الإدارة ودورها في إنجاح الثورة

عادل رستم

لجأت الكثير من الأمم والشعوب عبر التاريخ إلى الثورة لمناهضة الظلم المفروض عليها لإحلال العدالة الاجتماعية ونيل حريتها. فالثورة بمعناها الحقيقي تحول استراتيجي في النظام والاقتصاد ضمن المجتمع. عند النظر إلى تاريخ الإنسانية نرى بأنها عانت منذ أكثر من خمسة آلاف عام الكثير من الظلم والفروقات الطبقية. ربما قامت الأمم بالمئات من السرهلدانات والثورات وبذلت الجهود لإحلال هذه العدالة الاجتماعية، وضحت بالغالي والرخيص في سبيلها، ولكن عند النظر إلى النتيجة التي أسفرت عنها هذه الثورات بعد مرور خمسة آلاف عام نرى بأنها لم تصل إلى النتيجة المرجوة والأهداف المنشودة التي ناضلت من أجلها، وأصبحت شعارات تلك الثورات تردد في يومنا هذا من جديد إلا أنه لم يتم تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية التي سعت إليها الإنسانية بعد أن بذلت في سبيلها تضحيات جسام.

وعلى العكس مما سبق فإن الإنسانية تواجه مرة أخرى الظلم والاستبداد وعدالة تستند إلى الطبقية، لهذا السبب يسعى الإنسان إلى القيام بالثورة مجدداً. في هذه النقطة يطرح السؤال التالي نفسه: لماذا هذا التكرار؟ لماذا يتم تكرار الشيء نفسه ؟ نعم يقال بأن التاريخ يعيد نفسه! ولكن وفق الدياليكتيك ينبغي أن يساهم هذا التكرار في التقدم حتى ولو كان نسبياً كالدوران الحلزوني.

بالنسبة للأشخاص الذين لا يستخلصون العبر فالتاريخ يعيد نفسه ويكرر نفسه ولكن من يستنبط التجارب والدروس من التاريخ لا يرتكب أخطاءً حينها بالتأكيد سيساهم التكرار الذي ذكرناه آنفاً في التقدم والتحول والتغيير نحو الأفضل.

ماهو الدرس الواجب استخراجه من هذا؟

إن الجزم بأن الثورات التي قامت بها الأمم والشعوب على مر العصور لم تقدم شيئاً من المقاومة والنضال والشهداء ولم تخض أية حروب تذكر لهو تحليل بعيد عن الموضوعية.

لتحرير جغرافيتهم وتحقيق أهداف ثورتهم قاموا بإنشاء جيوش جبارة قدمت تضحيات عظيمة، والمثال الأبرز هو الثورة البلشفية في القرن العشرين، قام الروس خلالها بحشد الملايين من الجنود وبناء جيش سمي « الجيش الأحمر » عرف بالانضباط الفولاذي والتضحية، كما أنها قدمت قرابة عشرين مليون شهيد في فترة الحرب العالمية، ووصل عدد شهدائها إلى ثلاثين مليوناً في حروبها الداخلية مع قفقاسيا والجيش الأبيض ليزيد العدد عن نصف عدد سكان كردستان و أكثر .هذا وقد صدرت العديد من الكتب والأفلام حول المقاومات والبطولات والتضحيات التي قدمتها كتائب ذاك الجيش. ولكن على الرغم من تضحياتهم التي كانت تستوجبها تلك المرحلة وتشكيلهم لجيوش قوية إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم.

لإدارة مجتمع ما وخلق نظام بديل لا بد من وجود إدارة سياسية. فالتاريخ شهد أشكالاً عدة من إدارات المجتمع بدءا من النظام الملكي والامبراطوري وصولاً إلى النظام الجمهوري والنظام الفيدرالي أو الكونفدرالي الذي يتم الحديث عنه في يومنا الراهن، واكتسبت الإنسانية خبرة بخصوص السياسة وإدارة المجتمع تمتد إلى خمسة آلاف عام. تلك الإدارات كانت تسير من خلال الاستناد إلى خلفيات أيديولوجية فكرية، فالرهبان السومريون استندوا إلى الميثولوجيا، أي الأساطير، حيث قاموا بإنشاء نظام هرمي متمثل بالزيكورات لإدارة الإنسان وخلق إدارة خاصة بهم. حيث عبرت الزيكورات في تلك الفترة عن شكل نظام اجتماعي هرمي، و من أجل شرعنة إداراتهم اصطنعوا العديد من القصص بخصوص الآلهة لدرجة أوصلت الإنسان لتقبل عبودية ذاك النظام باسم قداسة وتقديس الآلهة دون اللجوء إلى أي نوع من الضغط، فالتطور العلمي للإنسان في تلك المرحلة كانت بهذه السوية. فمن خلال اصطناع آلهة لكل شيء سعوا إلى فرض نوع من الخوف والرعب على الإنسان كي لا يخرج من نطاق العبودية من الناحية الذهنية والعقلية، فبدفعهم الإنسان للشعور بالخوف وأنه مراقب ضحى هذا الإنسان وكدح وعمل لعبادة هذه الآلهة والتي كانت تعود بالنفع على الملك أو الامبراطور فقط، وإذا ما خالف فمصيره عسير في جهنم . ومازالت تلك النظم مستمرة باتباع هذه السياسة حتى الآن فكل مرحلة كان يتم تسييرها باسم ما كالدين أو العلم. على الرغم من خلق أنواع وأشكال عديدة للإدارات السياسة لم تصل تلك النظم لأهدافها، فالفروقات الاجتماعية بين الإنسان واللاعدالة والعبودية تضاءلت من جديد، أي أن الإدارة السياسية أيضاً لم تكن كافية لتحقيق تلك الأهداف.

يقوم ماركس بتحليل الاقتصاد على أنه الهيكل العظمي للمجتمع، فيقول: تنشأ الاجتماعية بالاستناد إلى الاقتصاد. أي أنه يقوم بتحليل المجتمع من الناحية التاريخية عن طريق الدياليكتيك الاقتصادي، حيث أنه يعطي شكل المجتمع من خلال التحول والتغيير الحاصل في شكل النظام الاقتصادي، فإن كان الاقتصاد إقطاعياً فسيكون المجتمع إقطاعياً وإن كان الاقتصاد رأسمالياً فسيكون المجتمع مجتمعاً رأسمالياً وإذا كان اشتراكياً فسيكون المجتمع مجتمعاً اشتراكياً، وإن تم تشكيل الاقتصاد بالاستناد إلى الأسس الشيوعية فسيكون المجتمع شيوعياً. واعتقد بأنه إن تم خلق نظام اقتصادي عادل حينها سيتم خلق أو إنشاء مجتمع عادل. لهذا قاموا بإنشاء العديد من التعاونيات وقاموا بخلق اقتصاد باسم الاقتصاد الاشتراكي وعملوا من أجل خلقه لمدة سبعين عاماً، كانت إمكانياتهم كبيرة جداً، حيث فرضوا تأثيرهم على ثلاثة أرباع العالم تقريباً، بدءاً من أمريكيا اللاتينية ككوبا، وأفريقيا كموزامبيق، وأوروبا كألمانيا، وآسيا وصولاً إلى تركمانستان ومنغوليا، فالجغرافيا التي كانت تفرض سيطرتها عليها كانت واسعة جداً بالإضافة إلى اقتصاد وفير أيضاً. ولكنهم رغم كل هذا لم يستطيعوا تحقيق هدف ثورتهم، لماذا؟ وطن قدم قرابة عشرين مليون شهيدا لماذا لا يمكن له تحقيق هدف ثورته؟ أي لماذا لا يمكن لوطن قدم عشرين مليون شهيداً أن يصون استمرارية نظامه؟

كانت هناك نقطة هامة؛ فبعد مضي سبعين عاماً فقط من هذه الثورة تم تحطيم تماثيل قادات هذه الثورة «لينين ستالين خوروشوف » من قبل أحفاد أو أقارب هؤلاء الشهداء.

فلماذا قاموا بهذا؟ لأن هذه الثورات لم تقم بتحقيق شيء مهم، فما هو هذا الشيء المهم؟ هو الثورة الاجتماعية.

في هذه المواضيع التي تطرقنا إليها إن لم تقم الإدارة السياسية ولا الجيش ولا الاقتصاد بخدمة إنشاء مجتمع حر، وإن لم تكن الثورة من أجل خلق مجتمع ديمقراطي، وإن لم تحرز تغييراً وتحولاً ضمن أخلاق المجتمع، وإن لم تقم بتدريب المجتمع وفق أخلاق الثورة والحرية والإرادة الحرة، وإن لم تقم بخلق أو إحلال المساواة والعدالة ضمن المجتمع، وإن لم تشبع الفراغ الروحي والأيديولوجي لدى الإنسان ستبقى تلك الثورة خارج إطار خدمة الإنسان، وستقوم بخدمة فئة أو سلطة أو جماعة معينة، وهذا بدوره لا يمكنه أن يخلق أي تغيير ضمن المجتمع، لهذا السبب لا تعتبر ثورة من أجل المجتمع بكامله. لتفادي الوقوع في الأخطاء نفسها أي معايشة التكرار نفسه هناك حاجة لإجراء تحليل عميق حول هذا الموضوع. فالذين يملكون فرصة النصر والنجاح هم الذين يفهمون ويقرؤون التاريخ بشكل صحيح ويستخرجون منه الدروس والعبر. من دون هذا سوف يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى. أي أنه سيقوم بمعايشة التراجيديا والدراما التي عاشها أجداده مرة أخرى. فالذين يستخلصون الدروس من التاريخ هم فقط لهم فرصة الخلاص.

ذهب القائد آبو أول مرة إلى موسكو في عام 1985 وعند عودته قدم تحليلاً تم نشره باسم الاشتراكية المشيدة في عام 1986 ، حيث قال: » لم أرَ الاشتراكية التي قرأت عنها وفهمتها من ماركس وأنجلز ولينين والتي تتضمن العدالة والمساواة والإنسان الحر صاحب الإرادة في موسكو، قد أكون مخطئاً، فتصلب الدولة تحول إلى بلاء للمجتمع، فالاشتراكية هناك لم تنشأ من أجل المجتمع إنما من أجل الدولة ». يمكن تسمية الدولة بأي اسم تريده ولكن هذا لا يعني أن يكون المجتمع بذاك الشكل أيضاً. في تلك الفترة قال القائد آبو: » هناك طريقان أمام كرباتشوف إما أن يقوم بإجراء بعض الإصلاحات والتغييرات والتحولات، وهذه ربما ستساهم في إطالة عمره بعض الشيء أو أن يقوم بتحولات ثورية وإجراء تحليلات جديدة بخصوص الاشتراكية وقراءة الماركسية مرة أخرى كي يتمكن من تطبيق الاشتراكية بشكل جيد، وكي يتمكن من دفع روسيا للتوحد ومواكبة التطور والعصر .»

في تلك الفترة لم يتقبل الكثير تحليلات القائد بخصوص الاشتراكية، إلا أنه بعد مضي أربعة أعوام فقط من التحليلات التي طرحها القائد آبو انهار النظام السوفييتي تدريجياً خلال عام. إذا كان هناك شيء غير صحيح في هذه المسألة، لهذا السبب قام القائد بتلك التحليلات. كان القائد يريد أن يعرف ما هو سر هذه القضية، لماذا يتم تقديم هذا القدر من التضحية ويتم معايشة مصاعب كبيرة وعلى الرغم من هذا يتم إحياء حالة التكرار أي لا يمكن الخلاص من التكرار، ولا يتم تحقيق الحرية والاشتراكية ولا العدالة والمساواة ضمن المجتمع.

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال الديانة الإسلامية التي أتى بها، وتمسك الإنسان بهذه العقيدة التي تسودها المساواة والعدالة والحرية عبر عن ثورة هامة في تاريخ البشرية، ولكن المسلمين هم أيضاً لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم على الرغم من الجهود والنضال الذي قاموا به. أي أنهم أيضاً لم يتخلصوا من مرض السلطة. فليس مصادفة أن يولد خلاف حول الخلافة قبل أن يتم دفن النبي صلى الله عليه وسلم واستمرار هذا الخلاف مدة 1400 عام. فعند النظر إلى تاريخ الإسلام الذي يعني السلام لا يمكن إيجاد عشرة أعوام فقط يسودها السلم ؟! فحالة الحرب مستمرة إما مع الموالي أو الخوارج أو العلويين أو الشيعة. هذه الصراعات خلال تلك الأعوام الطويلة أسفرت عن ولادة طفل مشوّه متمثل بداعش وجبهة النصرة. إذاًهذا دليل على وجود مشكلة أساسية لم يتم حلها، والتي تمثلت في السلطة.

وعند النظر للثورة الفرنسية نجد أنها تعتبر خطوة من اجل الانتقال إلى التاريخ الحديث بالنسبة للإنسانية، أي أنها تعبر عن مرحلة انتقال الإنسانية إلى التاريخ الحديث، وتمثل نقطة تحول في تاريخ الإنسانية، فكل الثورات التي تطورت منذ عام 1800 إلى يومنا الراهن استندت إلى ثقافة الثورة الفرنسية، فهي ثورة لها مكانة وأهمية بهذا القدر، فقد كانت ثورة طبقة العراة وكان شعارهم المساواة والأخوة والحرية والعدالة. فهل هناك أهداف أسمى من هذه الأهداف؟ ألا نقوم الآن بالمطالبة أو السعي إلى تحقيق تلك الأهداف نفسها ؟ من المعلوم أن الإنسانية جمعاء تعمل وتناضل من أجل هذه الأهداف السامية والنبيلة، إذا ما الذي حصل في هذه الثورة التي قام بها العراة؟ لقد قاموا بإنشاء كوموناتهم وسيطروا على باريس كما سيطروا على السجون وأطلقوا سراح المعتقلين، ولكن بعد مضي عام واحد فقط على ثورتهم تم إعدام من قاموا بهذه الثورة بالمقصلة. حيث يقال بأن أول من تم فصل رأسه عن جسده عن طريق هذه المقصلة كان الملك لويس، لأنه بعد مضي عام على الثورة حدث انقلاب وثورة ضد الثورة، واندلعت حرب من أجل السلطة كالخلاف الذي اندلع بخصوص الخلافة في الإسلام. وعندما تم أخذ دارتون إلى المقصلة خاطب الجلاد قائلاً: » عندما تقوم بفصل رأسي عن جسدي أمسك به من شعري وارفعه وخاطب الحشود «هذا هو دالتون الذي قام بالثورة ». لهذا السبب ظهرت مقولة « الثورة تأكل أولادها » في تلك الفترة.

بعد فترة قصيرة اجتمع المجلس مرة أخرى وعلى إثر هذا الاجتماع تم اعتقال روبس بير وتم إعدامه بتلك المقصلة أيضاً. واستمر هذا الوضع حتى عهد نابليون وتحوله إ امبراطور وفرضه دكتاتوريته، وذهبت تلك الأحلام التي قاموا من أجلها بالثورة. وبالتحول إلى امبراطورية بدأت بالهجوم على موسكو وأوروبا واستمرت حربهم لمدة عشرين عاماً ارتكبت خلالها العديد من المجازر. لماذا؟ هل كان هذا مصيرا أو قدرا مكتوباً لهم؟ هل كان هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بالثورة وسعوا إلى المساواة والعدالة أشخاصاً سيئين؟ بالطبع كانوا أشخاصاً صالحين. هل كانوا سيئي النية عندما كانوا يتحدثون عن الحرية والمساواة والعدالة؟ بالطبع لا، كانت نواياهم حسنة. لكنهم ارتكبوا خطأً وهو هوسهم بالسلطة التي بدأت من دولة الرهبان السومرية. الشيء نفسه حصل في الثورة البلشفية.

في تاريخنا المعاصر هناك المثال الفلسطيني؛ حيث كان ياسر عرفات الثوري الأول في منطقة الشرق الأوسط واستمر بالنضال الثوري لمدة سبعين عاماً، وتعرض لخيانات كثيرة. وقامت الأردن بارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين، كما تم طردهم من مصر عندما لجؤوا إليها، وكذلك طُردوا من تونس أيضاً وقامت الدولة السورية بخداعهم وتشتيتهم، كما توجهوا إلى الجزائر، فالفدائية كلمة فلسطينية في منطقة الشرق الأوسط، ظهرت ضمن القاموس الفلسطيني، حيث كانوا يسمون كل من ينضم إلى الفلسطينيين بالفدائي، لأنهم كانوا يضحون بأنفسهم ضد اسرائيل.

ومن ثم قام أطفالهم بانتفاضة الحجارة لمدة ثلاثة أعوام متتالية وبشكل مستمر، حينها قامت اسرائيل بإعطاء حكم ذاتي للضفة الغربية وغزة، وحينها شكلوا سلطة استمرت لمدة أربعة أعوام حيث شغل الكريلا الفلسطينيون مناصب ضمن تلك السلطة وترأس السلطة ياسر عرفات. إلا أن خيال ياسر عرفات ورصيده الثوري بالكاد استطاع أن يصون استمراريته لمدة أربع سنوات لدى الإنسانية. حيث فاز في الانتخابات الأولى بعد أن تم قبول الحكم الذاتي بنسبة 90 % من الأصوات ولكن بعد مضي أربع سنوات فقط لم يستطع أن يجمع 10 % من الأصوات عندما توجه إلى الانتخابات مرة أخرى، وهذا يدل أن رصيد هذا الثوري الممتد إلى سبعين عاماً بالكاد استطاع أن يستمر لمدة أربع سنوات، لماذا؟ لأنهم وقعوا في المرض نفسه الذي وقع فيه الروس والفرنسيون. إذ أن تشكيل دولة والتحول إلى سلطة يعتبر مشكلة هامة. فالسلطة تأكل الثورة، تنهش في الثورة.

والثورة تعني خلق الحياة، تعني النور، وتعني الانتفاضة ضد الظلم ومناهضته، والعدو الأساسي للثورة والإنسانية والمجتمع هو السلطة، فلدى القيام بالثورة ينبغي وجود جيش للحماية والدفاع كشرط أساسي، واقتصاد متين لضمان عدم الحاجة إلى الأطراف الأخرى، ولكن الشيء الأهم هو خلق ثورة اجتماعية والسعي إلى تحرير الإنسان وإكسابه الإرادة وخلق مجتمع ديمقراطي حر فهو الضمان الوحيد لاستمرارية الثورة والوصول إلى النصر. فمهما سعينا لا يمكننا تشكيل جيش كالجيش الأحمر أو حتى 10 % من ذاك الجيش حيث أن الجيش الذي يقدم عشرين مليون شهيد يبلغ عدده أضعافاً مضاعفة، كما لا يمكننا تحرير جغرافيا كالتي قاموا بتحريرها، وكذلك لا يمكننا إنشاء اقتصاد قوي كاقتصادهم، ولكن على الرغم من امتلاكهم لهذا القدر من الإمكانيات فإنهم لم ينجحوا في تحقيق هدفهم لأنهم كانوا يفتقدون إلى شيء أساسي ألا وهو الثورة الاجتماعية ولم يتم تدريب المجتمع وفق أسسس الاشتراكية ولم يتم تدريب أفراده على الرغم من تعطشهم، ولم يخلقوا البديل عن الأشياء التي ناهضوها، ولم يسعوا لإكساب المعنويات والثقافة والأخلاق لهؤلاء الأفراد.

هذه الثورة الذهنية يمكن أن تتم من خلال مجتمع حر، مجتمع صاحب إرادة، مجتمع لا يستند إلى القانون الوضعي والشرطة والبوليس والمخابرات إنما تكون الأخلاق فيه رادعاً، وتكون المقاييس الأخلاقية هي التي تحكم المجتمع، ولا تكون سياسة المجتمع مستندة إلى سياسة حزبية وفق أسس السلطة، فالسياسة هي شكل إدارة المجتمع ذاته بذاته بشكل حر، المجتمع الحر هو الذي تم تدريبه وفق أخلاق الحرية والإرادة، والذي يستند إلى قوته الذاتية وصاحب الإرادة والذي لا يعترف بالفروقات بين الأجناس والطبقات والأفراد والعشائر والاثنيات والأقليات، إنما يستند إلى خلق إنسان صاحب إرادة وكرامة وقوة وشخصية ديمقراطية. إذا هناك حاجة من أجل خلق إنسان بهذا الشكل لخطو خطوات سديدة ضمن درب الثورة، حينها يمكننا القول بأننا قمنا بالثورة. فمن دون هذا لا يمكن تحقيق أي شيء، يمكننا إنشاء أو تشكيل دولة كرتونية فقط. الأحداث الأخيرة في المنطقة أثبتت للعالم بأن هياكل هذه الدول والرعب الذي كانت تفرضه على الشعب كانت كرتونية ولم يكونوا أقوياء إنما الأفراد كانوا يفتقدون إلى الإرادة. إذا هل نقوم بإنشاء دولة كرتونية أم خلق مجتمع أصيل مجتمع صاحب إرادة مجتمع حر؟! بغض النظر عن وجود الدولة ينبغي أن يكون الإنسان صاحب إرادة وأن يكون سيد نفسه وأن يقوم بإدارة نفسه بنفسه في قريته وفي كل مكان يعيش فيه، وأن يقوم بخلق شكل نظامه الاقتصادي ونظام حياته بنفسه. على هذا الأساس ينبغي أن نخلق نظاماً يكون فيه الإنسان سيد نفسه ويكون مسؤولاً عن ذاته عبر الديمقراطية المباشرة.

فكما أن جسد كل كائن حي يتكون من خلايا فالمجتمع أيضاً يتكون من خلايا. لم يستطع الإنسان كشف حقيقة الخلية إلا بنسبة 10 % على الرغم من التطور العظيم في العلم والتكنولوجيا في العالم الميكروا والمايكروا. الإنسان لم يستطع اكتشاف هذا الكون الذي نعيش فيه سوى بنسبة واحد بالمليار فقط، لهذا السبب فإن مصدر هذه الطاقة والحركة يعتبر سراً بالنسبة للإنسان حتى الآن. لتكامل خلية الإنسان من كل النواحي و يظهر الإنسان بهذا الشكل السليم، فكل خلية تشكل عالماً بحد ذاته فلها نظام تغذية ونظام حماية ونظام تكاثر خاص بها، ولكي يكون هناك جسد سليم ينبغي أن تكون الخلية سليمة، والإنسان المتكامل يعتبر بحد ذاته خلية، وتتمثل في البويضة، كل شيء يكون الإنسان موجود في مورثاته في البويضة. والمجتمع الديمقراطي الحر ينبغي أن يتكون من خلايا، ويجب أن تحوي كل خلية جميع الخصائص والمميزات، هذه الخلية تسمى بالكومون، والذي يعبر عن أصغر تجمع سكاني والذي يستند إلى نظام اجتماعي متكامل من التدريب والحماية والاقتصاد كي يستطيع الصمود والاستمرار. على كل كومون أن يتميز بجميع خصائص مؤسسات روج آفا، أي كما أن لروج آفا إدارة سياسية ولها اقتصاد و آلية دفاعية وبرنامج تدريبي ينبغي أن يكون كل كومين بهذا الشكل أيضاً، أي ينبغي على كل كومين أن يحول نفسه إلى خلية سليمة، فإن وصل كل كومين إلى هذه السوية حينها سيساهم في تشكيل و خلق جسد متكامل وسليم.

كيف تقوم الخلية بالدفاع عن ذاتها؟ يحتوي دم الإنسان على نوعين من الكريات كريات حمر وكريات بيض، فكريات الدم الحمراء مهمتها التغذية حيث تقوم بنقل الغذاء إلى جميع خلايا الجسم، أما بالنسبة للكريات البيض فمهمتها ووظيفتها الدفاع والحماية كدور الأسايش ضمن المجتمع ، حيث تقوم بالتصدي والقضاء على أي جرثوم أو ميكروب يتسلل أو يهاجم الخلية. في الحقيقة تنتابنا الحيرة في هذه النقطة أي أن هذا القدر من اللاحل وهذا القدر من الضعف وهذا القدر من اللامبالاة يعتبر سبب عبوديتنا واستعمارنا والوضع الذي نحياه الآن. إن لاحظنا ما حولنا سنرى بأنه لا يوجد أي كائن أو خلية بدون آلية دفاعية، فالوردة مثلاً تنبت الشوك حولها كي لا يتسنى للحيوانات افتراسها أو مهاجمتها، يقولون «لولا شوك الوردة لما استحقت لقب ملكة الأزهار »، لولا آليتها الدفاعية لما نالت هذا الوصف و كان بإمكان أي كائن أن يلتقطها، فحين يسهل على الجميع التقاطها حينها لا تكون الوردة وردة. لهذا السبب لكل موجود آلية دفاعية خاصة به. إلا أننا نرى بأن أناسنا ليس لهم أية آلية للدفاع والحماية. فموضوع شنكال في الحقيقة يعتبر تراجيديا بكل معنى الكلمة بالنسبة لنا نحن الكرد على وجه الخصوص، فعند النظر إلى حالهم بالفعل يتألم المرء للوضع الذي هم فيه، حيث يقولون بأنهم قد تعرضوا ل 72 مجزرة والكل يعاديهم، وعلى الرغم من تعرضهم لكل هذه المجازر إلا أنهم لم يقوموا بتشكيل آلية دفاعية يقومون من خلالها بحماية أنفسهم من أي هجوم أو اعتداء يستهدفهم.

فلم تكن لديهم مشكلة في تأمين السلاح بالإضافة إلى أن منطقتهم منطقة جبلية حصينة لا يسهل على المعتدي تجاوزها، وأفراد تلك المنطقة ليسوا بجبناء أيضاً إنما هم شجعان فهم أحفاد درويش عفدي الذي حارب مع أحد عشر من رفاقه 1200 فارساً من فرسان الترك وعشيرة فره كيرسان، لكنهم لم يفكروا في يوم من الأيام بإنشاء آلية دفاعية خاصة بهم، أي لو قام عشرة رجال فقط بالمقاومة والمحاربة لمدة يوم واحد فقط لما حصلت هذه المجازر ولما وقعت نساؤهم في أيدي مرتزقة داعش. فمن أجل أن تستحق الحياة في هذا العالم ينبغي أن تكون وردة ذات أشواك لا يتجرأ أحد على أن يمد يده إليك، عليك أن تكون شجاعاً باسلاً لا تهاب أي شيء. يستطيع الكثيرون الآن التحدث عن بطولاتهم في فترة خدمتهم الإلزامية، إلا أنهم لا يفكرون أو يناقشون فكرة تشكيل آلية دفاعية خاصة في المنطقة التي يحيون فيها أو فكرة القيام بتدريب مجموعة من الشباب على استخدام الأسلحة وأساليب الدفاع والحراسة والمناوبة والمراسلة والتخندق وماشابه. فهذا الوضع لا يعبر عن شيء سوى اللامبالاة، فالقائد آبو يقول « الحرية ليست من حق كل العبيد، إنما هي من حق كل من يناضل من أجلها .»

إن كنت عبداً تستطيع تحقيق حريتك بالنضال والعمل من أجلها ومن دون ذلك ستكون نعجة تنتظر الذبح. لهذا السبب علينا خلق مجتمع تكون أولوياته حماية ذاته وشرفه وكرامته وعرضه، ويكون مستعداً لتقديم البدائل مهما كانت في سبيل ذلك. لهذا السبب ينبغي ويجب أن يكون لكل كومونة آلية دفاعية خاصة بها، حيث يقول القائد آبو « إن المجتمع الذي ليس له آلية دفاعية هو مجتمع مستسلم ومجتمع عبيد » كما أن مقياس الشجاعة والبسالة مرتبط بسوية الدفاع والحماية، هذا ما حصل في شنكال.

ماذا حصل في كوباني؟ كوباني من الناحية الجغرافية لا تشبه شنكال فمقارنة مع جبل شنكال هي تعتبر هضبة صغيرة كما أن عدد سكانها لا يساوي نصف عدد سكان شنكال ولا تملك ربع الأسلحة التي كانت تملكها منطقة شنكال، ولكنها رغم كل هذه الفوارق تقوم بإبداء مقاومة عظيمة حتى الآن وتركت وراءها أكثر من مائة يوم من المقاومة والشجاعة ولم تقع أية فتاة في يد مرتزقة داعش، وقعت رفيقة في يد المرتزقة ولكنها تحولت إلى قنبلة انفجرت ضمنهم هذه الرفيقة كانت الرفيقة «آرين ميركان » فإن كنا سنقع في أيديهم وسنموت فلن نكون كالنعجة التي تستسلم للجزار، إن كنت سأموت فسأقتل عشرة أشخاص آخرين معي. هذه كانت رسالة الرفيقة آرين للمرتزقة. مقاومة كوباني كانت ردة فعل على ما حصل في شنكال. فلولا مقاومة كوباني ومقاومة الشهيدة آرين ميركان لما كان بمقدورنا النظر في وجوه من حولنا للعار الذي كان سيلحق بنا. من خلال مقاومة كوباني وجهنا رسالة للعالم أجمع ألا وهي « صحيح أن شنكال أصبحت جرحاً في قلوبنا ولكننا بمقاومة كوباني قلنا للعالم أجمع نحن موجودون وسوف ننتصر على أعدائنا مهما كلف الثمن، سوف نتحول إلى قنابل تنفجر بالأعداء، فبنات كوباني كلهن آرين وزيلان وبريفان وروناهي وبيريتان » إذ من الواجب أن تكون بنات الكرد بهذا الشكل وأن يكون شجعان الكرد مثل كلهاد وعكيد ودرويش يجابهون العدو بصدورهم، يقدمون أجسادهم وأرواحهم ولكنهم لا يتنازلون عن عرضهم وشرفهم وكرامتهم. ينبغي تشكيل آلية دفاعية بهذا الشكل.

الإنسان قبل عشرة آلاف عام كان يقوم بحماية نفسه من الحيوانات المفترسة بابتكارآليات دفاعية بسيطة من خلال المناوبة أمام الكهوف بالأسلحة البسيطة التي كان يصنعها في تلك الفترة كالرماح. على هذا الأساس فإن وجود آلية دفاعية في الكومون شرط أساسي، ومن الواجب على كل كومونة حماية ذاتها بأي طريقة كانت فهذا حق طبيعي للإنسان واعترفت به الأمم المتحدة أيضاً باسم الدفاع المشروع. هذه الآلية للدفاع لا تحتاج لأي نظام أو قوانين ينبغي سنها أو إذن أو دستور من أي أحد. ومن لا يقوم بهذا يكون ضعيفاً مستسلماً هزيلاً.

النقطة الثانية هي أنه يجب أن يكون ضمن الكومون نظام اقتصادي. لقد تم إنشاء أنواع عديدة للاقتصاد على مر التاريخ حيث كان هناك اقتصاد امبريالي واقتصاد اقطاعي واقتصاد اشتراكي وغيرها من أشكال الاقتصاد، ومن أجل القضاء على الفروقات الاقتصادية وتخليص المجتمع من ثنائيات الفقير والغني، الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم ومن أجل أن يعيش الإنسان في رفاهية ولا يحتاج إلى مساعدة من الخارج من الواجب علينا تشكيل نظام اقتصادي خاص بنا. التوكل على الآخرين يساهم في عدم الاعتماد على النفس وهذا بدوره يساهم في عدم تأمين أبسط الاحتياجات عند مواجهة المصاعب. الدولة من خلال إنشاء اقتصاد خاص بها تقوم باستعباد الإنسان إلى أبعد الحدود، حيث ذكر لينين سابقاً أن الإدارة السياسية تستمد قوتها من الاستقلال الاقتصادي أي إن كنت مستقلاً من الناحية الاقتصادية حينها يمكن أن تكون صاحب إرادة سياسية أيضاً، أي إن لم يكن هناك استقلال اقتصادي فالعبودية ستكون أمراً محتوماً لا مفر منه. فالإنسان يعتمد في كل شيء على الدولة التي تفرض الاستعباد عليه من خلال تأمينها لاحتياجاته. قبل عشرين عاماً كان المجتمع متحرراً أكثر من الآن بكثير، وكان صاحب إرادة أكبر من هذه الإرادة التي يمتلكها الآن، لم تكن السلطات السياسية والحكومات المتتالية تؤثر على طبيعة حياة الناس أبداً حيث كانوا يعتمدون على اكتفائهم الذاتي ولكننا الآن نراهم يقومون بانتظار كل شيء من الدولة. لهذا السبب نراهم مستسلمين للدولة ومفتقدين للإرادة خوفاً من حرمانهم من بعض مقومات الحياة الطبيعية «كحرمانهم من الراتب أو المياه أو الكهرباء أو ماشابه .»

فهذا يعني الافتقاد للإرادة والقبول بالاستسلام. ومن أجل تجاوز هذه المشكلة من الواجب إنشاء اقتصاد يستند إلى نظام التعاونيات من دون الحاجة إلى الغير. لهذا السبب ينبغي إنشاء اقتصاد تعاوني ضمن الكومونات. أي ينبغي أن يحل الاكتفاء المعنوي مكان الاكتفاء المالي أو المادي.

أما النقطة الثالثة فينبغي أن يكون لنا برنامج تدريبي خاص وعلى أعضاء كل كومين تدريب أنفسهم اجتماعياً. فمن أجل فرض العبودية علينا قام العدو بالسيطرة على اقتصادنا وتركنا من دون حماية أو معرفة أو علم، فسر هزيمة الكرد واستعمارهم وعبوديتهم هي الجهالة. سيقول الكثيرون إن أبناءنا يدرسون في الجامعات والمدارس. هذه الجامعات هي مصدر الجهالة لأنهم يدرسون الجهالة باسم العلم، حيث يتم ملء أدمغة الطلاب بمعلومات تافهة لا تساهم في تحريرهم لأن العدو يريدنا أن نكون عبيدا.ً فالعبودية تنشأ من الجهل ولا يمكن للإنسان المثقف أن يقبل بالعبودية.

الحرية في يومنا الراهن وفق مفهوم الحداثة الرأسمالية تنحصر في نقطة وهي حق الاختيار! كأن تختار بين شرب الكولا أو الماء فإن استطعت الاختيار بينهما حينها تكون حراً! أي إن كنت تمتلك قرار الاختيار بينهما تكون حراً، هذا لوحده لا يمكن أن يعبر عن الحرية فالحرية تعني المعرفة، إن امتلاك قرار الاختيار يعتبر شيئاً جميلاً ولكن من الواجب أن يتم معرفة أيّ من الخيارين هو الأنسب والأفضل لك، فإن تم ربط الحرية فقط بحق الاختيار حينها تعبر عن العبودية الحقيقية، حيث لا يمكن لحق الاختيار فقط أن يساهم في الحرية والتحرر.

الحرية هي معرفة حادثة السوسيولوجيا، والحادثة الاجتماعية وبمقدار ما تجلب النفع لمجتمعك بذاك القدر تكون حراً، والحرية مرتبطة بمستوى المعرفة وليست مرتبطة فقط بحق الاختيار، لهذا السبب يقول القائد آبو « يجب أن لا تعيشوا كالأحرار إنما عليكم العيش كالمتعطشين للحرية ». إن كنت تملك قابلية أو تسعى إلى المعرفة حينها يمكنك الوصول إليها. فالحرية يمكن أن تكسبها من تلك المعرفة وليس عن طريق الجهالة. يجب السعي إلى المعرفة والبحث عن الحقيقة على الدوام للوصول إلى المعرفة والعظمة، يقول سقراط «أعلم شيئاً وحيداً وهو أني جاهل » إن سعيك وعشقك من أجل المعرفة سوف يوصلك إلى المعرفة والسعادة حيث أن السعادة الكبيرة والبهجة الكبيرة ستكسبها من تلك المعرفة. فالحرية ليست حق الاختيار إنما هي معرفة مكان البحث وعن أي شيء تبحث؟ لماذا أنا موجود؟ ومن أجل أي شيء أعيش؟ ما هو هدفي ورسالتي في هذه الحياة؟ لهذا السبب من الواجب أن يكون كل كومون كجامعة أو مدرسة يتم فيها تدريب الأفراد والأشخاص وتأهيلهم من الناحية التاريخية وجميع النواحي الأخرى.

فنحن جهلاء بخصوص تاريخنا، لهذا السبب ينبغي أن يكون التدريب حول فكر الحرية وتاريخنا ومعرفة ماضينا ومستقبلنا وإدراك أو معرفة كل العلوم الموجودة الأخرى، الجهالة ليست قدراً محتوماً علينا فالقدر المكتوب لنا هو أن نكون أحرارا ونصل إلى حريتنا.

علينا نحن الكرد كما قال القائد آبو تشكيل معاهد وأكاديميات للسياسة في كل الأماكن بغض النظر عن العدد حيث يمكن أن تتشكل من أربعة أشخاص، ويجب أن يحتوي كل كومون على أكاديمية أو مدرسة للدراسة والتعليم والتدريب للوصول إلى المعرفة والثقافة والتحرر من الجهالة والتعرف على تاريخنا، من أين أتينا وما هو مستقبلنا ووجهتنا وما الذي نقوم به ولماذا نحن مستعمرون ولماذا نقبل بالعبودية؟ على الكومونات القيام بهذه المهمات كأنها تقوم بثورة أخلاقية. خلال الأعوام العشرة الأخيرة تم تحطيم المجتمع الكردي لأبعد الحدود، ففي السابق كان هناك أشخاص يقومون بالكذب والسرقة ولكن كانت نسبتهم قليلة جداً أي ربما كان يتم مصادفة شخص في كل ثلاث أو أربع قرى، حيث كان هذا الشخص يتعرض للإهانات من قبل الجميع، وكان الناس يتحدثون عما قام به لفترة طويلة. في السابق كان الكاذب يعاني حالة من عذاب الضمير جراء أفعاله، فنحن نتذكر عندما كنا نكذب على أهلنا حين الذهاب إلى اللعب بالكرة في الخارج أو الهروب من المدرسة كنا نمر بحالة نفسية صعبة جداً حيث لم يكن بإمكاننا النظر إلى عيون من حولنا لقيامنا بالكذب. لكن في يومنا الراهن نرى بأن الأشخاص يقومون بالكذب من دون الشعور بالخجل أو الحياء حيث يقومون بتعريفه على أنه مقياس للشطارة، أي أن كل الأعمال القذرة التي يقوم بها الإنسان في يومنا الراهن لايتم رؤيتها كشيء معيب بل على العكس تُرى كنوع من المهارة والشطارة. هذه هي النقطة الهامة والخطيرة في المجتمع حيث يعبر عنها المجتمع بهذه الجملة «حلال ع الشاطر ». بدأ المجتمع يرى الكذب شطارة ومهارة و انقلبت المبادئ الأخلاقية رأساً على عقب، حيث لم يبقَ شيء يمكن تقديسه، تم تحويل كل شيء إلى سلعة للبيع والشراء. لهذا السبب هناك حاجة لثورة أخلاقية تستند إلى الأخلاق والصدق والمحبة والكرامة لأن هذه الجغرافيا تستحق هذا، فنحن نقدم هذا القدر من النضال والشهداء ليس من أجل تطور الكذب وتسليع الإنسان إنما من أجل أن يحيا الإنسان كالآلهة وأن يعيش مع الأشياء المقدسة والعظيمة ومن أجل خلق مجتمع يستند إلى القيم المعنوية وليست المادية. وهذا يتحقق عن طريق التدريب والصدق والنضال. ومن الواجب علينا القيام بهذا كشرط أساسي. فالمجتمع عليه أن يقوم بإدارة نفسه بنفسه وهو حر في اختيار شكل الإدارة التي يريدها شرط أن تتوافق وتخدم مصالح الشعب والمجتمع والكومونة.