مجموعة صغيرة وعملية كبيرة
مجموعة صغيرة وعملية كبيرة
تكوشين بوطان
انتشرت قوات الكريلا )قوات الدفاع عن الشعب( في أغلب مناطق كردستان وأخيرا انتشرت بشكل واسع في الأراضي الشرقية لكردستان في إيران أيضاً. في عام 2008 طُلبَِ منا التوجه إلى منطقة شاهو الواقعة في روجهلات )شرقي كردستان( وذلك بهدف إمداد الرفاق بالقوة والعتاد والذخيرة. فشعبنا المتواجد في روجهلات يمدنا بالقوة والعزيمة حيث أن انتشار قواتنا في تلك المناطق على الرغم من كافة الصعوبات التي عرقلت مسيرتنا ما هو إلا ثمرة لإيمان شعبنا العميق بقضيته.
وصلتنا أخبار من منطقة شاهو تفيد بإمكانية التمركز فيها بقوات أكثر، خاصة وأن رفاقنا كانوا قد انتشروا داخل شاهو على شكل مجموعات وأصبحت لهم معرفة جيدة بأوضاع المنطقة وجغرافيتها. لذلك قمنا بتحضير أنفسنا للتوجه إلى شاهو على شكل فصيلة من الرفاق، ولأن الزمن الذي نحتاجه لقطع الطريق المؤدي إلى شاهو لا يقل عن مسافة شهر سيراً على الأقدام كان لا بد لنا من التخطيط بشكل دقيق ومدروس للتغلب على كافة المشاكل التي قد تعترض طريقنا.
كانت فصيلتنا تتألف من مجموعتين من الرفاق والرفيقات، حيث كانت الرفيقة برجم قائدة المجموعة الأولى والمتشكلة من الرفيقات وكانت في الوقت نفسه المسؤولة عن الفصيلة، أما المجموعة الثانية المتشكلة من الرفاق فكانت بقيادة الرفيق أزاد.
لم نجابه مصاعب كثيرة في طريقنا نحو شاهو وتحركنا ملتزمين بقواعد الكريلا وأصولها، وسرنا حسب المخطط الذي رسمناه لمسيرتنا حتى التقينا برفاق المنطقة، وسارعنا إلى معرفة المنطقة وعملنا على التمركز فيها وخلق أرضية قوية وبدأنا بتحضيراتنا للتمركز هناك.
وحتى تلك الفترة لم تبقَ مجموعات الرفيقات في المنطقة على شكل مجموعات عسكرية.
تمركزنا على قمم شاهو وتلقينا تدريباتنا الأيديولوجية والعسكرية والسياسية في كيفية التقرب من المرحلة والمنطقة، وأصبح باستطاعة الرفيقات أن يقمن ببعض العمليات وكن مستعدات بشكل تام لدخول الحياة العملية وخاصة بعد أن تلقينا خبراً حول رغبة العدو في شن هجوم على المناطق التي نتمركز فيها، فكان لا بد لنا من القيام بالرد المضاد، وشن هجوم على قوات العدو وإلحاق ضربة مميتة بها لشل عزيمتها وإفشال مخططها وعرقلة تقدمها نحو المناطق التي نتمركز فيها بحيث لا تستطيع التقدم نحو منطقتنا بسهولة. وكان علينا الانتقام والثأر لشهادة الرفيق شورش روني والرفاق الذين استشهدوا في قنديل الأمر الذي زاد من حقدنا على العدو وخلق في نفوسنا روح الانتقام والتصدي لقوات العدو وإلحاق الضربات به لشل حاكميته على المنطقة وأخذ المبادرة منه. وقبل كل ذلك كان لا بد لنا أن نقوم بتعريف الشعب بأنفسنا أكثر حتى نكسب ثقته وتأييده. فأبناء الشعب مرتبطون بنا ولكنهم لا يعرفوننا عن قرب، وعلينا الارتباط بهم عن قرب، وكسر الخوف المزروع في نفوسهم من قبل العدو.
وعلى هذا الأساس اتجهنا نحو مواقع تمركز قوات العدو الخاصة لنقوم بالكشف والبحث عن هدف لضربه. بدأت فصيلتنا بالتحرك على شكل مجموعات؛ فتوجهت مجموعة نحو مواقع العدو بهدف الكشف والتحضير لعملية عسكرية ، وكانت هذه المجموعة تتألف من الرفاق ) سرخبون، هيوا، هوراز والرفيقة برجم ومرال( وبقيت مجموعة من الرفاق في المعسكر للقيام بالتحضيرات المناسبة وتأمين المواد التموينية اللازمة وكذلك تجهيز بعض المستودعات لإخفاء المؤن فيها، وذهب بعض الرفاق الآخرين لإخبار الفصيلتين بمخطط العملية. كانت الفصيلة الأولى متمركزة على طرف شاهو والفصيلة الثانية في أعلى شاهو، وكان على الفصيلتين أن تصلا إلى مكاننا لنخطط معاً وبشكل مفصل للعملية التي يجب أن تتم قبل أن يتحرك العدو في حملته الربيعية، وكذلك قبل تحرك فصائلنا في حركتها الربيعية أيضاً، وقبل توزيع الفصائل على المناطق وانتشارها، لأن الفرز قد تم حسب المناطق. إحدى الفصائل كانت ستتجه إلى منطقة دالاهو وهي أصعب منطقة جغرافية و كان لها أهمية كبرى بالنسبة للعدو، كما أنها كانت منطقة استراتيجية بالنسبة لنا أيضاً. أغلب الرفاق أرادوا الذهاب إلى تلك المنطقة، الرفيق شورش روني كان قد استشهد هناك، حيث أنه أثناء عبور مجموعتهم من تلك المنطقة وقعوا في كمين للعدو وحصل اشتباك بينهم وبين قوات العدو واستشهد الرفيق شورش هناك. الرفيقة برجم اقترحت أن تنضم إلى المجموعة المتوجهة إلى دالاهو، وتم قبول اقتراحها وانضمت الرفيقة إلى الفصيلة المتجهة إلى تلك المنطقة، والفصيلة الثانية كانت ستتجه إلى منطقة كرمان شاه، والفصيلة الثالثة إلى منطقة سنه وستبقى فصيلة من الرفاق في منطقة شاهو وقبل توجه الفصائل إلى أماكنهم علينا القيام بعملية مشتركة مؤثرة ضد قوات العدو.
كنا ننتظر الرفاق بفارغ الصبر، فمع مجيئهم سيتم التخطيط للعملية وفرز القوات وفق المخطط. مع عودة مجموعة الكشف بدأ النقاش حول العملية والهدف الذي سنقوم بضربه، شرح الرفاق الكشافين خطة العملية، وعدد الرفاق الذين يستطيعون المشاركة وعن الموقع وكيفية ضرب المعسكر وعدد العساكر الموجودين فيه وكانوا ستة وعشرين جندياً موجودين في المخفر الذي كان علينا الاستيلاء عليه )مخفر نوري إحسان(.المخفر يتمركز على الطريق المؤدي إلى المدينة، هذه المدينة يطل عليها الجبل من أحد أطرافها وهذا يجعلنا قريبين من طريق المناورة، ويتمركز فوق المخفر وعلى التسلسل بالقرب من التلال القريبة منه مخفران آخران وعلينا شل حركتهما، ومن المتوقع أن تأتي المساعدة والإمدادات من المخفرين المجاورين، وهناك احتمال ثانٍ وهو أن تأتي المساعدة من المخفر المتمركز داخل المدينة ذاتها وهذا يفرض علينا أن نتخذ التدابير اللازمة لذلك أيضاً.
هذه العملية كانت مصيرية بالنسبة لنا ولها معنى كبير وكان كافة الرفاق يطالبون بالانضمام إليها لإنجاحها. تشكلت مجموعة العملية من 27 رفيقاً، مجموعة الهجوم كانت مؤلفة من سبعة رفاق والمسؤول عنها كان الرفيق زردشت ومساعده الرفيق سرخبون والرفيق دلبرين، الرفيق نومان، الرفيق باران ومن الرفيقات أنا والرفيقة برجم انضممنا إلى تلك المجموعة، فالرفيقة برجم كانت قائدة فصيلتنا وكنا نريدها أن تكون معنا، وكان انضمامها بالنسبة لنا مهماً للغاية. في البداية لم يوافق الرفاق على قرار انضمام الرفيقة برجم إلى العملية، إلا أن إصرار الرفيقة برجم جعل كل الرفاق يقفون احتراماً لمشاعرها ولروح المسؤولية التي تتحلى بها، كانت تقول: ليس من الصائب أن تكون مهمتي كقائدة للفصيلة عقبة أمام انضمامي إلى العملية، والصحيح هو أن تكون مهمتي هذه عاملاً إيجابياً لانضمامي إلى العملية وأنا أرغب في الانضمام إلى العملية حتى وإن كان ذلك بدون مهمة رسمية وبصفتي مقاتلة فقط ، أريد فقط أن أكون بين الرفاق المشاركين في العملية بشكل مباشر. هذا الموقف أثر على الرفاق كثيراً، كانت القدوة بالنسبة لنا. بالنسبة لها كان ذلك أول انضمام إلى عملية عسكرية وكانت مشاركتي الأولى أيضاً في عملية عسكرية. وحسب مخطط العملية فإن أربعة رفاق سيأخذون أماكنهم في مجموعة التقوية لمساعدة مجموعة الهجوم، وخمسة رفاق في مجموعة الكمين الذي سينصب على الطريق العام بهدف قطع الطريق، وستتجه مجموعة من خمسة رفاق إلى داخل المدينة لقطع الإمدادات التي قد تأتي من المخفر الذي يتمركز في وسط المدينة ورفاق آخرون سيتمركزون في التلال المرتفعة كحماية لجميع المجموعات.
ودّعنا الرفاق واتجهنا إلى مكان العملية وفرحتنا لم تكن توصف وكأننا في عرس كبير، لم يكن يوجد أي تردد أو خوف من الهزيمة فالنصر هو هدفنا ولا شيء آخر. كان كافة الرفاق مستعدين للتضحية بكل شيء ومرتبطين بروح رفاقية عظيمة. اتجهنا نحو المخفر ببرودة أعصاب آخذين بعين الاعتبار كل الاحتمالات قبل وقوعها لمجابهتها بسرعة، وكنا حساسين من ناحية تطبيق القواعد العسكرية من ناحية المسير والإخفاء والتمويه. عندما وصلنا إلى مكان العملية تلبد الجو وتحول إلى ضباب كثيف وبعدها هطلت الأمطار، وفي الطريق وصلتنا أخبار تفيد بأن العدو يجهز نفسه للقيام بتمشيط موسع في المنطقة ويرغب في الهجوم على قواتنا في أقرب فرصة. تغير الجو من صحو إلى ماطر أثر على مخطط العملية بعض الشيء، فالرفاق قاموا بالكشف في جو صحو وتغير الجو قد يؤثر بعض الشيء على مخططنا ولكن تجهيز العدو نفسه للتمشيط وجمع القوة لم يكن في حساباتنا وهذا ينطوي على مهالك جمة. لم يهتم الرفاق بهذا الشيء ولم يعتبروه عقبة في وجهنا. أصر جميع الرفاق وباندفاع عالٍ على السير قدماً لتنفيذ العملية راغبين في الانتقام لشهادة الرفيق شورش روني وإلحاق ضربة موجعة بالعدو تجعله يحسب حساباً كبيراً للكريلا ويعرف بأننا لن نترك دماء رفاقنا تذهب سدى وأننا سنرد عليهم وسنثأر لكل خسارة لنا.
عند اقترابنا من المخفر انتشرنا على ثلاث جبهات، فالمخفر له ثلاث قبب وكل قبة ستكون هدفاً لرفيقين، أنا والرفيق زردشت والرفيق باران سنكون في المقدمة وهدفنا القبة الأولى، والرفيقان سرخبون ودلبرين سيهجمون القبة الثانية، والقبة الثالثة ستكون للرفيق نومان والرفيقة برجم. عند ذهابنا لم نكن نستطيع أن نوقف الرفيق باران، فروحه الهجومية لا تهدأ وكان من المصرين على الانضمام إلى العملية والرفيقة برجم أيضاً كانت كذلك لا تعرف السكون وكانت لديها روح هجومية عالية. الرفيق باران أصر أن يطلق الطلقة الأولى، فقلنا له بعد قذفنا للقنبلة ستكون لك الطلقة الأولى وعندما بدأنا لم نعد نرى أو نسمع الرفيق باران، هاجم باندفاع كبير وبدأ يدخل غرفة تلو الأخرى دون توقف، تحركنا بسرعة وأخذنا أماكننا وضربنا المخفر بالقنابل اليدوية وبعدها وجهنا فوهة بنادقنا وبدأنا بالرش المكثف. في الحركة الأولى والضربة الأولى كان هدفنا الاستيلاء على البوابة تعجب العدو من الواقعة. كنا نعلم من نتائج الكشف والاستخبارات أن العدد الموجود في المخفر هو 26 جندياً ولكن الإمدادات من جند وعتاد كانت قد وصلت إليهم من أجل التمشيط في ذلك اليوم، كان لنا علم بالتمشيط ولكننا لم نكن نعرف بعد وجهتهم الأساسية وعدد القوات المجتمعة. لم يكن لنا علم بآخر التطورات ولكن إصرارنا جعلنا غير مهتمين بأية قوة، وعرفنا بأنه قبل أن نبدأ بالعملية اجتمعت في المخفر قوات كبيرة تأهباً للتمشيط، قوات )كورين زاوي( وقوات )نوري احسان( وقوات )سباي(. دامت العملية سبع دقائق فقط دخلنا بعدها إلى المقر لجمع أسلحة المقتولين وقبل الانسحاب نادانا الرفيق دلبرين أسرعوا تعالوا استشهد الرفيق باران، فالغرفة التي دخلها الرفيق باران كانت محمية بشكل محكم وكان يتواجد فيها القادة العسكريون والاستخبارات وعند إطلاقه النار على الغرفة ودخوله السريع أطلق عليه أحد الجرحى النار وأصابه فاستشهد. أنهينا العملية ولم يبقَ خطر داخل المخفر فذهبنا إلى مكان استشهاد الرفيق باران، كان مرمياً على الأرض، نظرت إليه لم أصدق حتى تلك اللحظة أنه استشهد فروحه ومعنوياته وحركاته السريعة لم تكن توحي باستشهاده بهذه السهولة ولم أصدق استشهاده فوجهه مازال بشوشاً وفرحاً حتى في الشهادة الابتسامة والبشاشة لم تفارق وجنتاه، وكان السلاح ما يزال في يده، لم يترك سلاحه، بحثت عن مكان الإصابة فلم أجد إصابة تؤدي إلى الاستشهاد، حملته بين يدي لعلي أسمع همساته أو يرد ويعطيني جواباً على أسئلتي التي أطرحها عليه هل تسمعني؟ هل تستطيع أن تعطيني الجواب… باران…. باران؟ البسمة مازالت على وجهه، اعتقدت أنه ما زال حياً فقد يكون فاقداً للوعي، ولكن بعد أن رأيت أثر الرصاصة التي أصابت رأسه عرفت بأنه قد استشهد. سمعنا أن الرفيق سرخبون جريح وقد أصابت رصاصة رجله، وهو ينتظرنا عند الجدار الخارجي للمخفر. بدأنا الانسحاب حاملين معنا الكثير من الأسلحة وكان هناك مصابيح كبيرة على باب المخفر تضيء ما حولها، أطفأنا الأضواء لكي نستطيع الانسحاب بسهولة حيث توليت مهمة الحماية لكي يخرج الرفاق بسرعة فالرفاق الآخرون ينتظروننا، وأشرنا إلى الرفيقة برجم والرفيق نومان بالانسحاب وعندما خطوت أول خطوة لاجتياز باب المخفر أطلق علي أحد الجرحى في الخندق الخارجي من سلاح ال BKC فلم أستطع تجاوز الباب رجعت وقلت أن هناك جريحاً لا يتركنا نخرج وعلينا القضاء عليه، بدأنا بإطلاق النار حتى توقف الصوت. قام الرفيق دلبرين بحمل الرفيق سرخبون ولكن بسبب تواجد عساكر على مسافات بعيدة وقد بدأوا بإطلاق النار قمت وتوجهت إلى مكان الرفيق دلبرين الذي أصيب في قدمه فطلب مني أن أربط جروحه وأخرج من جيبه منديلاً وأعطاني إياه، طالباً مني ربط جروحه رغم اعتراضي، وأنا لم أكن أستطيع، فقد كنت مصابة بشظية في يدي وهو كان ينزف ولم أكن أستطيع التحكم في الربط حتى أني لم أكن أعرف ربط الجروح وبإصرار منه ربطت جرحه وركضت إلى الرفيق سرخبون الذي وقع في مواجهة الباب ذهبت وسحبته قليلاً، أبعدته عن هدف النيران وناديت رفاق التقوية والحماية للمساعدة، رفاق الحماية قاموا بالمداخلة لمساعدتنا، حيث قام رفيق اسمه )انتقام الداغ ( ورفيقة أخرى بالتوجه إلى المخفر وفي الطريق هجموا على الجنود الواقفين على الطريق بالقنابل، أصاب العطب سلاح انتقام حيث بقيت رصاصة داخل السبطانة فتوقف سلاحه وأطلق الجنود الرصاص عليه فاستشهد هناك، فقد اخترقت رصاصة قلبه واستشهد على الفور، لم يكن لنا علم بذلك، وعندما طلبنا المساعدة فإن الرفيقة برجم والرفيق نومان اتجها إلى مكاننا، طلبنا منهم ألا يأتوا ولكن بسبب شهادة الرفيق انتقام وعدم وصوله إلينا فإن الرفيقة برجم والرفيق نومان أسرعا في الوصول إلينا، مع وصولهما إلى مكاننا أطلق الجنود النار علينا بشكل كثيف، الجنود الذين كان عددهم كبيراً وواقفين في أماكن متفرقة على الطريق وبعض التلال القريبة من المخفر، أصيبت الرفيقة برجم في ظهرها بأربع طلقات واستشهدت على الفور، الرفيق سرخبون الجريح أصيب مرة أخرى ولم يكن يستطيع التنفس، كان فقط يكرر لنا و يقول: أسرعوا بالذهاب خذوا الرفيق دلبرين خلصوه فهو في خطر، اتركوني هنا لا أستطيع التنفس خلصوا أنفسكم…عليكم الخروج بسرعة فالجنود منتشرون في أغلب الأماكن، مكان الانسحاب معروف هيا اركضوا خلصوا أنفسكم اتركوني ولا توقعوا أنفسكم في الخطر. كلماته أثرت فينا كثيراً ما العمل علينا الخروج من هنا قبل حصول شهادات أخرى. أصبح عدد الشهداء أربعة رفاق وعلينا الانسحاب بسرعة فالعدو أصبح يتحرك بسرعة ويرغب في قطع الطرق علينا. حملنا رفاقنا الشهداء وأوصلناهم إلى مكان آمن بعيد عن منطقة المخفر ولم نستطع أخذهم معنا فالأوضاع تأزمت وتأخرنا في الانسحاب وحمل الرفاق المستشهدين جعلنا نسير بشكل بطيء. تركنا جثث رفاقنا في أماكن بعيدة عن المخفر وموهنا أماكنهم وحملنا أسلحتهم كما حملنا رفاقنا الجرحى وخرجنا من تحت حاكمية العدو، أما العدو فقد زاد من شراسته وكان يقذف نيرانه الشرهة على المنطقة بشكل عشوائي كأنه يقول لتضرم النيران في كل المنطقة غير آبهٍ بالإنسان أو الحيوان أو النبات وكان يرش المنطقة بشكل مكثف بالأسلحة الثقيلة والخفيفة. عند ابتعاد الرفاق عن المخفر قال الرفيق دلبرين للرفاق الذين كانوا يحملونه اتركوني وخلصوا أنفسكم، لا تستطيعون السير بهذا الشكل، وبهذه الوتيرة لن تصلوا إلى مكانٍ آمن، أنزلوني على الأرض. عندما أنزله الرفاق على الأرض حمل قنبلته اليدوية وسحب مسمار الأمان وقال: ابتعدوا، ابتعدوا، اركضوا، اذهبوا، خلصوا أنفسكم. عند ذلك تعجب الرفاق وصرخوا: لا، لا ، لا تفعل ذلك، سنخلصك ،لا تفعل ذلك. ولكنه كان يعلم أنهم لا يستطيعون تركه وقد يكون سبباً في استشهاد رفاق آخرين. رمى مسمار الأمان واحتضن القنبلة بكلتا يديه شاداً على صدره لتنفجر القنبلة به وحده ويستشهد.
كانت العملية كبيرة قُتل فيها أكثر من 83 عسكرياً وأتلفنا الكثير من العتاد والمعدات العسكرية وأخذنا منها الكثير واحترقت في إحدى غرف المخفر مجموعة كاملة للعدو، وضرب الرفاق الذين نصبوا الكمين على الطريق القوات المتجهة إلى المخفر لمساعدته وألحقوا بالعدو خسائر جمة وأجبروها على التراجع عن مساعدة المخفر، والأهم من كل ذلك أن الشعب رأى بنفسه تلك العملية وكيف تحول ذاك الليل إلى ضوء ونار وهم ينظرون إلى الاشتباكات التي دامت بعد العملية، وشراسة العدو ومقاومتنا ضده، وانتشر صدى العملية في كل مكان وكان لشهادة رفاقنا صدى واسع وخاصة شهادة الرفيقة برجم، ففي الشرق شهادة رفيقة هو سمو وعلو في مكانة المرأة. ولقنّا درساً للعدو الذي ثارت ثائرته ولم يستطع أن يستوعب نتائج العملية التي قامت بها مجموعة صغيرة وتكبد بها العدو خسائر كثيرة مادية ومعنوية وتأثر بها الجنود ودب الخوف في نفوسهم.
أما نحن فقد أعطينا الوعد وأقسمنا أن نسير على درب شهدائنا، ونتخذهم قدوةً لنا في الممارسة، ونبقى مرتبطين بذكراهم، ونتابع دربهم، ونتمسك بالحياة والنضال والتوجه نحو الهدف بعنفوانهم وعشقهم وإصرارهم على العلو والعظمة.