حل مشاكل الشعب يكمن خارج نظام الدولة
حل مشاكل الشعب يكمن خارج نظام الدولة
خبات آندوك
يعيش الشرق الأوسط جملة من المشاكل العالقة وتنتشر الفوضى فيه من نواحِ عدة، كل هذه التناقضات المستعصية في الشرق الأوسط عديمة المعنى، فهي مشاكل يمكن أن تفقد معناه وجوهرها بعد أن فقدت قيمتها. إذ تحولت معها الحياة إلى سلعة، والناس في حالة لا يعرفون كيف يعيشون ويقضون أيامهم وهناك حالة عجيبة من التكرار والتشاؤم.
ليس هناك تفكير في الوصول إلى التجديد، فالذهنية المتشكلة أخذت نصيبها الكافي من السلاسل الدوغمائية المفروضة على العقول، وليس هناك بحث كافٍ لإستيعاب ما ألحقته الدوغمائية بشعوب المنطقة، هذا الوضع الضعيف المتشكل لايستطيع إيجاد الحلول وتجاوز الأزمات، ويعني عدم الوصول إلى منابع المشاكل وإستيعابها، وإن كان هناك محاولات بسيطة لتجاوز هذا الوضع إلا أنها لا تستطيع الحصول على النتائج المطلوبة والوضع المعاش حالة مؤسفة يعني الرضوخ لما هو معاش والإقرار بإستسلام الأجيال القادمة لهذه المآساة منذ الآن.
لم يبدع الشرق الأوسط لنفسه شيئاً بعد كل ما حصل وفي نفس الوقت لا يقبل ما يُفرض عليه، فالشرق الأوسط مغلق للقوالب الخارجية المفروضة من ليبرالية أو إشتراكية مشيّدة أو قوموية، فكلها قوبلت بالرفض من قبل الشرق الأوسط بل يمكن اعتبار هذه المنطقة في حالة قيء لما بلعته رغماً عنها، وواجهت النظام الرأسمالي العالمي الذي أراد إقحام المعارضة في حالة هامشية يرثى لها بكل الأشكال وأبدت مقاومة عمياء تجاهها بحيث لا يمكن تصورها، وبهذا الشكل فإن الشرق الأوسط لم يرضخ لمخططات الإمبريالية العالمية حتى باتت جغرافيته وهويته الثقافية والأثنية بلاء على الرأس، لذا فالشرق الأوسط بوضعه الحالي دعك من حل مشاكل الآخرين فإنه لا يستطيع حل مشاكله أيضاً. وبوضعه هذا يكون متناقضاً وحقائقه التاريخية وثقافة المقاومة تجاه القوالب الخارجية الغريبة عن حقائقه والمفروضة من الخارج وخير مثال على ذلك تلك الهوة الواضحة المتشكلة ما بين النوعية والأرضي المتوفرة لتجاوز كل هذه المسائل ومابين الحقائق المعاشة اليوم والتي لا يقبلها العقل. فالشرق الأوسط أصبح مكان للشخصية )المغتربة( الغريبة عن ذاتها، رغم عدم تلائم ذلك مع أرضية الشرق الأوسط وحقائقه التاريخية، إلا أن أرضية الشرق الأوسط وحقائقه التاريخية تعارض معايشة الواقع المفروض الآن. لذا فالشرق الأوسط الحالي ملوث، منحرف عن مساره التاريخي الحقيقي، مغترب عن حقيقته التاريخية وقيمه الثقافية والحضارية. ونمط حياته اليومية، وأصبحت جغرافيته مكان لكل ما هو فاسد ومتناقض مع مبادئه ويعيش حقائق غير حقيقية، والموجود يمكن وصفه المسرحية التراجيدية، والذين يساهمون ويدعمون هذه اللعبة التي تضعف اللاعبين وكل المجتمع معاً هم الحكام وأكثر المؤسسات تأثيراً في ذلك هي الدولة.
تتعاظم الدولة من خلال استمرارية وجودها منذ 3500 ق.م. وتتعاظم بإستمرار من خلال تقليص دور المجتمع وإضعافه والمؤسسة القادرة على كل شيء وصاحبة أكبر قوة هي الدولة، ومن خلال تقسيم المجتمع تقوم بتوزيع القوة التي يخلقها المجتمع وتشتتها، وتعمل على تقسيم المجتمع إلى إداريين ومُدارين من خلال ترسيخ الهرمية وجعلها كمؤسسة لابد منها. ومن خلال تعميق النظرة الجنسوية وترسيخ الإنقسام الجنسوي وتمأسسها عرفت كيف تستخدم حتى أكثر المستَثمَرين ألا وهو الرجل من خلال إعطائه الحق التحكم بالمرأة وفرض حاكميته عليها، وبذلك استطاعت الدولة كسب الرجل إلى جانبها، فالدولة التي هي نتاج ذهنية الرجل المتسطلة من جهة، وهي التي تنتج الرجل المتسلط بشكل مدهش من جهة أخرى، وجعلت من جميع الرجال شركاء لها. وخاصة نظامها الذي يستند على الرجل ومؤسسات النساء المرتبطات بالرجل أو المتشكلة في محورها خارج إطار الشعب كمؤسسات فوق الشعب. وبذلك تحقق إمكانية النجاح والإستمرارية لنظامها، فهي تغذي تناقضات الأجناس العائدة إلى مرحلة ظهور الهرمية ومخلفاتها التي تبعد المجتمع عن حقيقته الاجتماعية وجوهرها الإنساني وتحوله إلى عدو شرس، يهاجم الطبيعة بحجة أنها لم تقدم كل إمكانياتها للمجتمع بدأت بإعلان حرب شرسة ضد الطبيعة من كافة النواحي وسماها بالانفتاح على الطبيعة وجعلها في خدمة المجتمع، من خلال تقديس الفردية وإقحام نفسها في مركز كل شيء وإضفائها صفة القدسية، ودفع بالإنسان ليحارب الطبيعة ويخربها حتى غدى معه الإنسان الذي هو أحد نتاج هذه الطبيعة عدو لدود للطبيعة التي هي بمثابة الأم له وللمجتمع.
تتناقص قوة المجتمع وتراكمها في مواجهة الدولة بقدر ازدياد تقسيم المجتمع، والذي بدوره يؤدي إلى فقدان المجتمع للعقل والإرادة المشتركة، وبالتالي فقدانها للقوة الفعالة، والدولة تُربط هذه الأقسام بنفسها بشكل أكثر عمقاً وتجردها بذلك من إرادتها، فالدولة هي كمؤسسة مديرة ومخطِطة وقوة ضاغطة دائماً. لا تتراجع عن معاملة الناس كأصحاب عقول ناقصة وتفرض على الآخرين بأنهم غير قادرون على إدارة أمورهم خارج إطار الدولة وبذلك تفرض مشروعية سلطتها وحاكميتها على الآخرين.
مثل هذا المجتمع بعيد عن الوصول إلى صفة الإتحاد وإضفاء معنىً للحياة الاجتماعية المشتركة. فهو مجتمع هرمي تسلطي وتحكمي خالق للنظرة الاجتماعية الجنسوية، فهو الذي يسمو ببعض الناس إلى منزلة الفراعنة ويحط من قيمة الآخرين إلى أسفل الدرك ويجردهم من القوة ليمارس بهم أبشع أنواع الممارسات بعد تجريدهم من قوتهم وإرادتهم خالقاً بذلك مجتمع عديم المعنى. في وسط كهذا تنعدم إمكانية الانسجام والتلاحم بين أفرادها وتحقيق المساعدة والمساندة وتبادل الخبرات والتجارب والتضحية من أجل الآخر وينعدم اشتراك القوة للارتقاء إلى الأفضل، وتنعدم في مثل هذا المجتمع أرضية كل هذه الأمور، هذا المجتمع الذي لا يبني فرداً يتحلى بالقيم الإنسانية الجماعية ولا يطوره، يعتبر بعيد عن جوهر المجتمعية وحقيقته، بل يساهم في خلق الفساد ويشكل أرضية للأمراض الاجتماعية المتعددة، لتستمد ديمومتها من هذه الأمراض، وكل هذه الممارسات هي التي يقوم بها المجتمع الدولتي الذي يبني ذاته كمؤسسة )فئة اجتماعية( فوق المجتمع يربط كل شيء بذاته مستفيداً من سلطة الدولة المستمرة ويحافظ على استمرارية ذاته من خلال تحقيق استمرارية الدولة، تبني هذه الدول مجتمعاتها المريضة بحيث يستطيع معها الأفراد المرضى أن يحيوا في هذه المجتمعات.
الشعب غير المنظم ولكي يجردوه من التنظيم يحتكرون كل العلوم والمعارف، كما فعل زيوس حينما استولى على معلومات ماتوس وأحتكرها لنفسه، ومن أجل استمرارية سلطتهم على الشعب يعملون جاهدين على إخفاء أسرار السومريين وكتاباتهم عن عامة الشعب ليصونوا حاكميتهم واستمرارية سلطتهم وتعميق استغلالهم أكثر ينشرون كتابات ومعلومات تناسب مفاهيمهم. وبقدر ما يخلقون مجتمعاً أحمقاُ غير واعٍ يحافظون على إحياء ذاتهم بذلك القدر. لذا يعمدون دائماً إلى تجريد المجتمع من إرادته وقوته الاجتماعية. من خلال بناء رجل متحكم بالمرأة غير الواعية لكنه مطيع للدولة وينفذ كل متطلباتها محنياً رأسه لها يعيش من دون صراع ونضال لا يعرف كيف يعيش ولا حتى معنى الحياة، هذا ما تفعله الذهنية المنحرفة التسلطية والتحكمية ومقولة هتلر بأن » الشعب كالمرأة « لم يأتِ من فراغ.
باختصار فإن ما تعيشه الإنسانية من انحرافات وأمراض اجتماعية نابعة من بلاء مؤسسة الدولة كمؤسسة. ونتاجها الذهنية الدولتية ولدى التطرق إلى الشرق الأوسط فالوضع أكثر عمقاً وتأثيرا،ً فالذهنية الدولتية هي التي سلطت التحكمية على رأس الإنسانية وأفسدت الوئام الاجتماعي، وخلقت التقسيمات الاجتماعية ضمن المجتمع مما أدى إلى ظهور العديد من الأمراض الاجتماعية في المجتمع. فالشرق الأوسط مكان لمثل هذه الأمور، والشرق الأوسط بهذا المعنى هو المكان الذي تطورت فيه العبودية والتبعية، وما اختناق الشرق الأوسط في مشاكله وعدم استطاعته لحلها هذه إلا نتيجة للعبودية المترسخة في شخصية الشرق الأوسط وجذورها العميقة فيها.
إلى جانب ليّ الأعناق المعاشة في الشرق الأوسط هناك التحدي للعبودية المفروضة ومقاومتها النابعة من بقايا قيم المجتمع الطبيعي في الشرق الأوسط. هذا الشرق الذي لعب دور المهد للإنسانية التي مرت بالثورة النيوليتية التي كانت إحدى ضرورات التحول إلى شعب، قيم المجتمع الطبيعي هي التي حافظت دائماً على سيادة المساواة والعدالة وناضلت من أجل الحرية وخلقت بذلك مجتمعاً حقيقياً، والجوانب الضعيفة في المجتمع الطبيعي هي التي ساهمت في خلق الدولة التي عملت بدورها على استعباد الضعفاء والتحكم بالمجتمع وتحويله من مجتمع ديناميكي فعّال إلى مجتمع مسلوخ مستسلم وتابع.
فالضعف هو النمط الذي شكلته الدولة من مجتمع وإنسان. الدولة ليست فقط مؤسسة سياسية بل هي عقلية كاملة، ونمط حياة معينة، وهي مجموع القيم التي لا قيمة لها، وهي نمط شكل مجتمع وإنسان مسلوب الإرادة، والنظر إلى ما يعيشه الشرق الأوسط من هذا الإطار. إن ربط عدم استطاعته لحل مشاكله الاجتماعية بهذه النقطة سيكون صائباً، في الوقت الذي يكون فيه التجديد أحد إبداعات القيم الثقافية الموجودة، فإن المستقبل يبنى على الدروس التي يمكن استخراجها من التجديد والقيم الموجودة. ترى كيف يجب أن يكون الحل في الشرق الأوسط ؟ كيف يمكن التخلص من هذا الضعف المترسخ؟ كيف يمكن إعادة حقيقة الشرق الأوسط المبنية على القيم المشاعية الديمقراطية وتفعيل الأرضية المهيئة لها من جديد؟ وكيف يمكن إنهاء الألاعيب التي تمارس على الشرق الأوسط؟
أن إمكانية تجديد الشرق الأوسط بأمراضها وحقائقها الاجتماعية الموجودة من قبيل السطلة الهرمية، والتحكمية والجنسوية الاجتماعية وخالق جميع هذه الأمراض هي الدولة، غير ممكنة. هذه الذهنية مهما حاولت لا تستطيع التحرر من القيود التي تحددها لها الذهنية التحكمية.
والبحث عن القوة من خلال البحث عن السطلة والحاكمية فإن جميع الحلول المبدعة لا تكون دائمية وجذرية. البحث عن الحلول من خلال الذهنية التي تخلق الأزمات غير مجدية. في هذه الحالة أين يكمن الحل؟ الحل يكمن في استرداد قوة الشعب التي اغتصبتها الدولة عنوة. وإعادة تنظيم الشعب من جديد في مواجهة الدولة. وبدل المعادلة التي تقول «بقدر قلة المجتمعية يكون ازدياد الدولة » وضع المعادلة التالية: « بقدر قلة الدولة زيادة المجتمعية ». فالحل يكمن هنا في هذه المعادلة. لأن الشعوب لا يخلقون المشاكل، الشعوب يعيشون متحدين ومتشاركين، ويكملون بعضهم البعض، وحقيقة الحياة الاجتماعية للشعب التي تستند إلى الوعي الحر والحياة الأخلاقية. فالأخلاق تعير الاعتبار للجماعية وتقدرها. والتصرف الأناني والتحكم بالآخرين والتسلط عليهم وخلق النظرة الجنسوية هي أمور لا أخلاقية. تفسد بنية المجتمع وتشتتها.
وهذه هي صفات الحكام ومؤسستهم التي يستندون عليها ألا وهي الدولة. وهذا يعني أن الدولة والحكام خارجون عن الأخلاق.
وكما أن الدولة ليست فقط بمؤسسة سياسية بل نظمت نفسها فكرياً وخلقت ذهنية ونمط حياة محددة. كذلك فإن إيجاد الحلول لمشاكل الشرق الأوسط غير ممكنة من خلال نماذج سياسية جديدة فقط. فإن القوة القادرة على تحقيق النماذج السياسية هي الذهنية أو العقلية. لذا فأي تنظيم أو قوة لم تنفصل أو لم تتشكل خارج إطار الذهنية التسلطية والتحكمية، غير قادرة على حل مشاكل المجتمع. والمشكلة لا تكمن في النماذج السياسية التي تستهدف الحكم أو السلطة بل أعمق من ذلك، يحتاج الشرق الأوسط إلى اتخاذ قيم أخلاقية جديدة والوصول إلى وعي متحرر إلى جانب نهوض سياسي لا يستهدف السطلة والحكم، تجاوز مشاكل الشرق الأوسط يمر من خلال بناء قيم ومبادئ ترسخ القاعدة الأساسية لنمط حياة جديدة دون تأجيل، وبناء إنسان ومجتمع جديد بنفس السرعة.
تعاني جميع مجتمعات الشرق الأوسط وشعوبها من أزمات ومشاكل مستعصية ولا نقصد هنا المشاكل السرطانية العالقة من قبيل المسألة الفلسطينية – الإسرائيلية والمسألة الكردية – التركية، الكردية – العربية، الكردية – الفارسية. فإلى جانب هذه المشاكل يعيش كل مجتمع في داخله مشاكل اجتماعية مستعصية، هذه المشاكل الاجتماعية العالقة لا تعيق التطور الديمقراطي وتنظيم نمط حياته في تلك المجتمعات فقط، بل تتسبب في خلق التناقضات بين الفئات الاجتماعية في تلك المجتمعات وشعوبها، ويصل إلى حد نشوب الصراع والعداوة بين هذه الشعوب. مشاكل المجتمع العربي لا تنبع من عدم وجود دولة حاكمة بل نابع من كون هذا المجتمع مبني ومدار من قِبل عقلية الدولة الحاكمة التسلطية، التي أعطت شكلاً تريده بدءا من علاقات الأفراد داخل العائلة ووصولاً إلى علاقات الأجناس التي تسودها اللامساواة والتحكم بإرادة الآخر حتى التعالي على الشعوب المجاورة من خلال خداع شعوبها بمفاهيم وشعارات قوموية، مذهبية وغيرها. وهو ما ينطبق على كل من الدولتين الحاكمتين التركية والفارسية وإن كان بأشكال آخرى. والمشكلة تكمن في عدم تعرية «تشهير » السلطة وعدم الانقطاع عنها ونمط الحياة اللاديمقراطية صنيعة القوى الحاكمة المتسلطة والتي تمثل العدو الأكبر للشعب والسياسة اللاديمقراطية كأحد الإفرازات الطبيعية لنمط الحياة المفروضة. والتنظيم الديمقراطي يمكن أن يتطور من خلال الشعوب التي لا تربطه بالدولة رباط يذكر، لذا فالشعب الأكثر قرباً لإيجاد الحل الديمقراطي هو الشعب الكردي الذي حقق تنظيمه الديمقراطي الشعبي وأكتسب إرادته السياسية والتنظيمية إلى حدِ كبير والذي شكل مجتمعاً منظماً خارج أطر الدولة كبديل لمجتمع الدولة الحاكمة. والتي تسير بخطوات سريعة إلى الأمام متجاوزا تنظيم الدولة ومؤسساتها مع مرور كل يوم.
أكتسب الشعب الكردي خلال نضاله التاريخي والحالي تحت قيادة حزب العمال الكردستاني تجارب ودروس عديدة أستطاع من خلال تقييمها أن يتحرر من قيود الدولة وعقليتها التي تجلب المآسي والآلام التي لا حدود لها لمجتمعاتها، وأدرك تماماً أن الدولة لنترك جانباً عدم حلها لمشاكل المجتمع، بل تلعب هي بذاتها على تأزيم الوضع وخلق المشاكل والأمراض المستعصية في المجتمع.
السيطرة والتحكم والدولتية ليست بمفاهيم شعبية ولم تخلقها الشعوب، الشعوب لم تقف أبداً إلى جانب النهب والاستيلاء والتحكم بالآخرين، وكان موقف الشعوب دائماً إلى جانب العيش مع الشعوب الآخرى بحرية وسلام، ويمكن ملاحظة أن جميع نماذج الدولة استخدمت الجماهير الشعبية لحجب مصالح الطبقة الحاكمة عن أعين العامة.
وجميع المجتمعات الدولتية هي التي تعيش في داخلها الأزمات الاجتماعية بشكل عميق ومكثف.
الشعب الكردي نظم نفسه ومجتمعه بحيث لم يعد هناك أي فرد إلا وهو مشغول بتنظيم جانب من جوانب الحياة الاجتماعية في مجتمعه، ولكي يجعل من هذا التنظيم أكثر تأثيراً وعمقاً فما زال يعمل بنشاط لبناء ديمقراطيته الاجتماعية. وإدراكاً منه بأن المنتخبين في لعبة الانتخابات التي تكررها الدولة كل عدة سنين سوف لن يمثلوا الشعب فإنه يقوم بتطوير ديمقراطيته بنفسه من خلال بناء مجالس المحلات والإدارات التي تتخذ القرارات بشكل مشترك تشارك فيه كل الجماهير التي تعنيه هذا القرار وبناء المؤسسات المدنية بقدر احتياج الشعب إليها، إلى جانب تشكيل أماكن للشورى وبناء المواطن بروح مسؤولية اجتماعية وبناء الجمعيات « الكومين » والمؤسسات والإدارات المحلية التي تتخذ قراراتها بنفسها، وإعطاء كل المبادرة لهذه المؤسسات الاجتماعية ذاتها إلى جانب أن كل منها مسؤولة تجاه الآخرى بنفس الوقت، وذلك من خلال تنظيم الشعب خارج إطار الدولة، أي يبني نظاماً داخل حدود الدولة لكنه خارج حاكمية نظامها تماماً، هذا ما يطلق عليه اسم الكونفدرالية الديمقراطية. لأن بناء جوهر وقيم ومبادئ النظام الكونفدرالي يتطلب بناء مؤسساتها وشكل العلاقات بين هذه المؤسسات أولاً.
الشعب الكردي في هذا الإطار ولكي يحافظ على وحدة لغته وثقافته وإرادة مشتركة أي لكي يكون له أمة واحدة هناك حاجة إلى دولة، ولكن بالعكس يجب أن يعُرف بأن الدول دائماً مثلت « فئة » أقلية منتخبة من الشعب ولم تمثل أبداً عامة الشعب. وأكثر النماذج الاجتماعية انتشارا الأمة التي تشمل وتضم أوسع فئات الشعب والتي شكلت تنظيماً واسعاً وعميقاً، ولكي تحافظ الأمة على مسافتها عن الدولة عليها التحرر من الأمراض التي خلقتها الذهنية الدولتية من قبيل القومية « التعصب القومي » والفاشية والشوفينية وغيرها.
والدولة وإن لم تعترف علناً إلا أنها لا تدعم قيام الأمة، لأن جميع المجتمعات الدولتية هي مجتمعات منقسمة على ذاتها، غير منسجمة فيما بينها وهي مجتمعات لم يتشكل فيها العقل المشترك بعد. في المجتمعات الدولتية فإن الدولة والمجتمع تشكل ثنائية متناقضة في بنيتهما، وإن قوة إحداهما تؤدي لا محال إلى ضعف الأخرى، ولكوننا نعيش عصر الدول فإن الشعوب في حالة ضعف، والسبيل الوحيد لتقوية الشعوب يكمن في تضييق نطاق حاكمية الدولة كخطوة أولى، ومن ثم تجريدها تماماً نحو الوصول إلى القضاء عليها نهائياً، وهذا ما سيفعله الشعب ذاته ولا أحد باسمه. لأن جميع الخيوط يجب أن تكون بيد الشعب ذاته وهو الذي يدير نفسه دون أحد آخر، وهذا ما يسمى بالأمة كنموذج اجتماعي. والديمقراطية المتشكلة في هذا الإطار كنمط حياة اجتماعية ونظام إداري يسمى بالأمة الديمقراطية.
تنشغل المجتمعات الدولتية بخلق عدوٍ لذاتها دائماً، ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة بوضوح في تركيا وجميع دول الشرق الأوسط دون استثناء. وكذلك في كل من أمريكا والدول الغربية، خلق العدو والإحساس بضرورة وجود عدو لنفسه هو عمل الفئات الحاكمة، ويتم جر الشعوب إلى هذه الألاعيب من خلال خداعهم بحجج واهية متعددة. لذا فإن إمكانية نشوب حرب ساخنة أو باردة واردة دائماً ضمن المجتمعات الدولتية، لأن فلسفة هذه المجتمعات هي فلسفة مائدة الذئاب.