الثائر لأجل الحرية

الثائر لأجل الحرية

 

الاسم والكنية: هيبت يوسف ،الاسم الحركي : يلماز أحمد ،تاريخ الالتحاق:1992 تربسبيه ،تاريخ الاستشهاد: 16حزيران 1999 ماردين  باكوك

شيخ يوسف؛ تلك القرية السهلية الساكنة في حضن التلة والشاهدة على الكثير من المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن وغيرهم، أصبحت فيما بعد موطناً للبوطيين بعد اضطرارهم لترك موطنهم إثر إخفاق انتفاضة البدرخانيين. في تلك القرية عاش البوطيون مع مجموعات من الأرمن.

الجميع كان متضررا من سياسة السلطات الحاكمة  من إبادة وإنكار- والتي أرغمتهم على ترك موطنهم الأصلي. مرت الأجيال وكبرت القرية، وعادت إليها الحياة بعد فقدانها، حيث لم يبق فيها أي شاهد على التاريخ الماضي، باستثناء تلتها الشامخة التي ما تزال تحوي أسرار الحياة السابقة، الحاضنة للكثير من الآثار في أعماقها. بَرآف التابعة لسيلوان والمرتبطة بأيالة آمد، كانت مسرحاً للتناقضات والاختلافات المذهبية ) السنية ،العلوية والأرمنية( عاشوا سوية؛ فالكل يحمل نفس الجروح والآلام، واجتروا مرارة الفشل وأرغموا على الهجرة.

الخصائص المشتركة من جهة والمتناقضة من جهة أخرى كانت تضفي على القرية الصغيرة طابعا يجعلها منفتحة للتأثيرات الخارجية وقبولها. في أحضان هذه القرية، ولد هيبت الطفل الثالث للعائلة في عام 1965 ، إلا أن الحرب التي نشبت بين العشائر، جعلته يفقد والده بعد ثلاث سنوات من ميلاده. كبر على صوت أمه وهي تبكي على الماضي الضائع والأب المفقود، على الخوف من المستقبل المجهول. عندما كبر هيبت لم ينس تنهدات أمه وهي تحاول زرع الطمأنينة في نفسه، تحتضنه وتضمه إلى صدرها. كبر الطفل لكنه لم يستطيع السير على ساقيه حتى بلغ الخامسة من عمره، وقتها كانت عائلته قد اضطرت لشد رحالها مرة أخرى إلا أن دربها كان أطول هذه المرة، كانت الهجرة الثانية من الوطن إلى الوطن؛ من الشمال إلى الجنوب؛ من آمد إلى القامشلي وتربسبي.

هذه الهجرات التراجيدية المعاشة، حددت الخطوط الأساسية في تشكيل شخصية هيبت ) يلماز(، الذي كبر منذ نعومة أظافره بين الصراعات العشائرية، الوطنية والخلافات التي أدت لزيادة المآسي بين العوائل والعشائر في كردستان.

العنف والإجبار خلق في شخصيته روح العصيان، فمنذ صغره فقد والده وأجبر على ترك قريته، لذلك كانت ردود أفعاله عنيفة تجاه الضغوط والعنف الذي يواجهه. وعندما كبر أدرك بأن إرادته يجب أن تكون مستقلة متحررة من كل هذه القيود.

الصراع الذي عاشه هيبت منذ صغره جعلت شخصيته متميزة ومتمردة، ردود أفعاله كانت تَظْهَر في كل تصرفاته، حتى في تقربه لأخوته الستة، لأنه كان يقترب بعنف من أخوته الكبار ويعطف على الصغار. كان للحرمان الذي يعيشه تأثيراً على كل تصرفاته، إلا أن الأسباب الأساسية لهذا الحرمان لم تكن معروفة لديه للدرجة الكافية، فعندما يجد بأن أخوته الكبار ووالدته هم المسؤولون المباشرون عنه والذين يرغبون في فرض كلمتهم عليه كان يعاند ويرفض، ويحاول أن تكون نظرته ورأيه هما المسيرتان.

كبر هيبت مع الحرمان والكدح، لأن العائلة الفقيرة التي اضطرت لمغادرة موطنها عاشت الفقر والتشرد إلى أن كبر أولادها وأصبحوا يعملون في سبيل تأمين لقمة العيش الكريم، فتحسنت أوضاعهم المعيشية، لكن الأزمة في شخصيته لم تنحل، لأن الظروف الاقتصادية والمعيشية وحدها لا تعني كل شيء، بل هناك أمور أكبر من هذه الأمور؛ إنها الهوية التي تحدد مساحة حرية الإنسان في وطنه، بينما المهاجر الذي نفي من موطنه فقد هويته مثلما فقد قريته الصغيرة ووالده.

بقي هيبت مكتوم القيد في سورية، حرمانه من الهوية أوقعه في الإحراج؛ فمع كل خطوة كان يخطوها وفي كل سفر حتى القصير منه كان في مواجهته كابوس التوقيف.

لسوء الحظ فإن كل شرطي أو دورية تفتيش تظهر في طريقه كان في الغالب يقع في كمينهم. حاول كثيرا تدارك هذه المواقف لكن دون جدوى. توالت وكثرت الأيام التي قضاها في الحجز. أصبح يحلم بأن يسافر من دون أن توقفه دوريات التفتيش، من دون أن يُنَزِلوه من العربة لأنه محروم من الهوية. راودته الكثير من الخيالات التي تعرض لها، لذلك كان يبدي ردود فعله مقابل العائلة؛ فهو شخص له إبائه وعزة نفسه، يرغب في السير بحرية، التوقف بحرية، أن لا يكون من الممنوعات، ممن يتهربون من السلطات لا لذنب اقترفه بل لقدر تحكم في مصيره عندما قُتل والده واضطرت العائلة للهجرة والاغتراب.

إن لم تهاجر العائلة أكان من الممكن أن يكون مصيرها أفضل.. إنه مصير الكرد المحتوم في ظروف الإنكار والإبادة أينما كان سواء في الشمال أم في الجنوب لا فرق. أدرك هيبت أن الوطن والهوية بالنسبة للإنسان هما اللذان يتيحان له حق الحياة. فمن لا وطن له، لا هوية له، ولن يستطيع العيش بسلام، بل سيبقى مجهولا دون قوة وإرادة.

هذا ما أيقظ فيه الشعور القومي منذ صغره لدرجة غدا متعصبا لقومه الذين يعيشون نفس مأساته. كيف لا وهو يرى الكرد يُسحقون ويُعاملون معاملة بعيدة عن المقاييس الإنسانية.

أن تكون نكرة بين الناس ولا تستطيع التعلم والدراسة بلغتك الأم، ولا تملك هوية، وما إلى ذلك كل هذه الممنوعات كانت تزيد من ثورة التناقضات التي عاشها هذا الشاب الطموح والتي قادته إلى دوامة الصراعات والتوترات والحالات النفسية العصيبة. هذه المواقف والأحداث التي شهدها الرفيق في كل أيامه جعلته يبتعد عن العائلة ويبدأ بالبحث، هذا ما دفعه للبقاء في الخارج علّه يجد ضالته ويعرف حقيقة بحثه وطموحه.

تابع هيبت عمله ليعيل عائلته، فقد كان شخصاً كادحاً مرتبطاً بالكدح، لا يقبل الظلم أو الإحراج الذي يسيء إلى إنسانيته أو إرادته الحرة وطموحاته التي لا تقبل بالحدود المفروضة عليه، وحقه في التحصيل العلمي أو العيش كمواطن ذي كرامة.

تعرف الرفيق على الحزب كان عن طريق العائلة التي تأثرت بالنشاط الذي كانت تقوم به الحركة الآبوجية خلال الثمانينات في الجنوب الصغير. كانت هذه الفعاليات لا تزال في أطوارها الأولى إلا أن نشاط الرفاق وانضمام بعض أبناء المنطقة المميزين وتردد الرفاق خبات، مصطفى كلو ولقمان وعلاقاتهم الحميمة مع الرفيق كان له التأثير الحاسم في قبوله لفكر الحزب. شخصية هؤلاء الرفاق وحماسهم أثر على الرفيق فأصبح يتقرب منهم ساعيا لاكتساب المعرفة فربما يجد الحل لكل ما يحس به ويعيشه من تمزق وضياع، وهكذا أصبح من المقربين لرفاق الفعاليات بعد أن اقتنع بأن الثورة هي الطريق الوحيد للخلاص من هذا الوضع المعاش.

شارك الرفيق في هذه الفعاليات بعد منتصف الثمانينات، حتى فترة التحاقه بأكاديمية معصوم قورقماز، هناك وجد ضالته في التدريبات الأيديولوجية التي حثته على الارتباط بنهج الحزب والتمسك به، حيث وجد فيه سبيلا للوصول إلى أهدافه في الحرية، ونيل هوية مستقلة والوصول إلى طريق المعرفة، عبر حرب التحرير.

اقتنع بذلك وأصر على الالتحاق بجبهة القتال في أسرع وقت ممكن، نظراً لشخصيته القوية ولثقته بإمكاناته؛ ففيه من الميزات ما يخوله لأن يكون من البارزين في هذا الميدان. حبه للحرية وإصراره لأن يكون كادحاً ذا إرادة مستقلة، وأن يعطف على الأصغر منه زاد من طلبه في الالتحاق بساحة الحرب. كان الذهاب إلى ساحة الحرب في ماردين من أمنياته لأن قاطني القامشلي وتربسبية المتاخمتين لماردين يتطلعون دائماً إلى ماردين بشوق اللقاء مع أخوتهم هناك. وللأسف فإن العدو سعى لوضع الحدود والعوائق بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال الخط الحديدي، الأسلاك الشائكة، الألغام، كلاب الجنود والأضواء الساطعة.

محاولة الرفيق هيبت كانت تهدف في البداية إلى إزالة هذا الكابوس الذي يمزق قلب الكرد الذين يرون ويسمعون أصوات أخوتهم في الشمال، دون أن يتمكنوا من اللقاء بهم، بل يبقى الأثير يحمل رسائل الشوق وآهات الحنين. عندما كان خبات يغني أغنية )هوي مارديني( كان الرفيق هيبت يطرب لها ويرددها، فماردين معشوقته المعلقة هناك في حضن الجبل والتي سيحارب لأجلها، فهي بوابته إلى الوطن الكبير، إلى أرض الأم، أرض السلام والتي سوف يستطيع الشعب الكردستاني العيش فيها بعد أن يطهرها من المتحكمين بمصيرها. بعد عبوره إلى ساحة الوطن، وأثناء فترة وجوده في جودي كُسرت ساقه على إثر اشتباك مع العدو، لذلك اضطر للابتعاد عن ساحة الحرب، ريثما يستطيع تلقي العلاج اللازم.

أثناء فترة النقاهة التحق وللمرة الثانية بدورة تدريبية عام 1990 . بعد انتهاء فترة العلاج دخل ساحة الحرب مجددا حيث شارك بفعالية ضمن أنشطة الحزب والجيش في مناطق إيالة بوطان المتعددة.

مثل جودي، كابار، بستا وحفتانين كذلك كارا ومتينا، لكن بقيت ماردين من أولى طلباته وأمنياته. عندما اكتسب التجارب في الحرب والخبرة في معرفة جغرافية الوطن عمل لفترة كمراسل ومرشد في الطريق بين جودي وحفتانين. أثناء قيامه بنقل مجموعة من جودي إلى حفتانين صدف أن كان ضمن المجموعة أخوه الصغير الرفيق ريبر الذي انضم للحزب بعده، وأثناء مرور المجموعة من نقطة ألغام كان يحاول تنبيه الرفاق وتحذيرهم، فالأخان يسيران في طريقهما ربما تكون الصدفة، ويستشهد أحدهم في هذه اللحظة. لكنه لم يستغرب قالها بصراحة نحن في ساحة حرب ساخنة لكن علينا أن لا نخاف من الشهادة ولا أن نستشهد بشكل رخيص.

عندما حدث هذا اللقاء بين الأخوين في بداية 1995 تحدثا عن العائلة وطبيعة علاقاتهم وقتئذ كانت نظرته قد تغيرت من حيث حبه للعائلة وبين ما كان يعيش فيه من تناقض سابقاً. فقد أصبح أكثر وعيا وبين حبه وارتباطه بالعائلة. مع وصول الأخوين إلى حفتانين صدف أن قصفت الطائرات موقعهم عندها كان ما يزال يقترب بعطف من الأخ الأصغر محاولاً حمايته من الأذى، تاركاً حماية نفسه وقد حاول إعطاء تجاربه لأخيه ريبر. بعد ذلك افترقا كرفيقين بعد أن تواعدا على اللقاء ثانية في كردستان حرة.

بعد فترة أسر القائد اجتاحت الوطن غيمة أيقظت الأحاسيس مجددا وفيها تقدمت قوات الكريلا بطلباتها للقيام بعمليات انتقام فدائية بشكل طوعي. هذه الحركة التي عرفت النور وتطورت وأصبحت الأمل الوحيد للشعب الكردستاني العاشق للحرية رأت أملها في شخصية القائد آبو. الكريلا في كل المواقف الصعبة والأكثر إحراجا كانت تستذكر المواقف والإرشادات التي كان يقدمها القائد لها، فتزداد حماساً وعنفواناً وتقترب من الأعمال، المواقف والمهام وفق ما كان صائبا حسب أيديولوجية الحزب ومفهوم القائد.

تقدم الرفيق يلماز أيضا بطلبه للحزب للقيام بعملية فدائية، حيث بيّن طبيعة العملية التي يرغب في تنفيذها موضحا مخططها كونه خبيراً في الألغام، إضافة إلى تميزه في استخدام سلاح ال RBC ، إلا أنه لم تتم الموافقة والتصديق على طلبه نظرا لمواهبه وخبرته في الأمور التقنية؛ حيث كان بمقدوره تقديم المساعدة لبقية الرفاق والرفيقات أثناء قيامهم بمثل هذه العمليات التي كان مرشحوها يعدون بآلاف الفدائيين. في تلك الفترة التحق الرفيق يلماز بسرية فدائية مؤلفة من 20 فدائياً، منهم خمس رفيقات يشرف عليها الرفيق أزاد، أما مهمة السرية فهي تنفيذ العمليات الفدائية في إيالة ماردين.

التحقت السرية الفدائية بسرية المنطقة والتي يقودها الرفيق جكدار وهكذا توحدت قوة السريتين للقيام بالعمليات التي سيتم التخطيط لها.

أثناء تلك الفترة كانت الرفيقة شهرستان تستعد للقيام بعمليتها الفدائية، وقتها كان الرفيق يلماز هو المسؤول عن إعداد المتفجرات. لذا قام بتحضير المواد المتفجرة بدقة ومسؤولية عالية مختاراً الأنواع المناسبة لهذا النوع من العمليات التي تحتاج إلى جسارة وصبر كبير.

التكتيك المتبع في تلك المرحلة هو) أسلوب الحركة، استخدام الإمكانيات الذاتية، التكتيك( وللتمكن من شل تأثير العدو، كان يتطلب توحيد الثلاثة سوية.

عندما قدمت سريتهم إلى الإيالة، كانت سرية الرفيق جكدار تقوم بتنفيذ عملياتها في منطقة جبل باكوك. اجتمعت السريتان للقيام بالعمل المشترك لتنفيذ عمليات مخططة في كل الإيالة.

في الفترة التي سبقت مجيئهم كان 27 رفيقاً قد استشهدوا في الإيالة، عندها كان العدو يدعي بأنه قد أنهى الكريلا في ماردين. لكن بعد أن قام الرفاق بتنفيذ بعض العمليات المحكمة والتي هزت كيان العدو، حينها دفع إلى حشد أعداد كبيرة من الكوماندو وحماة القرى إلى المنطقة ومدها بأحدث الأجهزة التكنيكية، بذلك تمكن من فرض الحصار الشامل على المنطقة. وبدأ بتضييق الحصار على الرفاق.

في 15 حزيران وصلت سرية الرفيق أزاد إلى المنطقة، وفي اليوم التالي ذهبت سرية الرفيق جكدار في مهمة لجلب الاحتياجات اللوجستية، عندها انضم الرفيق يلماز بشكل طوعي لمرافقة سرية الرفيق جكدار لجلب الأرزاق )التموين(، رغم أنه لم يكن قد ارتاح من السير الطويل بعد.

وهكذا استمر التمشيط، كانت السريتان تقومان بضرب العدو في نقاط معينة وبذلك استمرت العمليات واستمر العدو في تمشيطه وفي تضييق الحصار على الرفاق.

وفي 18 حزيران كثف العدو من حشد قواته. أما قوات الرفاق عامة فقد كانت حوالي 45 رفيقاً ورفيقة. من بين هذه القوات جميعها كان ثلاثة رفاق فقط يعرفون جغرافية المنطقة.

سرية الرفيق أزاد كانت سرية فدائية متحركة وصلت إلى المنطقة مجدداً، وسرية الرفيق جكدار التي كانت تتمركز في المنطقة، كانت على الأغلب من الرفاق المنضمين إلى الحزب مجدداً. مع تضييق الحصار على القوات تم فرز القوة الموجودة إلى قسمين؛ كل سرية على حدة. كانت رغبة الرفاق هي كسر طوق الحصار والالتفاف لضرب قوات العدو.

كانت مجموعة الرفيق يلماز تسير في المقدمة، تقدموا إلى أسفل قرية )باديي( التابعة لباكوك. وفي أسفل القرية وقعوا في الكمين الذي كان العدو قد نصبه لهم على الطريق.

خطة الرفاق كانت تستهدف التمركز في المرصد المقابل عندها سيكون موقع الرفاق مناسباً من الناحية الاستراتيجية ومسيطراً على المنطقة. لكن بعد وقوعهم في الكمين وضربهم للعدو اضطروا للانسحاب، بعدها توجه الرفاق نحو باديي من الناحية الثانية )نقطة جيلكي( حيث استطاع الرفاق التمركز في المرصد. عندها كانت السرية الثانية )سرية الرفيق جكدار( قد وقعت في الكمين عند باديي.

سرية الرفيق أزاد كان معها رفيقان فقط يعرفان الطريق والاثنان كانا غائبين عن السرية في تلك الأثناء. بذلك بقيت السرية الفدائية دون دليلٍ عارف بجغرافية المنطقة. باكوك بطبيعتها مناسبة لحرب الكريلا، لكن الجغرافية مفيدة لمن يعرفها، ولعدم وجود رفاق يعرفون تلك المنطقة جيداً، كان تمركز الرفاق قد حدث في مكان غير استراتيجي حسب هذه الرقعة من الأرض. في الساعة السادسة والنصف صباحاً كان الرفيق جمشيد، من سرية الرفيق جكدار قد استشهد. بعد ذلك بدأ الهجوم المعادي من ثلاث جهات  جناح من ناحية القرية يعني من الشمال  والجناح الآخر من الجنوب الشرقي  والآخر من ناحية باديي، استمر الاشتباك لكن دون أن يتمكن العدو من الوصول إلى مرامه، لذلك انسحبت قواته، بعدها وصلت إمدادات من مروحيات سوبر كوبرا، في هذه الأثناء كان الرفاق قد تمركزوا في مرصد كرمكي، الموقع كان مناسبا وهو يقع مباشرة تحت مرصد جيلكي، في النقطة المتواجدة بين كرمكي ومرصد جيلكي يتواجد وادي يشرف مباشرة على الجنوب الصغير وبشكل مباشر على المنطقة الواقعة بين القامشلي وتربسبي وبينها وبين القامشلي 6 7 ساعات فقط. في تلك النقطة بالذات يظهر السهل الذي يمتد فيه الخط الحدودي بأضوائه  وأسلاكه الشائكة  المنطقة الواقعة في الجنوب من الحدود تظهر فيها الخضرة والقرى ذات الأضواء التي تشع بالحياة. أما في الشمال فالأرض جرداء مزروعة بالألغام والموت، لقد تم إفراغ المنطقة من القرويين ولا تظهر فيها إلا الخرائب من القرى المهجورة باستثناء بعض القرى القليلة والتي ما تزال تصمد في وجه التهجير. كانت تظهر في دشتا باكوك  كري ميرا  كري بيا  مزرى يزيدية.

في هذه البقعة عندما كانت الطائرات تقصف قذائف الموت بلهيبها وأصوات ضرباتها كان الرفيق يلماز يحاول حماية الرفاق الجدد المتواجدين معه. فهما رفيقان كانا قد انضما منذ يومين وهما راعيان من دشتا باكوك لم يرتديا الألبسة العسكرية بعد، وكلاهما صغير في العمر. في هذه الأثناء ربما استطاع الرفيق يلماز أن يختلس نظرة وداع يودع بها قريته تربسبي التي شهدت أيام شبابه، يودع بها الشعب الذي أحبه لوطنيته، يودع عائلته التي أحبها وعرف قيمتها بعد أن أصبح ثوريا ، يودع بها أخاه الذي مازال محاربا في الجبال. إنها نظرات الوداع الأخيرة. وقتها كانت القذيفة قد أصابته. آخر صورة بقيت منطبعة على شبكية عينيه كانت نظرته إلى قريته وإلى رفاقه في السلاح، بذلك التحق الرفيق يلماز مع رفيقيه الجديدين بقافلة شهداء الثورة.

بعد مدة قصيرة استطاعت نفس السرية تجميع قواتها مجددا ونفذت عمليات انتقام لذكرى هؤلاء الرفاق. وقتها لم يستطع العدو أن يقترب من المنطقة أو أن يستعمل السيارات في تحركاته، بل انحصرت تحركاته ولمدة طويلة على المروحيات فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى