تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 9

تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 9

جميل بايك

على صعيد علاقاتنا ونشاطنا في أوروبا فقد قام القائد بتأسيسها بعد ذهابه إلى لبنان ، حيث لم يكن لنا نشاط في أوروبا حتى ذلك الوقت، فقد كان لنا بعض المؤيدين الذين تواجدوا هناك ومارسوا بعض الأنشطة الثقافية والفولكلورية حسب إمكانياتهم تحت اسمنا، دون أية علاقة بنا، بل مارسوا نشاطهم على أساس الأرضية التي توفرت من النضال في الوطن ، وعندما ذهب القائد إلى لبنان أقام العلاقة مع أوروبا، فبعد أن تعافى “علي دورسون” الذي تحدثنا عن اختطافنا له من المستشفى، والذي اعتنى به القائد شخصياً أرسله القائد إلى أوروبا من أجل العلاقات والنضال. ومن خلاله أقام العلاقة مع النضال في أوروبا، ولأول مرة كنا نشرف من جانبنا على النشاط الجاري هناك، وبعدها تقدم النضال باسمنا في أوروبا. نشاطنا في أوروبا تقدم تماماً على أساس النشاط الثقافي.

بعد أن عبرت المجموعة الأولى جاء الرفيق عباس إلى قامشلو واستقر هناك، عدت أنا مرة أخرى إلى لبنان حسب تعليمات القائد، عندما جاء الرفيق عباس إلى قامشلو كان هناك العم “محمد” ربما شاهده بعضكم عندما جاء إلى هنا وكان عجوزاً. ذلك الشخص كان مراسلنا بين الشمال والجنوب، وكان يقوم بكل أعمالنا في البداية كان ينقل الرسائل (نوتات) وبعدها نقل المجموعات عبر الحدود السورية التركية على مدى خمسة عشر سنة، كان يوصلهم حتى “قاراجاداغ” خلال تلك المدة كلها خسر شهيداً واحداً فقط، وهو الشهيد “غورجان” حتى أنه لم يترك جثمانه على الحدود وأتى به إلى سوريا، كان لديه ولد أسمه عدنان استشهد في نفس العمل، كان إنساناً قيّماً جداً. عندما جاء الرفيق عباس ذهبوا للتصوير، حيث كان هناك شخص ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني يتعاون معنا اسمه “علي خان” يساعدنا في الخفاء ونستفيد من أوراقهم في الذهاب إلى دمشق والعودة. قلت للرفيق عباس اذهب مع هذا الشخص للتصوير، ونفذوا ما يقوله لكم تماماً، وهم في الطريق يتحدث الرفاق وكلما قالوا شيئاً ذلك الشخص يرد عليهم : أيوا…أيوا، والرفيق عباس لا يعرف معنى “أيوا”، ويتساءل بين نفسه ماذا نفعل نحن حتى يقول أيوا..أيوا؟ (أيواه: بالتركية تعني ياحسرة )، فالرفيق عباس لا يعرف أنها تعني “نعم” بالعربية، بعد أن عادوا سألت الرفيق عباس: هل أنهيتم عملكم؟ قال: نعم أكملناه ولكن تضايقت كثيراً، فالشخص الذي أرسلتنا معه كان يقول أيوا..أيوا دون أن نفعل شيئاً. قلت: هذا يعني أنكم ارتكبتم أعمالاً مشينة جداً، وإلا لماذا سيقول ذلك؟ ثم أقسم بأنه تصرف كما طلبت منه تماماً، ولم نفعل أي شيء آخر، بل إننا لم نتحدث، وأنا أقول: إذا لم ترتكبوا فعلاً شنيعاً لما قالها الرجل، وكلما أقول هذا والرفيق عباس يتضايق أكثر، وعندما رأيت ضيقه الشديد قلت: إن معنى أيوا ليس كما تعرف، إنها تعني نعم. عندها ارتاح وقال: لماذا لم تقلها منذ البداية، إنني أشعر بنفسي متضايقاً جداً منذ أن أتيت. هذه كانت الحقيقة فالرفاق كانوا يعانون كثيراً.

تركت الرفيق عباس هناك وذهبت إلى بيروت والتقيت بالقائد، حيث عبر القائد إلى سوريا، وبقيت أنا هناك أقيم العلاقات مع الفلسطينيين واللبنانيين وليست الدولة اللبنانية، فالدولة لم تكن موجودة، كان لكل طرف دولته الخاصة به، ويرفع علمه حيثما يستولي عليه ويشكل دولته، وكان وضعاً خطيراً جداً، فكل تنظيمات العالم كانت موجودة وكذلك كل استخبارات العالم موجودة أيضاً، أي إذا لم تكن دقيقاً في ملاحظتك من حيث أتت الضربة لن تستطيع فهمها، ولهذا كان الوضع خطيراً جداً. كانت لنا علاقات مع الفلسطينيين ومع اللبنانيين الوطنيين. عاد القائد إلى دمشق وأنا استلمت تلك العلاقات. بعد ذلك استطعنا الوصول إلى ليبيا أيضاً، فقد كان لنا عمال هناك أقمنا العلاقات من خلالهم، وأقمنا العلاقة مع الكرد اللبنانيين، وتدريجياً ازداد تموقعنا في لبنان، وكانت هناك بعض المعاناة في البداية، فقد اضطر بعض الرفاق إلى العمل كعمال عاديين في كل من “الدامور” و”شتورة” من أجل إدارة المصاريف هناك، لأن إمكانياتنا المادية كانت معدومة، وعزة نفسنا لا تسمح لنا أن نطلب شيئاً من الفلسطينيين أو غيرهم، فقد كنا في معسكراتهم وهم يلبون حاجاتنا الأساسية، ولكن ذلك لم يكن يكفينا بالطبع، أي لا يكفينا للقيام بأعمال أخرى، ولهذا كان يضطر بعض الرفاق إلى العمل لتلبية حاجاتنا، هكذا تدبرنا أمورنا إلى مدة معينة، إلى أن تلقينا مبلغ ألفي مارك من أوروبا وهذا يحدث لأول مرة، وكان ذلك يعني مبلغاً كبيراً آنذاك، دفعنا نصفه لـ”تسليم توره” وبقي النصف الآخر معنا، حيث قال “تسليم توره” نحن في وضع صعب وغير قادرين على دفع أجارنا، فوافق القائد على دفع المبلغ له، قال “تسليم” نحن نطلبه قرضاً، ولكن القائد رفض وقال: دعوها لكم وعندما نحتاج نحن إلى المال سنطلبه منكم، ونحن لا نقرض!!. بينما الحقيقة نحن كنا بحاجة ماسة للمال. ولكن عندما تحدث “تسليم توره” عن حاجته أعطاه القائد. وبعد ذلك بفترة أردت أن أسترد المبلغ ولكن القائد رفض وعبر عن انزعاجه.

عندما ذهبت إلى لبنان كان القائد قد حقق تقدما في علاقاتنا مع الفلسطينيين مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وفتح وجبهة النضال، أي مع أربعة أطراف من المنظمات الفلسطينية، ومع بعض الأطراف اللبنانية، أما مع سوريا فقد أسس لعلاقة جزئية ولكنها لم تكن على مستوى التردد والعبور وكانت عن طريق الفلسطينيين، ولأول مرة استأجرنا بيتاً في سوريا باسم الفلسطينيين، وآخر باسم العراقيين، فقد كان لدى الفلسطينيين بيتاً أعطونا إياه للإقامة فيه باسم العراقيين، وبعدها كان هناك شخص اسمه “عبد الرزاق” من الاتحاد الوطني الكردستاني، كانت لنا معه علاقة شخصية وباسمه استأجرنا بيتاً لنا. مضت فترة على هذا النحو إلى أن تقدمت العلاقات مع سوريا حيث استطعنا استئجار البيوت باسمنا، وهذا تطلب وقتاً، وهكذا استطعنا أن نجد لنا مكاناً في سوريا.

في تلك الأجواء تماماً حدث الانقلاب العسكري في تركيا، الانقلاب كان متوقعاً وقبل حدوثه بيوم واحد التقيت السفارة السوفيتية في بيروت بمساعدة الجبهة الديموقراطية، وتحدثنا حيث أشرت في حديثي إلى أن الأوضاع في تركيا تسير في ذلك الاتجاه، وفي اليوم التالي باكراً أيقظني أحد عناصر الجبهة الديموقراطية، ولم يكن لي علم بحدوث الانقلاب، واعتقدت أنه حدثت مشكلة ما مع الرفاق في المعسكرات، ففي السابق كان قد جرح أحد رفاقنا خلال التدريب وجاؤوا إلي، اعتقدت أن هناك حالة مشابهة، قال لي: تعال إلى الخارج. قلت: خيراً هل حدث أي مكروه للرفاق؟ قال: كلا، بل سنذهب إلى السفارة السوفيتية مرة أخرى!!. قلت: لماذا؟ لقد كنا عندهم البارحة. قال: لقد حدث انقلاب عسكري في تركيا، وهم يرغبون في لقائك. عندها علمت بالانقلاب. ذهبنا إلى السفارة وسألوني: كيف عرفت بأن الانقلاب سيحدث؟ فقد كانوا يعتقدون بأن لنا علاقات مع داخل الجيش أو ما شابه ذلك، علماً بأن الاستخبارات السوفيتية كانت قوية جداً، وركزوا على هذه النقطة كثيراً، فإذا كانت لنا علاقات يريدون الاستفادة منها، أو إذا كانت لدينا معلومات لنزودهم بها. قلت: ما قلته كان تقييماً سياسياً وليس اعتماداً على المعلومات. لم يصدقوا وظنوا أن لدي معلومات لا أريد الكشف عنها. ما أريد قوله هو أننا قد أسسنا بعض العلاقات مع الدول الاشتراكية أيضاً، ولم تكن علاقات راسخة بل اعتيادية، ولأننا تقدمنا بتلك العلاقات بعض الشيء استطعنا فهم أوضاعهم بشكل جيد، وسآتي على ذكر هذا الموضوع فيما بعد.

في تركيا، عندما حدثت مجزرة ماراش كان تحليل القائد هو أن تركيا تتوجه نحو انقلاب عسكري، وفي الواقع كانت تتوجه نحو ذلك الوضع خطوة بخطوة، ربما قد يحدث ذلك الانقلاب متأخراً بعض الشيء، أو ربما هكذا كان تخطيطهم لا أعلم، ولكن أعتقد أنهم استعجلوا فيه. ولكن عندما عبر الرفيق كمال بير إلى سويرك وتدخل في وضعها، وأرسل رسالة للقائد حول وضع سويرك، وكان تقريراً مقتضباً وقرأته أنا أيضاً، قال الرفيق كمال في تقريره: أريد أن أعرف من هو المسؤول في سويرك لأمسك بخناقه، أو جملة بهذا المعنى، والتقرير موجود في أرشيف الحزب، وكان غاضباً جداً بسبب الممارسات الخاطئة هناك، ويقول: أريد أن أمسك بخناقهم لأسألهم الحساب. بعدها توجه إلى ديرسيم ليلتقي بالرفيق “دليل” والرفاق الآخرين، وهم في طريقهم إلى هناك يجري اعتقالهم قرب “ساسون” في السيارة. وكان في السيارة كمال بير وعكيد ومحمد جان، يرون الحاجز أمامهم فيلقون بأنفسهم من السيارة وهي تسير بسرعة، يسقطون ويغيبون عن وعيهم، استطاع الرفيق عكيد الخلاص ولكنه كان جريحاً، أما كمال ومحمد جان فقد غابا عن الوعي واعتقلهما الجيش. وكانت هناك تعليمات القائد مع الرفيق كمال فوقعت بيد الدولة، والتعليمات تتحدث عن التدخل في سويرك، وإعادة تنظيم الحزب، وتنظيم الكريلا، أي كانت تعليمات شاملة مفصلة، وعندما وقعت تلك التعليمات في يد الدولة عرفوا من خلالها أن الحزب قد أقام العلاقات مع الخارج، وأرسل مجموعات إلى الوطن بعد تدريبهم، ويستعد لإلقاء خطوة لشن حرب الكريلا، كل ذلك كان مفاجأة لهم، لأنهم كانوا يعتقدون أنهم قضموا الحركة ولم يبق منها سوى العظام، وهم الآن بصدد كيفية تفتيتها، ولكن عندما وقعت تلك التعليمات في يدهم وجدوا أن الوضع ليس كما كانوا يظنون، وأعتقد أنهم استعجلوا بخطواتهم للانقلاب فلو تأخروا وتم إلقاء تلك الخطوات ربما لن يتمكنوا من التصدي لها، وعليهم أن يتصرفوا قبل أن تلقي الحركة تلك الخطوة. أنا لست متأكداً مائة بالمائة ولكنه احتمال قائم.

بعد حدوث الانقلاب ظهر وضع جديد في تركيا، عندها قرر القائد أن نقوم بسحب الحركة إلى الجبهة الخلفية، وكان قراراً تاريخياً، فلو لم نلق تلك الخطوة لن نتمكن من حماية التنظيم القائم في الداخل، وما حشدناه في الداخل لن يتمكن من تحقيق تقدم في الظرف المستجد، فلولا الانقلاب لاستطعنا التقدم، ولكن ظهر وضع جديد مما يتطلب اتخاذ تدابير جديدة، على ضوء ذلك اتخذ القائد ذلك القرار، أي قرار سحب الحزب إلى ساحات الشرق الأوسط، وكان قراراً تاريخياً مهماً. الخروج من الوطن كان له مخاطره فربما لن تتمكن الحركة من العودة إلى الداخل مرة أخرى، أي أن تتشتت وتتحول إلى وضع اللجوء وتتعرض للتصفية ، ذلك الخطر كان قائماً، ولكن القائد أخذ ذلك الخطر نصب عينيه عند اتخاذ ذلك القرار، ولهذا وضعنا مجموعات من الرفاق على نقاط محددة على الحدود، عملهم هو سحب الرفاق إلى الخارج، ولم نكن نرغب في إفراغ الوطن من الرفاق تماماً حيث يجب الإبقاء على بعض المجموعات الصغيرة، كما لم نكلفهم بمهام كبيرة حتى يحموا أنفسهم ويحافظوا على بعض العلاقات المهمة، لأن الحركة ستعود مرة أخرى ويجب أن لا تغلق تلك القنوات، تلك كانت مهمة تلك المجموعات. فلولا تلك القنوات ستكون العودة إلى الوطن صعبة، ولهذا يجب الحفاظ عليها إلى أن تتخذ الحركة قرار العودة، ثم كانت لدينا بعض العلاقات المهمة في بعض الساحات ويجب الاستمرار فيها كي لا تبتعد، بالإضافة إلى السجون حيث يجب فتح قنوات للاتصال والتخابر مع من في السجون، تلك كانت مهام المجموعات الباقية. وعليه تقرر سحب عدد كبير من الرفاق ، على أن يبقى عدد قليل جداً في بعض الساحات ، وبدأنا بسحب الرفاق إلى أن أصبحنا قريبين من الهدف الذي حددناه، كما هو معروف أنه حدثت بعض الصدامات واستشهد بعض الرفاق خلال تلك المرحلة، مثل بازارجيك وماردين ومنطقة بلوكا واستشهدت مجموعتان داوود ورفاقه وكذلك الرفيق دليل في “دمنان” أي حدثت مقاومات مهمة واستشهاد الرفاق في تلك المرحلة، أولئك كانوا من المجموعات التي تركناها في الداخل وليس من الذين خرجوا، والذين كان من المفروض أن يخرجوا كانت مجموعتان حال قليل الشرف داوود دون خروجهما.

تلك المجموعات حالت دون حدوث فراغ لدى الشعب بسبب خروج الحركة، وكان ذلك أمراً مهماً، فالاستشهاد الذي حدث تسبب في استمرار الحركة في الخارج ولهذا كان مهماً ولها مكان مميز في تاريخنا. ولكن عندما خرجت الحركة إلى الخارج كانت السجون هي التي تمثل أساس الحزب في الداخل، فهي التي كانت تمثل مقاومة الحزب.

كما شرحت أننا استطعنا تقريباً تحقيق الهدف الذي ارتأيناه في سحب الحركة إلى الخارج. أما الذي لم نقم بتنفيذه فقد كان بسبب وضع اليسار التركي، حيث كانوا في وضع سيء جداً، فقد تلقوا ضربة كبيرة جداً. طلب القائد “تانر آكجام” من أوروبا فجاء إلى لبنان، وهو الوحيد الذي نجا من مركزية DEV-YOL. قال له القائد: يجب أن تتبنى التنظيم وتنقذه، بدوره قال تانر: لا يمكنني القيام بأي شيء، فليس لدي علاقات ولا الإمكانيات. فقد كان محطم الإرادة تماماً، لأن كل الأعضاء المركزيون في DEV-YOL قد جرى اعتقالهم، كما أن أغلب كوادره اعتقلوا في كثير من الساحات، عندها تحامل عليه القائد بعنف قائلاً: إنك الأمل الوحيد لهذه الحركة والعضو المركزي الوحيد الباقي وعليك أن تقوم بواجبك وتتبناها، وإذا كانت لديك بعض العلاقات أعلمنا بها ليذهب الرفاق ويجلبوا كوادركم إلى هذه الساحة. كنا حينها في المكان الذي أصبح فيما بعد “أكاديمية معصوم كوركماز”. بينما “تانر آقجام” لا يصدق ما يسمع، وسأل القائد: هل أنت صادق فيما تقول؟ هل أنتم قادرون على القيام بذلك؟. أجابه القائد: نعم إنني صادق بالطبع فأنا لا أمزح، ربما أنت إنسان غير جاد وتعتقد كل الناس مثلك!. حيث لم يكن يصدق بأننا سنرسل الرفاق ونجمع كوادرهم من تركيا ونأتي بهم إلى ساحة لبنان. القائد أرسل الرفاق لجلبهم وأعطاهم التعليمات قائلاً: عليكم أن تحموهم وتحرصوا على أن لا يسقط منهم شهيد، فإذا كان لا بد من الشهادة فليكن من بين رفاقنا. واستطاع الرفاق جمع حولي ثمانين شخصاً منهم وأتوا بهم. في ذلك الوقت استشهد الرفيق “غورجان” على الحدود، فقد استشهد رفيقنا حتى لا يستشهد أحد منهم، جئنا بهم ووضعناهم في معسكرات الفلسطينيين باسمنا، لأن الفلسطينيون لم يقبلوهم. ليس وضعهم في المعسكرات فقط، بل أقمنا لهم علاقات مع الجهات الأخرى، وأسسنا العلاقات بين TIKKO والفلسطينيين، ووضعناهم في المعسكرات باسمنا، كل ذلك تسبب لنا بمشاكل كبيرة أيضاً، فقد كنا اشترطنا عليهم أن نضعهم في المعسكرات باسمنا، ثم بعد فترة نعلم الفلسطينيين بأن هؤلاء ليسوا منا بل هؤلاء من DEV-YOL وهؤلاء من TIKKO، وهم ارتضوا بذلك، لنفرضهم عليهم، أي نوع من التحايل، وفعلنا ذلك. عندها قال الفلسطينيون لنا: نحن لا نفهمكم!! كيف تقيمون في معسكراتنا وتقومون دون علمنا بوضع تنظيمات أخرى في معسكراتنا؟ ليس هناك في العالم من يفعل ذلك، وكان ما يقولونه صحيحاً، فنحن كنا محتاجين إليهم ثم وجدنا لنا مكاناً ونقوم الآن بوضع تنظيمات أخرى دون علمهم، لماذا فعلنا ذلك؟ كي نقوم بتأسيس جبهة مناهضة لانقلاب 12 أيلول، وحتى لا تتم تصفية اليسار التركي، فإذا تمت تصفية اليسار التركي في تركيا، ستتمكن الدولة التركية من خلق صعوبات ومشاكل كبيرة لنا مهما كنا أقوياء في كردستان، وهذا لن يخدم الحل الذي ننشده، والعدو سيتحامل علينا بكل ما يملك من قوة، وحتى نتجنب ذلك ونتمكن من تصعيد القتال في كردستان، يجب أن يكون اليسار التركي موجوداً في تركيا ليناضل. فقد كان ذلك مطلوباً من أجل النضال في كردستان ومن أجل الشعب التركي، وقد أشرت في البداية إلى أن القائد كان يناضل من أجل الشعب التركي بقدر نضاله من أجل الشعب الكردي، فلهذا السبب قال القائد في تلك المرحلة أن هذا يكفينا وليبقى ما لنا ولنعمل من أجل إخراج اليسار التركي، لأننا كنا قد أخرجنا ما يقارب الثلاثمائة وخمسين رفيقاً، جاء بعضهم بعد ذلك. أما الرفاق الموجودين حينئذ فقد كانوا مائتان وأربع وثمانون رفيقاً بما فيهم الذين أرسلناهم إلى أوروبا، أي الذين كانوا ينشطون في سوريا أو يتواجدون في لبنان كان مجموعهم 284 رفيقاً. وكان القائد يقول: إذا استطعنا تدريب هؤلاء بشكل جيد سيكفينا ونستطيع خوض الثورة بهؤلاء. ولهذا السبب وضع ثقله على اليساريين الأتراك.

هؤلاء اليساريين الذين وضعناهم في المعسكرات بصعوبة على مسؤوليتنا وفرضناهم على الفلسطينيين فرضاً أرادوا القيام بمؤامرات ضدنا. أي DEV-YOL و TIKKO، كنا في دمشق أتصل بنا الرفاق وقالوا أن أحد المسؤولين في الجبهة الديموقراطية يريد لقاءكم عاجلاً، ذهبت والتقيته قال: كيف يكون هؤلاء أصدقاء لكم ويريدون التآمر عليكم؟ اعتقدت أنه يمازحني، أو لأننا فرضناهم عليهم وهم يريدون خلق تناقضات بيننا حتى نخرجهم من المعسكرات، بعدها ذكر بعض الأمور استغربتها، اتفقوا فيما بينهم أن يسرقوا الأسلحة والمعدات من المستودعات التي نحن مسؤولون عنها حتى يتم اتهامنا بها ويطردنا الفلسطينيون من معسكراتهم، هذه مؤامرتهم، والمسؤولون الفلسطينيون وصلهم الخبر فأخبرونا بدورهم، ذهبت إلى القائد وقلت له أن هناك وضع هكذا، قال: أنا لا أتوقع ذلك هذا غير ممكن، ويجب التوقف على هذه المسألة فربما الفلسطينيون يريدون التلاعب بنا، وربما انزعجوا من فرضنا إياهم عليهم. بعدها جاء قسم من DEV-YOL إلينا وتخلوا عن تنظيمهم فيما بعد وقالوا نفس الكلام، وعندما اتخذوا ذلك القرار قال هؤلاء الذين انفصلوا: انظروا لم تتبنانا منظماتنا بينما تبنانا PKK وعليكم أن لا تقوموا بمثل هذا العمل، فهذا التصرف ليس إنسانياً ولا أخلاقياً والثوروية لا تقبل بذلك، وأصر أولئك على قرارهم بل هددوا رفاقهم، وعندما علم القائد بذلك أرسلني إلى “تانر آقجام” لأقول له بأن يمتنعوا عن هذه الأفعال الشنيعة، وإذا استمروا في ذلك فإننا لن نستطيع الاستمرار في علاقاتنا معهم، وقال: إذهب وانتقدهم. ذهبت وبرفقتي فاطمة وكان “تانر” في بيته وأنا لم أكن أنوي النقاش معه وانتقاده، بل أن أحاسبه، لأننا خربنا علاقاتنا مع الجبهة الشعبية التي كانت بقيادة “جورج حبش”، ولكن حالت فاطمة دون حدوث ذلك، بعدها قلت له: عليكم أن تغادروا المعسكرات، وكان هنا أناس مستقيمين في تنظيمهم فجاؤوا وتوسلوا إلينا قائلين: أن هؤلاء كانوا مدفوعين من طرف TIKKO وما إلى ذلك من أعذار، فسامحناهم بشرط أن لا تتكرر مثل هذه الأفعال، فنحن لم نسيء إليكم حتى تفعلوا هذا بحقنا، بل نحن خربنا علاقاتنا مع الآخرين من أجلكم، ونحن تخلينا عن رفاقنا ولم نخرجهم من الوطن بسببكم وأخرجناكم ووجدنا لكم مكاناً، فلماذا تفعلون هذا بنا؟ كما أننا لم نطلب منكم أي شيء مقابل ذلك، وكل ما قمنا به من أجل الثورة والثوروية، ولنا عهد مع الشعب التركي وقمنا بمتطلبات ذلك العهد، كل ذلك لأننا رغبنا في تأسيس جبهة مضادة للفاشية، وأسسنا الجبهة الموحدة لمقاومة الفاشية، نحن كنا الطرف الكردي والأطراف الأخرى كانت تركية، وأردنا تحقيق تقدم لتلك الجبهة، وكنا نتطلع إلى تأسيس الكريلا في تركيا مثلما نفعل من أجل كردستان، ولهذا السبب كنا نستهدف جبال آمانوس والجنوب الغربي، حتى نؤسس كريلا تركية في تلك المناطق ولتنتشر الكريلا إلى الأنحاء الأخرى من تركيا، وكنا قد بذلنا جهوداً كبيرة من أجل التصدي لانقلاب 12 أيلول، والذي عطل تلك الجبهة هو “تانر آقجام” ولهذا قطعنا العلاقة معه، ثم عقدنا تحالفاً (IDK) مع آخرين لهذه الغاية، وكنا مصرين على ذلك وقدمنا كل التضحيات الممكنة لأن وضع (IDK) لم يكن جيداً، كل تلك الجهود لم تسفر عن نتيجة إيجابية لأن “تانر آكجام” كان يشجع الجميع على التوجه إلى أوروبا وكان يعمل من أجل ذلك، الجنرال “حيدر سالتيك” أحد أعضاء انقلاب أيلول كان قد توجه إلى أوروبا وعقد اتفاقاً مع تيار الاشتراكية الديموقراطية في أوروبا كي تسحب كل الثوريين الهاربين من تركيا والموجودين في الشرق الأوسط إلى أوروبا، ليقوموا هم باحتوائهم، و”تانر آكجام” تولى هذه المهمة، ولهذا السبب انشق قسم من تنظيم DEV-YOL على تانر آكجام، وهذا التنظيم كان مهماً للأتراك لقاعدتهم الواسعة، أما التنظيمات الأخرى التي شاركت في الجبهة فقد كانت صغيرة، وعندما ظهر هذا التوجه لدى تانر آكجام أصبحت التنظيمات الأخرى في شك من أمرها، ولهذا لم يتقدم ذلك النشاط، كما لم تحقق أي تقدم على الصعيد العملي، فربما قمنا ببعض الأعمال المتفرقة ولكن العمل الأساسي للجبهة المقاومة للفاشية التي كنا نعمل من أجلها لم تتقدم، وكنا قد أصدرنا صحيفة ناطقة باسمها، ونحن كنا نقدم كل الإمكانيات اللازمة بما فيها المادية، وكل هدفنا هو أن نرسخ تنظيماً أوعملاً نضالياً ضد الفاشية في تركيا، فإن نجحنا في ذلك فإن نضالنا في كردستان سيتقدم أكثر، ولكننا مع الأسف لم نحقق تقدماً على هذا الصعيد.

كانت هناك كل التنظيمات الكردية في دمشق، وأردنا أن نحقق جبهة معها أيضاً، أي نعمل على جبهتين، جبهة في كردستان وأخرى في عموم تركيا مع اليسار التركي، التنظيمات الكردية لم تقترب من هكذا جبهة، وما قالوه: إننا لن ندخل في جبهة مع PKK !. لأن PKK سيء ويمارس السوء!! وكان “كمال بوركاي” يقود تلك التنظيمات على الأغلب، عقدنا بعض الاجتماعات لهذه الغاية ولكن عندما وجدنا منهم هذه التصرفات قلنا لهم: مادمتم لا تريدون الدخول في جبهة معنا، يمكنكم أن تؤسسوا جبهة من دوننا، ونحن سندخلها إن رغبتم، ونبقى خارجها إن لم ترغبوا، وسندعمكم ونساندكم حتى ولو لم نكن فيها. قالوا: حسناً سنتناقش فيما بيننا,عندما نقرر سنتحدث إليكم، وانتظرناهم كثيراً ولكنهم لم يؤسسوا أية جبهة فيما بينهم مثلما لم يتصلوا بنا، ولم تتأسس أية جبهة في كردستان، كما لم تحدث أية ممارسة عملية، فلم يكن في هدفهم أي شيء من هذا القبيل، لماذا لم يرغبوا في جبهة أو تحالف مع PKK؟ لأنه لم تكن لديهم أية قوة أو هدف على صعيد المواجهة، ولا العمل في كردستان، كما لم يرغبوا في الدخول معنا في تحالف أو جبهة خوفاً من أن يذوب ما لديهم ضمننا، لأنهم غير قادرين على الاحتفاظ بأناسهم. حتى عندما ذهبت إلى قامشلو التقيت بـ “حميد حاج درويش” من خلال أحد المنتسبين لحزبه الذي كان له أقارب في الشمال، وقريتهم تقع بين سريكانيه ودرباسية وتسمى “قرية أحمدي ملك” وهو الذي قال لي بأنه منتمي لحزب ورئيسه هم “حميد درويش” بينما أنا لم أكن أعرف أي حزب أو رؤساء أحزاب في غرب كردستان، وقال: إنه يتحدث بأقوال سيئة بحقكم، قلت له: هل يمكنك أن تعرفني عليه؟ قال نعم، وذهبنا سوية إلى منزله في قامشلو، ودردشنا بعض الشيء، سألت حميد: يا سيد حميد هل جلست أو تحادثت مع أحد من رفاقنا؟ قال: كلا، قلت: كيف تعرفنا إن كنا جيدين أو سيئين؟ قال: يقولون الكثير عنكم، قلت: نعم ربما يقولون ولكنك رئيس حزب، ولن تستطيع معرفتنا من خلال كلام الناس، وكان عليك أن تجلس معنا وتناقشنا عندها يمكنك الحديث عن سوئنا أو جودتنا، وأنا أستحي بدلاً منك. عندها قال: يقولون عنكم أنكم أولاد ورعاة وقرويون ولا يفهمون بالسياسة ويرتكبون الأفعال السيئة وكلام من هذا القبيل، وكان يستفزني لأقول له: كل هذا غير صحيح ولا يوجد شيء من هذا القبيل. ولكني قلت له: لا أعلم من الذي أخبرك ولكن كل الذي أخبرك به صحيح بل هو ناقص، وإنني قادر على سرد المزيد. ولم يكن يتوقع ذلك، فوقف متجمداً، وأضفت: إن الذين أخبروك كلهم مثقفون وكلهم ذو خبرة ومعرفة، ولكن لا عمل لهم وليس لديهم أية مساوئ، بينما المرتبطين بنا كلهم رعاة وقرويون وجهلة، فماذا أستطيع فعله هذه هي حقيقة الإنسان الكردي؟ هذا هو شعبنا، كما لدينا مساوئ كثيرة لأننا نعمل ولدينا أخطاءنا الناجمة من عملنا، والذي قال لك هذا الكلام ليست له أية مساوئ كما ليس له أي عمل. بعد هذا استحى، لأنهم كانوا قد عرّفونا بذلك الشكل في تلك المناطق، وهم جماعة كمال بوركاي، وDDKD ورزكاري و آلا رزكاري والحزب الشيوعي والحزب الديموقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، كلهم. يقولون PKK هكذا سيء، وهكذا يفعل.

حتى أن الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي السوري أرادوا أن يجلسوا معنا، فذهبت إلى منزل “اوسمان برو” وعقدنا اجتماعاً . والحضور كانوا أوسمان برو وأبو جنكو وكريم أحمد من الحزب الشيوعي العراقي. قدموا أنفسهم بأسمائهم ومناصبهم، وأنا بدوري قلت: أنا جمعة. قالوا: نعم ولكن ما هو منصبك، مركزي أم مكتب سياسي أم ماذا؟ قلت: ماذا تريدون من ذلك، ألم تطلبوا الجلوس مع PKK؟ قالوا: نعم. قلت: ها قد جئت باسم PKK. قالوا: نحن من المكتب السياسي ونجلس مع المكتب السياسي. قلت: ربما جئت إلى مكان خطأ، فقد كنت أرغب في الجلوس مع الحزب الشيوعي السوري والعراقي، ربما أنا جئت إلى المكان الخطأ، وأريد الذهاب إليهما. ونهضت، قالوا لا تذهب. قلت أنتم غير صادقون، فأنتم لستم شيوعيون، قالوا: تعال واجلس، قلت: هل ستجلسون معي؟ قالوا: سنجلس مرغمين. قلت: أنا لا أراكم شيوعيون. قالوا: إنك تهيننا، وتتحدث أعلى من طاقتك، قلت: كلا، فالذي أعلمه أن الشيوعيون متواضعون، بينما أنتم آغوات وأنا قروي، والآغوات يجلسون مع الآغوات طبعاً ويرفضون الجلوس مع القرويين، وهذا ليس تصرف الشيوعيين، وتقولون أنكم لن تجلسوا سوى مع المكتب السياسي فكيف تكون هذه شيوعية؟ وكان نقاشاً حاداً معهم. كانوا يقولون: إن الطريق إلى السوفييت يمر عبرنا، ونحن نمثل الأكراد، قلت لهم: مادام طريق السوفييت يمر عبركم، نحن لا نريد ذلك الطريق ولن نسير فيه، بينما نحن نحاول فتح الطريق بأنفسنا فإن فتحناه كان بها، وإن لم نتمكن من فتحه فذلك يعني أننا لا نستحق الحياة، وأنتم لا تمثلون الأكراد ولم تفعلوا شيئاً للأكراد، بل سيأتي يوم نسألكم فيه الحساب، ونحن الذين نمثل الأكراد ولا نقبل بأحد فوقنا. عندها قالوا: ستندمون، قلت: ماذا لدينا حتى نندم، وكأنكم تقولون أن لدينا شيئاً سنخسره!! نحن ليس لدينا ما نخسره ولن نندم. لماذا كانوا يقولون ذلك؟ لأنهم يعرفون أن الانقلاب قد وقع في تركيا، وكل التنظيمات تأتي إلى تلك الساحات، فهي في حاجة إليها، ونحن أحد تلك التنظيمات، ولدينا علاقات مع الفلسطينيين، والحزب الشيوعي العراقي كان مسؤولاً في المنطقة طبعاً، النظام السوفييتي كان قد جعل كل من ألمانيا الشرقية وبلغاريا مسؤولان عن الشرق الأوسط، وبلغاريا هي المسؤولة على الأغلب، وهما قد جعلا من الحزب الشيوعي العراقي مسؤولاً، وهو المسؤول عن كافة الأحزاب الشيوعية والإشتراكية في الشرق الأوسط، ولهذا تحدثوا إليّ من موقف قوي. فمن الواضح كانوا قد بدأوا بالتهديد والإبتزاز، أي: إما أن تقبلوا بما نمليه عليكم أو لن تعيشوا هنا، فحتى المعسكرات الفلسطينية كانت من إمكانيات السوفييت والمعسكر الاشتراكي، فقد كانت لديهم رقابة على ما يجري عن طريق بلغاريا والحزب الشيوعي العراقي، ونحن كنا موجودين في تلك المعسكرات، وأخيراً قلت لهم: صحيح قد حدث إنقلاب ونحن محتاجون لهذه الساحة، ولكن هناك أمر صحيح آخر، وهو أنكم ستعرفوننا فنحن لسنا KUK ولا أي حزب آخر، ونعيش بكرامتنا، ولن تستطيعوا فرض شيء علينا ينتقص من كرامتنا، قالوا: ماذا ستفعلون؟ قلت: نحن ذاهبون إلى تركيا، قالوا: وهل تستطيعون الذهاب في هذه الأجواء؟ قلت: نعم نحن قادرون، نذهب ونموت بشرفنا على الأقل بدلاً من قلة الشرف، ونترك خلفنا ميراثاً ولن يلعننا أحد، أما إذا أردتم إقامة علاقات مشرفة بكرامتنا فنحن مستعدون، ولن نرضخ للتهديد والابتزاز. لم يكونوا وحدهم الذين يمارسون الضغوط علينا، بل الفلسطينيون أيضاً كانوا يضغطون، كانوا يريدون فرض الاستسلام علينا.

في تلك المرحلة أبدى القائد مقاومة كبيرة حتى لا تتنازل الحركة عن نهجها وإيديولوجيتها وتنظيمها وعلاقاتها ولا تستسلم لهذا أو ذاك، وحتى تحافظ على نفسها، لم يكن من السهل في ساحة مثل الشرق الأوسط تأسيس العلاقات وخلق الإمكانيات وتحقيق تقدم، كما أن الدفاع عن الذات لم يكن سهلاً، السياسة في الشرق الأوسط هي فرض الاستسلام وإن لم يتحقق فالقتل والإبادة هي السياسة المنتشرة، وثقافة المؤامرة منتشرة في الشرق الأوسط، كما بيع وشراء كل شيء هو السائد بشكل قوي، فإن لم تكن قوياً لتحمي نفسك ولم تتخذ التدابير لن تتمكن من ممارسة السياسة في الشرق الأوسط، بل لن تستطيع العيش، إما أن تستسلم وتصبح خادماً للبعض أو تتعرض للتصفية، وخاصة في الساحة السورية فإن ممارسة السياسة صعبة جداً. فمثلما يقول “تشرشل”: يجب أن يفهم المرء السياسة في دمشق. هذا كلام صحيح، والعرب تقول: لايمكن الحرب بدون مصر ولا يمكن السلام بدون سوريا. هذا أيضاً كلام صحيح، وإذا نظرنا إلى التاريخ الأموي والعباسي والأيوبي نستطيع فهم هذه الحقيقة بشكل واضح أيضا. وكذلك تجار دمشق مشهورون جداً في البيع والشراء. وكذلك لهم الشهرة في حبك المؤامرات. حتى الحشاشون المشهورون في التاريخ بالمؤامرات حاولوا ممارسة مهنتهم في دمشق فنجحوا في بعضها ولم ينجحوا في البعض الآخر، ولو أمعنا في التاريخ نستطيع معرفة الكثير عنهم.

في وقت أنت في منتهى الضيق وتريد أن تمارس السياسة هناك وتحقق تقدماً في علاقاتك وإمكانياتك وسياستك وإيديولوجيتك وتحمي نفسك، هذا ليس سهلاً، وربما مارس القائد أشد صراعاته عندما كان هناك، وتعرض للكثير من التهديد والابتزاز حتى يخضع لهم، ولكنه حال دون خنوع الحركة لكل ذلك، حتى أن سوريا حاولت صدم القائد بسيارة في مزة اوتوستراد، ولا نعلم تماماً إذا ما أرادوا من ذلك قتله أو تخويفه ولكن قاموا بذلك والمحتمل هو التخويف، القائد لاحظ الأمر وألقى بنفسه جانباً، أرادوا التخويف لفرض الاستسلام عليه. هذه هي الأجواء التي كنا فيها هناك.

في لبنان أرسلت الدولة التركية فريقاً خاصاً، كان من بين الفريق “اوسمان باتمان” وكان قد خدم في السفارة التركية في بغداد قبل ذلك، وهو الذي حقق تقدماً في علاقات استخبارات صدام وMIT، ولأن استخبارات صدام كانت قوية في علاقاتها بالكتائب وبالفلسطينيين، بل كان لها تنظيمها الخاص بها، وهو “الجبهة العربية لتحرير فلسطين”، علاقة هذا التنظيم كانت مع العراق تماماً، واستخبارات العراق كانت أقوى جهاز استخبارات في لبنان، وبهذا السبيل جاء اوسمان باتمان. وأحد أعضاء الفريق كان المفتش كمال الذي كان مختصاً في فريق مكافحة PKK منذ أن كنا في عنتاب، وشخص آخر يدعى أرجومنت وهو الذي رسخ العلاقات بين CIA وMIT، هؤلاء كانوا ضمن فريق قوي. هذا الفريق أقام العلاقات مع شريحة من تنظيم فتح لإلحاق ضربة بنا، فقد جاء كل هؤلاء كموظفين في السفارة التركية، بل عقد هؤلاء اتفاقات تعاون مع ذلك الفريق في فتح، والجبهة الديموقراطية حذرتنا من ذلك، قالت: هناك وضع من هذا القبيل وعليكم أن تكونوا حذرين وتتخذوا التدابير، ونحن أيضاً سنتخذ تدابيرنا، فهناك فريق ضمن فتح يعاونهم. وهكذا عمل هذا الفريق كثيراً لالحاق ضربات بنا، ولكن بفضل التدابير التي اتخذناها والتدابير التي اتخذتها الجبهة الديموقراطية، والتدابير التي اتخذها الفلسطينيون الآخرون الذين كنا نتعامل معهم بعد أن أخبرناهم بذلك، استطعنا حماية الحركة من الضربات، فمقابل هذا التعاون فتح الفلسطينيون مكتباً لهم في أنقرا، ذلك المكتب كان ثمرة تلك المساومة علينا، فحتى ذلك الوقت لم يكن لمنظمة التحرير الفلسطينية مكتب في أنقرا، المساومة هي أن تمنح تركيا مكتباً لهم مقابل أن يمنعنا المتعاونون معهم ضمن فتح من التوجه نحو الوطن، بل يعملوا على تصفيتنا في لبنان تدريجياً، هكذا كان مخططهم، ولهذا كانوا يرسلون كثيراً من رفاقنا إلى الجنوب، أي جنوب لبنان في الجبهة المتقدمة مثل قلعة الشقيف وقلعة صلاح الدين وصور وحاصبيا، وكلها في خطوط المواجهة، بذريعة أن يكسب رفاقكم الخبرة القتالية، بذلك كانوا يريدون الاحتفاظ بنا هناك وربما تصفيتنا في القتال. بينما نحن كنا قد قلنا للفلسطينيين: أننا سنقوم بخدمتكم وبكل مايقع على عاتقنا نحوكم مادمنا هنا، انطلاقاً من مفاهيمنا وليس مقابل أي شيء آخر، فهذا هو مفهومنا الثوري، ولكننا لدينا التزاماتنا نحو شعبنا أيضاً، فنرجو أن لا تحاولوا سوء استخدام هذا الأمر، فإن حاولتم استغلالنا فنحن لن نبقى هنا، وسنقوم بكل ما يطلب منا نحوكم ما دمنا هنا إذا توفر الإخلاص. حتى أننا نبهناهم عندما أرادوا اختبارنا. وعندما أسسنا معسكرنا الذي سميناه بـ”أكاديمية معصوم كوركماز” الذي أسسناه لنقوم فيه ببعض الأعمال التي يتطلبها نضالنا، وبعد أن أنجزناه أرادوا إخراجنا من هناك، عندها حذرناهم بأن نسحب رفاقنا من بينهم بالكامل، وقلنا لهم ما دمتم تتلاعبون بنا وتمارسون الاستغلال فلن نبقى هنا، وعندما وجدونا جادين فيما نقول وفي ذلك الوقت كنا نقوم بكثير من أعمالهم وإن سحبنا رفاقنا لن يكون لصالحهم، عندها قالوا: لتكن الأمور كما ترغبون.

في تلك المعسكرات حققنا إنجازات تاريخية، اولئك الفلسطينيون الذين لم يكونوا يقبلوننا في البداية جعلوا منا مثالاً لهم فيما بعد، كثير من قادتهم كانوا يأتون ويرون نظامنا ونضالنا وانضباطنا ويعجبون بها كثيراً، ثم يذهبون للمنتمين إلى تنظيماتهم ورفاقهم ويجعلون منا قدوة لهم، هذا هو الانطباع الجيد الذي تركناه لدى الفلسطينيين، بل لدى الشعب اللبناني أيضاً، مثلاً كان رفاقنا في حقول البرتقال وأصدرنا إليهم الأوامر بأن لا يقطفوا ولو برتقالة واحدة، وفعلاً كان رفاقنا لايقطفون برتقالة واحدة وهم في وسط حقولها، بل كانوا يجمعون ما يسقط منها ويضعونها جانباً دون أن يمسوها، وكنا قد نبهناهم أن يقولوا نحن فلسطينيون إذا سألهم أحد، فيأتي صاحب الحقل ويقول لهم أنتم لستم فلسطينيون، والرفاق يقولون نحن فلسطينيون بينما صاحب الحقل يقول هذا غير ممكن أنتم لستم فلسطينيون، لأنه لو كنتم فلسطينيون ناهيك عن البرتقال لما بقيت الأشجار، ولهذا فأنتم لستم فلسطينيون فمن أنتم؟ عندها يقول أحد الرفاق نحن من PKK من أكراد الشمال. ثم يذهب صاحب الحقل إلى أصحاب الحقول المجاورة ويقول لهم: اذهبوا إلى PKK ليأتوا إلى حقولكم للمحافظة عليها ولن يستطيع أحد الاقتراب منها. وجدنا أن كثيرون يأتون إلينا ويطلبون منا أن نقوم بتأسيس معسكراتنا في حقولهم!! فاستغربنا الأمر، ثم علمنا أن صاحب الحقل الذي يقيم فيه رفاقنا قد نصحهم بذلك، ولم يكونوا يرضون بالفلسطينيين لأنهم ينهبون حيثما يحلون، ولهذا فإن المواطنون اللبنانيون كانوا ينفرون منهم، بينما الفلسطينيون كانوا كالدولة هناك ويفعلون كل ما يحلو لهم، واللبنانيون عاجزون عن القيام بأي عمل ضدهم رغم حقدهم الكبير نحوهم، لأنهم لو انتقدهم أحد اعتدوا عليه، وذلك هو السبب الذي كان وراء طرد الفلسطينيين من هناك بعد عام 1982، فعندما هاجمتهم إسرائيل لم يقم أي لبناني بدعمهم، بل أن بعضهم وقف إلى جانب إسرائيل لإخراج الفلسطينيين، لأنهم عجزوا عن مواجهتهم بالسبل الأخرى، هؤلاء اللبنانيون الذين وقفوا ضد الفلسطينيين ساندوا رفاقنا في الحرب اللبنانية، فهم الذين ساعدوا رفاقنا للوصول إلى أكاديمية معصوم كوركماز في حلوة بسلام، فرفاقنا لا يعرفون الجغرافيا ولا اللغة، فالشعب اللبناني هو الذي ساعد الرفاق، لماذا؟ لأنهم تعاملوا مع رفاقنا الذين صنعوا مكانة في قلوبهم، وأستطاعوا كسب الشعب اللبناني، ولهذا دافع عن رفاقنا، ولو فعلنا ما فعله الفلسطينيون لما خرج رفيق لنا سالماً من هناك، وربما هاجمنا اللبنانيون قبل إسرائيل. بينما الآن نرى أن بعض رفاقنا يلحقون الضرر ببعض حقول الشعب، ليس في الشمال حيث يضطر بعض الرفاق إلى القطف لسد رمقه، بل يفعلونها في هذه المناطق، وأنا عاجز عن فهم هذا الفعل، فأنا أعلم بأن هذه الحركة لا تلحق الضرر بالشعب أينما كانت، فبدون علم الشعب وعلم صاحب الحقل لا يمكنه قطف تفاحة واحدة من الشجر، تلك هي أخلاق هذه الحركة، فنحن كسبنا بأخلاقنا وثقافتنا واستقامتنا، وباحترام الشعب لنا وفتحنا قلوب الشعب بتلك القيم، وقد بذلنا جهوداً جبارة لكسب قلوب الشعب وثقته بنا، وعانينا كثيراً من الآلام وأيام الضيق لتحقيق ذلك، وربما دفعنا بشهداء بسبب ذلك، وتحققت الثقة والاحترام نتيجة لذلك، ولا يمكن أن يكون هناك كادر يستطيع إلحاق الضرر بالحركة أو تلطيخها بسبب معدته أو نزواته، والذين يفعلون ذلك هم قليلو الأخلاق، والحركة ليست مكاناً لهم، وكل من ينضم إلى هذه الحركة يجب أن ينضبط حسب قيمها ومقاييسها وليس هناك أي سبيل آخر، وإذا لم يستطع فعليه الابتعاد عن هذه الحركة وهذا شرط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى