الحياة الندية المشتركة
الحياة الندية المشتركة
الهام أحمد
تنبع كافة مشاكل وقضايا المجتمع من قضية الحياة بين الرجل والمرأة، حيث تم التلاعب بقيم هذه الحياة وتحولت إلى تناقض فيما بين الرجل والمرأة، وعلى وجه الخصوص بعد أن قامت مؤسسة الدولة بتحويل المرأة إلى ملكية عائدة للرجل والعائلة الأبوية. فأحد شروط الحياة الحرة هي أن يتم إحياء العلاقة فيما بين الرجل والمرأة بالشكل الصحيح، وأن تلعب المرأة دورها الأساسي والطليعي في بناء المجتمع.
تطرق قائد الشعب الكردي السيد عبدالله أوجلان في مرافعته الخامسة إلى حل هذه القضية بالحياة المشتركة الحرة، لأجل حل القضايا الحياتية وإحلال حياة حرة ومجتمع ديمقراطي.
يتطرق قائد الشعب الكردي السيد عبدالله أوجلان إلى قضية المرأة كموضوع أساسي ضمن المواضيع أخرى والتي تشكل أساس قضايا المجتمع كافة والحياة التي يتم معايشتها في الوقت الحاضر. فمن خلال اطلاعنا على افكاره ودراستنا له في المرافعات التي طرحها من إمرالي، نلاحظ بأن جميع مؤلفاته تشير إلى أن قضية الحياة المفروضة كعبودية على الإنسانية بكاملها والتي كانت السبب في أسر المجتمع بكامله مرتبطة بقضية المرأة. فلو أردنا تعريف المرأة فهي تعني الحياة، ليست الحياة من الناحية الجسدية ولا من الناحية البيولوجية بل من ناحية المعنى التي تكنّها المرأة. فالمرأة تخلق معها الحياة، المرأة التي تقوم بخلق حياة وروح وجسد جديد تعني الحياة بحد ذاتها. وتعبر عن معنى الحياة. لو عدنا إلى التاريخ؛ نرى بأنه كانت هناك حياة قبل ظهور سلطة وحاكمية الرجل السلطوي، وكان هناك مجتمعٌ ويدعى بالمجتمع الطبيعي. هذا المجتمع الطبيعي هو الذي خلقته المرأة. فالمرأة هي التي بدأت بالخلق والإبداع على أرض أو جغرافية ميزوبوتاميا، هذه الجغرافية التي احتضنت الكثير من الأشياء التي تم ايجادها لأول مرة. بدء من العلم والفلسفة والزراعة إلى غيرها من الأمور الأخرى. فالأشياء التي أصبحت اليوم وسيلة لاستمرارية الحياة البشرية خلقت في تلك الجغرافية.
هذا الخلق والإبداع والابتكار تمت على الأيدي المرأة. وتمت تنظيمها من قبلها . بمعنى آخر يمكننا القول بأن المرأة هي الخلاقة والمبتكرة والمبدعة الأولى التي ظهرت في تاريخ الإنسانية، إلا أنه ومع الأسف بعد مرور فترة وظهور النظام الذكوري السلطوي الذي يتم تنظيمه وتطويره بلون وثقافة الرجل، تم صبغ المجتمع بأكمله بلون الرجل. يذكر بأنه عاشت نظام المرأة الطبيعي منذ أكثر من عشرة آلاف عام وحتى أنها تمتد إلى خمسة عشر ألف عام. إلا أن تاريخ الحضارة وتاريخ السلطة الذكورية وتاريخ الدولة وتاريخ المركزية وتاريخ ذهنية ثقافة الرجل تطورت على أساس نضال وكدح المرأة خلال خمسة ألف عام الأخيرة والتي تطورت على أساس إنكار المرأة. أي أن نظام الرجل السلطوي لم يستطع أن يقوم بتنظيم نفسه إلا بعد القضاء وإنكار نظام المرأة. لهذا السبب فإن مقولة بأن التاريخ بدأ منذ خمسة آلاف عام، يفتقد إلى المصداقية.
فهذا التاريخ يمكننا تسميته بتاريخ المرأة المخفي, لأنه لم يقم أحد بالبحث والتحقيق عن التاريخ الذي لم يتم تدوينه. حتى أن بعض الباحثين الذين يقومون بالبحث والتحقيق عنها عن طريق بعض القطع الأثرية التاريخية، يصلون إلى نتيجة ألا وهي بأنه هناك تاريخ قبل التاريخ، ووجود الأم والإلهة الخالقة في الفترة التي سبقت التاريخ ضمن هذا التاريخ. ولكن منذ خمسة ألف عام وإلى يومنا الراهن يمكننا القول بأن الرجل استطاع أن ينظم نفسه ويجمع المجتمع المحيط وفق عقليته.
فبعد ولادة النظام السلطوي الذكوري وولادة مؤسسة العائلة الصغيرة استطاع أن يطور نظاماً أحادية إرادة ألا وهي إرادة الرجل. حتى أنه في الكثير من الأحيان يتم تعريف المرأة بتعريف الرجل، أي وكأن الرجل هو الأساسويتم تعريف المرأة به. حيث يتم التطرق إليها بهذا الشكل في بعض الميثولوجيات، والقصص والملاحم التاريخية والدينية أيضاً. فأن قصة نشوء المرأة من ضلع الرجل في قصة آدم وحواء تعبير واضح عن ذلك، أي أنها تفيد بأن المرأة جزء من الرجل، وعلى هذا الاساس تطورت هذه الفلسفة. إن كل الأديان التي ظهرت تقول ضمن إطار فلسفتها وأيديولوجيتها بأن المرأة ناقصة وتعتبرها جزء من الرجل,أو المرأة تكمل الرجل. فالمرأة لا تساوي شيئا. من دون الرجل لا يمكن للمرأة أن تخلق شيئا لوحدها, لا تستطيع المرأة العيش لوحدها. فوجود المرأة مرهون بوجود الرجل، وعلى هذا الأساس قاموا بتطوير نظرياتهم.
النظريات التي ظهرت منذ آلاف السنين إلى يومنا الراهن جسدت ذهنية وخلقت نظاماً ضمن المجتمع، وقامت بخلق ثقافة.إذ أن ثقافة الإبادة وثقافة الاغتصاب تستمد قوتها من هذا التقرب. إن إنكار ثقافة المرأة و إنكار تاريخ المرأة، وإنشاء نظام جديد وثقافة جديدة وبناء سلطة تستند إلى إنكار المرأة, وأنشئت ثقافة الاغتصاب. أي أنه يتم اغتصاب كل ما له علاقة بوجود المرأة، تبدأ من الجانب الفكري وصولا إلى الجانب البدني، فإنكار المرأة من الناحية الاقتصادية و السياسية والفكرية والاجتماعية خلقت معها ثقافة الاغتصاب وبهذا تم تهميش دور المرأة وبروز الرجل وتحولت المرأة تدريجاً إلى ملك للرجل. هكذا نشأت مؤسسة الدولة. كما تم إنشاء مؤسسة العائلة في الفترة التي فقدت المرأة لدورها. أي أن فترة استعباد المرأة وإنكار المرأة ضمن المجتمع وإنكار دور المرأة الخالقة أو المنتجة ولدت نظام لا يمكن لأحد إعاقته. وكل الحروب التي تتم في يومنا الراهن والدماء التي تنزف والقتل والنهب والدمار في كافة النواحي بدءاً من الاقتصاد وصولاً إلى السياسة.كلها تستمد قوتها من ذهنية الرجل السلطوية. للإنسان نوعان من الذكاء؛ ذكاء عاطفي وذكاء تحليلي. وعند انفصال هذين النوعين من الذكاء عن بعضهما البعض يفتح المجال أمام ولادة كوارث فجيعةً. يقال بأن المرأة تمثل الذكاء العاطفي والتي تستند إلى العواطف بشكل اساسي. فإذا كان فقط هذا النوع من الذكاء حاكماً لدى شخص ما يؤدي إلى ظهور نوع من الاستسلام و اللأرادية. وبالنسبة إلى الذكاء التحليلي حيث يعتبر الرجل أكثر تقدماً فيه وبنتيجة انفصال الذكاء التحليلي على حساب الذكاء العاطفي سبب في تطور الذكاء التحليلي إلى أبعد الحدود لدى الرجل.
وقام بتنظيم المجتمع بكافة فئاته وفق هذا الذكاء. لهذا فإن حدوث الكوارث البيئية واندلاع الحروب العتيدة في العالم هي نتيجة الذكاء التحليلي الذي تطور بنسبة أكثر لدى الرجل، وبقاء الجانب العاطفي الذي تمثلها المرأةً ضعيفاً وافتقادها لدورها المؤثر. فعدم التوازن هذا خلق معه خللاً كبير في التوازن وساهم في عيش وإحياء انفصام في الحياة وانقسام وتنظيم حياة ضمن إطار ذهنية الرجل, مقابل بقاء الجانب الآخر ضعيفا لدى المرأة.
يتضح من لوحة الحياة هذه بأن المرأة تحيا وضعاً سيئا للغاية حيث نرى بأن الكثير من النساء يتعرضن للضرب والطلاق وتقوم الكثير منهن بالانتحار. فالمرأة في أحسن ظروفها تحيا أكبر عبودية. فما هو سبب معايشة الوضع الحالي ؟! إن وضع الانتحار والقضايا الاجتماعية التي يتم معايشتها هي ناتجة من احتجاز المرأة.أن طبيعة المرأة ووفق ما وصل إليه العلم من تحليلات والنظريات التي تطرحها الفلسفة تبين أنه ورغم وجود اختلاف بين الجنسين من الناحية البيولوجية ,إلا أنه من ناحية الطاقة الكامنة، هناك طاقة هائلة وفي حركة مستمرة لدى المرأة، أي تستطيع أن تخلق معها التنوع في الحياة، وهي نابعة من ذكائها العاطفي.
فهذه الطاقة المحتجزة بحاجة إلى تدفق وجريان مستمر ولكن الحدود التي تم رسمها وتحديدها للمرأة أدت إلى تكوين شكل آخر للمرأة. أي تم إعطاء شكل للمرأة بذهنية النظام الذكوري. فالمرأة التي تأخذ مكانة ضمن السياسة والمرأة التي تعمل في الساحة الاقتصادية والمرأة التي تشرف على بيتها ولا تنضم إلى أي نضال اجتماعي آخر هي انعكاس للشكل الذي تم اعطائها للمرأة بذهنية الرجل. هذا الشكل الذي تم إعطائه للمرأة والثقافة التي تم تخصيصها للمرأة هي نسخة لذهنية السلطة الذكورية. فالتقربات التي تبدى لطفلين أي لفتى وفتاة في المجتمع مختلفة، وترسم الحدود والقوالب للفتاة منذ طفولتها مقابل ذلك عدم قبولها بالنسبة للفتى، تساهم في خلق انقسام وتفرقة وانفصال بين الجنسين.
حتى أنه من خلال اللعب أو الدمى التي يتم تخصيصها للجنسين يتم تحضيرها للشخصية التي يريدون خلقها في المستقبل. فعند فرض هذه الثقافة منذ الطفولة عليهم تصل الفتاة عند بلوغها إلى قناعة بأن وجودها مرتبط بوجود الرجل من كل النواحي.
فتدريب المجتمع بكامله بثقافة الرجل أي تدريب كلا الجنسين بالذهنية الذكورية تضر بالجنسين معاً. أي لا يمكننا القول بأن هذا ذنب العائلة فقط بل إنها نتيجة ذهنية النظام ذهنية الدولة المركزية.
كيف أن رئيس الدولة هو الآمر الناهي و كل القرارات تتخذ من قبله ويتم تنظيم البرلمان بلون الرجل، لهذا السبب لا نرى في هذا البرلمان أي موضوع وقرار وقانون مرتبط بالمرأة ولا أي قانون يستطيع الدفاع وحماية حقوق المرأة، هذا البرلمان المتشكل من الرجال بالطبع ستكون السياسة التي سيقومون بتسييرها معجونة بذهنية الرجل وتتوافق مع مصالح السلطة والحاكمية. أي أن تلك الحاكمية أو السلطوية تقوم بما يخدم أو يضمن صيرورتها.
فإن وجب عليها الهجوم قامت بها، وإن وجب عليها أن تقوم بالتخريب تقوم بها، وإن وجب عليها اعتقال الأشخاص قامت بها أيضاً، فيتم اعتبار كل الأساليب والطرق السيئة مباحة لبقاء هذه الحاكمية والسلطة. وبنفس الذهنية يتم تنظيم العائلة أيضاً. أي يمكننا القول بأن تلك العائلة هو المثال الأصغر لمجتمعنا الكبير. فتلك العائلة تعتبر البذرة الأساسية في ولادة الدولة. أي أن النظام الذكوري ونظام الدولة قامت بإنشاء نفسها بالاستناد إلى مؤسسة العائلة هذه. إن مؤسسة العائلة تلك تشكلت قبل أن تلد أو تتشكل الدولة، وإن مؤسسة العائلة تلك التي يقال بأنه في فترة قيام الرجل بالصيد كانت المرأة تقوم بالزراعة في بيتها كانت تسيير أعمال الزراعة كانت الخالقة والمبدعة أما الرجل كان يتعلم من الصيد كيفية نصب المصايد و القتل ونزف الدماء. كان على الرجل أن يتعلم كيفية نصب المصايد والقيادة والحيلة قبل أن يذهب للصيد. هذه المصايد التي استخدمها الرجل للصيد طورت هذه الذهنية وساهمت في تطور الذكاء التحليلي لديه بنسبة كبيرة، وكانت السبب في التطرق إلى التكتيك في أعماله الحربية، وطورت في الرجل رغبة تعلم القيادة وخاصية الرئاسة. ففي المجموعات البدائية كان بإمكان أي شخص أن يصبح قياديا إن قام بقتل حيوان، من أجل هذا كان يتدرب على كيفية نصب المصايد والحيل والاختباء والتحلي بالألوان التي تساهم في تمويهه مقابل الحيوان الذي يريد اصطياده إن كل هذا يسمى بالمكر أي مكر ذهنية الرجل.
أي أن الرجل بهذه الأقنعة كان يقوم باصطياد فريسته، أي الحيوان الذي يريد اصطياده. هذه الحيل والخدع التي تطرق إليها الرجل في الأعمال التي كان يقوم بها تحولت إلى نظام بشكل تدريجي. فالمرأة التي كانت تقوم بالخلق والابداع في الزراعة وتهتم بالطبيعة كانت تخلق أشياء جديدة كل يوم، والرجل العائد من الصيد قام بالسيطرة على هذا البيت وحوله إلى مؤسسة لفرض وإعلان سلطته عليها، ووصل به الأمر إلى أن تفرض حق التملك على كل من المرأة والأطفال، وبولادة مؤسسة العائلة أو تشكلها أصبحت المرأة والأطفال ملك للرجل بالكامل، أي كان يتم تعريف نسب المرأة بالرجل، ويتم تعريف المرأة باسم الرجل، وكذلك الأطفال أيضاً، بهذه الطريقة تم تنظيم مؤسسة العائلة بالكامل في ظل الرجل، وهذه العائلة المتشكلة بالاستناد إلى ذهنية الرجل ساهمت في خلق مؤسسة الدولة تدريجيا، وهذه الدولة تصون نظامها الذي تم إنشاؤه بالاستناد إلى هذه الذهنية. لهذا السبب يمكننا القول بأن مؤسسة العائلة هي البذرة الأساسية التي قامت الدولة بتنظيم نفسها عليها.
فالحياة المشتركة بقدر ما تكون قضية المرأة هي بنفس الوقت قضية الرجل أيضا، إلا أن الرجل لا يرى هذه الحقيقة. فالرجل لا يدرك العبودية التي يعيشها. فبقدر سلطويته يعيش العبودية. فخلق حياة حرة مرتبط بالطرفين إلا أن القسم الأساسي متعلقة بالمرأة لأن قضية الحرية مرتبطة بقضية المرأة فبقدر إدراك المرأة لعبوديتها وبقدر نضالها الدؤوب من أجل نيل حقوقها ستساهم ينفس القدر في تطوير المجتمع معها، لأننا قلنا بأن المرأة تمثل الحياة بذاتها، والمرأة هي المجتمع بذاتها.أن مقدار دخول المرأة في حركة ووصولها للوعي وقيامها بتنظيم نفسها وسعيها في الوصول إلى الحرية بهذا القدر يتوسع الوسط التي تستطيع النضال والتأثير عليها. ولكن المشكلة الموجودة الآن هو نظرة الرجل إلى الحياة وكأنها تسير بشكل طبيعي . رغم غرقه في هذه الحياة ورغم مواجهته للكثير من القضايا الاجتماعية المعقدة إلا أنه ينظر إليها بنظرة طبيعية. كأن هذه الحياة ستنتهي كما أتت، أي لا يطرح أية الأسئلة على نفسه! ماهي طبيعة الحياة التي يريدها وكيف يريد أن يعيش؟ اللامبالاة هذه ناتجة عن شخصيته التي اعتادت على السلطوية. كما ذكرناه أن الطفل الذي اعتاد على كيفية فرض سلطته وحاكميته وكونه صاحب القرار الأخير في العائلة بدافع من الوالدين، وعلى من حوله أن ينصاعوا للقرارات التي يتخذها، فهو يسعى دائما بأن يكون بهذا الشكل في جميع ميادين الحياة وليس فقط ضمن العائلة. فالرجل المعتاد على السلطوية من الصعب عليه التخلي عنها بهذه السهولة، لن يتنازل ويقول للمرأة لنتقاسم هذه الحياة! لماذا؟ لأن مرض السلطة, مرض تحكم مرض خطير جداً. فلو أردنا ربطها بالوضع الذي نعيشه الآن؛ نرى بأن الوضع في سوريا و دول المنطقة أخرى سيء جداً فأنهم يفرضون حاكميتهم على المجتمع بكل شديد، فأية جواب لهذا الوضع من قبل المعارضة -حتى ولو كانت صغيرة وضعيفة – لمناهضة بعض المواضيع ومطالبة لانضمام إلى مراكز صنع القرار، نرى بأن تلك السلطة الحاكمة تقوم بالقضاء عليها بأشد الأشكال العنف. فضمن العائلة و المجتمع أيضاً اعتاد الرجل على أن تكون السلطة بيده ولا يتخلى عنها بسهولة، لكن في نفس الوقت يقوم بخداع نفسه، لأن الرجل ضمن العائلة هو عبد للنظام؛ هذا النظام الذي قام بخلقه بنفسه أي أنه تحول إلى عبد للنظام الذي خلقه بنفسه. لكنه لا يدرك العبودية التي يعيشها ويعتقد بأنه أفضل الأشخاص وأن النظام الذي خلقه هو أفضل الأنظمة ، إلا أن الحياة التي يخلقها الرجل تفتقد إلى التعددية حيث يطغى عليها طابع أحادي اللون. أما الحياة التي تخلقها المرأة تضم ألوان مختلفة. وأوضح مثال في هذا الموضوع هو أن المرأة الكردية و السريانية والعربية وكل أطياف المجتمع تستطيع أن تحيا مع بعضها بكل سهولة. فموقفها من موضوع حماية أولادها لا يختلف عن تقربها من حماية أطفال جيرانها أيضاً. لا تفرق بينهم، إلا أن النظام الحاكم قام بتخريب كل العواطف أيضاً. عواطف الرجل لا تشبه عواطف المرأة فيمكنه أن يفكر بنفسه وأطفاله وبيته إلا أنه لا يتقرب بتلك المسؤولية والعدالة من جيرانه. فإن موضوع السلطة موضوع واسع جداً.
فالذهنية المعتادة على السلطة لا يمكنها التخلي عن السلطة بالسهولة، وأن موضوع خلق الحياة المشتركة الحرة مرتبطة بكلا الطرفين .لما يعي الرجل مدى عبوديته ويدرك النتائج التي تخلقها السلطة الذكورية من الدمار الهائل ويدرك بأن المرأة عانت آلام السلطة بأقسى أشكالها منذ آلاف السنين ويدرك بأن وضع الاستسلام واللإرادية التي تعيشها اليوم هي نتيجة سياسته وذهنيته وقراراته, حينها بالتأكيد يستطيع أن يخلق التغيير. وهذا يتطلب نضال جاد,أي يتطلب معرفة وقراءة صحيحة للتاريخ. فمعرفة وقراءة تاريخ المرأة ضرورية لكلا الطرفين. أي على المرأة أيضاً أن تقرأ تاريخها وتفهمها .وعلى الرجل أيضاً أن يقرأ ويفهم تاريخ المرأة ويؤمن بها.
فإذا قرأتها وفهمها ولم يؤمنا بها حينها أيضاً لا يمكنهما إحداث أي تغييرات وتحولات، لهذا السبب الرجل الذي يشعر بالمسؤولية تجاه إنشاء أو خلق حياة حرة ومشتركة عليه في البداية أن يؤمن بحرية المرأة، هذا الايمان والثقة ستساهم في خلق الكثير من التطورات.
يشير قائد الشعب الكردي ثلاث نقاط أساسية لاستمرارية الحياة ألا وهي التكاثر والدفاع والعيش. إلا أن الرجل نظر إلى موضوع التكاثر بالشكل المعاكس فبدلاً من أن تكون وسيلة لاستمرارية الحياة تحولت إلى هدف ساهم في استمرارية وتعمق عبودية المرأة، وأن الكثير من القضايا الاجتماعية التي يتم معايشتها الآن تستمد مصدرها من هنا.
فهذا الموضوع هام جداً لأننا نصادف كل يوم الكثير من القضايا المعقدة. فالحياة المشتركة الحرة والتكاثر والدفاع هي أمور فطرية لدى الإنسان. اليوم فان المشاكل الأساسية التي تعاني منها الإنسانية بشكل عام هو التضخم السكاني. فالعالم الآن يحيا تضخماً سكانياً هائلاً. فبعض الشعوب تسعى إلى إنجاب الكثير من الأطفال نتيجة الخوف من انقراض ذاك الشعب وإدامة النسل، وهذا يعتبر من أحد الأسباب في هذا التضخم السكاني. بالإمكان رؤية هذا السبب طبيعياً بعض الشي، حيث يمكن اعتبارها كوسيلة ضمان النسل. فالمجتمع الكردي خير مثال في هذا الموضوع. تعرف المجتمع الكردي بكثرة الأطفال. رغم كل المجازر التي تعرض لها الشعب الكردي إلا أنه مازال يصون وجوده كشعب، ولكنه لم يطور نفسه من الناحية الاجتماعية. أي أن الشعب الذي يسعى إلى زيادة عدد أفراده لا يطور نفسه من الناحية الاجتماعية. فإن نقص العدد والإبادات التي يتعرضلها الشعوب وعدم قدرته على تطوير الناحية الاجتماعية حينها يتم إبادته بالكامل وينقرض. لماذا؟ لأنه لا يستطيع التصدي ومقاومة وحماية الذات لافتقاده الناحية الثقافية والتاريخية ولافتقاره إلى الفن والمعرفة والإرادة، ومن الناحية الأخرى عدم وجود العدد أيضاً. فالكرد استطاعوا أن يصونوا وجودهم بالاستناد إلى عددهم، ففي هذه السنوات الأخيرة بدأت تدريجياً بتطوير ذاته من ناحية المعرفة وكسب الإرادة. إلا أن الكثير من الشعوب التي كانت تفتقد إلى كلا العاملين انقرضت من الوجود وزالت. ولكن النظام الرأسمالي يستخدم الإبادة كوسيلة من أجل فرض سيطرته على المجتمعات. ففي بعض البلدان يتم التحدث عن السياسة الاقتصادية، فالسياسة الاقتصادية التي يتم اتباعها من قبل الاقتصاديين أو الخطة الاقتصادية التي تساهم في حل قضايا المجتمع أي تحسين الوضع المعيشي للشعب هو أن يتم تقليص عدد السكان أي إنقاص عدد الناس في المناطق الكثيرة السكان، حيث يتم تقليص العدد عن طريق المجازر والأمراض ونشر أمراض جديدة، حيث يدعون بتحسين وضع المجتمع من الناحية الاقتصادية هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى العلاقة بين كلا الجنسين هذه العلاقة التي تحولت من قبل النظام الرأسمالي إلى وسيلة من أجل إشباع الغريزة وإبعاد الإنسان من جوهره وربط كل فكره وإرادته بالإثارة الجنسية فمن خلال استخدام المرأة كوسيلة لترويج البضائع يبرزون الجانب الغريزي بشكل كبير، وحتى يحثون على ممارسة هذه الغريزة في كل يوم ضمن العائلة وفي حال عدم ممارسة هذه الغريزة تؤدي الى ظهور جرائم كبيرة.
إن أكثر مشاكل المجتمع التي تظهر تنبع من هذه النقطة. أي أن هذا الموضوع هو السبب الرئيسي لانعدام الثقة بين الرجل والمرأة. فكل الشبهات والشكوك التي تتولد لدى الطرفين مصدرها تلك القضية الجنسية التي تحولت إلى عقدة عمياء. الهدف من العلاقة الجنسية بين الجنسين هي لضمان الوجود وعدم الانقراض كما هي الحال لدى كل الكائنات الحية. ولكن ونتيجة لسياسة النظام الرأسمالي تحولت إلى ممارسة يومية لدى مجتمعاتنا. هذا الوضع يعتبر من أخطر الأوضاع لأن هذا الجانب لا يمثل كل شيء لدى الإنسان. فالإنسان عبارة عن وجود وفكر وإرادة وإحساس وشعور وهناك جوانب في الحياة يمكنه من خلالها الإحساس بوجوده. لتجاوز هذه العقدة ومن أجل الوصول إلى حياة مشتركة حرة بين الرجل والمرأة على المرأة قبل أن تشارك الرجل مؤسسة الزواج أن تكون صاحبة إرادة، وأن تكون صاحبة معرفة وأن تعرف ذاك الرجل بالشكل الجيد ومن ثم تقوم بعقد العلاقة معه. فإن شاركت الرجل بغفلة ومن دون معرفة وبجهالة واستسلام للوضع المفروض عليها، عليها أن تدرك أنها ستكون وجها لوجه أمام النظام السلطوي. فكيفما تقوم الدولة بفرض حكمها على المجتمع وتجعل المجتمع عبد لها فالرجل أيضاً سيقوم بنفس الشيء ضمن مؤسسة العائلة. ومن أجل تحرير المجتمع من الواجب أن تبدي المرأة موقفها ضد هذه السلطة أي من الواجب عليها أن تثبت وجودها بوقفة إرادية. وأن تكون صاحبة معرفة وتشعر بوجودها قبل أن تتخذ القرار بالزواج من الرجل. ويجب أن تكون فعالة في كافة نواحي الحياة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو غيرها، على المرأة أن تكون فعالة في المجلات الأخرى. عندها تستطيع أن تتخذ القرار في الشراكة مع الرجل. إن لم يتم هذا حينها ستقع المرأة في مصيدة المؤسسة التي تتشكل بالاستناد إلى أسس العبودية والملكية. من الواجب على المرأة أن تكون في حالة نضال نفسي دائم مع ذاتها. كي تتمكن المرأة من انقاذ وتحرير نفسها من تأثر النظام السلطوي الذكوري وذهنيته وثقافته عليها أن تخوض نضالاً حاداً مع نفسها وتصل إلى الجوهر الحقيقي للمرأة. أي أن تصل بنفسها إلى طبيعتها وطريقة تفكيرها وذهنيتها الحقيقية. من الواجب على الرجل أيضا أن يحرر نفسه من تلك الشخصية السلطوية. فالنضال ضد السلطوية يعني في نفس الوقت النضال ضد العبودية. يجب أن يقوم الطرفان بخلق حياة توافقية حياة مشتركة تساهم في جمع الإرادة الحرة لكليهما. أي ألا تقوم إرادة بغصب الإرادة الأخرى. أي تجاوز نظام العائلة المتشكلة على أساس الملكية وإحلال مكانها حق الاختيار الحر والجمع بين إرادتين حرتين.
والاعتراف بحق الشخص بالحياة الحرة المستقلة لوحده أي أنه وحتى الآن بقدر المشاكل التي نصادفها نرى بأنه لا يتم الاعتراف بحق الشخص بالحياة الحرة المستقلة. لأي شخص كان سواء كان الرجل أو المرأة. إن الشرط الأساسي للحياة المشتركة الحرة هي الإرادة الحرة لكلا الجنسين.