الوضع السوري الراهن وحقيقة الثورة في روج آفا

الوضع السوري الراهن وحقيقة الثورة في روج آفا

الدار خليل

الوعي المجتمعي الذي ينجم عنه ظاهرة خروج الشعب إلى الساحات لتحقيق غاية مباشرة هي «التغيير » يُعتبر فعلاً ثورياً بكل ما للكلمة من معنى، وذلك لكون الشعب كان الغائب الأكبر والأساسي في الفعل السياسي السوري العام، وبوصفه المجتمع المدني الغائب والمغيب لما يناهز لنصف قرن مضى. حيث ظهرت بوادر ودلالات للفعل الثوري قبل الانتفاضة الجمعية السورية على شاكلة انقلابات عسكرية فئوية وذاتها التي تولت السلطة بعد رحيل الاستعمار الظاهري، فلم يكن الشعب السوري حاضراً للمشاركة بل كان حضوره خلال مرحلة الاستقلال احتفالياً ومجسماً أكثر منه حضوراً حقيقاً وفاعلاً، وهذا يعيدنا إلى التساؤل عن طبيعة التحرر الذي ناله الشعب السوري والشعوب الشرق أوسطية خلال تلك المرحلة.

وحقيقة الأمر فما حدث في سوريا قبل أكثر من ثلاثة أعوام كانت ثورة جماهيرية من أجل التغيير واحداث التحول الديمقراطي وحل كافة القضايا المجتمعية وعلى رأسها قضية الكرد في سوريا، ولكن ما حدث في الشهور الأولى من عمر الثورة السورية بدأ يخبو ثورانه و يتوقف حراكه بعد انزياح مُعد له بدقة متناهية، وأبرز معترضات الثورة السورية هي العسكرياتية بدلاً من المجتمعية؛ والاسلاموية بدلاً من النهضوية، وفوضى السلاح المعوّم من قبل التدويل ولعبة الأمم بمصائر الأمم، وهذا بالطبع متناصف مع اصرار سلطة الاستبداد وزُمر الدولتية البعثية القوموية في إنكار مطالب الشعب وإصراره بالمجابهة العسكرية منعاً للتغيير وتعويماً للفوضى واستجلاب عناصر غريبة من أجل تصوير الوضع على أنه مؤامرة دولية، أو كما يصفها الفيلسوف عبدالله أوجلان في علم الإجتماع؛ محاولة خلق فضاء فوضى خلاقة مستحدثة تبنى فيه قواعد جديدة للعمل العسكرياتي. وخلافا لذلك واستمراراً للانتفاضة السورية كانت في روج آفا قراءة مغايرة لما حدث؛ قراءة جديدة لما سيحدث، وفق هذه القراءة وقفت حركة المجتمع الديمقراطي في طريق ثالث؛ استمرت بثورتها تجاه سلطة الاستبداد من أجل التغيير، وفي الوقت نفسه خالفت ما شرعت بها المعارضة الخارجية والتي جعلت لنفسها دور هدّام وتتحمل مسئولية ما وصلت إليه من شرخ مجتمعي وتعنيف بين العناصر الوطنية السورية، الثورة في روج آفا نجمت عن النهج الثالث ونجم عنها بدورها كل الإنجازات التي تم تحقيقها حتى إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في الواحد والعشرين من كانون الثاني من العام الحالي، والتي تبنتها كافة القوى والمكونات المجتمعية الفعَّالة والتي تقبل بالحل الرشيد الديمقراطي على المنحيين السوري والكردي كمكون أساس؛ وعلى اعتبار حل القضية الكردية في غربي كردستان مدخلاً أساسياً للحل الديمقراطي السوري نفسه، وعلى أساس هذا المبدأ الأساسي وعلى أسس التشاركية والتعددية وإحقاق العدل والسلام والأمن المجتمعي نستدل اليوم على عمق وصوابية النهج الوطني الثالث والمخالف لرأي بعض من الأحزاب والتنظيمات الكردية التي وقفت وما تزال في الجانب الخاطئ لما يحصل في روج آفا، ونقولها علانية أن هذه الأحزاب مارست ومنذ اليوم الأول من تأسيس الهيئة الكردية العليا اقصاءاً لما هو مطلوب منهم لدعم الجبهة الوطنية الديمقراطية مما أحدث بدوره شللاً نصفياً في جسم الهيئة : قسم فاعل وقسم وبسبب مشاكله وتناقضاته كان يعجز في أغلب الآحايين عن اتخاذ موقف فاعل.

ولأن بناء الأوطان وقضايا الشعوب يجب أن لا تقف عند زوايا فئوية ومستندة إلى تحقيق مكاسب حزبية، فقد دعت الحاجة إلى العمل وترسيخ الإدارة الأفقية المجتمعية، والوقوف بحزم إزاء ما حيك وما يحاك ضد إرادة الشعب في روج آفا من قبل المجموعات الظلامية والتي ثَبتت الوقائع صلاتها مع دول إقليمية جعلت أراضيها مراتع ومراكز تدريب وعبور وهجوم على كانتونات الإدارة الذاتية وبالتزامن مع حالة الحصار التي تمارسها هذه الدول وبالتزامن مع بناء جدار العار من السلطة التركية وبالتزامن أيضاً مع حفر خندق الغدر والهزيمة التي تكرس بدورها اتفاقيات الفصل بين كردستان وما لم تقم بها أنظمة الاستبداد بدأ بعض من ) الأخوة( بتنفيذه وزيادة الحصار على روج آفا وكل ذلك لتقويض وإفشال مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، فمن أجل احتلال كوباني قامت هذه الكتائب بالهجوم على كوباني وكانت مدعومة من عدة جهات داخلية وإقليمية هدفها احتلال كوباني والانطلاق من بعدها إلى عفرين ومن ثم الجزيرة، ونعتقد أن الحزب الجديد والمؤلف من أربعة أحزاب المتناقضة في البرامج والأهداف وفي أنظمتها الداخلية، وبرعاية وعناية من بعض قياديي حزب الديمقراطي الكردستاني وبعض من استخبارييها بهدف مزدوج؛ أولاهما النيل من الإدارة الذاتية، وثانيها إفشال المجلس الوطني الكردي والذي يُعتقد أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفي الوقت نفسه نعتقد أن ما يقوم به هؤلاء من أفعال على أرض الواقع كبناء الخندق هو بمثابة الهجوم على روج آفا والهجوم على كل المكتسبات و الانجازات الوطنية من خلال بعض من مرتكزاتهم الحزبوية، والخندق هو بمثابة شرعنة الهجمات الداعشية وشرعنة الحصار ومحاولة بائسة منهم لجر كانتونات الإدارة الذاتية إلى حرب واقتتال بين المكونات التي أدركت بدورها حقيقة ما تقوم بها هذه الفئات المعادية لإرادتها وإرادة الشعوب الحرة.

الصراع بين الذهنية الثورية في روج آفا وذهنية الارتماء في أحضان مجسمات تتدعي بالمعارضة هي في ذروتها، ويكون من الخطأ أن يتم توسيم هذا الصراع أنه مستجد؛ إنما قديم وتاريخي يستوجبه ممكنات وجوده والغايات والأدوار الملقاة على عواتق المتصارعين، الذهنية الثورية هي التي قرأت دقائق الواقع واختارت الزمان الصحيح وبنت المكتسبات في المكان الصحيح أيضاً، ومن خلال هذه الذهنية نمى عامل الدفاع المشروع والذي استوجبه الخط الثالث موازاة بكافة المواثيق والعهود الباحثة عن السلام الحقيقي، ومن خلال هذه الذهنية ستكون بمثابة خلق كل شيء يجب وجوده؛ ووفقه فقد تم تفعيل منسقية تشاركية بين الكانتونات الثلاثة فيما يخص مسائل الدفاع المشترك والمسائل المعاشية والاقتصادية والدبلوماسية أيضاً، لتؤسس لاتحاد أو اندماج طبيعي بينها بحيث تكمل بعضها بعضاً لتتحرك ككيان واحد متكامل، وعلى العكس من هذه الذهنية نلاحظ ذهنية النكوص والاستسلام والاتكالية والتي تبحث عن كل شيء مستحدث ومقولب ومعلب وما على أصحاب هذه الذهنية سوى أقلمة ذواتهم وأتباعهم وتكييفها لأجل كل حالة غير سويّة فرضت عليهم من أمكنة بعيدة عن روج آفا وبزمان هم يختارونه، وعلى الأغلب سيختارون اللحظة النهائية أيضاً وينهون بها أدوارهم المعتلة، وهذا ليس حدس وإنما قراءة للتاريخ المعاصر والقديم وكذلك الأحداث التي مر بها الشرق الأوسط وكردستان جزء منه.

الأوضاع في سوريا تمر بوتيرة متسارعة ربما يُراد لها خاتمة أو تصور لمدخل خاتمة مردها الخوف من عدم ضبطٍ للنتائج، لا سيّما أن التكلفة البشرية والتي فاقت أكثر من مئة وخمسين ألف من فقدوا حياتهم وأغلبهم من المدنيين الأبرياء، ناهيكم عن الخسائر في البنية الاقتصادية والتي تقدر بأكثر من أكثر من عشرة مليارات دولار، ومع هذه الأوضاع المخلة تبرز خلافات بينية تؤثر على بنيوية الحل والحسم، الخلاف السعودي – القطري على رأسها وتداعيات هذا الخلاف وركون؛ بل وهشاشة الجيش الحر مقابل هيمنة التنظيمات المتطرفة وهذا بدوره أفقد الائتلاف كل المساحات « المزعومة » مما جعله أكثر استلاباً وأكثر تبعية، وإذا ما لاحظنا سيرورة ذلك على الاتفاق الحديث المزعوم بين الائتلاف وبين الإدارة الامريكية والتي نجمت عنها مكاسب شخصية و »غزوة » تقدر قيمتها ب 27 مليون دولار دون أن يؤثر ذلك على تغيير على أرض الميدان، وربما كان ذلك تكلفة الانسحاب من حمص وما يزعم به النظام أن حمص في هذه الأوقات خالية من كل التنظيمات العسكرية المعارضة، وفي الوقت عينه نلاحظ أن اتفاق علنياً بموازاة التبعية الائتلافية لأمريكا؛ اتفاقاً نجم بين الفيدرالية الروسية والنظام بإعداد وتفعيل صفقة سابقة تتضمن شراء الأخير لتسع مقاتلات 130- -Yak ، من أصل 36 طائرة، سدّد النظام قيمتها بمبلغ 100 مليون دولار، كجزء من قيمة العقد الإجمالية التي تبلغ 550 مليون دولار، ومن ناحية ثالثة ما يحدث في شبه جزيرة القرم وتبعيات ذلك بين روسيا وبين غريمتيها التاريخيتين أوربة الغربية وأمريكا كان له أيضاً تداعيات على ما يحدث في الميدان السوري، وعلى منحى الملف الكيماوي السوري أيضاً، وبالطبع لا ننسى أن أربعة دول في الشرق الأوسط تشهد انتخابات؛ من المفترض أن تكون حاسمة، في لبنان، في العراق، وانتخابات تركيا القادمة، وأخيرا انتخابات الرئاسة في سوريا والتي تفتقد إلى أدنى معامل الأخذ بها، كيف ستجرى انتخابات رئاسية ونصف سورية مدمر؟ ونصف الشعب السوري مُهَجّرٌ؟ وكل سورية مهددة بشكل متقدم من الأفغنة واللبننة والصوملة؟ لم نسمع في التاريخ أن انتخابات رئاسية جرت دون وجود مسوغات قانونية وسياسية و اقتصادية وحتى على المستوى الاجتماعي وحالات التعنيف المجتمعي التي تمر بها سورية.

إن سورية القضية السورية، وسورية القضية الكردية هي من الأولويات التي تعتمدها حركة المجتمع الديمقراطي في روج آفا وكجزء من المجموع الذي شكل الإدارة الذاتية نفسها، ومن أجل ذلك قدمنا قبل مدة مشروعاً وطنياً يتضمن لملمة المعارضة الوطنية السورية على ضوء مبادرة نحو التَغيير الثوري الديمقراطي على أساس الوحدة والتنوع، وكنه المشروع متحدد بالمسؤولية التاريخية والتي يجب أن ينظر من خلالها أن المرحلة التي تمر بها سورية هي بالغة الخطورة والدقة. ولعلنا لن نخطئ حينما نصفها بأنها حرب عالمية ثالثة مركز هذه الحرب هو الشرق الأوسط، وسيكون لهذه الحرب تبعيات وتداعيات خطيرة على الدول الاقليمية والعالمية أيضاً، وخاصة إذا ما تُرك للعنف عنان المرحلة، وهذا كنه مبادرتنا من أجل التحول السلمي بعد إيقاف كل مظاهر العنف وإيجاد آليات مجتمعية وإقليمية ودولية لتشكيل جبهة عالمية حرة لصد الارهاب الدولي والذي مال مستقره مؤخرا في الشرق وفي سوريا، وبالأخص في روج آفا. إن حق الدفاع المشروع والذي يتبناه الشعب في روج آفا وبكل مكوناته وعن طريق إدارته الذاتية الديمقراطية ينطلق عمقاً صوب الداخل السوري ومن خلال مبادرتنا يُعتبر أن مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية هو حل مناسب وناجح لعموم سوريا، لا سيّما أن الهجمات الظلامية من قبل التنظيمات المتطرفة، وعقلية الانتقام التي عشعشت في أذهان البعض المتربص بالإدارة الذاتية وبعد فشل كل محاولاتها في الحصار والتجويع وشرعنة هجمات تلك التنظيمات المتطرفة. بدأت تنتقل إلى مرحلة اشد خطورة وهي التفجيرات الانتحارية التي تتعمدها بين الفينة والأخرى وبشكل همجي غير إنساني من أجل ترهيب الشعب في روج آفا بعد حصاره، ومن أجل تفريغ مناطق روج آفا بعد تجويعه، ومن أجل إفشال مشروع الحل الديمقراطي والموسوم بالإدارة الذاتية بعد فشل مشاريعها وفشل رؤاها وظهور استبدادها وسلطويتها.

إن أبرز المهمات الوطنية التي لا بد من إنجازها هو العمل من أجل تشكيل الهوية الوطنية والمواطنة الحرة، والانتقال إلى مرحلة بناء ديمقراطي عصراني حتى الوصول إلى الأمة الديمقراطية، والتي لا بد أن تتوحد من أجلها كافة الجهود ومن كافة ألوان الطيف السوري، للوصول إلى مجتمع ديمقراطي واقتصاد تشاركي يضمن الاكتفاء الذاتي وهذا هو الجوهر الذي لا بد أن نصل إليه.

التاريخ الذي يسجل الآن دقائق التفاصيل لن يرحم أحداً، ومستقبلنا جزء من تاريخنا؛ وتاريخنا أيضاً جزء من مستقبلنا، وفي المستقبل كما في التاريخ؛ دماء الشهداء هي التي تسطر معاني الوطنية والحرية والديمقراطية والتغيير.

وأن شعباً بحوزته آلاف القادة المعنويين )مجتمع الشهداء(؛ سيجتاز كافة المحن وسيذلل كافة العراقيل الموضوعة أمام حركية التاريخ، علماً أنه لا قوة تستطيع أن توقف عجلة التاريخ خاصة إنْ كان محركها الشعب والإرادة المجتمعية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى