الديمقراطية بلا مجلس كالديانة بدون معبد

الديمقراطية بلا مجلس كالديانة بدون معبد

السياسة هي الفعاليات الديقمراطية التي يسيّرها المجتمع بذاته. وتعتبر الفعاليات التي يسيّرها الشعب الكردي بشكل أو بآخر فعاليات ديمقراطية. حيث لا يمكن إحلال الديمقراطية بدون المناقشة والتنظيم، فالأماكن التي يتم فيها تسيير المناقشات المحلية سواء أكانت في السوق أم الساحات العامة أم الحدائق أم القرى مضطرة لأن تتحول الى مجالس للديمقراطية. حيث أن التحدث والمناقشة بحرية في تلك الأماكن ضرورة اجتماعية؛ لأن الهدف منها إظهار قوة القرار والإرادة للشعب وليس التحدث فقط أو ممارسة السياسة. ويتحقق هذا من خلال تطوير وممارسة التنظيم التحرري للشعب الكردي والتعبير عن ذاته بهدف الوصول إلى منطقة ديمقراطية وحقيقة الأمة الديمقراطية.

الكومون والمجالس هي مكان وعملية للديمقراطية يمكن للديمقراطية الصمود أمام هجمات الحداثة الرأسمالية من خلال إحياء الميراث التاريخي المستند إلى الانضمام الصحيح للمجتمع. لأن المجالس والكومونات هي محافل تتعدد فيها الآراء ويتم التوصل إلى القرار من خلال محادثة المجتمع واكتساب القوة من خلال الانضمام الصحيح إلى العملية واكتشاف الناس لذاتهم من خلال قيامهم بمحادثة ومناقشة بعضهم البعض. لهذا السبب تُعتبر مجالس الشعب الأرضية الاجتماعية المشروعة التي تُطبّق فيها الديمقراطية بشكل مباشر. لهذا السبب الديمقراطية بدون مجلس كالديانة من دون معبد. حيث يمكن رؤية المجالس التي تُظهر لنا شكل الميراث الديني والثقافي والاجتماعي الذي لم يمسه مفهوم الدولة في جميع أحقاب التاريخ وبأشكال مختلفة. فعلى سبيل المثال دار القرية يعتبر في نفس الوقت مجلسا للقرية حيث يتم فيه مناقشة المشاكل التي تواجهها القرية وإيجاد الحلول والتوصل إلى قرار بصددها.

لم تنوجد المعابد والكنائس والجوامع كأماكن للعبادة فقط، إنما ظهرت كمجالس لمناقشة القضايا الاجتماعية وإيجاد الحلول لها. حيث أن أماكن عبادة العلويين مثلاً تمثل وتعتبر مجالس للعلويين. كما أن النقابات كانت تلعب دور المجالس في السابق. حتى أن وجهاء أي وحدة سكنية يُعتبرون أعضاء في مجلس تلك الوحدة. ومن خلال العودة للتاريخ نرى بأن البلديات التي اعتبرتها الدولة القومية ملكاً لها من خلال افراعها من مضمونها كانت تمثل وتلعب دور مجالس الشعب الأكثر شمولية.

شكّل المجتمع مجالسه على مر التاريخ بشكل يضمن أكبر قدر من التنوع والغنى وقام ضمن هذه المجالس بحل قضاياه وتلبية متطلباته واحتياجاته على أساس الأخلاق والرضا المتبادل، وعلى أساسها صان استمرارية وجوده. أي أنه لم ينوجد مجتمع من دون مجلس في أي وقت من الأوقات أو أية حقبة من أحقاب التاريخ.

أي أن سياسة المجلس تتشكل من قبل وحدة فكر المواطنين الذين يُعتبرون العنصر الأساسي في المجلس. وتترجم على أرض الواقع أو تدخل الممارسة العملية بالموافقة وينضم الجميع إلى هذه المرحلة بشكل مباشر. بهذا المعنى المجلس هو مكان الديمقراطية وعمليتها.

السياسة الحقيقية إن جوهر السياسة التي تُعرف اليوم على أنها فن خداع الشعب يعني تجاوز القضايا الاجتماعية بأنسب الطرق والسبل، وهي أقدس الطرق لخلق الديمقراطية والايكولوجيا واقتصاد المجتمع. فالسياسة تشمل مشكلة مياه الشرب لحي ما وصولا إلى نظافة الحي، ومن قضية الهوية وصولا إلى قضية المرور، والصحة والتعليم والاقتصاد وصولا للدفاع، أي أن كل المواضيع المتعلقة بالحياة الاجتماعية تدخل ضمن نطاق السياسة. يتم إحالة القضايا الاجتماعية إلى الدولة من قبل الحاكم ضمن نظام الديمقراطية المزيفة، إلا أنه في نظام الديمقراطية المباشرة تدخل القضايا الاجتماعية ضمن السياسة الحقيقية التي تسعى لحماية الشعب، ولا تقوم بإحالة قضايا المجتمع للدولة. فمن خلال المناقشة مع المجتمع يتم تحديد المشكلة ويتم وضع برنامج ومشروع محد لإيجاد حل لهذه القضية. فهؤلاء الذين قاموا بتحديد مخطط ومشروع من أجل حل أية قضية كانت يكونون مشرفين على عملية تطبيق هذا المشروع أو المخطط الهادف إلى حل القضية على أرض الواقع.

أسلوب تنظيم المجالس والكومونات هو حقيقة السياسة الديمقراطية التي تبنيناها إن من يقوم بتسيير السياسة الديمقراطية هم أعضاء ضمن الأمة الديمقراطية. وإن مجالس الشعب والكومونات تعتبر أماكن لتطوير السياسة وفي نفس الوقت آلية تطبيقها على أرض الواقع. لذا ينبغي تنظيم مبادرة المواطنين كما ينبغي تنظيم المجالس على شكل جميعات ومحافل متنوعة. ينبغي أن يكون تنظيمها على شكل مجالس الأحياء، وأن يتم التوصل إلى فكر مشترك للشعب من خلال مناقشة قضايا ومشاكل الحي ضمنها.

وكخطوة عاجلة عليها تطوير خطوات لإيجاد حلول للقضايا والمشاكل التي طورتها الدولة كالمخدرات والفحوش والسرقة الهادفة إلى الإبادة. كما أنه بالإضافة إلى الخطوات التي ستخطى من أجل إيجاد الحل عليها خطو خطوات على أساس تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع. أي يجب أن تكون قضية انقطاع التيار الكهربائي وصولا إلى كل القضايا المتعلقة والمتمحورة حول الهوية ضمن جدول أعمال هذه المجالس وتحويلها إلى فعالية ديمقراطية حيث أن نموذج التنظيم بأسلوب المجالس هو ضرورة لمفهوم السياسية الديقمراطية التي تبنتها حركة الحرية الكردية. وإحدى المهمات الحياتية لهذه المجالس هي تطوير مشاريع ومخططات تدعم حملة الحل السياسي الديقمراطي للقائد ابو وترجمتها على أرض الواقع.

بناء الحياة الحرة والتحرر الديمقراطي على الشعب الكردي عدم تأمل الحل من الدولة. فمؤتمر الشعب الديمقراطي في كردستان هو مجلس ديمقراطي يقوم بتنظيم نفسه في كل الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أساس الاثنية وحرية المرأة والتحرر الايكولوجي. ولاتخاذه الديمقراطية أساسا له بشكل مباشر يهدف إلى تنظيم فئات المجتمع كافة في كل الساحات وتحويل هذا النوع أو الأسلوب من التنظيم إلى شكل للحياة. أسفرت أبحاث حركة الحرية الكردية للحل والتغيير عن ولادة العشرات من مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بالتنظيم والعمل وفق أسلوب المجالس ضمن الوسط التركي أيضا، وعليها توسيع تنظيمها في كل الساحات الاجتماعية. فتنظيم كل الشخصيات الساعية إلى حل جميع القضايا بالطرق الديمقراطية على شكل مجالس وكومينات يحوز على أهمية بالغة لتطور هذا النوع من التنظيم بشكل واسع. ويعتبر عقد العلاقات والتواصل مع هذه المؤسسات من أولويات أعمال حركة الحرية الكردية. ولوصول الشعب لسوية يدرك فيها أن الحل يكمن في الديمقراطية وأنه سيكون من نتاجه عليه أن لا يأمل الحل من الدولة، وعليه تولي مهمة ومسؤولية نقل هذا إلى المجتمع التركي أي ألا يحصر فعالياته ضمن المجتمع الكردي فحسب. إن قيام شعبنا ببذل الجهود لتطوير مقاربات وخطوات تتجاوب مع الأبحاث الديمقراطية والتحررية لشعبنا وترجمتها ضمن الممارسة العملية يعتبر ضرورة للتحول البراديغمائي للذهنية والمفهوم الديمقراطي المتطور. لذا على شعبنا الكردي وأصدقاء الشعب الكردي إفساح المجال أمام هذا التطور مهما كان حجم العوائق التي تصادفه وعلى هذا الأساس تقوية انضمامه من أجل حل القضية الكردية ودمقرطة تركيا. فعندما يتم إيجاد حل للقضية الكردية حينها ستحل كل القضايا الاجتماعية العالقة.

بهذا الشكل فقط يمكن إيجاد حل لقضية الديمقراطية. فالتطرق إلى مرحلة «إنشاء الحياة الحرة والتحرر الديمقراطي » التي بدأها القائد آبو على هذا الأساس حينها سيتم إدراكها ورؤيتها من قبل الجميع على أنها أكبر فرصة لشعبنا. الحل سيكون من نتاجنا يتطور كل نموذج جديد للتنظيم من خلال انتقاد النموذج القديم. فنظام الدولة القومية المنحل الموشك على الانهيار بقدر استناد بنيته إلى الاستعمار والضغط والنوع الواحد والإنكار فإنه من خلال أسلوب تنظيمه المركزي الهيارارشيكي والبروقراطي زاد تعقيد القضايا الاجتماعية أكثرحيث:

-1 يقوم بإنكار هوية الكثير من المجتمعات.

-2 يقوم بتهميش دور المرأة في السياسة والحياة

-3 يقوم بتدمير الطبيعة

-4 يدفع لأن تتحول المنطقة إلى وحش يبتلع كل شيء من خلال تشجيعها على التمدن

-5 يقضي على ثقافة ومجتمع القرية- الزراعة

-6 يقوم بإبراز لون واحد للهويات الثقافية والأثنية والدينية

-7 يسعى إلى فرض حاكمية البنى والمؤسسات ذات العقلية الرجعية

-8 يفرض حاكميته على الساحة الاجتماعية ويبقي المجتمع خارج السياسة

-9 يسعى إلى تحطيم الأخلاق الاجتماعية وكسر المعنويات بكل الوسائل والطرق وفي مقدمتها الرياضة والفن والفحوش

ظهرت مقاومات عظيمة ضد الصدع الذي شكلته الدولة القومية ضمن الطبيعة والمجتمع، وحققت بعضها النجاح حيث تم تجربة نماذج وأبحاث مختلفة للنظم الاجتماعية، وهي بدورها ساهمت في ولادة خبرات متنوعة، إلا أنه تم البحث على الدوام عن طرق إدخال أو إحلال الديمقراطية المباشرة أو الصحيحة. فنموذج «الكونفدرالية الديمقراطية » للحل الذي تسعى حركتنا إلى إحلاله ليس بعيدا عن هذه الجهود، فهو متمم لهذا الميراث بالإضافة إلى احتوائه على جوانب خاصة به. فاتخاد مفهوم «الأمة الديمقراطية » أساسا بدلا عن مفهوم «الدولة القومية » يشكل الأساس القوي لإحلال نظام الكونفدرالية الديمقراطية حيث يمكن رؤية أثنيات، ومجموعات ثقافية، وبنى دينية، ونماذج اجتماعية متنوعة وغنى في الهويات في كنف الأمة الديمقراطية. وبالاستناد إلى هذا يتم تطوير تنظيمها لهذا السبب تعتبر أعمال وفعاليات تنظيم المجالس والكومونات من أهم الأعمال في هذا النوع من التنظيم، فمن خلال هذه الفعاليات سيتم إدارك الأسس الأيديولوجية والفلسفية للكونفدرالية الديمقراطية وهي التي سوف تطور السياسة أيضا. فعندما يتم هذا يتم إحياء الديمقراطية ويصل الشعب إلى سوية يمتلك فيها القدرة على إدارة نفسه بنفسه.

ستلعب المجالس والكومونات التي تعتبر مدارس وأماكن العملية لأبحاث شعبنا في المساواة والحرية في الوقت نفسه دور حصن الدفاع المشروع الذي سيُفشل كل الهجمات التي تستهدف مطالب شعبنا تلك. سوف نقوم بإنشاء اجتماعيتنا الديمقراطية من خلال قيام  الكومينات في الأحياء والقرى والمجالس في المدن بالتحول الديمقراطي.

المجالس هي ساحات تطوير السياسة مجالس الشعب في البلدات والأحياء صاحبة التأثير في خلق السياسة. وتعتبر هذه المجالس ساحات لتطبيق الديمقراطية بشكل مباشر. بهذا الشكل يمكن الوصول إلى قوة قرار الشعب واكتساب السياسة النوعية. بالطبع انضمام الشعب إلى مراحل القرار سيجلب معه في البداية العديد من الأخطاء والنواقص. فعدم الإدراك التام لثقافة الديمقراطية الوطنية، ومحاولات ومداخلات قوى العدو وغيرها من الأسباب تتطلب وجود آلية قرار الشعب وتفعيلها. وهذا يتم عن طريق التدريب والوقت. لذا ينبغي على مجالسنا إيلاء الأهمية لهذه النقاط وهي في فترة نشأتها.

يتصدر التدريب فعالياتنا الاستراتيجية لإحلال نظامنا وإنشاء اجتماعيتنا. فمن الأهمية أن تكون جميع فعالياتنا الأخرى ناجحة بقدر فعاليات التدريب التي نسيّرها. انطلاقا من هذا على الكومونات والمجالس أن ترى ذاتها ومنذ البداية على أنها مؤسسات للتدريب وأكاديميات للحرية. أي أنها ليست مجرد مكان للتجمع واتخاذ القرارات، بل مكان للتجمع وتسيير المناقشات، وتحليل المرحلة والقضايا والتطورات، والتوصل إلى رأي مشترك للمجتمع، ومكان لتطوير القوة الذهنية للمجتمع. لهذا السبب عليها أن تعمل لخلق فرد ومواطن له القدرة على رفع سوية المعرفة الاجتماعية في كل فرصة تسنح له ، وتطوير الإحساس بالمسؤولية، وإيجاد الحلول الصحيحة للقضايا التي يواجهها، وإبداء إرادة مقاومة ديمقراطية. فكلما كانت مناقشات حكماء الشعب خلاقة ومشتركة ستساهم بذاك القدر في رفع سوية المعرفة الاجتماعية وتطبيقها ضمن الساحة العملية وتطور ثقة الشعب بنفسه وإرادته في اتخاذ القرار بشكل صحيح، وسوف تنعكس بشكل إيجابي على مرحل اتخاذ القرارات لهذه المجالس وستساهم في اتخاذ قرارات صائبة.

ينبغي التطرق إلى مجالسنا كأماكن للتدريب. كما ينبغي تسيير فعاليات لتوعية الشعب إلى جانب المحادثات الاعتيادية من خلال تسيير المناقشات وعقد الاجتماعات والندوات والمحاضرات وتحليل فعاليات الكومون والمجالس وفعاليات مؤسسات المجتمع المدني في المناطق الأخرى، وتحليل الخبرات والتجارب العائدة للبنى السياسية كالأحزاب والنقابات والجمعيات، وعقد الزيارات المتبادلة ومشاركة الخبرات على أساس العمل المشترك. ستساهم هذه الجهود في تطوير السوية الذهنية وتعزيز العمل الجماعي المشترك والعلاقة فيما بينهما. إلى جانب هذا فإن ساحة التدريب الأساسية التي ستقوم بتطوير السوية المعرفية لشعبنا، وتحقق قفزة نوعية من الناحية الذهنية هي الساحة العملية.  فالساحة العملية تُعتبر أكبر ساحة للتدريب بالنسبة لأعضاء المجلس في اتخاذ القرارات وترجمتها ضمن الساحة العملية.

والساحة العملية تعتبر المدرسة الأساسية للشعوب. كما أن المناقشات التي ستجرى حول النتائج التي تمخضت عن الممارسة العملية ستساهم في تطوير المعرفة الذاتية لدى الأعضاء.

جرت نقاشات عديدة حول شكل العلاقة فيما بين المجالس والكومونات. تتطور المجالس عن طريق التنظيم بالاستناد إلى الديمقراطية المباشرة، أي يتم التنظيم بدءا من الأحياء وصولا إلى مركز المدينة. ويكون انضمام الكادحين، المرأة، الشبيبة، والمجموعات الدينية والثقافية والأثنية، القوميات المختلفة، الأحزاب، النقابات والجمعيات إلى مجالس الشعب من خلال تنظيمها على شكل كومين. كما أن تنظيم مجالس الشعب في المدن والبلدات والمحافظات يكون بشكل أفقي من الأطراف إلى النواة. ومن هذه المجالس ينبثق ممثلو الشعب أو الإدارة الجوهرية للشعب حيث أنه ليس من الضرورة وجود أرضية قانونية من أجل مجالس الشعب. أما بالنسبة للقرارات فتتخذها القاعدة وتقدمها أو تطرحا للمنسقية، وهذه المنسقية هي المسؤولة عن متابعة وإشراف عمليات تطبيق تلك القرارات فقط. فمسؤوليتها محدودة ضمن هذا الإطار فقط. أما بالنسبة إلى الإدارة فيها فتكون وفق الرئاسة المشتركة وقرار سحب المسؤولية يتم بقرار من أعضاء المجلس. وهذا يشمل جميع المجالس الموجودة بدءاً من مجلس المحافظة وصولا إلى أصغر مجلس في البلدة. والقرارات تُتخذ أو يتم التوصل إليها من خلال المناقشة التي يتم تسييرها ضمن القاعدة ولا تُفرض من القمة أي الإدارة. فعن طريق هذه المجالس تقوم كل وحدة اجتماعية بحل قضاياها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالمناقشة مع الشعب القاطن في تلك الوحدة. إن كانت هناك قضية لها علاقة بكل المواطنين حينها يتم التطرق إلى أسلوب الاستفتاء الرافراندوم. على سبيل المثال يُراد بناء معمل؛ لا يمكن أن يتم بناؤه بالاستناد إلى رأي المعماريين والمهندسين فقط، إنما من الواجب مخاطبة إرادة الشعب القاطن هناك ومشاركته في هذا القرار. فالشيء الأساسي والمهم هنا هو تحقيق حرية القرار والسعادة والرفاهية للوحدة السكنية بغض النظر عن صغر تلك الوحدة. إن الروح الاجتماعية والكومونالية لمجلس المحافطات المتكون من مجالس تعبر عن السوية التنظيمية في المحافظة. يتألف أعضاء مجالس المحافظة من الأعضاء المرشحين من المواطنين القاطنين في المحافظة وحركات المجتمع المدني وأعضاء مجالس الأحياء. وبانضمام مجلس المحافظة وحركات المجتمع المدني يتم تشكيل المجلس الأعلى. إن أردنا أخذ مثال من الواقع فإن مؤتمر الشعب الديمقراطي يمثل المجلس الأعلى في كردستان، ومؤتمر الشعوب الديمقراطية يمثل المجلس الأعلى للشعب في تركيا. يتبع نظامنا الذي يعد الكومون حجر الأساس فيه مسار التطور من القاعدة إلى القمة. يمكننا تنظيم الكومونات في كل الأماكن ولتجاوز أية مشكلة كانت يمكن تشكيل كومونات مؤقتة كما الكومونات الدائمية، وكومونات صغيرة كما الكومونات الكبيرة، وكومونات لمراحل زمنية طويلة- وكومونات لمراحل زمنية قصيرة. يجب ألا ترد إلى أذهنانا الوحدات الاقتصادية بمجرد التحدث عن الكومون. فالكومون؛ هو خلق وحدة وتنظيم للشخصيات الساعية لحل القضايا وتحقيق الأهداف حول أهداف ومفاهيم مشتركة. انطلاقا من هذا يمكن إنشاؤها في كل الساحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية والتدريبية والصحية وغيرها من الساحات الأخرى. لهذا السبب عليها أن تكون على علاقة مع كل الشخصيات والساحات الاجتماعية. في هذه النقطة تواجهنا مشكلة ألا وهي ما هي المبادئ والأسس الأساسية التي ستشمل هذه الكومونات والمجالس؟ في هذه النقطة من الواجب عدم الدخول ضمن مواقف تفتقر إلى المبادئ وقبول انضمام أي شخص كان. مثلا يمكن لشخص أو شخصية صوتت لحزب سياسي آخر الانضمام إلى كومين أو مجلس القرية، ففي هذا المثال لا توجد أية عوائق تعيق انضمام هذا الشخص أو الشخصية شرط أن يكون مرتبطا بمصالح الشعب وأهداف الكومون والمجلس.

ولكن في وضع آخر مشابه مثلا أن يتقدم شخص تواطأ مع العدو وتحرك معه وارتكب العديد من الجرائم بحق الشعب وكان شريكا في نزف دم الشعب وسطا على مال وعرض الشعب حينها لا يشمل ما ذكرناه آنفا هذا الشخص. كما أن العديد من الديمقراطيين والاشتراكيين والوطنيين ذوو بنى تنظيمية قد يسعون إلى الانضمام بهوياتهم لمجالسنا وكوميناتنا. إن احترام إرادة وخاصية تنظيم هذه المجموعات أو الأشخاص)بغض النظر عن قلتهم أو كثرتهم( يعتبر الأساس. فزيادة الساحات التي سيتم مشاركتها ضمن الكومون أو ضمن المجلس الأعلى، وتقوية الجوانب المشتركة، والتطرق إلى مواقف مشتركة ينبغي أن تكون ضمن إطار أهداف وقرارات الكومون أو المجلس. ينبغي ألا ننسى بأن المجتمع يكمن في تعدد البنى، ويضمن التعدد من التنوع والاختلاف. فالمجتمع المتنوع حقيقي أكثر من المجتمع ذي اللون الواحد، لذا ينبغي على تنظيماته أن تتضمن نفس الخصائص. عليها أن تكون بقدر القوة التي تمثل البنى المتنوعة للمجتمع حيث أن البنى التنظيمية التي لا تنجح في هذا لا يمكن لها كسب أو تحقيق استمراريتها وستبقى قابليتها وقوتها في تمثيل تلك البنى محدودة وضيقة. لهذا السبب على المجالس والكومونات أن تكون منفتحة أمام كل التنوع الموجود ضمن المجتمع المرتبط بأهدافها )لا نشمل في هذا التنوع الأطراف والأوساط التي تعادي المجتمع كما ذكرنا آنفا( حيث يمكن للشخصيات الانضمام إلى المجالس والكومونات من خلال تنظيماتهم الخاصة كما يمكنهم الانضمام على شكل مجموعة أو أفراد حيث لا توجد أية عوائق تعيق عملية انضمامهم الفردية أو التنظيمية أو الجماعية فالأمر الهام هو إبراز مقاربة جدية ومسؤولية تجاه قرارات الشعب ومرحلة تطبيقها. الالتقاء في أسس الذهنية المشتركة يعتبر أحد الموضوعات الأساسية والجانب الهام في العلاقة فيما بين مجالسنا وكوموناتنا. التطرق للقضايا الاجتماعية بمقاربات تتوافق مع أسس الحداثة الديمقراطية وليس الحداثة الرأسمالية التقليدية، والمشاركة في هذا، والتضامن على هذا الأساس يعتبر من الأمور الضرورية وفي مقدمة كل شيء. حيث أن توحد كل مجلس باتباع نغمة واحدة سيكون عن طريق الذهنية المشتركة. حدد القائد آبو أسس هذه الذهنية ضمن مرافعاته. ومقاومة حركتنا التي تمتد إلى أربعين عاما وثقافتها التنظيمية تشكل أمثلة واقعية عن كيفية تطبيقها أو تحقيقها على أرض الواقع.

المجالس والدفاع المشروع «إن كنتم تريدون السلام عليكم أن تكونوا مستعدين للحرب » قد تكون هذه الجملة معنية بيومنا الراهن إلى أبعد الحدود فوجود آلية الدفاع المشروع للمجتمع شرط أساسي لعدم تسيير أي حرب كانت. حيث لا يمكن لمحافظة غير منظمة أن تقوم بالدفاع عن ذاتها، وكذلك لا يمكن لقرية غير منظمة أن تدافع عن ذاتها، حتى أن الإنسان غير المنظم لا يمكنه الدفاع عن ذاته. لا يمكن لأحد عقد السلام مع مجتمع لا يستطيع الدفاع عن ذاته، بل يتم السعي إلى الضغط عليه وتصفيته. بهذا المعنى لا يمكن فهرسة كل شيء فقط بإطار الحل، إلى جانب هذا من الواجب تقوية قوة المقاومة وعكسها على عملية البناء الاجتماعية .»

إن كل أشكال الدفاع المشروع هي عنصر من  عناصر الديمقراطية، لا يمكن الاعتراف بالديمقراطية بدون دفاع مشروع. لا يمكن لهؤلاء الذين لا يبدون إرادة المقاومة عندما يتطلب الأمر أن يعبروا عن الديمقراطية. فعند وصول كل الطرق والسبل الأخرى إلى مرحلة الانسداد ولا تساهم في خلق نتيجة حينها يكون استخدام القوة حقا مشروعا.

الدفاع المشروع تقرب استراتيجي أكثر من كونه اختيارا مرحليا. وهو موقف للحياة. لهذا يعتبر بحد ذاته مبدءا حياتيا لصون استمرارية حياة فرد أو مجتمع أو شعب ضمن إطار المساواة والحرية حيث أن كل كائن حي له آلية دفاعية خاصة به. يتطرق الأفراد والجماعات إلى الدفاع المشروع كحاجة لصون وجودهم وكل قيمهم التي قاموا بخلقها ضد أية تهديدات تحدق بهم. وبما أن الحياة تُعتبر ظاهرة غير متناهية بالنسبة للفرد والمجتمع لصون وجودهم لهذا فوجود آلية الدفاع المشروع تُعتبر ضرورة. يجب وجود آلية الدفاع المشروع على الدوام فإن تطلب الأمر توجد آلية الدفاع المشروع الفعال وإن لم يتطلب الأمر توجد آلية الدفاع المشروع البسيط. فالدفاع المشروع بهذا الشكل موقف استراتيجي وليس تكتيكيا.

الدفاع المشروع بقدر كونه ظاهرة طبيعية وحياتية هو خيار أيديولوجي أيضا فهو محور مفهوم نضالنا وأحد الأسس الأساسية. يمكن أن يتغير مضمونه وشموليته وفق الزمان والمكان أو الظروف، يمكن أن يتوسع أو العكس أو يتحول إلى حملات تكتيكية ولكن المقاييس الفلسفية والأيديولوجية التي سيتخذها أساسا له في كل تحول هو المعنى المحدد للدفاع المشروع، لا يمكن لأي حجة أو ذريعة أن تفرض حكمها على مفهوم الدفاع المشروع ولا يمكن التراجع عن الدفاع المشروع الدفاع المشروع هو موقف حياة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للمجتمع والإنسان الحر الشريف. حيث أن منظومة المجتمع الكردستاني ضمن إطار هذا المفهوم يرى الشدة أو القوة كآخر وسيلة يتم استخدامها. وإن استخدام الشدة ضمن إطار الدفاع المشروع هو المقياس الوحيد الذي يتم قبوله. وهذا ينبع من أخلاق الحرية لمنظومة المجتمع الكردستاني التي ترفض كل أنواع الشدة التي تمس الحرية والأخلاق ووجدان الإنسانية وتحتفظ لنفسها بحق ومشروعية المقاومة ضد كل أنواع الشدة التي تستهدفها.

من الواضح أن الكومون والمجالس سوف تتجابه مع الدولة والقوى الدولتية في العديد من الساحات. لن تتخلى الدولة بهذه السهولة عن السلطة في الساحات التي قامت باستعمارها، ولن نغض النظر بهذه السهولة عن تشكل إرادة الشعب الديمقراطية. حتى وإن اعترفت بها من الناحية القانونية فسوف تقوم بتعبئة كل الفرص لتحريف إرادة الشعب الديمقراطية المتكونة من خلال المجالس والكومونات وإعاقتها ورسم الحدود لها وإفقادها تأثيرها والقضاء عليها. وإن تطلب الأمر فستفعل أجهزتها العسكرية وستفعل أجهزتها الأيديولوجية إن لزم الأمر أي ستصون مشروعية سلطتها بالطرق والسبل غير الشرعية.

هذا يدفعنا لمواجهة مشكلة الدفاع المشروع ضمن المجالس والكومونات. ففي البداية يجب أن نوضح بأن الكومون أو المجلس هو جهاز حيوي. هو بنية حية. فبالإضافة إلى عدد الأعضاء الذين يتكون منهم هو صاحب قوة وتأثير ومن الضروري جدا وجود آلية تقوم بها بالدفاع عن ذاتها. أي ينبغي وجود مقاومة ضد أية محاولة أو هجمة تستهدف شعب المنطقة من قبل المرتزقة، قوى المستعمرين والكونتر الكريلا، وعلى وجه الخصوص الدولة وأعضاؤها. لهذا السبب ينبغي أن تتحول أجهزة الإدارة الجوهرية لشعبنا الذيتم تنظيمه على المستوى المحلي إلى مؤسسة لها القدرة على تنظيم ذاتها ضد أية هجمة، وتلبي احتياجاتها.

فعندما يتطلب الأمر يعتبر هذا مهمة يتبناها مجموعة ذات خبرة وتجربة، وإن تطلب الأمر يعتبر مهمة يتبناها عدد من الأشخاص.

إن محور سلطة الدولة انقسم فيما بين الحكومة وجماعة فتح الله كولان، وفقدت الدولة تكاملها. في مرحلة كهذه من الواجب على المجالس والكومونات تحقيق انطلاقات كبيرة وعليها أيضا أن تطور نظام دفاعها المشروع. فتوسع نطاق المجالس والكومونات

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى