تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 3
تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 3
جميل بايك
الفلسفة التي تبناها PKK عند الظهور والتأسيس كانت فلسفة عظيمة، لقمة وكسوة، أي أن لا تبقى جائعاً ولا عارياً حتى تتمكن من العمل والخدمة، هذه هي الفلسفة التي اتخذها أساساً لأجله في العمل والنضال، وهذه الفلسفة حالت دون حدوث التلوث والقذارة في صفوف PKK وكوادره، هذه فلسفة عظيمة وجدت وعاشت في التاريخ فتبناها القائد كفلسفة أساسية للتنظيم، تدرب ودرّب رفاقه عليها .حرب الذات أو الصراع ضد النفس أمر مهم لدى القيادة وفي الحزب، فحتى في لقائه الأخير يقول القائد أنه سيخوض حرباً كبيرة لا نهائية ضد نفسه وعلى صعيد فكره، ولهذا فإن حرب الذات حظيت بأهمية كبيرة داخل صفوف الحزب في كافة المراحل، مما أبقى على الطهارة والنظافة في الصفوف، ولكن مع الأسف هناك الابتعاد عن هذا المبدأ لدى بعض الأشخاص من أجل المأكل والملبس أو من اجل امرأة، فهناك الذين باعوا أنفسهم أيضاً، بل هناك من باع الحركة، وهذه أمور يمكن رؤيتها لدى كل الحركات، ولكن هذا لا يمثل طراز حركتنا .
كذلك كانت هناك فلسفة طورها الحاكمون على كردستان في صفوف الشعب وهي فلسفة ( دعها وشأنها، لن يحدث شيء )، فالحرب ضد هذه الفلسفة التي زرعها العدو ومناهضتها وإضعافها كانت أساساً , بل إن الحرب الكبيرة لهذه الحركة كان في هذا الموقع، فإذا كان هناك صعود ونهوض في كردستان في يومنا فهو بفضل الحرب ضد هذه المفاهيم , ولكن لازالت هذه المفاهيم والفلسفة التي جعلها العدو وسيلة لإسقاط الإنسان الكردي والمجتمع الكردي، وموته وإبعاده عن كل شيء، تنتشر لدى بعض كوادرنا ورفاقنا، ففي السنوات الأخيرة وبعد ابتداء المؤامرة والتصفوية، زادت هذه الفلسفة من قبيل : ماذا لك ؟ وهل أنت الذي ستحافظ على القيم وهذه الحركة ؟ وهل أنت الذي ستدافع عن الحركة وتحررها ؟ .ومارس السياسة، وخذ لك موقعاً، ولا تخاطر بنفسك، ولا تلق بنفسك إلى الخطر، ولا تخلق العداء مع الآخرين، وما إلى ذلك من أقوال، وما هو الذي كسبناه مما قمنا به حتى نخسر، ودعك من ذلك .نعم تقدمت هذه الفلسفة التي هي فلسفة الحكام وهي فلسفة التصفوية التي ألحقت أكبر الضرر بشعبنا، والحركة منذ بدايتها خاضت الحرب ضدها، ولولا تلك الحرب لما تقدمت الحركة إلى هذا المستوى .
الطراز الذي تبنته الحركة منذ البداية هو: حفر البئر بالإبرة، أي الالتزام بالصبر والعمل الدؤوب حتى الوصول إلى النتائج، وبذلك تقدمت الحركة وتطورت إلى يومنا هذا، ولذلك كان القائد يقول حفر البئر بالإبرة، وكل ما تحقق لهذه الحركة كان بهذا الطراز، وبه استطاع PKK أن يصنع نفسه ويصلح المجتمع الكردي، فقبل كل شيء فكر القائد آبو كيف سيصلح ذهنية هذا الشعب وأخلاقه، وجعل ذلك هدفاً له، فقد كانت هناك مشكلة كبيرة على صعيد الذهنية والأخلاق في كردستان، فالمجتمعية الكردية قد تناثرت والأخلاق الكردية قد تمسخت، والحكام فرضوا مجتمعيتهم وأخلاقهم على كردستان، وهذا كان يعني للأكراد الابتعاد الكامل عن النظام والأخلاق، ونتيجة لذلك تم اغتراب الأكراد عن واقعهم، عدا خيانتهم .فإذا أردت إخراج الأكراد من هذا الواقع عليك إصلاح ذهنيتهم وأخلاقهم أولاً، وهذا يعني الإيديولوجية، أي أن تقوم بوضع إيديولوجية وطريق للشعب الكردي، فالإيديولوجية تعني الطريق، ووضع الإيديولوجية يعني الطريق نحو إصلاح المجتمع والأخلاق .فالمجتمع الكردي كان يسير على الطريق الذي وضعه المتحكمون بكردستان وبات في خدمة المحتلين تماماً , أية إيديولوجية تستطيع إنقاذ المجتمع الكردستاني مما هو فيه ؟ وأي طريق سيسلكه المجتمع ليستعيد أخلاقه وذاته ؟ . فأي إيديولوجية ستتبناها لإخراج هذا الشعب مما هو فيه ؟ .وأي وسيلة وطريق ستتبعه .لتكون الإيديولوجية وطريق الإصلاح والخلاص للمجتمع .أكبر إنجاز قام به القائد بمنتهى الجرأة والتصميم والتضحية كان على هذا الصعيد، وقام بوضع الشعب الكردي على الطريق السليم، ولهذا ارتضى الشعب الكردي بهذه الإيديولوجية و هذه الطريق، وذلك هو السبب في تقدم وانتشار هذه الإيديولوجية، فمنذ البداية كان على كل من لديه الاستعداد لإبداء منتهى الجرأة والتضحية والعمل الجاد يمكن أن يكون كادراً في حركة PKK، فإذا كنا نرى اليوم منتهى الجرأة والتضحية والروح الرفاقية العميقة والارتباط الوثيق بالقائد آبو فذلك مرتبط بهذه الحقيقة، لأن القائد قام بتطبيق ما جعل لنفسه أساساً والتزم من تضحية وجرأة وعمل جاد دؤوب على الحزب والكوادر والشعب الكردي، فمستوى التضحية والجرأة والتصميم الذي نراه لدى الشعب الكردي وكوادر الحركة هو المستوى الذي زرعه القائد في ذاته، فما قام القائد بزرعه في ذاته وعمل به، جعلها أساساً لكوادر PKK والشعب الكردي على نفس المستوى .
الثقة التي انتشرت بين الجماهير تدريجياً بـ PKK منذ ظهور الحركة ثم قيام الشعب بمنح كل ما يملك للحركة وقيادتها نابع من كادرية الحزب والمبادئ التي التزم بها كوادره، ففي كادرية PKK لا يوجد العيش من أجل الذات، بل كل شيء من أجل الشعب والتحرر، والعيش من أجل تحرير الشعب، الكادر بمشاعره وفكره وأخلاقه وثقافته ومقاييسه وحياته مبني على هذا الأساس .فهو قام بتنظيم نفسه ويحيا ويُقبل على الموت من أجل الحرية، ولا يقبل الحياة والموت في سبيل أي شيء آخر، هذه هي الكادرية التي أوجدها وزرعها القائد آبو وهي عظيمة جداً .فالتضحية والجرأة والتصميم والرفاقية والثقة كلها ليست لها حدود في هذه الكادرية، العيش بكل تواضع أي الاكتفاء بلقمة وكساء، فإذا كان الشعب قد وثق بهذا الحزب وهذه القيادة وهذه الكادرية فهو من ذلك السبب، لأن كادر هذه الحركة لم يحيا ولم يتطلع إلى أي أمر شخصي، وجعل ذلك محرماً على نفسه، وجعل من العيش بليله ونهاره ضمن الشعب ومن أجل الشعب نمطاً له، وهذا ما ارتضى به الشعب، لأنه وجده مثله وجزءاً منه بأخلاقه ومعيشته، فهو لم ولن يرى نفسه فوق الشعب مطلقاً، فهو يرى نفسه فيهم ويراهم في نفسه ولا يمكن أن يكون في وضع متناقض معه أبداً، فالشعب يرى أن لا حياة أخرى خاصة له خارج حياتهم، مما ترك أثراً كبيراً على الشعب، ولهذا كانوا يقولون: هؤلاء يشبهون الملائكة، ونقصهم الوحيد هو أنهم لا يصلون وهذه ليست مشكلة كبيرة .هكذا عرف الشعب هذه الحركة، فلشعبنا ثقافته الخاصة به ولهذا كانوا يقدرون عالياً هذه الحركة وكوادرها ووثقوا بها، ولهذا منحوا الحركة كل ما يملكونه وانضموا إليها وراهنوا عليها بكل شيء، فشعبنا لا يقبل بأي شيء خارج الملائكة، هذه هي ثقافته وأخلاقه وقِيَمه، وقد وجدوا ذلك في هذه الحركة ووجدوا أنها تمثلهم وتعبر عن طموحاتهم وتطلعاتهم وانتصارهم بكوادرها وقيادتها وتنظيمها .ولكن اليوم ومع كل أسف نرى أن النفاق قد انتشر لدى البعض من كوادرنا، ففي باتمان تقول أسرة أحد شهدائنا لأحد كوادرنا في مناسبة مراسم الشهيد: نرجوك أن لا تحضر اليوم وتأتي بعد عدة أيام .وكأنه يقول: ليكن لديك بعض الاحترام للشهيد. لماذا ؟ لأن ملابس الكادر الرفيقة لا تتناسب مع المناسبة، لهذا يقولون لها أرجوك أن لا تأتي اليوم بل بعد عدة أيام .وهذا الوضع ليس للرفيقات فقط ، بل الرفاق أيضاً ينزلقون إلى تلك المواقف .فهم يعملون بما هو سائد في تركيا من سفور وحرية الملبس والتصرف وما شابه ذلك من مفاهيم ويحاولون تطبيق ذلك في نشاطهم باسم العلمانية والحرية بينما لا علاقة لمفهوم الحرية بكل ذلك .ففي بداية ظهور الحركة نشروا دعايات مغرضة كثيرة عن الحركة، فكانوا يقولون أنها حركة شيوعية وبعيدة عن الدين وما إلى ذلك، فيجيبهم الكثيرون من الأكراد لا بأس إنني مع PKK رغم ذلك .هذه هي حقيقة هذه الحركة، بينما الآن نجد هناك ابتعاداً لدى البعض من كوادرنا عن حقيقة وثقافة وأخلاق ومقاييس الحركة، الشعب الذي كان يمنح كل ما يملك، ماله وملكه وروحه لهذه الحركة وكوادرها بات متردداً، لأن ذلك الكادر بات بعيداً عن مقاييس الحركة، ولهذا يقول الكثيرون من أبناء الشعب : نحن نريد الرفاق القدامى الآبوجيين .لماذا يقولون ذلك ؟ ألست أنت أيضاً أحد كوادر هذه الحركة ؟ .لأنهم لا يرون فيك شيئاً من PKK، لا يرون الثقافة والأخلاق والمقاييس والشخصية التي عرفوها في PKK، ويرون ما تقوم به وأخلاقك وثقافتك ومقاييسك وطرازك في الحياة .على كوادر هذه الحركة أن يقوموا بتربية أنفسهم من أجل فلسفة هذه الحركة وطرازها وهو اللقمة والكساء، ليطهر نفسه حتى يصبح ملاكاً من الملائكة، وعندها فقط يستطيع أن يحيا من أجل هذا الشعب، وفيما عدا ذلك هو تزييف وخداع وكذب، الكثيرون كانوا يخدعون شعبنا ويعيشون على التزييف والكذب، ولكن الشعب بات قادراً على تمييز كل ذلك في يومنا .
في عام 1976 كنت متواجداً في منطقة هوزات التابعة لديرسيم في قرية باليكايا، مع رفيق من تلك المنطقة (علي شير)، ذهبنا إلى بيت في تلك القرية وكان في البيت شيخ عجوز، يجلس في صدر المجلس، بالطبع أنا لا أعرفه فذهبت وجلست بجانبه، رفيقي الذي كان معي واسمه جومرد كان يعرف أنه دَدَه (Dede) “شيخ العلويين” لأنه من تلك المنطقة ويعرف شيوخها، ولهذا جلس هو قرب الباب ولم يأت إلى جانبي، بينما أنا لم أعرف أنه دَدَه فجلست إلى جانبه بعد تحيَّته، كنت من المدخنين بشراهة في ذلك الوقت ولم يبق لدي ما أدخن، والشيخ يدخن من علبة فيها دخان فرط، فرجوته أن يسمح لي بلف سيكارة من علبته، فمد إليّ العلبة ونظر إليّ بازدراء، فعرفت أنه لم يعطني إياها برغبته، بالطبع لم أفهم سبب ذلك، بعدها جاؤوا بالطعام وكان هناك عدة شباب من أهل البيت، فأكل الشباب ولم يقوموا عن السفرة، ولم أقم أنا أيضاً فالعادة لدينا هي أن لا تقوم عن السفرة مادام هناك كبار السن لا زالوا يأكلون احتراماً لهم، هكذا فهمت لأنني لا أعلم أنه دَدَه، وبعد أن انتهى الجميع مد الآخرون أيديهم إلى الصواني وقرأ ذلك الشخص بعض الأدعية، بعد الدعاء تناول الآخرون قطعتين من الغذاء، فهمت أن هناك أمر غير طبيعي ولكنني لم أفهمه لأنني لم أكن اجتمعت مع أي دَدَه، كما لم يكن صاحبي قد أخبرني .عدنا إلى الجلوس في أماكننا، وأقدم الناس على تقبيل يديه ثم يحاولون تقبيل يدي معتقدين أنني مساعده، وأنا أعترض ومن بينهم شيخ في الثمانين حاول كثيراً أن يقبل يدي ورفضت، لم أكن أدرك ما يدور حولي ولكنني تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني من الظلم والموقف الذي أصبحت فيه .بعد أن امتلأ المجلس بالضيوف قالت امرأة مخاطبة الشيخ الكبير: تفضل دَدَه وتكرم علينا بأقوالك، عندها أدركت بأن الشيخ هو دَدَه .عندها فكرت في الأخطاء التي ارتكبتها، وكيف سيكون موقفه مني، فهو دَدَه ويمثل سلطة على الشعب، وهو يستطيع إنقاذي من الموقف والإحراج الذي أنا فيه إذا أراد، وماذا يمكنني أن أفعل لإنقاذ الموقف .
سأله الجميع عما يريدون معرفته وهو يجيب، وانتهى الكلام، قلت له : لا تؤاخذني دَدَه، أنا لا أجيد الكردية – وفعلاً لم أكن أجيدها – لقد تحدثت في كلامك عن كردستان، ولو توسعت في هذا الموضوع سأكون من الشاكرين، ففي قراءاته كان هناك شعر عن علي شير وثورة ديرسيم، وقد نشرنا تلك الرباعية عند استشهاد الرفيق عكيد فيما بعد على الملصقات التي انتشرت في جميع أنحاء كردستان، نظر إليّ نظرة عابرة وقال : إنهم يطلقون هذا الاسم على منطقتنا، ثم مضى في حديث آخر، ولم أحصل على نتيجة، بعد قليل قلت له مرة أخرى : لقد قرأت بعض الكتب عن الموضوع وأرى أنه موضوع أوسع من منطقتكم ومما أخبرتنا به، ربما لم تقع بين يديك تلك الكتب .عندها نظر إلي مرة أخرى، ولكن نظرته كانت مختلفة هذه المرة، ثم بدأ بالحديث عن تاريخ كردستان، بالطبع كان الجميع ينصت إليه، ورأيت تلك المرأة تسأل عني، من هذا ؟ فهي اعتقدت أنني مساعد لـ دَدَه ولهذا حاولت تقبيل يدي، ولكنها وجدت غير ذلك، ولهذا تساءلت : من هو ولماذا يجلس هناك ؟ .تحدث دَدَه مطولاً والجميع يستمع بانتباه، ولما انتهى شكرته وقلت : لو سمحت لي إنني أيضاً أريد التحدث .قال: تفضل وتحدثت عن تاريخ كردستان، ونظر إلي باهتمام ونظرة مختلفة هذه المرة، وأدرك أن هناك وضع غير معتاد، والآخرون أيضاً يرون أن الوضع غير معتاد .وهكذا انتهى الحديث، وبعد أن غادر الناس قلت له : لا تؤاخذني، إنني لم أعرف أنك دَدَه، وربما ارتكبت بعض الأخطاء، إلا أنني لم أقصدها، ولهذا أعتذر منك كثيراً .قال : إنني اعتقدت ذلك من قبل ولكنني وجدتك غير ذلك، ففي البداية حسبتك مثل اليساريين الأتراك، فهم مهرجون باسم الاشتراكية، وأنا لست مناهضاً للاشتراكية، كما أنني لست عدواً، وسلطتي على هذه القرى قوية، وأنا قادر على منعهم من دخول هذه القرى إن أردت، وأنا لا أفعل ذلك لأنني أكن الاحترام للاشتراكية، ولكن لا علاقة لهؤلاء بالاشتراكية، كما لا علاقة لهم بقيم الشعب .قلت : إن كلامك صحيح، ولكننا لسنا حركة مثلهم، عندها سأل : حسناً ومن أنتم ؟ .قلت له نحن حركة جديدة وشرحت له ما نمثل، عندها قال : لا يهمني الآن إن متُ، بعد أن شهدت ظهور حركة كردية على هذا النحو الذي رويته لي، وإنني سعيد جداً بكم، فقد كنت بانتظار أن تظهر حركة من هذا القبيل في يوم ما، وأنا لدي كتب عن كردستان مكتوبة بالعثمانية احتفظت بها، ومادمتم حركة كما ذكرتها لي فإنني سأهديكم إياها، واعتبروها إعانة مني، ثم أخرج كل ما لديه من نقود وقال هذه أيضاً إعانتي لكم، وإن رغبتم فإنني مستعد للتجول في كل هذه القرى التي أعرفها جيداً، ويمكنكم النشاط هنا .قلت هذا جيد، أي أننا استطعنا تأسيس علاقة رفاقية هناك .
لماذا أوردت هذا المثال ؟ .لقد كان اليسار التركي ناشطاً في تلك المناطق حتى ذلك الوقت، وكانوا باسم الاشتراكية يعادون الدين ورجاله والتقاليد وما إلى ذلك، ويظنون أنهم يناضلون بذلك، بالطبع لم يتسطيعوا عمل أي شيء، فتلك القرى كلها كانت تعتبر من تنظيم (Halkin Kurtulusu)، تحولت إلى جانبنا رغم أننا لم نتجول في جميع القرى، بل ذهبنا إلى عدة قرى، ومن بينها قرية حسين أحد مركزيي تنظيمهم، فكل القرويين تحولوا إلى جانبنا، لأن القرويون أنفسهم كانوا قد قاموا بالدعاية لنا بالإضافة إلى دَدَه الذي بذل جهوده أيضاً، وهكذا أصبحت جميع القرى مناصرة لنا دون استثناء .بهذا أريد أن أقول : إذا كنا نريد أن نعمل للشعب فعلينا أن نعمل على ذلك الطراز .بينما الآن نجد أن كوادرنا منقطعون عن الشعب بل إن بعضهم يرى نفسه فوق الشعب، الحياة التي يحيونها والكلام الذي يتحدثون به لا علاقة لها بالشعب، فكيف سيثق الشعب به؟ طبعاً لن يثق .وإذا أرسلت أحدهم إلى مكان، قبل كل شيء يقول سأستأجر بيتاً، ويدعي الثوروية ! إنك ذاهب لتعمل بين الشعب فكيف تستأجر بيتاً ؟ طبعاً هذا الشخص لن يناضل، فنحن لم نستأجر بيتاً في يوم من الأيام عندما ناضلنا بين الشعب، وكل حياتنا قضيناها بين شعبنا، ولبسنا ما يلبسه شعبنا وأكلنا ما يأكله، ولم تكن لدينا حياة غيرها، ولهذا عرفنا شعبنا عن قرب، وهو عرفنا عن قرب .وتلاحمنا مع شعبنا تطور على هذا الأساس، وثقة الشعب بنا بنيت على هذا الأساس .
عند ظهور هذه الحركة لم يكن يحترمها أحد، كما لم يكن يثق بأن الحركة ستخطو كل هذه الخطوات، والكل كان ينظر إليها نظرة بسيطة ويستهزئ بها، ولم يأخذها مأخذ الجد، ولم يقيموها، ولهذا كانوا ينعتوننا بشتى الصفات من قبيل : هؤلاء مجانين، وأنفاسهم فيها روائح، وكلها كانت اتهامات وليس نقداً، وتأتي ضمن مؤامرة التشهير والتلطيخ والإساءة، وتحطيم الإرادة لدينا، والحيلولة دون اقتراب الشعب منا، الكل كان يردد ما يحلو له فمنهم من قال : هؤلاء قوميون، ومنهم من قال : هؤلاء ليسوا اشتراكيون، ومنهم من قال : هؤلاء مجانين ….وهكذا كل ما خطر ببالهم .بالطبع تصدينا لكل ذلك دون أن تحط من معنوياتنا ودون أن تفقدنا ثقتنا بأنفسنا، ودون أن تلين إرادتنا .فالثقة بالنفس مهمة جداً ولولا ذلك ولولا التصميم لما استطعنا التصدي لكل ذلك ثم الظهور والتأسيس .بينما الآن نجد كثيراً من رفاقنا يبحثون عن الذرائع كي لا يناضلوا، وإن لم يجدوها يخلقونها ويقنعون أنفسهم بها، ويحاولون إقناع الآخرين بها وكذلك إقناع التنظيم، وإن لم يفلحوا ينسحبون ويقعدون لعدم تقدم النضال .هذا الأمر بات منتشراً، يفعلون ذلك رغم هذه الأجواء وتوفر هذه الإمكانيات والقيم والخبرة، بينما كل ذلك لم يكن متوفراً بهذا المستوى في البداية .أما إذا بحث أحدهم عن الذرائع فسيجدها، وربما في البداية كان لذلك معنى ويمكن توضيحها، بينما الآن فقد انتفى ذلك، ولا يمكن تفسيرها مطلقاً .في البدايات بعضهم لم يكن يكتفي بالشتم والتلطيخ والاتهام فقط، بل كان هناك من عقد العزم على ضربنا وقتلنا ، والذين فعلوا ذلك كانوا تنظيماً يدعي الاشتراكية واليسارية، أي أنه كان هناك من يسد الطريق أمامنا كي لا نناضل، ويتدخلون ويستخدمون العنف، فمثلاً الذي تزعم تنظيم ديف-يول ولم يكن قد تأسس بعد هدد القائد في أنقرا قائلاً : دعك من هذا العمل فهو عمل فاشل، وانضم إلينا إذا كنت راغباً في ممارسة النضال الثوري .ومثلاً لم نستطع الكشف عن نشاطنا في كلية اللغة والتاريخ، لعلمنا بأننا لو كشفنا لهاجمونا وقضوا علينا ولن نستطيع إلقاء خطوة أو البقاء هناك، حيث كنت أنا وكمال بير، فحتى نجعلهم يقبلون بنا كنا نخفي أنفسنا في البداية، بل كشفنا عن جوانبنا العامة دون الكشف عن هويتنا، وحتى نتمكن من الكشف عن هويتنا كان يجب أن نتصدى للفاشيين، و قلنا لو توفر ذلك يمكننا الكشف عن هوية حركتنا وأهدافها، ولن يكون هناك من يستطيع أن يقول لنا شيئاً، وسنفرض أنفسنا عليهم .ولأجل ذلك وحتى نتمكن من التصدي للفاشيين كنا نبذل جهوداً خاصة، وبالنتيجة عندما وصلنا إلى قناعة بأنهم لن يستطيعوا قطع السبيل أمامنا كشفنا عن هويتنا في كلية اللغة والتاريخ، وكانت هناك التنظيمات اليسارية التركية كلها، مثل DHKP و TiKO و TiSiP بما فيها حزب دوغو بيرينجيك والآخرون، فقد عقدنا اجتماعاً في ندوة الكلية وقلت للرفيق كمال : عليك أن تفتتح الاجتماع لأنك لست كردياً، فلو افتتحه أنا سيطلقون اتهامات كثيرة .قام الرفيق كمال في الاجتماع وقال نحن حركة أفكارنا هي كذا وكذا .وعندها بدا الجميع وكأن ماءً ساخناً صب عليهم، حتى أن بعضهم قال : واه …ومن أين ظهر لنا هؤلاء وهم الذين ينقصوننا !! وكأنهم يقولون سيصبح هؤلاء أيضاً كارثة على رؤوسنا، بل أراد أحدهم أن يطردنا من ذلك الاجتماع، وعندما تصدينا لذلك حاول بعضهم الاعتداء علينا، أي أنهم أرادوا إخراجنا بالعنف، فلو لم نكن أقوياء في تصدينا للفاشيين لما قبلونا .وبعدها قالوا الكثير عنا، فقلت لهم : إن الرفيق كمال ليس كردياً، وبعضهم كان يعرف ذلك سابقاً .ثم أردنا أن نذهب إلى عنتاب، ونحن لا نعرف أحداً هناك ولا مكاناً نذهب إليه، نريد أن نتعرف على أحدهم حتى نتحدث إليه ونقيم بعض العلاقات، فذهبنا إلى نقابة المعلمين (TOBDER) لأن الإمكانية تتوفر هناك .في اليوم الأول تحدثنا قليلاً، أما في اليوم الثاني عندما ذهبنا وجدنا الأبواب موصدة كي لا ندخل، وعلى النوافذ كانت هناك بعض المعلمات يضحكن ويستهزئن بنا ويقلن : هؤلاء هم الذين يذكرون الكرد وكردستان .اليسار التركي مثل Halkin Kurtulusu و ديف يول والآخرون كلهم هددونا كي لا نمارس نشاطنا في عنتاب، وقالوا : عليكم ترك هذا المكان .والذي أريد قوله هو أنهم لم يكتفوا بالتجريح والتشهير، بل مارسوا التهديد والعنف ضدنا .وهذا ما عانينا منه في بدايات ظهورنا ولكن رغم كل ذلك لم نتراجع خطوة واحدة ولم نتعرض لأي ضعف في الإرادة، بل على العكس من ذلك أصبحت هذه التهديدات والعراقيل دافعاً إلى مزيد من التصميم على النضال والتمسك بالإرادة حتى نستطيع فرض قبولنا على الآخرين ، أما الآن وكما شرحت هناك الكثيرون يبحثون عن الذرائع حتى لا يعملوا، وهذا أمر غير موجود في كادرية هذه الحركة .
في بدايات هذه الحركة عندما كنا في أنقرا وتتشكل مجموعة صغيرة، أجرى القائد لقاء مع كمال بوركاي، وقد كان عضواً في حزب TSIP بعد إغلاق حزب TIP، وحتى بعد عدة سنوات من ذلك اللقاء لم يكن ينطق باسم كردستان وكان يسميها بـ ” شرق الأناضول “، وفي ذلك اللقاء السري لم يتجرأ على ذكر اسم كردستان رغم عدم وجود خوف على حزبه من الإغلاق لأنه لقاء سري، وقد رأى بوركاي حركتنا وأفكار القائد خطيرة، وقد قال ذلك علناً، وأراد أن يمارس ضغطاً على القائد لعله يتراجع، ولكن القائد لم يتراجع .
في ذلك الوقت كان سراج بيلكين سكرتيراً لـ PDK تركيا، التقى به القائد وتحدث إليه أيضاً، عندها قال سراج بيلكين للقائد : بهذه الأفكار يجب أن لا تدخلوا كردستان، وإن دخلتم فإننا سنكسر أرجلكم .هكذا هددنا بشكل مكشوف، لأن PDK كان موجوداً في كردستان وكان قوياً لأنه كان مرتبطاً بالبارزاني، ولهذا هددنا .ربما لم ندرك معنى ذلك التهديد عندئذٍ ولكن فيما بعد وعندما قتلوا الرفيق حقي قارار فهمنا أن ذلك التهديد لم يأت من فراغ، ربما أخذ القائد ذلك التهديد مأخذ الجد عندما دخلنا كردستان فهو كان يدرك المخاطر من الدخول إلى كردستان ولهذا اتخذنا تدابيرنا وعلى هذا الأساس ألقينا خطوتنا تلك، ولكننا لم نكن ندرك مداه إلا بعد استشهاد الرفيق حقي، فعندها أدركنا أن التهديد حقيقي .
في ذلك الوقت أيضاً كان هناك أحمد اوكجواوغلو، ذلك المحامي الذي ذهب إلى القائد عقب أسره في ايمرالي، كذلك له أخ كان ينقل الرسائل بين القائد الدولة التركية، أحمد اوكجواوغلو وشخص آخر اسمه سروح وقف احمداوغلو، الاثنين قابلا القائد في منزل قبو كنا قد استأجرناه في حي Emek في أنقرا، كان لسروح أخ اسمه فاروق طالب في الكلية كان بيننا، وكان قد زودهم بالمعلومات عن علم، ولهذا أتيا لمقابلة القائد، وعندما أتيا كانا قادمين من الخارج، وهما رفيقان للدكتور ” شفان ” سعيد قرمزي توبراق، فعندما قتل سعيد آلجي في الجنوب، وقام البارزاني بقتل الدكتور شفان، كان قد اعتقل من كان مع الدكتور شفان ووضعهم في السجن، وكان هؤلاء من بينهم، ولكنهما استطاعا الخلاص والعودة إلى تركيا، وفهما من خلال فاروق بوجود ونهج حركتنا، ولهذا أرادا اللقاء بالقائد، فقبل طلبهما والتقى بهما في حي Emek وتم اللقاء بوجود مجموعة من الرفاق، بالطبع تحدث القائد معهما مطولاً وهما يستمعان ولا يتحدثان كثيراً، وبعد أن انتهى الحديث فعلا مثلنا تماماً وقالا : عجيب …كيف فاتنا هذا الأمر ؟ لقد كاد البارزاني أن يقتلنا، وأضافا : لدينا الإمكانيات ولديكم الفكر والكادرية فلنوحد هذه الأمور ولنتوحد .القائد لم يقبل بذلك طبعاً، وقال : الوقت لا زال باكراً لذلك، فلتكن العلاقات بيننا قائمة وبعدها سنقرر إذا كنا سنتوحد أم لا، فلا نحن نعرفكم جيداً ولا أنتم تعرفوننا .بالطبع هم كانوا يعرفون الحركة عن طريق فاروق، وكانوا قد فهموا أن ثمة ظهور سيحدث، وإذا لم يتم سد الطريق أمامه يدركون ما سيحدث، ويريدون سد الطريق أمام الحركة ليضعوها تحت سيطرتهم، ولهذا يقولان لديكم الفكر والكادرية ولدينا الإمكانيات، فهم يعرفون أن الإمكانيات المادية للحركة ضعيفة، فهموها من فاروق جيداً، فلو استطاعوا فرض إمكانياتهم المادية على الحركة ربما تمكنوا من فرض سيطرتهم أيضاً .كان لسروح وأحمد علاقات مع جلال الطالباني، وعندما رفض القائد عرضهم لم يتحقق هدفهم .بعدها عقد القائد لقاء مع نجم الدين بيوكايا، وقد كانت له علاقات مع جلال الطالباني أيضاً، وكان ممثله في الشمال، حيث طلب نجم الدين بيوكايا أيضاً أن يتوحد معنا، وقال : لدينا إمكانيات ولديكم أيضاً إمكانيات فلنوحدها في حركة واحدة، ورفض القائد هذا العرض مرة أخرى وقال : لازال الوقت مبكراً، وعلينا أن نقرر ذلك فيما بعد .
لقد كان موقف نجم الدين وموقف سروح وأحمد واحداً وهو موقف جلال الطالباني، وكانوا يريدون بذلك أن يضعوا الحركة تحت سيطرتهم، مستفيدين من ضعف الإمكانيات المادية لحركتنا، معتقدين أنها حركة كردية ضعيفة تفتقر إلى التجربة وإمكانياتها المادية ضعيفة، وبعرض إمكانياتهم يمكنهم أن يضعوا الحركة تحت سيطرتهم، ولكن القائد سد الطريق أمام ذلك، ولو لم يسد الطريق لما استطاعت الحركة الظهور والتقدم، وكانوا سيقضون عليها في ذلك المستوى .لماذا كان جلال الطالباني يعادي القائد ؟ علينا أن نفهم الأمر جيداً، عندما انتكست حركة البارزاني باتفاقية الجزائر، أراد الطالباني أن يستغل الفرصة ليعزز تنظيمه وإمكانياته في كردستان كي يتمكن من الانتقام لنفسه من البارزاني ومن PDK، لأن البارزاني لم يعط الفرصة لجلال لينشط في كردستان، وأتته الفرصة المناسبة بعد إتفاقية الجزائر والانتكاسة وتشتت PDK، فقام بتأسيس الاتحاد في الجنوب مع عدة تنظيمات، بالطبع لم يكن ذلك كافياً لجلال من أجل إلحاق ضربة بـ PDK والبارزاني وفرض سيطرته وعليه أن ينظم نفسه في الشمال أيضاً، وعندها سيتمكن من حصار PDK وتصفيته، ولا يمكن بشكل آخر، وخاصة أن PDK كان يريد جعل الشمال أرضية لانطلاقه بعد اتفاقية الجزائر والانتكاسة، فكانوا ينظمون أنفسهم في الشمال حتى يتمكنوا من النضال في الجنوب، فاستطاع PDK تنظيم نفسه على طول خط الحدود من الجهة الشمالية مستفيداً من علاقاته مع PDK تركيا، ولهذا فقد كان الشمال مهماً بالنسبة لجلال، علماً بأن الحزب الديموقراطي لم يكن قد لملم نفسه بعد وهي فرصة لجلال، فلو قام PDK بتنظيم نفسه لفاتت الفرصة على جلال مرة أخرى، ولو قام جلال بتنظيم نفسه في الشمال والجنوب سيتمكن من قطع الطريق أمامه، وكان جلال ينشط على ذلك الأساس، فالحزب كان قد أصيب بالضعف حتى في الشمال بعد اتفاقية الجزائر، كما كان تأثير الاشتراكية المشيدة قد زاد بدرجة كبيرة فالاشتراكي وغير الاشتراكي كان يدعي الانتماء للتيار الاشتراكي، وكان جلال أيضاً يدعي الالتزام بالاشتراكية، ابتدأ جلال بالشمال وأسس تنظيمه إلى درجة كبيرة، وكاد يفرض هيمنته على الشمال، وهو على وشك تأسيس هيمنته ظهرت حركتنا، ووجد جلال نفسه أمام حركة جديدة، لهذا كانت مساعي سروح ونجم الدين وأحمد تهدف إلى سد الطريق أمام ذلك الظهور ليعزز جلال تنظيمه في الشمال ويتمكن من الانتقام وإنهاء PDK وينصب من نفسه ملكاً على كردستان .وظهور حركتنا بهذا الشكل أفشل حسابات ومخططات وأهداف جلال كلها، ومنذ ذلك الوقت كلما وجد جلال الفرصة المواتية مارس العداء للقائد و PKK بهدف الانتقام، فهو يعتقد أن القائد آبو وPKK هما السبب في عدم تمكنه من الثأر من البارزاني وحزبه، وتتويجه ملكاً على كردستان .وهي حقيقة، فلو لم تظهر حركتنا لتمكن جلال من بسط هيمنته على كردستان .فإذا لم يحدث ذلك فهو بسبب ظهور حزبنا، فكلما تقدمت وتطورت حركتنا تعرض حزب جلال للتصفية .وعندما ذهبنا إلى الشرق الأوسط سأل جلال القائد آبو : من الذي ساعدك على الظهور ولماذا خرجت ؟ . وقال القائد : ليس هناك من ساعدني في الخروج، فقد فكرت أن لي شعباً، والعالم كله يحارب ويناضل من أجل شعبه، وهكذا أنا قررت أن أحارب من أجل شعبي .وقال جلال : مستحيل هذا غير ممكن !! .لماذا يقول هذا الكلام ؟ .لأنه حسب تفكيره لا يمكن أن يظهر فقير ليؤسس حركة تعتمد على نفسها دون مساعدة أحد .وهو أيضاً لم يعتمد على نفسه في تأسيس حركته، ويعتقد باستحالة ظهور حركة في كردستان اعتماداً على إمكانيات شعبها وطاقاتها الذاتية، ولا بد من الاعتماد على الآخرين .ولهذا يسأل بفظاظة تدل على الانزعاج : من ساعدكم ؟ .ويقول له القائد : رأيت أوضاع شعبي وأوضاع العالم، وأملى علي فكري أن أسير في هذا الطريق، وها أنا سائر .وهو يقول هذا مستحيل .
عندما كنا في الشرق الأوسط ذهبت إلى الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش لعقد لقاء معهم، قالوا لي : فؤاد معصوم هنا أيضاً، وسيدة أخرى تدعى “خجو”، وهما يريدان اللقاء بك .فقلت لا مانع، وعندما التقيتهما وجدت الدكتور فؤاد معصوم قد أتى بـ “خجي” ويدعيان بتأسيس علاقة كردية فلسطينية .وقد أخبرالإتحاد الفلسطينيين أن “آلا رزكاري” تمثل أكراد الشمال .وهو بذلك يريد إقامة علاقة بين الفلسطينيين وآلا رزكاري ليسد الباب أمامنا .فعندما أسسنا العلاقة مع الفلسطينيين واجهنا صعوبات كثيرة، من جانب جلال ومن جانب PDK ومن جانب الأحزاب الشيوعية في سوريا والعراق وصعوبات أخرى كثيرة .بالإضافة إلى أن البارزانيين كانوا قد خربوا العلاقات الكردية العربية بإقامة العلاقات مع اسرائيل، فالعرب لم يكونوا يثقون بالأكراد .وقد عانينا كثيراً حتى استطعنا إقامة بعض العلاقات السليمة من أجلنا، بينما جلال و PDK فقد أقاموا علاقاتهم من خلال الأحزاب الشيوعية، ولولا ذلك لما تمكنوا، فالأحزاب الشيوعية كانت مهيمنة والحزب الشيوعي العراقي كان يتزعم جميع الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط على صعيد العلاقات مع موسكو، هذه الصلاحية جعلت الحزب الشيوعي يقوم بهذه المهمة .ففي عهد المعسكر الاشتراكي كانت بلغاريا وألمانيا الشرقية مسؤولتان عن الشرق الأوسط، فهما يعملان، وهما اختارا الحزب الشيوعي العراقي ليكون مخاطباً لهما عن الشرق الأوسط .أي إذا أردت إقامة علاقة مع المعسكر الاشتراكي عليك أن تحظى على موافقة الحزب الشيوعي العراقي ثم بلغاريا وألمانيا الشرقية لتحصل على إقامة العلاقة مع موسكو، ذلك هو الطريق، ولهذا كان إقامة العلاقات صعباً، وسأتوقف على هذه النقطة فيما بعد .
في بداية الحركة وتقدمها تعرضت لهجوم الفاشيين، وعندما لم يتمكنوا منها تعرضت لهجوم اليسار والذين يسمون أنفسهم بالوطنيين الأكراد، وعندما لم يتمكنوا منها جاء دور العشائريين والقبليين الأكراد، وعندما لم يتمكن هؤلاء جميعاً جاء دور الدولة، حيث بدأت بالهجوم المكشوف بكل قوتها، في ذلك الوقت لم نكن قادرين على فهم أسباب هجوم هذه الحركات التي تدعي الاشتراكية والوطنية علينا، فاعتقدنا بأنه كلما دخلنا منطقة تراجعت تلك الحركات، ولكن ذلك كان أحد الأسباب، بالإضافة إلى أن ذلك لا يكفي لأن يعتدوا علينا بهدف إبادة رفاقنا، وتبين فيما بعد أن هناك مركزاً يدير كل ذلك وهو الاستخبارات الأميريكية CIA، كما شرحت عن ظهور أوراق السفارة الأميريكية .وأولئك الذين لهم علاقات مع الاستخبارات التركية و CIA يقومون بهذه الاعتداءات .عندما قرأنا تلك الوثائق علمنا بها .كل التنظيمات هاجمت هذه الحركة Halkin Kurtulusu, Halkin Birligi, PDA, DDKD, DDKO, Alarizgari وغيرها، كلها اعتدت علينا ، وحدث صراع كبير، وفقدنا الكثير من الشهداء وعانينا مضايقات كثيرة، فلو لم نتصدى لتلك الهجمات لما استطاعت هذه الحركة الاستمرار، لأن هجماتهم استهدفت منع الحركة من النشاط، لدرجة أنهم كانوا يقتلون حتى لا تلقي الحركة خطواتها، أرادوا تحطيم إرادتنا وتخويفنا حتى نترك النشاط، لأن هذه التنظيمات جميعاً أقامت تنظيماتها في كردستان ونحن تأسسنا ودخلنا الساحة حديثاً، وكل منطقة ندخلها نتقدم وهم يتراجعون، فهم يخفقون في الصراع الإيديولوجي، ويحاولون التقدم بالصراع السياسي، ويلجأون إلى العنف في محاولات إبادتنا، ففي ديرسيم قتلوا الرفيق آيدن غول في عام 1976، وكان هذا الرفيق ينشط مع Halkin Kurtulusu قبل ذلك في الثانوية، وعندما تخلى عنهم وأصبح يعمل معنا بدأوا بتهديده لأنه كلما ذهب إلى الثانوية فقدوا أنصارهم، فإذا لم يمنعوه ستذهب الثانوية منهم ولهذا وجدوا الحل في قتله رغم أنه كان رفيقهم السابق وأدعوا أنه خانهم، بهذه الذريعة أرادوا سد الطريق أمام تقدمنا، قبل ذلك في Tuzlu Cayir كان لنا رفيق اسمه علي دوغان يلدرم كان مهتماً بالفن ويقوم بتدريب الشباب في حيه، كان يلعب بمسدس بين يديه والأمان مفتوح فيصاب برصاصة في رأسه ويستشهد، وإذا لم نعتبر ذلك شهادة فإن الرفيق آيدن غول هو أول شهداء الحركة الذين استشهدوا على أيدي الآخرين، وقد كان حدثاً كبيراً، فعندما استشهد كنت هناك مع الرفيق جومرد في باليكايا عند دَدَه الذي مر ذكره، وعندما سمعنا بالحدث توجهنا إلى هناك وكنا نعتقد أنه الرفيق فؤاد أو شاهين دونمز اللذان كانا هناك أيضاً، وخرجنا في منتصف الليل، ولكننا عدنا من منتصف الطريق وشارفنا على الموت وجرى إنقاذنا من طرف القرويين من البرد، وأصبت أنا بـ “ذات الرئة” بينما ذلك الرفيق أصيب بعاهة مستديمة ولا زال على قيد الحياة، وذهبنا بعد أربعة أيام وعرفنا أن الشهيد هو آيدن غولر وكانوا قد دفنوه .الذين لم يكونوا يستخدمون السلاح ضد المحتلين والعسكر والبوليس وضد الفاشيين كانوا يستخدمون السلاح في مواجهتنا دون تردد ويتوحدون في جبهات ضدنا، حيث أقاموا ” الجبهة الوطنية الديموقراطية” ضدنا، ودخلت فيها جميع التنظيمات المذكورة آنفاً تقريباً، وتسببوا في استشهاد أربعين أو خمسين شخصاً من رفاقنا، بينما لم يقتلوا أحداً من الجنود أو البوليس أو الفاشيين، فلو لم نقم بالدفاع عن أنفسنا لانتهت الحركة ولما استطعنا الاستمرار والبقاء .
عند ظهور الحركة عانينا من كثير من الآلام على يد الشوفينية التركية والقومجية الكردية، وفقدنا كثيراً من الشهداء على أيديهم، وتسببوا في مشاكل كثيرة لنا، ولأننا خضنا صراعنا الإيديولوجي وقاومناهم بدنياً بمنتهى التصميم استطعنا فرض التراجع عليهم، واستطاعت الحركة التقدم على نهجها وترسيخ مفاهيمها، وعززت تنظيمها على ذلك الأساس، ولكنها لم تعادي الشعب التركي ولا عملت على خلق هذا العداء في أي يوم لأنها وجدت ذلك خطأً، كما لم تنزلق إلى طريق القوموية الكردية، ولهذا لم تتلطخ رغم كل المحاولات التي بذلها المعتدون، فقد حرصنا دائماً على أن لا نخرج عن نهجنا، ولم تنموا لدينا القوموية الكردية، كما لم تتقدم لدينا معاداة الشعوب تحت الضغوط التي مارسها علينا الشوفينيون الأتراك والقومويون الأكراد، لأن الحركة التزمت بذكرى حقي قارار وكمال بير .
عند ظهور الحركة لم تكن الأجواء السياسية ولا الأجواء القانونية تسمح بالتفكير السليم حتى يكون لديك فكراً واضحاً، وعندما تفكر بتأسيس حركة ناشطة لا يمكنك اتخاذ الأرضية السياسية والقانونية القائمة أساساً، ولهذا اتخذ القائد مبدأ السرية أساساً للحركة، كما جعل من الاعتماد على الذات في القيام بكل شيء أساساً، فإذا جعلت ذلك مبدأً لك يمكنك تحقيق ظهور وتأسيس سليم للحركة، ولهذا تمثل القائد طراز وتنظيم والسرية في العمل والتقدم لدى الأنبياء عند ظهورهم قاعدة له , فمثلما عمل الأنبياء على ترسيخ الفكر والدين والذهنية أو الفلسفة التي يريدون نشرها بالإقناع والسرية والصبر والانزواء منقطعين عن المجتمع لأيام وربما لأشهر للوصول إلى النقاء في الفكر، وتكوين حلقة من المقربين حولهم، جعل القائد يتخذ نفس الطراز قاعدة له، ولولا ذلك لانتهت الحركة وماتت منذ الخطوة الأولى . فقد كان هناك احتمال كبير للفشل وعدم القدرة على الظهور والتقدم، بينما احتمال الظهور والاستمرار فقد ضئيلاً جداً، كل التنظيمات كانت قد اتخذت الأرضية القانونية أساساً لها مثل تشكيل الجمعيات والرابطات وإصدار الصحف والمجلات، وتقوم بالدعاية لفكرها وأهدافها من خلالها، ولهذا كانت دائماً تحت رقابة وسيطرة النظام، ولهذا لم يتمكنوا من التنفس بحرية وإلقاء الخطوات التي يريدونها، ومهما بذلوا من جهد لم يكونوا يحصلون على نتيجة، فالاستخبارات التركية MIT كان متحكماً بها، وهو السبب في عدم قدرتهم على إلقاء الخطوة السليمة، وهذا أمر مهم، فإن أردت إلقاء خطوات سليمة ومجدية عليك أن تلجأ إلى أسلوب ووسيلة أخرى، وبذلك فقط يمكنك تحقيق التقدم والتطور .إضافة إلى ذلك لا تتوفر أية مصادر أو مراجع
باسم الأكراد وكردستان يمكن الاستفادة منها أو الاعتماد عليها، أما وضع الاشتراكية فقد كان متشابكا ومعقداً، ولا يمكن الاعتماد عليها فأي اشتراكية هي ؟ هذا غير معلوم، وحتى تفهمها يجب بذل جهد إضافي كبير، ثم يجب أن تنغلق على نفسك حتى تتمكن من فهمها، على الصعيد الفكري هناك أجواء سوداء قاتمة لا يمكن إحراز تقدم على صعيد النقاء الفكري فيها، بل يصعب حتى فهم الاشتراكية السليمة، أما المسألة الكردية فهي أكبر صعوبة، لأنه لا يوجد شيء باسم الكرد وكردستان فلا هناك بحث أو دراسة أو تاريخ يمكن الاعتماد عليه .
في الأجواء المذكورة استفاد القائد من بعض الكتب المتوفرة لتكوين إيديولوجيته وفكره الثوري ورسم مساره في النضال، أول هذه الكتب مانيفستو الشيوعية لماركس – انجلز، في ذلك الكتاب يوجد حديث عن وحدة ايطاليا كيف سيحدث ولماذا يجب أن يحدث، يجري بحث ذلك بشكل مختصر وجوهري، كان ذلك التقييم مهماً لدى القائد واستفاد منه في مانيفستو الشيوعية وجعله أساساً، إلى جانب ذلك هناك كتابان لـ ” لينين” أولهما “حركات تحرر الشعوب في الشرق” والثاني ” حق تقرير المصير للشعوب” .وهذه الكتب استعارها القائد من مكتبة كلية العلوم السياسية ولم يعيدها إليها، لأنها كانت النسخ الوحيدة، لأن جميع نسخ تلك الكتب كان قد جرى جمعها وسحبها من المكتبات، ولم تكن متوفرة .هذه الكتب الثلاثة قرأها القائد واستنبط منها المجتمع الكردي والتاريخ الكردي والقضية الكردية وفهمها، فإذا كنت قادراً على فهم الحقيقة الكردية من هذه الكتب الثلاثة فذلك ليس بالأمر السهل، ولا يمكن أن يفهمه أي شخص، فهو أدرك التاريخ البشري وتاريخ الأتراك المستعمرين، واستنبط التاريخ الكردي، ولذلك فإن الطرح الذي توصل إليه احتاج إلى جهد كبير جداً، ونتيجة لذلك الجهد العظيم توصل إلى النظرية وإلى طريق حل القضية، إن فهم تاريخ شعبك من تاريخ المحتلين هو أمر صعب ويتطلب بذل جهد كبير، فإذا كان القائد قد كوَّن نفسه فكرياً فهو لهذا السبب، وكأنه صنع هذا الفكر من العدم، وهنا تكمن العظمة، ولهذا نرى الفكر لدى القائد عميقاً وعظيماً، وسببه يعود إلى البداية، لأن هناك عمقاً كبيراً في البداية، فهو كان يجري البحث بشكل متواصل ليلاً ونهاراً، ففي ذلك الوقت لم يكن ينام وهو بيننا، فإذا كنت تواصل البحث ليلاً نهاراً فهذا أمر صعب طبعاً في تلك الأجواء، فقد كنا استأجرنا بيتاً قبو في حي آشاغي آيرانجي في أنقرا، ولم تكن فيه تدفئة مركزية كما لم تتوفر إمكانياتنا لإشعال المدفأة كثيراً، والذين عاشوا في أنقرا يعرفون مدى قسوة البرد فيها، والقائد كان يجري بحثه في ذلك القبو وذلك البرد، لم نكن قادرين على إشعال المدفأة بشكل متواصل، بل كنا نشعلها لساعة أو ساعتين ثم نطفئها ونلتحف في فراشنا، بينما القائد كان يقعد في فراشه ليلاً نهاراً دون أن ينام يواصل بحثه .وبهذا أن يكوِّن نفسه عظيمأ على الصعيد الفكري، وعليه استطاع بناء حركة عظيمة، هذا ما يكمن في الأساس، وهو الذي يقول : لم نكسب أي شيء بسهولة حتى نخسره بسهولة .هذه هي الحقيقة، فحتى الكلمة الواحدة جرى كسبها بجهد كبير وجعلها ذات معنى، ولهذا فإن المعنى يحظى بأهمية كبيرة، فهو بنى كل شيء بجهده، ولم يقم أي شخص أو أي طرف بإعداد أي شيء من أجل القائد، وكل ما فعله الرفاق من أجل القائد في تلك المرحلة هو تأمين بعض الكتب له، وفيما عدا ذلك لم تكن هناك أية مساعدة للقائد، وحتى الكتب التي قمنا بتأمينها لم نكن ندفع أية نقود من أجلها لأننا لم نكن نملك نقوداً، كنا نذهب إلى سوق Zafer للكتب نشتري واحداً ونسرق عشرة أو عشرين كتاباً، هكذا كنا نؤمن حاجتنا من الكتب، كل الفكر لهذه الحركة هو من صنع القائد بكدحه وجهده، ولهذا كان الفكر عظيماً، فالقائد عندما كان يقوم بذلك، كان ينظم المجموعات ويدربها في نفس الوقت، ولهذا فإن المجموعة الأولى كانت ذات عمق فكري وبحث كبير جداً، حيث قام عليها القائد بنفسه في التدريب، فهو قام بتعليم وتدريب نفسه، وكذلك أعطى ما تعلمه من أطروحات ونظريات للرفاق، ولهذا فقد كان ما يقوم به عملاً في منتهى الصعوبة والعظمة .
في تلك المرحلة كانت هناك إيديولوجيات متحكمة في كل أنحاء تركيا، مثل إيديولوجية ترك – إسلام، بعضهم يقدم التركية على الإسلام والبعض الآخر يقدم الإسلام على التركية، كذلك كانت الليبرالية قوية، الاشتراكية المشيدة كانت قوية، والقومية كانت منتشرة بقوة، كل هذا كان موجوداً، والتخلص من تأثير كل هذه الإيديولوجيات والتوصل إلى الطريق الذي يخصك، ليس بالأمر السهل، فإن استطعت النفاذ من تأثيرها ستكون قادراً على رسم النهج الذي يناسبك، وستتمكن من تعليم نفسك مستقلاً، ولكن التخلص من تأثيرها كان صعباً وليس من عمل أيٍ كان في تلك الأجواء، وهذا هو العمل الذي نجح فيه القائد، ولأن القائد كان بذاته تحت تأثير الدين سابقاً، فللدين تأثير قوي، والنفاذ من كل ذلك ليس سهلاً، كما أن تخليص القوة التي تكوينها من ذلك التأثير لن يكون سهلاً، لهذا فإن ما أنجزه القائد في تلك المرحلة كان عملاً عظيماً، إلى جانب كل تلك الصعوبات كانت الحركة تعاني من الضعف المادي أيضاً، فالذين انضموا إلى المجموعة كلهم كانوا طلاباً ينحدرون من الطبقة الفقيرة، ولا تتوفر لديهم الإمكانيات المادية سوء الأفراد أو المجموعة، بعضنا كان يجلب المواد الغذائية من البيت، والبعض الآخر لم يكن قادراً على ذلك، والذي كنا نجلبه من البيوت لم يكن يكفينا وكان لا بد من العمل حتى نسد حاجتنا، ولهذا جعلنا العمل دورياً ليعمل الجميع، وأستطيع القول بأنه لم يبق رفيق لم يعمل كعتال(حمال)، ولم نكتفي بالعتالة بل أي عمل آخر كنا نقوم به، وبذلك استطعنا العيش في أنقرا بصعوبة، لقد كنا نصنع الإمكانيات في أجواء انعدامها، فقد كنا ندرس ونلبي متطلبات الدراسة وكنا نمارس الثوروية ونلبي متطلباتها ولو بمستوى متدني وليس كما اليوم، ورغم ذلك فقد كانت ثوروية كبيرة حسب المرحلة، وكنا نلبي كل متطلباتها بإمكانياتنا، ولم يكن هناك من يوفر لنا الإمكانيات، فلم نكن قادرين على تأمينها من أهالينا ولا سواهم، والسبيل الوحيد هو أن نخلق الإمكانيات بأنفسنا، من أجل ذلك كنا قد رتبنا دور العمل وحسب ذلك الدور كان الرفاق يقومون بما يجدون من عمل، كنا نتدبر أمورنا على ذلك النحو لنقوم بتسديد الإيجار وكل اللوازم الأخرى، في ذلك الوقت كنت مسؤولاً عن صندوق الكومون أو المجموعة، وكنت اجمع ما يجلبه الرفاق وأنفق حسب حاجة الرفاق والذهاب إلى الكليات والعودة، الكلية التي يذهب إليها القائد كانت تحتاج لباصين، من آيرانجي إلى قزيلآي ومن هناك إلى جبه جي حيث كلية العلوم السياسية، ونقودنا لا تكفي لكل ذلك، وكان الطريق خطيراً مابين قزيلآي وجبه جي نظراً لوجود بيت طلبة الفاشيين فيها، والقائد كان معروفاً من جانبهم، ولهذا عرضت على الرفاق أن نعطي تكلفة باصين للقائد، وقبل الرفاق بذلك، ولكن القائد رفض وقال إمكانياتنا لن تكفينا إذا دفعنا تكلفة باصين وسأسير على قدمي حتى قزيلآي، ثم استقل الباص من هناك، ورغم كل محاولاتنا رفض العرض، الوضع الذي كنا نعيشه كان ضمن ذلك الإطار .كانت هناك مطبعة تطبع المجلات والصحف لبعض التيارات الديموقراطية واليسارية، اتفقنا معها لنذهب إليها مرة كل شهر لنضع المطبوعات في طرود من أجل شحنها، نذهب كمجموعة سراً ونغلق الباب علينا ليومين وليلة لتجهيز الطرود لإرسالها إلى البريد دون أن يرانا أحد أو يفهم ما نقوم به، وكنا نقبض مبلغاً مقطوعاً على ذلك لنتدبر بها أمورنا، وأتذكر جيداً بأنني ورفاقي لم نأكل بملء بطوننا في أي يوم من الأيام حتى الانتصار في اشتباكات حيلوان، هذه ليست مبالغة بل حقيقة واقعة، ورغم ذلك لم أسمع في أي يوم من الأيام من أي رفيق يقول : لا يمكن القيام بثورة بهذا الشكل، أو يشتكي مما نحن فيه، أو يجعل من الوضع قضية، كأن يقول نحن جائعون، أو لا يمكن الثورة بهذا، أو الاعتراض على الوضع أو يمتنع عن الذهاب إلى العمل، أو يتذرع بالمرض ليطلب أن يذهب رفيق آخر بدلاً عنه، لم أسمع ولم أر شيئاً على الإطلاق .
نظراً للوضع الذي كنت فيه من قلة الإمكانيات، وبعض الوراثة من والدي الذي كان بخيلاً جداً بعكس جدي تماماً، كنت أتميز بالبخل، بالإضافة إلى أنني درست في مدرسة داخلية ولم تمنحني العائلة إمكانية صرف المال، وأخذت بعض الثقافة من هناك، والمدرسة التي كنت فيها هي “معهد القرية” وهي دار المعلمين في الحقيقة، ولكن لها ثقافتها الخاصة حيث هناك العمل إلى جانب الدراسة، فقد كان لتلك المدرسة أرض واسعة جداً، كنا نزرعها وتباع محاصيلها دون أن يعطونا شيئاً منها، من هذه الثقافة ومما ورثته من والدي أصبح البخل من سماتي، وبعدها تعرفنا على القيادة وبالتربية التي تلقيناها منه أصبحنا نعرف معاني ذلك بشكل أفضل، فالخاصية التي نمت لدي، وليس من قبيل المديح لنفسي فأنا لا أشعر بالحاجة إلى ذلك، لا يمكن أن يعطب شيء لدي مطلقاً، مثل أن ينكسر أو يرمى، لأنني عملت كثيراً، عملت عندما كنت في القرية، وعملت في معهد المعلمين، وعملت عندما أصبحت ثورياً، فاشتغلت في كل أشكال العمل، وأعرف ما هي الحياة وكيف يجري كسبها، وبماذا يمكن كسبها، ومعنى الكدح والجهد، ولهذا يستحيل أن يتم الصرف على يدي في غير مكانه، أو التبذير، فعندما أرى شيئاً هكذا أشعر بأنه يجري اقتطاع جزء من جسدي .فلدى القائد لو سقطت كسرة خبز لأصبحت مشكلة كبيرة، فالقائد يقول : إن صراعي هو صراع الخبز .أي إنه صراع الحياة وكسبها، فبماذا يمكن كسب الحياة ؟ .بالجهد والكدح وبناء القيم .بينما الآن تجد رفاقنا يقومون بما لا يقوم به الطبقات الحاكمة، فانظروا إلى البورجوازية والإقطاعية، هل يرمون شيئاً ؟ .كلا يستحيل أن يرموا شيئاً، بينما كوادر الحركات الشعبية تراهم يرمون كل شيء، بل أن أنظارهم لا ترى ما يتخرب، الكب والكسر وانعدام طراز لحياتهم باتت مزايا لهم، ومهما أعطاهم التنظيم يقولون : ما هذا إنه قليل !! .ويشتكون من الشوربة والفاصوليا والرز، حتى هذه يرونها لاشيء!! .بينما فلسفتنا كانت ” لقمة ” وذلك يعني أن لا تموت من الجوع حتى تناضل وتعمل، بينما رفاقنا لا يقبلون بكل ما ذكرناه .
لو قلت للرفاق : أذهب وأعمل ومارس الثورية وتدبر أمرك .سيقول أنا لم آتي للعمل، بل جئت لممارسة الثورة، كيف سيمارس الثوروية ؟ .الحزب والشعب والجميع ينفذون رغباته ليمارس هو الثوروية . حتى هذه المجموعة مثلاً، لو قلنا لها : أذهبوا لتعملوا وتمارسوا الثورة، لا نعرف كم منهم سينفذ ويلتزم وكم منهم سيتخلى عن الثورة لا نستطيع التكهن .ولكن في بداية هذه الحركة عمل الكثيرون من الكوادر وناضلوا من أجل الثورة مثلما ذكرت، وهذه هي سمة هذه الحركة، ولم يقل واحد منهم : إننا جئنا للنضال والثورة فما هو هذا العمل كعتال .ربما يقول بعض الرفاق : لم تكن الإمكانيات متوفرة وكانوا مضطرين .كلا إنه مفهوم وليس من الاضطرار، فأنا كنت مرغماً في ذلك الوقت، ومرغم الآن، مفهومي كما هو لم يتغير أبداً، أي على صعيد كسب الحياة، إن مفهومي لم يتغير بمقدار رأس دبوس حيال الكدح وكسب الحياة وتأسيس القيم المادية والمعنوية .وأنا الآن على استعداد للعمل هنا أيضاً مثلما عملت في أنقرا وعنتاب مرة أخرى .فهذا الأمر هو مفهوم وذهنية لدينا .
في هذه الحركة أكثر من عمل عتالاً من بين الرفاق هو الرفيق حقي قارار، هذه أيضاً حقيقة هذه الحركة ويجب معرفتها، هو الذي اشتغل حمالاً أكثر منا جميعاً، وهو أول رفيق خرج من أنقرا للنضال هو هذا الرفيق، فقد ذهب إلى أضنة للنضال، كان يعمل ليعيش ويناضل كثوري ويوفر النقود ليرسلها لنا إلى أنقرا لنتدبر بها أمورنا، إنه شخص واحد، ماذا يمكن أن يكسب من مال ؟ .كان يبقى جائعاً ويوفر نصف مصروفه ليرسله لنا إلى أنقرا لنتدبر بها .لم يكن أحد طلب منه ذلك، ولم يقل له أرسل لنا النقود، ولكن ذلك الرفيق كان يفعل ذلك من ذاته، وهذه هي حقيقة أخرى .لأننا نريد فهم حقائقنا، وهذه هي الحقائق .فهل نحن أيضاً كنا قادرين على إقامة حركة تتوفر فيها جميع الإمكانيات مثل أي حركة أخرى ؟، كلا .كلا لم تكن الأمور سهلة كذلك .لأجل أن يفهم الرفاق، كان الرفيق حقي قارار يأتي لنا بالخبز من الفرن مما لفت انتباه الفران، فسأله : لماذا تأخذ كل هذا الخبز ؟ .يقول الرفيق : إنني أعمل بواباً لإحدى البنايات وآخذ الخبز لساكني البناية، يقول الفران : ولكني أعرف جميع البوابين في الحي وأنت لست منهم، فيقول الرفيق : إنني بواب من الحي الآخر .لأن طعامنا كان الخبز فقط في كثير من الأحيان .
هكذا كان الوضع المادي لحركتنا، فإذا كان جلال الطالباني يريد فرض هيمنته على الحركة، فقد كان يريد استغلال هذا الضعف، وفيما بعد عندما أراد بيلوت الدخول إلى الحركة والسيطرة عليها من الداخل – سأتحدث عنه فيما بعد – ، فقد أراد الاستفادة من هذا الضعف المادي أيضاً حتى يحصل على نتيجة، بينما القائد كافح كثيراً كي لا تستسلم هذه الحركة للمال، هذه أيضاً حقيقة من حقائق هذه الحركة، الصراع الذي دار بين القائد وبيلوت كان يتمحور حول هذه النقطة، حتى لا تستسلم هذه الحركة للمال، لأن بيلوت كان يريد استسلامها للمال .
ما هو الموجود لدى هذه المجموعة ولدى القائد في تلك المرحلة ؟ .الشيء الوحيد لديهم هو الإيمان بالاشتراكية واتخاذها أساساً، وليس لديها أية إمكانيات فيما عدا ذلك ، وحتى هذه الاشتراكية ليست مفهومة بالكامل بل بشكل قليل، وهذه كل إمكانيتها وقوتها في هذا الفكر، وهناك شعب يمثل الأمل، فهل يمكن تأسيس حركة على هذه الإمكانيات، وهل يمكن أن تتحول هذه المجموعة إلى حركة ثم إلى حزب ثم إلى حركة جماهيرية ؟ .وهل يمكن الوصول إلى الانتصار من كل هذا ؟ .هذا ما لا يمكن التكهن به، ولكن هناك إيمان بأن نتحول إلى حركة وأمل، وهناك تصميم على ذلك، النجاح في ذلك غير مضمون ولكن هناك العمل والتصميم .ظهور الحركة وتقدمها يكمن في هذا الإصرار والتصميم على الدفاع عن كرامة شعبنا، بأننا سنخلص شعبنا من هذا الوضع الوضيع، وسنعمل على استنهاض هذا الشعب كسائر شعوب العالم، وسنعيد إليه اعتباره بين العالم، فنحن لا نقبل هذا الوضع الوضيع ولن نقبل العيش فيه، فإما أن نموت بشرف، وإما أن نحقق ما نسعى إليه، فالقرار الذي اتخذناه هو أن لا نحيا في هذا الوضع الوضيع .فإن نجحت وحققت ما تناضل من أجله تكسب الشرف، وإن ناضلت واستشهدت دون تحقيق هدفك فهو شرف أيضاً، هذه هي النظرية التي تبنيناها، وبها يتم إلقاء الخطوات، ونتيجة لذلك التصميم والإصرار تحققت الحركة وتقدمت .الدفاع عن الكرامة يعني الدفاع عن النفس، وإذا لم تدافع عن نفسك، وإن لم تعمل على تلبية متطلبات ذلك الدفاع من إرادة ومواهب، لن تتمكن من أن تكون صاحب كرامة وشرف، وهذا يعني إنماء المشاعر والعواطف السامية، وإنماء الفكر الكبير اللازم، ثم وضع هذه المشاعر والعواطف والفكر في بوتقة تنظيمية من أجل الممارسة، وذلك المفهوم هو أساس الظهور والتأسيس .
كما نعلم أن الحركة ابتدأت في وسط طلاب الجامعة، وهؤلاء الطلاب ينحدرون جميعاً من الطبقة الفقيرة من المجتمع الكردي، وظهرت في المدينة التي يقطنها الفاشيون، وبين حركات الشبيبة، ولهذا اتخذت الحركة من انضمام الشباب إليها أساساً لها، فهي حركة الشبيبة، ولهذا يقول القائد فيما بعد : إن حركة PKK حي حركة الشبيبة، فنحن بدأناها شباباً وسننهيها بالشباب .وهذا أيضاً موقف وفلسفة، فالشباب يعبر عن الحيوية والتجديد والثقة بالنفس والمعنوية العالية والطموح وتحدي العقبات والعراقيل وعدم الاكتفاء بما يقدم لهم ، البحث عن الجديد والأجمل ورفض الوضع القائم، وجعل النفس وسيلة للحلول، والانضمام إلى الصفوف بدون شروط .وهذه الصفات كلها موجودة في كوادر هذه الحركة منذ البداية، ولهذا هي حركة الشبيبة، واستطاع القائد الحفاظ على مزايا الشبيبة التي ذكرناها داخل الحركة باستمرار، وهنا يكمن ظهور الحركة وتقدمها وطهارتها وانتصارها حتى الآن .ولأن القائد جعل الشبيبة أساساً للحركة وحافظ على ذلك بقيت بعيدة عن العجز، أي لم تسقط من كونها قوة الحل .فهذه الحركة بقيت دائماً قوة دافعة نحو الحل، ولهذا نجد التقدم دائماً في كردستان .الشبيبة جعلت من نفسها قوة للحل، الابتعاد عن الشباب والتوجه نحو الشيخوخة يعبر عن الابتعاد عن قوة الحل، والذي يبتعد عن كونه قوة للحل لا ينفع في شيء ولا يلقى التقدير والاحترام من الآخرين، أما إذا حافظت على البقاء قوة الحل سيكون لبقائك معنى والكل سيقدرك ويحترمك ويلتف حولك .وذلك هو السبب في التفاف الإنسان الكردي والشعب الكردي حول هذه الحركة ومنحه كل ما يملك لها، لأنه يرى في هذه الحركة حلاً لقضيته وذاته، ولهذا يتوحد مع هذه الحركة ويمنحها ثقته، ولو ابتعدت هذه الحركة عن كونها قوة للحل وأصيبت بالشيخوخة لما اقترب منها، ولا منحها ثقته و لا سار معها .البعض من بيننا يقول : أن هذه الحركة أخذت مني شبابي، ولم تدعني أعيش شبابي، بل يعادون الحركة لهذا السبب، ويريد أن يعيش شبابه الذي لم يعشه .هذا كلام غير صحيح، بل إنه افتراء .على هؤلاء أن يقارنوا أنفسهم بأمثالهم من نفس العمر في المجتمع، عندها سيجدون أن هناك فرق عشر سنوات على الأقل من الناحية الفيزيائية، اهتراء الإنسان في المجتمع أقوى ويصاب بالشيخوخة مبكراً بل الفرق يمكن أن يكون أكثر من عشر سنوات .كوادر هذه الحركة يجب أن يشكروا القائد آبو والحركة قياماً وقعوداً فلولا هذه الحركة لأصابتهم الشيخوخة، بينما نراهم أصحاء كعارضي الأزياء، هذه هي الحقيقة، والحركة لم تغتصب من أحد شبابه .بل العكس هو الصحيح فهذه الحركة لم تتركهم فريسة للشيخوخة .البعض يقول : إن الإدارة لا ترانا ولا أحد يهتم بنا .هذه أيضاً خدعة وكذبة كبرى، فالعالم أجمع يعلم سواء من حركتنا أو من شعبنا، لو جعل أحدهم نفسه قوة للحل لما استطاع أحد أن يرمي به جانباً أو يتخلى عنه، لا الشعب ولا الحركة، فمن هم الذين يجري إهمالهم أو استبعادهم ؟ .اولئك الذين لا يجعلون من أنفسهم قوة الحل .فإذا لم يكن أحدهم قوة الحل فلا يقبله الشعب كما لا تقبله الحركة، بل يتجاهله، فعندما يكون أحدهم قوة للحل وتريد سحبه من هناك تقول الجماهير: لو سحبتموه من هنا لتعطل كل شيء هنا، ويقولون هذا الكلام عن كل رفيق جعل من نفسه قوة للحل ويضيفون : بأن الأنشطة ستتوقف لو ذهب فلان، بينما لو أرسلت لهم أي رفيق يطالبون بإرسال رفيق جيد، هذه هي الحقيقة .فأنت إن لم تجعل من نفسك قوة الحل ؛ من الطبيعي أن لا يراك أحد، وأن لا يعترفوا بك، أما إذا جعلت من نفسك قوة للحل فهل يمكن لأحد أن يبعدك أو يهملك ؟ .كلا هذا غير ممكن .أحياناً يمكن أن يتمكن أحد العملاء المدسوسين أو الذي لم يتخلص من الميول الطبقية السلطوية أو القبلية أن يبعد أحد كوادر هذه الحركة، لأنه يراه عائقاً أمامه، ولكن الشعب لن يبعده و لا يمكن أن يبعده، وأنا أعرف ذلك من خلال حياتي الثورية، وقد أصبحت شاهداً على ذلك ربما لأكثر من مائة مرة، فمثلاً مؤخراً أراد فرهاد أفندي ورفاقه أن يبعدوننا، وحتى يفعلوا ذلك مارسوا كل الوسائل، والرفيق رضا موجود الآن وربما تلتقوا به وتسألونه، أتعلمون ماذا قال لي الرفيق رضا بعد أن عاد من أوروبا ؟ .قال : كان كل من فرهاد وبوتان يقولان لي : يكفي أن ترسل لنا بعض المال ونحن سنتمكن من هؤلاء حتى نضعهم في كهوف شهيد هارون حتى تهتري عظامهم !!.هذا صحيح كانوا يريدون القيام بذلك فعلاً , بل كانوا قد استولوا على كل شيء، ثم ماذا حدث لهم ؟ .لقد هربوا وبقوا في الفراغ، ويريدون العودة إلى الحركة من جديد .والذي أريد قوله هو : إذا لم يبتعد أحد لا يستطيع أحد أن يبعده، أما إذا ابتعدت أنت فلن يرحمك أحد، ولهذا يجب أن لا يخبئ أحد نفسه ولا يتذرع قائلاً إن التنظيم لا يراني والإدارة لا تسأل عني، ولا أحد يقدر جهدي، ويستولون على كدحي، كل هذه أكاذيب، وليس فيها صدق ولو بمثقال ذرة، فلو جعلت من نفسك قوة الحل الجميع سيراك ويضعك على رأسه، بل لو جعل أحد رفاقنا نفسه قوة الحل فإن رفاقنا وشعبنا و الجميع يتغاضون عن أخطائه وقبحه وخطاياه، ولا يريدون رؤيتها، مما يعني أن كل ذلك كذب .في مدينة رها كان هناك بائعي الجاكيتات، ولا أعلم إن كانوا باقون حتى الآن أم لا، ولكنهم كانوا متمرسين، عندما يقع شخص بين أيديهم يلبسونه الجاكيت ويبيعونه لا محالة، فإن كان ضيقاً شقوه، وإن كان واسعاً خيطوه، وفي الحالتين يقولون : إنه يناسبك تماماً، والواقع في أيديهم يشتري منهم الجاكيت لا محالة ولا يمكنه الإفلات مطلقاً .هناك الكثير من رفاقنا يمارسون الثوروية على نفس المنوال، أي أنهم مزاجيون ولا يكتفون بذلك بل يحاولون فرض مزاجيتهم على الحركة أيضاً، ومثلما كان يفعل بائعوا الجاكيتات في رها يحاول هؤلاء القيام بنفس العمل، وهذا ما لا يمكن القيام به في هذه الحركة، فربما يستطيعون ممارسة ذلك في مكان آخر ولكنه مستحيل داخل هذه الحركة .لأن ثوابت هذه الحركة فقط يمكن أن تحيا ضمن الحركة، فلو كنت من الإدارة أو لم تكن فإنك مرغم على العيش بثوابتها ومقاييسها وطرازها وأخلاقها وثقافتها وذهنيتها، وأسلوب بائعي الجاكيتات لن يفيد و لا حاجة لذلك، أما التذرع بأنهم لا يهتمون بي، ويحطون على جهدي وكدحي، فلا داعي له مطلقاً .
على كل رفيق أن يعمل ويجهد حتى يبقى شاباً حيوياً بعيداً عن الشيخوخة، حتى يكون قوة للحل .ويستطيع أن يعمل ويخدم، وشعبنا يحتاج إلى مثل هؤلاء الأشخاص والكوادر وليس اولئك الذين شاخوا ولم يعودوا قوة دافعة إلى الحل .إن الفقراء والمظلومون إذا نهضوا فإن نهضتهم تكون عظيمة، صحيح إن استنهاضهم ليس سهلاً ويحتاج إلى جهد كبير ولكن إذا نهضوا فإن قمعهم أو التصدي لهم يكون صعباً أيضاً .بالنسبة للقائد آبو فإن الأساس هو استنهاض الشرائح الأكثر فقراً والأكثر معاناة في هذا المجتمع .بل هذا هو الأساس في فلسفة وايديولوجية وطراز القائد آبو .والكادرية القائمة في هذه الحركة مبنية على هذا الأساس أيضاً، وليس هناك شعب أكثر معاناة وسقوطاً من الشعب الكردي وليس هناك شريحة أكثر سقوطاً ومعاناة من المرأة من الشعب الكردي، ولهذا عندما يعتمد القائد على المرأة والطبقة المعدومة من الشعب الكردي فإنه يتلاءم مع هذه الفلسفة والايديولوجية .الأمر الأهم هو استنهاض الأكثر سقوطاً، بينما سير الناهضين هو الأمر الأسهل والجميع يمكنهم قيادتهم وهو امر لا يحتاج إلى مهارة، بل المهارة تكمن في استنهاض الساقطين وهذا هو الأهم، فإذا استطعت استنهاض الشريحة الأكثر سقوطاً وفقراً ووصل ذلك إلى المرأة تكون قد وصلت إلى التحول إلى مجتمع ناهض .انطلاقاً من هذا المفهوم اعتمد القائد على تلك الشرائح، ولولا ذلك لما تأسس الحزب وهذه الحركة ولما وصلت الثورة إلى هذه المرحلة، فالتاريخ والمجتمع كان الأساس الأهم دائماً بالنسبة للقائد، فهو كان يقول دائماً : لقد حطموا المجتمع في كردستان، وبات المجتمع الكردستاني يعيش مشكلة إنسانية، وتم تعتيم التاريخ في كردستان .فالتاريخ الكردي أصبح مجهولاً ولم نعد نعلم إن كان لهذا الشعب تاريخ أم لا، ولهذا اتخذ القائد التاريخ والجانب الاجتماعي في المجتمع الكردي أساساً له .ولهذا ذهب في تحليلاته إلى بداية وجذور البشرية، وعندها وجد أن تأسيس المجتمع الإنساني كان اعتماداً على المرأة، ولهذا جعل القائد المرأة محوراً للحركة والحزب، ولو لم يتخذ القائد التاريخ والمجتمع أساساً له لما توصل إلى هذه الحقيقة، لأن كردستان تعاني من مشكلة التاريخ والمجتمع، فما هو موجود تاريخ مبهم مجهول المعالم عن شعب، ومجتمع مقهور تحول إلى حطام، ولهذا أعطى مفهوماً لما هو قائم ولولا ذلك لما حصل هذا التقدم .وحال إضفاء التفسير والمعنى لكل حدث جانب مهم لدى القيادة، فالقائد يعطي المعنى لكل شيء، وبالنتيجة استطاع فرز كل شيء وتفسيره ووضع أسسه، وتوصل إلى قرار ما يجب القيام به .
نحن رفاق للقائد ونتخذه قدوة لنا وعلينا أن نقوم بما يقوم به، ولكن هذا كلام بالطبع، لماذا نقول إنه كلام فقط ؟ .انظروا إلى تنظيمنا وكل مؤسساتنا وكل إداراتنا، نرى أنها لا تقبل برفيق ضعيف واحد، فإن قلت رفيق يريدونه كاملاً، ويريدون التخلص من كل رفيق ضعيف أو يعاني من مشكلة، بدلاً من مساعدته على التخلص من مشكلته أو ضعفه ليتحول قوة للحل من أجل هذا الشعب، بل تفكر في كيفية التخلص منه، أو كيفية رميه على الآخرين، ويعتقدون أنها شطارة، وهذه ليست من ثقافة ولا من أخلاق هذه الحركة، بل تحتوي أخلاق وثقافة المتحكمين، بينما أي إدارة أو مؤسسة في هذه الحركة يجب أن لا تقدم على هذا العمل، ولكننا نرى أن هذه الثقافة متفشية لدينا على مستوى متقدم، فأينما ذهبت ترى أنهم يريدون التخلص ممن لديه مشكلة أو عقدة، وكأن مساعدة الرفاق على التخلص من ضعفهم ليس من عملهم، وإنما التخلص منه هو الطريق الأقرب .مثل هذه الممارسات تجلب التخريب للحركة، إن من يقوم بذلك يزرع ثقافة وأخلاقاً مغايرة لأخلاق وثقافة الحركة داخلها، بينما القيادة لم ترفض أي رفيق لديه مشكلة أو ضعف، بل على العكس من ذلك كان يقول : أرسلوا إليّ الرفاق الذين لديهم ضعف .وكل ضعيف أو صاحب عقدة ذهب إلى جانب القائد لعدة أيام أو شهور يعود وهو صاحب معنويات وعزيمة وشخصية جديدة كبيرة واثقة من نفسها، لأن القائد جعل الإنسان وإصلاحه أساساً لجهده وعمله، فذلك الشخص إنسان ويمثل قيمة من القيم بكل نواحيه الجيدة والسيئة، ولو بحثت عن الإنسان الجاهز الذي يتطابق مع مواصفاتك لما وجدته في كل كردستان، ذلك هو موقف القائد، ولهذا لم يبحث عن الإنسان الجاهز، لأن المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الإنسان يتعرض منذ آلاف السنين للظلم والقهر والتعذيب والإبادة والنهب، ولهذا لن تجد إنساناً سليماً معافى، وذلك الإنسان ومجتمعه معقدان أصلاً، ولهذا يحتاجان إلى الدفاع عنهما، وأنت من ستقوم بذلك، ولهذا لم نر في يوم من الأيام اشتكى القائد من ضعف الشخص أو تعقيداته ولم يقل يوماً لماذا ترسلون لي هؤلاء .كما أنه لم ير الضعف والوهن يليقان برفاقه وبالإنسان ولهذا كان مصمماً على جعله قوة للحل، وهذا أيضاً أساس من الأسس التي قامت عليها الحركة وتقدمت، قوة القائد وقوة PKK تكمن في مفهوم صنع الإنسان القوي ابتداء من أضعف الأشخاص وأكثرهم سقوطاً من بين المجتمع وتحويلهم إلى قوة للحل، وهذا عمل يحتاج إلى كثير من الجهد والمهارة، وأنت إن فعلت ذلك استطعت أن تخلق قوة للحل، بينما نحن لا نحب أن نتعب ولهذا لا نتوق إلى خلق قوة للحل ولا نجعل ذلك أساساً لعملنا ونرى أن البعض جب أن يقوم بذلك من أجلنا، وهكذا نرى مفهوم المطالبة بإرسال الإنسان الجيد القوي لهم منتشر بين رفاقنا، ولكن من أين سنأتي بهم، فليس لدينا مصنع يصنع الجيدين حتى نصنعهم ونرسلهم لهم، ولهذا نراهم يرسلون الرفاق إلينا عند وجود أي ضعف أو عقدة لديهم وكأنهم يرسلون المريض إلى المستشفى، ولا يتوقفون على الشخص ومعاناته وعقدته، ويرون الحل في تحويله إلى الآخرين، المريض إلى المشفى والآخرين إلى مكان آخر، هذا الواقع بعيد عن حقيقة الحركة، لأن PKK هو المستشفى الأكبر، وهو الذي يعالج الإنسان، بينما نحن نصيب بالمرض ذلك الإنسان الذي يأتي إلينا ليعالج نفسه، هذا هو واقعنا، بينما القائد كان يقوم بعلاج جميع الناس المرضى، كان يمنحه القوة الروحية والعزيمة والثقة بالنفس والإرادة والشخصية القوية واللسان .وكل من يبقى إلى جانب القائد لساعتين ترى لديه الروح المعنوية العالية لأن هذا أمر أساسي لدى القائد , أي الاهتمام بالإنسان ودعمه وتقوية عزيمته وثقته بنفسه .وهذا هو المفهوم الذي يحقق القوة والتقدم وكل شيء آخر، بما ذلك المفهوم المادي، فكثير من رفاقنا يقولون : على الحزب أن يرسل المال لنمارس الثوروية، ولا يمكن العمل بدونه .بالطبع إذا لم يعمل لن يكون لديه مال، ويجب إن يعمل حتى يجني المال، وكما أسلفت فنحن حتى الآن نوع يوماً ونشبع يوماً، ولا نشتكي من قلة المال، وبماذا تحققت إمكانيات الحركة ؟ .لقد تحققت بالنضال والعمل، والنضال والعمل يتحققان بالإنسان , فإذا أنت صنعت الإنسان جاءك النضال والمال وكل شيء، وبمقدار ما تصنع الإنسان تصنع الإمكانيات .ولكنه جالس لا يجهد ويطالب بالإمكانيات لدفع إيجار السكن والمصاريف حتى يناضل .فحتى أمي لو دفعت لها المال ربما مارست الثوروية بشكل أفضل .ثوروية هذه الحركة ليست على ذلك الأساس .كنا في آلعزيز وذهبت بالصدفة إلى أحد البيوت وكان خمس وثلاثون من الرفيقات قد اجتمعن لعقد اجتماع ومن بينهن فاطمة، وعندما دخلت وجدت أمي وأبي وأختي جالسون هناك، وانتابني الخوف لأنه لو علم هؤلاء بمجيئي إلى هنا، يعني أن البوليس أيضاً يعلم به، مما يعني أنني تحت السيطرة، لأنني كنت قاطعت علاقتي بأسرتي منذ وقت طويل، فتفاجأت بالموقف ولكنني كنت قد دخلت والخروج لم يعد يفيد حتى ولو كنت تحت السيطرة، وهم أيضاً لم يكونوا يتوقعون رؤيتي هناك، فسلمت عليهم وسألتهم عن كيفية مجيئهم وكيفية الاستدلال علي، قالوا : أبي يعمل في مكان ويحمل معه صورتي، ويريها لأحدهم سائلاً هذا إبني وقد غادرنا منذ خمس سنوات إلى الجبل ولا نعلم شيئاً عنه، فيقول له الرجل إنني أعرف بيتاً يترددون عليه، فيأتيان ويسألان عن ذلك البيت الذي نتردد عليه بين الفينة والأخرى، ,في ذلك اليوم يأتون ويجلسون مع الجالسين بالصدفة، وعندها ارتحت قليلاً .كل الرفيقات جالسات في الاجتماع وأصيبت أمي بالذهول، والمسكينة غير قادرة على البكاء، فذهبت إلى الغرفة المجاورة ولحقتها الرفيقات وبدأن بالبكاء معاً أي تبكي خمسة أو ستة وثلاثين امرأة معاً، فذهبت إليهن وقلت : ربما تبكي أمي المسكينة لأنها التقت بإبنها، فلماذا تبكين أنتن ؟ وما هو السبب ؟ بل عليكن أن تعطين بعض المعنويات لهذه المسكينة .بفعلكن هذا تقضين على المعنوية القليلة الباقية لديها، فكلما تبكين تزداد أمي بكاء، فقلت : عيب عليكن، وعليكن منحها بعض الجرأة والقوة بدلاً من التباكي، عندها قالت فاطمة : لقد رأينا هذا الموقف فلم نتمالك، بينما أنا كنت حتى ذلك الوقت أظن أن فاطمة مجردة من العاطفة والمشاعر، ولكنني عندما شاهدتها تبكي عرفت أن لديها أيضاً عاطفة وشعور، واعتقدت أن مواقفي الأخرى من فاطمة ربما كانت خاطئة أيضاً، وعندما خرجنا قالت لي أمي : إن لونك فيه اصفرار ربما من كثرة بقائك تحت الأرض، وعدم تعرضك للشمس، وأدركت أنها متأثرة بدعايات العدو بأنهم يختفون تحت الأرض ولا يرون الشمس ولهذا يصابون بالمرض، فقلت : إن ما سمعتيه ليس صحيحاً وليس هناك شيء من هذا القبيل، قالت : هكذا يقولون وأنا لا أعلم، فقالت : أين مكانكم ؟ ربما أجلب لكم بعض الطعام إذا اقتضى الأمر .فقلت لها : متى أصبحت رفيقة لنا عندها سأدلك على مكاننا، عندها غضبت وقالت : إنني والدتك، قلت : نعم إنك والدتي ولكنك لست رفيقتي، ومتى أصبحت رفيقة لنا عندها أدلك على مكاننا، قالت : ألا تثق بي ؟ .قلت : كلا إنني أثق برفاقي فقط، بالطبع كان وقع ذلك صعباً عليها، ولكنني قلت ذلك لتفهمها الرفيقات، وأخرج أبي مائة ليرة من جيبه ومدها إلي .قلت له : أعطها للرفاق، قال : كيف أعطيها للرفاق ؟ قلت أعطها لهم وكلما تجاوز المبلغ ألف ليرة أعطوني إياها، قال : كيف يحدث ذلك ؟ قلت : كم سنة مضت ولم ترني ؟ قال : أربع أو خمس سنوات .وقلت : هل أعطيتني قرشاً من المال ؟ قال : لا .قلت : ها فد وجدتني أعيش، مما يعني إنني لا أعيش بمالك، أعطه وسيصلني عندما يزيد، عندها فال : إن عدالتكم أفضل من عدالة سيدنا عمر، قلت : هل تقول ذلك من قلبك ؟ قال : نعم أقولها من قلبي، وأضاف : إن عملكم صعب جداً وكأنكم تريدون هدم الجبل بالإبرة وهذا مستحيل .قلت : هل فهمت ذلك أيضاً، قال : نعم، فأبي كان يمنعنا من ذلك، فحسب رأيه علينا أن نكون مجتهدين في الدراسة، ونجلب له المرحات والتقديرات من المدرسة ليفتخر بها، وكان يأمل في دراستي حتى يتمكن هو من حل مشاكله عن طريقي، ولهذا كان يعترض على عملي الثوري، ولكن عندما قاطعتهم فقدوا آمالهم المرتبطة بي، بالإضافة إلى أن العدو أيضاً كان يمرره في التعذيب كل يوم، وهو يقول لهم بأنه ليس متعاطفاً معنا، ولكن العدو يرفض، وعندها يقول لهم : ما دمتم لا تصدقونني سأكون معهم من الآن فصاعداً، وعندها قرر أن يكون معنا، فقلت : هذا جيد إذا كان العدو يضعك على السبيل الصحيح، فهذا جيد، مع أنني حاولت معك كثيراً ولم أفلح، قال : كنت معكم من قبل، ولكن لم أكن أرغب في أن تذهب، قلت : إذا جئت إلى البيت فإنك لن تسمح لي بالخروج ثانية، قال : كلا لا تأت .فلو جئت لاعتقلوك وهذا غير جيد، قلت : هل تقول هذا من أجلي أم من أجلك ؟ قال : من أجلك، قلت تكلم بصدق , قال : من أجلي ومن أجلك، وأضاف : إنهم يعذبونني كل يوم وأنت غائب، ولو جئت ووشى أحدهم بك عندها لن أخرج من التعذيب أبداً، ولهذا من الأفضل أن لا تأتي .قلت : حسناً لو أردت فسآتي .قال : كلا لا تأتي .لماذا أسرد هذا الكلام، مثلاً عندما مد يده بالنقود قلت أعطها للرفاق، قلت ذلك أمام الرفاق، ونحن نرى الآن بعض الرفاق يقولون : نقودي، أعطاني إياها أبي أو أسرتي، بل إن بعض قليلي الشرف يجعلون مال الحركة ملكاً لهم، ليس مال آبائهم وأسرتهم، بل يجعلون مال الحركة ملكاً لهم، بل البعض يبيع ممتلكات الحركة ليقبض ثمنها ويستولي عليه، بينما ثقافة حركتنا هي تسليم كل ما تقع عليه أيدينا إلى الحركة، حتى ولو أعطانا إياها أهلنا أو أصدقاؤنا أو كسبناها من عملنا، فالأساس هو التنظيم، هذه هي ثقافتنا وأخلاقنا .لقد كان الرفيق مظلوم دوغان يتذرع باحتياجاته الكثيرة ليأخذ من أهله، ويجلب المال ليسلمها للتنظيم، أي لي لأنني كنت الصندوق في ذلك الوقت، حتى نقضي بها شؤوننا، كان يتذرع بحاجته الشخصية ويسلمها للتنظيم، هذه هي حقيقة حركتنا، ومتى ابتعدنا عن هذه الثقافة وتدخل المال بيننا دخلت القذارة أيضاً، والقذارة التي تفشت في تنظيمنا ابتدأت من هنا، وعلى كادر هذه الحركة أن لا يتخلى عن هذه الثقافة وهذه الأخلاق، فعندما يقول أحدهم هذا ملكي يكون قد ألقى الخطوة الأولى نحو النظام المستبد، أما القول إنني ضد المركزية وضد الدولة فهذا كله كلام، وأية خطوة نحو التملك هي خطوة نحو الفردانية ونحو الهيمنة والسلطة، وهذا أمر واضح وهكذا تتقدم القذارة، بالطبع الذي يجعل مال أسرته ملكاً له سيجعل من مال الحركة ملكاً له مائة بالمائة .تبدأ من هنا وتذهب إلى هناك، وهذا التوجه بدأ لدى فرهاد أفندي ببعض الحلوى، نعم الوضع الذي وصل إليه فرهاد بدأ ببعض الحلوى، على الرفاق إدراك هذه الحقيقة، فإذا أرادوا الحفاظ على ذاتهم طاهرة عليهم عدم إلقاء الخطوة نحو التملك، هذا هو الشرط والتدابير، أي أن لا تنزلق إلى الفردانية وأن لا تجعل التملك أساساً لك، وتجعل نفسك بدون ملك، وتعود إلى فلسفة اللقمة والكساء حتى تبقى بعيداً عن الهيمنة والتسلط، فأنت إن ألقيت الخطوة نحو الهيمنة والسلطة عليك أن تصنع لك العبيد أيضاً، لأن الهيمنة تحتاج إلى العبيد أيضاً ولا يمكن أن يكون هناك سادة بدون عبيد .ولهذا يجب على كل الرفاق أن ينأوا بأنفسهم عن تلك القذارة، هذا هو الأساس في حركة PKK حتى يجعل نفسه حركة للكفاح، وبالكفاح تحقق أهدافك، تأسست هذه الحركة على هذا المفهوم، ففي كردستان إن لم تجعل من الكفاح أساساً لك، ولم تقم بخلق تنظيمك وكادرك المكافح لن تتمكن من تحقيق أي شيء، وهذه الحركة تأسست على هذا المبدأ، وهي تأسست على الجهد وجعلت الجهد أساساً لها، لأن خلق كادر مكافح يحتاج إلى جهد، وتبني الكفاح يعني بحد ذاته الجهد، ولهذا فإن الجهد هو كل شيء في هذه الحركة من قاعدتها إلى قمتها، وكل من يحيا ضمن هذه الحركة عليه أن يجعل ذلك أساساً له، والعيش ضمن الحركة دون جهد لا يجوز، بل يتناقض مع الحركة، والعيش بدون جهد ضمن هذه الحركة يعني العيش حسب ذهنية الهيمنة والتسلط، فالمتحكمون يعيشون دون بذل الجهد، بل على جهد الآخرين، والذين يتطلعون إلى الهيمنة والتسلط يجعلون ذلك أساساً لهم، بينما الذي يرفض العبودية ويجعل من الحرية أساساً له عليه أن يكون صاحب جهد، وعليه أن يحيا بجهده وليس بجهد الآخرين، وهذا أيضاً من مبادئ هذه الحركة .