الفيدراليّة تتويج لثورة فكرية
الفيدراليّة تتويج لثورة فكرية
هدية يوسف
الفيدرالية لم تكن حالة ابتداع سياسيّ أو ارتجال فكريّ أو صيغة تنطوي على اجتزاء واختزال في الصورة أو إقصاء وتهميش لأحد مقابل إحياء الآخر, ولا حتى حضور البعض على حساب تغييب آخرين, بل هي نظرة بعيدة المدى تستند إلى تراث تاريخيّ حضاريّ وتقرأ الواقع وتحلله وتستشرف آفاق المستقبل, لترسم معالم سوريا التعدّديّة الديمقراطيّة.
حول الفيدراليّة الاسم والتاريخ والأسباب والآفاق كان لنا مجلة صوت كردستان لقاء مع السيدة هدية يوسف الرئيسة المشتركة للمجلس التأسيسي لنظام الفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سورية
بداية نرحب بكم ضيفاً في مجلتنا. إذا أردنا أن ندخل مباشرة في صلب الموضوع فأول ما يخطر ببالنا هو السؤال التالي: لماذا روج آفا وشمال سوريا وليس مكاناً آخر، أو ما هي الأسباب والمزايا التاريخية والآنية التي تتمتع بها هذه المنطقة؟
إنَّ تجاهل مسار التطوّر التاريخيّ للمنطقة وما مرت به من مراحل ومتغيرات عبر الزمن وما شهدته من حروب وصراعات ومشاكل تاريخيّة سيؤدي إلى عجز في إعطاء المعنى للتناقضات والاختلافات والنزاعات في يومنا هذا، وبالعودة إلى التاريخ نجد أنَّ البشريّة حقّقت ولأول مرّة في التاريخ ثورة العصر النيوليتيّ على هذه الأرض وتمّ تطوير الحضارة على هذه الجغرافيا وأنَّ عدة شعوب سكنت وعاشت في هذه المناطق وميزوبوتاميا بشكلٍ عامٍّ وأقامت كياناتها، وبتعدد الشعوب تعددت أسماء هذه المناطق حسب مقتضيات اللغة والثقافة ونظام الحكم، فهناك من سمّاها بلاد ما بين النهرين، وآخرون سمّوها ميزوبوتاميا والهلال الخصيب وكلها تسميات جغرافيّة تدلّ على طبيعة المنطقة ومكانتها الجغرافية، وتسمية روج آفا هي تسمية جغرافيّة باعتبارها جزءاً من كردستان التي قُسّمت إلى أربعة أجزاء عام 1916 وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو بين قوى الاستعمار، حيث تمّ تبني مفهوم الدول القوميّة وإدراجه ضمن منطقة الشرق الأوسط وفرضه على حقائق التاريخ والجغرافيا فيها. وبالتالي فالتسمية ذات بُعدٍ جغرافيّ, وباعتبار أنَّ ثورة روج آفا قد ساهمت في تحقيق الكثير من المكتسبات لأبناء المنطقة وكان نجاح تجربة الإدارة الذاتية إضافة جديدة لتلك الحقائق باتت ثابتةً ومعروفةً أمام العالم ارتأينا الانتقال إلى الفيدراليّة الديمقراطية لروج آفا –شمال سوريا. فمن جهة سنحيي ثقافة المنطقة في العيش حياةٍ مشتركةٍ وأخوةِ الشعوبِ ومن جهة أخرى نعطي القيمة لتلك الحقيقة التي ما كانت لتظهر لولا التضحيات الجسام وتكريماً وتقديساً لأرواح الشهداء, وللمحافظة على المكتسبات الكبيرة التي حقّقوها في مسيرة خمس سنوات من الثورة. وقد وافقت الأطراف والمكوّنات على هذه التسمية لما لها من معانٍ ودلالاتٍ تاريخيّة ولأنّها تعبر عن الحاضر الذي يعيشونه، ولكن في الوقت نفسه فكلٌّ حرٌّ في التسمية حسب أيّ من الحقائق التاريخيّة, بعبارة أخرى كلّ من مكونات المنطقة لها الحقّ بالتعريف وفقاً لمعطيات تاريخها الخاصّ, فهذه حقائق تاريخيّة ولسنا نحن من سمّاها, بل هي نتاج حضارات تتالت على المنطقة. والتسمية التي تراها شعوبنا مناسبة سنقوم باعتمادها مراعاةً للحقائق التاريخيّة وإقراراً بفضل حضارات المنطقة وثقافاتها.
ما معنى النظام الفيدراليّ؟ وما هي الأسباب والدواعي لطرح هذا المشروع؟
الفيدرالية هي شكلٌ من أشكالِ الإدارةِ، تكون الإدارة فيها مشتركة دستوريّاً بين حكومة مركزيّة أو حكومة فيدراليّة أو اتحاديّة ووحدات إداريّة أصغر )أقاليم أو ولايات أو مقاطعات( ويكون كلا المستويين من الإدارة معتمداً أحدهما على الآخر ويتشاركان إدارة المجتمع، ولذلك تعتمد وجود المجالس الثلاث )التشريعيّة, التنفيذيّة, القضائيّة( لتسيير الإدارة الذاتيّة لكلّ ولاية أو إقليم أو مقاطعة أياً كانت التسمية. نظام الفيدرالية هو نظام ديمقراطيّة الشعوب والمنطلق فيها هو الفرد الحرّ والوصول إلى مجتمعٍ حرٍّ منظّمٍ وهو نظامٌ ينظر في الاختلافات وحالات التنوّع الاجتماعيّة والعرقيّة والدينيّة وحرية المرأة، حيث يحقّ لكلّ مكوّنٍ استخدام لغته الأم في الحياة العامّة وممارسة الشعائر الدينيّة، كما أنّه يستند إلى وثيقةٍ )عقد اجتماعيّ( متفقٍ عليه من المكوّنات التي تعيش الجغرافيا نفسها ولها تاريخ مشترك وتتبادل الرغبة في الحياة المشتركة بهوية وطنيّة مشتركة, وبذلك يعني التعايش المشترك بين أبناء الشعب الواحد بالتوازي بين الشعوب في أقاليم متعدّدة، والتمتع بممارسة حقّ تقرير المصير المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة أيّ الاتّحاد الطوعيّ بين أقاليم تجمعهم أهداف مشتركة ومصير مشترك.
والاتّحاد الفيدراليّ لا يتحقّق إلا بنظام برلمانيّ تُراعى فيه حقوق الإنسان والتعايش الحرّ وأخوة الشعوب استناداً إلى المساواة التامّة في الحقوق والواجبات وعلى الاختيار الحرّ والطوعيّ وفي أجواء ديمقراطيّة حقيقيّة. والفيدراليّة ضمانة لحقوق الأفراد وتضمن الإدارة الذاتيّة لكلّ إقليمٍ على حدة ، كما أن نظامنا هو نظام مجتمعي يستند إلى الديمقراطية المباشرة التي تنظم نفسها أفقياً وتمثل الإرادة الشعبيّة في تمثيل نفسها سياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، وتستند إلى العدالة الاجتماعيّة في ترسيخ النظام الديمقراطيّ في المجتمع وتعتبر حرية المرأة جوهراً لنظامها.
وسبب طرحنا لهذا المشروع هو الاستجابة لمطلب الشعوب التي تعيش في مناطق الفيدراليّة بالحرية والحقوق المتساوية وحقّ ممارسة الخصوصيّة الثقافيّة واللغويّة والحياة الحرة, وأن تمتلك كلّ الشعوب الإرادة والقرار في رسم شكل حياتها, بدلاً من النظام المركزيّ الاستبدادي، والاستفادة من موارد والتوزيع العادل لثروات الوطن وخيراته، كما أنّه يساهم في حلّ كلّ المشاكل المتفاقمة ويوجد الحلَّ للأزمة السوريّة وينتقل بنا إلى سوريا ديمقراطيّة فيدراليّة. هذا إلى جانب أنّنا نعيش منذ أكثر من خمس سنوات ثورة من أجل تغيير النظام القائم؛ ولكن الأزمة تفاقمت كثيراً وتعقّدت حيث تحوّلت إلى صراع دوليّ بأيادٍ داخليّة أكثر من كونها ثورةً للتغيير والحرية. ويبدو أن لا نيةَ للنظام بالتخلّي عن نظام الدولة والحكم المركزيّ, كما أنَّ الأطراف الإقليميّة والدوليّة وكذلك قوى المعارضة لا يوجد لها مشروع حلّ للأزمة الراهنة أو أنّهم ليسوا بصدد التخلي عن أهدافهم السلطويّة الرافضة للديمقراطية والإقرار بالتنوع الثقافيّ في سوريا.
لذا ارتأينا أنّ الحل الأنسب لحلّ الأزمة السورية هو النظام الفيدراليّ الذي يؤمّن لكلّ الشعوب السوريّة كامل حقوقها وحرياتها كما أنه الضمانة لحماية مناطقنا المحرّرة من لهيب الإرهاب والأعداء المتربّصين بوطننا ويحافظ على وحدة وأخوة شعوبنا ووطننا من الانقسام في مواجهة الأجندات الخارجيّة.
بالنظر إلى ما ذكرتموه، هل شكَّلت تجربة الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة والتي دخلت عامها الثالث أرضيّة اجتماعيّة يُعتمد عليها لتحديد أسلوب الإدارة المستقبليّة بشكلها الفيدراليّ؟
طبعاً, لأنّ نجاح تجربة نظام الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة أعطانا حافزاً وشكّل الأرضيّة الاجتماعيّة لأنها تستند أيضاً إلى التعايش المشترك وأخوة الشعوب التي ساهمت في الدفاع عن مناطقها وحلّ مشاكل المجتمع وتوثيق الروابط بين الشعوب بغض النظر عن الاختلافات الثقافيّة واللغويّة والقوميّة والطائفية، كما أنّها أثبتت حقيقة وجود المرأة وأنّ حرية المرأة هي أساسُ كلّ الحريات والتي ستكون مضمونة في ظل مفهوم الأمة الديمقراطيّة.
الإدارة الذاتيّة هي الأرضية المتينة والأساس المعتمد في نظام الفيدراليّة الديمقراطيّة لروج آفا– شمال سوريا.
إذا لم تقترن النظرية الصحيحة بتطبيق عمليّ صحيح وإذا لم تتحوّل إلى قوة اجتماعيّة تستطيع حلّ كلّ ما يعترضها فإنّها تصبح سبباً رئيساً لخلق مأزق أخلاقيّ وسياسيّ في المجتمع. برأيكم ما هي العراقيل المحتملة أمام تطبيق هذا المشروع مستقبلاً؟
حتماً إذا لم تتحوّل التجربة والطرح الموجود إلى قوة اجتماعيّة تتجاوز كلّ ما يعترضها من عوائق فستكون السبب الرئيس لخلق مأزق أخلاقيّ وسياسيّ في المجتمع. ومن أكثر العوائق التي تشكّل خطراً على نظامنا الديمقراطيّ هي الذهنيّة السلطويّة الدولتيّة والبعثيّة التي تعشعشت في عقول مجتمعاتنا لذا يتوجب تحويل المجتمع إلى مجتمع أخلاقيّ سياسيّ يستند إلى العدالة الاجتماعيّة وذلك سيتمّ عبر عملية تأهيل على أساس الأمة الديمقراطيّة والمجتمع الديمقراطيّ الأخلاقي الذي يعتبر حرية المرأة أساساً لكلّ الحريات وجوهراً لبناء النظام الديمقراطيّ. ومن أكبر العوائق أيضاً تمسّك البعض بمفهوم الدولة القوميّة, فهم لا يقبلون التغيير الديمقراطيّ وذلك سبب استمرار تعميق الأزمة والمجازر وهجرة شعوبنا ويعرّض سوريا للانقسام حسب المصالح الإقليميّة.
عند الإعلان عن تشكيل المجلس التأسيسيّ تقاطرت ردود الأفعال، ولعل أغربها كان ما صدر عمن يسمّون أنفسهم بقادة الائتلاف السوريّ، حيث وصلت بهم فظاظتهم العنصريّة إلى درجة إنكار وجود الشعب الكرديّ ونعته بأشنع العبارات اللاإنسانيّة وإظهار مشروعكم على أنّه مخطط يهدف إلى تقسيم سوريا. مواقف من هذا النوع من أطراف تعدّ نفسها الممثل الحقيقيّ لثورة الشعب السوريّ بكل «أطيافه »، هل سيكون لها صدى محتمل داخليّاً أو خارجيّاً وما مدى تأثيرها على الرأي العام؟
إنّ تشكيلَ المجلسِ التأسيسيّ لمشروعنا كان نابعاً من إرادة شعوبنا ورغبتهم في تقرير مصيرهم واختيار شكل النظام الذي يمكنه أن يمثلهم ليكونوا هم أصحاب القرار لأنّهم هم أساس المجتمع الديمقراطيّ لذا فإنّ الذين يسمّون أنفسهم بقيادات الائتلاف السوريّ بمواقفهم تلك أظهروا حقيقة نواياهم وحقيقة مشروعهم العنصريّ وحقيقة صراعهم على السلطة مع النظام وأثبتوا أنّه لا نية لهم في الاعتراف بحقوق الشعوب السوريّة في ظل أيّ نظام جديد أو لنقل هو انتقالي من سلطة مركزيّة إلى سلطة مركزيّة أخرى أكثر عنصريّة. أنا واثقة أنّ المجتمعَ السوريّ بكلّ مكوّناته أدرك حقيقة هذه القوى المتصارعة على السلطة التي لا يهمّها ما آل إليه الشعب السوريّ كما أنَّ كلَّ القوى الخارجيّة والرأي العام العالميّ أيضاً يدرك هذه الحقيقة، إلا أنَّ المصالح الدوليّة هي الأساس في تفاقم الأزمة السوريّة إلى جانب عدم وجود قوة ثوريّة سوريّة منظّمة ومؤدلجة ذات قيادة حكيمة تقود الثورة وتتبنّى مصالح الشعب السوريّ. لذا يبقى الحل في تجربتنا وفلسفتنا التي رأت النور على أرض الواقع وأثبتت بأنّه لا حل للسوريين سواها.
من ضمن الردود الرافضةِ المفاجئةِ ردُّ السيد هيثم مناع الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطيّ على الرغم من مشاركة الرئيسة المشتركة إلهام أحمد في المؤتمر؟ هل يمكن أن نشهد انشقاقاً أم أنّها ردود أفعال عاديّة؟
لانعتبره انشقاقاً لأنّ المشروع لم يكن مشروع مجلس سوريا الديمقراطيّ، واستقالة السيد هيثم مناع تعود لأسبابٍ خاصّة به، ولا نعتبره ردَّ فعلٍ على إعلان نموذج مشروع الفيدراليّة الديمقراطيّة، انما تشير إلى ضعف قدرته على تحمّل مسؤوليات المرحلة التاريخيّة التي نحن بصددها وجسارة الإعلان عن شكل النظام الديمقراطيّ المستقبليّ لسوريا.
دأبتِ الأطراف الكرديّة، المتمثلة بما يسمى »ENKS« المنضوية تحت لواء الائتلاف «السوريّ » المرتبط بأجندات باتت معروفة للقاصي والداني، على تقزيم مشروعكم ونسبته إلى جهة بعينها وعليه يأتي تمنّعهم من الانضمام إلى هذا المشروع. تفكير وتحليل من هذا القبيل في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ الشعب الكرديّ له جذور ودلالات فكريّة وأخلاقيّة، برأيكم ماهي الذهنيّة التي يمكن لها أن تنتج هكذا نوع من الكرد؟
أولئك حفنة من الشخصيات الكرديّة التي لا نعتبرها أطرافاً لعدم تمثيلها الفعليّ لشعبنا، ذلك شيءٌ مخزٍ قبل كلِّ شيءٍ، لأنّه وخاصّة بعد قيام بعض شخصيات الائتلاف أمثال أسعد الزعبي وكامل عطا كامل وغيرهما بإظهارِ ردود فعلٍ عنصريّة على مشروعنا ونعت الكرد بألفاظٍ نابية تفتقر لأدبيات الحديث ناهيك عن كونه هبوطاً في مستوى الخطاب السياسيّ فاقد للمعيار الأخلاقيّ تماماً, والسكوت عن ذلك بالنسبة لشخصيات كرديّة وبقائهم مع ذلك في أحضان الائتلاف هي محل تنديد واستنكار, وعارٌ على هذه الشخصياتِ قبول الذل والشتم والسباب بحقِّ شعبنا، ولا أرى أيّ فرقٍ بين ذهنيّة الائتلاف وذهنيّة هؤلاء، وهم نسخة من الإنتاج المعدوم من الإرادة والتي لا يهمّها ما يؤول إليه مصير الشعوب, ولذلك فهم لا يمثّلون إلا أعداء النظامِ الديمقراطيّ ودليل ذلك هو المعارك وحملة الإبادةِ التي تتمُّ في الشيخ مقصود بحلب.
يُعرّف العقدُ الاجتماعي على أنّه نظرية اجتماعيّة تكون فيه المجموعات البشريّة حالة أو أيّ شكلٍ من أشكالِ الإدارةِ وتنظيم للعلاقات تحدّد فيه مهام ووظائف كلّ فئة على أسس ثقافيّة، سياسيّة، اجتماعيّة، أخلاقيّة وتاريخيّة. ما الذي يضمن أن يكون العقد الاجتماعيّ الذي أنتم بصدد إنجازه معياراً أخلاقيّاً يضبط العلاقة بين مكوّنات الفيدراليّة ومضمون الديمومة، وما العوائق التي تهابونها؟
العقد الاجتماعيّ هو اتفاق طوعيّ مجتمعيّ يستند إلى إرادة الشعوب في اختيار شكل النظام الذي يضمن حريتها وحقوقها ويناسب ثقافاتها والضمان هو ذلك، فالمجتمع الذي يرغب بالعيش المشترك هو الذي سيضمن مستقبله الدستوريّ وذلك يتطلب تنظيم كلّ الأمور الحقوقيّة والحريات والتربية الأخلاقيّة السياسيّة لترسيخ أسس هذا النظام الاجتماعيّ وتطوير الثقافات واللغات وإحياء التاريخ، تاريخ المنطقة التي عاشت مكوّناتها مئات السنين حياة تشاركيّة وأخويّة ضمن الكثير من الحضارات التي تعاقبت على مناطقنا وطوّرتها، كما أنّه موضوع نضال مرير وطويل الأمد مع كلّ رواسب الأنظمة السلطويّة التي بنت مجتمعاً متفككاً غريباً عن حقيقته التاريخيّة، كما أن الأساس القويّ لهذا النظام والذي سيضمن دمقرطة المجتمع هو حرية المرأة ووجودها الفعّال في كلّ مجالات الحياة التي ستستند إلى المساواة والعدالة الاجتماعيّة.
ورد في البند الثامن من بيانكم التأسيسي: لكلّ مكوّن الحقَّ في أنَّ ينظّم نفسه في إطار الدفاع المشروع، وفي مؤتمركم الإعلاميّ الذي أتى بعد اجتماعكم الأول أعلنتم عن تشكيلِ أربعِ لجانٍ، ولكن الملفت بأنّكم لم تشكّلوا لجنةً خاصّةً لتنظيم أمور الدفاع المشروع والعلاقة بين الجهات العسكريّة لكافّة المكوّناتِ وضوابطها ضمن الفيدراليّة، لماذا؟
إنّ لجنة العقد الاجتماعيّ هي التي ستعمل على تعيين كلّ ضوابط الحياة وكيفية تسيير الأمور الإداريّة والدفاعيّة وغيرها من الأمور الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، وستناقش الشكل الذي يناسب حقّ كلّ المكوّنات في الدفاع المشروع والعلاقة بين الجهات العسكريّة.
المادة العاشرة من بيانكم التأسيسي نصّت أنّ كلّ مكوّن لديه الحقُّ وحسب مصلحته أن يبني العلاقات الاقتصاديّة داخليّاً أو خارجيّاً. ما هي معاييركم للحفاظ على المصالح الاقتصاديّة العامّة لكلِّ مكونات الفيدراليّة دون التعدّي على مصالح أيّ مكوّن؟
هذه أيضاً أمور يوضّحها العقد الاجتماعيّ ومبدئيّاً نظامنا يعتمد على الاكتفاء الذاتيّ في الحياة الاقتصاديّة إلى جانب تطوير اقتصاد المجتمع الديمقراطيّ الكوميناليّ وإعطائه الحقَّ في تطوير الاقتصاد من خلال العلاقات الداخليّة والخارجيّة بشرط ألا يتعارض مع مبادئ العقد الاجتماعيّ الذي يرفض مفهوم الاقتصاد الرأسماليّ الذي يستند إلى الربح وتهميش المجتمع والإضرار بالبيئة، هذا على صعيد المكوّنات والمؤسسات الاقتصاديّة ولكن الأمور الخاصّة بالاقتصاد الفيدراليّ فتنظّمها هيئة الاقتصاد التابعة لنظامنا الإداريّ والذي سيتمّ تحديده ضمن العقد الاجتماعيّ.
كيف يمكن للمرأة لعب دورٍ رياديّ في هذا المشروع وكيف ستكون حرية المرأة في ظلّ النظام الفيدراليّ؟
للمرأة دور قياديّ في دمقرطة المجتمع ودور أساسيّ في بناء وحدة المجتمع على أساس الحياة الحرّة المشتركة، سيكون للمرأة ضمانة حقوقيّة ضمن العقد الاجتماعيّ الذي يعتبر حريّة المرأة أساسِ كلّ الحريات ويعترف بحقوقها المساوية لحقوق الرجل كما أنّه يتبنى مبدأ الرئاسة المشتركة في كلّ المجالات الإداريّة وساحات القرار وهناك هيئة خاصة تسمى هيئة المرأة تهتم بكيفية مشاركتها وكيفية تطوير دورها ضمن المجتمع وكيفية توعيتها بمبادئ النظام الديمقراطيّ للمجتمع وكيفية الحفاظ على حقوقها، وتنظيم نفسها بشكلٍ خاصٍّ ومستقلٍّ في جميع مجالات الحياة كما أنّها هي التي تقرّر كلّ الأمور التي تتعلق بالمرأة ودورها في الحياة .ونظام الفيدراليّة يستند إلى أساس مشاركتها المتساوية ومبدأ الرئاسة المشتركة كما يعمل على تطوير دورها في كلِّ مجالات الحياة.
الوثيقة التي قدّمها مندوب الأمم المتحدة لحلّ النزاع في سوريا ستيفان دي مستورا لطرفي التفاوض في جنيف لم تقترح أيّ نموذج أو شكلٍ من أشكالِ الإدارةِ والحكمِ في سوريا. هل أنتم على قناعةٍ بأنَّ فيدراليّة روج آفا وشمال سوريا قادرةٌ على فرضِ نفسها كقوةِ حلٍّ لا بديل عنها على الساحتين الداخليّة والدوليّة؟
لقد تمَّ إقصاء شعوب وإدارة ذاتيّة تدير أكثر من 15 % من الأراضي السوريّة وأكثر نموذجٍ ناجحٍ يقدّم شكلٍ حلّ واقعي للأزمة السوريّة، هذا إلى جانب أنّ وثيقة مبادئ الحل للسيد دي مستورا لمحادثات جنيف لا تتضمن غير التوحيد بين مطالبِ المعارضة وآراء النظام, وتجاهل ثورةً دامت أكثر من خمس سنوات وقتل وتهجير مئات الآلاف من شعوبنا وحتى أنّها لا تتضمن ولا تسمّي أيّة مكوّنات وتتبنّى القوميّة طريقاً للحلّ وهذا لن يرضي الشعوب السوريّة التي مازالت تقاوم وتعيش الثورة. ولذلك فقناعتنا وقناعة شعوب روج آفا – شمال سوريا هي الحلّ الفيدراليّ الذي يحقّق حرية الشعوب ويحافظ على حقوقها ولا حلّ بديل عن ذلك وغيرها من الحلول لن تجدي أيّ نفعٍ, ونحن على ثقة بأنّه لا حل سواه والداخل والدول على قناعة بذلك, ولكن كما ذكرنا سابقاً المصالح الإقليميّة والدولّية هي العائق الأساسيّ حالياً، وللعلم فإنَّ نظام الفيدرالية هي أكثر الأنظمة الناجحة في العالمِ وتوجد أكثر من ثماني دول كبرى في العالم تعيشها, فعلى المستوى العربيّ هناك دولةُ الإماراتِ العربيّة المتّحدة وعلى المستوى العالميّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
إذاً فالمشكلة ليست في نوع النظام بل المشكلة هي تضاربُ المصالحِ في الصراع الدوليّ على سوريا.
ما هي المعايير والضوابط التي تحدّد المسؤوليات وآلية محاسبة المقصرين في نظام فيدراليّة روج آفا وشمال سوريا؟
ذلك موضوع يحدّده العقد أو الدستور الذي سيوضع لنظامنا الفيدرالي ويُتوافق عليه.
ما المستقبل الذي تضمنونه للشعب السوريّ وشعوب المنطقة والشرق الأوسط من خلال فيدراليّة روج آفا وشمال سوريا؟
المساهمة في تحقيق نظام فيدراليّ ديمقراطيّ حقيقيّ، كما ستقدّم تجربةً فريدةً من نوعها في بناءِ مجتمعٍ ديمقراطيّ يحقّق الضماناتِ الدستوريّة لحماية الحياة والحريات وحقوق المكوّنات في تطوير ثقافاتها وحضاراتها ضمن حياة تشاركيّة حقيقيّة في جميع مجالات الحياة، كما أنّها ستشكّل عهداً جديداً لنموذج يحيي تاريخ الشعوب السوريّة الذي عاشته قبل آلاف السنين وسيمهّد طريقاً نحو حرية المرأة لتكون ذات دورٍ فعّال وأساسيّ هذا إلى جانب إعطاء الأهميّة لدور الشبيبة التي تعتبر محرّك المجتمع وتمثّل حيويته وتؤمّن لهم المشاركة الفعّالة لإداء دورهم في المجتمع.
نشكركم على إتاحة الفرصة لنا على هذا اللقاء، إذا كانت لكم كلمة أخيرة تودّون توجيهها عبر مجلتنا؟
أشكركم على اللقاء متمنية أن تؤدّوا مهمتكم بإيصال مشروع الفيدرالية الديمقراطية وتعريف المجتمع عليه, كما أناشد من خلال مجلتكم المجتمع السوريّ وأدعوه إلى التعمّق في ماهية نظامنا والعمل متضامنين لنؤمن لأنفسنا ومجتمعنا حياة حرّةً كريمةً، وعدم الانجرار والوقوع في الفتن الطائفيّة والعنصريّة التي يفرضها البعض من الدول الإقليميّة والدوليّة والبعض من الشخصيّات الهشّة ومن يسمّون أنفسهم بالمعارضة وممثلي الشعب السوريّ الذين يعيشون على دماء شعوبنا ويستثمرونها. كما أنّه يجب علينا حماية ما بنيناه بدماء الآلاف من الشهداء والجرحى الذين ما زالوا يقودون الحراك الثوريّ على الرغم من فقدانهم لأجزاء من أجسادهم مقارنةً بالمقيمين في فنادق إسطنبول وهولير وجنيف وقطر وغيرها، والتوجّه لحماية أرضنا وشعبنا الذي مازال يقاوم على الرغم من الفقر والجوع ونقص إمكانيات الحياة. فالحياة الكريمة هي التي نعيشها على الرغم من كلّ التحدّيات والهجمات، ندائي إلى كلّ المثقفين والسياسيين أن يلعبوا دورهم في هذه المرحلة التاريخيّة التي نكتب فيها تاريخاً طُرّز بدماء شهدائنا، وإلى النساء والشبيبة ليكونوا ضماناً لدمقرطة مجتمعنا والعمل على ترسيخ نظام ديمقراطيّ.
كما أدعو كلّ شريفٍ يفكر بمصلحة الشعوب السوريّة ويحلم بمستقبل حرّ أن يعمل على إنجاح أكبر فرصة تاريخيّة تعيشها شعوبنا في روج آفا – شمال سوريا وشكراً لكم ولكلّ العاملين في مجلةِ صوت كردستان.