اللغة الكردية
اللغة الكردية
عبد الله شكاكي
تعريف اللغة :اللغة إبداع إنساني ميزه عن الحيوان، فعند التقاء البشر لإنجاز عمل ما يتكلمون مع بعضهم عن طريق إشارات أو رموز أو أصوات معينة، وهذا ما أدى إلى نشوء المجتمعات واللغات.
واللغة حسب تعريف هنري سويت: «تعبير للأفكار عن طريق استعمال أصوات الكلام وتتجمع ضمن كلمات، والكلمات تشكل جملاً، وهذه الأفكار تعبر عن بنية ذهنية محددة ». وآخرون قالوا: «أن اللغة هي طريقة تنظيم الأصوات الاعتباطية لتسهيل فهمها من قبل أفراد المجتمع » وعليه يمكن بواسطة اللغة سبر أغوار الإنسان للتعرف على جوهره وطريقة تفكيره، وتعتبر اللغة المكون الأساسي لثقافة المجتمعات. واللغة مثلها مثل أي كائن حي إذا لم تتم رعايتها والمحافظة عليها وتأمين متطلبات الحياة لها فإنها تضمحل رويداً رويداً ثم تنقرض وتزول، حيث تفيد أبحاث عالم لغوي هولندي بأنه توجد ستة آلاف لغة في أنحاء العالم، وبسبب التقدم التكنولوجي في الأربعمائة سنة الأخيرة تعرضت ألف لغة للذوبان، وفي المائة سنة القادمة ستبقى فقط أربعمائة لغة في العالم إذا لم يتم تحصين اللغة وحمايتها.
وكما ينحدر من الكائن الحي )الأب- الأم( الأولاد والأحفاد ن فإن اللغة تنحدر منها عدداً لا حصر له من اللهجات بدءاً من لهجة الأسرة والعشيرة أو الحي ولهجة المدينة والريف والبدو، ولهجة السهول والوديان والجبال والمناطق الحارة والباردة والمعتدلة، وكذلك للغة أقارب مثل اللغات التي تمتلك قواعد نحوية وصرفية ومفردات متشابهة كالمجموعات الهندو أوروبية والسامية.
اللغة الكردية:
تشكلت جذور اللغة الكردية من لهجات الأقوام الزاغروسية وأقوام سوبارتو )سكان كردستان القدماء(، خصوصاً بعد أن أنشأت تلك الأقوام كيانات سياسية مستقلة لأن الكيان السياسي يساعد على تطوير وتكامل اللغة، فقد أسس الكوتيون دولة عظمى في جنوب ميزوبوتاميا بعد قضائهم على الدولة الأكادية، وفي ظل الكوتيين تأسست دولة خمازي اللوللوبية ودولة أوركيش الخورية في الألف الثالث قبل الميلاد، وفي بداية الألف الثاني قبل الميلاد شكلت الموجات الآرية الوافدة مع الكاشيين دولة كاردونياش في بابل، والقبائل الميتانية الآرية شكلت مع الخوريين دولة ميتاني عاصمتها واشوكاني، وفي الألف الأول قبل الميلاد تشكلت الامبراطورية الميدية العظمى بعد القضاء على الدولة الآشورية وإنهاء الكيانات الصغيرة التابعة مثل دولة الماننا وميتانيا وأورارتو.
فقد أخذت اللغة الكردية من لغات تلك الأقوام عدداً من المفردات والمصطلحات وخصوصاً ما يتعلق بالأساطير والمعتقدات الدينية ونظام الحكم والزراعة، واستوعبت اللغات الخورية والمهرانية ) الكوتية واللوللوبية( والكاشية والميدية والأورارتية بعد طغيان اللهجات الهندو آرية عليهم، ودعيت اللغة الكردية بالكورمانجية لدى ابناء الأمة الكردية في العقود الأخيرة من الألف الأول قبل الميلاد بعد تأسيس تحالف العشائر الكورتية بتأثير اللغة البهلوية )الفيلية( التي طورت أيضا اللغتين البارثية والساسانية، وبدورها تطورت اللغة الكردية ضمن إطار اللغة الميدية.
لغات الشرق الادنى القديم:
هي مجموعة اللغات التي نطقت بها شعوب ميزوبوتاميا وجبال كردستان وأهمها:
-1 السومرية: التي تحدثت بها شعوب جنوب ميزوبوتاميا وخلقت تراثاً غنياً من النصوص المدونة بالخط المسماري، واستمرت حتى مطلع العصر الميلادي.
-2 المهرانية: لغة الشعوب الزاغروسية من اللولوبيين والكوتيين، تركت وراءها بعض الأسماء الجغرافية وأسماء الأشخاص وألقاب الملوك وبعض المفردات، لكنها بقيت شفهية حتى النصف الأخير من الألف الأول قبل الميلاد.
-3 الخورية: لغة الشعوب السوبارية )كردستان(، خلفت وراءها تراثاً هائلاً من النصوص الدينية والأدبية وجدت في كركوك وأوغاريت وخاتوشا, وقد استوعبت المفردات السومرية من خلال اللغات الزاغروسية، وكانت المقدمة الأولى لظهور اللغة الكردية إضافة إلى اللغة الهندو آرية.
وإضافة إلى اللغات القديمة الثلاثة أعلاه هناك مجموعتين
لغويتين أساسيتين هما:
-1 المجموعة السامية: وتقسم إلى قسمين شمالي وجنوبي
أ – القسم الشمالي بدوره إلى فرعين:
شرقي: وتضم الأكادية التي شملت الآشورية والبابلية )الكلدانية( .
غربي: وتضم الفينيقية, العبرية, الآرامية والأوغاريتية.
ب- القسم الجنوبي: ويضم اللغة العربية وبعض لغات أهل الحبشة.
-2 اللغات الهندو أوروبية:
أسرة لغوية شهيرة نطقت بلغاتها أمم قديمة كالطبقة الأرستقراطية الكاشية والميتانية والشعوب الإيرانية واليونان والرومان وأمم معاصرة مثل الكرد والفرس والأرمن وغيرهم….. وكانت عبارة عن لهجات منحدرة من اللغة الأم, تكلمت بها مجموعات من البدو الرحل كانوا يتجولون في جنوب روسيا ومنها انتشروا في البلاد الواقعة بين الهند وأوروبا, وانقسمت إلى شعبتين غربية وشرقية.
الشعبة الغربية: تحركت حول البحر الأسود من الشمال وعمت القارة الأوربية والبلقان وعبرت فرعاً منهم مضيق البوسفور إلى آسيا الصغرى وشكلت شعوبها اللغات التالية:
-1 الأناضولية التي خرجت منها الحثية ومجموعة لهجات خلفت مجموعها اللغة الليدية .
-2 اليونانية.
-3 اللاتينية وتفرعت منها الإيطالية والفرنسية والإسبانية.
-4 الجرمانية وتفرعت منها الألمانية والهولندية والإنكليزية.
-5 السلتية وتفرعت منها الإيرلندية والويلزية.
-5 البلطيقية وتفرعت منها اللاتفية واللتوانية .
-7 السلافية وتفرعت منها الروسية والتشيكية والبولونية و الأوكرانية والصربية والكرواتية والبلغارية .
-8 الأرمنية.
-9 الألبانية.
ب- الشعبة الشرقية: أقدم فروعها هي الهندو آرية التي مرت بثلاث مراحل تاريخية:
-1 القديمة: تعود إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد و تضم اللغة الميتانية ، ولغة الطبقة الحاكمة الكاشية .
-2 الوسطى: تعود إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد وتضم اللغات: السنسكريتية والآفستية والميدية والهخامنشية والسكيتية والفهلوية )الساسانية والفرثية( ومن آثارها كتاب آفيستا المقدس وكتابات بهستون وبرسبوليس، وكذلك اللغة السنسكريتية )لغة الهندوس القديمة( التي خلفت ) الفيدات ( وهي الأناشيد الدينية القديمة .
-3 الحديثة: من الفهلوية والميدية تمخضت عنهما الكردية, وكذلك الفارسية والطاليشية والبلوشية والبشتونية )الأفغانية( والطاجيكية والأوستية. وخلفت السنسكريتية في جنوب الهند اللغة الهندية )الهند الرسمية( والأوردية )باكستان الرسمية( والسنهالية )سيريلانكا الرسمية( إضافة إلى الكوجاراتية )اقليم في الهند تقيم فيها طائفة زرادشتية( والمارتية والكونكانية…وفي شرق الهند اللغة البنجابية والبهارية والهندية والسندية والدارديكية. وقد قسم بعض اللغويين المجموعات الهندو أوربية على أساس الفارق بين حرفي S ,K مثل ساتيم و كنتوم بمعنى ) 100 (، في السنسكريتية ساتام، والآفستية ساتيم والهندية الآرية سات، والسلافية ستو وفي الكردية سات، وكذلك الفارق بين حرفي S , H مثلdeh )كردي( ، das )أرمني( بمعنى عشرة، زرانيا )آفستية( تصبح هرانيا )سنسكريتية( وفي الكردية )زير( بمعنى الذهب، ماسي )كردية( تصبح ماهي )فارسية(.
جذور اللغة الكردية
-1 اللغة السومرية:
تطورت السومرية من لهجات المستوطنات الزراعية في شمال ميزوبوتاميا من العصر النيوليتي )تل حلف- تل عبيد( وانتشرت في جنوب ميزوبوتاميا منذ الألف الخامسة قبل الميلاد، ولا تنتمي إلى أية أسرة لغوية معروفة، حيث تطورت لهجاتها من لسان العشيرة إلى لسان الأشراف ورجال الدين والبحارة، ثم أثرت على ألسنة جيرانها من الأكاديين والعيلاميين والخوريين، واستوعبت مفرداتها، ومن ثم دخلت مفرداتها إلى اللغات الزاغروسية والهندو أوربية، وأخيراً تركت مفرداتها في الكردية والفارسية والعربية.
وفي التدوين بدأت بالكتابة التصويرية حيث كل رسم تعبر عن كلمة واحدة، ثم تطورت إلى رموز لتغدو كل رمز تعبر عن مقطع واحد مثل: gu السومرية أصبحتgot في الكردية و guft في الفارسية بمعنى )القول(، و) )a السومرية أصبحت av-aw في الكردية و ab في الفارسية بمعنى الماء. ثم أصبحت الكلمة تتشكل من مقطعين مثل: ga-mês وفي الكردية ga-mêş )جاموس(، ومن ثلاث مقاطع مثل: pa-bil-ga وفي الكردية ba-pî-ra بمعنى الجد.
ومع تطور اللغة أصبحت عدة مقاطع تتشكل منها معنى جديداً ولا يجوز تجزئة المقاطع مثل: Dumo-sag طفل + رأس تعني الطفل البكرKal-zu كبير + معرفة تعني حكيم حيث zu جذر كلمة المعرفة ومنها zanînDumo-nêta طفل + ذكر تعني ولد وفي الكرديةnêr ذكرDumo-mî طفل + أنثى تعني بنت وفي الكرديةmê أنثى علامة الجمع السومرية تتم بتكرار الكلمة مثل: lu رجل تصبح lulu رجال، kur جبل تصبح kurkur جبال، ونجد نفسها في الكردية بعض الأحيان مثل: pir كثير تصبح pirpir كثير جدا.
-2 اللغة الخورية:
انتشرت الخورية مع بداية عصر التدوين في الألف الثاني قبل الميلاد في عموم كردستان وأطرافها ومستوطناتها المنتشرة من جبال زاغروس حتى بلاد الشام والبحر المتوسط اعتبارا من عهد الملك تيش اتل 2045 – 2037 ق.م، وبشكل خاص في نوزي )كركوك(، مثلث الخابور، قرقميش، حلب، كيزوفتنا )أضنة(، خاتوشا )بوغازكوي(، أوغاريت وتل العمارنة بمصر، حيث تركت نصوصا قيمة في أرشيفات تلك المدن.
الخورية لغة متكاملة ذو بناء قاعدي مستقل من خلال السابقات واللاحقات مثل:
Êş — Orkêş )يعتقد أصلها خوركيش كنية الخوريين القومية(، Tugrêş )مقاطعة خورية(.
Şîn — بمعن الأخ يرد في ألقاب الملوك: أتل شين، آري شين، آكيب شين، بوهي شين.
Arî — Arrepxa-arî )أربخيٌ- من أربخا(، وترد في الكردية بنفس الشكل:
Kurdew-arî )انتماء للكرد(، Koçew-arî )انتماء للبداوة(.
Xe,Xî )إنتساب لقوم(— Kardoxî )كردي( ،Xurroxe )خوري(.
Atî )إنتساب إثني( — Lullob-atî )اللولوبية( ،Kurd-atî )الكردية(.
Ay — Att-ay )الأب(، All-ay )الأم(، من Ate أب، Ale أم.
ونشير إلى أن الجملة في الخورية تبدأ بالفاعل كما في الكردية.
-3 اللغة الميتانية:
لغة الشعب الميتاني )الفرسان( التي تنتمي إلى المجموعات الهندو آرية التي دخلت كردستان منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد وشكلت دولة كاردونياش في بابل، والإمبراطورية الميتا- خورية التي شملت كردستان وبلاد الشام وجزءاً من آسيا الصغرى، وكانت عاصمتها واشوكاني، وقد عثر علماء الآثار على وثائق ونصوص تخص اللغة الميتانية في كل من نوزي )كركوك(، خاتوشّا )بوغازكوي- قرب أنقره(، أوغاريت )رأس شمرا- سوريا(، ألالاخ )تل العطشانة- على نهر العاصي( وتل العمارنة بمصر، في خاتوشا عثر الآثاري التشيكي هروزني عل نص ميتاني طويل وغني بالمفردات دونه مربي الخيول الميتاني كيككولي تخص ترويض وتدريب وتنظيف وتعليف الخيول نورد منها:
Eyka wertanna )دورة أولى(، في الكردية Yek،werdan، Têra )ثالثة(، Penza )خامسة(، Sewtta )سابعة(، Na )تاسعة(، Aswa> Aspa )حصان( ومنها Aswa-sanî في الكردية Aspa zan )مربي الخيول(،Meytan )الكنية الإثنية وتعني ساحة الحرب أو السباق( تصبح في الكردية Meydan ، و Mişte في الكردية Mijde> Mizgîn )بشرى(.
وفي نصوص نوزي عثر على أسماء من قبيل Kurtî waje تقابلها في الكردية Gorde waje وتعني )الكلمة المجيدة(، كما عثر على لاحقات مثل: attî)) Maryattî في الكردية Piyawattî )رجولة( و ) Nî) Maryanî تصبح Mêranî )شهم( و Mêr التي أخذ منها العرب كلمة الأمير، وكذلك Asowanî وتصبح Aspawanî )حياة الفروسية(.
4-اللغة الخلدية:
دعيت بالخلدية والشعب الخلدي نسبة إلى الإله )خلدي( الذي اعتنقه شعب كردستان الوسطى والشمالية في النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، كما دعيت وطنهم باسم )بياينيا( ونائيري في حين سماهم الآشوريون )أورارتو( ولم يرد مصطلح أورارتو في أي نص خلدي، لكن المستشرقينتعمدوا استعمال مصطلح أورارتو لأسباب سياسية، وكانت تقع بين البحيرات الأربع )وان، جيلدر، سيفان وأورميا( عاصمتها توشبا )قرب وان(، انضمت إلى المملكة الميدية عام 585 ق.م، واللغة الخلدية لهجة متطورة عن الخورية، وأن أكثر من 25 % من المفردات والمصطلحات خورية، وكذلك البناء القاعدي والسابقات واللاحقات متشابهة، وقد سبقت الخلدية ظهور اللغة الكردية.
ونعرض بعض المفردات خلدية المنحدرة عن الخورية مثل:
Marî- manu- pişuşe- haş- ate- aş- ar
وفي الخورية: .ass-ar- maryanî-mann-pis-haj-attay وتعني في العربية )رجولة- بقاء- فرح- سماع- أب- جلوس- عطاء(.
وكذلك Ardîşe )قوة(، du )عمل(، Îştî )هاجم(، Ge )مكان(، Patar )مدينة(، Pili )قنال(، Şali )سنة(، Şerî )تفرع(.
-5 اللغة الميدية:
تضم لهجات مجموعة من القبائل انتشرت في الجنوب والغرب من بحر قزوين، كان أهمها لهجة قبيلة الزاغورتيين )قاطعي الصخور( وسميت جبال زاغروس باسمهم، ومع تأسيس الدولة المادية على يد خشتريت بدأت اللغة المادية بالتكامل في مركزها إكبتانا ويعتقد أنها اكتملت مع سقوط نينوى ونشوء الإمبراطورية المادية، ولكننا لا نملك الأدلة الكافية، ومع انقلاب كورش وانتقال السلطة إلى الأخمينيين أورثت المادية عدد هائلا من المفردات والمصطلحات التي تخص التنظيم الإداري والعسكري في الحكومة الجديدة، كما شوهدت مفردات مادية في الكتب اليونانية ومنها كتاب تاريخ هيرودوت، ونورد بعضا منها:
Dehyawko )صاحب القرية(، Ganzabara )التنظيم الإداري(، Prozana )مؤن(، Xeşterît )ملك(، Azate )طبقة الأحرار(، Sore )القوة(، Vîspotre )الرئاسة(،Sata-Patî )قائد مائة جندي(، Martiya )رجولة من مرد، مردانة(Tîgran )سهم مع علامة الجمع ,( Dayna an)دين(، Pîrdos )فردوس(.
كما اكتشف نقش كتابي عام 1936 م مدون على جدار كنيسة أرّانية بلغة الماد مع ترجمتها الفارسية واليونانية والسريانية والجيورجية والعربية والتركية تعود إلى القرون المسيحية الأولى
Paqij xwedê Paqij zehm Paqij vê merg ku« .»hate xaçe Şukurme Rehmete me «قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الذي لا يموت، لقد جاءنا الصليب، إرحمنا »
-6 اللغة الآفستية:
سميت بالآفستية نسبة إلى آفستا المقدس، وهي لغة إيرانية ولهجة قبيلة الموكَ الميدية التي ينتمي إليها النبي زرادشت ودون بلغتها أقواله وأناشيده كما دون القرآن الكريم بلهجة قريش التي ينتمي إليها محمد )ص(، وانتشرت الآفستية مع انتشار الزرادشتية في بكتيريا )بخارى( ثم عمت بلاد الماد وأغلب بلدان آسيا الوسطى وخاصة في عهد الدولة الأخمينية ووصلت أيضا إلى اقليم كوجارات الهندية لوجود طائفة من معتنقيها هناك إلى اليوم، لكنها تحجمت مع قدوم حملة الإسكندر المكدوني الذي جمع نسخ الآفستا وحرقها، ونشر اللغة والثقافة الهللينية، ومع قيام الدولة الساسانية أمر أردشير بجمع النصوص الآفستية وترجمتها إلى البهلوية باستثناء قسم الكاثات التي بقيت آفستية لأنها من أقوال زرادشت نفسه، ونعرض بعض المفردات الآفستية للدلالة على قربها من اللغات التي تعتبر منابع اللغة الكردية.
Pitar, Matar, Bratar,Sarah, Pade,Zast, ) Buze, Ap, zraye, Bar, Dar, Das )أب، أم، أخ، رأس، قدم، يد، عنزة، ماء، بحر، حمل، صاحب، عشرة(. ونشير أن اللغة السنسكريتية أصل اللغات الهندية، وهي توأم الآفستية وبها دونت الأناشيد الفيدية )ريكفيدا( وبنهما تشابه كبير.
-7 اللغة الفهلوية:
تعتبر الفهلوية )البهلوية، البهلية( من أغنى اللغات الإيرانية والأوسع انتشارا اعتبارا من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى ظهور العصر الإسلامي، وخلفت عددا كبيرا من المصادر الكتابية القيمة شكلت مكتبة نفيسة ومرجعية ثقافية ولغوية للغة الكردية والمجتمع الكردستاني، بدءاً من زند آفيستا )وتعني ترجمة آفستا حيث كانت البهلوية اللغة الرسمية للدولة الساسانية وبعد قضاء أردشير على خصمه أردوان الخامس الفرثي عام 226 م أمر بجمع النصوص المتبقية من آفستا بعد تعرضها للحرق من قبل الإسكندر المكدوني(، ونصوص وأقوال النبي ماني، ومخطوطات تحوي أشعار غزلية مانوية لها قيمة أدبية وتاريخية، إضافة إلى: ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، السندباد البحري، الشترنجنامة، آييننامة، خداينامة، كارنامة )سيرة أعمال أردشير(.
وإلى جانب الكتب النفيسة خلفت البهلوية مخطوطات ذات قيمة تراثية في منطقة هورامان داخل كهف في جبل كوهي سالان عام 1909 م دعيت )وثائق هورامان( ضاعت أغلبها وصلت ثلاثة منها فقط إلى أيدي العلماء، تعتبر أقدم الوثائق في تاريخ تدوين اللغة الكردية، تعود إحداها إلى عام 88 ق.م والثانية عام 22 ق.م والثالثة لعام 11 ق.م، كتبت بالألفباء الآرامي المربع الذي استعمله يهود بابل يتضمن مفردات كردية بحتة إلى جانب بعض المفردات الآرامية، حيث كانت الآرامية وقتئذ لغة دبلوماسية منتشرة، وتحتوي الوثائق على عقود تجارية تخص البيع والشراء، دونت على مادة الرق مثل مخطوطات آفيستا، ويستشف فيها على تأثيرات الثقافة اليونانية والبهلوية الفرثية على اللغة الكردية في مراحله المبكرة.
ونشير إلى ما كتبه يوسف هامر سكرتير السفارة البريطانية في استانبول في القرن التاسع عشر الميلادي والكاتب العثماني المشهور حاجي خليفة المعروف بالجلبي حول الكتاب القيم الذي كتبه أحمد بن أبوبكر بن وحشية النبطي الكلداني تحت اسم «شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام » والذي كان كاتبا للخليفة الأموي عبدالملك بن مروان الذي ولد من أم كردية، ومن أشهر المترجمين لدى الخليفة, وكونه كلداني والكلدان أحد شرائح المجتمع الكردستاني المسيحي فمن المؤكد أنه كان يجيد الكردية، يذكر ابن وحشية في كتابه أن «الكرد يدعون بأنهم يمتلكون كتاب آدم في علم الزراعة ويمتلكون الكتب السبعة التي نزلت من السماء قبل الطوفان، وهم أصحاب فن السحر والطلاسم، وأنهم أحفاد بينو شاد وماسي السوراتي اللذان وضعا الألفباء والخطوط الكتابية الكردية، ودونا بهما جميع العلوم والفنون الكردية » ويضيف بأنه رأى في بغداد ثلاثين كتابا من ذاك الخط، وانه يمتلك في مكتبته بالشام كتابين، أحدهما في زراعة الكرمة والثاني في علل المياه وكيفية استخراجها، «وترجمتها من لسان الأكراد إلى لسان العرب لينتفع به أبناء البشر » ، وأن الكرد كانوا ينافسون الكلدان في جميع العلوم ويتفوقون عليهم في الزراعة وعلى حد قول رجال الدين بأنه ورد في حديث نبوي: «لو تعلق العلم بأبواب السماء لناله شعب من فارس » ويفسر بأنهم «الشعب الكردي »، وكان يعتقد حتى وقت قريب بأن رباعيات بابا طاهر الهمذاني التي تعود إلى القرن العاشر الميلادي أقدم القصائد الكردية وأقدم نص تراثي كردي، لكن مكتشفات هورامان والدعاء الكنسي في أرّان وكتابات ابن وحشية تفيد بأن اللغة الكردية تكاملت مع حلول العصر الميلادي.
وأخيرا يمكن أن نقول بأن اللغة الكردية تطورت عل أرضية اللغات الزاغروسية والسومرية والسوبارية وفي محيط اللغات الهندو آرية خاصة الميدية ومن ثم استوعبت البهلية، وبها تكاملت الكردية مع حلول العصر الميلادي وقد خلفت البهلية اللهجة الفيلية التي تقوقعت بسبب الضغط السياسي والمذهبي وغدت في الوقت الحاضر لهجة من اللهجات الكردية.