإدارة المقبلة في سوريا يعتبر مسألة مصيرية في غاية الأهمية. قبل كل شيء شكل نظام الإدارة الجديد في سوريا لا يمكن أن يشبه نظام البعث في نموذجه المعروف بالدولة القومية المستبدة,  ولا يمكن أيضاً السماح بحكم تنظيم مثل داعش  والذي يمارس القتل الجماعي من خلال عصاباته الراديكالية. من شبه المؤكد أن النظام السوري ليس له مستقبل في سوريا وقد انتهى زمنه. هذا النظام يعتمد على موازين القوى العالمية ليمدد عمره قليلاً.  أما الكارثة الكبرى فستكون بسيطرة هذه العصابات الراديكالية أمثال تنظيم داعش على السلطة في سوريا. و في هذه الظروف فالخيار الوحيد هو خيار الإدارة الديمقراطية الذي يعتمد على الإرادة الانتخابية الحرّة والديمقراطية للشعب ومختلف الفئات والقطاعات الاجتماعية في سوريا. هذا الخيار يستند على الإرادة الحرّة لكل شعب أو مجموعة في اختيار مندوبين يمثلونها في السلطة والإدارة,  وعند الضرورة يمكن الاستغناء عن هؤلاء المندوبين بنفس الأسلوب الديمقراطي. المندوبون الممثلون للشعب والمجموعات يقومون بتنظيم أنفسهم وفقاً لمبادئ نظام داخلي محدد وينفذون المهام الموكلة إليهم بحسب الصلاحيات الممنوحة لهم حسب بنود الاتفاقية. كل نظم الإدارة من إدارات الأحياء والقرى وصولاً للإدارة الفيدرالية ستتكون من نظام المجالس والبلديات.

بشكل واقعي أو مادي الإدارة الفيدرالية الديمقراطية في سوريا يجب أن تتكون من إدارات فيدرالية للمناطق ومن الإدارة الفيدرالية والتي ستكون لها مهمة التنسيق بين المناطق الفيدرالية التي ستمثل جميع شرائح المجتمع. في سوريا يجب إنشاء مجلس الشعب المنتخب من خلال المشاركة الديمقراطية والإرادة الحرّة للشعب في عموم سوريا. مجلس الشعب السوري يجب أن يكون مشكلاً من مندوبين يتم اختيارهم من قبل قطاعات المجتمع والمناطق الفيدرالية. مجلس الشعب السوري سيكون القوة التي تقرر وتحدد التشريعات. لأن هذا المجلس سيكون متواصلاً بشكل مباشر مع الشرائح المجتمعية التي ينوب عنها وبالتالي المجلس يمثل الهيئة التي تعبر عن قوة القرار الديمقراطي للمجتمع.  وظيفته الرئيسية اتخاذ القرارات الملزمة الخاصة بالعموم بالاعتماد على التوافق المشترك للمناطق الفيدرالية,  وتطوير الخطط المشتركة وتطوير الانسجام بين المناطق الفيدرالية وتأمين التنسيق بينها.

مجلس الشعب السوري يستطيع أن يكلف المجلس الاتحادي كهيئة إدارية من ضمن أعضاء المجلس أنفسهم. المجلس الاتحادي هو الهيئة التنفيذية. أي أنه يشكل حكومة سوريا الديمقراطية. المسائل الأساسية والتي تخص العموم السوري مثل ( الأمن العام, القرارات الاستراتيجية التي تخص كل الوطن, السياسة الاقتصادية الوطنية الديمقراطية, العلاقات الخارجية ) تكون من مسؤولية الإدارة المركزية أي الحكومة الفيدرالية. ماعدا هذه الأساسيات  فما تبقى من الأنشطة تكون من مسؤولية المناطق الفيدرالية الديمقراطية حيث تقوم بإدارة مناطقها بنفسها في مجالات نشاطها. المناطق الفيدرالية الديمقراطية يجب أن تمتلك قوة عسكرية على مستوى جيد يسمح لها بالدفاع عن مناطقها الفيدرالية.

وبشكل مماثل يجب على الشرائح الاجتماعية والشعبية في كل منطقة فيدرالية أن تشكل مجالس شعبية من خلال انتخابات حرّة وديمقراطية, وتقوم بتعيين هيئة تنفيذية من أعضائها لتقوم بتنظيم الأعمال التنفيذية وفقاً لمبادئ لجنتها أو هيئتها. هذا النظام بدءاً من المحافظة, المنطقة, القرية  وصولاً للبلديات يجب أن ينظم نفسه ويصبح مؤسساتياً وفقاً لهذا النموذج الديمقراطي.

 

 

 

 

القضاء وبنية العدالة الاجتماعية

 

ليومنا هذا كثيراً ما يشاع القول بأن القانون ينظم حقوق الفرد والمجتمع, وينظم واجباتهم.  ولكن في الحقيقة القانون هو الفن الذي استخدمه النظام الرأسمالي على مدى التاريخ ليعطي صبغة شرعية عادلة للمظالم الكثيرة التي كانت تحدث نتيجة الرأسمالية وجشع طبقاتها. الإدارة بالقوانين بدلاً من القواعد الأخلاقية والسياسية هي صفة تنسب للرأسمالية الحديثة أكثر من غيرها. البورجوازية التي تنكر الأخلاق والسياسة تتجه للقوانين التي تمنحها قوة أكبر وأعظم.  فالبورجوازي الذي يمتلك القوانين يملك بيده سلاحاً مهماً.  لأنه بهذه القوانين يحمي نفسه من النظام الأخلاقي والسياسي القديم, وكذلك يحمي نفسه من الطبقات الكادحة العاملة. الدولة القومية تستمد قوتها بنسبة كبيرة من القوانين التي تمت صياغتها من طرف واحد.

القانون الفيدرالي الديمقراطي هو القانون الذي يستند إلى التنوع. أو بالأصح النظام الفيدرالي الديمقراطي يلجأ قليلاً للنظام القانوني المعقد  ولكن له بنية أو نظام قانوني بسيط.  لذلك فالأمة الديمقراطية تكون لديها حساسية تجاه القانون خصوصاً القانون الدستوري. الأمة الديمقراطية هي أمة أخلاقية وسياسية أكثر من كونها دولة قانون. الأمة والدولة عندما توافقان على أسس العيش تحت سقف سياسي مشترك عندها تكون هناك حاجة للقوانين.  وبذلك تكتسب مسألة فصل القوانين الدولية وقوانين الإدارة المحلية أهمية كبيرة.  قوانين الدولة القومية التي تعتمد المصالح البيروقراطية المركزية من طرف واحد تواجه مقاومة ديمقراطية مستمرة من المجموعات الثقافية والمحلية, ولذلك تضطر الدولة القومية لتبني قوانين الإدارات المحلية. بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوربي  وصولاً لدول عديدة أخرى النظم الحقوقية الفيدرالية والاتحادية هي النظم السائدة.  هناك تطور واضح في الأنظمة التي تحمي مصالح الطبقات المجتمعية المحلية التي تحقق التوازن في مواجهة تفرد الرأسمالية والمركزية البيروقراطية.

لذلك هناك حاجة في سوريا لمعاهدة اجتماعية ديمقراطية  حرّة ( الدستور ) والتي ستنظم وتنشئ أسس النظام الرئيسي للأمة الديمقراطية ضمن  سوريا موحدة, وكذلك ستحدد ماهية المعايير الديمقراطية التي تضمن العيش المشترك للطبقات الاجتماعية والشعبية في مجتمع واحد. هذا الدستور وكمبدأ يجب أن يعتمد مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في سوريا ويعتمد القيم الديمقراطية الدولية. ويجب أن يستند إلى القيم الديمقراطية والأخلاقية للمجتمع.  في هذا الدستور يجب على المناطق الاتحادية الديمقراطية أن تؤسس بنفسها أنظمة العدالة الاجتماعية والقانونية بشكل لا يتقاطع مع قوانين سوريا الديمقراطية. المعاهدة الاجتماعية السورية الجديدة ( الدستور ) يجب ألا تكون تفصيلية بشكل مبالغ فيه. يجب أن تحدد أسس إنشاء وكيفية إدارة العمل المؤسساتي الاجتماعي الديمقراطي العام بالتوازي مع الحريات والحقوق الأساسية.  بقية الأمور يجب تركها واعتبارها شأناً داخلياً للمناطق الاتحادية.  وبشكل خاص يجب أن ينظم الدستور المواقع والعلاقات القانونية بين الأقاليم  والمناطق المحلية من جهة والإدارة المركزية من جهة أخرى, وينظم كذلك الأسس الديمقراطية لأنظمة الأقاليم الاتحادية والمناطق الذاتية الحكم, وكذلك يجب أن يضمن الدستور الحقوق الديمقراطية الأساسية للطبقات الاجتماعية  والمجموعات والشعوب.

وفي الوقت نفسه هناك حاجة للقانون ولوجود قوانين الإدارة في الأقاليم الاتحادية  والمحليات الديمقراطية الذاتية الحكم. ومن المهم هنا الانتباه إلى عدم خنق الحياة الاجتماعية بالكثير من القواعد القانونية, وعدم اللجوء لشرح كل شيء بالقوانين ولكن يجب تحديد القوانين الضرورية لتسهيل المعيشة والحياة الاجتماعية أيضاً.

يشكل نظام العدالة في النظام الديمقراطي لسوريا الجديدة موضوعاً مهماً. النظام الفيدرالي الديمقراطي السوري يجب أن يتضمن نوعين من الاختصاص القضائي؛ الاختصاص الأول هو القضاء الفيدرالي الديمقراطي, والثاني هو قضاء المجتمع. القضاء الفيدرالي يخص الفيدرالية الديمقراطية, بحيث يتجاوز الحدود الضيقة للمناطق أو الأقاليم الاتحادية ويقوم بالنظر في المشاكل القانونية والتي تخص عامة المجتمع. فالنزاعات والمشاكل القانونية  للفيدرالية الديمقراطية السورية يتم حلها عبر هذه المحاكم. إن تشكيل هذه المحاكم  وتنظيمها يتم بالتوافق وقبول المجلس الإقليمي الاتحادي. تأسيس المحكمة العليا وتعيين أعضائها أو عزلهم يكون بمبادرة من المجلس الإقليمي الاتحادي وضمن صلاحيات هذا المجلس. لأن نشوء قضاء ديمقراطي عادل ومحايد مشروط ومرهون بموافقة وقبول الأقاليم كلها. فإقليم واحد أو مرجع واحد لا يستطيع تشكيل مؤسسات أو اتخاذ قرارات تخص موضوعات على علاقة بالفيدرالية ككل. وإذا قام إقليم ما بشيء من هذا القبيل فسيكون هذا تصرفاً غير شرعي وسيكون تصرفاً أحادياً وغير عادل وغير ديمقراطي أيضاً.

أما قضاء المجتمع فيفهم على أنه القضاء الذي يخص المجموعات والمناطق.  يتم حل النزاعات القانونية في المناطق الاتحادية عبر محاكم المناطق أو عبر محاكم العدل الشعبية. كل منطقة تمتلك الحرية في إنشاء أجهزتها وهيئاتها القضائية وتطويرها شريطة مراعاة المعايير الديمقراطية العالمية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. المناطق والمجموعات يجب أن تكون قادرة على أن تضيف للقضاء ميزاتها من تقاليدها وثقافاتها الإيجابية البناءّة لتكسب القضاء صبغتها الاجتماعية الخاصة مثل السلام, المصالحة, التوافق, العدالة, التسامح, العزلة والنفي. كما أنه ليس من الملزم أو الضروري تطوير الهيئات القضائية التي تتشكل منها البيروقراطية الدائمة والمهنية. في المؤسسات القضائية من المهم أن يمتلك الشعب الحق في القضاء.  ففي المحاكمات تعتبر مشاركة الشعب في القرارات وأداؤه لوظائفه أمراً في غاية الديمقراطية. في بعض الحالات مثل بعض الدعاوى القضائية المعقدة يمكن للمجالس الشعبية المحلية أن تلعب دوراً مشابهاً لدور المحاكم. المجموعات والهياكل المحايدة, المحترمة والعادلة والممثلة للشعب يمكن أن تقوم بوظائف محاكم العدل الشعبية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قضية حرية المرأة

 

وضع المرأة في الشرق الأوسط  بشكل عام  وفي المجتمع العربي بشكل خاص ومركزها الاجتماعي يعاني من موقف خطير ومؤسف. ثقافة العيش والعقلية السائدة في المجتمع هي العقلية الرجولية المسيطرة تماماً والتي يمكن تعريفها بالمفهوم الاستبدادي الرجولي.  دور المرأة ملغي تماماً من الحياة التاريخية والمعاصرة. فقد تم أسر المرأة وفرضت عليها العبودية العميقة باسم المعتقدات والتقاليد الاجتماعية.  فعلى الرغم من أن المرأة تشكل جزءاً مهماً من المجتمع إلا أنها لا تملك مكاناً في صلب الساحة المجتمعية. هذه الوضعية تذكرنا بالمومياء ( المحنطة) الراقدة في نوم الموت منذ آلاف السنين.  المرأة التي مهدت لثقافة المرأة الآلهة والتي وضعت أسس الحضارة, ولكن للأسف المتبقي من تلك الحضارة هو العيش مع المرأة في ظل عمى كبير وتنكر فظيع لدورها الأساسي. علاوة على ذلك في الوقت الذي ينشغل فيه الرجل المسيطر والمهيمن بأمور القتل والحرب والموت, فإن النتائج المأساوية والصدمات العاطفية والحزن والألم الشديد الناتج عن ممارسات الرجل كلها تنعكس على المرأة التي تذرف الدموع وتعيش في خوف وقهر كبيرين.

إن خروج المجتمعات في الشرق الأوسط  من نطاق السيطرة وقطعها روابطها مع الحياة بهذا الشكل المخيف إنما يرتبط بشكل ما بالقيود والعبودية المفروضة على المرأة.  حرية المجتمع وعودته لرشده لا يمكن أن تتم بدون تحقيق حرية المرأة وتطلعاتها. فالرجل الذي تسمح له عقليته بقتل شريكة حياته بشكل وحشي وبدون تردد كيف يحق له العيش في ظل علاقات ديمقراطية يسودها التسامح مع الأخرين.  يجب علينا أن نعرف بأن العيش بشكل ديمقراطي وحرّ ممكن فقط إذا تمكنت المرأة من العيش بحرّية وتحققت لها هويتها  وشخصيتها. إذا كان الكرد اليوم على هذا القدر من الوعي السياسي, الصحوة التاريخية, الانتفاضة الاجتماعية,  والحماس الذي ظهر نتيجة لكفاح حركة الحرية  فإن كل هذا قد حدث نتيجة  صحوة المرأة  وانتفاضتها.  يجب أن تكون هناك دروس تاريخية وأمثلة نستفيد منها نتيجة تحرر المرأة  وإلا فإننا لن نرى أحداً من العالم المتحضر يسعى لبناء علاقات جيدة  وتقارب مع مجتمع تعاني المرأة فيه الرجم بالحجارة  في الساحات وتتعرض للقتل  والموت نتيجة العادات الاجتماعية المحافظة الراديكالية المتخلفة. بالنظر لهذا المفهوم وهذه العقلية يجب على المرأة أن تحارب نفسها بنفسها للنهاية. هذا الجهل  والحماقة غير المقبولة عند مجتمع ما إنما تضر قضيته و تسيء له بالدرجة الأولى حتى إذا كانت هذه القضية عادلة وعلى حق. فهي تقود الأفراد ليصبحوا أشخاصاً منحرفين لا يستطيعون العيش سوياً, وتخلق تصوراً لدى الآخرين بأن هؤلاء الأشخاص يستحقون ما يتعرضون له من ظلم واضطهاد.

في القرنين السادس عشر  والسابع عشر  وكما هو معروف قام الاستعمار الأوربي بغزو القارة الأميركية, وكان أحد أهم الأسباب وراء هذا الفتح الأوربي لأميركا وقتها هو قيام سكان قبائل الأزتيك والإنكا بتقديم الشباب صغار السن كقرابين لآلهتها وشق الأعضاء الداخلية  في جسم هؤلاء القرابين كشكل من أشكال الخضوع.  بدون شك كان هذا معتقداً  وتقليداً اجتماعياً خاصاً بتلك القبائل, ولكن هذه العقلية وطريقة العبادة تلك غير مقبولة نهائياً في عصرنا الحديث.  فقد كان تقليداً سيئاً وقبيحاً بحيث لا يمكن تصوره وقبوله وجدانياً من قبل الإنسان المعاصر. اليوم وتحت ذريعة ومسمى المعتقدات والتقاليد الاجتماعية تطبق الأساليب نفسها على  المرأة  وهذا يذكرنا بالمفهوم الذي كان سائداً في القارة الأميركية قبل الفتح الأوربي لها.  بل وإنها تشبه العقلية ذاتها. هذا الشيء لا يمكن القبول به ولا يمكن للوجدان الإنساني أن يتفهمه. لقد ذكر في الحديث النبوي للرسول محمد (ص) ” الجنة تحت أقدام الأمهات”. للأسف  اليوم تم تحويل هذه الجنة إلى جهنم. ولكن حان الوقت لوضع حد لهذه الحماقة وهذا الجهل, يجب التخلي عن هذه التقاليد وهذه العقلية السيئة. في مسألة حرية المرأة لن يكون هناك حل بالتعصب والإنكار لكيان المرأة, ولن يكون هناك حل أيضاً بالعقلية الرأسمالية التي تحول المرأة لسلعة. الحل الوحيد هو أن تكون للمرأة حرية شخصية استناداً على الهويّة الحرّة للمرأة المقترنة بالعيش المشترك وحرية الاختيار. أولاً يجب تجاوز العقلية المتصلبة التي جعلت الرجل مهيمناً على الحياة والمجتمع على مدى التاريخ الحضاري

لأجل كل هذا من الضروري والملزم تطوير تعاريف وتعابير للوصول بمركز المرأة الاجتماعي إلى المستوى الحرّ  والمتساوي مع الرجل في كل مجالات الحياة الاجتماعية الديمقراطية.  ووضع حد ونهاية للهيمنة والسيادة الذكورية. إضافة لذلك يجب وضع عبارات تمنع العنف والقمع ضد المرأة وتجيز العقاب الجنائي في حال حدوث شيء من هذا القبيل.  يجب تطوير ترتيبات وتعديلات إيجابية تضمن عدم التمييز ضد المرأة فيما يخص الجوانب الثقافية, الاجتماعية, الاقتصادية  والسياسية, وتحميها من الهيمنة الذكورية.  يجب الدفاع عن المرأة وتمجيدها على المستوى المعنوي والأخلاقي.  يجب دعم المرأة في سعيها لتحقيق هويتها وحرّيتها وتطلعاتها ويجب إزالة العوائق التي تمنعها من سعيها هذا. يجب عدم منح الفرصة للمؤسسات والهياكل التي تضع حدوداً لحرية التنظيم والتعبير لدى المرأة.

في النظام الفيدرالي الديمقراطي لابد من توجيه أفراد الفئات الاجتماعية من أية ثقافة أو أي تقليد كانت لتقوم بإنشاء العلاقات الحرّة وتطوير شكل العيش المشترك مع المرأة على أسس المساواة بين الجنسين. هنا الأولوية يجب ألا تكون للتقاليد المحافظة المتشددة, وإنما الأولوية تكون للقواعد الأخلاقية للمجتمع الديمقراطي والقيم الديمقراطية الأساسية.

في ظل النظام الفيدرالي الديمقراطي تعتبر حقوق المرأة أساسية فيما يخص الحقوق السياسية, الاجتماعية, الاقتصادية, الثقافية, الفنيّة, القانونية, بالإضافة إلى حرية التنظيم والتعبير عن نفسها بشكل حرّ في مجالات الدفاع والإعلام. إن حق مشاركة المرأة وتمثيلها بشكل متساوٍ في جميع مجالات الحياة والفعاليات المجتمعية يجب أن يكون مصاناً كمبدأ أساسي في الدستور. يجب توعية وتنظيم وتنوير المجتمع فيما يخص حريّة المرأة. من أولويات مهام النظام الفيدرالي الديمقراطي هو العمل بشكل مكثف لتحقيق التعبئة والتنسيق فيما يخص العقلية الحرّة وتطبيق البرامج التدريبية الخاصة لهذا الغرض.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحياة الثقافية والاجتماعية في ظل النظام الفيدرالي الديمقراطي

 

حياة الإنسان منذ البداية هي حياة اجتماعية. المجتمع العشائري البسيط الذي استمر لملايين السنين والأشبه بكونه عائلة  متخلفة  قد لا يثير إعجابنا أو اهتمامنا, ولكن في الحقيقة لولا المجتمع العشائري لما كان هناك وجود للمدن أو الطبقية أو الدولة أو حتى وجود للحضارة.  من يطور المجتمع ليست المدن أو الطبقية أو الدولة أو الحضارة, بل على العكس المجتمع  هو الوجود الذي يطور هذه الظواهر والحالات.  في حياة الإنسان لا شيء قد يكون بديلاً عن المجتمع.

ولكن ما نراه اليوم في  ظروف سوريا وكوردستان يشبه نحيب طيور البوم على قبر الحياة الاجتماعية. أي أن هناك تفككاً اجتماعياً يدفع الإنسان ليكون في مهب الرياح في الاتجاهات الأربعة للعالم.  فمدن مثل دمشق وحلب وتدمر والتي يزيد عمرها عن خمسة آلاف سنة, هذه المدن التاريخية القديمة تعرضت للتدمير والهدم. الملايين من البشر تهرب لتنجو من الموت.  قوافل المهاجرين وصلت بل وتجاوزت الولايات المتحدة الأميركية وليس معروفاً إلى أين وإلى متى ستستمر هذه القوافل. كل يوم تجرف أمواج ومياه البحار أجساد الأطفال والبشر دون توقف. إننا نعيش ونشهد فترة استثنائية. يمكننا أن نشبه هذه الفترة في يومنا هذا مع فترة الغزو المغولي الهمجي. العائلة, المدينة, الطبقية, الدولة, والحضارة كظواهر اجتماعية وعلى مختلف المستويات في جميع أنحاء العالم تطرح العديد من المشاكل وقد تفاقمت المشاكل أكثر وأكثر نتيجة الحداثة الرأسمالية. ولكن هذه الظواهر فقدت معناها في ظل حقيقة الأزمة السورية التاريخية والحالية. بداية من الضروري أن تهدأ الأوضاع وتعود لطبيعتها تدريجياً. فالمهمة الأهم هي منع الانقسام والتفكك المجتمعي في سوريا.

وبالتالي فالنظام الفيدرالي الديمقراطي هو البديل الأفضل من أجل لم شمل المجتمع  وتوحيده من جديد في مواجهة الإبادة الاجتماعية والتفكك. في هذا الوقت الذي يتم فيه إنشاء مدن  ديمقراطية حرّة وصديقة للبيئة, والذي بدأت فيه الطبقية تفقد معناها, ويتم تجاوز الدولة القومية الاستبدادية, لن يكون من الصعب تأسيس نظام يجمع مختلف المجموعات والفئات الاجتماعية لتعيش في مجتمع اتحادي حرّ. المجتمع هو الذي يمثل إعادة البناء وهو الذي يشكل السلام الديمقراطي في وجه الصراع المستمر للسلطة والدولة. المجتمع هو الذي يقود الفعاليات لإيجاد وتحقيق المساواة والعدل والحريّة في مواجهة جميع أشكال العبودية  والتمييز, وكذلك مواجهة عدم إدراك المجتمع  لحقيقة تعرضه  للاستهلاك والتفكك.  فالمجتمع يقوم بإعادة إحياء نفسه من أنقاضه هو نفسه. نستطيع الوصول بسهولة للمفاهيم السالفة الذكر عندما نقوم بتقييم الأمّة الديمقراطية والفيدرالية الديمقراطية من حيث الحياة الاجتماعية. النظام الفيدرالي للأمة الديمقراطية هو أول الشروط التي تضمن العيش من جديد تحت سقف مجتمع سليم. هذا في الحقيقة يمثل استعادة المجتمع من جديد بعد أن استهلكته الدولة القومية. ويمثل إعادة بناء العلاقة بين الفرد والمجتمع من جديد وبشكل متوازن أكثر.  في نظام الفيدرالية الديمقراطية والأمة الديمقراطية هناك تحولات مهمة تحدث في الحياة الاجتماعية, حيث يجب أن تتعرض الحياة التقليدية لمجموعة تغييرات كبيرة.

في سوريا هناك حاجة ملحة لنهضة ثقافية بالمعنى الحقيقي.  ولتحقيق تلك النهضة هناك حاجة إلى عقلية جديدة مختلفة إضافة إلى مراكز للبحث والدراسات. ينبغي إجراء مراجعة شاملة للمواد والمناهج المدرسية وتعديلها من جديد على أساس المفهوم العلمي الديمقراطي.  في هذه المناهج يجب إعادة الاعتبار والمعنى والقيمة الحقيقية للعلوم الاجتماعية والفلسفة والتاريخ  والميثولوجيا ( علم الأساطير). يجب على كل الشعوب من العرب والكرد والآشوريين والسريان والتركمان والأرمنيين أن يتعرفوا من جديد على جوهر تاريخهم ولغتهم وثقافتهم ويتمكنوا من تأسيس أنفسهم على أساس الأمّة الديمقراطية.  وبغير ذلك لا يمكننا أن نفهم التاريخ الحقيقي للشعوب والمجتمعات. خصوصاً شعوب منطقة ميزوبوتاميا ( بلاد ما بين النهرين)  والتي تعتبر شعوباً قديمة لها  تاريخ  وثقافة تاريخية قدم التاريخ البشري نفسه, لا يمكن أن نفهم تاريخ  وثقافات شعوب هذه المنطقة بشكل صحيح لأنها تعرضت للكثير من حملات الإبادة والإنكار. وبدون هذا الفهم  والاستيعاب لن نتمكن من إنشاء التحالفات والاتفاقيات  بين شعوب الأمة الديمقراطية في هذه الرقعة الجغرافية ولن نتمكن من تطوير تلك التحركات وقيادتها للنجاح.

إنشاء الأمّة الديمقراطية من حيث الجودة والمؤهلات يختلف عن إنشاء الأمّة التي تعتمد على تطوير نهج الدولة القومية. فالهدف هو إظهار كيفية إنشاء الأمّة الديمقراطية أي خيار بناء الأمّة التي تستند على ثقافة وتاريخ الشعوب وتستند أيضاً إلى العمال والكادحين في مواجهة نهج الدولة القومية المختلف تماماً. شهد الشرق الأوسط  تاريخياً اتحادات  مسلم بها ( أوضح مثال هو الأمة الإسلامية ), والمطلوب هو تحديث وتطوير الاتحادات بين الشعوب  في الشرق الأوسط  وإنشاؤها من جديد بحيث تفتح الطريق أمام الحرية التي ستنقذ هذه المنطقة.

من الواضح أن العمل التربوي يشكل العمل الأساسي الذي يجب القيام به فيما يخص العقلية.  يجب إعادة ترتيب الجوانب الثقافية والجوانب العقلية ( الدين, الميثولوجيا, الفلسفة, الفن, العلم, الجمالية )  وتنظيمها من جديد لتناسب الأهداف الديمقراطية للمجتمع.  ينبغي ترتيب  وتنظيم المفردات العلمية للمناهج التربوية وفقاً لأهداف الأمة الديمقراطية. وينبغي أن يكون الهدف من السياسة التربوية المتبعة هو ضمان الوحدة والعيش المشترك في المجتمع.  يشترط تحديث سياسة تربوية جديدة يكون أساسها احترام مبادئ حقوق الإنسان الأساسية, وتستند على مفهوم ومبادئ العدالة والحرية, وتسمح لكل شعب ولكل مجموعة بالحصول على حق التعلم بلغته الأم وممارسة جوانبه الثقافية الخاصة به. احترام القيم الديمقراطية الأساسية, واحترام الحقوق الأساسية للمجتمع والإنسان, واحترام الثقافات والأديان  والمعتقدات لمختلف الشعوب هذه الأمور هي الأساس في السياسة التربوية للمناهج التعليمية الجديدة. ليومنا هذا كان المفهوم التعليمي يستند إلى سياسات الاستيعاب والانحلال والاستعمار من قبل الدول القومية التي كانت تطبق سياساتها تلك بحق الشعوب, لذلك يجب تطوير المناهج والسياسات التربوية التي تساعد على مواجهة الهياكل والعقليات الشمولية  والعنصرية والتي تتنكر للشعوب وثقافاتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

البنية الاقتصادية في النظام الفيدرالي الديمقراطي

 

إلى يومنا هذا كانت الدولة هي الجهة الوحيدة المحتكرة لجميع مقدرات النظام الاقتصادي في سوريا. الدولة هي القوة الحاسمة في النظام الاقتصادي برمّته. الزراعة, التجارة, الاتصالات, الصناعة, الطاقة, المياه, الطرق والمواصلات جميع هذه الأنشطة التي تشكل فعاليات المجتمع الاقتصادية كانت حكراً على الدولة تنفرد بإدارتها بشكل أحادي. هذا الاحتكار للدولة سمح بظهور طبقات بورجوازية وسطى والتي بدأت بالتزايد والتعاظم نتيجة الاستفادة من مقدرات الاقتصاد واستغلالها واحتكارها. الدولة البيروقراطية كانت المؤثر والفاعل الأساسي الذي أدى لظهور هذه الطبقات الاقتصادية الكبيرة ( الحيتان الاقتصادية).  وفي المقابل نسبة كبيرة من أفراد المجتمع تعمل لدى الدولة مقابل أجور بخسة ( عبودية الأجور). وكما هو الحال في الدول الاشتراكية ففي سوريا أيضاً الدولة تمثل رئيس العمل وسبيل العيش الأكبر. هناك فئات وطبقات في المجتمع مدمنة على وظائف الدولة لدرجة أنها لا تستطيع العيش يوماً واحداً بدون مساعدة الدولة.  يمكننا تسمية هذا الوضع باشتراكية فرعون. ففي ظل حكم نظام فرعون لدولة مصر القديمة كانوا يقومون بتشغيل العبيد في بناء الأهرامات  والمعابد وفي الحقول  والمزارع وبقية أعمال الدولة وكل ذلك مقابل الطعام  والشراب فقط  دون أجور.

هذا الاعتماد والإدمان الاقتصادي على الدولة الرأسمالية الاحتكارية يشكل سبباً لكل أنواع العبودية.  فكل من لا يمتلك استقلاليته والاكتفاء الذاتي في الاقتصاد إنما لا يمتلك حريّته أيضاً. الظلم الاقتصادي أو انعدام العدالة الاقتصادية يعتبر مصدراً لكل أنواع التناقضات  والصراعات في المجتمع. هناك قول مأثور يتم تداوله في المجتمع ” يوجد من يأكل  ويوجد من ينظر إليه, ولهذا تقوم القيامة”. علاوة على ذلك  فالطبقات والفئات التي تعمل وتستفيد من ريع الدولة دون جهد يتم استخدامها فيما بعد ضد الفئات التي لا تعتمد على اقتصاد الدولة، وتنشأ العداوة بين الفئتين كنتيجة حتمية لهذا التناقض. وكأن الدولة تقوم بوضع  طوق على رقاب أفراد المجتمع الذين يعملون في وظائف الدولة لقاء الأجور التي يتقاضونها. ولذلك يضطر هؤلاء الأفراد للمضي في أي اتجاه أو طريق تقودهم إليه الدولة والرأسمالية الحاكمة. هيمنة الملكية الخاصة في النظام الرأسمالي تقود أيضاً لنتائج مشابهة وبالتالي يجب السعي لكسر وتجاوز هذه القاعدة التي انتهت صلاحيتها الزمنية.

المهمة الأولى في هذا المجال في ظل النظام الديمقراطي الجديد لسوريا هي تنظيم وتعبئة المجموعات الذاتية الحكم والوحدات المحلية لتشكيل أنظمتها الاقتصادية البلدية والبيئية.  فالأهمية ليست للدولة كرئيسة للعمل أو الفرد كرئيس للعمل. المهمة ذات الأولوية والأهمية الأكبر هي تطوير الاقتصاد البلدي البيئي استناداً على المجموعات والوحدات المحلية, ويجب أن يشكل هذا هدفاً استراتيجياً طويل الأمد.  بدءاً من المدن  وصولاً للقرى وفي كل مكان من الدولة، الهدف الأساسي يجب أن يكون تنظيم وتحقيق اقتصاد يتمتع بالاكتفاء الذاتي, كل وحدة تعتمد على نفسها لتحقيق هذا الهدف. تضع الدول القومية باستمرار أهدافاً أمام أفراد المجتمع مثل التنمية الوطنية, التصنيع, الصناعات الثقيلة. مثل هذه المفاهيم والأهداف لا تصلح في ظل النظام الديمقراطي البلدي البيئي. النظام الاقتصادي للأمة الديمقراطية لا يكتفي فقط بإيقاف هذه الممارسات وإنما يسعى لإعادة الدور الرقابي الرئيسي للمجتمع على الفعاليات الاقتصادية في الدولة. فبدءاً من منطقة الجزيرة وصولاً لجميع أنحاء سوريا ستشكل قطاعات الطاقة والزراعة والمياه أساس النظام الاقتصادي الفيدرالي الديمقراطي للبلاد.

فكل قرية تشكل وحدة بلدية زراعية ذاتية. وكل تعاونية تشكل مجموعة إنتاجية أو استهلاكية ذاتية. ويستطيع العاملون في هذه الوحدات البلدية الذاتية الاقتصاد اتخاذ قراراتهم الاقتصادية وتطبيق هذه القرارات بأنفسهم. التنسيقيات الاقتصادية العامة تسعى لتوفير أجواء التضامن بين هذه الوحدات البلدية الاقتصادية، وتقدم الدعم اللازم لهم لضمان العمل بكفاءة عالية. تأمين الغذاء الضروري والصحي للجميع, وضمان عيش الأفراد بأمان وحصولهم على المأوى اللازم يفرض ضرورة الإنتاج الاقتصادي كهدف أساسي لتحقيق هذه الغايات للشعب. كل مجموعة يجب أن تملك فعالياتها الاقتصادية وتملك حق إدارتها بنفسها. ولهذا السبب الغاية الأساسية ليست المكسب المادي وإنما تحقيق الأمن الغذائي الصحي للمجتمع  ووصوله للعيش الحرّ المنشود ومساعدة أفراد المجتمع ليؤمنوا بمحض حريتهم وجهدهم  وعملهم الذاتي احتياجاتهم المادية والاجتماعية والفكرية والثقافية بدون التعرض للإجبار أو الإكراه من أحد الأطراف. لابد هنا من اعتبار تحرير العمل والجهد النهج والمبدأ الأساسي.  في النظام البلدي البيئي لا مكان للجهد غير الجاد أو الجهد الذي لا يحقق الحرية. استند المجتمع على مر التاريخ على النموذج الاقتصادي الذي طور مفهوم جوهر الحياة لأفراده وجعلهم يستقبلون الحياة بمشاعر الحماس والتقديس وساعدهم على تحقيق وجودهم وكيانهم. الاقتصاد البلدي البيئي موجود في كل مكان يتواجد فيه العطاء والخصوبة والحماس.

التضامن الديمقراطي والعادل بين المناطق والمجموعات الاقتصادية يعتبر ضرورة ملحة.  هناك بعض الأمور التي تتطلب منا أن نضع نصب أعيننا هدفاً مهماً وهو التخطيط الاقتصادي. ومن هذه الأمور التي سيساعدنا التخطيط الاقتصادي على تحقيقها نذكر على سبيل المثال:  تبادل بعض أدوات وسبل العيش والحياة بين مناطق تتواجد فيها هذه الأدوات والسبل ومناطق لا تتواجد فيها. التضامن الاقتصادي وتأمين الدعم والمساعدة للمناطق التي لا تسمح ظروفها الجغرافية بتحقيق العطاء والكفاءة الاقتصادية. ضمان العمل بما يحقق العطاء والكفاءة الاقتصادية لجميع البلديات وجميع المواطنين. محاربة البطالة والسعي لخلق فرص للعمل لأفراد المجتمع.  تأمين وضمان أفضل الشروط للعمل والتي تساعد الأفراد على العمل والعطاء الأفضل وفقاً لمهاراتهم ورغباتهم. تأمين جميع احتياجات ومتطلبات العاملين الصحية والاجتماعية وتحقيق الأمن والأمان الدائم للعاملين.

من الواضح أن الإدارة الذاتية الاقتصادية البيئية بحاجة لأساس قانوني شرعي. المركزية والتماثل في قوانين الدولة القومية المهيمنة وتحت مسمى قانون النقابات أصبح عائقاً أمام المنافسة والإبداع الاقتصادي. هذا المفهوم القانوني يستند في جوهره على الاستعمار الاقتصادي. هناك حاجة ملحة لتجاوز هذا المفهوم واستبداله بمفهوم الاقتصاد المحلي الذي  يعمل بشكل ذاتي ويكون في تنسيق دائم مع الاقتصاد الوطني الديمقراطي العام للدولة. هناك حاجة ملزمة وضرورية لقانون اقتصادي يأخذ بعين الاعتبار النشاط الحيوي في الأسواق المحلية دون إنكار ظاهرة وحقيقة وجود السوق الوطنية. تنظيم وترتيب الملكية, حجم الشركة, مصادر المياه الجارية, تقييم الرواسب المعدنية والمياه الجوفية والسطحية, مؤسسات السوق, النظام المصرفي البنكي, هياكل الميزانية للإدارات الديمقراطية المحلية, الضرائب … وغيرها من المواضيع الأخرى, كل هذه الأمور بحاجة لتشريعات قانونية اقتصادية محلية أساسية.  يجب ضمان التوافق وعدم التداخل بين القوانين والتشريعات الخاصة بالاقتصاديات المحلية وتلك الخاصة بالاقتصاد الوطني الديمقراطي.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى