من الشخصية الارستقراطية إلى الشخصية الثورية

من الشخصية الارستقراطية إلى الشخصية الثورية

 الاسم الحركي: جمشيد، الاسم الحقيقي: علي حسين فقه ، تاريخ الالتحاق:1992 تاريخ الاستشهاد:1994 ايالة بوطان شرناخ- جودي الثورة الكردستانية تمثل الروح الناطقة التي تحرر الإنسان من كافة القيود والحواجز التي تعيق تقدم وسيلان الأفكار والمبادئ الإنسانية.

خاصة مع ظهور حزب العمال الكردستاني الذي فتح عينيه على النور في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في أعقاب السبعينات، تطورت كالكرة الثلجية التي تتدحرج وهي تكبر رويدا_ رويدا ويزداد فورانها وغليانها بين الجماهير الكادحة، خاصة الفئة الشابة والمثقفة في غربي كردستان. ذلك القسم من كردستان والذي تأثر بفكر الحزب بعدما توجه القائد عبد الله أوجلان إليه وقام بتنظيم الشعب هناك وبكافة فئاته وشرائحه وطبقاته وقام بتغيير الواقع الموجود هناك وهو ينشر أفكاره بين الشعب وينير الأفكار والعقول. بعد وضع اللبنات الأولى لثورة الشعب انتشر الفكر الثوري فيما بين الجماهير المناضلة في غربي كردستان مساهما في بناء الشخصية المناضلة والحرة القادرة على بناء مجتمع ثوري يقود المجتمع نحو الديمقراطية والحرية. ففي تلك السنوات التي كانت فيها أفكار وفلسفة وأيديولوجية الحزب تنتشر في ذلك القسم من كردستان وخاصة تحت تأثير المقاومة التي أبداها كل من الرفاق مظلوم دوغان، كمال بير والكثيرون من أمثالهم في السجون التركية انخرط المئات من الرفاق من هذا الجزء في صفوف الثورة وقاموا بدور ريادي في توعية وتنظيم المجتمع الكردي والسير على نهج القائد ومبادئه الثورية والانخراط بين صفوف الثورة ومن ثم التوجه نحو ساحة الحرب الساخنة.

الحركة الآبوجية تؤمن بعملية التغيير إلى أبعد الحدود ولا سيما تغيير الإنسان وتحويله إلى فرد فعال له دور في عملية تجديد المجتمع على المبادئ الديمقراطية والكومونالية والوصول إلى حالة اجتماعية تتمتع بالقيم الأخلاقية والإرادة السياسية. هذا الديالكتيك هو جوهر الحركة الآبوجية. وقد بدأ بها القائد آبو منذ سني الطفولة.

لذا كانت الانطلاقة الأولى لحركة حزب العمال الكردستاني ذات تأثيرات مميزة وعلى كافة الفئات والمذاهب والطوائف الأخرى والتي تمثل الشعوب المقاومة في منطقة الشرق الأوسط التي كانت ترى في حركة حزب العمال الكردستاني خلاصا لها وقيادة تاريخية سوف تحقق لها الحرية، السلام والديمقراطية والأخوة بين كافة المكونات في المنطقة والعالم.

لذا هبَّ الكثير من الشباب إلى الانخراط بين صفوف الثورة والتي كانت تنتمي لشرائح اجتماعية متعددة ومن ثقافات ومذاهب متنوعة. وكان هدف الجميع هو الوصول إلى شخصية ثورية فاعلة وناضجة من الطراز الآبوجي. وكما هو معلوم بأن هناك فئات أرستقراطية )رؤساء العشائر والعائلات الغنية، أصحاب الأراضي وما شابه ذلك( في بنية المجتمع الكردستاني، وعندما قامت الحركة بالقفزة التاريخية في 15 آب سنة 1984 تمكنت من خلالها التأثير على جميع شرائح المجتمع في عموم كردستان وخصوصا بعد قيام القائد آبو بتكثيف فعالياته التدريبية والسياسية والتنظيمية في ساحة غربي كردستان والشرق الأوسط. ثم جذب فئات واسعة من المجتمع نحو التنظيم والتجمع حول الحركة. وفي هذه السنوات أي بعد قفزة 15 آب تعرف الرفيق علي على فكر الحركة.

كان الرفيق الشهيد علي فقه ينتمي إلى عائلة أرستقراطية ذات تقاليد عشائرية وتتمتع بإمكانيات مادية لا بأس بها و يدرس في جامعة دمشق كطالب مجتهد يهتم بدراسته وشؤونه الشخصية أكثر من المسألة الكردية والسياسة. ولكن التأثير الثوري والوطني الحماسي الذي أعقب قفزة 15 آب والفعاليات الفكرية والتدريبية والدعائية لحركتنا في الجامعات السورية وغربي كردستان لفتت انتباه هذا الشاب وجذبته نحو الانضمام لصفوف الحركة بكل قواه وطاقته.

ونحن نعلم بأن الأجواء العشائرية والأرستقراطية القروية تميل إلى روح القومية البدائية الكردية المناهضة للتغيير الثوري الاجتماعي في كردستان وكما تريد مثل هذه الفئات أن تلعب دور القيادة على الصعيد المحلي الضيق في كثير من مناطق كردستان. لكن مع ظهور الحركة الآبوجية الثورية، تبددت أحلام هذه الفئات وتشتت فيما بين الانضمام إلى الثورة والتغيير أو الانكماش والانغلاق على الذات والابتعاد عن المجتمع والسير وراء تنظيم الحياة الشخصية والاستسلام للواقع التراجيدي في كردستان .

كان الرفيق علي فقه من الذين اختاروا طريق الثورة والتغيير والالتحاق بالنضال والابتعاد عن الأجواء العشائرية الأرستقراطية المعيقة للعمل الثوري، بعدما سخر كل إمكانياته وعلاقاته المعنوية والمادية في خدمة الثورة ومن ثم الانخراط في فعاليات جبهة التحرير الوطني الكردستاني بشكل محترف والتحول إلى كادر آبوجي ناضج خلال فترة قصيرة، خصوصا بعد المؤتمر الثالث للحزب وبعد تعرفه على الرفيق سليم )رحمان قورقماز( والرفيق حمزة )حسن بيندال( وغيرهم من الرفاق الشهداء.

تعرفت على الرفيق علي في مدينة دمشق فقد كان يدرس في الجامعة مع الرفيق الشهيد محمد صوفي )حمزة ( وعدد من الشباب الكرد المؤيدين للحركة الآبوجية. وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه كان ناضجا في أسلوبه وتصرفاته وعلاقاته مع محيطه الاجتماعي، بالإضافة إلى قوة الذكاء والتأثير في نظراته وتقييماته ضمن المناقشات. كما أنه كان يتصف بالتواضع وخدمة الآخرين في حياته اليومية التي كان يضع فيها كل إمكانياته المادية والمعنوية تحت خدمة النضال ويسعى إلى تمثيل روح التقشف الثوري بوعيه وإرادته.

اهتم الرفيق علي بتطوير نفسه من الناحية الفكرية عبر البحث والدراسة. وقد كان يطالع أدبيات الحزب والكتب العائدة للحركة والقائد آبو بإمعان ويناقشها مع أصدقائه سعيا منه لتطوير نفسه والرفاق الآخرين من حوله. كما كان يهتم بكل التطورات السياسية على الساحة ويستخرج منها النتائج. من هذا المنطق يمكن القول بأن الرفيق علي كان يتخذ من الخصوصيات الثورية للكادر الآبوجي مثالا له، وكانت علاقاته مع الرفيق عمر إبراهيم )مدني( والمجموعة الطلابية الآبوجية الفاعلة في الشام من أمثال الرفيق إسماعيل والرفاق الأوائل الذين انضموا للحزب حميمة وكثيفة . تمكن الرفيق علي فقه بعد تعرفه على الفكر الآبوجي ولقائه مع القائد آبو من أن يتخلص من التأثيرات العشائرية والعائلية الضيقة والأخلاقيات الأرستقراطية. حيث تمكن من الانسجام مع الروح الثورية والخصوصيات الكادرية من الطراز الآبوجي. بالإضافة لتواضعه وأسلوبه ولباقته واحترامه لقيم الشعب وحبه للكادحين واهتمامه بهموم شعبه. لقد كان الطريق مفتوحا والإمكانات متاحة بشكل جيد لكي يدرس ويحصل على الشهادة الجامعية التي تؤهله بأن يكون موظفا في مؤسسات الدولة. إلا أنه رفض مثل هذا الطريق وتغير مجرى حياته بعد تعرفه على الأفكار الآبوجية نحو التغيير والتحول من >> شخصية شبه أرستقراطية إلى شخصية ثورية ناضجة! <<.

لقد مارسنا سويا نشاطات الدعاية والتحريض والتنظيم وجمع التبرعات فيما بين الشعب في بداية عام 1988 في منطقة ديريك في غربي كردستان وكان الرفيق كوران )موسى بستا سوس(أيضا معنا. وقد تمكن الرفيق علي من إقناع عائلته وأكثرية أبناء قريته التي كانت تسمى )كره سور( التابعة لمنطقة ديريك بالانضمام إلى النضال الوطني تحت قيادة حركة حزب العمال الكردستاني. كانت عائلة الرفيق علي تأمل بأن يقوم بإكمال دراسته الجامعية وتسيير أمور العائلة كونه كان الابن الأكبر للعائلة. لكن بعد انخراط الرفيق في النضال بشكل محترف تأثرت العائلة به وبعد ذلك امتد هذا التأثير حتى شمل جميع الأقرباء والوسط المحيط. فعلى إثر ذلك وبعد انخراط الرفيق علي في صفوف الثورة انضم إلى النضال عدد من الشباب والشابات من العائلة إلى صفوف الكريلا وانضموا إلى قافلة الشهداء، مثل الشهيدة كلستان فقه التي استشهدت في شرقي كردستان عام 2008 والرفيقة سعاد….والرفاق الآخرين.

لذا نستنتج من هذا كله بأن الرفيق علي تمكن من فرض احترامه على جميع أبناء العائلة والقرية والقرى المحيطة، كما تمكن من كسب ثقتهم وثقة جميع الرفاق الذين كافحوا معه في كل ساحات النضال بتواضعه وأخلاقه وشخصيته الناضجة والتي مزجت فيما بين القيم الكومونالية المجتمعية المنتشرة في المنطقة التي ولد فيها والقيم الآبوجية الثورية المتمثلة في شخصية كمال بير ومظلوم دوغان والشهيد حمزة وسليم وكل شهداء الثورة الكردستانية. بعد ذلك انضم الرفيق علي إلى أكاديمية معصوم قورقماز في عام 1990 -1992 وبعد أن أنهى الدورة التدريبية قام بتسيير الفعاليات في منطقة ديريك والمناطق المحيطة بها والتي تحاذي الحدود فيما بين الجنوب والشمال. كان الرفيق علي إنسانا متواضعا ويتعامل مع الشعب وكأنه واحد منهم، دون أن يحس أحد بأنه يميز بين فلان وفلان. لذا وبسبب كل هذه الصفات التي كان يتصف بها كان موضع الحب والاحترام والتقدير الكبير من جانب الشعب وبكل فئاته الكادحة والمناضلة. بالإضافة لوقفته الحاسمة وامتلاكه لأسلوب وطريقة مميزة في التعامل مع الشعب في المجتمع ابتداءً من العائلة إلى كل أبناء المجتمع الكردي الذي كان يناضل بينهم، كان يسعى إلى تمثيل قيم ومبادئ الحزب بكل حذافيرها ويسعى لترسيخها بين الشعب. بالإضافة لذلك وخاصة بعد أن انخرط الرفيق علي في صفوف الثورة أحدث تغييرا ملحوظا في شخصيته وفي كافة الميادين. تلك الشخصية التي كانت تحقق الانسجام مع الوسط الذي كانت تناضل فيه.

لاشك بأن الرفيق علي انسجم بشكل جوهري مع فلسفة وأيديولوجية الحزب والقائد، تلك الفلسفة التي منحته شخصية ناضجة وقادرة على تحمل المسؤولية على عاتقها والمضي بها قدما نحو إحداث التطور والتقدم في كافة الميادين الحياتية. ومن خلال الاجتماعات التي كان يعقدها مع الشعب والتي كان يظهر فيها بوضوح حقيقة تلك الشخصية التي تعطي الثقة والإيمان للشعب ويختارها كقدوة وقوة للحل في كل المسائل الحياتية أثبت الرفيق طاقته والتزامه بقيم الشهداء في هذه الفعاليات .

استمر الرفيق علي فقه في العمل الثوري حتى أعوام 1992 وفي تلك السنة تم اعتقاله مع رفيق آخر في مدينة ديريك وتم وضعه في السجن، بعد أن عُثر معه على بعض المستندات والأوراق التي تتعلق بالحزب والتنظيم. بقي في السجن لفترة سنة ونصف وتم تعذيبه كثيرا من قبل الدولة السورية خلال فترة الاعتقال. ولكن الرفيق علي ورغم كل التعذيب والضرب الذي تعرض له في السجن أبدى مقاومة  وموقفاً ثوريا ولم يعترف بأي شيء. بعد أن خرج من السجن اقترح على الرفاق الانخراط في صفوف الثورة قائلا: بأنه لن يخدم العدو وسوف يسعى ليكون ثوريا يخدم وطنه وأمته ليكون بذلك عند حسن ظن الشهداء، الشعب والقائد، أي رفض الذهاب إلى الخدمة الإلزامية في جيش الدولة. بعد أن انخرط الرفيق علي في صفوف النضال بين الشعب وقام بتسيير نشاطات جماهيرية كسب من خلالها ثقة الشعب في غربي كردستان اقترح بأن ينضم إلى صفوف النضال المسلح في جبال كردستان. على إثر إلحاحه المستمر لبّى الحزب اقتراحه وتحقق حلمه وأمنيته وانضم إلى النضال المسلح بتجربته الفكرية والسياسية والتنظيمية الغنية.

توجه الرفيق علي إلى ساحة الحرب الساخنة في عام 1993 وتوجه إلى منطقة جودي. كان الرفيق علي شابا مثقفا وكان قد دخل عدة تدريبات في ساحة القيادة.

كل هذه المسائل ساعدته لينال بسرعة محبة الرفاق ويكون صاحب تأثير على كل الرفاق من حوله. لأنه كان يتقدم بسرعة وينخرط بين صفوف الكريلا بكل قواه الفكرية والمعنوية والروحية. لذلك كان يقوم بتدريب الرفاق الجدد على حقيقة الثورة والقيادة والتنظيم بكل جوانبها ومواضيعها وتمكن من أخذ مكانه في إدارة تلك القوات. كانت مسيرته الحياتية بين صفوف الكريلا لم تتجاوز عاما واحدا بعد وخلال الحملة التمشيطية في 1994 والتي شارك فيها حوالي 55000 جندي في منطقة بوطان والتي شملت كل المناطق، احتل الرفيق علي مكانه ضمن الحرب لمواجهة تلك الحملة التمشيطية الكثيفة والواسعة، حيث كان يقوم بالتدريب من جانب ومن الجانب الآخر كان يلعب دوره بمهارته الحربية التي كان يتصف بها ويعرف بها من قبل كل الرفاق. فهو لم يكن يهمل الجوانب العملية والعسكرية على الرغم من انشغاله بالمسائل التدريبية والسياسية والتنظيمية في النضال، بل كان يقوم بالجمع بين الاثنين معا دون إهمال أحدهما على حساب الآخر.

في تلك الحملة التمشيطية والتي دامت عدة أيام. بدأت قوات الكريلا بالاستعداد لخوض عملية عسكرية قبل الدخول في فصل الخريف والعمل لإتمام المسائل المتعلقة بالشتاء. قام الرفاق بتجهيز أنفسهم لخوض عملية مسلحة وكان الرفيق علي أيضا يأخذ مكانه بين صفوف الرفاق الذين انضموا للعملية. كانت نتائج العملية ناجحة ولكن أثناء الانسحاب من العملية قام العدو بضرب الرفاق بقذائف الهاون والدبابات والكاتيوشا والتي أصابت واحدة منها الرفيق علي فقه وكانت السبب في استشهاده المؤلم في عام 1994 . بعدما أبدى أروع ملاحم البطولة والإباء في ساحات الوغى التي كتب فيها على صدور الجبال، الشمس والقمر ميلاد وآمال شعب يتطلع للحرية والديمقراطية منذ فجر التاريخ.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى