مفهوم الكومونة وأهميتها نحو الأمة الديمقراطية
مفهوم الكومونة وأهميتها نحو الأمة الديمقراطية
مفهوم الكومونة:
تُعتبر الكومونة أصغر وحدة تقسيم إداري بين فئات المجتمع المتنوعة، بغية تلبية الاحتياجات الأساسية التي تضمن حماية المجتمع من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والدفاعية والصحية والثقافية والفكرية، ومواصلة تنمية قدرات الكومونة في النواحي السابقة الذكر بهدف تطويرها، كما أنها تُعتبر التنظيم الأساسي للإدارة السياسية من حيث أنها تشارك بتأسيس جميع المؤسسات الضرورية الفاعلة في قيادة المجتمع والتي بمقدورها الاستغناء عن مؤسسات الدولة من جميع النواحي، سواءً من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية أو الدفاعية أو الأمنية، كما أنها خير وسيلة للمشاركة بفاعلية في إدارة المجتمع وأداة للتربية المدنية والأخلاقية للمجتمع بذهنية الأمة الديمقراطية.
كما يمكن أيضاً تعريف الكومونة بأنها الوحدة الصغرى في المجتمع والتي يتم تشكيلها في قرية أو حي أو أكاديمية أو تعاونية أو مصنع أو مدينة على أساس الفرد الحر المتمتع بالشرف المجتمعي بهدف الوصول إلى مجتمع تسود فيه الحرية والمساواة والديمقراطية الايكولوجية والعدل المجتمعي، والعمل على جعلها البديل عن مؤسسات الدولة و مفهوم الحداثة الرأسمالية المستندة على التسلط و فردانية الفرد التي لا تقيم أية قيمة للقيم المعنوية للمجتمعات، كما أنها تشكل بداخلها آليات صونها وحمايتها استناداً على الحقيقة المجتمعية التاريخية للفرد متجاوزة فردانية الفرد التسلطية، و العمل على إنقاذ الفرد و المجتمع معاً من مرض التسلط و الاستغلال والاستعباد والأنانية و معالجته بإحداث الثورة الذهنية التي ستعيد الفرد إلى الجوهر ألا وهو إعادة وعي الفرد إلى المجتمع الطبيعي ليفهم حقيقته المجتمعية و أنه لا يمكنه العيش بتاتاً بشرف وكرامة بعيداً عن المجتمع وعن القيم المجتمعية «لو خيرت أنا مثلاً، لكنت انكببت على أعمالي في أي مكان أطؤه، في قريتي، على سفوح جودي، على حواف جيلو، في محيط بحيرة وان، في أحضان جبال آغري ومنذر وبينغول، على شواطئ أنهر الفرات ودجلة والزاب، وصولاً إلى سهول أورفا وموش وأغدر، وكأني بالكاد أنزل من سفينة نوح الناجية لتوها من الطوفان المريع أو أهرب من الحداثة الرأسمالية كهروب إبراهيم من النماردة، أو موسى من الفراعنة، أو عيسى من أباطرة روما، أو محمد من الجهالة، متكئاً على ولع زرادشت بالزراعة )أول امرئ نباتي(، ورأفته بالحيوان ومستوحياً إلهامي من تلك الشخصيات التاريخية ومن حقائق المجتمع، ولكانت أعمالي كثيرة لدرجة تستعصي على العد، ولكان بإمكاني مباشرة عملي ابتداءً من بناء كومونة القرية فوراً، ولكم كان تشكيل كومونة قرية أو عدة قرى سيغدو عملاً باعثاً على الحماس والحرية والصحة والسلامة! ولكم كان تكوين أو تفعيل كومونة حي أو مجلس مدينة عملاً خارقاً ومحرراً! وما الذي لن يثمر عنه بناء كومونة أكاديمية أو تعاونية أو مصنع في مدينة! لكم هو منبع فخر وإباء وغبطة عقد مؤتمرات الديمقراطية العامة من أجل الشعب، أو تشكيل مجالسها، أو التحدث في تلك المؤسسات والمنظمات، أو القيام بعمل ضمنها! ومثلما يلاحظ، لا حدود للحنين والأمل مثلما ما من عائق جاد أمام تحقيق ذلك سوى الفرد بذات نفسه، ويكفي لتحقيقه التمتع بنبذة من الشرف المجتمعي، ونبذة من العشق والعقل 1( .» (
قضية حرية المرأة تشكل حجر الأساس في الكومونة و التي بدورها تلعب الدور نفسه في قضية حرية المجتمع، فمن الضروري فهم حقيقة المرأة المجتمعية المساواة والسلام والعشق والعمل و التي تسمى العصر النيوليتي أو «عصر الأمومة »، واستهداف جوهر المرأة و حقيقتها وحريتها من قبل النظام الذكوري المتسلط و تزوير حقيقتها وتشويه صورتها، وعلى إثر هذا الانقلاب الذكوري ضد المجتمع الطبيعي والمتمثل بالهجوم على حقيقة المرأة وإبعادها عن جوهرها ابتعد الفرد عن مجتمعيته، أي أن الإنسان فقد جوهره المجتمعي نتيجة ذلك الهجوم الذكوري الغادر على المرأة الأم و من أجل استعادة الإنسان لجوهره عليه أولاً البدء بالنضال من أجل استعادة المرأة لحريتها وحقيقتها المفقودتين، فمدى حرية المجتمعات مرتبط بمدى حرية المرأة فيها. «يتميز تحرر المرأة بعظيم الأهمية في سياق التحول إلى أمة ديمقراطية. ذلك أن المرأة الحرة تعني مجتمعاً حراً، والمجتمع الحر بدوره هو أمة ديمقراطية 2( .» (
كما أن الاقتصاد عامل ضروري أيضاً لنجاح عمل الكومونة على درب الأمة الديمقراطية، فالكومونة ومن أجل تمتعها بالإرادة الحرة و الإدارة السليمة الذاتية و التي تستمد قوتها من تكاتف أفراد الكومونة للوصول إلى بناء مجتمع حر لا بد لها من أن تمتلك اقتصاداً حراً و اكتفاءً ذاتياً لتلافي التبعية الاقتصادية و ما سينتج عنها من تبعات، لذا من الضروري إدراك التزييف الذي تعرض له الاقتصاد من قبل الرأسمالية وحصره بعمليات التبادل التجاري المتمحورة حول السوق وتحكم فئة معينة بهذه السوق مما يعمق التبعية و الاستغلال، و للنهوض بالاقتصاد يجب فهمه بمعناه الطبيعي و الحقيقي على أنه الوسيلة الهادفة لتلبية الحاجات المادية الضرورية للمجتمع، وبناء الركائز والمؤسسات التي تساعد على القيام بذلك، أي يجب تحرير الاقتصاد من أيدي الاحتكار و الاحتكاريين وجعله ملكاً للمجتمع وبناء الاقتصاد البديل للكومونة سواء من خلال إحداث مشاريع زراعية أو صناعية أو تجارية لتأمين متطلبات الكومونة المتنوعة، مما سيساعد في مجال الخدمات والصحة والسلامة و الحماية والتي هي أيضاً من صلب عمل الكومونة عن طريق الاكتفاء الذاتي وشبه الاستقلال الاقتصادي.
الكومونة بما تمثله نواة المجتمع الديمقراطي، تتشكل على أسس المشاركة المباشرة لجميع المواطنين سواء في القرى أو الأحياء أو التعاونيات أو الأكاديميات بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والعرقية والقومية والدينية والأيديولوجية، بهدف التعبير عن إرادة الفرد الحرة و تأمين احتياجات الفرد الأساسية ليكون قادراً على العيش بكرامة و بروح جماعية و كومونية ضمن الكومونة، ولذلك تقوم الكومونة بإنشاء لجانها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ولجان المرأة والحماية الذاتية ولجان الصلح، وانتخابها بمشاركة كافة أفرادها لكي تقوم تلك اللجان بتمثيلهم والقيام بما يترتب عليها من الواجبات المتنوعة وتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية فيما بين أفراد الكومونة وحماية القيم المادية والمعنوية ودرء الأخطار التي من الممكن أن تتعرض لها الكومونة، بالإضافة إلى نشر الوعي الكوموني و الديمقراطي للحصول على فرد مجتمعي يؤمن بكينونته المجتمعية، ويدرك تماماً بأن وجوده ككائن وتمثيله الحر مرتبط تماماً بوجود الكومونة أو الوجود المجتمعي الذي يحيط به بكافة قيمها.
أهمية الكومونة نحو الأمة الديمقراطية:
تنبع أهمية الكومونة من كونها الدواء الأمثل لمرض الحداثة الرأسمالية، وترتكز في الأساس على إعادة الهوية المجتمعية للفرد التي طالما تم تغييبها وتزييفها. الحداثة الرأسمالية التي جردت المجتمعات من كافة قيمها التاريخية والثقافية وهدفت إلى تحويل الفرد إلى أداة لخدمتها وتجريده من قيمه الإنسانية.
مع وصول الأنظمة التسلطية إلى قمة تسلطها و عنجهيتها و تغييب الفرد الحر وتهميش الثقافات و المجتمعات تنامى بحث الفرد والمجتمع عن حقيقتهما المفقودة وبالتالي عن سبل الخلاص من هذا التسلط والاحتكار، وحتى أصبح البعض منهم يسعى للبحث عن جنة الفردوس المفقودة من خلال بعض القناعات الدينية، و من جهة أخرى تم السعي لإيجاد البديل عن الحداثة الرأسمالية و ذلك استناداً على الحقيقة التاريخية للمجتمع البشري ومراحل تطوره، و الفترات التي عاشها في ظل الطبيعة والسلام والمحبة والعشق وكيفية التحول من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع العبودي، واستمرار هذه العبودية لتصل إلى أعلى المراتب في ظل الحداثة الرأسمالية لما نشهده من تغييب تام للمجتمع الطبيعي و محاولات الصهر والإبادة التي تتعرض لها الثقافات و المجتمعات الأصيلة من كرد وعرب وآشور وسريان وأرمن، فكان لا بد من حل العصرانية الديمقراطية، و التي تشكل الكومونة فيها النواة الأساسية والقوة المحركة الرئيسية.
إن أهمية الموقع السياسي والثقافي لكردستان تنبع من كونها تقع بين العرب والترك والفرس جغرافياً، وفي نفس الوقت ملتقى كافةِ ثقافات الشرق الأوسط المتنوعة. وفي القديم سعت الدول الغربية المتمثلة ببريطانيا وفرنسا إلى إبقاء كردستان بلداً عقيماً وجعلها وسيلة للرقابة الإقليمية، وبذلك تحولت كردستان إلى أداة تساعد في إخضاع كل من الأنظمة العراقية والسورية والتركية للرقابة. ويراد الاستمرار في الدور نفسه في وقتنا الراهن برعاية أمريكية، وذلك بإنشاء دويلة قومية رجعية على جزء صغير من جنوب كردستان. وقد قاموا من قبل بإنشاء الدول القومية من عرب و ترك وفرس على حساب الكرد مما أدى بالكرد إلى الانتفاض في مختلف المراحل و الدعوة إلى الحرية وإقامة دولة كردية خاصة بهم والآن يريدون بإقامة هذه الدويلة تعميق الخلافات والنزاعات القومية التي لا مفر من أنها ستفضي في نهاية الأمر إلى حروب ضارية بين الكرد وجميع أقوام المنطقة الذين لهم دول قومية، أي أن الدويلة القومية الكردية لن تقابل بالترحيب من القومية العربية ولا الفارسية ولا التركية، ولعدم الوقوع في هذه المصيدة أو المذبحة الإقليمية لا بد من إيجاد حل أو نمط حياة اجتماعية يسود فيها الاحترام المتبادل بين الثقافات المتنوعة، و هذا ما نجده في حل الأمة الديمقراطية من خلال نظام الكومونات الذي لا يفرّق بين الأعراق والأديان والمذاهب. » وكأنّ التاريخَ حَوَّلَ كردستان والقضيةَ الكرديةَ إلى ما هو أَشبَهُ بقضيةٍ يهوديةٍ ثانية. يعيشُ الكردُ سياقاً كهذا في الوقتِ الراهنِ على الأقل. ما من ريبٍ في أنّ سياسةَ الحداثةِ الرأسماليةِ في خلقِ دولٍ قوميةٍ غيرِ متساويةٍ في المنطقةِ تَلعبُ دوراً مُعَيِّناً في ذلك. فالدولتيةُ القوميةُ العربيةُ والتركيةُ والفارسيةُ تَفرضُ مسحَ كردستان من الوجود، والتضحيةَ بالكرد. لذا، لا يُمكنُ الردّ على حصارِ إبادةٍ ثلاثيةٍ كهذا بدُوَيلةٍ قوميةٍ كرديةٍ صغرى. وحتى لو تمَّ الردّ، فسيَنتَهي دوماً إلى المجازرِ والإباداتِ العرقية، مثلما لا يزالُ يُشاهَدُ مِراراً. الدرسُ التاريخيُّ الذي يجب استنباطه من هذه المفارقةِ التاريخية، هو إشراكُ كافةِ شعوبِ المنطقة، وعلى رأسِها الأممُ المجاورة، في حلِّ العصرانيةِ الديمقراطية، من خلالِ الكياناتِ السياسيةِ الديمقراطيةِ والكوموناتِ الأيكولوجيةِ والاقتصادية، والتي ليست بدولةٍ قومية، شعوبُ المنطقةِ ذات الثقافاتِ العريقةِ من عربٍ وكردٍ وأرمنٍ ويهودٍ وآشوريين )السريان – الكلدانيون( وأتراكٍ وتركمان، ومن ذوي الأصولِ القفقاسيةِ ومن بعضِ الأثنياتِ )العشائر والقبائل( ذاتِ الجذورِ الفارسية، فعندَ إنشائِها بهويةِ الأمةِ الديمقراطية، ستَغدو قد أعطَت الجوابَ المناسِب للتشابُهِ الثقافيِّ التاريخيِّ من جهة، وتَخَلَّصَت من الجهةِ الثانيةِ من الدوامةِ العقيمةِ للصراعاتِ والاشتباكاتِ والحروبِ وسياسةِ فَرِّقْ – تَسُد التي تُؤَجِّجُها الحداثةُ الرأسماليةُ بوساطةِ الدولةِ القومية. فنظراً لأنها ستتوخى الحرصَ في أنْ تَكُونَ منفتحةَ الأطرافِ ومَرِنةَ الهوية، فستتمكنُ من تطويرِ الكُلّيّاتيةِ والتكامُلِ وبالتالي التآخي الغنيِّ والمعطاءِ للغاية فيما بينها. والموقفُ نفسُه يَسري على الهوياتِ الدينيةِ أيضاً، وقد شُوهِدَت أمثلةُ ذلك كثيراً في التاريخ. فبِحُكمِ كونِ غالبيتِها الساحقةِ ترتكزُ على عقيدةٍ ثيولوجيةٍ مشتركة، فبمقدورِ التكامُلِ أنْ يتطوَّرَ بنحوٍ أسهل. فالموسويةُ والمسيحيةُ والإسلامُ بكلِّ مذاهبِها وطرائقِها، وكأديانٍ إبراهيمية، بإمكانِها الدنوّ من بعضِها وتمهيد السبيلِ أمامَ تركيباتٍ جديدةٍ مثمرةٍ بموجبِ نفسِ مفهومِ الهويةِ الدينيةِ المرنةِ والمنفتحةِ الأطراف، كما شُوهِدَ مِراراً في التاريخ. وبناءً على الوطنِ المشتركِ والأمةِ المشتركة، لا يُعتَبَرُ تعددُ اللغاتِ ورموزِ الهويةِ قضيةً إشكاليةً ضمن الكُلّيّاتيةِ السياسيةِ التي ستتشَكَّل. أما المدنُ والمناطقُ والأقاليم، فستَكتَسِبُ معانيها كأماكِنِ تعاوُنٍ نموذجيٍّ من أجلِ التبايُناتِ الموجودة؛ نظراً لأنها ستُشادُ وفق ماهيةِ الوحدةِ Birim الديمقراطية، بوصفِها هوياتٍ تتواءَمُ ومزاياها الثقافيةَ التاريخية. ستَكُونُ الماهيةُ الأخلاقيةُ والسياسيةُ أساساً لجميعِ هذه الهويات. وسيَكُونُ القانونُ في خدمةِ الأخلاقِ والسياسة، ولن يَحلَّ مَحَلَّهما.
ونظراً لأنّ الكونفدراليةَ الديمقراطية )يمكن نعتها بصفاتٍ من قبيلِ الفيدراليةِ أو الاتحادِ الديمقراطيّ أو ما شابه(، التي ستُطَوَّرُ كمركزِ جذبٍ في المنطقة، ستتَّخِذُ من الكوموناتِ الأيكولوجيةِ والاقتصاديةِ أساساً )ذلك أنه يستحيلُ إثمار الأرضِ والماءِ والطاقةِ بشكلٍ آخَر(؛ فستَكُونُ بمثابةِ الجوابِ التاريخيِّ الأمثلِ في وجهِ الأزمةِ البنيويةِ ووضعِ الفوضى وأجواءِ الصراعِ والحرب التي أدى إليها فُرسانُ المَحشرِ الثلاثُة للحداثةِ الرأسمالية، أي نزعةُ الربحِ الرأسماليِّ والصناعويةِ والدولتيةِ القومية .» )3(
وها نحن نعيش المرحلة بكافة المآسي و الحروب التي هي من نتاج الرأسمالية الداعية دائماً إلى الربح الزائد من دون الالتفات إلى مصائر الشعوب، ونعاني من وطأة الفكر القوموي المتعصب والدول القومية التي أنتجها النظام الرأسمالي، والتي أصبحت كالعُقد المستعصية على الحل والتي تسفر الآن عن نتائج وخيمة، و السبب في ذلك هو تعزيز النزعة القوموية و التركيز على نقاط الاختلاف في الثقافات و تحويلها إلى نقاط للصدام والصراع والسعي دائماً إلى إلغاء الآخر، في الوقت الذي ندرك فيه تماماً بأن هذه الثقافات ولعصور طويلة عاشت في وفاق ووئام، و يجب التركيز على نقاط التلاقي والاتفاق بين شعوب المنطقة وثقافاتها، لأنها الطريق الأمثل نحو الحل و الخروج من الأزمة التي تعيشها المنطقة بأسرها، » تطويرُ كردستان ككونفدراليةٍ ديمقراطيةٍ مُؤَلَّفةٍ من الكوموناتِ الاقتصاديةِ والأيكولوجيةِ عبر الكياناتِ السياسيةِ الديمقراطيةِ العامِلةِ أساساً بجميعِ خصائصِها المذكورةِ آنفاً، إنما يَتميزُ بأهميةٍ تاريخية. وإنشاءُ الأمةِ الديمقراطيةِ المرتكزةِ إلى الهوياتِ الوطنيةِ المتعددة، هو حلٌّ مثاليٌّ تجاه عُقمِ الدولةِ القومية. وقد يَكُونُ نموذجَ حلٍّ من أجلِ كافةِ القضايا الوطنيةِ وقضايا الأقليةِ في الشرقِ الأوسط. أما جَذبُ أُمَمِ الجِوارِ إلى هذا النموذج، فسيُغَيِّرُ مصيرَ الشرقِ الأوسط، وسيُعَزِّزُ من فرصةِ العصرانيةِ الديمقراطيةِ في تكوينِ البديل.
لقد بَلَغَ التاريخُ بكردستان والكردِ إلى حالةٍ جَعلَ فيها الشعبَ الكرديَّ الذي يناضلُ في سبيلِ الحريةِ والمساواةِ والديمقراطية، وكذلك شعوبَ المنطقةِ التي تناضلُ في سبيلِ الحريةِ والمساواةِ والديمقراطيةِ مُرغَمين على توحيدِ مصيرِهم 4( .» (
هيكلية الكومونة وأهدافها ومهامها:
تم تعريف الكومونة على أنها النواة الرئيسية في تنظيم المجتمع بكافة شرائحه و الوسيلة التي من خلالها يتم تلبية متطلبات المجتمع المتنوعة، وعلى هذا الأساس يجب ألا تهمل أي شريحة اجتماعية أو اقتصادية في عملية إنشاء الكومونات بدءاً من القرى و الأحياء و التعاونيات والأكاديميات أو المصانع و المعامل، وصولاً إلى كافة أفراد المجتمع و احتوائهم بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية و الفكرية والمذهبية، بوصفها الطريقة المثلى نحو المجتمع الديمقراطي و الأمة الديمقراطية، وبناءً عليه و من أجل تجاوز مفهوم السلطة والوصول إلى الإدارة الديمقراطية، يتم تشكيل الكومون على الشكل التالي:
انطلاقاً من مبدأ الديمقراطية المباشرة يتم عقد اجتماع موسع يحضره كافة أعضاء الكومونة ممن تجاوزت أعمارهم 16 عاماً، ويتم الحديث فيه عن أهمية الكومونات ودورها في بناء المجتمع الديمقراطي و التركيز على دور الفرد في حماية مجتمعه و على أن الفرد مجتمعي بطبيعته و له قيمه المجتمعية المعنوية و المادية، وأهمية تحرر الفرد من الفكر و النظام التسلطي من خلال حرية المرأة و الدور الفاعل للمرأة في عملية التحول الديمقراطي للمجتمع من خلال الكومونات، و أهمية أن تشارك المرأة في الكومونة وإدارتها بنسبة 40 %، و تحديد متطلبات المجتمع الأساسية من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية والحماية والأمن، للقيام بتشكيل اللجان على هذا النحو و من ثم يتم انتخاب الهيئة الإدارية للكومون، وذلك بالترشيح والتصويت الديمقراطي المباشر في هذا الاجتماع الموسع، فتُشكَّل اللجان الخدمية والاجتماعية )الصلح( ولجان المرأة والشبيبة ولجان الثقافة والتعليم واللجان الاقتصادية ولجان الحماية والأمن، وتُشكل الهيئة التنفيذية التي تشرف على عمل هذه اللجان، و كل ذلك يجري في الاجتماع الموسع عن طريق الترشيح والتصويت المباشر.
يأتي تشكيل هذه اللجان في سياق ضرورة تحجيم الدولة والسلطة والاستغناء عنها، ولتأمين متطلبات المجتمع وإدارة المجتمع نفسه بنفسه وترسيخ الإدارة الديمقراطية، لذلك تشمل اللجان جميع المجالات الحيوية وتحل مكان مؤسسات الدولة التي تعتبر أدوات للتسلط على الشعب وقمع إرادتهم وتسخيرها في خدمة الفئة المتسلطة من الدولة. وأهم اللجان التي تتكون منها الكومونة هي:
1-لجان المرأة:
تأخذ هذه اللجان على عاتقها تمثيل المرأة كقوة فاعلة من أجل النهوض بالمرأة للسير نحو التحرر والمساهمة في نشر الوعي الديمقراطي و الحر ومحاربة كافة المفاهيم التسلطية و الدعوة إلى الحياة الحرية النِديّة و الايكولوجية و الطبيعية و ذلك من خلال التخلص من كافة تأثيرات المجتمع الطبقي و الرأسمالي الذي مارس مختلف أشكال الصهر والإبادة بحق هوية المرأة و أبعدها عن جوهرها الخلاق و دورها الفاعل في بناء المجتمع الديمقراطي الحر، وعلى هذا الأساس عقد الاجتماعات التوعوية والتعليمية والقيام بالحملات المطالبة بحرية المرأة ورفع جميع أشكال الظلم والاستغلال التي تعاني منها المرأة في المجتمع، والقضاء على ظاهرة البطالة و تفعيل دور المرأة في العمل وفتح المجال أمامها لتساهم بفعالية في إدارة المجتمع، وإخراجها من قوقعة تملك الرجل لها و أنها تمثل مفهوم الشرف الضيق بالنسبة للرجل، و محاربة كافة الجرائم التي تُرتكب بحق المرأة تحت مسميات مختلفة و تحت اسم جرائم الشرف، والمطالبة بحياة زوجية حرة مشتركة و تأمين حقوق المرأة ضمن عقد الزواج أو الحياة المشتركة بين الرجل والمرأة على اساس الحرية و الديمقراطية «كما تؤدي المرأةُ دوراً حياتياً ومصيرياً من حيث أخلاقياتِ وجمالياتِ الحياةِ على ضوءِ الحريةِ والمساواةِ والدمقرطة، كَونها العنصرَ الأصليَّ للمجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي. علمُ الأخلاقياتِ والجمالِ جزءٌ لا يتجزأ من علمِ المرأة. ولا جدال بشأن أن المرأة ستُحقِّقُ انفتاحاً وتطوراتٍ عظيمةً في جميعِ ميادينِ الأخلاقيات والجماليات كقوةٍ فكريةٍ وتطبيقيةٍ على السواء، بِحُكمِ مسؤوليتِها الثقيلةِ في الحياة. فأواصرُ المرأةِ مع الحياةِ شاملةٌ أكثر بكثير مقارنةً مع الرجل. ورُقِيُّ بُعدِ الذكاءِ العاطفيِّ متعلقٌ بذلك 5(» (، وكما ذكرنا سابقاً فإن المرأة ترى تمثيلها في الكومونة وإدارتها بنسبة 40 %.
-2 لجان الشبيبة:
تُعتبر الشبيبة القوة المحركة الرئيسية في المجتمعات، وعماد الوعي والتقدم نحو الديمقراطية و في هذا الإطار بالإمكان القول بأن من يملك الشبيبة يملك المستقبل، ومن أجل مستقبل زاهر للمجتمع الديمقراطي من الضروري خلق و تنظيم الشبيبة الديمقراطية الثورية الطامحة إلى تغيير أنظمة التسلط والاستبداد، و قيادة المجتمع نحو الحرية والتحرر والسعي إلى التحلي بوعي الحضارة الديمقراطية، و نشرها بين الشبيبة و إبعادهم و إنقاذهم من ضياع الهوية الطبيعية للشباب، ومن الإبادة التي يتعرض لها جوهر الشباب عند الشبيبة، ومن براثن سياسات الأنظمة الرأسمالية والاستبدادية، » النقطة الهامة الواجب ذكرها بالنسبة لتمثيل تمأسس الديمقراطية هي الأهمية الحيوية التي لا غنى عنها لبناء التمأسسات والتنظيمات الجماهيرية الخاصة لكل من المرأة والشبيبة والمجموعات الإثنية والدينية، باعتبارها القطاعات الأساسية في المجتمع. إذ لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حرة متساوية كلياً ما لم تؤسس هذه القطاعات تنظيماتها الجماهيرية الديمقراطية، باعتبارها من أولى ميادين المجتمع المدني 6(» (، وعلى هذا الأساس يجب تأسيس المنشآت الشبابية وتأمين المناهج التعليمية، وعقد الندوات للتعريف بالدور الذي يقع على عاتق الشبيبة، وإحداث الثورة الذهنية بدءاً من الشبيبة التي تشكل مستقبل الأمة و أساس قوتها وبقائها، وحفظ الشبيبة من الانزلاق إلى مصائد الهوى والسياسات الإعلامية الممنهجة التي تقوم بها القنوات الإعلامية القابعة تحت نير الأنظمة الرأسمالية والهادفة إلى إفراغ الشبيبة من جوهرها، وذلك من خلال إيجاد البدائل الديمقراطية ووضع البرامج التي من شأنها مخاطبة الروح الثائرة لدى الشبيبة وتفعيلها للقيام بالدور المنوط بها على درب الأمة الديمقراطية.
3-لجان الثقافة:
تعرف الثقافة بأنها الحصيلة الفكرية والأيديولوجية و العاطفية من أفكار وآراء ومعتقدات ومشاعر وأحاسيس المجتمع البشري على مدى التاريخ، لذا لا يمكن الحديث عن مجتمع قائم بذاته دون الحديث عن تراثه وثقافته، وللحفاظ على ترابط المجتمع وقوته يجب مأسسة ثقافة المجتمع. لقد تعرضت المجتمعات على مر التاريخ لهجمات همجية واسعة للنيل من تراثها وثقافتها كما في المجتمع الكردي والسرياني والأرمني ومحاولة صبغها بالثقافات الرأسمالية التقليدية «واقع المجتمع الكردي الذي نشهد مأساته الدرامية بكثافة، ونظراً لمعاناته التمزق العميق والخسران الذهني مؤسساتياً ومعنىً على حد سواء، لا يمكننا تسمية المجتمع الكردي إلا ب »المجتمع القابع تحت نير الإبادة الثقافية 7(» (، وانطلاقاً من ذلك يجب نشر ثقافة الأمة الديمقراطية، والبحث و الدراسة طويلاُ عن ثقافات مجتمعاتنا الأصلية العائدة إلى العصر النيوليتي و الرجوع إلى الطبيعة لعقد صلح معها و استمداد القوة منها، وعلى هذا الأساس تقوم لجان الثقافة بالبحث و الدراسة عن تاريخنا وثقافتنا والرجوع إلى الهوية الأصلية و محاربة كافة السياسات الرأسمالية التي تهدف إلى النيل من ثقافتنا و حضارتنا.
-4 اللجان الاقتصادية:
يمكننا تعريف الاقتصاد بأنه عملية تلبية الاحتياجات المادية الضرورية للمجتمع من خلال الإنتاج الكوموني و التبادل فيما بين الكومونات، و لفهم الظاهرة الاقتصادية جيداً يجب إخراج وسائل الإنتاج من يد احتكارات السلطة و تسليمها للمجتمع، و للقيام بمثل هذه الخطوات يجب إيجاد الاقتصاد البديل من قبيل التعاونيات الزراعية وإنشاء المشاريع الزراعية الصغيرة و المداجن التي تعود ملكيتها إلى الكومونة للاستفادة من نتاجها لخدمة الكومونة والمجتمع، والصبغة الايكولوجية للاقتصاد ضرورة حتمية، وتشجيع الأعمال اليدوية و تنمية المهارات الفردية لخدمة الكومونة، وجمع التبرعات من أفراد الكومونة لخدمة سياسة الكومونة الخدمية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي «يُعَرَف الاقتصاد وكأنه صُلبُ نشاطات احتكارات رأس المال بشأن الأسواق المشادة والمنضوية تحت سقف الدولة القومية 8(.» (
-5 اللجان الاجتماعية)الصلح(:
إن اللجان الاجتماعية والمبادرات المحلية تلعب دورًا بارزًا في دعم لجان التنمية الاجتماعية، وقد تبين أن الكثير من أبناء المجتمع لا يعرفون دور هذه اللجان، ويعانون من ضعف الثقة بقدراتها، مما يعني أنهم لا يقدّمون دعمًا مناسبًا لها بسبب ضعف وعيهم بدورها، ولهذا علينا التعريف بدور هذه اللجان وتطبيقها فعلياً على أرض الواقع وجعل المجتمع يثق بقدرة هذه اللجان على القيام بدورها، لذلك عليها أن تقوم بدورها على الشكل التالي:
-1 نشر الوعي الديمقراطي والأخلاق الفاضلة بين أفراد الكومونة والمجتمع.
-2 المساهمة والمشاركة الفعالة في حل المشكلات الاجتماعية، وزرع روح الأخوة بين أبناء الشعب.
-3 إحياء التواصل الاجتماعي والعلاقات الإيجابية بين مختلف الشرائح الاجتماعية.
-4 الاستفادة من ذوي القدرات المختلفة لزيادة فعالية وقدرات أفراد المجتمع.
-5 رفع روح الفرد المجتمعية بين شرائح المجتمع المختلفة.
-6 ملء أوقات الفراغ بما يعود على المجتمع بالنفع من خلال المحاضرات التوعوية والاحتفالات الجماهيرية والأنشطة الاجتماعية المتعددة.
ويجب الاستناد في كافة الأعمال التي تقوم بها هذه اللجان على ميثاق العقد الاجتماعي للحصول على مجتمع متماسك ومنتج وفعال وقوي في وجه سياسات الصهر الاجتماعي التي تهدف إلى تفسخ المجتمعات.
-7 لجان الأمن والحماية:
انطلاقاً من مبدأ حق الدفاع المشروع والحماية الذاتية، وحجب الثقة عن مؤسسات الشرطة والجيش التي تدخل في خدمة سلطة الدولة وحمايتها، لا بد من إيجاد لجان أمن وحماية لتقوم بواجب حماية الكومونة من الأخطار المختلفة التي من الممكن أن يتعرض لها أفراد الكومونة سواء من ناحية السرقات وعمليات النهب والسلب أو الأعمال الإجرامية والإرهابية التي تريد النيل من أمن واستقرار المجتمع. وتشارك هذه اللجان بفعالية في حماية أمن ومصالح أفراد الكومونة والمجتمع. وتنظم هذه اللجان عملها استناداً على الكوادر التي تملك خبرة جيدة في هذا المجال، وبذلك تتساعد مع اللجان الأمنية والدفاعية في الكومونات الأخرى لحفظ الأمن والأمان، وتقوم بتسيير الدوريات الليلية والنهارية، وتعتمد في أساسها على الوعي المجتمعي و تعزيز روح المسؤولية بين أفراد الكومون.
كما أن الهيئات الإدارية والتنفيذية للكومونات ترتبط وتجتمع مع بعضها البعض لتشكيل كومونة أوسع )مجلس حي أو مدينة(، وبالتالي مجالس الحي أو المدن تجتمع وترتبط ببعضها لتشكيل كومونة أوسع )مجلس مقاطعة أو كانتون(، وتأتي جميع هذه الخطوات على أساس خدمة المجتمع وإدارته بغرض التمثيل الشامل والمباشر لجميع شرائح المجتمع وتوعية المجتمع ودعوته إلى إدارة نفسه بنفسه، و نشر الوعي الديمقراطي وترسيخ ذهنية القيام بالواجب المجتمعي والمطالبة بحرية الفرد المجتمعية بعيداً عن الفردانية والأنانية، كما أن الهيئة الإدارية لكل كومونة من واجبها تأمين احتياجات الكومونة المتنوعة بحسب إمكاناتها ومن حقها طلب المساعدة من الهيئات و المجالس الأعلى منها في حال تجاوز تلك المطالب إمكاناتها.
) 1(، ) 2(، ) 3(، ) 4(، ) 5(، ) 6(، ) 7(، ) 8(: من فكر
القائد عبد الله أوجلان