الشخصية الكردية الحرة هوية الشرق الأوسط الحر
الشخصية الكردية الحرة هوية الشرق الأوسط الحر
أكادمية عبدالله أوجلان للعلوم السياسية
منذ خمسة عشرة ألف سنة تقوم بدور الأم وتخلق كل شيء للإنسانیة، ومن ثم تقع في وضع عبد لا حول لھ ولا قوة..! وتكون الوطن الذي خلقت فیھ أولى الإلھات، وتخلق كل ما یلزم الإنسانیة ثم یتم رمیك في زاویة كقطعة قماشمستعملة..! تخلق جمیع الآلھة والعظماء، ثم تصبح عبدا لًا حول ولا قوة لك تجاه ھذه الآلھة..! وتخلق جمیع المھن التي تشبع العالم، وتبقى جائعا فًیما بعد..! وتبني البیوت في كل مكان، وتبقى بدون مأوى فیما بعد..! تكون شمعة تنیر درب الجمیع، ولا تنجو من الظلمة فیما بعد..! تكون صوتا مًن أجل كل الناس وتؤلف الشعر والموسیقى، ثم تصبح صم بكم..! تخلق العلم والتقنیة والاحترام من أجل الجمیع وتبقى جاھلاً فیما بعد..! تبنى القصور والخانات للجمیع وتحتاج إلى شبر من الأرضفیما بعد..! فحضارة الشرق الأوسط ھي اسم لھذا التناقض المأساوي والكبیر، ویكمن سر احتراق الحب وتحویلھ إلى رماد في ھذه التناقضات. تنمو على ھذه القیم ومن ثم تتحول إلى قزم..! لا یمكن تطھیر ذلك إلا بالاحتراق. تخلق لقاء الإلھ الآلھة لأول مرة ومن ثم تصبح أحط رجل وامرأةً بموقع المتسولین، ولا یمكن أن یطھر ذلك إلا الاحتراق.
الشرق الأوسط ھو دیار الأمل، حیث لم یبقَ في حوزتھ سواه. ففي الوقت الذي یكون التراث ساحقا وًعدیم الرحمة یغدو الأمل كشجرة سندیان تنتظر التبرعم والاخضرار، وھكذا ظلت الحیاة أملاً كبیرا،ً فعدم انسلاخھ عن التراث نابع من قوتھ، لكن عدم تحدید نفسھ یزید من تفسخھ. ففي الوقت الذي تحدد جمیع مناطق العالم مسار تطورھا فإن محافظة الشرق الأوسط على خصائصھ وأصالتھ یعود إلى التأثیر العمیق لماضیھ الحضاري، وھذا الوضع ناتج عن عدم التجسید الناجح للتطورات المعاصرة، حیث تدخل آثار الحضارة القدیمة التي لا تزال .« موجودة في صراع مع الحضارة الحدیثة أو بمعنى آخر تظھر ضرورة التركیبة الجدیدة
عبدلله اوجلان
حیت وأبُِدعت أولى قیم تطور المجتمع الإنساني في منطقة الشرق الأوسط. وبالرغم من أنھم لم ینعتوا ھذه المنطقة عمدا بًصفتھا المسؤولة عن ولادة العائلة الإنسانیة الأولى والحیاة الاجتماعیة، إلا الجمیع یعلم بخاصیة الشرق الأوسط ھذه، حیث كان أول تكوین للحیاة الاجتماعیة ھنا. وشُیدَّت أول قریة ومسكن ھنا. واكتشفت الزراعة على ھذه الأرض المعطاءة، كما كان أول اكتشاف لسقایة المحاصیل بالقنوات المائیة على ھذه الأرض. أما بدایة انطلاق الفكر الإنساني المنتظم فكانت من ھنا. وحتى أن الشكل الإنساني تم تحدید معالمھ من خلال الإیدیولوجیات المكتشفة على ھذه الأرض. وكذلك أسُِسَت أولى المدن والدول. وقدمت فیھا الأدیان متعددة الآلھة خدماتھا الجلیلة للإنسانیة. الكثیر والكثیر من الرموز والخدمات التي لیس بمقدورنا الآن ذكرھا كلھا من إیجاد الكتابة الأولى، الریاضیات، التقویم، علم الفلك، الفن والمھن والصناعات، وأیضاً الأماكن المقدسة كلھا من آثار أجدادنا الذین عاشوا على تراب ھذه المنطقة.
منذ ما یقارب ١٢٠٠ عاما وًتاریخ ھذه الجغرافیا تمنح الشجاعة والقوة والأمان لأبنائھا. حتى باتت تلك الثقة عائقا كًبیراً وسدا مًنیعا أًمام وصول الكثیر من المستغلین والمستعمرین لمآربھم. لم یُھزم الشرق في العھود السابقة بسھولة لانھ كان حاملا لقوة مادیة ومعنویة ناتجة عن معرفة ووعي آلافالسنیین، بل كانت الھزیمة دائما مًن نصیب الحكام المغولیین والرومان والصلیبیین، أما الحكام الأتراك فأنھم أجُبِروا على الاستسلام.
الكثیر من العلوم الإنسانیة اتخذت التاریخ الإنساني النامي على مرّ تاریخ منطقة الشرق الأوسط أساسا لًھا، حیث كانت المجتمعات الشرق الأوسطیة دائماً مصدرا تاریخیاً بالنسبة للمجتمعات الأخرى. وبمقدورنا القول بلغة العلم الحالیة بأن مجتمعات الشرق أوسطیة ھي جذور للمجتمعات الأخرى. استمر ھذا الجذر بلعب دور الطلیعة والقدوة إلى أن خلقت فیھا النھضة الأوربیة ذاتھا. بدأت المرحلة الجدیدة ھذه تقریباً في القرن الثالث عشر. وھكذا تحول الشرق الأوسط یوما بًعد یوم خلال القرون السبعة الأخیرة إلى صمٌ بكمٌ عميٌ لم یستطع التعبیر فیھا عن ذاتھ، وما المرحلة التي نحیاھا في راھننا إلا امتدادا لًتلك المرحلة. فأما أن ینھض الشرق الأوسط أو أنھ سیبقى في سباتھ العمیق، لأن النیران طوقت وحاصرت كل الأماكن والشرق الأوسط الآن یتأرجح بین الدخان والنیران. النوم في مثل ھذه الظروف یعني الموت بعینھ. مع العلم بأنھ في الشرق یعاش الموت یومیاً.
ھناك الكثیر من الأسئلة والاستفسارات التي ینبغي علینا طرحھا لإدراك وفھم ما یحیاه الشرق الآن من قبیل؛ رغم كل ھذه الفترة الزمنیة الطویلة، لماذا لم تستیقظ ام الحضارات؟ ولماذا لم یوقظ أبناء تلك الأم التي لا تقبل الموت لذاتھا من سباتھا العمیق؟ للرد على ھذه الأسئلة وما شابھھا من استفسارات یتطلب منا التركیز على الخطوط العریضة للمنبع التاریخي لمشاكل الشرق الأوسط، والأجوبة التي یجب علینا أن نعطیھا ینبغي أن نبدعھا من جدید ولكن من میراث منطقة الشرق الأوسط العریق بالذات والغارق بالقِدم.
أراد المتدینون والقومیون والیساریون وحتى الشیوعیین ومعظم الشرائح الأخرى في القرن العشرین أن یصلوا عن طریق التنظیمات المختلفة لوضع حل للمشاكل التي تعیشھا المجتمعات الشرق الأوسطیة. إلا أن وضعیة الحل تلك عقدت المشاكل وأوصلتھا إلى مرحلة الأزمات ولم تفسح المجال لظھور فرصة وطریق آخر للحل. ولعدم قدرة الدولة على إیجاد الحلول للمشاكل المجتمعیة الداخلیة من جھة وزیادة تأزمھا من جھة أخرى، فسحت الطریق للمداخلات الخارجیة. فحالة اللاحل والسبات الفظ الذي نعیشھا لا یمكن القبول بھا البتة. إذا وًالحال ھذه ینبغي علینا البدء بمحاكمة ومحاسبة ذاتنا من دون أي خوف أو خجل أو ملل أو تردد، ھذه المحاسبة ینبغي أن تجرى بكل علمیة وشفافیة بالاستناد على قیمنا الجوھریة طبعاً. فنحن مجبرون على إعادة النظر لذاتنا بأعیننا ولیس بأعین الغیر ونظاراتھم، وأن نفكر بعقولنا ولیس بعقول الغیر، وأن ندرك بكل وعي المكان الذي فقدنا فیھ ماضینا. مع العلم أننا أصحاب تجربة سابقة، ولدینا میراثنا الذي بمقدورنا استمداد القوة منھ ألا وھو میراثنا التاریخي ومیراثنا الحاضر، لكن بنفس الوقت ینبغي علینا إدراك كیفیة الاستفادة منھ للخروج منتصرین ولائقین بمنطقتنا.
بمقدورنا التحضیر لقائمة طویلة تحتوي على التجارب السابقة. ففي ھذا الشأن تعتبر مجتمعات الشرق الأوسط من أغنى المجتمعات التي تعیشھا الإنسانیة. المھم ھنا، من سیكون قدوتنا في ھذه الأثناء؟ بھذا الصدد یمكننا القول وبكل سھولة بأن أھم تجربة وخبرة ھي تجربة قائد الشعب الكردي عبد لله أوجلان والنضال الذي یسیرّه حزب العمال الكردستاني.
حزب العمال الكردستاني ھو الحركة التي ستعید للشرق مجدھا العریق وعلوھا السامي الذي أصبح الجوھر والمثال لكل الثقافات والحضارات من بعده. إن عداء الدولة التركیة للشعب الكردي والعمال الكردستاني تأتي من أنھا ترى ذاتھا كدولة مستقلة ولھا خصوصیتھا في الثقافة الشرق أوسطیة، كما ھي بنفس الوقت دولة مرممة من دول الشرق الأوسط. فالكرد یعٌتبرون الممثلین الحقیقیین لثقافة الشرق الأوسط. أما حزب العمال الكردستاني فدوره الرئیسي ھو إحیاء تلك الثقافة. لذا سیكون من الطبیعي رؤیة ھذا المیراث في ھذا التنظیم، وما حقیقة المؤامرة الدولیة التي تم تسییرھا على القائد عبد لله أوجلان وحالة العزلة والتجرید المفروضة علیھ، وكذلك إعلان حزب العمال الكردستاني كتنظیم إرھابي، إلا تعبیراً عن حالة الھلع والخوف من تمثیل حزب العمال الكردستاني لتلك الحقیقة. ومَنْ لم یتعرف بعد على القائد عبد لله أوجلان وھذا التنظیم، علیھ أن یتلھف للتعرف على ذاك الصوت الذي یوقظ الشرق من السبات العمیق، ولتحقیق ھذا الطموح علینا أن نقرأ وبتمعن مرافعات القائد عبد لله أوجلان وكذلك التعمق بھا.
بدایات ظھور حزب العمال الكردستاني كحركة كان في شمال كردستان وتركیا، وكما ھو معلوم أن كردستان قسمت في مؤتمر قصر شیرین إلى جزأین جزء یقع تحت السیطرة العثمانیة والجزء الآخر یقع تحت سیطرة الصفویون وفي مؤتمر لوزان تم تجزئة كردستان إلى أربعة أجزاء وبالتالي كان الجزء الأكبر من نصیب الأتراك. سَیرَّت الدول المحتلة لكردستان كافة أنواع المظالم والتعسف والإمحاء بحق الشعب الكردي، حیث ارتكب الأتراك المجازر سابقا ومازالوا مستمرین فیھا، أما ما اقترفھ نظام صدام فمعلوم للجمیع، وإیران مستمرة بسیاسة الصھر وحتى أنھا لا تكتفي بذلك فقط، بل تسیر سیاسة الإفناء الجسدي أیضاً وخاصة حالات الإعدام التي یتم الإعلان عنھا بشكل شبھ یومي. أما سوریا اتبعت سیاسة تعریب الكرد، وعدم منحھم الجنسیة وإبقاء مئات الآلاف مجردین من الجنسیة وتعریب المناطق الكردیة وتوطین العرب في مناطقھم.
وللحفاظ على حالة التوازنات القائمة في القرن العشرین، أعطت الدول الامبریالیة كل دولة في الشرق الأوسط ومجتمع مھمة ووظیفة خاصة بھا، وأُنشئت من أجل ذلك المنظمات والمؤسسات ضمن تلك المجتمعات لیحققوا الوظائف المطلوبة منھم. وعملت على تكوین أنظمة ملكیة تابعة لھا، لتبقي النفط العربي بیدھا، أما ایران ولكي تبقیھا تحت سیطرتھا أعلنتھا بأنھا من الدول المارقة. وأیدت كافة الانقلابات العسكریة التي حدثت في تركیا باعتبارھا أي تركیا من الدول المناھضة للشیوعیة. أما الكرد أبقوھم في وضعیة المتأھب الدائم وورقة ضغط ورأس حربة ولم یتم الاعتراف بھویتھم الوطنیة. حیث بقي الكرد وعلى مدار القرن العشرین معرضین للأحداث الأكثر تراجیدیة، حیث أرتكب كل من العراق وتركیا أبشع المجازر الجماعیة بحق الكرد ولمرات عدة. وما زالت ممارسات التطھیر العرقي والثقافي وسیاسات الصھر والإنكار والإمحاء مستمرة إلى یومنا ھذا على قدم وساق من قِبل الدولة التركیة. وكافة ھذه التقربات والنتائج الوخیمة بقدر ما كانت للظروف الداخلیة أسبابھا، إلا أن للتأثیرات الخارجیة أیضا دورا كًبیرا لا بد لنا من التوقف عنده والتمحیصفیھ. حیث أن الانقلابات العسكریة الثلاثة التي عاشتھا تركیا تمت بعد أن وافقت علیھا وخططت لھا الولایات المتحدة الأمریكیة، وفي العراق تم إثبات أن ما فعلھ صدام حسین بحق الكرد كان بمساعدة من الدول الخارجیة. بالمختصر المفید، على الجمیع التیقن بأن ما تم معایشتھ من الناحیة الاجتماعیة والسیاسیة في الشرق الأوسط خلال القرن العشرین، كان لكل من الولایات المتحدة وبریطانیا وروسیا دورھم الرئیس الذي لا یمكننا التغافل عنھ أو التصغیر من شأنھ.
وھذا ما یتمیز بھ حزب العمال الكردستاني. إذ أنھ انبثق من صميم الشعب الكردي واتخذ الاستقلال الفكري والسياسي أساساً لھ، ولم یجعل نفسھ آلة بید الدول الغربیة التي أرادت استخدامھ لمصالحھا، وحینما خطَّ العمال الكردستاني نھجھ السیاسي والنضالي عمل على أن یكون شرق أوسطي غیر تابع للقوى الخارجیة، وھذا ھو سر النجاح الذي حققھ حزب العمال الكردستاني وعلى الجمیع أن یفھم العمال الكردستاني حسب جوھره الحقیقي المتكون علیھ.
كان المفھوم الیساري والاشتراكي الذي تبناه حزب العمال الكردستاني مغایرا لًلمفھوم الیساري لكل من الحركات والتنظیمات المدعیة للیساریة والاشتراكیة والدیمقراطیة في الشرق الأوسط، سواء من الیسار الكردي أو التركي أو الفارسي أو العربي. إذ أن الأیدلوجیة الاشتراكیة لدى حزب العمال الكردستاني لم تبقَ منحصرة في مانیفستو الأحزاب الشیوعیة الحاكمة. لأن اشتراكیة حزب العمال الكردستاني بُنیِتْ على أساس فكر علم الاجتماع وخلق الإنسان الجدید. فمثلا لم یعادي حزب العمال الكردستاني الدین كما عملت الأحزاب الیساریة. ولم تقتصر مواقفھ على ھذا فقط، بل اتخذ كل القیم المادیة والمعنویة في الشرق أساساً لھ. المواقف العلمیة التي أبداھا حزب العمال الكردستاني وقائد الشعب الكردي عبد لله أوجلان في الفترات السابقة اتجاه المشاكل، اعتبرت الأساس لحل مشاكل الإنسانیة التي مررنا بھا. كما ھو معلوم، بأنھ لم یظھر إلى الآن من یقیم الجذور التاریخیة والاجتماعیة للشرق الأوسط ولم ینظروا إلیھا كمنطقة قدوة لحل المشاكل الإنسانیة. بل على العكسمن ذلك حیث تم النظر إلیھا على أنھا منطقة حاملة للمرضوعلیھم مداواتھا بأسلوب التدخل الخارجي وإبقائھا تحت تأثیرھم وسیطرتھم. أما وجھة نظر حزب العمال الكردستاني، فإن مستوى المشاكل في الشرق الأوسط أكبر بكثیر من التي یتم تنظیرھا من الخارج. وبالرغم من ذلك فإن الشرق الأوسط سیحل مشاكلھ من جھة وسیصبح طلیعة وقدوة لحل كافة مشاكل الإنسانیة وذلك اعتمادا عًلى تجربتھ التاریخیة وجذوره الدینامیكیة. المھم أن تقوم ھذه الحركات الدینامیكیة بالمھام الملقاة على عاتقھا من أجل النھضة في الشرق الأوسط.
سیقوم حزب العمال الكردستاني بالدور التاریخي المنوط بھ في ریادة المجتمع وبكل ثقة، وذلك بالاعتماد على المثقفین والفنانین في الشرق الأوسط. كما أنھ على الحركات السیاسیة والشخصیات التي تعمل بالسیاسة أن تدرك بأنھ یجب العمل على أساس الجوھر التاریخي لھذه المنطقة وإن لم یكن بمقدورھا احتضان ھذا الجوھر فإنھ لن یكون بمقدورھا القیام بشيء. والأمر المھم ھنا ھو على الشخصیات التي ستكون طلیعیة وقدوة لتحقیق النھضة في الشرق الأوسط سواء من الشخصیات العلمیة أو أُناس یعملون في الفن، أن تكون شرق أوسطیة حتماً. لأنھ إلى الآن الشخصیات التي تعمل في مجال العلم والفن في الشرق الأوسط لم تتجاوز قوالب وأنماط وآراء المستشرقین من الناحیة (الأیدلوجیة والفلسفیة والثقافیة وووالخ). فإن لم یتم تحلیل البنیة الاجتماعیة في الشرق الأوسط علمیا وًلم تطور الأنماط العلمیة، عندھا لن یكون موقفھا إلا فظاً وجامداً. مع العلم أنھ حسب حقیقتھا الاجتماعیة والتاریخیة یجب أن تتطور طرق البحث بشكل علمي. ومع اتخاذ ھذا النمط أساساً لنا، حینھا سیتحقق معھا النھضة الشرق أوسطیة. المھمة الملقاة على عاتق الشخصیات الفنیة والعلمیة الطلیعة لتحقیق النھضة الشرق أوسطیة، ھي تحلیل المفردات والرموز التي تحتوي في مضمونھا غنانا الثقافي وجذورنا التاریخیة. وإذ أردنا معرفة الفارق بین حزب العمال الكردستاني والقوى الشرق أوسطیة الأخرى، فإننا سنرى مدى تقربھ من الغنى المتواجد في المنطقة سواء من الأدیان المختلفة والمذاھب والھویات الثقافیة الأخرى. البارز في منطقتنا بأنھ لا یتقرب أحد بشكل جدي من ھذا الغنى التاریخي، إذ ینبغي النظر لتلك الھویات على أنھا غنى تاریخي، ولكن بعین الوقت ھذا لا یعني أن یُقْبل بوضع ھذه الأدیان والھویات كما ھي علیھ الآن، أي من دون أي تحدیث أو تغییر یذكر فیھا. أما التغییر الواجب إحداثھ یجب أن لا یكون بالعنف والصراعات العنیفة بل بالحوار. المواقف التي اتخذھا قائد الشعب الكردي عبد لله أوجلان تحولت لنھج إیدیولوجي وسیاسي في حزب العمال الكردستاني، بالتالي تحول في مواقفھ تلك إلى قائد شرق أوسطي. وإن أراد العلماء في الشرق الأوسط أن یضعوا حلولاً للمشاكل الاجتماعیة التي تعانیھا المنطقة علیھم أولاً تحلیل شخصیة القائد عبد لله أوج ألان.
النقطة الھامة التي تمیز حزب العمال الكردستاني عن سائر الحركات الأخرى في الشرق الأوسط والعالم بأكملھ ھو في نمط نضالھ وتقربھ من المرأة. إذ أنھ لم یقبل بالآراء والمفاھیم العبودیة النابعة من النظم الإقطاعیة التي تنكر وجود وحقوق المرأة. وفوق ذلك تعیش المرأة في الدول العربیة والدول الأخرى حالة تراجیدیة لا یمكن القبول بھا. وبكل أسف فما زال ینظر الى الزواج من أربعة نساء بالشيء المقبول والاعتیادي. والمرأة تواجھ مشاكل جدیة من ناحیة إثبات ذاتھا. الكثیر من الدول لم تمنح المرأة حق الترشیح والتصویت. وما زال المفھوم الذكوري الناظر للمرأة على انھا سلعة جنسیة ھو الدارج في یومنا. وما یتم تطویره الان في المنطقة وبإیعاز من القوى الغربیة ھو نشر الثقافة الغربیة في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك نرى حالة التقلید الغربي باتت منتشرة في كل مكان وكأنھا أصبحت موضة العصر،وبالرغم من الاختلافات الجمة من ناحیة الثقافة نرى بأن الرجل والمرأة الشرقیین یحاولون تقلید الغرب وھذا ما یخلق معھ مشاكل أخرى تضاف إلى المشاكل العالقة بالأصل.
قبل كل شيء ینظر حزب العمال الكردستاني إلى المرأة على أنھا الأم المقدسة. وأثبتت الأبحاث التاریخیة والأثریة بأن المرأة ھي من أھم الشرائح الاجتماعیة التي قامت بتطویر الحیاة المجتمعیة. حیث بدأت الحیاة الاجتماعیة أولاً بعلاقة الأم بأبنائھا ورعایتھا لھم. رغم أن قضیة المرأة في الشرق الأوسط ھي من أھم القضایا العالقة إلا أنھ لا یتم النقاش علیھا أیضاً. لو دققنا في مشروع الشرق الأوسط الكبیر سنلاحظ بأن المرأة ھي اللبنة الأساسیة فیھ. فھو یھدف إلى تعبید المرأة على الطراز الغربي.
منذ أواسط السبعینیات یتحدث قائد الشعب الكردي عن أھمیة ودور قضیة المرأة، كما أنھ قام بتحلیل المرأة منذ التسعینات بشكل نظامي وباستمرار من جانبھا الاجتماعي – النفسي. لذا تعتبر الیوم إیدیولوجیة حزب العمال الكردستاني ھي بنفس الوقت إیدیولوجیة تحریر المرأة بحد ذاتھا. كما أن النساء المتواجدات ضمن حزب العمال الكردستاني لھنَّ حزبھنَّ الخاص بھنَّ وجناحھنَّ العسكري وتنظیماتھنَّ السیاسیة الخاصة بھنَّ. فبدلاً من أن یطالب حزب
العمال الكردستاني بحقوق المرأة، فإنھ یعمل على تنظیمھنَّ وتقویتھنَّ لتطالبنًّ ھنَّ بحقوقھنَّ. إن حزب العمال الكردستاني على ثقة تامة بأن كافة المشاكل والقضایا العالقة في الشرق الأوسط ستحُل بالتجائنا لنظام الامة الدیمقراطیة. ویكمن أھمیة ھذا النظام كونھ نظام مجتمعي خارج الدولة من ھذا الجانب. قدم حزب العمال الكردستاني للإنسانیة نظاماً سیحقق آمال وأشواق الحركات المجتمعیة التي مارست النضال التحرري بشكل فعال كما ھدفت، ولكنھا لم تستطع الوصول إلى النجاح النھائي المؤكد. وبینَّ طریق الحل للقضایا الاجتماعیة التي تعیشھا الإنسانیة التي تسببت الحضارة المركزیة الدولتیة في نشوئھا. لا مفر لوجود القضایا الاجتماعیة في كل مكان، طالما أن النظام الدولتي ھو حقیقة قائمة في یومنا الراھن. لأجل ذلك تعد الحریة، الدیمقراطیة، العدالة والتحرر من الأمور الضروریة والحیاتیة في كل مكان. وھو بدوره یجعل النظام الامة الدیمقراطیة الذي یعني الخروج من نطاق النظام المسبب للقضایا حاجة كونیة لحل جمیع القضایا الاجتماعیة. حیث یستطیع الجمیع أن یعبر عن ذاتھ بكل حریة ضمن ھذا النظام، مما یفتح الطریق أمام الانضمام الفعال للحیاة من قبل الجمیع. فالتطورات التي حققھ حزب العمال الكردستاني خلال مسیرتھ الغظیمة وعلى وجھ الخصوص خلال السنوات الأخیرة وعلى وجھ الخصوص المكاسب والمقاومة الذي ابداه في ثورة روج افا وشنكال، اثبت للعالم اجمع ان نظام الامة الدیمقراطیة المستند الى الحریة والعدالة واخوة الشعوب ھو نظام الحل للقضایا وتعایش الشعوب والثقافات مع بعضھا. وانھ سیعد للشرق الأوسط مكانتھ التاریخة مھد الحضارة والإنسانیة. فحزب العمال الكردستاني ھو نموذج جدید لمجتمع أخلاقي جدید لأنھ یؤمن بما یقول، وما یثق بھ یقولھ ویطبقھ.
لیس بمقدورنا ھنا قول كل ما یتم معایشتھضمن حزب العمال الكردستاني من قیم لخلق الإنسان الجدید في عدة أسطر. ولكن إن كانت لدینا الثقة نحن الشرق أوسطیین بتاریخنا، عندھا علینا أن نعلم بأن كل شخصمنا ھو جزء من البطولات الكثیرة التي عشناھا تاریخیاً. الشخصیة التي خلقھا وأبدعھا حزب العمال الكردستاني في كوادره والمستوى الشخصي الذي تم الوصول إلیھ، تعتبر مثالاً یحتذى بھ من الشخصیة الحرة والدیمقراطیة. لذا ما تم خلقھ من قیم وخصائصشخصیة ھنا، تعتبر بنفسالوقت قدوة لیست للكرد فقط بل للشرق الأوسط بأكملھ. لأن الشخصیة الكردیة الحرة ھي ھویة الشرق الأوسط الحر.