تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 1
تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 1
جميل بايك
نرى المجتمع الكردي والإنسان الكردي ولا نرى شيئاً سوى ذلك ، ماذا كان يعني ذلك ؟ بات يعني الابتعاد عن الإنسانية ، حيث أن الوضع كان يعني الظلم والإنحدار نحو الحيوانية ، فالعدو كان قد سمح بالجنسوية ومنع كل ما سوى ذلك ويعامل الأكراد معاملة حيوانية ، ماذا كانوا يقولون؟ كانوا يسمون الأكراد بـ ” أصحاب الذيل ” . وكانوا يعاملون الشعب الكردي معاملة الحيوانات ،هذا هو التعامل الذي كانوا يرونه لائقاً بالأكراد ولا شيء سواه .
في مثل تلك الأجواء والزمان ظهر حزب العمال الكردستاني إلى الوجود ولم يكن ذلك سهلاً بل بصعوبة بالغة وجهد كبير . فإذا وضعت شعباً في هذا الوضع وتوجهت به نحو الحيوانية في هكذا وطن وهكذا مجتمع . كنا نعلم أن الظهور لن يكون سهلاً ، بل يحتاج إلى كثير من الجهد وأننا سنواجه العنف وصعوبات جمة ،وسيكون الثمن على نفس المستوى ، فإذا أخذت ذلك بعين الاعتبار ستتمكن من الظهور وتتقدم ، أما إذا لم تأخذ الصعوبات والجهد بعين الاعتبار ، ولم تكن مستعداً لدفع الثمن ، لن تتمكن من خلق حركة من أجل ذلك الشعب ومن أجل ذلك الإنسان . ولهذا فإن ظهور PKK في مثل هذا الوضع هو تدخل في الوضع وتصدي لهذا المسار قبل كل شيء .أي كيف ستجعل من نفسك إنساناً ومن ثم تتقدم للقيام بأمر ما . لماذا ؟ لأن أي شعب يصبح إنساناً بوطنه وبتحوله إلى مجتمع ليحيا كمجتمع بشري ، ولكن العدو أخرجك من الإنسانية ومنعك من أن تتحول إلى مجتمع ، فاللغة ممنوعة والثقافة ممنوعة وتمثيل الشخصية ممنوعة وممارسة السياسة ممنوعة عليك والإقتصاد الذاتي ممنوع ، أي أن الكردي لا يستطيع تأسيس أي شيء باسمه وكل أسباب التحول إلى مجتمع اغتصبت منه ، وعندما يغتصب منك كل شيء لن تستطيع الحياة ، لأنك تفقد إنسانيتك ، والسكوت على كل ذلك أدى إلى هذا الوضع وإلى قيام العدو بوضع الإنسانية تحت أقدامه في كردستان وبات يعامل الشعب معاملة الحيوان ويراه لائقاً بذلك ، فالحيوان حتى يضمن بقاء نوعه يمارس الجنس ويأكل وهكذا كان الكردي ، ولم يبق للكردي ما يحقق له مجتمعيته ، إن هذا الوضع يعبر عن الابتعاد عن الإنسانية والتحول إلى الحياة الحيوانية ولهذا كانوا يقولون الكردي ذو الذيل وهكذا يعاملونه، وفي هذه الأجواء يجب المطالبة بالإنسانية قبل كل شيء ، حيث يجب أن تكون إنساناً أولاً ، وهذا يتطلب القيم المجتمعية والمجتمع الإنساني فإن تمسكت بها تصبح إنساناً ، وهذا ما قام PKK من أجله ، ولهذا حرب PKK هي حرب من أجل الإنسانية أولاً ، أدركنا أن الخروج عن هذا الوضع سيكون صعباً وقاسياً وله ثمن باهظ ، ومن يقبل بكل ذلك يستطيع السير والتقدم وبدون ذلك يستحيل القيام بأي شيء ، وإذا استطعت الظهور بكل ذلك بشكل قوي وسليم عندها ستكسب ثقة الشعب وسيتمسك الشعب بك ويستعيد ثقته بنفسه . واستنهاض شعب آل إلى ذلك الوضع ليس سهلاً . فإذا لم تستطع الإلتزام بالذهنية والطراز السليم اللازم والتقدم بهما لن تتمكن من استنهاض هذه الجماهير مهما فعلت .
وهكذا فإن PKK بالقائد آبو استطاع تمثيل ذهنية الثورة الكردستانية بشكل سليم والتقدم بها بشكل صحيح وحقق الظهور اللازم ، وتحمل مصيرها وأعباءها وألقى تلك الخطوة بكل جرأة وتصميم وبنتيجتها تم استنهاض الشعب الكردي بعد أن استعاد ثقته بنفسه وبالحركة .
علينا ملاحظة أنه كانت هناك حركات أخرى قبل هذه الحركة أرادت أن تناضل باسم الكرد وكردستان ولكنها لم تفلح في مسعاها ، لأنها لم تتمكن من خلق تلك الذهنية المطلوبة وذلك الطراز المطلوب في النضال في ذاتها ، ولهذا لم تتمكن من التدخل في الوضع الذي ذكرناه ، ولم تستطع النضال في تلك الظروف الصعبة ، ولهذا لم تستطع كسب ثقة الشعب ، بل لم تستطع خلق الثقة بنفسها .
عندما ظهر PKK كان متأثراً بالإشتراكية العالمية وبتيار التحرر الوطني للشعوب المستعمرة التي كانت تخوض نضال التحرر ، وبشكل خاص تأثر بالحركات اليسارية التركية وحركة شعب فيتنام بالإضافة إلى حركات التمرد الكردية ، فقد كان لكل ذلك تأثير على PKK وأخذ منها الكثير، فقد استلهم من كل ذلك واستطاع تكوين نفسه ، وألقى خطواته ، وكلما ألقى خطوة عمل من أجل التخلص من نواقصها وسلبياتها ، بل استطاع تصحيح كثير من أخطائها في داخله ، وهكذا أخذ منها الكثير وتأثر بها , وبعد ظهوره استطاع التأثير عليها جميعاً . على هذه الأسس وعلى أسس تقدم الثورات العالمية ومستعمر كردستان الذي لم يعط أية فرصة للفكر ظهر حزب العمال الكردستاني PKK واستطاع التخلص من مواقف اليسار التركي والمواقف الكلاسيكية الكردية واليسارية الكردية , واستخلص الدروس من ممارستهم العملية وسار إلى الأمام بخطوات راسخة اعتماداً على النتائج المستنبطة منهم .
أستطيع القول أنه لأول مرة في كردستان يظهر تنظيم على أساس المبادئ الديموقراطية والتقدم ويطرح القضية الكردية بشكل سليم حسب تلك الأسس والمبادئ , ويحقق تقدماً في إقناع العالم ويخوض نضاله حسب ذلك . ليأخذ على عاتقه حل القضية الكردية ويجعلها أساساً لنضاله ويوظف كل طاقاته وإمكانياته لخدمة القضية ومن ضمنها تغيير المجتمع . فهذه الحركة هي التي حققت التقدم في كردستان ، فمنذ البداية جعلت هذه الحركة الشعب ومصلحة الشعب في أولوياتها بل وأساساً لها ، ومهما كانت متأثرة بالإشتراكية المشيدة إلا أنها لم تجعل من النظرة الطبقية الضيقة أساساً لها , ومهما جعلت من حركات التحرر القومية أساساً لها إلا أنها لم تتبنى مواقف ضيقة على هذا الصعيد . ولم تتحول إلى حركة قومية أو كردستانية فقط . PKK لم يتمسك قط بالفكر القومي الضيق ولا بفكر الطبقية الضيقة ، وبذلك استطاع الإختلاف من هذا الجانب عن كل الأحزاب والقيادات التقليدية ، ويتقدم عليها جميعاً .
PKK في تأسيسه ونضاله اعتمد على مبدأ أساسي أوصله إلى النجاح والتطور إلى يومنا هذا وهو مبدأ “الاعتماد على النفس” . ولازال الحزب ملتزماً به إلى اليوم ، فهو يثق بنفسه في كل ما يقوم به في النضال والعمل اعتماداً على إمكانياته الذاتية ، وهو يرى حل القضية في ذاته وفي نضاله وتضحياته ولم يبحث عن الحل خارجه أو لدى الآخرين مطلقاً ، فمنذ ظهوره اعتمد هذا المفهوم في عمله ، واعتمد على الشخصية الحرة ولم يقبل بين صفوفه سوى الشخصيات الحرة أو التي تسعى إليها وبقي مصراً على هذا المبدأ تحت كل الظروف بهدف التقدم نحو مجتمع حر , وجعل من ذلك مبدأً أساسياً له . أي الاعتماد على الشخصية الحرة والثقة بالنفس لخلق الإمكانيات والنضال والتقدم نحو المجتمع الحر ، والبحث عن الحل في الذات . بهذه المبادئ ابتدأت هذه الحركة وظهرت وتقدمت بإمكانياتها , ولهذا لم تدخل هذه الحركة تحت تأثير أحد ولم تبيع نفسها ولم تضطر إلى الاستعانة بأحد . ولهذا لم تحدث الخيانة والعمالة والتصفيات ضمن صفوف هذه الحركة . لماذا ؟ . لأن الإنسانية باتت تحت الأقدام في كردستان ، والقضية كانت قضية الكرامة وهي كبيرة جداً ، فإذا كنت ترغب في إنقاذ الكرامة والقيم الإنسانية من تحت الأرجل فعليك الإلتزام بهذه المبادئ . بالإضافة إلى أن هذه الحركة التزمت بمبدأ النقد والنقد الذاتي في داخلها بدرجة متقدمة جداً , بل تأسس على هذا الأساس ولولا ذلك لما استطاع التقدم ، لماذا ؟ لأنها رأت أن المحتلون قد دنسوا كل شيء في كردستان , فهم قد اغتصبوا كل شيء من الشعب الكردي ولم يبقوا سوى الجنسوية , وكانت هناك مشكلة كبيرة ، فالمحتل لم يعط للأكراد سوى الإبادة والقتل والتعذيب ، ونهب كردستان وحولها إلى خرابة , وعمل ما يستطيع لإبادة الإنسانية في كردستان . فإذا أردت أن تفعل شيئاً من أجل إنقاذ الإنسانية من خلال الإنسان الكردي والمجتمع الكردي إنطلاقاً من هذا الوضع ، عليك أن تلتزم بمبدأ النقد والنقد الذاتي إلى أقصى الحدود . وليس هناك سبيل آخر .
أنت تريد تأسيس الاشتراكية في كردستان ، وتريد تأسيس حركة اشتراكية ، فإن أساس الاشتراكية هو النقد والنقد الذاتي , والمحاسبة الصارمة , وإن أردت تحقيق العدالة في مكان تداس فيها العدالة فإن المحاسبة الصارمة والنقد هو السلاح الأمضى في هذه المعركة , وبدون النقد والنقد الذاتي والمحاسبة الصارمة لا يمكن التقدم في معركة العدالة في كردستان , وكان PKK يعمل من أجل تحقيق العدالة , وتقدم النضال في سبيل الحرية والعدالة والديموقراطية والمساواة بهذا المبدأ ولم يكن هناك سبيل آخر , وهذا هو السبب في الالتزام بمبدأ النقد والنقد الذاتي منذ بداية ظهوره , وإذا لم تكن هناك محاسبة صارمة في مكان ما فلا يمكن تحقيق العدالة والحرية والديموقراطية هناك , النقد والنقد الذاتي يعني المحاسبة الصارمة ، ومن يقوم بذلك سيتمكن من التقدم في صراعه من أجل تحقيق الحرية والعدالة والديموقراطية . PKK هي حركة الحرية والعدالة والديموقراطية ولهذا اعتمدت النقد والنقد الذاتي ، وبذلك حققت تقدمها , وبناء عليه استطاعت الحفاظ على نفسها طاهرة حية قوية .
ثمة شيء آخر في ظهور PKK وهو أن الحياة الموجودة ليست بحياة ، حيث هناك الموت كل يوم ، ولا يمكن القبول بهذا الواقع . مادام الأمر كذلك وما يسمى بالحياة هو الموت بعينه وهي مرفوضة ، إذاً ما هي الحياة المطلوبة وأين هي وكيف يمكن الوصول إليها ؟ . وهذا هو السبب الآخر لظهور PKK أي البحث عن الحياة الجديدة البديلة . فتلك الحياة التي فرضها الاستبداد على الشعب الكردي ليست حياة ولا موت بل تعني الموت كل يوم ، وظهور PKK يعني الرفض لها والبحث عن حياة جديدة بديلة , أي أنه رفضها وطرح البديل عنها . وجد تلك الحياة خداعاً وزيفاً تؤدي إلى الفناء ، ومادام الأمر كذلك يجب البحث عن الصحيح , ولهذا فإن ظهور PKK جاء للبحث عن الحياة البديلة لحياة الذل والموت , أي أن خلق الحياة الجديدة أحد أسباب ظهور هذا الحزب .
الأمر الآخر لظهور PKK هو أنه إذا لم يتم طرح القضية الكردية بشكل سليم ولم يتم حلها بالسبل المناسبة على أسس العدالة والحرية والديموقراطية فلا يمكن حل قضايا المجتمع والشعوب الأخرى التي ترزح تحت حكم الإستبداد في تركيا مطلقاً ولا يمكنها أن تصل إلى الحرية والديموقراطية والمساواة أيضاً , أي الوصول إلى حل قضايا الحرية والديموقراطية والمساواة في تركيا إنطلاقاً من حل القضية الكردية . ونظراً لهذا الواقع فإن كل مراحل نضال القيادة والحزب وحربهما بقدر ما كان من أجل القضية الكردية كان في خدمة قضايا تركيا أيضاً .
الأمر الآخر في ظهور PKK هو العمل من أجل وطن كردستان اشتراكي متحرر موحد ، كان ذلك هو السبب الآخر لظهور الحزب . واليوم لم يتخلى الحزب عن وحدة شعب كردستان ، فهو ربما تخلى عن الدولة فقط، ولم يتخلى عن وحدة وحرية الشعب الكردي , لماذا أقول هذا ؟ لأن البعض فسّر التغيير الاستراتيجي على أننا تخلينا عن وحدة وحرية الشعب الكردي , وخاصة اولئك الذين من خارجنا سواء بقصد أو بغير قصد , ولازال بعض الذين خارجنا يتمسكون بهذا ويدعون عن إدراك بأننا تخلينا عن الأمة الكردية ويقومون بالدعاية لذلك . وقالوا بأن القيادة ليست القيادة السابقة لأنها تخلت عن وحدة وحرية الأمة الكردية وعن كل القيم وسلمتها للمستعمر وقاموا بالدعاية لهذا الأمر . بل حتى ضمن صفوفنا فهم الكثير التغيير على ذلك النحو ، بل بعض كوادرنا أيضاً فهموا أننا بالتغيير الاستراتيجي وتخلينا عن الدولة قد تخلينا عن الوحدة الكردية وحرية الأمة الكردية , وقاموا بالدعاية لذلك . بينما في دعايتهم لم يطالبوا بالوحدة الكردية ولا بالحرية للشعب الكردي ولم يجعلوهما أساساً لهم ، وقاموا بتسليم أنفسهم لـ PDK و YNK . وعندما رأى هذان الحزبان هذا الأمر قالا : نحن نمثل الأمة الكردية وحركتها وقيادتها وروحها . والذين لم يعملوا من أجل الوحدة الكردية والحرية الكردية وقاموا بتخريب وتصفية الوحدة الكردية وتاجروا بها , باتوا يدعون بأنهم يمثلون الأمة الكردية وهويتها ولسانها وعقلها , والولايات المتحدة أرادت لهؤلاء أن يتحكموا بالأمة الكردية ، بهدف فرض المشاعر القومية المزيفة ، مستفيدين من وضعنا هذا . بينما نحن لم نكن تخلينا عن حرية الشعب الكردي ووحدة الأمة الكردية ولا عن قيمنا , بل بالعكس من ذلك قمنا بترسيخ وتوطيد نهجنا الوطني وعززنا من إمكانيات النضال السليم , فما تخلينا عنه هو الدولة والسلطة والسير على خطى القومية البدائية . ووضعنا مسار الأمة الديموقراطية بديلاً للدولة القومية . ولم نتخلى عن الأمة بل سرنا خطوة متقدمة إلى الأمام . والذين ليس لهم ضمير فقط يستطيعون إنكار هذه الحقيقة . أما الذين لديهم ضميروالوطنيون والديموقراطيون وأصحاب الفكر الاشتراكي فيعلمون أن القائد آبو و PKK هو الذي حقق التقدم للوعي والوعي الكردي والممارسة الكردية والايديولوجية والهوية الكردية وخلق العظمة لكل ذلك . وفيما عدا PKK لم يقم أحد بكل ذلك ، وكل من ظهر باسم الأكراد زاد شرخ الانقسام الكردي وتسبب في الإبادة الكردية ، بينما الذي قام بوحدة الصف الكردي لأول مرة ودافع عن الهوية الكردية بصلابة واستطاع تعريف الدنيا كلها بالقضية الكردية هو القائد آبو وPKK . حتى أن كلاً من PDK وYNK يمارسان السياسة على أكتاف PKK ، وهذه هي الحقيقة . فهما إلى الآن لم يستطيعا تحقيق الوحدة في الجنوب ، وهؤلاء يصبحون مدافعين عن وحدة الأمة الكردية بينما نحن نتحول إلى أعداء لها !! بالطبع هذه قلة ضمير . متى استفادوا ؟ عندما وجدونا نقوم بالتغيير الاستراتيجي والبعض منا لم يفهم ما نحن بصدده ولم يتمسكوا بقيمهم وكدحهم وأحدثوا فراغاً ، وهم استغلوا هذا الفراغ وبدأوا بإطلاق الدعايات المغرضة وتظاهروا بالدفاع عن الأمة الكردية ، بينما الذين ارتكبوا الإبادات الكردية وتاجروا وتلاعبوا بالقضية الكردية معروفون بين الجماهير وهم يدعون الدفاع عن الوحدة الكردية اليوم . متى عمل كل من PDK وYNK من أجل وحدة الصف الكردي ؟ كل منهما لم يتردد في الوقوف إلى جانب المستعمر في مرحلة ما لإرتكاب الإبادة الكردية ، قاموا بذلك في الشرق والجنوب والشمال ، والجميع يعلم ذلك حتى أنهم اقتسموا الجنوب إلى بهدينان وصوران وكأن التقسيم الذي مارسه المستعمر لايكفي ، وارتكبوا مجازر كبيرة من أجل ذلك ، فمن الأعلى يمارسون الاستبداد ومن الأسفل يقتسمون إلى بهدينان وصوران . وهل قاموا بأية خطوة من أجل الأجزاء الأخرى ؟ فها هي القوة والإمكانيات والنظام معهم ولكنهم لايريدون للحركة الكردية أن تتقدم في الأجزاء الأخرى ، بل يريدون خنقها . لقد كان الفلسطينيون يفعلون ذلك في الماضي ، كانوا لايريدون أن تتقدم حركة في
الشرق الأوسط ، فهم كانوا معروفين وكل الإمكانيات كانت بين أيديهم ، فلولا الفلسطينيون لكانت الحركة الوطنية اللبنانية وصلت إلى الحكم ولكنهم حالوا دون ذلك . فإذا لم تصل الحركة الوطنية اللبنانية إلى الحكم في لبنان فهو بسبب عرقلة الفلسطينيين لهم . وما يقوم به كل من PDK و YNK هو نفس الممارسة فهما لايريدان لأي حركة أن تتقدم في أي جزء من كردستان . فهما يحتكران كل شيء باسم الكرد وكردستان . فهذه هي سياساتهما ولهذا السبب لايستطيعان التقدم بأية خطوة ، فهما لايساعدان أحد ولا الشعب الكردي . ويريدان أن تبقى كردستان لهما دون الآخرين .
بينما نرى أن القائد آبو و PKK لم يتخلى يوماً عن وحدة الأمة الكردية وحرية الشعب الكردي ، فمن قبل كان يطالب بدولة كردستان اشتراكية حرة مستقلة حسب الاستراتيجية السابقة ، أما الآن فيطالب بالكونفيدرالية الديموقراطية للشعب الكردي لكل جزء وبين الأجزاء الأربعة ومنوثم بين الشعب الكردي وشعوب الشرق الأوسط . فالقائد وPKK لم يتراجع بأية خطوة والتغيير الحاصل هو ما أشرت إليه ، كما لم يتخلى عن تأسيس الأمة بل تقدم بالأمة الديموقراطية ، ورفض الأمة التي تتأسس على القومية ، ورفض الدولة القومية .
لقد خاض PKK كفاحاًعظيماً ضد القومية الشوفينية التركية والكردية ، وضد الفاشية التركية ، والشوفينية اليسارية التركية ، والتيارات الدينية السياسية وليس الدين كثقافة . خاض حرباً ايديولوجياً ضروس ضد كل هؤلاء وفرض عليها التراجع ، وقام بفرض ايديولوجيته وتقدم بها . وكان كل ذلك حرباً اساسية في ظهور PKK ، ونظراً لانتصاره في هذه الحرب حقق تقدمه .
منذ ظهوره وخلال حربه تلك وقف موقفاً ناقداً من الإشتراكية في كل من الاتحاد السوفييتي وألبانيا ولم يتبنى أياً منهما ، واعتمد الاشتراكية العلمية في نظريته وطروحاته ، وأعلن عن نقده وموقفه هذا في كل أدبياته وقال علناً بأنه يرى ما يجري خطأ ، ولولا هذه المواقف الصائبة لما استطاع الصمود ولا التقدم ، ولولا ذلك ربما كان سيحقق الظهور ولكن عاقبته لم تكن ستختلف عن عاقبة الأحزاب والتيارات المماثلة التي ظهرت وانحلت . كالحزب السوفييتي والأحزاب الشيوعية في البلدان الأخرى التي اندثرت ، تلك الأحزاب التي لم تستطع تأسيس العلاقات مع الشعوب ولم تستطع تمثيل طموحاتها وتطلعاتها فاندثرت ، ولولا المواقف التي أشرنا إليها التي لم تتبنى إشتراكية أحدهما ، ولو لم يكن فهم PKK للإشتراكية منذ البداية مختلفاً عنهما ، لكانت عاقبة PKK مثل عاقبتها . وهذا الجانب مهم أيضاً في ظهور وتطور الحزب .
نضال الحزب حتى عام 1990 كان من أجل إبراز القضية الكردية من جميع الجوانب ، سواء على صعيد المستعمر أو الوضع في كردستان أو أبعاد القضية وألقى خطوات كثيرة على هذا المسار، بما في ذلك استنهاض الجماهير الكردية ، وبعد ذلك التوجه نحو وضع القضية على طريق الحل من أجل حلها ، كل الجهود انصبت على ذلك . تقدم الحزب وانتصاراته كلها كانت على هذا الأساس .
مع ظهور PKK كانت أفكار ومرئيات مختلفة موجودة في برنامجه السياسي ونظامه الداخلي بل وفي عقول أعضائه وكوادره مثل مواقف مستعمري كردستان ومواقف اليسار الخيالي والنظرة الريبية إلى الأكراد والمفاهيم الإنفصالية ، ومفاهيم الاشتراكية المشيدة التي تجعل من سلطة البروليتارية أساساً لها والمواقف التي تجعل من تأسيس دولة قومية أساساً لنضالها ، حيث كان الحزب قد اتخذ كل ذلك أساساً له في الفكر وفي شكل التنظيم . سادت هذه المرئيات حتى حرب 1992 ، أو ما نسميه بحرب الخيانة ، حيث دخلت الحركة في منعطف جديد في ذلك العام ، لأن تلك الحرب أظهرت بعض النتائج ، فالوضع العالمي كان قد تغير بزوال معسكر الاشتراكية المشيدة وكان ذلك أمراً مهماً ، نظراً لأن الاستراتيجية العالمية المعتمدة على قطبين قد أفلست وتغيرت ، وكان لابد من إحداث تغييرات استراتيجية وتكتيكية لدى الحزب من الناحية التنظيمية والنواحي الأخرى ، كذلك كان ذلك يعني إفلاساً للنموذج البولشفي وكان يجب تغيير ذلك أيضاً ، كذلك ظهرت بعض الأمور العملية التي لايمكن تجاهلها من خلال الحرب التي حدثت ، وهو أن النظام العالمي بات يتدخل في هذه الحركة علناً ويرى في تقدم هذه الحركة خطراً عليها ، وتريد سد السبل أمامها ولأن هذه الحركة ستتحكم بكردستان إذا بقي المجال أمامها مفتوحاً ، وهذا يعني تعطيل كل التوازنات القائمة في الشرق الأوسط ، وتعطيل للوضع القائم ، وتشكل خطراً على المخطط الذي وضعه النظام العالمي للشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي . ولهذا يجب سد السبل أمام هذه الحركة . لهذه الأسباب كانت حرب 1992 مداخلة لسد السبل أمام تقدم وتطور PKK . والمحاولة كانت من أجل تحجيم هذه الحركة وتدجينها وسلب إرادتها إن أمكن ، ولجم قيادتها والسيطرة عليها
وإضعافها كي لاتنتشر في كردستان ، حتى يتمكنوا هم من تثبيت أقدامهم وتمرير مخططاتهم على كردستان والمنطقة عموماً . وبالممارسة تأكد لنا أن الأستراتيجية التي رسمناها والأهداف التي وضعناها باتت صعبة ولاتتواكب مع الأوضاع المستجدة ويجب تغييرها . فالهدف الذي كنا قد وضعناه هو إقامة دولة البروليتاريا المستقلة في كردستان ، وبات ذلك مستحيلاً في الوضع المستجد . والهدف الآخر كان يتمثل في إخراج المحتل من كردستان حتى نتمكن من تأسيس دولتنا ، وبات ذلك أيضاً مستحيلاً في الوضع العالمي المستجد ، ولهذا كان لابد من التغيير الاستراتيجي ، وهكذا باتت القيادة تتطلع للتغيير الاسترلتيجي بعد تلك الحرب وتحديداً في عام 1993 ، وقامت القيادة بتغيير التكتيك حتى تصل إلى التغيير الاستراتيجي ، وبناء على ذلك كان وقف إطلاق النار من جانب واحد في عام 1993 ، وبالطبع لم يتم فهم الأمور فوراً بين صفوف حركتنا وحتى الكوادر القيادية بعضهم لم يفهم تلك الخطوة كما يجب ، وكذلك الشعب لأن الحركة التي يجب أن تعلمهم لم تكن قد فهمت التغيير تماماً ولهذا عجزت عن إفهام الشعب . ولكن تم الفهم فيما بعد . ماذا كان يعني وقف إطلاق النار ؟ . كان يعني التخلي عن مسار إقامة الدولة ، وحل القضية الكردية دون تأسيس الدولة . أي حل القضية بالتوافق ، ذلك هو التغيير ووقف إطلاق النار كان يعبر عن هذا التوجه . وكان ذلك تغييراً مهماً ، وشكل هذا التحول أساساً للإستراتيجية الجديدة ، ولكن كما رأينا الدولة التركية لم تقبل بالوفاق ، وكذلك العصابات التي كانت بيننا والعصابات الدولية لم تقبل بذلك ، وتوقف المسار ولم يتقدم . وهكذا فإن القيادة ألقت أساس البراديغما الجديدة بوقف إطلاق النار ذلك ، وكذلك كانت تلك النقطة الأساس للإستراتيجية الجديدة التي طورتها القيادة فيما بعد . أي أن الحركة كانت لها استراتيجية معروفة حتى عام 92 وابتدأت بوضع استراتيجية جديدة في عام 93 ، ولكنها دخلت في مرحلة بينية حتى تصل إلى تحديد ملامح الاستراتيجية الجديدة ، وسأتوقف على هذا فيما بعد .
PKK عند ظهوره تقدم بخطوات سريعة جداً واستطاع وضع مسافة كبيرة متقدماً على الحركات القائمة آنذاك سواء من اليسار التركي أو الكردي وفي وقت قصير جداً ، فعل ذلك بذهنيته وطرازه في العمل ، والأساس هو طرازه في العمل واختلافه مما أدى إلى تقده على الآخرين بسرعة ، لأن القيادة استطاعت تثبيت طراز الثورة الكردستانية بشكل صحيح سواء نظرياً أو على صعيد الممارسة العملية ولهذا تحقق ذلك التطور . الذهنية مهمة طبعاً وإلى جانبها طراز العمل مهم أيضاً ، فإذا لم تستكمل الذهنية بطراز العمل لاتستطيع تحقيق أي تقدم ولا حتى الظهور . عموماً لم يكن هناك فرق كبير بيننا والحركات الأخرى القائمة على الصعيد الفكري ، بل كانت كثير من أفكارنا متشابهة ، فهم كانوا يتحدثون عن الاشتراكية وكذلك نحن ، وهم يقولون التحرر الوطني وكذلك نحن ، أي لم هناك فرق كبير بيننا ، أين كان الفرق ؟ الفرق كان في طراز العمل ، والطراز يعني التنظيم والممارسة ، التنظيم الجيد يعني الممارسة الجيدة وهذا يسفر عن النجاح ، مستوى التنظيم والممارسة يؤدي إلى النجاح أو الفشل ، طراز الممارسة يعني مستوى السير نحو الهدف ويعبر عن الوتيرة والأسلوب في العمل ، كل هذه أمور مهمة ، فطراز الممارسة إما أن يوصلك إلى النجاح أو يسبب لك الفشل ، أو يحقق لك الاختلاف عن الآخرين ، والقيادة كانت تشخص طراز ممارسة ثورة كردستان بشكل صحيح وتطبقها بشكل صحيح ، لأنها استوعبت واقع كردستان ومجتمعها وإنسانها بشكل صحيح ، بالإضافة إلى الذين أوصلوا كردستان إلى ذلك الوضع أي فهم نظام المستعمر بشكل جيد أيضاً ، وكذلك فهم النظام العالمي الذي يستند عليه المستعمر بشكل جيد ، وحدد طراز الممارسة حسب ذلك ، ولو لاحظ الرفاق أنه لم يكن يقبل بأي تنظيم اعتيادي ولا بشخصية اعتيادية ولا بعمل اعتيادي ولا باسلوب أو وتيرة اعتيادية ، وكان يسمى ذلك الطراز بـ ” الطراز الآبوجي ” سواء في التنظيم أو العمل أو الوتيرة أو الأسلوب . والأمر الذي على ضوئه تم تحديد طراز الممارسة هو : ” كردستان مستعمرة دولية ” . فأنت إن مددت يدك نحو كردستان إنك تمد يدك نحو العالم ، ويعني أنك تواجه النظام العالمي ، وإذا لم تحدد طراز ممارستك حسب مواجهة النظام العالمي فإنك ستفشل ولن تستطيع حل القضية الكردية لأن النظام كله سيعاديك . لأن النظام العالمي هو الذي حدد وضع كردستان وإذا أردت تغيير وضع كردستان فإنك ستواجه النظام العالمي . وأنت إن وضعت نصب عينيك مواجهة النظام العالمي عندها ستظهر ، وإن لم تفعل ذلك يجب أن لا تظهر . أما إذا مددت يدك إلى كردستان دون أن تعادي النظام العالمي فإنك لن تتمكن من حل القضية الكردية . ولهذا فإن مد اليد نحو القضية الكردية هي قضية دولية . وستجد العالم والنظام العالمي في مواجهتك . وعليك أن تخوض حرب الحرية في مواجهة ذلك النظام . فإن لم تأخذ في اعتبارك مواجهة النظام العالمي لن تتمكن من حل القضية الكردية ، لأن النظام العالمي هو الذي حدد وضع كردستان ، فإذا أردت تغيير الوضع في كردستان فإن النظام سيواجهك ويتحامل عليك ، فإن كنت قادراً على مواجهة النظام عندها ستظهر ، وتتقدم بخطواتك ، أما أن تمد يدك نحو النظام ولا ترى النظام معادياً لك فلن تستطيع حل القضية الكردية مطلقاً. عليك أن تخوض حرب الحرية في مواجهة النظام العالمي .
المتحكمون في كردستان من جانبهم أقصوا المجتمع الكردي من الإنسانية ، وإن أردت الدفاع عن شعبك فلن يكون ذلك سهلاً ، أي أن نهضتك وتقدمك لن يكون سهلاً ، ويتطلب كثيراً من الجهد والتضحية ثمناً لما تقوم به ، وإن لم تكن مستعداً لدفع الثمن لن تستطيع خوض الثورة ، أي أنك ستحصل على كل شيء بالنضال والمقاومة ، فربما النتائج التي تتحقق على مستوى العالم بالثورة سيكون منالها صعباً في كردستان وتحتاج إلى نضال أكبر وجهد أكبر ، ويجب عليك أن تكون أكثر تصميماً حتى تحقق هدفك . كم من السنوات ستستغرقها الثورة ؟ هذا أيضاً غير معروف . ربما خمسون سنة أو عشرين سنة أو مائة سنة ، عليك أن تستمر في النضال حتى تصل إلى نتيجة ، ولا سبيل آخر ، فحتى اوروبا حاربت لمئات السنين ، والرفاق يعرفون التاريخ ، فهناك حروب العشر سنوات والثلاثين سنة ومائة سنة ، بينما هذه كردستان وأنت تريد الوحدة لشعب كردستان وتريد الحرية لشعب كردستان ، وذلك يعني الوحدة والحرية لشعوب العالم ، هذا هو مستوى القضية ، ولهذا فإن الطريق صعب ومليء بالتضحية ، بينما بالسبيل السهل لا يمكن تأسيس كردستان . إنني بين صفوف الثورة منذ بدايتها ولم أر يماً مريحاً واحداً . كما أنني لم أطلب الراحة يوماً واحداً لأنني أعرف سلفاً أن ذلك مستحيل . إلا إذا خدعت نفسك ، وإذا خدعت نفسك يضيع كل شيء . حتى أنني لم أفكر في ذلك لاستحالته . ففي الثورة الكردستاني لا يوجد شيء سهل ، تعل كثيراً وتحصل على نتيجة صغيرة ، هذه هي الحقيقة ، لأنهم أقصوا المجتمع عن الإنسانية ولهذا تعمل كثيراً والنتيجة صغيرة مقارنة بالجهذ . وعلينا أن لا نكون خياليون .
إذا لم نستطع فهم هذه الحقيقة نصبح مثل الأفندي ” فرهاد ” . تصبح نهايتنا مثل نهايته ، كيف كان فرهاد أفندي الموضوع ؟ . كيف كان فرهاد يفهم الموضوع ؟ . كان يقول : ستتأسس كردستان وسأصبح والياً . بينما لايمكن التكهن بمتى ستتأسس كردستان ، ولا يمكن أن تكون ولاية أو ما شابهها ، ولكن أين توجد الولاية ؟ إنها توجد عند PDK أو YNK أو كوي سنجاق ، فتوجه إلى هناك ليصبح والياً ، ولكن هناك كثيرون في الدور ينتظرون الولاية ، فكيف سينصبون فرهاد أفندي والياً ؟ . ولهذا بقي في الفراغ ، ونحن لانريد أن نصبح في ذلك الوضع ، ولهذا لن نقع في هذا الظلم ولن نلجأ إلى الطرق السهلة ، فلا توجد في كردستان هكذا سبل ، وعلينا فهم حقيقة كردستان بشكل جيد . وكان قد قال فرهاد لأخوته : إلى متى سأبقى في الجبال ؟ فقد قضى عمري ولا أستطبع الزواج إذا بقيت انتظر ثورة كردستان . وكذلك كان زبير ، من هنا نستطيع فهم ما كان يتطلع إليه فرهاد . كان يعتقد أن ثورة كردستان لن تطول ، وعندما تنتهي سيعيش هو على نتائجها ، وعندما وجد أن الأمر ليس كذلك ،ويرى أن العالم كله يتحامل على الحركة ، فاعتقد أن أميريكا ستخلصه وأراد أن يجعل نفسه مقبولاً منها سريعاً ويستسلم لها حتى يتمكن من العيش ، ولهذا توجه نحو جلال ومسعود وأميريكا . والنتيجة اليوم أمام الأنظار . وقد أرسل لنا عدة مرات لنقبل به ، وهذا غير مهم ، وقد قلت لأخته : إذهبي إليه وأنت أخته وهو أخو القائد فاسأليه عن مدى مساعدتي وحمايتي له ومدى إعطائه الإمكانيات ، وإن كنتم ساعدتموه بقدر ما ساعدته أنا ، وقد فعلت كل شيء من أجله وهذا كل ما أستطيع القيام به ، وأكرر مرة أخرى مادمت أنا موجود هنا لن يستطيع فرهاد المجيء إلى هنا ، هذا مستحيل . لم يحمي أحد فرهاد أكثر مني ، ولم يمنحه الإمكانيات أحد أكثر مني ، ولا يوجد شيء استطيع القيام به من أجله بعد الآن . لماذا أذكر هذا ؟ . أقولها حتى لا ينزلق أحد إلى وضع فرهاد . ومن يلجأ إلى الطرق البسيطة في الثورة الكردستانية والسياسة الكردستانية هكذا تكون نهايته . سيرى أن الأمر ليس كذلك وسيقول إن عمري انتهى وسيذهب إلى أحضان النظام . أما إذا كنا لا نرغب في أن نؤول إلى ذلك الوضع ، وإذا كنا لا نرغب في أن نكون في الوضع المضاد لشعبنا ورفاقنا وكدحنا ، و لا نريد أن نكون خونة ومتخاذلين ، يجب أن لا نتطلع إلى الطرق البسيطة السهلة .
وهكذا عندما ظهر PKK وتقدم على التنظيمات والأحزاب الأخرى كان لهذه الأسباب التي ذكرناها واتي رفعت الستار عن الذهنية القديمة ، وإذا فهم الرفاق هذه التقاط يمكنهم أن يصبحوا أعضاء وكوادر في الحزب ويمكنهم أن يسيروا حتى النهاية ، أما إذا ساروا خلف ذهنية الأحزاب الأخرى فإن نهايتهم ستكون مائة بالمائة مثل نهاية فرهاد أو نهاية شمدين ساكيك . فإذا كان PKK قد ترسخ وحقق تقدماً فذلك مرتبط بأمرين أولاً :هذه الذهنية وهذا الطراز ، وثانياً : الكادرية ، فالأمر المهم في الكادرية منذ الظهور هم الإستقامة ، والثقة والإيمان والتضحية والجرأة ، هذه الأمور هي أساس الكادرية ، عن ماذا تعبر هذه الأمور ؟ . إنها تعبر عن التخلص من ذهنية الاستعمار ، حيث لاتوجد الاستقامة في الذهنية المهيمنة حيث هناك الكذب والخداع والإلهاء ، وذلك يعبر عن التآمر . والذي لايستطيع التخلص من الذهنية المهيمنة سيحتاج إلى الكذب والخداع والتزييف ، أما الذي يستطيع التخلص من تلك الذهنية فلن يحتاج إلى أي منها ، فلن يحتاج إلى الكذب والخداع ، وهذا جانب مهم , فمنذ ظهور هذه الحركة كانت استقامة الكادر هي الأساس ، من أجل من ؟ من أجل شعبه ومن أجل رفاقه عليه أن يكون مستقيماً . ولهذا عندما كان أحد الرفاق يقول شيئاً يتم قبوله فوراً دون أي تشكيك ، فالثقة ببعضهم البعض كان في هذا المستوى ، والثقة المتبادلة كانت في هذا المستوى ، والاستقامة تعني الثقة المتبادلة ، فإذا قال رفيق شيئاً يكون هو الصحيح بدن شك ، أي ثقة مطلقة ، من أين جاءت تلك الثقة ؟ من الاستقامة بدون شك ، فلولا الاستقامة لما توفرت الثقة أيضاً . لاحظوا أنه لاتوجد ثقة بين الذين لم يتخلصوا من الذهنية الحاكمة ، فهم يبتسمون في وجوه بعضهم ، ثم يضعون الصابون تحت أقدام بعضهم البعض ، فلولا ذلك لن يستطيع أحدهم فرض حاكميته وزيادة رصيده ، بينما السبب الأساسي في نجاح هذه الحركة يكمن في الثقة المتبادلة وهي تأتي من الاستقامة .
منذ بداية هذه الحركة كانت الجرأة أحد أسسها ، التصرف بجرأة ، لأن الدفاع عن كردستان والشعب الكردي في تلك الأجواء لم يكن سهلاً ، فالذين يملكون الجرأة فقط يستطيعون القيام بذلك ، فالكثيرون لم يتجرأوا على النطق باسم كردستان ، ولأول مرة قامت هذه الحركة بلصق ملصقات آيدن غول وتتحدثت عن كردستان . والذين كانوا يدعون الثوروية والدفاع عن الوطنية الكردية قاموا بتمزيق تلك الملصقات قائلين : إنكم تفتحون الباب للمجازر والإبادة ، ولهذا السبب اعلنوا علينا الحرب ، وحدثت صدامات بيننا وبينهم في دياربكر ،ولم يكونوا يريدوننا أن نذكر اسم كردستان ، ولكن هذه الحركة منحت الجرأة . الجميع كانوا لايريدون النضال في كردستان ، هذه الحركة قالت إننا سنناضل في كردستان ، حتى من بيننا كان من يقول أن الثمن سيكون غالياً ويعترضون على هذا التوجه وسأشرح هذا فيما بعد ، ولو سمعناهم لما أمكننا إلقاء تلك الخطوة . ماذا كانوا يسموننا ؟ . كانوا يقولون : الشريحة التي تحرق نفسها وكل شيء . أي أن هؤلاء سيحرقون أنفسهم وكردستان . ومن قبل ماذا كانوا يقولون ؟ . يقولون هؤلاء مجانين ، ليس لديهم عقل ، لماذا ؟ . لأن من لديه عقل لا يمكن أن يذهب إلى كردستان ويناضل . بالطبع قولهم هذا نابع من الأوضاع التي يعيشها الشعب الكردي ، أي أن كلامهم لم يكن بدون سبب ، والمجانين وحدهم يستطيعون الذهاب لكردستان من أجل النضال . فالثوروية أيضاً تتطلب بعض الجنون بالطبع ، ولولا ذلك لن تستطيع القيام بشيء ، أما في كردستان فلن تستطيع مطلقاً . فإن كنت عاقلاً واستمعت إلى الجميع لايمكنك أن تكون ثورياً . وإذا لم نكن مجانين واستمعنا إلى من حولنا من الأكراد والأتراك وحتى إلى بعض رفاقنا لما استطعنا إلقاء تلك الخطوة . فالجرأة في تلك المراحل كان أساسياً ، المعرفة هي الأساس في كل المراحل ولكن بعض المراحل تحتاج إلى الجرأة . ويمكنك كسب تلك المراحل بالجرأة ، فإن استطعت إلقاء خطوة جريئة في الوقت المناسب كسبت المرحلة ، أما بعد فواتها لن تستطيع كسبها مهما كان لديك من إمكانيات ومعرفة . هذا هو الجانب الذي تحقق في PKK ، ربما كان هناك من هو أعلم منا على الصعيد النظري ، من الناحية الايديولوجية والفلسفة ، ويمكنهم التحدث لساعات طويلة ، ولكنهم يفتقرون إلى الجرأة ، بينما نحن ربما لم تكن معرفتنا كبيرة ولكن توفرت لدينا الجرأة حسب تلك المعرفة ، وذلك هو الفرق بيننا والآخرين . ما الذي كان يمدنا بالجرأة ؟ . الروح الرفاقية هي التي تمدنا بالجرأة ، وإلا كيف يمكننا إلقاء تلك الخطوة الكبيرة في مواجهة المستعمر ؟ . من الناحية الايديولوجية كنا ضعفاء فالقائد كان قوياً من الناحية الايديولوجية ولكن الكوادر الآخرين لم يكونوا أقوياء كما يجب ، وكانوا لاشيء في الفلسفة . أن يقول أحدهم أنهم كانوا أقوياء ايديولوجياً فألقوا خطوتهم ، كلا لم يكن الأمر كذلك . لقد تمت تلك الخطوة بالروح الرفاقية ، مثلاً كان هناك الرفيق كمال ، وكل رفيق معه يشعر وكأنه في حماية جيش جرار، فمثلما تشعر بالثقة والاطمئنان عندما تكون بين جيش لك ويمكنك أن تخوض حرباً ضد من تريد ، كنت تشعر بنفس الشعور عندما تكون مع الرفيق كمال ، أي أن ذلك الايمان منحنا تلك الجرأة ولم تكن لدينا أية قوة أخرى ، قوتنا كانت رفاقيتنا ، فقد كنا نعلم أنه لن يأتينا أي ضرر من رفاقنا ، فهم قوة لنا ليس فيهم أية ألاعيب أو خيانة ولن يتخلوا عنا في منتصف الطريق ، ولن نتعرض للإبادة مادام رفاقنا أحياء ، هذا المفهوم خلق الجرأة ، مع هذا بالطبع لم تكن هناك حدود للتضحية . لماذا ؟ لأنه لم يكن في الأمر خداع أو تزييف . ولهذا كانت التضحية حتى النهاية . هذه هي السمات التي توفرت لدى الرفاق في البداية ، وهي التي دفعت نحو إلقاء الخطوة الأولى والظهور .