تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 6
تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 6
جميل بايك
قبل أن تستهدف الدولة حركتنا مباشرة عملت على تحريض القوى التي تحت إمرتها لتهاجم الحركة وكوادرها، فقد باتت حركتنا تخرج من إطارها الإيديولوجي لتتحول إلى حركة متميزة بشخصيتها السياسية، في إطار أوسع، لأن الحركة باتت تحقق تقدماً لدى الشعب. فعندما بدأت الحركة بنشاطها في أنقرا، عملت على مناهضة الفاشيين في أحياء توزلوجاير وماماق وعابدين باشا تحت مسؤولية الرفيق كمال بير، وطردت جميع الفاشيين منها، وسيطرت عليها، كانت هذه خطوة مهمة، وعندما دخلت الحركة إلى كردستان واصلت تصديها للفاشيين والعملاء ببعض العمليات، واستهدفت بعض عناصر البوليس والمتواطئين، و لم يتجاوز التكتيك الذي تبنته الحركة ذلك المستوى، أي أنها لم تكن تستهدف الدولة مباشرة بعملياتها العسكرية، كما لم تستهدف البنى القبلية الإقطاعية القائمة أيضاً، بل بقيت في مستوى الأشخاص من مخبرين وعملاء وفاشيين، وكان ذلك التكتيك يسفر عن نتائج إيجابية.
عندما خرجت الحركة من إطار مجموعة صغيرة وتوجهت نحو حركة سياسية بدأت عشيرة السليمانيين في حيلوان تتحامل على الحركة، فقاموا بقتل الرفيق خليل جاغون في حيلوان، انضم هذا الرفيق إلى الحركة في بداية نشاطنا في كردستان، واستطاع أن يكون مجموعة من الشبيبة حوله خلال نضاله في حيلوان. شعر السليمانيون بأن الرفيق خليل يقوم بمثل النشاط في منطقتهم، فقرروا أن يتخلصوا من ذلك الرفيق بشكل وحشي، وهناك ثانوية في حيلوان تجمع الشباب حولها ليقوموا بلصق الملصقات والدعاية في المنطقة بكتابة الشعارات على الجدران، في فترة استشهاد الرفيق حقي ، وتأكد هؤلاء من وجود الشباب خلف تلك الثانوية فيهاجمونهم بهدف القبض عليهم أحياء ، ليتجولوا بهم في البلدة والقرى لإهانتهم وبث الرعب بين المؤيدين للحركة، ولكن الرفاق قاوموا واستشهد الرفيق خليل واستطاع الباقون الإفلات منهم. باستشهاد الرفيق خليل جاغون أصبحنا أمام وضع جاد في حيلوان، بل أستطيع تشبيهه بالوضع الذي كنا فيه أثناء استشهاد الرفيق حقي تقريباً، أي باتت الحركة بين خيارين؛ إما الاستمرار أو التخلي عن النضال، فإذا لم نتصدى لعصابات السليمانيين في حيلوان لن تبقى أية مصداقية للحركة، ولن تتمكن من الاستمرار، أما إذا أردت التصدي لهم فلا تملك تنظيماً عسكرياً ولا أسلحة ولا تتوفر تجربة عسكرية كافية، صحيح كنا نقوم ببعض العمليات ضد الفاشيين والعملاء في أنقرا وكردستان، ولكن ذلك لم يكن كافياً لمواجهة السليمانيين، لأن عصابة السليمانيين كانت منظمة ومسلحة وهي التي تدير تنظيم حزب الحركة القومية MHP في ولاية أورفا بدعم من الدولة، أي أنها لم تكن عصابة بسيطة، ونحن في مواجهتهم لا نملك تنظيماً عسكرياً ولا أسلحة ولا تجربة كافية، ولهذا اتخاذ قرار المواجهة لم يكن أمراً سهلاً.
قرر القائد أن نواجه تلك العصابة، وكان قراراً مهماً جداً، فلو لم يتخذ ذلك القرار ولم نقم بمواجهة تلك العصابة، لخسرنا كل النضال والدعاية التي حققناها في تلك المنطقة، وفقدنا ثقة الشعب التي بنيناها، حتى كوادر الحركة كانت ستعيش حالة من التردد حول المصداقية، فما دمنا نواجه الاستعمار وأركانه في كردستان، وأركان الدولة في كردستان هم هؤلاء الإقطاعيون واليمينيين الأكراد، فما دمنا نعادي هؤلاء، وهم الذين اعتدوا على حركتنا وقتلوا رفيقنا خليل، فعلينا مواجهتهم. ولكن كيف سنواجههم ؟ أي أن قرار المواجهة محسوم، ولكن كيف ستكون المواجهة؟ حتى إذا لم تكن مواجهتك حاسمة، لن تحقق النتيجة المتوخاة، بل ستتلقى ضربة على الصعيد الإيديولوجي والصعيد السياسي معاً، ومن هنا تأتي أهمية التصدي. قرر القائد المواجهة وحدد طراز وكيفية هذه المواجهة بتوجيه ضربة قاصمة إلى السليمانيين.
توجهنا إلى حيلوان مع الرفيق كمال بير، لنتحدث إلى بعض الناس في البلدة، لكن الشعب كان خائفاً جداً، وقالوا لنا بصراحة: لقد قتل الرفيق خليل ولا نرغب بقتل المزيد، فلا يمكننا مواجهة السليمانيين، يجب أن تلتزموا الصمت وإلا فسنقتل جميعاً ويفضل أن تذهبوا مبكراً. طبعاً نحن لم نقبل المغادرة، فهم لم يكونوا معترضين على المواجهة، لكنهم مقتنعون باستحالة التصدي للسليمانيين، هذه كانت قناعتهم، وأن الأمر يجب أن يتوقف عند شهادة الرفيق خليل. بقينا عدة أيام واستطعنا إقناع عدة أشخاص، ولا أعلم كيف اقتنعوا وربما هكذا تظاهروا. ومن هناك توجهنا نحو سروج، حتى ذلك الحين لم يكن لدينا سوى كلاشينكوف واحد ولم يكن في المكان الواجب تواجده فيه، وهناك أمر آخر وهو أن مجموعة من اليسار التركي كانت قد دفعت سلفة لأحد تجار الأسلحة، والتاجر كان يراوغ في تلبية الطلب، وقالت لنا المجموعة: إن استطعتم تحصيل السلاح ليكن نصفها لكم ونصفها لنا. تلك كانت كل إمكانياتنا، فإن حصلنا على السلاح من التاجر سيكون نصفها لنا ولدينا سلاح آخر، عندها سنتمكن من التصدي للسليمانيين. كان هذا هدفنا من الذهاب إلى سروج. مجموعة اليسار التركي لها ثلاث كليشات وأربع مسدسات لم يسلمها لهم تجار السلاح. التقينا بالمهربين وحصلنا منهم على سلاحي كلاشينكوف، وحتى تلك حصلنا عليها عنوة، وجلبناها إلى حيلوان، وبدأنا بحربنا في حيلوان بثلاث أسلحة فقط. خرجنا مع الرفيق كمال من حيلوان لنذهب إلى سروج واصطحبنا معنا الرفيق ويسي بادم الذي استشهد في 12 أيلول، وكان من أهالي ويرانشهير، كنا نقوم بالدعاية ضد السليمانيين، وتحدث السائق وعبر عن فرحته وفجأة توقف عن الكلام، وعندما سألناه قال: إن السليمانيون يلاحقوننا بسيارتين، وطلبنا منه أن يسرع في قيادته، قال: لا أستطيع لأن سيارتي قديمة ولن أستطيع الهرب منهم، فقلنا: عندها عليك أن تدخل في الطريق الترابي، فقال : لن أستطيع الدخول في الطرق الترابية، تغير لونه تماماً من الخوف. فقلنا له: قل لهم بأنك لا تعرفنا، ومجرد ركاب طلبوا مني إيصالهم. وفيما بيننا قلنا: إننا معلمو المدرسة وذاهبون إلى مديرية التربية في أورفا للحصول على رواتبنا، وإذا وجدنا الوضع متوتراً سنهاجمهم ونحاول الاستيلاء على السلاح منهم، وأن لم نستطع فليس هناك ما نستطيع القيام به. تجاوزتنا إحدى السيارتين وطلبت منا الوقوف، والثانية بقيت خلفنا، سألونا عمن نكون وإلى أين ذاهبون، لم يعرفوننا، وعندما وصلتهم السيارة الثانية كنا قد غادرنا. وتحدثوا فيما بينهم ثم لحقونا مرة أخرى، حتى وصلنا إلى قاراكوبرو، وهي قريبة من أورفا، لهذا اضطروا إلى العودة، كانوا جميعاً مدججين بالسلاح بينما نحن ليس لدينا أي سلاح. أتذكر أن الرفيق كمال قال حينها : إن الحزب قد أخرجني من السجن، وهذا دين في عنقي، فإن قتلت سأموت مديوناً، ولم أرغب في أن أموت مديوناً. لأننا كنا قد هربناه من السجن، وطلبنا من السائق أن لا يروي ما جرى في حيلوان، لكي لا يسود الخوف مرة أخرى ويذهب القليل من الأجواء الايجابية التي خلقناها خلال الأيام القليلة الماضية. ولن يقبل الأصدقاء بدخولنا إلى بيوتهم في البلدة، وعندما جلبنا السلاح وعدنا وجدنا أن السائق قد روى الحادثة ولم يقبل أحد دخولنا إلى منزله، والأجواء باتت متوترة جداً، واجهنا صعوبة كبيرة في إقناع أولئك الأصدقاء مرة أخرى.
كلف القائد كل من الرفيقين كمال بير ومحمد قاراسونغور بمهمة حيلوان، وهما سيقودان عملياتنا ضد السليمانيين، كما حدد زمناً لذلك، أي يجب أن نكون قد وجهنا ضربة إلى السليمانيين حتى ذلك التاريخ وإلا سيزداد الخطر علينا. لكننا تأخرنا في تنفيذ المهمة الموكلة إلينا. جاء القائد إلى أورفا وطلب اللقاء بكل من كمال ومحمد، ووجه إلينا النقد بسبب هذا التأخير وهم بالمغادرة بعد إنتهاء الاجتماع ، سألت الرفيق كمال قائلاً: يا رفيق كمال هل ستأتي إذا طلبك القائد مرة أخرى؟ قال: كلا لن أحضر. فقلت: إنني أعرفك جيداً وأنت ستأتي عندما يطلبك القائد حتى ولو كنت تحت الأرض. قال: لن أحضر حتى أقوم بهذه المهمة، فقد تم تكليفنا بمهمة وها قد رأيت نقد القائد لنا ولن أعود حتى أنجز هذه المهمة. الوفاء والارتباط بالقائد لدى الرفيق كمال يعني تنفيذ المهام الموكلة إليه في حينها، بالطبع نحن أيضاً نعبر عن ارتباطنا بالقائد ولكن عندما يكون الموضوع المهام والوظائف نتردد فيها، ولكن الأمر لم يكن كذلك لدى كمال بير ، فالأساس لدى كمال هو الوفاء المطلق للقائد، وكل أمر منه مقدس يجب الالتزام به. وكل ما يطلبه القائد يجب أن ينفذ بدون تردد مهما كانت الظروف، وكنت قد رأيته بدون معنويات قبيل الاجتماع، وسألته: إنني أراك بدون معنويات فما هو الأمر؟ قال: ألا ترى أن القائد قد كلفنا بمهمة ولم ننفذها حتى الآن، وهو قد طلبنا لهذا السبب، فكيف تكون لدي معنويات!!.
عاد الرفاق إلى منطقتهم ولم يمض وقت طويل ، حتى ألحقوا ضربة ماحقة بالسليمانيين وسط حيلوان وفي وضح النهار، فقد كان التخطيط والطراز على ذلك النحو، أي توجيه الضربة نهاراً وفي وسط حيلوان، فبهذه العملية الجريئة فقط يمكن تحطيم شوكة السليمانيين في حيلوان، ويستنهض شعب حيلوان، وهذا غير ممكن بإسلوب آخر، فالمطلوب هي عملية تتسبب في صدمة كبيرة، حيث تم الهجوم على سياراتهم وقتل من كان يمثل قيادتهم، وحاولوا أخذ جرحاهم إلى عنتاب وأضنه، وكنا قد وجهنا تعليماتنا بأن لا يسمح لهؤلاء بدخول المستشفى، وعندما تصل التعليمات يجمع الرفاق الذين كان كل منهم في مكان نشاطه بجمع المؤيدين ويسدون كل المنافذ المؤدية إلى المستشفيات التي يقصدونها. وهكذا كان تأثير الضربة صاعقاً، ووجد السليمانيون أنه لم تبق أمامهم فرصة الحياة أينما ذهبوا وأينما حلوا. وهذه الضربة هي التي كسرت شوكتهم وحدت من عدوانيتهم، وأثرت على الشعب تأثيراً كبيراً، فأولئك السليمانيون الذي يهابهم الجميع ويخاف من بطشهم يقتلون في النهار في وسط شوارع البلدة، هذا الحدث بعث الروح في شعب حيلوان. عندما جرت تلك العملية قام السليمانيون بهجوم في سوق البلدة أسفر عن استشهاد أحد المؤيدين، ولكن عندما وجدوا رجالهم يقتلون في عنتاب وأضنه تكسرت أيديهم، وتركوا البلدة متوجهين إلى قريتهم، وعندها قام الرفاق بدفن جنازة ذلك الشاب بتجمع جماهيري كبير وحموا ذلك التجمع بذلك السلاح، وألقى الرفيق صالح كندال كلمة حماسية قوية في ذلك الجمع، فقد كان الرفيق كندال قوياً في التحريض وهذه كانت ميزته، ولم يتوقف تأثير كلمته على حيلوان فقط بل تجاوزتها إلى القرى والمناطق المجاورة أيضاً، ولم تتدخل الدولة نظراً للحشد الجماهيري الهائل، وذلك التجمع منح الجماهير معنويات هائلة، فقد بات شعب حيلوان متأهباً في البلدة والقرى، والسليمانيون لم يعودوا قادرين على الخروج من قريتهم، وباتت كل حساباتهم معقودة على كيفية الحفاظ على مصالحهم وحياتهم في قريتهم. نعم هكذا بدأت حرب حيلوان وهكذا استمرت. ومعروف أن رئاسة البلدية كانت في يد أحد السليمانيين، فذهب إليه الرفيق خيري دورموش وأعطاه نصاً مكتوباً وطلب منه قرأته من خلال مكبرات الصوت التابعة للبلدية، ورد في ذلك النص: نحن السليمانيون ارتكبنا الخيانة بحق شعبنا حتى الآن، والحركة تعفو عنا، ونحن نعتذر من شعبنا وسنكون من الآن فصاعداً في خدمة شعبنا. حين قراءة النص كان كل الشعب من حيلوان والقرى مجتمعاً في البلدة ويستمع. وهكذا وصل الحماس إلى أوجه، وثقة الشعب أصبحت مطلقة بالحركة، وتطور التنظيم في حيلوان، وقمنا بوضع رئيس بلدية جديد وتشكيل مجلس بلدية جديد، وضم المجلس ممثلين عن كل الشرائح، والمجلس هو الجهة المخولة لاتخاذ القرارات وتنفيذها، وبات الجميع يلتزم بما يصدره المجلس، وتطوع الأطفال والنساء لحماية البلدة بالكامل، وانتشرت اللجان الشعبية في كل حي وكل شارع، وبات هناك مسؤولون عن الحماية في كل مكان، وأي حركة صغيرة من جانب الدولة ينتشر فوراً ويتم اتخاذ التدابير اللازمة، كما تم تأسيس لجان في القرى تتولى الحماية وتحل مشاكلها، وهناك علاقة بين تلك اللجان والمجلس البلدي، وكان بعض الرفاق أعضاء في المجلس البلدي.
كثير من الرفاق يشكون من صعوبة فهم واستيعاب الكونفيدرالية الديمقراطية، حتى أن بعضهم يقول إنها جيدة ولكن يصعب تطبيقها في يومنا، القيادة لا تطرح على الشعب ما لا يمكن تطبيقه، وما يمكن أن يكون يوتوبيا أو يستحيل تطبيقه في يومنا لا يطرحه القائد على الشعب وعلى الحركة، فنحن استطعنا تطبيق الكونفيدرالية الديموقراطية في حيلوان آنذاك وألقينا أسسها هناك، وقام القائد بتطويرها عندما كان في غرب كردستان وكاد أن يجعلها مقبولة لدى الدولة السورية ويجعلها رسمية، إلا أن المؤامرة الدولية حالت دون ذلك، فقام بتطويرها إلى نظام خلال وجوده في ايمرالي. والاعتقاد القائل أنه وضعها في ايمرالي خاطئ. وكل ما هنالك أننا كنا نطبق ذلك النظام انطلاقاً من مفهوم المركزية الديمقراطية ، لأننا في ذلك الوقت كنا نتبنى مفهوم لينين للتنظيم ونجعله أساساً لنا، فكنا نتبنى الديموقراطية المركزية ونظام دولة البروليتاريا، نعم طبقنا ذلك في حلوان ولكنه لم يستمر حتى النهاية، لماذا ؟ لقد كان هناك نظام السوفيتات في روسيا، وهي التي قامت بالثورة أساساً، ولكن النظام كان يهدف إلى تأسيس الدولة كأساس له، وعندما تأسست الدولة أخذت تتقدم الدولة ويتراجع دور السوفيتات تدريجياً إلى أن انتهت السوفيتات وانهار النظام بالكامل. فمفهوم المركزية الديمقراطية ومفهوم نظام الدولة يؤدي إلى تلك النتيجة. وهذا هو سبب انهيار النظام السوفييتي، وحيلوان كانت ستنتهي إلى نفس المصير، فنحن حينها كنا نتقرب على أساس مفهوم المركزية الديمقراطية بينما الآن نطرحها حسب مفهوم الكونفيدرالية الديموقراطية وهنا يكمن الفرق،فنحن لا نطرح مفهوماً جديداً لا نعرفه، بل نحن نطرح مفهوماً جربناه ولدينا ممارسة عملية عنه.
إن لحرب حيلوان مكانة خاصة ومهمة جداً في تاريخ شعبنا وحركتنا، بل أن الشعب الكردي لم يتمرد بدون الإقطاعية قبل حرب حيلوان، فهناك تمردات كثيرة في تاريخ كردستان ولكنها كانت ودون استثناء بقيادة الإقطاعيين من رؤساء العشائر والبيكوات والشيوخ، والشعب الكردي كان يتحرك تحت أمرة هؤلاء القادة، ويخدم أهدافهم وتطلعاتهم، ولأول مرة في تاريخه ينهض الشعب الكردي دون قيادة الإقطاعيين بل وضد الإقطاعيين ويتوصل إلى نتيجة وينتصر، فالشعب الكردي حارب من أجل ذاته، فهو تقلد إدارة نفسه بنفسه ، وربما لم يؤسس الشعب الكردي إدارة لنفسه بنفسه في غير حيلوان، وقد تحققت الحرية الديمقراطية والعدالة في حيلوان، وهذا ما خلق حيوية كبيرة في حيلوان جعلها تحيا ربيعها، وبقيت الدولة محجوزة في أبنيتها، وفقدت كل تأثير لها وأفلست ولم تعد قادرة على مغادرة تلك الأبنية، ولم تنتقل إليها أية قضية أو مشكلة تهم الشعب، كلها كانت تأتي إلى المجالس، فقضايا القرى كانت تحل من جانب اللجان وقضايا الأحياء يحلها المجلس البلدي.
تركت حرب حلوان أثراً كبيراً على الشعب في أورفا وامتد تأثيرها ليصل المناطق الأخرى خارج أورفا، تلقت الطبقة المتواطئة العملية ضربة كبيرة، وأصبحت تعيش حالة من الخوف والتوتر، والوضع الذي آل إليه السليمانيون أمام الأنظار، وتتناقل الأحاديث عنهم في كل مكان ، وكان يضيفون إلى الوقائع المزيد لينتقل بشكل مبالغ فيه، ويزداد احترام الآبوجيين ومحبتهم لدى الشعب، فتحولت الحركة إلى أسطورة والكوادر إلى أبطال لديهم، والشعب بنفسه كان يقوم بالدعاية للحركة، كل ذلك كان يزيد الخوف والتوتر لدى الخونة والعملاء والمتواطئين. بعد تلقي السليمانيون لتلك الضربة واستسلامهم، استولينا على أسلحتهم باتت لدينا كميات كافية من السلاح، وأصبحنا قادرين على مواصلة الحرب، بل كنا نزود الشعب بالأسلحة في بعض الأماكن لحماية أنفسهم. وكثير من المتواطئين كانوا يستسلمون للحركة بدون مقاومة، ويقبلون بكل الشروط التي نفرضها ليحموا أنفسهم. هذه هي النتائج التي تولدت عن مقاومة حيلوان، ولهذا لمقاومة حيلوان مكانة مهمة وخاصة في تاريخ حركتنا وتاريخ شعبنا.
إذا كانت تلك المقاومة أسفرت عن كل هذه النتائج الايجابية فإن السبب الأساسي لهذا النجاح يكمن في القرار الذي اتخذه القائد والطراز الذي حدده لتلك المقاومة، وكذلك الجهد التي بذلها كل من محمد قاراسونغور وكمال بير، والجهود التي بذلها كل من الرفاق محمد خيري دورموش و مظلوم دوغان وصالح كندال وجمعة تاك كانت أساساً لتحقيق هذا النجاح، فمن الناحية العسكرية والعملية كانت لكمال بير ومحمد قراسونغور وجمعة تاك وصالح كاندال جهود عظيمة، ومن الناحية السياسية والتنظيمية كانت جهود مظلوم دوغان ومحمد خيري دورموش هي الأساس في هذا النجاح ،لأن هؤلاء الرفاق ناضلوا بين صفوف الشعب في تلك المنطقة، ابتداء من التعليم والتدريب ووصولاً إلى تنظيمهم، وفي النهاية فإن خيري دورموش هو الذي أرغم رئيس البلدية على الاستسلام والتحدث عبر مكبرات الصوت والاعتذار للشعب. وذلك الكتيب المشار إليه باسم ” لنستوعب السبيل القويم ” كتب في هذه الفترة من قبل محمد خيري دورموش، وعنوان الكتيب في الأصل هو “النضال يتعاظم في منطقة أورفا”، وقد غيرنا اسمه لأن جميع التنظيمات والأطراف التي كانت تدعي اليسارية والديموقراطية والثورية كانت تمارس الدعاية ضد ما نقوم به في حيلوان، وتقييم الرفيق خيري جاء رداً عليهم، ليخبرهم بالطريق الصحيح، لأنهم كانوا يدعون خطأ تلك الخطوة وأنها صراع عشائر وما إلى ذلك من دعايات، لم يكن الكتيب رداً عليهم فقط ، بل كان تقييماً للأخطاء والنواقص التي ظهرت خلال تلك الفترة.
في خضم الصراع في حيلوان وصلنا نبأ يقول: أن تكوشين قام بانقلاب على الحركة في عنتاب، فاضطررنا إلى ترك المنطقة والتوجه إلى عنتاب مع الرفيق كمال بير، الخبر صحيح حيث قام بعض الذين كانوا بيننا وبعض العناصر الأخرى من الخارج بالإنقلاب ضدنا واستولوا على الحركة وكل ممتلكاتها، والرفاق الملتزمون بالحركة باتوا عاجزين عن مواجهتهم على درجة أنهم إختبأوا منهم حتى لا يتعرضوا للإبادة والقتل على أيديهم. الذين أسسوا تكوشين هم مجموعة انفصلت عن DHKP-C و Kurtulus، وعندما تدخل هذه المجموعة في تناقض معهم يقول لهم المنتمون إلى Kurtulus : إن ما تنادون به يشبه ما يطالب به الآبوجيون فاذهبوا وانضموا إليهم. وتقول تلك المجموعة: بل نحن سنؤسس حركة ضد الآبوجيين، وسنستولي على كل أرضيتهم، وسنشكل حركة تتحكم بكردستان، وسترون ذلك. هذا ما علمناه من Kurtulus فيما بعد، فكيف سيستولون على أرضيتنا؟. سيكيلون الضربات لينهوننا ويستولوا على الأرضية، ذلك هو الهدف الذي تأسسوا من أجله، وسبب ثقتهم هذه كانت علاقتهم مع أشخاص من بيننا وهؤلاء كان لهم دور في استشهاد الرفيق حقي، كانوا قد انضموا إلينا من Halkin Kurtulusu، كان لهم دور في استشهاد كل من إلهان و ممو و حقي، فمجموعة صغيرة من هؤلاء عملاء الدولة التركية، بوزان وأمثاله الذي مر ذكره ، هؤلاء والمجموعة التي انفصلت من Kurtulus أسسوا تكوشين واستغلوا إنشغالنا في حيلوان وقاموا بالانقلاب واستولوا على الحركة. عندما ذهبنا وجدنا أنهم استولوا على الأسلحة وكل ما نملكه، وظهرت تعقيدات كثيرة والعديد من الرفاق أصبحوا تحت تأثيرهم، بعضهم اختبأ وبعضهم أصبحوا آلة لهم، لأن هؤلاء قالوا: نحن ندافع عن نهج حقي ومتمسكون به، مستفيدين من التأثير القوي للرفيق حقي ضمن الحركة ليتمكنوا من السيطرة على الحركة. هكذا كان الوضع عندما وصلنا إلى عنتاب.
تدارسنا كيفية التدخل في هذا الوضع، حتى نحن تعرضنا لمحاولة الإبادة عندما داهموا المكان الذي كنا فيه وكنا بالطبع كنا قد اتخذنا التدابير. قمنا بتنظيم من تبقى من الرفاق، واتصلنا بالذين وقعوا تحت تأثيرهم لإعادتهم إلى الصفوف، ولنتمكن من حصر المتآمرين في مجموعة صغيرة ونستهدفهم مباشرة. حتى ذلك الوقت كان سليمان قد وصل إلينا أيضاً، ويقوم بإفساد ما نقوم به من عمل ، فنحن كنا نجمعهم وهو يفرقهم ، لا شك أن البعض من الذين كنا نحاول تخليصهم وكسبهم كانوا وقعوا في أخطاء، وباتوا خائفين من أن لا تغفر لهم الحركة ما قاموا به، ونحن كنا قلنا لهم: لقد ارتكبتم ذنوباً ويمكنكم تلافيها، ومنحهم ذلك بعض الاطمئنان، ويلتقي بهم سليمان ليقول : إنكم تستحقون القتل وسينفذ الحكم عليكم. بذلك كان يعطل ما نقوم به، لذا اضطررنا إلى القول له: أجلس ولا تقم بشيء، فأقعدناه، فربما تفشل كل جهودنا بسببه.
بعدها جاء القائد وعقدنا اجتماعات مكثفة حتى حصرناهم في مجموعة صغيرة. توقعنا أن نعيش وضع مماثل في ديرسيم أيضاً، فطلبنا من الرفيق فؤاد بالتوجه فوراً إلى ديرسم، فعلينا أن نلقي خطوتنا هناك قبل أن يتمكن هم من إلقاء خطواتهم، ولو تأخرنا لعشنا نفس الوضع الذي عشناه في عنتاب في ديرسيم أيضاً، وأحد الذين اشتركوا في هذه المؤامرة كان قمر أوزكان الذي مر ذكره، كان قد انفصل عن صفوفنا وتوحد مع تكوشين ليمارس هناك ما جرى في عنتاب، إلى درجة أنه قام بعقد العلاقات مع بعض الرفاق ليستميلهم إلى جانبه، وأراد أن يقوم بتصفية بعض الرفاق هناك، فقد كان ضالعاً في تنظيم الانقلاب هناك ولهذا جعلنا منه هدفاً ليقضى عليه فيما بعد.
الجهود الكثيفة التي بذلناها في التصدي لتكوشين جعلتنا بعيدين عن الاهتمام بحيلوان فبقيت ضعيفة بعض الشيء، لأننا اضطررنا إلى سحب الكثير من الكوادر من هناك لمواجهة خطر تكوشين، ومن بقي هناك كان الرفيق محمد قاراسونغور وبعض الكوادر المحليين والميليشيا ومجموعة صغيرة من رفاق خارج المنطقة، ولو لم نسحب الكوادر من هناك لما استطعنا مواجهة خطر تكوشين ، بعد أن تفرغنا من المؤامرة وجهنا اهتمامنا مرة أخرى إلى حيلوان لنوصل هذا النضال إلى النتيجة.
مثلما فهمنا حقيقة من استشهاد الرفيق حقي، فهمنا حقيقة أخرى من حرب حيلوان أيضاً. فالحقيقة التي فهمناها من استشهاد الرفيق حقي هي: إذا كنت تريد النضال في كردستان عليك أن تقوم بحماية نفسك أولاً، فإذا لم تحمي نفسك يستحيل النضال، وهكذا بات الدفاع المشروع جزءاً من برنامجنا بعد استشهاد الرفيق حقي، ولم يكن قد مضى عام على ذلك حتى شهدنا استشهاد الرفيق خليل جاغون وأصبحنا في مواجهة حرب حيلوان، لم تكن إمكاناتنا تسمح لنا بامتلاك أكثر من سلاح واحد وحتى ذلك السلاح كنا قد حصلنا عليه بالدين. أما الحقيقة التي استنبطناها من تجربة حيلوان فهي: إذا لم نقم بتأسيس تنظيم عسكري من كوادر مسلحة، لن نتمكن من تحقيق الاستمرارية لحركتنا، لأن الهجمات تزايدت علينا، ولهذا يجب علينا تأسيس تنظيم عسكري.
بثت حرب حيلوان الرعب في صفوف الإقطاعيين، ولكن الأخبار كانت تصلنا عن استعداد عشيرة بوجاق لمهاجمتنا، بل يستعدون للهجوم على حيلوان للسيطرة عليها، فبعد نجاحنا في حيلوان وانتشار تأثيرها بين الشعب في المناطق المجاورة توقع هؤلاء أننا سنهاجم عشيرة بوجاق وندخل سويرك، ونحن بدورنا كنا قد خططنا لتلك الخطوة لأننا كنا متأكدين من أننا لو لم نهاجم بوجاق، فأن بوجاق سيهاجمنا بكل تأكيد، لأنه يستحيل أن يحيا بوجاق بعيداً عما يجري بالقرب منه.
قام القائد بإعداد برنامج الحزب، ووزعناه على كافة المناطق لقراءته والنقاش عليه، وشارك القائد بنفسه في شرح البرنامج ونقاشه في بعض المناطق، وقام بإجراء التقييمات في سبيل فهم البرنامج، وليفهم الكوادر الخطوات التي ستلقيها الحركة، لأن الحركة تتعاظم وتتوجه نحو التحزب، والهجمات تزداد على الحركة أيضاً، وأصبح التحول إلى حزب ضرورة لا محالة، وبدون ذلك لا يمكن للحركة أن تتقدم، وما حققناه في حيلوان خلق أرضية قوية لدى الشعب، فازدادت ثقتهم بالحركة، وأصبح يطالب الحركة بلعب دورها الطليعي، وكان لابد من إلقاء تلك الخطوة، لهذا السبب كان القائد يجري تلك التقييمات، حتى يصبح البرنامج والخطوة التالية مفهوماً لدى الجميع.
بعد تلك الاجتماعات عقدنا اجتماعات أخرى كنتيجة للاجتماعات السابقة، عقد الاجتماع الأول في ألعزيز، في منزل آيدوغان توغلوك في المدينة، ضم ذلك الاجتماع ما بين عشرة إلى خمسة عشر شخصاً من الرفاق المعروفين، حيث تم التوقف على مسألة التحول إلى حزب، كان الاجتماع قد وصل إلى منتصفه حين راودنا الشك في أن يقوم البوليس بمداهمة ذلك المنزل، فتركنا الاجتماع وتوجهنا إلى موخوندة (ناحية) القريبة من المدينة، وواصلنا الاجتماع في إحدى القرى التابعة لتلك الناحية، كان ذلك الاجتماع مهماً على صعيد تحولنا إلى حزب، الاجتماع الذي عقدناه في ديكمن في أنقرا عام 1976 كان الاجتماع الرسمي الأول، حيث ناقشنا الخطوات السابقة واللاحقة وانتخبنا إدارة للحركة، ربما عقدنا اجتماعات أخرى بعد ذلك، ولكن اجتماع ديكمن كان الأهم على صعيد التنظيم، وفي هذا الاجتماع تم نقاش وتقييم النضال في المرحلة السابقة، ووضعت الخطط والبرامج للمرحلة اللاحقة، وفي الاجتماع كانت هناك بعض المفاهيم المختلفة طبعاً، فالجميع لم يكن متوحد الفكر. حيث اعترض كل من شاهين دونمز وعلي جتينأر على خطوة التحزب ووجداها مبكرة، وطالبا بالاستمرار على الوضع الذي كانت عليه الحركة، والشكل القائم هو أننا أسسنا تنظيماً للشباب وكنا نعمل باسم ذلك التنظيم حتى تأسيس الحزب، وكان تنظيماً سرياً، بعض كوادرنا لم يكونوا يعلمون بذلك التنظيم، فقسم من كوادرنا كانوا أعضاء في ذلك التنظيم، كان للتنظيم إدارته، وكانت له لجان في المناطق، وما عدا الكوادر الأعضاء لم يكن أحد يعلم بالتنظيم، واسم ذلك التنظيم كان “اتحاد الشبيبة الوطنيين الثوريين الكردستانيين”، وجاء إصرار شاهين دونمز وعلي جتينأر للبقاء ضمن ذلك التنظيم، وكانوا يرون في التحزب خطراً، بينما القائد والرفاق الآخرون كانوا يرون التحول إلى حزب ضرورة، ولا بد من إلقاء الخطوة نحو الحزب، في ذلك الاجتماع لم نتخذ القرار بصدد التحول إلى حزب، علماً بأن الاجتماع لم يكن بهدف اتخاذ قرار التحزب، بل كان بهدف نقاش المشاكل التنظيمية، وأكثر من ذلك هو أننا بطرح البرنامج كنا بصدد إلقاء خطوة التحزب، والنقاش يدور حول نوعية الحزب الذي يجب تأسيسه في كردستان. لعب ذلك الاجتماع الدور في موضوع التحول إلى حزب، ثم عقد اجتماع أوسع في آمد في منطقة باغلار، وضم كل الكوادر المتقدمين في كل المناطق تقريباً، وكان حاشداً مقارنة باجتماع ألعزيز، حيث صدر قرار تأسيس الحزب في ذلك الاجتماع، أصر كل من شاهين دونمز وعلي جتينأر على رأيهما في ذلك اجتماع أيضاً، وبعض الذين انضموا إلينا من DDKD (الجمعية الثقافية الثورية للشرق) من ماردين اعترضوا على التحول إلى حزب أيضاً ولم يرغبوا في إلقاء تلك الخطوة، فيما عدا هؤلاء عبر البقية عن موقفهم الواضح نحو التحول إلى حزب، وتم اتخاذ قرار عقد مؤتمر لتأسيس الحزب، وقد حاولت تلك المجموعة مع شاهين وعلي كثيراً للحيلولة دون اتخاذ قرار تأسيس الحزب ولكنهم لم يفلحوا لأنهم كانوا قلة قليلة. منحنا الصلاحيات للقائد ليقوم بكل الإعدادات اللازمة لعقد المؤتمر، من تحديد المكان والزمان وكيفية انضمام الأعضاء وما إلى هناك من تحضيرات لضمان سرية العمل، واستعان القائد في هذا العمل بالرفاق مظلوم دوغان والرفيق سيف الدين زورلو، حيث لم يعرف احد من الرفاق مكان وزمان المؤتمر حتى الوصول إليه، وعندما يصلون يدركون أنهم جاؤوا للمؤتمر، كانت السرية على ذلك المستوى، ولولا تلك السرية الكبيرة لتلقينا ضربة بدون شك.
عقد المؤتمر التأسيس للحزب PKK كما هو معلوم في قرية ” فيس ” في بيت سيف الدين زورلو، حتى عائلة الرفيق سيف الدين لم تكن تعلم بعقد المؤتمر في بيتهم، فالرفيق سيف الدين كان أعلمهم بأن رفاقه سيأتون إليه للوليمة والحديث حول شؤونهم، لا خلال المؤتمر ولا بعده لم تعلم تلك العائلة بعقدنا للمؤتمر في بيتهم، حتى تحاملت عليهم الدولة التي علمت بأن المؤتمر عقد في ذلك البيت عن ظهور الخيانة، عندها فقط علمت العائلة أن ما جرى كان مؤتمراً وليس رفاق سيف الدين في الجامعة. المؤتمر لم يستغرق وقتاً طويلا ً بالطبع، فقد استمر لثلاثة أيام مع الذهاب والإياب.
عبر المنضمون عن سرورهم، وكانت المعنويات مرتفعة بسبب انضمامهم إلى المؤتمر وتحولنا إلى حزب ونحن المؤسسون لهذا الحزب، وهذا ما كان يبعث على الحماس والنشوة، وأستطيع القول أنه فيما عدا مجموعة صغيرة أغلب المنضمين إلى المؤتمر لم يكونوا يعلمون كثيراً حول ما هو التحزب، وماذا يعني المؤتمر التأسيسي، ربما قرءوا بعض الأمور في الكتب ولكن لا يعرفون معنى التحول إلى كادر في حزب وعضو المؤتمر، وكانت هناك امرأتان من بين أعضاء المؤتمر وهما فاطمة وساكينة جانسيز، وأعتقد أن مجموع المؤتمرين كانوا بحدود خمسة وعشرين، ولكن كمال بير كان معتقلاً ومحمد قاراسونغور كان مشغولاً بالإعداد من أجل سويرك لهذا لم ينضما إلى المؤتمر، أي كان مجموع المنضمين اثنان وعشرون أو ثلاثاً وعشرون جاؤوا من كافة المناطق كممثلين عنها. ظهر في المؤتمر تيار شاهين دونمز، وتيار آخر يؤيد تأسيس الحزب ولكنه لم يكن متحمساً للمؤتمر، ثم التيار الذي يقوده القائد ويتألف من رفاق أمثال خيري دورموش ومظلوم دوغان وغيرهم، كانوا متحمسين ويخوضون النقاشات. والمؤتمر كان ناجحاً والهدف منه هو إقرار البرنامج، بينما النظام الداخلي واسم الحزب لم يكن معداً، فقد كانت هناك أسماء مقترحة ولكن تم الاختيار بعد المؤتمر، وأعتقد أن اسم حزب العمال الكردستاني (PKK) كان من اقتراح الرفيق مظلوم دوغان، وتم قبوله فيما بعد. كان القائد هو المتحدث الرئيسي في المؤتمر والهدف الرئيسي من حديثه هو دفع المؤتمر إلى قبول التحول إلى حزب، وإفهام المسار الذي كنا بصدده، ليفهم الجميع أن الثورية اللاحقة للمؤتمر تختلف عن الثورية السابقة له، فالمسار الجديد يختلف عن السابق في تنظيمه ومسؤولياته وكوادره وأهدافه،كان الكوادر هواة يفتقرون إلى التجربة وانضموا إلى المؤتمر بهذا التكوين، فرغم قراءتهم للبرنامج ونقاشاتهم إلا أنهم كانوا يعيشون عملياً تلك الكادرية، بينما الثوروية في الحزب تختلف عن السابق، هذا ما أراد القائد أن يفهمه المؤتمرون، وأخيراً قال القائد: إنني أوصلت الحركة إلى هذا المستوى، ونتحول الآن إلى حزب، وإذا كان من بين أعضاء المؤتمر من يستطيع قيادة هذه الحزب فإنني على استعداد لأن أكون دعماً وسنداً له حتى النهاية، ولم يتقدم أحد، فلم يكن لدى أي منا القدرة على تحمل تلك الأعباء، بل أن بعضنا تذمر بسبب ما قاله القائد، لماذا يقول ذلك؟، فالقائد هو الذي أوصل الحركة إلى هذا المستوى وعليه أن يستمر. وعندما لم يتقدم أحد وقال الجميع: يجب أن تقود أنت هذه الحركة. عندها قال القائد: ما دمتم تطلبون مني أن أقود هذا الحزب، عندها يجب أن تنفذوا ما أطلبه منكم، فإذا كنتم تقبلون بذلك عندها أتولى المسؤولية، ورضي الجميع بذلك، فلماذا كان القائد يطلب أن نعيش الحزبية ونتصرف كما يريده هو منا؟ لأن القائد وضع نصب عينيه التحول إلى حزب، فهو لديه مفهومه عن الحزبية، وهو بذلك يقصد أن يقبل الجميع مفهوم الحزبية الذي يفكر فيه هو، لا أن يعيش كل واحد مفهوماً للحزبية حسبما يفهمه هو، فالحزبية تتطلب ذلك، فقد يكون للبعض منا مفهومه المختلف عن الآخرين خلال مرحلة المجموعة وكان ذلك مقبولاً، ولكن ذلك غير مقبول في الحزب، بل هناك مفهوم موحد يقبله كل من ينتمي إلى الحزب، وهذا ما كان يقصده. وعندما جاء اختيار المركزية قال القائد: من يرى في نفسه القدرة فليرشح نفسه، فنهض شاهين دونمز وقال: إنني أرشح نفسي للمركزية، قال له القائد: يا شاهين إنك تطلب ذلك فهل يمكنك القيام بمسؤولياتها؟ فهي مهمة ثقيلة؟ وكان يريده أن يفهمه عبء المسؤولية، وكذلك أراد أن يُفهِم المؤتمرين بأن شاهين ليس من القادرين على تحمل العبء، فهو لم يقل بصراحة إنك غير قادر على تحمل هذه المهمة، لأن ذلك لم يكن من أسلوب القائد مطلقاً، ربما لم يفهم بعض من بين المؤتمرين، ولكننا كنا نفهم لأننا نعرف شاهين عن قرب، وكأن القائد كان يطالبنا أن نقول لشاهين: إنك لست مناسباً لهذه المهمة، ولكن أحداً منا لم يفعل ذلك، فنحن كنا نعرف أن شاهين لا يناسب تلك المهمة ولكننا لم نقلها، وهذا كان تهرباً كبيراً من المسؤولية، فإذا كان شاهين قد تسبب في سلبيات كبيرة لاحقاً، فإن ذلك الوضع هو الذي فتح المجال أمام ذلك، ولنا مسؤوليتنا فيه، فإذا لم نكن نعرف شاهين ربما يكون مقبولاً ولكننا نعرف حقيقة شاهين وإمكانياته، ونعرف أسرته وشخصيته وتكوينه، ونعرف أنه كان يعشق شخصه ويحب التسلق، وربما كانت لديه بعض الجوانب الجيدة، ولكن كانت لديه جونب خطيرة أيضاً، فقد كان يكذب علناً، رأيت كثيراً من الأشخاص الوصوليين ولكنني لم أرى مثل شاهين، وكان ذا شخصية غامضة، يمدح نفسه أينما ذهب، ولا يتردد في الادعاء بعمل ما لم يعمله، ثم تراه قد كذب، وعندما يتولى شخص كهذا منصب مركزية هذه الحركة يكون أمراً خطيراً، والقائد يعرف هذه الحقائق ولا يريد أن يقول له مباشرة أنك لا تصلح لهذا الأمر، بل أرادنا أن نقولها نحن له، وعندما لم يصدر منا أي صوت، كرر قوله: إن المرحلة التي نحن بصددها ليست كالمرحلة السابقة، ولكن شاهين لم يتراجع، عندها قال القائد: فليكن كذلك ما دمت مصراً. ثم قام أحد الرفاق باقتراح الرفيق مظلوم، فقال له القائد: هل أنت قادر على تحمل المسؤولية، وأنت جاهز لها؟ قال مظلوم: أنا لم أتقدم بل إقترحني الرفاق، وما دام الرفاق يرونني لائقاً، لا أستطيع رفض اقتراحهم. بالطبع هذا أيضاً موقف ومفهوم للمسؤولية. لقد كان لدينا تقليداً وهو أننا لم نقدم أنفسنا للمهام، كنا نقول ليكلفنا التنظيم بالمهام، وحتى ذلك الوقت كان القائد يمثل التنظيم، وكنا نقول: ما يكلفنا به القائد هو الذي يليق بنا، وكان كل الرفاق يرون في اقتراح شاهين خطراً وتكونت لديهم ردود فعل، ولكن لم يخرج أحد ليقول: لماذا تفعل هذا يا شاهين؟ فأنت تشذ عن تقاليدنا، ثم أنك غير لائق بهذه المهمة. وهنا يكمن التهرب من المسؤولية، بينما كنا قادرين على سد الطريق أمامه، ولأننا لم نفعل ذلك لحقت بنا تلك الأضرار. وفي النتيجة تم انتخاب مركزية من سبعة أشخاص، هذه الحركة الكبيرة كانت مركزيتها سبعة أشخاص، أي حركة مثل PKK مركزيتها سبعة أشخاص!!!. بينما الآن نجد أن أي تنظيم يتكون مركزها ثلاثين أو خمسين شخصاً، ويقولون أقل من ذلك غير ممكن!!. ويتولون مناصب شكلية، وهذا تصرف غير سليم. مركزية هذا الحزب في بدايتها تكونت من: القائد والرفيق مظلوم دوغان، والرفيق محمد خيري دورموش، وأنا، والرفيق محمد قاراسونغور، وشاهين دونمز، وباقي سليمان. ذهب اثنان من هذه المركزية إلى الخيانة، وهما شاهين دونمز وباقي، واستشهد ثلاثة رفاق وهم مظلوم دوغان ومحمد خيري دورموش ومحمد قاراسونغور، وبقينا اثنان القائد وأنا. وكنا قد اخترنا ثلاثة أشخاص كلجنة تنفيذية، القائد وأنا وشاهين. فعندما تم اختيار شاهين للمركزية أراده القائد في اللجنة التنفيذية ليكون تحت الرقابة، حتى نحد من أضراره ولديه بعض الجوانب الجيدة، فربما نتمكن من تشجيع الجوانب الجيدة فيه لنخلصه من المساوئ خلال وجوده في اللجنة التنفيذية. وهنا يجب أن يفهم الرفاق خصوصية أخرى للقائد وهي: أن الذين يتولون الإدارات ليس كلهم من الجيدين، فالجيد يدخل وكذلك الضعيف وحتى يدخل من يراد له الكشف عن حقيقته، وحتى دخل الإدارة من نريد الحد من تخريبه، وقد قام القائد بهذا العمل مرات عديدة، فقد جرب من حوله الضبابية لتنكشف حقيقته في الإدارة، لأنه يصعب الكشف عن الحقيقة بوسيلة أخرى، فإذا كان لدى أحدهم بعض الجوانب السلبية وأخرى إيجابية، يقوم بوضعه في الإدارة ليقوي الجوانب الإيجابية لديه ويقضي على الجوانب السلبية في هذا الموقع، وقد جرَّب القائد كثيراً من هذه الأساليب، وفي شخص شاهين قام بهذه التجربة ، فأبقى عليه في اللجنة التنفيذية ليبقيه إلى جانبه، فكل أعضاء المركز كانوا في الساحات، ولم نستطع إرسال شاهين إلى الساحات، لهذا وضعناه في اللجنة التنفيذية، ففي الأساس كان قاراسونغور في اللجنة، فأرسلنا له الخبر وكان رده: إنني في الممارسة العملية، وهو عمل مهم، (حيث كانت لدينا نية الإعلان عن تأسيس الحزب في سويرك)، واعتذر عن تولي منصبه في اللجنة التنفيذية، وقال: إن هناك رفاق أكثر مني خبرة فليأخذو مكاني. ولهذا أجرينا ذلك التغيير، ومن هنا يمكننا رؤية شخصية وأخلاق وثقافة هذه الحركة، فمحمد قاراسونغور لم يكن موجوداً في المؤتمر ووضعناه في المركزية، بل اقترحنا وضعه في اللجنة التنفيذية، وهو اقترح ذلك ونحن قبلناه. بينما الآن لو وضعت أحدهم في التنفيذية هل يمكنك وضعه في المركزية؟ كلا هذا مستحيل. كالمختار الذي أخذ منه الختم، إما سيخلق مشاكل للتنظيم وإما أن يذهب ويتخلى عن التنظيم. فما دام فقد منصبه، يعني أنه وقع تماماً حسب مفهومه ولهذا يتخلى عن التنظيم، فإما أن يقوم بخلط الأمور داخل التنظيم، ويطور القيل والقال، وإما أن يتخلى عن التنظيم ليتوجه نحو العدو، فالذي لا يتبنى أخلاق وشخصية هذه الحركة ولا يمثل ثقافتها، ولا يجعل أهدافها هدفاً له، ولا يعمل على تلبية حاجتها ولا يقوم بتنظيم حياته حسب الحركة، ستكون هذه نهايته مائة بالمائة.
تم تكليف القائد بصياغة البيان التأسيس للحزب في المؤتمر، ليتم تحديد الاسم من بين الأسماء المقترحة، وتم اختيار اسم PKK فقبلنا به، والنظام الداخلي الذي تم اقتراحه تم قبوله بعد نقاشات من خلال المراسلين، تم كتابة البيان التأسيسي، ووضع في مغلفات وأرسل إلى كافة المناطق، وطلبنا عدم فتحه وسنرسل تعليمات لاحقة من أجل فتحه، فقد خططنا أن نقوم بتوزيع البيان مع القيام بعملية ضد جلال بوجاق ، لنعلن عن المسؤولية عن العملية ونقوم بتوزيع البيان .
أشرت إلى الاجتماع الذي عقدناه في باغلار، وأن مجموعة كانت قد انضمت إلينا من DDKD وتعترض على التحول إلى حزب، بعد الاجتماع توجهوا إلى ماردين حيث كان الرفيق مظلوم دوغان يعمل هناك، ودخل هؤلاء في نشاط ضد التحول إلى حزب، فاجتمع بهم الرفيق مظلوم وناقشهم دون فائدة، وكنت في عنتاب فأرسل الرفيق مظلوم الخبر فذهبت وجمعناهم لنناقش الأمر معهم، فوجدت أن نيتهم مختلفة وليس الاقتناع أو عدم الاقتناع، وهدفهم من الانضمام كمجموعة ليس للانضمام إلينا للنضال في الحركة، بل هو من أجل تقسيم الحركة من الداخل كمهمة تم تكليفهم بها، حتى لا تلقي الحركة أية خطوة، وعندما تعرفت على نيتهم قلت للرفيق مظلوم علينا أن نقطع علاقاتنا بهم، ونبعدهم عن الحركة، لأنهم يمنعون الحركة من أن تنظم نفسها هناك، لكون تلك المنطقة تحت هيمنة DDKD و KUK وهؤلاء لا يريدون لنا أن نقوم بتنظيم أنفسنا وقد كنا ضعفاء هناك، فاتخذنا ذلك القرار وأعلمنا القائد بقرارنا فطلب منا تنفيذه فنفذناه، وظهر فيما بعد أن DDKD قد دست هؤلاء بيننا كي لا تتقدم حركتنا هناك، وعندما أبعدناهم تقدمت حركتنا، وإذا لم نقم بإبعادهم بما تسببوا في مشاكل أكبر لنا فيما بعد، فمثلما خلق لنا KUK مشاكل لنا في تلك المنطقة، هم أيضاً كانوا سيخلقون لنا المشاكل، وربما خلقوا لنا مشاكل من النوع الذي خلقه لنا تكوشين في عنتاب.
بعد الانتهاء من المؤتمر ذهبت إلى سويرك إلى جانب الرفيق قاراسونغور، وكنا قد حددنا تاريخاً للإعلان عن تأسيس الحزب، وكنا قد وضعنا خطة لإقامة التنظيم العسكري، وعندما ننتهي من التنظيم العسكري والعمل التنظيمي للحزب، ونكملها في سويرك أيضاً، ونقوم بعملية بوجاق عندها نقوم بالإعلان عن العملية وتأسيس الحزب في آن واحد، وكنا قد وضعنا هدفاً يعمل قاراسونغور من أجل تحقيقه في التاريخ المحدد، كان يجب أن يعملوا حسب الخطة الموضوعة. عندما دخلنا إلى سويرك للنضال كان هناك قليلون من DDKD ورزكاري وآلا رزكاري و TIKKO و Ozgurluk Yolu، بل كان هناك الآخرون، وأساساً كان DDKD مسيطراً، وكل ما لدينا كان سبعة أو ثمانية رفاق في سويرك، وعندما وصلنا ذهبنا إلى أسرة أحد رفاقنا ودار هناك نقاش بيننا ضد جلال بوجاق، وعندما وجد أننا نعد لعملية ضد جلال بوجاق قال لنا بالحرف: إنني أثق بكم، واستطيع تسليم أسرتي إليكم، وأنا لا أثق بأخي بل أثق بكم، وأرى أنكم تنوون على أمر ضد جلال بوجاق هنا، ففي السماء هناك الله، وفي الأرض هناك جلال بوجاق!!. وأنا على استعداد للذهاب معكم إلى دياربكر للهجوم على مقر الجيش هناك، أما إذا كنا موجودين في حساباتكم في مسألة بوجاق، فأنا غير موجود، وأنا أستطيع أن أسلمكم أسرتي وأرحل. فالإرهاب الذي زرعه بوجاق في سويرك كان أعظم من الإرهاب الذي زرعه السليمانيون في حيلوان ، فالسليمانيون كانوا متنفذون في حيلوان وأورفا لترأسهم فرع MHP في أورفا، بينما بوجاق لم يكن متنفذا في سويرك وحدها بل يمتد نفوذه إلى كاختا وغرغر وويرانشهير وجنار، كل تلك الساحة كانت تحت هيمنة بوجاق، كانت لديه عصابات من مئات الرجال كلهم مسلحون وقتلة، ولم يكن أحد قادراً على إلقاء خطوة واحدة من دون خبر بوجاق. وكان يمارس إرهاباً لا نظير له هناك. كنا قد بدأنا النضال حديثاً في سويرك، يذهب الرفيق جمعة تاك إلى الحديقة، ويجلس ويتحدث عن مساوئ بوجاق بين لفيف من الذين يدعون الثورية ينتمون إلى DDKD و TOB-DER وغيرهم، في ذلك الوقت يأتي جلال بوجاق مع بعض مرافقيه إلى الحديقة، كلهم ينهضون أمام جلال بوجاق احتراماً له أو خوفاً منه وكلهم يدعون الثورية والديمقراطية، والرفيق جمعة تاك وحده لا ينهض، والكل يعتقد أن جمعة تاك بات ميتاً، ويرى رجال بوجاق أن هناك واحداً لم ينهض ويريدون الهجوم عليه ويمنعهم جلال من ذلك، فهو عارف وماكر، ويحاول رجاله عدة مرات حتى اقترابهم من المنضدة وجلال يمنعهم، ويقفون عند الطاولة والرفيق جمعة لا ينهض ، يقول له جلال: انظر الجميع يحترمونني هنا والجميع نهضوا، فلماذا لم تنهض أنت؟ أم أنك لا تعرفني حتى لا تنهض؟. يقول له الرفيق جمعة: أنا أعلم من أنت ولست مرغماً على النهوض، وهم يحترمونك وأنا لا. ويريد أحد رجال بوجاق قتله فوراً ولكن جلال يمنعه، ويقول لرجاله: ليس الأمر كما تعتقدون، فلنذهب. ويعودون أدراجهم، وخلال الكلام يسأله جلال: هل أنت من هنا؟ يقول له الرفيق جمعة: نعم أنا من هنا وأبي لديك مرتزق (ترشيكجي). وقد كان ذلك صحيحاً حيث كان والد الرفيق جمعة من رجال جلال بوجاق، وعندما ينطق بذلك يقول جلال لرجاله: هيا نذهب والوضع ليس كما تعتقدون، لأنه يرى أن أولاد رجاله يتمردون عليه، ويرى في ذلك أن الوضع خطير. ذلك الموقف من الرفيق ذاع صيته وصداه في سويرك، وكثير من الناس بدأ يثق بالحركة. “ذهب جلال بوجاق وهناك أحد الآبوجيين لم ينهض من أمامه وعاد جلال بوجاق دون أن يفعل شيئاً!!!!”. فحتى ذلك الوقت ناهيك عن النهوض، فلو امتنع عن تلبية طلب له يقتل فوراً، وهذا الموقف منح بعض الجرأة والمعنويات للشعب، ولكن الخوف والإرهاب القائم لا يمكن أن يزول، وفي موضوع بوجاق كنا قد قررنا نفس الطراز الذي طبقناه على السليمانيين، فذلك هو الطراز المجدي الوحيد، وبغير ذلك لا يمكن مواجهتهم ، ففي تلك العملية يجب أن يقتل جلال بوجاق حتماً، وقبل مقتل جلال يجب أن لا نقوم بأية عملية ضد البوجاقيين، ذلك كان قرارنا، وعلى هذا الأساس كانت الاستعدادات، وكانت سويرك مهمة بالنسبة لنا، فلم يكن هدفنا محصوراً في الإعلان عن الحزب فقط، بل كنا نهدف عن الإعلان عن الدعاية المسلحة، لنتوصل إلى مستوى الكريلا التي كنا نخطط لتوطينها في بوتان، ولهذا جعلنا من جلال بوجاق هدفاً لنا. ولهذه الغاية قام القائد بإعداد النظام الداخلي للدعاية المسلحة بنفسه وسلمها للرفيق محمد قاراسونغور. وكنت قد أشرت إلى استنباطنا للدرس من حيلوان، على أن نلقي خطوة على الصعيد العسكري، وكنا قد شكلنا لجنة ثلاثية للقيادة وهم: قاراسونغور، والرفيق رضا آلتون وكان هناك رفيق باسم فهمي من منطقة البحر الأسود، انضم إلينا في أنقرا منذ البداية، كان يدرس في دار المعلمين قسم الرسم، وقد تخرج وأصبح معلماً، وكان ذكياً جداً على صعيد التقنية، وهو الذي صمم الختم الأول لـ PKK وكذلك صمم العلم الأول، وقمنا بتشكيل إدارة للدعاية المسلحة، وكانت قارس مركزنا العسكري الأول، وقد كلفهم القائد بتشكيل وحدات عسكرية هناك، لتتم ممارسة الدعاية المسلحة لتتطور نحو الكريلا، وعندما نصل إلى مستوى الكريلا نتوجه نحو بوتان، ونبدأ بحرب الكريلا من هناك. ذلك كان هدفنا.