نحو حل نموذجي في الشرق الأوسط
نحو حل نموذجي في الشرق الأوسط
الهام احمد
إن ما تتعرض له دول منطقة الشرق الأوسط من حرب ودمار يعتبر بداية مرحلة جديدة من هدم الأنظمة القديمة وبناء أنظمة جديدة بدلا عنها، وليس بالضرورة أن تكون أنظمة أكثر ديمقراطية أو أكثر تطورا من سابقاتها. وهي حرب عالمية ثالثة بين القوى العالمية المتصارعة على المصالح في المنطقة، القوى الرأسمالية العالمية كصاحبة مشروع الشرق الأوسط الكبير هي التي تقود هذه الحرب بقيادة أمريكية – اسرائيلية، وهي التي تخلق الأزمات بشكل دائم كي تديرها، بالمقابل تقوم أنظمة دول الشرق الأوسط ذات الأصول القوموية الكلاسيكية بمداخلة هذه الأزمات وتمرير الحرب وتعميقها بقيادة إيرانية باسم حماية وحدة أراضي الدولة المعنية خوفا على سلطتها في المنطقة. أما الطرف الثالث في المعادلة فهو الطرف المقاوم في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية وثقافة الأنظمة الرأسمالية بقيادة الشعب الكردي صاحب مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي. لكن الجبهة الرأسمالية التي انقسمت فيما بينها بين جبهة أمريكية وأخرى روسية قسمت مواقف دول المنطقة أيضا، فمنها من يدعم النظام الحاكم ومنها من يدعم المعارضة كما في الحالة السورية.
الصراع الدائر في المنطقة إن دل على شيء فهو يدل على انتهاء زمن موديل الدولة القوموية ذات النظام المركزي الواحد. المقاومة التي تظهر من قبل شعوب المنطقة هي عبارة عن مقاومة في وجه الديكتاتوريات، لكن الحالة السورية تحولت إلى شيء مغاير تماما، حيث تحولت عملية التغيير التي بدأت مع قيام الثورة إلى أزمة فيما بعد نتيجة السياسة التي سلكها النظام السوري مع الحراك الشعبي، التزمت والنمط الأحادي المتسلط على المجتمع من كافة جوانبه أدى إلى حدوث الانفجار الكبير الذي فتح بدوره الباب أمام الإرهاب بكل أشكاله. كما جاءت كنتيجة لتلك السياسات الديكتاتورية التي مثلها الحزب الحاكم، وهي ليست كالحالة التونسية والمصرية، صحيح أن ردة الفعل والتضحية التي قام بها الشعبان التونسي والمصري كانت نتيجة لتراكم كم هائل من الممنوعات المفروضة عليهما من قبل الأنظمة الحاكمة، لكنها استطاعت أن تحقق عملية تغيير في بنية النظام الحاكم ولو بنسبة بسيطة إلى جانب تغيير القوة التي تدير السلطة. إن القوى الخارجية والنظام السوري الحاكم فتحا الباب أمام دخول المجموعات الإرهابية إلى سوريا، حيث خدمت هذه المجموعات الجهادية مصالح كل من القوى الخارجية والنظام الحاكم على حد سواء.
بحث النظام البعثي عن طريقة لإضفاء الشرعية على حربه الشنعاء ضد المدنيين والشعب الأعزل، حيث لجأ إلى أساليب غير مشروعة بحجة مطاردة الإرهابيين والمجموعات السلفية. كانت مجموعات جبهة النصرة متكونة من أعضاء مجهولي الهوية أتوا من خارج سوريا بحجة بناء دولة الإسلام والدفاع عن المسلمين ومن ثم سعت لفرض سيطرتها على كامل سوريا، لكن المناطق الكردية قاومت وبشدة محاولات احتلالهم لهذه المناطق. وبعد أن فشلت جبهة النصرة في مخططها العدواني سلمت زمام الأمور لدولة الإسلام في الشام والعراق، ولا تزال المنطقة تعاني من ظلم وإرهاب هذه المجموعات، ويبدو أن داعش تحول إلى مجموعات تخفي الأطراف المتصارعة على المنطقة، فكل طرف له ممثلين ضمن هذه المجموعات، تحارب باسم داعش لكنها تخدم مصالح تلك الأطراف، لهذا يأتي الصمت الدولي المرعب حقا أمام الإرهاب الدائر في المدن السورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام. الإرهاب الذي مارسه كلا الطرفين أي المجموعات الإرهابية والنظام حول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات ما بين القوى المتصارعة على منطقة الشرق الأوسط، لهذا أتى الدعم الكلي للنظام من قبل الجبهة الروسية والإيرانية، وأتى كل الدعم للمعارضة والمجموعات الإرهابية باسم المعارضة من قبل العالم العربي وتركيا وأوروبا. لكن أوروبا التي كانت تود الخلاص من هذه المجموعات المتشددة التي أوقعت تلك الأوطان ببلاء كبير أرسلتهم إلى سوريا كي تتخلص من بلائهم وتنقذ نفسها من إرهابهم من جانب وتقضي على نهج المقاومة المتمثلة بحركة تحرير الشعب الكردي من جانب آخر.
منذ بداية الثورة السورية كان المشروع التركي المخطط له في منطقة الشرق الأوسط هو أن تصبح تركيا شريكا أساسيا في بناء النظام الجديد الذي يدير مناطق الثورة عن طريق الإسلام المعتدل على حد قولها، لكنها فشلت في مخططها هذا وخاصة في ليبيا، لهذا أرادت أن تتحكم بمصير سوريا بسبب أهمية موقع هذا البلد في المنطقة ولوقوعها على الحدود التركية ولكثرة الحسابات عليها.
عندما يتم تصفية الوضع السوري سيكون الطرف الرابح في الورقة السورية هو المتحكم بمصير المنطقة التي تقع تحت سيطرته، لهذا لم ترغب تركيا بالخسران مرة أخرى كما خسرت في الوضع الليبي، فدعمت تركيا المعارضة بمجلسها الوطني وائتلافها، كما أنها سعت لكسب الكرد إلى جانبها عن طريق المجلس الوطني الكردي الذي انضم إلى المجلس الوطني السوري في بداية الثورة، لكن المجلس الوطني السوري الذي بني على أساس إنكار حقوق المكونات أبدى موقفه المعادي لحقوق ورموز الشعب الكردي كقضية وشعب، وأدخل مجموعات الشباب كتنسيقيات في متاهات وفوضى الثورة السورية الشبابية الناكرة للديمقراطية والتنوع، لكن المجلس الكردي تخفى وراء تحركات الشباب بشكل دائم، لم يرد إزعاج النظام السوري من ناحية وظل على تواصل دائم معه وأرضى المجلس الوطني السوري أيضا بتبنيه للتنسيقيات والشعارات التي كان يطلقها المجلس الوطني السوري.
ومع انتهاء دور التنسيقيات انسحب المجلس الكردي من ذاك المحور بشكل رسمي لكنه بقي على علاقة معه من خلال بعض الأحزاب مثل أزادي والبارتي والتقدمي وضمهم مؤتمر المعارضة في الدوحة عندما قام السيد مسعود البارزاني بزيارة الدوحة ليوصي بهذه الأحزاب كي يتم إعطاء المناصب لهم في المجلس. دعمت تركيا بعض الشخصيات المستعربة والتابعة من الكرد أمثال عبد الباسط سيدا الذي لم يعترف بكرديته لا قبل ولا بعد الثورة سوى أنه استخدم هويته ضد قومه، وعبد الحكيم بشار الذي يعادي الكرد تحت مظلة الهوية السورية العامة. كان انضمام المجلس الكردي إلى الائتلاف نتيجة لسياسة الدولة التركية التي سعت لضم كل أطراف المعارضة إلى جبهة الائتلاف وصهر الديمقراطية في بوتقته، لهذا كان شعار «واحد الشعب السوري واحد » هو الشعار الشمولي الذي حارب كل الثقافات الموجودة في سوريا، وجمع الشبان حول هذا الشعار الرنان واستغل عواطف تلك الفئة. فإعطاء طابع الهوية السورية العامة للثورة على أساس إنكار التنوع في المجتمع كان عبارة عن مؤامرة خبيثة مدبرة من قبل القوى المستفزة والحاضنة لجبهة الائتلاف والداعمة لها والتي لم تقبل بوجود الكرد منذ بداية الثورة وحتى الآن.
السيناريو الذي تم التخطيط له كي يتم الاستيلاء على موارد الوطن السوري هو سرقة الثورة السورية على يد المجموعات الإرهابية التي تهاجم الشعب الكردي بكل شراستها. وصفت بعض الأطراف هذه الحرب بأنها حرب الإسلام والصليبيين، لكن هجوم المسلم على المسلم أفرغ هذه النظرية وأثبت صحة النظرية القائلة إن تشكيل الشرق الأوسط الجديد سيكون على حساب أهالي المنطقة وسيكون على حساب الكرد الذين آمنو باستقلالية الفكر والفلسفة، آمنوا بقوتهم الذاتية وسعوا إلى أن لا يكونوا آلة بيد أي قوى ساعية إلى تحقيق مصالحها عبر الاستفادة منهم في المنطقة، لهذا اتخذوا لأنفسهم النهج الديمقراطي المتعدد الألوان والهادف لبناء سورية ديمقراطية تعددية وضامنة لحقوق الكرد وكافة المكونات الأخرى من المجتمع السوري.
لهذا وبقصد التشهير بالحركة الكردية المنظمة الواعية تم اتهام الكرد بعدم انضمامه للثورة السورية ودعمه للنظام السوري، على الرغم من أن الكرد من أكثر الذين عانوا من ظلم النظام البعثي، وهم الوحيدون الذين قاوموا ظلمه بجسارة وكانت انتفاضة الثاني عشر من آذار مثالا حياً على ذلك. لهذا من غير الممكن أن يقبل الكرد بنظام كهذا أو أن يساند قوة قد تتحول إلى جلاده باسم الثورة في المستقبل.
لذلك تكون الضمانات قبل تحقيق الثورة وليس بعدها كما فعل الكثيرون عندما حاولوا إقناع الكرد بإسقاط النظام أولا ومن ثم يتم التحدث عن الحقوق باسم الثورة السورية الشاملة. واستطاعوا إقناع قسم من الشباب المتعاملين مع هذه الجهات مقابل مبالغ من المال وتأمين وسائل الإعلام والاتصال لهم، وبهذا جعلت من تلك الشبيبة أعداء للكرد، ناكرين لذاتهم وهويتهم الكردية. في البداية رفضوا كافة الرموز الكردية في الثورة السورية، وبعد مقاومة عظيمة من قبل الحركة الكردية لجأت هذه المجموعات إلى التستر وراء الكردياتية ومعاداة القضية الكردية باسم ممثلي الكرد ضمن الائتلاف.
إن الهجمات الوحشية السافرة التي تتعرض لها مناطق غرب كردستان هي نتيجة للسياسات المعادية للشعب الكردي وإرادته الحرة. والأطراف الكردية في المجلس الوطني وسياساتها التبعية للقوى الحاكمة تشكل السبب الأول والأخير في شن الحملات الإرهابية ضد الشعب الكردي، لأنه بالنتيجة توجد قوى تدعي أن الطرف المدير للمنطقة غير مؤيد للثورة السورية وتروج لهذه السياسة، تتحدث باسم الوطنية على حساب الشعب الكردي. لذلك تستفيد القوى المعادية من الفراغ والشرخ الموجود بين صفوف القوى الكردية. حتى أن هناك بعض القوى الكردستانية ،كالحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان من المفروض أن يلبي نداء الشعب الكردي في غربي كردستان ويساعده في محنته، نراه يقف عائقا أمامه فأغلق الأبواب أمام المساعدات الإنسانية في وجه الشعب الكردي وفرض الحصار عليه عن طريق حفر الخنادق على طول الحدود المتاخمة لجنوب كردستان لإجبار شعبنا على الاستسلام، حتى معبر تل كوجر الذي كان مفتوحا أمام المساعدات الإنسانية ودخول المواد الأساسية كالغاز والبنزين إلى المنطقة، أغلقه بعد سيطرته على معبر ربيعة. هذا وقد لجأ إلى شراء ذمم الشباب من أصحاب النفوس الضعيفة لتشغيلهم واستخدامهم في التفجيرات بهدف ضرب استقرار المنطقة وافتعال الفتنة بين مكونات المنطقة.
علما أن القضية الكردية في غربي كردستان تشكل مفتاح الحل للقضية الكردية في الأجزاء الأخرى وكذلك ضمان استمرارية الحكومة الكردية في إقليم كردستان أيضا. إن انتصار الثورة الكردية في غرب كردستان يعني انتصار الكرد في الأجزاء الكردستانية الأخرى أيضا.
الكثير من القوى المعادية لإرادة الشعب الكردي بقيت صامتة ولم تبدِ أي موقف تجاه الهجمات التي يتعرض لها شعبنا، لأنها تنتظر أن يخسر الشعب الكردي المعركة ويتراجع إلى نقطة الصفر أو تخسر حركة التحرير المتمثلة بحركة المجتمع الديمقراطي كي تظهر تنظيمات كرتونية على الساحة لتستلم زمام القضية وتعلن نفسها الممثل الشرعي وتتعامل مع القوى العدائية وتكسب رضاها على حساب حقوق الشعب الكردي وقضيته العادلة. القوى الخارجية أيضا لم تحرك ساكنا في مواجهة ما يجري في المنطقة. لكن المهم في هذه المعادلة هو وحدة صف الشعب الكردي، حيث لم يعد هناك فرق بين أعضاء التنظيمات، إنما هبَّ الكل لتلبية النداء لحماية مكتسبات الثورة، ولم يقصر يوماً في واجباته ومهامه الوطنية التاريخية.
إن ما يجري الآن في العراق مرة أخرى هو عبارة عن استمرار للمخطط القديم، ومع الاستيلاء على الموصل من قبل مجموعات داعش تدخل المنطقة مرحلة جديدة من الإرهاب والحرب والدمار، فدخول داعش إلى الموصل واستلامها من الجيش العراقي السني المتفق مع داعش في ليلة وضحاها كانت خطة تم التحضير لها من قبل. إن استمرار الحرب في العراق يعني حرباً تقسيمية سنية وشيعية وكردية، لكن هذا التقسيم لا يعني إيقاف الحرب وهدر الدماء، إنما يعني فتح السبيل أمام حرب داخلية تؤدي إلى استنزاف المزيد من الدم الكردي والعربي والسني والشيعي. وهذا يعني أن شرارة الحرب هذه ستنطلق إلى الدول المجاورة كتركيا والأردن والإقليم ولبنان، ومنها ستنتقل الشرارة إلى الدول الأوروبية عن طريق المقاتلين المنضمين من جنسيات أوروبية.
البحث عن تقسيمات أخرى ضمن إطار مشروع الدولة القومية بحث فات عليه الدهر ولن يكون حلاً للقضايا التي تعاني منها المنطقة بل ستكون حافزاً للحرب وظهور قضايا عقيمة لا تؤدي سوى إلى المزيد من الدمار والويلات. تمتد حدود دولة الشام والعراق إلى مساحة واسعة وفق ما تدعي هذه الخلافة، لأنها تصل إلى حدود بعض الدول العربية والأوروبية، وشعرت بعض الدول الأوروبية التي لم تكن تهتم بانتشار هذه المجموعات في العمق السوري بخطورة الوضع مع استيلائها على الموصل، وعلمت أن وحدات الحماية الشعبية التي تقاوم منذ أكثر من عامين دون تردد ضد هذه المجموعات الإرهابية اعتمادا على قوتها الذاتية ودون تلقي أي دعم من أي طرف كان هي قوة عظيمة ومنظمة ومبدئية.
إن مشروع الإدارة الذاتية حل نموذجي لأزمة الشرق الأوسط، باعتباره حلا يضمن حقوق كافة المكونات في المنطقة ويسعى لتحقيق الوحدة الطوعية ضمن إطار الدولة المتيقظة للديمقراطية. سيكون لمشروع التقسيم الذي يتم رسمه للعراق تأثير مباشر على سوريا أيضا إذا لم تتوحد جبهة المعارضة وبقي النظام على نهجه الديكتاتوري وبعيدا عن الحل السياسي، وهذا يعني بأن سوريا أيضا ستتوجه نحو التقسيم، أما إذا تطور الحل السياسي الديمقراطي فهذا يعني أن السيادة السورية مع الحفاظ على مناطق الإدارة الذاتية ستحمي سوريا بحدودها الحالية وتعزز من وحدة واتفاق المجتمع السوري بكل مكوناته. على ما يبدو أن النظام السوري الذي أجرى العملية الانتخابية ضمن ظروف الحرب أعطى رسالة للأطراف المتعددة بأنه نظام مشروع وله السيادة على البلاد وسيفرض سلطته بالقوة على أرض الواقع، لهذا فهو يتهجم ويبتعد عن الحل ويزيد من الأزمة تعقيدا.
هذا يعني أن الأزمة التي تعيشها المنطقة هي أزمة بنيوية، لا يمكن حلها إلا عن طريق عملية تغيير ديمقراطي جذري، وإلا ستنتشر شرارة الحرب في الدول الأخرى مثل إيران وتركيا ودول الجوار مع سوريا والعراق. تركيا التي دعمت المجموعات الإرهابية بشكل مباشر وغير مباشر بهدف القضاء على الحركة الكردية ووضعها تحت السيطرة، باتت أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما، إما أن تغير نظامها أو أنها ستواجه المصير نفسه. إيران أيضا تواجه نفس المصير.
أما بالنسبة للقضية الكردية في سوريا والمنطقة بشكل عام فليس بإمكان أي طرف يعمل على حل الأزمة السورية ان يتغاضى عن قضيته ووجوده كقوة فاعلة على الأرض، لا بد له أن يعترف بوجود الكرد وقضيته حتى يتسنى له تمرير مشاريعه، وإلا فلن يكون له نصيب في النصر.
كل القوى العالمية لم تكن تتوقع من الكرد أن يحموا مناطقهم بهذا الشكل ويشكلوا إدارتهم في المناطق الكردية، وعلى الأغلب كانوا يتوقعون أن يسيروا مع التيار الجارف وينخرطوا في الحرب القذرة الدائرة في البلاد، لهذا كانت ردة الفعل قوية عندما حرر الكرد مناطقهم من بقايا النظام البعثي، وكان رد فعل الحزب الديمقراطي الكردستاني أقوى في مواجهة التطور الحاصل في المنطقة، ففي الوقت الذي كان يعلم فيه أن المنطقة بيد المجلس الكردي الذي يمثله هنا ظهر العكس مع بدء ثورة 19 تموز التي بدأت شرارتها من منطقة كوباني. لهذا أجبروا على عقد الاتفاق مع مجلس غرب كردستان الذي انبثقت منه الهيئة الكردية العليا، ولكن بسبب المداخلات المستمرة من قبل الحزب المذكور والرغبة في وضعها تحت سيطرته وتعامله مع هذه الهيئة على أنها كأي تنظيم تابع له وعدم مشاركة المجلس الكردي في اللجان العملية فشلت الهيئة في تحقيق الاتفاق الكردي على أساس حماية المصالح الوطنية. واليوم أيضا تستمر نفس السياسة ونفس المخطط ، حيث نرى أن البرزاني اتفق مع السنيين في العراق لمواجهة الشيعة، كتحالفه مع السنيين في مواجهة الشيعة السوريين أيضا. وتحالفه مع المجلس الكردي في مواجهة مجلس غرب كردستان، وللحكومة التركية أيضا نفس السياسة ونفس الدور في مواجهة القضية الكردية والأزمة السورية، كلاهما ساهما في دعم طرف على حساب طرف آخر.
مع تشكيل الإدارة الذاتية في المناطق الكردية وتشكيل وحدات الحماية الشعبية، فشلت كل السياسات التقسيمية سواء على الجبهة الكردية أو الساحة السورية، استطاعت الإدارة الذاتية أن تمثل إرادة المكونات في المنطقة وتظهر كبديل عن الموديل القديم الذي يسعى لبناء دول قوموية عرقية تساهم في تجزيء وتقسيم البلاد والشعوب وبالتالي فتح الباب أمام الاقتتال الداخلي والمجازر. فأي دولة وأي ثورة يتحدثون عنها إن كانت على حساب السوريين والكرد في سوريا وغربي كردستان بعد أن تستولي عليها المجموعات الإرهابية التكفيرية لدولة الإسلام في الشام والعراق وتصبح الحدود مفتوحة أمام هذه المجموعات لتدخل إلى تلك البلدان كمحتل لها هذه المرة.
اليوم تتعرض كوباني لهجوم شرس وهذه هي المرة الرابعة التي تتعرض فيها للهجوم من قبل المجموعات الإرهابية، التي تسعى إلى ضم كوباتي لولايتها ووضعها تحت سيطرتها ومن ثم تبدأ بالهجوم على مناطق عفرين والجزيرة، وليس غريباً أن تسكت القوى الدولية والإقليمية في مواجهة هذا الهجوم السافر الذي يسعى للنيل من إرادة الشعب الكردي هناك. حتى الحكومة التركية أفرغت مراكزها الحدودية من الحراس كي تعبر هذه المجموعات إلى كوباني بسهولة. هذا يعني أن الحكومة التركية تساند هذه المجموعات بشكل مباشر بالتالي يحق أن تدخل في لائحة الإرهاب.
لماذا اختاروا كوباني لتكون بداية لكسر إرادة الشعب الكردي؟ كوباني وشعبها معروف ببنيتها العشائرية الوطنية القوية، وهي التي لم تتنازل في يوم من الأيام للنظام الحاكم ولا لأي قوة أخرى، منها بدأت شرارة الثورة، وهي التي تشكل حلقة الوصل بين الأجزاء الأخرى، يعتقد أنه بالاستيلاء على كوباتي سيتم الاستيلاء على المناطق الأخرى أيضا، وهذا ما يعتبر حسابات خاطئة تعتمد عليها المجموعات الإرهابية والعقول التي تديرها من خلف الستار، سواء كانت الحكومة التركية أم الإقليم الممثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني.
الحقيقة هي أن نظام الإدارة الذاتية هو موديل محلي يعتمد على الإمكانيات الذاتية في إدارة أزماتها وحل قضاياها بنفسها، لها الحق في عقد الاتفاقات والعلاقات وطلب المساعدة بشكل ذاتي ومحلي حسب الاحتياجات، ولا تعتمد على القوى الخارجية، هذا هو السر الذي يكمن في المقاومة العظيمة التي يبديها شعبنا في كوباني، كما أبدت المناطق الأخرى ،الجزيرة وعفرين، مقاومة في مواجهة المجموعات التكفيرية والنظام البعثي على حد سواء. وقُدِّم المئات من الشهداء على هذه الأرض لهذا من غير الممكن أن تنكسر تلك الإرادة التي تقاوم اعتمادا على قناعاتها وإيمانها بالحرية.
وضمن ظروف الحرب هذه تكون المرأة من أكثر المتضررين من هذه الحرب، الفتاوى التي تصدرها مجموعات داعش بحق المرأة، يتم استخدامها في الفواحش تحت اسم جهاد النكاح، تهجر من موطنها، يتم اغتصابها في مخيمات اللجوء دون أن يكون لها سند قانوني يحميها لهذا تكون السياسات موجهة ضد المرأة وإرادتها الحرة. تجارة الحدود والاتجار بالمرأة من أكثر الأعمال التي يتم استخدامها في فترة الحروب، وتكون المرأة هي الفريسة للتجارة. وهذا ما حاولت بعض الأطراف فعله في هذه الساحة لكن تنظيم المرأة اتحاد ستار أغلق الباب أمام هذه المحاولات بفعالياتها ونشاطاتها التي مارستها على أرض الواقع، لكن المخيمات تقع خارج إطار التنظيم لهذا يتم استثمارها في مجال الدعارة والتجارة والعمالة وغيرها من الأعمال التي تفسد المجتمعات وتحطمها أخلاقيا وفكريا وإراديا.
في النهاية يمكننا القول إن الإدارة الذاتية وذهنيتها هي القادرة على حل كل هذه القضايا العالقة وهي التي تغلق الباب أمام الانقسام والتجزيء والتشتت.
وبالتالي تحقق الديمقراطية والحرية وهذا ما اعترفت به القوى الدولية الأوروبية.