ثورة 19 تموز استمرار ارادة مقاومة 14 تموز الثورية

ثورة 19 تموز استمرار ارادة مقاومة 14 تموز الثورية

حسين شاويش

عند الحديث عن مقاومة الرابع عشر من تموز التاريخية علينا أن نتطرق إلى مفهوم التاريخ في الفلسفة الآبوجية. كما هو معروف الفكر السائد أو المنطق العلموي في مسألة التقرب من التاريخ يستند إلى الجملة التالية «ما فات مات ،» ولكننا عندما نتطرق إليه وفق مفهوم الفلسفة الآبوجية نرى بأن التاريخ يعيش معنا في كل لحظة وكل دقيقة وكل ثانية، لأن ما فات لم يمت بل هو مستمر، ليس بالضرورة أن يستمر بنفس الأسلوب ونفس الطراز ونفس الطريقة، بل هناك تغيير وتبدل وتحول وتجديد. أي أن هناك استمرارية في عملية التطور، لأن كل التطورات والتغيرات والتبدلات تحوي في داخلها ترابطاً فيما بين المراحل والحلقات.

لذلك فالتاريخ هو عبارة عن مراحل أو حلقات أو سلسلة من الحلقات المترابطة ببعضها البعض على الرغم من وجود تمايز فيما بين هذه الحلقات وهذه المراحل. أي أن هناك ترابطاً على الرغم من وجود التجديد والتحول والتغير والتبدل. لذلك فإن الرابع عشر من تموز كمقاومة تاريخية في تاريخ كردستان وتاريخ الشرق الأوسط يعبر عن استمرارية المقاومة من الرابع عشر من تموز عام 1982 إلى يومنا الراهن.

يمكن اعتبار الرابع عشر من تموز خميرة المقاومة والحرية، فكل شيء موجود يستند أو يستمد قوته من الخميرة أو اللبنة الأساسية التي ساهمت في وجوده. فهي تعني الجوهر والنواة، لذلك إذا اعتبرنا الرابع عشر من تموز لبنة المقاومة والحرية، فإن هذا الجوهر وهذا المحتوى يعيش معنا الآن ويستمر كجوهر وكمحتوى في ثورة روج آفا وفي مقاومة المجتمع الكردستاني في الأجزاء الأربعة وفي مقاومة القوى الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة الجبهة الفاشية المتمثلة بالأردوغانية والداعشية. الرابع عشر من تموز هو الامتحان الأكبر لحركة الحرية، لحركة حزب العمال الكردستاني، لأن الدولة التركية عندما اختارت سجن آمد اختارته لكسر إرادة الحركة وتصفيتها تماماً وخصوصاً بعد انقلاب الثاني عشر من أيلول. كان الهدف في تلك المرحلة فرض الاستسلام على الثوريين، وفرض الاستسلام على حركة الحرية في سجن آمد، كان ذلك بمثابة امتحان لحركة الحرية، إلا أن حركة الحرية خرجت من هذا الامتحان منتصرة وانهزمت الدولة التركية في هذا الامتحان. انتصرت إرادة شعبنا بقيادة نواتها المناضلة المعتقلة في سجن آمد.

حاولت الدولة التركية فرض الاستسلام في مواجهة المقاومة، فشعار «المقاومة حياة والاستسلام موت » الذي أطلقه كاوى العصر مظلوم دوغان يعبر عن «بما أن العدو يسعى إلى فرض الاستسلام والذي يعني الموت فإن المقاومة ضد هذه الممارسات تعني الحياة »، فالموضوع هنا لا يتعلق بوجود الإنسان واستمراريته من الناحية البيولوجية، إنما يرتبط ويتعلق باستمرارية المقاومة واستمرارية الروح الثورية بغض النظر عن وجود الإنسان من الناحية البيولوجية. لذلك أطلق الشهيد مظلوم دوغان هذا الشعار «المقاومة حياة والاستسلام موت ». الذين استسلموا للدولة الفاشية استمروا في حياتهم البيولوجية ولكنهم ماتوا في الحقيقة من الناحية المعنوية، والذين قاموا وتصدوا لممارسات الدولة التركية كالرفيق مظلوم دوغان وفرهاد كورتاي ونجمي وأشرف ايناق ومحمود زنكين ومحمد خيري دورموش وكمال بير وعلي جيجك وعاكف يلماز وساكينة جانزس وغيرهم من الشهداء هم الذين انتصرواواستمروا في الوجود على الرغم من مفارقتهم الحياة من الناحية البيولوجية.

إذاً المقاومة حياة، فهي تعني الاستمرار في الحياة من الناحية المعنوية ومن الناحية الأيديولوجية ومن الناحية الروحية وليس من الناحية البيولوجية، أما الاستسلام فهو موت، ويعني الاستمرار من الناحية البيولوجية مع فقدان الشخصية والثقافة واللغة والمبادئ والإنسانية.

خرج حزب العمال الكردستاني من هذا الامتحان منتصراً وأثبت للشعب الكردستاني أنه يستطيع قيادة هذا الشعب نحو الحرية، لذلك تعتبر مقاومة الرابع عشر من تموز استمرارا لمقاومة الحادي والعشرين من آذار التي أطلقها كاوى العصر مظلوم دوغان واستمراراً لمقاومة الثامن عشر من أيار التي أطلقها فرهاد قورتاي ورفاقه في عام 1982 . يعتبر الرابع عشر من تموز الماراتون في هذه المقاومة، والخروج من هذه المقاومة بانتصار تاريخي هو انتصار لإرادة الشعب الكردستاني ولإرادة الحرية والديمقراطية في كردستان والأناضول والشرق الأوسط. ونحن الآن نعيش أجواء الثورة في روج آفا ونحس ونشعر بشكل ملموس بأن الرابع عشر من تموز يحيا معنا في هذه الثورة وهذه المقاومة في روج آفا كخميرة لثورتنا. فالخميرة كما ذكرنا آنفا هي المحتوى وهي الجوهر، ولا يمكن لأي مادة أو لأي شيء أو لأي كائن أن يكون له شكل بدون مضمون وبدون محتوى، فالمضمون والمحتوى يعبران عن الخصوصية الجوهرية لأي شيء كان «مجتمع- فرد- أو أي شيء آخر ». لهذا نقول إن هذا التاريخ لم يمت بل هو يعيش معنا في كل دقيقة وكل ثانية في ثورتنا في روج آفا.

عندما تم البدء بمقاومة الرابع عشر من تموز قال الرفيق محمد خيري دورموش للقاضي في محاكمته « بدأنا بعملية الإضراب عن الطعام حتى الموت وسننتصر فيها ». إذا كانوا يدركون بأنهم سينتصرون وهم يقومون بهذا العمل ويبدون هذه المقاومة. فثقتهم بتحقيق النصر كانت موجودة منذ البداية، وسر انتصار مقاومة الرابع عشر من تموز يكمن في مقولة الرفيق محمد خيري دورموش التي قالها «حققنا النصر بستة رفاق فقط ». بدأوا المقاومة وهم واثقون ومؤمنون بتحقيق النصر. يقول القائد آبو ضمن هذا الإطار بأن الثقة والأمل بتحقيق النصر يحوز على أهمية أكبر من النصر بحد ذاته. ثقة الرفاق في السجن بتحقيق النصر كانت موجودة منذ البداية وانتصروا من خلال الاستناد إلى تلك الثقة، وهي بحد ذاتها تمثل الإرادة الثورية.

فالإرادة الثورية هي المعنويات وهي الثقة وهي الأمل وتمثل حركة حزب العمال الكردستاني بحد ذاتها. فالحركة الآبوجية حركة معنوية وحركة روحية تطورت من خلال الاستناد إلى الروح الرفاقية، ومثلتها السجون. على الرغم من استشهاد الرفاق الواحد تلو الآخر إلا أنهم كانوا على علم وإدراك بأنهم يكتبون التاريخ باستشهادهم. بالإضافة إلى أن ثقتهم وأملهم بتحقيق النصر لم يكن له أية حدود. لهذا السبب كان الرفيق كمال بير يقول «ما أجمل الحرية »، عندما بدأ الرفاق بهذه العملية قال الرفيق كمال بير تلك الجملة. فما هي الحرية؟

الحرية هي أن يبدي الإنسان المقاومة. أي أن المقاومة ضد الممارسات الهادفة إلى القضاء على الإنسان تعبر عن الحرية بحد ذاتها. استمرار الإنسان من الناحية البيولوجية لا يحوز على الكثير من الأهمية فالشيء المهم هو النصر والمقاومة. لقد كانوا يدركون بأنهم إن قاوموا حينها بإمكانهم تحقيق النصر لأن العدو كان يسعى إلى فرض الاستسلام عليهم، فبقاء شخص على قيد الحياة أو موته لا يعتبر شيئاً هاماً بالنسبة للعدو، لأن بقاء الشخص على قيد الحياة بعد استسلامه لا يشكل خطراً على العدو، إنما الشخص الذي يبدي المقاومة هو الذي يشكل خطراً جدياً بالنسبة للعدو حتى وإن استشهد نتيجة المقاومة التي يبديها، لأن المقاومة تعني الحياة فهو يبقى حياً بتلك المقاومة التي أبداها لأنها تتحول إلى معنويات تؤثر على من يسير على دربه. جميع مساعي وممارسات العدو تهدف إلى فرض الاستسلام، لذا فإن تم إفشال تلك المحاولات أو الممارسات الهادفة إلى فرض الاستسلام، وتقوية المقاومة وإيصالها إلى النصر حينها يتم إلحاق الهزيمة بالعدو. فالبقاء على قيد الحياة أو الموت من الناحية البيولوجية لا يشكل خطراً جدياً، ولا يعتبر موضوع نقاش. العدو يتقرب بهذا الشكل، والرفاق أيضاً يتقربون بهذا الشكل. قام العدو من أجل فرض أو تطبيق أو تسيير هذه السياسة بجلب شخصياته الفاشية التي قامت بارتكاب جميع أنواع الظلم والنهب في قبرص وخيرة ضباطه إلى سجن آمد لنيل النتيجة من سياساته وممارساته. يمكن القول بأن قلب كردستان في تلك المرحلة كان ينبض من سجن آمد.

وعندما انتصرت المقاومة التي أبديت في السجون ازدادت معها ثقة الشعب الكردستاني بالحركة الآبوجية فقد كانت الدولة التركية تريد توجيه رسالة إلى الشعب الكردي من خلال تلك الممارسات التي قامت بها في سجن آمد وهي «أيها الشعب الكردستاني ها قد استسلم هؤلاء الذين كنتم تثقون بهم، وتخلوا عن سياستهم وأيديولوجيتهم وفكرهم ،» إلا أنه بتلك المقاومة بقيت تلك الغصة في حلوقهم. فعندما خاطب أسعد اوكتاي مدير السجن الفاشي الرفيق كمال بير وقال له: «لا أريد السمكة الصغيرة إنما أريد السمكة الكبيرة » رد عليه الرفيق كمال وقال له: «السمكة الصغيرة يسهل ابتلاعها أما السمكة الكبيرة فلا يمكن للمرء ابتلاعها بسهولة » حينها أوصى الرفيق كمال بير بأن يتم التخلص من هذا المدعو أسعد اوكتاي، وعلى هذا الأساس تم القضاء عليه من قبل حركة الحرية. إذاً فالدولة التركية كانت تدرك وتعلم بأن قلب كردستان ينبض في آمد، وعندما يتوقف هذا القلب عن النبض ستفشل ثورة كردستان، وحينها لن يكون بمقدور أحد الانتفاض والتصدي للدولة التركية لأن الدولة التركية استطاعت في عام 1980 بإنشائها لحكومة فاشية في الثاني عشر من أيلول والتي تمثلت بكنان افرم وبمساعدة القوى الامبريالية تحطيم إرادة جميع الحركات، حيث تم اعتقال خمسين ألف شخص، وتم تحويل الملاعب إلى سجون لكثرة المعتقلين، وبدأ الجيش التركي بالدخول إلى كل قرية في كردستان وكأنه يقوم باستعمارها والسيطرة عليها من جديد. ولكن كيف تم إفشال كل هذه المساعي والممارسات؟ تم إفشال هذه الممارسات والمساعي بالإرادة الثورية التي تطورت في سجن آمد بطليعة مظلوم دوغان وفرهاد قورتاي ورفاقهما ومن ثم كل من الرفاق محمد خيري دورموش وكمال بير وعلي جيجك وعاكف يلماز وساكينة جانزيس وكل الرفاق الذين أبدوا مقاومات باسلة ضد تلك الممارسات. أي أنه بتلك المقاومة انتصرت إرادة شعب كردستان وانهزمت سياسات ومخططات نظام الثاني عشر من أيلول الفاشي.

الخميرة؛ فخميرة الحرية وخميرة المقاومة وخميرة ثورة كردستان مثلتها ثورة الرابع عشر من تموز. فلولا مقاومة الرابع عشر من تموز ولولا مقاومة الحادي والعشرين من آذار ولولا مقاومة الثامن عشر من أيار بطلعية الرفاق مظلوم وفرهاد والرفاق الآخرين الذين استشهدوا في تلك المقاومات لما كان بمقدورنا الوصول إلى الوضع الذي نعيشه أو نحياه في يومنا الراهن. لولا تلك المقاومة ربما لم تكن قفزة الخامس عشر من آب لتتحقق. فصدى صوتهم وصرختهم مزقت جدران السجون وانتشرت في سفوح جبال كرستان وساهمت في انطلاقة قفزة الخامس عشر من آب، وساهمت في توسع الثورة في الأجزاء الأربعة من كردستان، وأثرت على العالم أجمع. لهذا السبب قال الرفيق مظلوم دوغان «ينبغي أن يحطم صوتنا وصرختنا جدار السجن هذا ويصل إلى شعبنا » لأن هذه الصرخة وهذا النداء كان نداء المقاومة ونداء كسر جدار الخوف الذي كان موجودا،ً ونداء تصعيد المقاومة ضد الدولة التركية.

ففي السجن كانت هناك إرادتان تتصارعان؛ الأولى هي الإرادة الفاشية التي تسعى إلى القضاء على الكرد ومحو جغرافية كردستان من الخارطة وكسر إرادة شعب الأناضول وكردستان. والإرادة الثانية هي الإرادة الثورية التي تمثلت في بعض الأشخاص، فمن هم هؤلاء الأشخاص؟ هم الذين نسميهم ببذرة ونواة الثورة.

عندما أضرم الرفيق فرهاد كورتاي النار في جسده وقام الرفاق بعمليتهم في الثامن عشر من أيار حينها حاول بعض من حولهم إخماد تلك النيران التي تلتهم أجسادهم الطاهرة، ولكن الرفيق فرهاد قال من يحاول إطفاء هذه النار هو خائن، فعوضاً عن إخماد هذه النار عليكم تقويتها أكثر. لأنهم كانوا يدركون ما يقومون به، يدركون بأنهم يكتبون التاريخ، وبأنهم يحققون آمال شعبهم، وبأنهم ينيرون درب شعبهم بهذه النيران. لهذا السبب فإن الرابع عشر من تموز يعني الثقة والأمل والمعرفة. أي أن تمثيل أعلى مستوى للأيديولوجية الثورية الآبوجية والأكثر معرفة والأكثر إرادة وثقة وأملاً كان في سجن آمد من خلال مقاومة الحادي والعشرين من آذار والثامن عشر من أيار والرابع عشر من تموز.

بلا شك كانت هناك العديد من القوى الأخرى في سجن آمد في تلك الفترة، ولكن لم تقم أية قوة بتمثيل طليعية هذه المقاومة ، فالقوة الوحيدة التي استطاعت تمثيل الطليعة ورفع راية المقاومة وإفشال سياسة التعذيب والعبودية التي سعى العدو إلى فرضها في السجون هي الكوادر الطليعية للحركة من خلال الدفاع السياسي في المحاكم. فالقوى الأخرى لم تكن قادرة على القيام بعمل كهذا، إلا أنه وبعد أن قام الكوادر الطليعيون لحزب العمال الكردستاني بتصعيد المقاومة في السجون بدأت العديد من القوى الأخرى بإبداء المقاومة والانضمام إليها، حتى أن قسماً منهم نال مرتبة الشهادة، كنجم الدين بيوك كايا الذي اسشتهد بعد مرور عامين على مقاومة الرابع عشر من تموز العظيمة. هذا الشخص كان من حزب آخر ولكنه تأثر بتلك المقاومة التي أبديت وعلى هذا الأساس قام هذا الرفيق بإبداء المقاومة والتحق بقافلة الشهداء العظام. أي أن الحركة الآبوجية لعبت الدور الطليعي لجميع الحركات الأخرى التي كانت موجودة في السجون.

بانتصار هذه المقاومة في السجون توسعت لينضم إليها الشعب في الخارج أي خارج السجون، وتوسعت في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، حيث أنه في تلك الفترة تم عقد مؤتمر صحفي في لبنان حول مقاومة السجون وكان له صدى ضمن جميع وسائل الإعلام العالمية. أي أنه كما كان لقفزة الخامس عشر من آب صدى واسع ضمن الأوساط العالمية كذلك كان لمقاومة السجون وعلى وجه الخصوص مقاومة الرابع عشر من تموز صدى مماثل ضمن الأوساط العالمية. نعلم بأنه في ايرلندا أيضاً قام الثوار الايرلنديون بشيء مماثل من أجل فيساندوس ورفاقه، وكذلك قام الثوار الفيتناميون في سجن سايكون بإبداء مقاومة عظيمة، وكذلك أبدى الثوار الفلسطينيون مقاومة في سجن عسكلان الإسرائيلي، إلا أن الظروف والشروط والممارسات التي كان يتم فرضها في سجن آمد لم تكن تشبه الظروف والشروط والممارسات التي كان يتم فرضها في سجن سايكون ولا عسكلان ولا في سجن افين الإيراني ولا في غوانتنامو اليوم. حيث يمكن رؤية نفس تلك الظروف والشروط والممارسات فقط في سجن امرالي ولكن بشكل مختلف. فالسياسية التي اتبعتها الدولة التركية في سجن آمد لم تتبعها أمريكا في سجن سايكون ضد الفيتناميين ولا فرضها شاه إيران في سجن افين ولا انكلترا في سجن ايرلندا ولا اسرائيل في سجن عسكلان. تستخدم الدولة التركية كل الاحتياجات اليومية في السجن كوسيلة لفرض سياساتها وفرض التعذيب لنيل النتيجة،. لماذا؟ لأن الدولة التركية لم تكن تصل إلى النتيجة التي تريدها، لهذا السبب كانت تزيد من حدة التعذيب كي تصل إلى ما تهدف إليه. فعظمة مقاومة الرابع عشر من تموز هي بقدر المساعي والجهود التي تبذلها الدولة التركية من أجل فرض الاستسلام بكل ما تملكه من قوة وإمكانيات. بالطبع لا يمكننا الحديث عن مقاومة الرابع عشر من تموز دون التطرق أو الحديث عن مقاومة الثامن عشر من أيار والحادي والعشرين من آذار والتي أبداها فرهاد كورتاي ومظلوم دوغان ورفاقهم. بلا شك؛ مقاومة الرابع عشر من تموز مستمرة من تلك الفترة إلى يومنا الراهن، مستمرة في نضالنا ولكن بشكل مختلف، بطريقة أخرى، ولكن جوهر المقاومة التي نبديها في يومنا الراهن يستمد قوته من مقاومة الرابع عشر من تموز. لماذا؟ لأن إرادة النصر وإرادة الإصرار على الحرية والنصر تستمد قوتها من مقاومة الرابع عشر من تموز ومقاومة الحادي والعشرين من آذار ومقاومة الثامن عشر من أيار. فالذي لا يستطيع عقد الترابط والعلاقة فيما بين هذه المقاومات لا يمكنه التعرف على الحركة الآبوجية وفهمها، إن الذي لا يستطيع عقد العلاقة الدياليكتيكية فيما بين مقاومة الرابع عشر من تموز وثورة روج آفايى كردستان لا يمكنه فهم وإدراك التطورات الحاصلة في كردستان، كما لا يمكنه إدراك معنى قفزة الخامس عشر من آب، ولا يمكنه إدراك وفهم مسيرة حركة الحرية الممتدة لأربعين عاماً. بلا شك كل هذه الأمور تستمد قوتها من الفكر والفلسفة والحياة الحرة التي خلقها قائد الشعب الكردي القائد آبو، فذاك الفكر والحياة الحرة والثقة التي تجسدت في شخصية المجموعة الآبوجية وتجسدت فيما بعد في شخصية حزب العمال الكردستاني هي التي انتصرت في سجن آمد.

عندما يتطرق القائد آبو إلى مقاومة الرابع عشر من تموز ومقاومة الحادي والعشرين من آذار والرفاق الذين أبدوا هذه المقاومة الباسلة كالرفاق مظلوم دوغان وفرهاد كورتاي ومحمد خيري دورموش وكمال بير يقول بأن هؤلاء الرفاق يمثلون روح حزب العمال الكردستاني، ورح الفلسفة الآبوجية. أي إن أردت أن تعرف ماذا تعني الآبوجية، أو ما هو حزب العمال الكردستاني عليك معرفة هؤلاء الرفاق، فالآبوجية هي كمال بير ومحمد خيري دورموش ومظلوم دوغان وفرهاد كوتاي ونجمي اونر. وعندما نقول بأن هؤلاء الشهداء أحياء لم يموتوا نقصد أنهم أحياء في مسيرتنا من أجل الحرية، وهم أحياء في المكاسب التي حققها الشعب الكردي، وأحياء في أمل شعب كردستان في النصر. لهذا السبب نقول إن التاريخ لا يعني الأحداث الماضية فقط إنما التاريخ يحيا ويعيش معنا. فالقائد آبو قائد الشعب الكردي يقول «نحن موجودون في بداية التاريخ والتاريخ مستمر في يومنا الراهن »، هذا يعني أن الأحداث التي مضت لم تنتهِ ولم تمت بل هي تحيا معنا. كما يعني أن مقاومة  السجون حية ومستمرة في نضالنا الراهن. فتلك المقاومة كانت البذرة وتلك البذرة نبتت وتحولت إلى غرسة وتحولت الغرسة إلى شجرة كبيرة. فبذرة تلك المقاومة التي بدأت وزرعت في الرابع عشر من تموز تحولت إلى شجرة كبيرة ونحن في يومنا الراهن نقوم بالنضال في ظل تلك الشجرة العظيمة شجرة المقاومة. إذ أن ذاك التاريخ مستمر معنا، وهو حي ومستمر ضمن نضالنا. قد لا نستطيع أن ندخل ضمن تفرعات وحيثيات المقاومة التي أبديت في السجون وعلى وجه الخصوص مقاومة الرابع عشر من تموز، ربما بإمكان الروايات والسينما والقصائد والفن التطرق إلى تفرعات وحيثيات هذه المقاومة بشكل أفضل.

مقاومة الرابع عشر من تموز حطمت حتى الأمور التي أثبتها العلم والطب، حيث أنه وفق العلم والمعلومات الطبية بإمكان الإنسان البقاء على قيد الحياة من دون تناول أي شيء لمدة 43 يوماً فقط ، أي أنه يموت من الناحية البيويولوجية بعد تلك الفترة، إلا أن رفاقنا كمال بير ومحمد خيري دورموش وعاكف يلماز وعلي جيجك حطموا هذا الرقم القياسي الموجود بإرادتهم الثورية. أي أن الإرادة الثورية حطمت ما أثبته العلم والطب، فتلك الإرادة أثبتت أنه بإمكان الإنسان الحياة من دون تناول أي شيء وحتى عدم شرب الماء لمدة تتراوح ما بين خمسين إلى ستين يوماً. مقاومة الرابع عشر من تموز أثبتت بأن إرادة الإنسان إرادة اجتماعية، فطاقة تلك الإرادة عندما تدخل ضمن الحركة لها القدرة على شل حركة دولة بالكامل ولها القدرة على إفشال سياسة دولة مستندة إلى التعذيب والظلم والعبودية والانتصار فيها. حيث أثبت هذا الأمر في مقاومة الرابع عشر من تموز وكذلك في مقاومة الثامن عشر من أيار والحادي والعشرين من آذار. هذه المقاومة تحولت إلى أرضية للثورة في كردستان، وفي يومنا الراهن استطاعت هذه الثورة الصمود وخطو خطوات سديدة وتحقيق المكاسب والانتصارات على الرغم من حدة كل الهجمات التي تستهدف ثورة كردستان. وهذا تجسيد لروح مقاومة الرابع عشر من تموز.

كما هو معروف كان هدف انقلاب الثاني عشر من آذار عام 1971 تصفية اليسار التركي، وتصفية حركة الشبيبة الثورية التركية التي قادها ماهير جايان ودنيز كزميش ويوسف اصلان وحسن اينان واولاش برداق جي وهم من المناضلين الثوار من حركة الشبيبة الثورية في تركيا. حيث حققت الدولة التركية بضعاً من أهدافها في تلك المرحلة. ولكن بعد ظهور مجموعة ثوار كردستان والتي عرفت في تلك المرحلة بالمجموعة الآبوجية، حاولت الشبيبة الثورية التركية لملمة صفوفها تحت تأثير الحركة التي قادها القائد آبو، وتم سد الطريق أمام سياسة الثاني عشر من آذار سياسة الانقلاب العسكري الفاشي الذي قادته الجنيرالات الفاشية في سنة 1971 . أما في الثاني عشر من أيلول فقد كان الهدف الأساسي من الانقلاب هو القضاء على حركة حزب العمال الكردستاني، القضاء على الأمل والإيمان بالانتصار الذي زرعه حزب العمال الكردستاني في نفوس الجماهير.

وكان الهدف من فرض الاستسلام على سجن آمد هو تصفية هذه الإرادة وهذا الإيمان وهذا الأمل، ولكن انتصار طليعة حزب العمال الكردستاني بقيادة مظلوم دوغان وفرهاد وخيري وكمال في هذه المقاومة سد الطريق أمام سياسة الثاني عشر من أيلول الهادفة إلى تصفية هذا الأمل وهذا الإيمان. بعد انتصار إرادة المقاومة في السجن انتشر صدى وتأثير هذا الانتصار من الناحية المعنوية والروحية والفكرية في جميع أنحاء كردستان وأدى إلى تطور المقاومة في جبال كردستان، والتي انطلقت في الخامس عشر من آب سنة 1984 . انطلاقة الخامس عشر من آب لها علاقة وثيقة وجوهرية وروحية ومعنوية وأيديولوجية مع مقاومة السجن وعلى وجه الخصوص مقاومة الرابع عشر من تموز، وليس من قبيل الصدفة تسمية المجموعات الثلاثة التي قادت حملة الخامس عشر من آب باسم مقاومة السجون، فالمجموعة التي قادها الرفيق عكيد كانت مجموعة الرابع عشر من تموز للدعاية المسلحة والتي تمكنت من تحرير مدينة اروه لعدة ساعات. والمجموعة التي حررت مدينة شمدينان لعدة ساعات كان اسمها مجموعة الحادي والعشرين من آذار إحياءً لمقاومة مظلوم دوغان كاوى العصر في سجن آمد عام 1982 . لذلك فإن خميرة مقاومة الأنصار والكريلا في جبال كردستان في الخامس عشر من آب هي مقاومة الرابع عشرمن تموز في سجن آمد. وفي يومنا الراهن ليس من قبيل الصدفة انطلاقة ثورة روج آفا في التاسع عشر من تموز 2012 من كوباني. إن انطلاقة ثورة روج آفا في التاسع عشر من تموز من كوباني سنة 2012 واستمرار هذه المقاومة والثورة في المناطق الأخرى من روج آفا، وتحولها إلى مقاومة تخطت مقاومة ستالين كراد وديانبيان فو والكثير من المقاومات التاريخية للشعوب ضد الاستعمار والفاشية والظلم له علاقة وثيقة ودياليكتيكية وجوهرية مع مقاومة الرابع عشر من تموز.

في يومنا الراهن تستند ثورة روج آفا وثورة التاسع عشر من تموز في روج آفا والتي انطلقت من كوباني، ومقاومة كوباني ومقاومة وحدات حماية الشعب والمرأة في جميع أنحاء روج آفا إلى هذا الميراث، ميراث الرابع عشر من تموز، ميراث الثامن عشر من أيار، ميراث الحادي والعشرين من آذار، ميراث مظلوم وفرهاد وخيري وكمال وقافلة الشهداء التي سطرت الملاحم البطولية في سجن آمد.

مقاومة روج آفا تمثل ميراث المجتمع الكردستاني في المقاومة من أجل الحرية منذ حركة ميديا 600 – 700 عام قبل الميلاد إلى يومنا الراهن. من المعروف بأن الميديين تمكنوا بقيادة كيخسار من تنظيم أنفسهم والتحالف مع البابليين والأرمن والفرس والكلدانيين ضد أكبر امبراطورية فاشية همجية في التاريخ والتي قامت بأعمال همجية مثل داعش في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. وانتصرت هذه الإرادة وهذا الاتفاق وهذا التحالف بقيادة كيخسار الميدي وسطرت في الملاحم والأساطير ، «كاوى هسنكار » كاوى الحداد، هذه التسمية الأسطورية مثلها مظلوم دوغان في الحادي والعشرين من آذار سنة 1982 باسم كاوى العصر حيث وصل إلى هذه المرتبة بمقاومته.

ومن خلال الاتفاق الحالي المتجسد في ثورة روج آفا بين الشعوب الكردستانية والمكونات الأخرى التي تعيش في هذه الجغرافيا من عرب وتركمان وسريان سوف تتمكن هذه الشعوب من مواجهة أكبر وأشرس هجمة فاشية دموية من قبل الدول القوموية المتمثلة في الأردوغانية والداعشية. لذلك لا يمكن أن نستوعب ثورة روج آفا دون فهم الترابط الدياليكتيكي الوثيق والعميق بين مقاومة الرابع عشر من تموز والخامس عشر من آب وثورة التاسع عشر من تموز في روج آفايى كردستان. إن أردنا أن نفهم إرادة المقاومة لدى وحدات حماية الشعب والمرأة ولدى آرين ميركان وأزادي وجيندا تل تمر وسلافا وروبار قامشلو وديار، إن أردنا أن نستوعب هذه الإرادة وهذه المقاومة علينا أن نستوعب الترابط العميق والجوهري والفكري بين مقاومة الرابع عشر من تموز والخامس عشر من آب وثورة التاسع عشر من تموز في روج آفا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى