المبادرة
المبادرة
إن المبادرة بالمعنى الثوري تعني القدرة والكفاءة الشخصيتين للتدخل في الأحداث والتطورات بصورة فردية وفقاً للأهداف والقرارات المشتركة. وموضوع المبادرة موضوع يجب على المناضل أن يمثله ويطبعه بشكل لا يقل إتقاناً ونجاحاً عن تمثيل وتطبيق موضوع الجماعية، ذلك أن قدرة المناضل على استخدام مبادرته عند الحاجة تساوي من حيث الأهمية مدى التزامه بمبادئ العمل الجماعي.
تشير المبادرة إلى القدرة على التدخل الشخصي في التطورات والأحداث. غير أن هناك فرقاً بين مبادرة وأخرى، فهناك مبادرة مفيدة تساهم في دفع التطورات إلى الأمام وأخرى، وبالمقابل، لا تجدي شيئاً بل وتسد الطريق أمام التطورات وبالتالي تكون ضارة. من المؤكد أن المبادرة المطلوب توفرها لدى المناضل هي المبادرة الايجابية المفيدة، أن المبادرة الثورية تنطوي على تدخل شخص لا يؤثر سلباً على الطاقة الجماعية وعلى وحدة التنظيم ويكون منسجماً مع مبادئ التنظيم وقراراته في الأحداث بأنسب الأشكال وأفضلها. وبهذا المعنى نستطيع أن نقول أن المبادرة لا تكتسب معنى ايجابياً إلا إذا كانت منسجمة مع الإرادة الجماعية للتنظيم ولا تكون عملية مفيدة إلا إذا توفر لهذا الشرط. تركز المبادرة على هدف استكمال الجماعة وتجسيدها في الواقع الملموس. وعنصرا الجماعية والمبادرة مترابطان ارتباطاً وثيقاً ويكملان أحدهما الآخر. على المناضل الذي يمتلك روحاً جماعية أن يكون قادراً في الوقت نفسه على المبادرة، كما يجب على المناضل ذي القدرة المتطورة على المبادرة أن يبقى ملتزماً بمبدأ الجماعية. إن انقطاع هذه الصلة الحية بين الجماعية والمبادرة تؤدي إلى جر الفرد إما إلى المفاهيم »اليمينية « أو »اليسارية « فالجماعة التي لا تنطوي على المبادرة تولد المفاهيم »اليمينية « وتؤدي إلى ظهور أشخاص كسالى إلى أبعد الحدود عاجزين عن اختيار طريقتهم، مسحوقين تحت تطورات الأحداث، ومقابل ذلك، تؤدي المبادرة التي لا تنطوي في أعماقها على الروح الجماعية إلى إنجاب المفاهيم »اليسارية « فتبرز أفراداً لا يعترفون بأية سلطة، وتمهد الطريق لظهور الفردية والفوضوية في النهاية، مما يعني أنه من الضروري فهم العلاقة القائمة بين المبادرة والجماعية فهماً عميقاً وإبداء كل منهما في اللحظة المناسبة لضمان عدم الوقوع في مثل هذه المفاهيم المتطرفة.
يعيش مجتمعنا وضعاً سلبياً عميقاً فيما يتعلق بالمبادرة شأنه شأن وضعه بالنسبة لموضوع الجماعية. فقد جرى تحويل المجتمع إلى ما يشبه كائن دون مبادرة على الإطلاق. عدم قيام الأفراد بخلق وحدة قرار وإرادة تخدم مصالحهم بالذات أدى في الوقت نفسه إلى استحالة تطوير أية مبادرة منسجمة مع المصالح المشتركة. فالناس إما أن يتبنوا مبادرة العدو الاستعماري أو مبادرة رؤساء العشائر والإقطاعيين الكومبرادوريين الذين هم عملاء الاستعمار نفسه. أما أن يطوروا مبادرتهم الخاصة فليس موضوعاً للبحث. لقد استطاع الاستعمار أن يوجه شعبنا توجيهاً يخدم مصالحه إلى حدود لا تكاد تصدق. والغريب في الأمر أن هذا الوضع يبدأ وكأنه مقبول من قبل الشعب. إن دل هذا على شيء فإنه يدل على مدى شل طاقة الشعب وإبراز مبادرته الخاصة بما ينسجم مع مصالحه الجماعية والخاصة. من المؤكد أن هذا الوضع السلبي للمجتمع في موضوع المبادرة ينعكس أيضاً على التنظيم. فالكوادر لم يروا إلا مبادرات المستعمرين والآغوات الإقطاعيين ورؤساء العشائر من جهة وشعباً خاضعاً ومسحوقاً تحت وطأة الظلم والاضطهاد وغارقاً في بحر لا حدود له من انعدام المبادرة. وقد أنعكس هذا الوضع في داخل التنظيم على شكل أتباع سياسة البكوات والآغوات التي تنظر إلى الآخرين نظرتها إلى القطيع باسم المبادرة. من الواضح أن هذه السياسة لا علاقة لها بالمبادرة من قريب أو بعيد. فكلا الاتجاهين على خطأ ولا يمكن القبول بهما في التنظيم.
إن الحالة السلبية الواضحة تماما والتي يعاني منها المجتمع والكوادر الذين خرجوا من أحشائه بشأن المبادرة والتحلي بروحها يبرز بشكل صارخ مدى أهمية تطوير روح المبادرة الثورية. لا بد للمناضلين من أن يولوا الاهتمام الضروري لمسألة المبادرة حتى يكونوا قادرين على التدخل الفعلي والواقعي في سير التطورات والأحداث بما يخدم مصالح الشعب. يجب على المناضلين أن يجسدوا المبادرة الثورية في شخصياتهم بأبهى وأقوى صورها. لا بد من امتلاك القدرة على استخدام طاقة التدخل القوية في الأحداث ومقيدي الأرجل إزاء الأحداث، وهذا الموضوع يكتسب أهمية أكبر في هذه الفترة التي تجري فيها عملية إعادة بناء هيئة الكوادر بصورة خاصة، لذا لا بد للمناضل من أن يستوعب موضوع المبادرة بعمق وبشكل صحيح حتى يحولها إلى واحدة من سماته الأكثر أساسية.
يستحيل الفصل بين الجماعية والمبادرة كما أوضحنا من البداية. فلا الجماعية تقيد المبادرة ولا الأخيرة تلغي الجماعية. إن هاتين الصفتين تكملان إحداهما الأخرى ولا تكتسبان أي معنى إلا متحدين. من الواضح أن المهم في الحياة هو تطبيق القرارات بعد التوصل إلى حل المشاكل واتخاذ القرارات الجماعية. وفي هذه النقطة بالذات لا بد لمبادرات المناضلين من أن تدخل في المعترك من أجل أن تكتسب القرارات التي اتخذت في ظل وحدة الإرادة المشتركة في الحزب معناها ومغزاها الأصليين.
ذلك أن المهم بعد اتخاذ القرارات هو الأسلوب الذي سيتبعه المناضلون في تطبيقها على الحياة، بمعنى أن المبادرة هي الطاقة الإبداعية المصممة التي يبذلها المناضلين في ميدان تطبيق القرار، على المناضل أن يجمع بين هاتين الصفتين بشكل جيد، كما يجب عليه أن يدرك متى وأين تبرز الجماعية على السطح. ومتى وأين يجب تطوير المبادرة.
غير أنه من الممكن ملاحظة مجموعة من النواقص الجدية في هذا المجال. فأحياناً يجري التخلي عن »الجماعية « باسم ضرورة التمسك بالمبادرة. لا شك أن هذا ليس إلا صدى للمرض الذي يعاني منه المجتمع لدى المناضلين. غير أن أحداَ لا يستطيع أن يدافع عن استمرار مثل هذا المرض بحجة أنه موجود في المجتمع، ولا يمكن القبول بهذه المنعكسات السلبية فيما يتعلق بالجماعة والمبادرة. لا بد من التخلص من هذه الصفات الغريبة عن صفات الحزب الطليعي الذي يتبنى قضية شعب، كما لا بد من الوصول إلى مستوى العمل الجماعي والإفادة الكاملة من المبادرة الفردية بالارتباط مع العمل الجماعي، بعبارة أخرى نقول: على كل كادر ضنت التنظيم أو مرشح كادر أن يدرك بعمق مكانة وطريقة عمل كل من مبدأي الجماعية والمبادرة الفردية في سبيل تعزيز نضالنا الثوري وأن يطبقها في المكان والزمان المناسبين في مجال اتخاذ القرارات واحترامها وإبداء روح المبادرة العالية في تطبيقها.