الديانات التوحيدية (السماوية) في كردستان
الديانات التوحيدية (السماوية) في كردستان
عبدالله شكاكي
یُعتقد أن أولى التصورات عن الدیانات السماویة ظھرت على أرض كردستان ومیزوبوتامیا وتجسدت في الكواكب والنجوم لما لھا من قدرات ھائلة وتأثیرات كبیرة من حیث المناخ الذي یسود على أماكن استقرارھم كالصحارى الحارة والجبال الباردة وخاصة الشمس یلیھا القمر، وعندما لم یتمكنوا من اكتشاف كُنھھا آمنوا بھا, وھكذا ارتقى الإنسان في معتقداتھ نحو الآلھة الكبرى متجاوزین الآلھة الصغرى، وتربع على عرش الألوھیة إلھ الشمس القوي الذي یعطي الدفء والنور والحیاة للبشر والزرع والأنعام، ویقیھم من خطر الموت جوعاً. وقد تجسدت أولى المعتقدات الكبرى في الدیانة المیثرائیة التي انتشرت في كردستان وعموم إیران والشرق الأدنى وآسیا الصغرى والوسطى وأوربا، ووصلت إلى مصر عن طریق الأمیرات المیتانیات مثل گولا- خیبا التي تزوجت من أمنحوتب الثالث، و تیتا- خیبا التي تزوجت من أمنحوتب الرابع أخن أتون (أتون إلھي)، وتأثر بھا موسى (الطفل باللغة القبطیة) نبي الیھود الذي تربى في محیط الأخناتونیة في مراحلھ الأولى لدى الأمیرة المصریة التي یعتقد أنھا حتشبسوت، وبعد مرور أقل من ألف سنة ظھرت الدیانة الزرادشتیة بعد أن استوعبت دیانات كردستان والشعوب الآریة في حلة جدیدة كدیانة سماویة وتوحیدیة، وبالاستناد على الیھودیة والزرادشتیة برزت الدیانة المسیحیة التي كان فیھا خلاصالإنسان عیسى المسیح، وبعد ستة قرون جاء الإسلام « الفادي » وتحرره من نیر العبودیة عن طریق الذي استند على الدیانات التوحیدیة السابقة وطورھا برؤیة نقدیة » قثم بن عبد اللات » على ید جدیدة، واعتبر إلھ إبراھیم واسحق ویعقوب إلھھ، حیث التقت في محیطھ كافة الأدیان، ورفع من شأن العرب بین الأمم المجاورة وذلك بنقلھم من الجاھلیة إلى فضاء النور والھدى ووحد قبائلھم لتغدو أمة واحدة، واعترافا بًفضلھ تم تبدیل اسمھ إلى((محمد بن عبدالله ))
آ) الدیانة الزرادشتیة :
دیانة توحیدیة شرقیة آریة، سماویة شاملة، ظھرت (٦١٢ – على أرضكردستان في نھایة العصر المیدي ( ٦٥٢ ق.م على ید النبي زرادشت الذي ظھر في القرن السابع قبل المیلاد ویعتقد أنھ ولد في أورمیة عام ٦٢٨ ق.م، وتوفي في عام ٥٥١ ق.م ، حیث عمل زرادشت ضمن القبائل الآریة على توحید آلھتھا مثل میثرا وفارونا وإندرا في إلھٍ واحد ھو آھورامزدا وبالتالي توحید تلك القبائل، وانتشرت عقیدتھ في عموم میدیا وإیران والأناضول، مثل ما فعلھ إبراھیم ضمن القبائل السامیة ، ولأنھ حمل رسالة كانت أكبر وأسمى من عقولھم تعرض للأذى والاضطھاد من بني قومھ، فاضطر مكرھاً إلى ترك والدیھ وخطیبتھ والھجرة من أجل تبلیغ رسالتھ ونشر دعوتھ، وقد ورد في الآفیستا (كتاب زرادشت المقدس) على لسان زرادشت مناجیاً ربھ :
إلى أي أرضیمكنني الھروب؟ »
أین تتجھ خطواتي؟
قد أبعدت من العائلة والعشیرة،
لم أعد محبوباً في القریة التي أنتمي إلیھا،
ولا عند حكام البلد الأشرار، .« كیف إذا سًأحظى بودِّك أیھا الرب وتوجھ شرقاً داعیاً الناسلقبول رسالتھ والإیمان بدعوتھ، رافضاً التسول والتمرد الفوضوي، وبحث عن حاكم یقنعھ لیتمكن من نشر دینھ، فاھتدى إلى الملك الآري فیشتاسبا في جھات بخارى، الذي اعتنق دینھ ھو وزوجتھ وأخوه ووزراؤه ثم شعبھ قبل أن یؤمن شعبھ بدینھ.
فلسفة زرادشت ونبوءاتھ :
استوعب زرادشت الأفكار الدینیة القدیمة للمجتمعات الآریة وجمعھا مع الأدیان التي كانتسائدة في جبال زاغروس وكردستان ونظمھا في إطار عقلي ھندي- إیراني، یعتمد على الأخلاق العلیا وعلى دیالیكتیك وحدة وصراع الأضداد، الصراع بین الخیر والشر، والنور والظلام، ففي حوارات زرادشت مع آھورا مزدا نجده یطرح علیھ الأسئلة دون تكلف ویطلب منھ جوابا مًقنعاً وبأسوب استجوابي لم یقم بھ أحد من قبل ، فقد سأل زرادشت آهورا مزدا : (( هل نطقت من دوني أنا زاراتوشترا ، ولمن بينت دين آهورا ؟)) ويجيبه آهورا مزدا ((باسم المؤمنين الصالحين يا زاراتوشترا الطيب ، تكلمت معك من دون الناس )) ، ومرة أخرى يسأل آهورا مزدا قائلاً((أسألك وأجبني حقاً يا آهورا ، من الذي خلق النور والضباب والظلام؟ من الذي خلق النوم والیقظة؟ لیؤدي كلة «؟ ذلك بالإنسان المدرك أن یتعمق في التفكیر عن صنعتھ وكانت الأجوبة بالطبع واضحة ومفھومة!.
اعتقد زرادشت أن زیادة الخیرات المادیة للإنسان وتطور الرعي والزراعة وولادة الأبناء الصالحین الذین یجاھدون من أجل الخیر سیقود في نھایة المطاف إلى انتصار الخیر على الشر، ولذلك دعا إلى إنشاء وحدة سیاسیة قویة ذات حاكم قوي، وتطویر الرعي والزراعة، واعتمد في دعوتھ على ثالوث أیدیولوجي مقدس ھو: (الفكرة الخیرّة – الكلمة الطیبة العمل الصالح)، وعلى ثالوث مادي مقدس یھیب بالبشر إلى تمجید العناصر الرئیسیة الثلاثة وھي: (النار الماء الأرض)، حیث تخلق منھا الحیاة وتتطور وتكثر الخیرات المادیة والمعنویة، والزرادشتیة تقدس العمل وتعتبره الطریق المقرب إلى لله ویجب أن یكون العمل بإتقانٍ وتفانٍ وإخلاصٍ، لأنھ یخلّصالإنسان من الاستجداء واستعباد الغیر لھ بالإحسان، وتراه أفضل من الصلاة حیث ورد في من یبذر حبا وًیستزرعھ فإنھ یزرع التقوى، » : الآفیستا وتقف ضد التقشف والزھد ،« وكأنھ یؤدي عشرة آلاف صلاة لیس بمقدور أحد ممن لا یأكل ممارسة أعمال » : حیث یرد التقوى والاشتغال بالزراعة والإنجاب، فبالقوت یحیا العالم ولذلك منع الصیام ،« الجسماني وبدون الغذاء یفقد حیاتھ في طقوس عقیدتھ، وطالب بالصلاة خمس مرات في الیوم وتوجھ نحو الشمس أو النار كقبلة لدینھ لأنھما یمثلان النور، وأھم الصلوات ھي صلاة الفجر مع صیاح الدیك وكذلك ھناك صلوات خاصة للحاجة والاستغاثة ولعید النوروز، كما طلب بدفع ثلث المال كزكاة للفقراء ولعمارة الأرض وبناء المدارس. وحضت الزرادشتیة على النظافة والطھارة بغسل الوجھ والیدین والقدمین قبل الصلاة وطھارة معقدة برعایة الكاھن عند تعمید الأولاد والمراھقین تمھیدا لًلدخول رسمیاً إلى الدین الزرادشتي بعد النطق بالشھادة التي تدعى عھد ونصھ : (peymanaDîn) الإیمان أشھد بأنني أؤمن بإلھ الخیر وبالدین الصادق وبزرادشت » نبیا،ً وأثني على ملائكة لله، أحمد الفكر الخیّر والقول الطیّب والسلوك الحمید، أحمد الدین الخیّر واھب السعادة والطھارة والمناھض للحرب وسفك الدماء، الدین الأكبر من كل العقائد والأفضل والأطھر ھو الدین الأھوري، وأعترف بآھورا مزدا خالق الوجود .
إن لعبة القفز فوق النار المشھورة لدى الزرادشتیین وعموم الشعب الكردي والتي استمرت إلى الیوم في أعیاد النوروز والاحتفالات الشعبیة الأخرى تعني التطھر من القذارة وتجاوز الخوف، كما تحض الزرادشتیة على نظافة المیاه والثیاب وقص شعر الرأس واللحیة وتقلیم الأظافر وطھارة خاصة للنساء، والأھم من كل ھذا طھارة النفس من الأفعال القبیحة كالزنا والسرقة والكذب، وتوصي بالتألم للغیر والثناء على الوالدین والأقارب ومواطني البلاد، والأداء النزیھ للالتزامات التي یأخذھا على عاتقھ والعنایة بالنسل ومساعدة المشاركین لھ في العقیدة والعنایة بالأرضومراعي الماشیة.
على المرء أن یجعل العدو » : ومن حِكَمھ ومواعظھ إن الشخص » و «ً صدیقا،ً والشریر صالحاً، والجاھل عالما لا تطلب » و « الذي لا یتغلب على نفسھ لن یتغلب على شيء ویلا حظ أن مضمون تلك المواعظ ،« شیئاً من الذي لا یخجل وارد في العھد الجدید، وذلك دلالة على تأثر المسیحیة بالزرادشتیة، حیث یعتقد أن السید المسیح أمضى فترة من حیاتھ في مراكز انتشار الزرادشتیة وھي إیران والھند، لأن سیرة حیاة المسیح في الفترة ما بین صباه وقبل بلوغھ الثلاثین مجھولة، والدلالة الأخرى ھي تنبؤ زرادشت بولادة المخلص في اللیل عندما یولد ھذا الملك الصغیر ستقع » یسوع المسیح نجمة من السماء على مكان ولادتھ، وعندما یبلغ الثلاثین من عندما ولد سیدنا المسیح في » وورد في الإنجیل ،«… عمره بیت لحم، من الشرق أتى المجوس إلى إسرائیل وقالوا: أین وتتشابھ الكثیر من التعالیم المسیحیة مع ،«… المولود الجدید نصوصا لآفیستا منھا استخدام الخبز والنبیذ في سر القربان، ودھن المحتضر بالمیرون (الزیت) ھو تكرار للطقس الزرادشتي حیث یستعملون شراب الھوما، كما كان لزرادشت تنبؤات علمیة حیث أشار إلى كرویة الأرض قبل الإغریق وكوبرنيق و غاليلو ((في البدایة خلقت السماء منیرة واضحة، مع نهاية مبسطة على شكل بيضة » وورد في القرآن الكریم: « والأرض إذا دحّاھا » بمعنى بسطها ووسعها .
انتشرت العقیدة الزرادشتیة بدایة وبقوة في البلدان شرق میدیا (آسیا الوسطى، بكتریا والھند)، ومن ثم انتشرت في میدیا وفارس خصوصاً في المرحلة الأخیرة من عھد ولم ینحصر تبشیره بین المزارعین » ، الامبراطوریة المیدیة والأمراء الصغار وبني قومھ فقط، بل انتقل من قوم إلى آخر لأن عقیدة زرادشت كانت موجھة إلى العالم أجمع، بالإضافة وقد ، « إلى أن تعالیمھ المثالیة لم ترتبط بنظرة قومیة ضیقة حارب الوثنیة بقوة ولم یسمح برسم أو إقامة النصب لأي كان ، كان زرادشت (زاراتوسترا) نبیاً بحق ومؤسسا لًأول دیانة عالمیة، وعندما كان بمحاذاة نھر جاءه الوحي طالبا اًلطیران معھ، فاستجاب لدعوتھ وتلقّى من ربھ وصایاه . وقاد المیدیون ومن بعدھم الفرسجھادھم انطلاقاً من تعالیم زرادشت وتحت رایة فكرتھ المثالیة حیث تولى قبیلة الموگ مھام الكھانة وأقاموا المعابد (بیوت النار) وأبراج الصمت في كافة أماكن انتشار الزرادشتیة، وكانت أسرة الصحابي الجلیل المعروف بسلمان الفارسي الكردیة سدنة بیت النار ، وكذلك الأسرة البرمكیة الكردیة التي اشتھرت في العصر العباسي الأول، وانتھت نھایة مفجعة ، ومع أن الزرادشتیین أھل الكتاب وعاملوھم معاملة « أھل الذمة » واعتبرھم المسلمون الأوائل حسنة خصوصاً من قبل محمد (ص) وعلي بن أبي طالب، إن الذین آمنوا والذین ھادوا » : حیث ورد في سورة الحج إلا أنھ في المراحل ،« والصابئین والنصارى والمجوس اللاحقة وخصوصاً في العصر الأموي تمت معاملتھم بقسوة، حیث أجبرھم قتیبة بن مسلم على دخول الإسلام، وأقام مجازر في بخارى، وأمر العرب بالسكن في بیوتھم لكي یتحولوا إلى مسلمین حقیقیین، وفي القرنین التاسع والعاشر ھدمت المعابد وبیوت النار والمقدسات، واختفى الزرادشتیون في الجبال مائة سنة، ومن ثم ھاجر قسم منھم إلى الھند واستقروا في إقلیم كوجرات ومدینة مومباي وعرفوا ھناك بالپارسیین .
آفیستا (الكتاب المقدس) :
ھو الكتاب المقدس للزرادشتیة، ویعني باللغة المیدیة (الأساس – الأصل – الملاذ)، وبالعربیة (آبستاق) المنقولة یعتبر من أقدم ،« المدائح » عن الصیغة البھلویة التي تعني الكتب المقدسة وعائد لأقدم دیانة سماویة توحیدیة، كتب باللغة المتفرعة عن اللغة « الآفستائیة » المیدیة القدیمة التي تدعى الآریة والقریبة جدا مًن اللغة السنسكریتیة، وعلى جلود اثني عشر ألفا مًن الثیران وبمِدادٍ من الذھب ، وحفظ في مدینة اصطخر (پَرس پولیس)، احتوى بین دفتیھ على التعالیم والطقوس والشرائع والقوانین التي وضعھا النبي زرادشت، وكان یتألف من ألف فصل وواحد وعشرین بابا،ً لكن الاسكندر المكدوني بعد احتلالھ لمیدیا وفارس عام ٣٣٢ ق.م أتلفھ بعد أن أخذ منھ ما یناسبھم في مجال الطب والفلسفة والفلك. وتمكن رجال الدین من الكھنة الموگ بدءا مًن القرن الأول وحتى الثالث المیلادي من جمع ٣٤٨ فصلاً وقسموه إلى واحد وعشرین جزءا أًیضاً، وحالیا بًقي من الكتاب:
1-یسنا (yesna) : وتعني الصلاة وهي أقدم النصوص التي تتعلق بالأدعیة والصلوات والأناشید والمدائح تكریما لًآھورا مازدا وتتوزع على ٧٢ فصلاً وتدعى الیشت والگاتا وھپتان ھایتي (الفصول السبعة).
٢- ڤیسپارت (Vîspart): تتمة للصلوات والأدعیة وتتشابھ مع الیسنا ومؤلفة من ٢٤ فصلا.ً
٣-ڤِدییڤادات (Vîdiyêva data): وھي الشریعة المضادة للشیاطین، وتتوزع على ٢٢ فصلاً، تدور حول موضوع خلق الأرض من قبل أھورا مازدا والمصائب التي جلبھا أھریمان، وقصة خلق الإنسان الأول المعروف باسم جمشید (آدم لدى السامیین)، وكذلك خلق الحیوانات والنباتات، والفصول الثلاثة الأخیرة تشمل الدساتیر الدینیة والمسائل الفقھیة وما یتعلق بالطب والشفاء من الأمراض.
ب) الدیانة الیھودیة:
ظھر الوجود الیھودي والدیانة الیھودیة في میزوبوتامیا وكردستان بعد الحملة العسكریة الآشوریة بقیادة سنحاریب سنة ٧٢٢ ق.م على مملكة یھوذا وكان حزقیال ملكھم، حیث أمر سنحاریب بترحیل الیھود من السامرة إلى كردستان، وأجلىَ المیدیین الذین اشتركوا في انتفاضة دیاكو ومعھم دیاكو نفسھ إلى حماه (سوریا)، بعد أن أجلى آرامیي حماه إلى السامرة ، والدفعة الأخرى من الیھود الذین وصلوا إلى كردستان حصلت جراء حملتین عسكریتین قام بھما نبوخذ نصّر البابلي الكلداني، كانت الأولى في عام 597ق.م عندما حاصر أورشلیم واستولى علیھا واقتاد معھ ثلاثة آلاف یھودي أسرى وعين ((صدقيا)) والیاً علیھا ویعتبر ھذا السبي البابلي الأول ، وفي عامي 586-587ق.م عاود الهجوم ثانياً ودمر هيكل سليمان في أورشليم ونقل خزائنها ونفى أربعين او خمسين ألفاً من أهلها ((لينوحوا عند مياه نهر الفرات )) حسب روایة العھد القدیم، ودعیت من قبل الیھود ((السبي البابلي الثاني )) ودمّر مملكتي یھوذا وإسرائیل، وساق شعبهما أسرى إلى معتقلات بابل، حیث أبقى على سبطین من سكان مملكة یھوذا في بابل , وأبعد الأسباط العشرة سكان مملكة إسرائیل إلى كردستان حیث عملوا في الزراعة والرعي متمتعین بحمایة رؤساء القبائل الكردیة، وكانوا یتكلمون الآرامیة العبریة إلى جانب الكردیة، ویرد ذكرھم لدى الكتبة الیھود وعندما ،« الأسباط العشرة التي ضاعت في كردستان » باسم سقطت بابل بید كورش الأخمیني عام ٥٣٩ ق.م أصدر الأخیر مرسوما عًفى بموجبھ عن المعتقلین الیھود وأعادھم إلى بلادھم وذلك بتأثیر من سیدة یھودیة تدعى استیر تزوجھا كورش، ولكن یھود كردستان بقوا فیھا حتى القرن العشرین المیلادي .
خلال المرحلة الطویلة التي قضاھا الیھود في كردستان یبدو أنھ حدثت تأثیرات دینیة وثقافیة متبادلة بین الیھود وشعوب كردستان، فقد تبنى الیھود العادات والتقالید واللغة الكردیة إضافة إلى تأثیر الدیانة الزرادشتیة على الدیانة الیھودیة، ویعتقد أن بعضا مًن شعوب كردستان قد تھَوّدوا مقابل استكراد الیھود، ویتضح ذلك بشكل جلي في القصص والملاحم الشعبیة الكردیة نتیجة انتشار الیھود في عموم كردستان وامتھانھم لحرفة التجارة المتنقلة والثابتة، ونتیجة استقرار بعض الیھود في مدینة أربیل اعتنق بعض أفراد العائلة المالكة في القرن الثاني قبل المیلاد الدین الیھودي ومنھم الملك مونوباز وزوجتھ ھیلینا وولدھم إیزاتیس حیث نقلت رفاتھم بعد موتھم إلى مقبرة الملوك في أورشلیم، وكان للیھود دور عبادة (كنیس) في أربیل وآمد تحولت بعد السیطرة الإسلامیة إلى مساجد، وقد اعترف ملوك إیران البرثیین بالجماعات الیھودیة كطائفة مستقلة بزعامة حاخام دعي برأس الجالوت، واعتبارا مًن القرن الثالث قبل المیلاد بدأ علماء الیھود بدراسة تاریخ الیھود وشریعة موسى وتدوین التوراة والتلمود.
والیھودیة دین العبرانیین الذین اعتنقوا تعالیم ربھم یھوه مع ظھور النبي موسى (الطفل بالقبطیة)، وقد أخذ فكرة الإلھ الواحد من نفرتیتي وأخناتون والمتجسدة في إلھ الشمس عندما كان في مصر، ونشیر أن أبا النبي إبراھیم كان یعبد الأصنام، حیث یرد في القرآن الكریم على لسان إبراھیم: ((تخذ أصناما آًلھة إني أراك وقومك في ضلال مبین )) وإبراھیم نفسھ ظل مترددا بًین الشمس والقمر لا یعرف إلى من یھتدي سبیلاً، حیث یرد في سورة الأنعام من القرآن ((لما رأى القمر بازغاً قال ھذا ربي فلما أفل قال لئن لم یھدنيربي لأكونن من القوم الضالین، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي ..)) وبقي أولاده وأحفاده في ھذا التردد، وعندما مات یعقوب (إسرائیل) قام الأطباء بتحنیطھ بناء على أمر من يوسف (العهد القديم – تكوين 50/3) وهذا يعني ان يوسف نفسھ كان لا یزال في دوامة التردد، ولما مات یوسف تم تحنيطه أيضا (تكوين 50/25) ووضع في تابوت وارسل الى مدينة شكيم ( نابلس ) .
ومن الجدیر بالذكر أنھ یعیش حالیا فًي إسرائیل زھاء مائتي ألف من یھود كردستان والكرد المتھودین، وھم یمارسون عادات وتقالید المجتمع الكردستاني في حیاتھم الیومیة من حیث اللباس والطعام وإحیاء المناسبات الوطنیة كعید النوروز ویحافظون على الفلكلور والثقافة الكردیة كالغناء والموسیقا، ویقیمون في مستوطنات خاصة بجوار بعضھم، ویتكلمون اللغة الكردیة بطلاقة، ویعملون في مجال الزراعة والرعي كما كانوا في العھود الغابرة، وقد توضح ذلك أثناء زیارة خاصة قامت بھا بعثة قناة med tv الفضائية عام 1996 والتي أجرت العدید من اللقاءات واستمعت إلى شكاوي الذین عبروا عن مدى شوقھم وحنینھم إلى مدن وقرى وجبال كردستان وذلك بأغانیھم الشعبیة وموسیقاھم التي عزفوھا على آلاتھم التي جلبوھا معھم أثناء مغادرتھم كردستان.
العھد القدیم (كتاب الیھود) :
یعتبر الكتاب المقدس (العھد القدیم) مقدساً لدى الیھود والمسیحیین معاً بشكل عام، مع وجود بعض الخلافات على الأسفار بین الیھود والمسیحیین، لكن الكنیسة البروتستانتیة تتفق مع الیھود على قبول ٣٩ سفرا،ً بینما الكنیسة الكاثولیكیة تضیف سبعة أسفار لتصبح ٤٦ سفرا،ً ویقسم العھد القدیم في التقلید الیھودي إلى ثلاثة أقسام :
1-التوراة: وتتألف من خمسة أسفار ھي: (التكوین، الخروج، اللاویین، العدد، التثنیة) وتنسب إلى النبي موسى.
2-أسفار الأنبیاء: وتقسم إلى قسمین:
آ) الأنبیاء المتقدمین وھم: (یوشع، القضاة، صموئیل
الأول، صموئیل الثاني، الملوك الأول، الملوك الثاني).
ب) الأنبیاء المتأخرین وھم: (إشعیا، إرمیا، حزقیال، ھوشع، یوئیل، عاموس، عوبدیا، یونان (یونس)، میخا،
ناحوم، حبقوق، صفنیا، حجّى، زكریا، ملاخي).
٣- الكتابات: وھي ثلاثة:
آ) الكتب العظیمة: وتشمل أسفار المزامیر (الزبور)، الأمثال (أمثال سلیمان)، أیوب.
ب) المجلات الخمس: وتشمل أسفار نشید الإنشاد، راعوث، المراثي، الجامعة، استیر.
ج) الكتب: وتضم أسفار (دانیال، عزرا، نحمیا، أخبار الأیام الأول، أخبار الأیام الثاني).