مقاومة كوباني مرحلة جديدة لنضال الحرية والديمقراطية

مقاومة كوباني مرحلة جديدة لنضال الحرية والديمقراطية

مصطفى قره سو

يلاحظ من التاريخ بأن الذي استطاع فرض حاكميته على منطقة الشرق الأوسط تابع مسيره نحو امبراطورية العالم. كما أنه يلاحظ من التاريخ أيضاً بأن الذي لم يستطع فرض حاكميته على منطقة الشرق الأوسط أو لم يصل إلى مستوى معين من القوة لم يكن صاحب تأثير ضمن السياسة العالمية. بلا شك هناك مناطق أخرى هامة في العالم، ولكن منطقة الشرق الأوسط صانت أهميتها على الدوام وفي كل المراحل. في يومنا الراهن الحرب التي يتم خوضها في المنقطة هي حرب فرض الحاكمية على منطقة الشرق الأوسط. فالأعوام الثلاثين المنصرمة تُظهر هذه الحقيقة بشكل واضح. حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمداخلة وضع كل من أفغانستان والعراق إلا أنها لم تحقق النجاح من هذه المداخلات. كما أن الوضع الذي تتم معايشته في العراق يوضح هذه الحقيقة بشكل واضح جداً.

لم تستطع انتفاضة الشعب في منطقة الشرق الأوسط ضد القوى الامبريالية من ناحية وضد الأنظمة القائمة في المنطقة من ناحية أخرى والمفتقدة إلى قوة طليعية صحيحة أن تخلق حركة بديلة. حيث أن كلّاً من قوى الحداثة الرأسمالية وقوى السلطوية الدولتية الجديدة المتقنعة بالإسلام سعت إلى الاستفادة من هذا الوضع. ومن خلال تحطم التوازن الذي خلقه نظام الحداثة الرأسمالية منذ قرنين يتضح بأن قوى الحداثة التي تعتبر مصدر كل القضايا لا يمكنها أن تكون أو تمثل قوة الحل في المنطقة. كما أن مشروع الإسلام المتواطئ هو الآخر انهار إلى أبعد الحدود، حيث لا يُقبل بالإسلام الخائن المتواطئ. كما أنه لا يمكن قبول سعي هؤلاء الذي يريدون استخدام الإسلام كوسيلة جديدة للسلطة إلى امتلاك القوة من قبل المجتمع، لأنهم ينجرّون وراء أية قوة أو سياسة مهما كانت لأنهم لا يهدفون إلى أي شيء سوى الوصول إلى السلطة.

وفي الوقت الحاضر لا تقوم قوى الأنظمة القديمة في الشرق الأوسط بخلق حاكمية ووضع سياسي مستقر، لا تقوم بأي شيء سوى تعقيد القضايا أكثر فأكثر. حتى أن الساعين إلى امتلاك القوة من خلال استغلال الإسلام والاستفادة من الفراغ السياسي الناتج ليسوا في وضعية يتم تقبلها لا من قبل الشعب ولا من قبل القوى الخارجية. حيث أن داعش أي الدولة الإسلامية في العراق و الشام هي أكبر وأوضح تعبير عن هذا.

ترعرعت داعش ضمن دمل الحداثة الرأسمالية. والوضع الذي جلبته الحداثة الرأسمالية إلى منطقة الشرق الأوسط خلال القرنين المنصرمين ماثل أمام الأعين. فالفوضى التي تحياها المنطقة هي من نتاج الحداثة الرأسمالية، حيث حطمت التوازنات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط. فالحدود التي تم رسمها عقب الحرب العالمية الأولى لم ترسم بشكل يتناسب مع متطلبات الأمم والشعوب والمجتمعات، حتى أنها لم تُلبِّ احتياجات الدول-القوميات المتشكلة بشوفينية القوموية والدولة القومية. فتقسيم أو تجزئة الشعبان الكردي والعربي اللذان يعتبران من أقدم شعوب المنطقة أوضح مثال على هذه الحقيقة. حيث نرى بأنهم منقسمون من حيث القومية ومن ناحية أخرى يعادون بعضهم. وحتى في يومنا الراهن يتم فرض الحاكمية على منطقة الشرق الأوسط بالاستناد إلى هذه الممارسة الدنيئة.

و لأن البنى السياسية التي فرضت حاكميتها عليها حتى نهاية القرن العشرين وعلى وجه الخصوص بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تعد تلبي احتياجات نظام الحداثة الرأسمالية، ظهرت أبحاث لنماذج مختلفة من التواطؤ لتحقيق سهولة وأمان حركة رأس مال النظام الرأسمالي وتحطيم المجتمع. لهذا السبب أرادت إعادة تنظيم أو فرز المنطقة عن طريق مشروع الشرق الأوسط الكبير. إلا أن كل المداخلات التي قامت بها وحتى فترة قريبة لم تصل إلى النتيجة المرجوة. أرادت الإطاحة بنظام البعث في سوريا إلا أنها لم تخلق البديل عنه. كما أن الوضع في ليبيا خرج عن السيطرة، ولم يتم خلق أو إحلال الاستقرار بأي شكل من الأشكال في العراق. بالإضافة إلى هذا أرادت من خلال استخدام داعش، وغض النظر عن توسع تنظيمه، خلق توازنات جديدة تستطيع السيطرة أو فرض حاكميتها على أساس تقسيم كل من العراق وسوريا إلى أجزاء، كي تصل بتلك المناطق ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام إلى وضعية يسهل فيها فرض حاكميتها عليها بسهولة.

سعى نظام البعث في سوريا إلى الصمود مقابل سياسة النظام الجديدة هذه من خلال بيان المخاطر التي يشكلها داعش. كما أن تركيا هي الأخرى سعت كي تكون صاحبة تأثير ضمن المنطقة من خلال خلق إطار سنّي بالاستناد إلى داعش. نظمت حساباتها من خلال قيام داعش والحزب الديمقراطي الكردستاني بمهاجمة ثورة روج آفا، فمعاداة داعش لثورة روج آفا كانت تخدم حساباتها. قامت الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني باستخدام داعش حتى بعد أن قام بالسيطرة على الموصل ضد إدارة المالكي العدو المشترك لهم. باختصار وكما أوضح قائد الشعب الكردي تم استخدامه من قبل الجميع كعاهرة مشتركة للقوى الدولتية والإقليمية. إلا أن داعش الذي ترعرع في أحضان الجميع وصل لمرحلة أو سوية يهدد فيها مصالح الجميع ماعدا الدولة التركية.

بعد أن تم استهداف جميع مناطق جنوب كردستان وفي بدايتها شنكال ، بعد الموصل، والسيطرة على العديد من المناطق في العراق، وبعد أن وقعت العديد من المناطق في سوريا واستهداف ثورة روج آفا وكوباني، توحدت كل القوى، ما عدا الدولة التركية، حول فكرة وجود قوة مشتركة لإيقاف توسع داعش. وجد داعش في التشاؤم واللاحل ضمن العالم العربي أرضية مناسبة له تفوق ما كان يبحث عنه، ومن خلال استيلائه على أسلحة كل من الدولة العراقية والسورية قام بإعلان ذاته كدولة الخلافة ضمن العالم الإسلامي.

إن استمرار اتفاق الدولة التركية مع داعش بشكل مباشر أو غير مباشر هو نتيجة عدائهم المشترك للكرد. حيث ان الدولة التركية ترى بأن كل أعداء الكرد هم حلفاء لتركيا و أن الدولة التركية عليها أن تتوحد مع أي عدو للكرد. سوف تستمر الدولة التركية في هذه السياسة طالما لا تملك سياسة لحل القضية الكردية.

وجد داعش ثورة روج آفا في وجهه. وكذلك اصطدم بحركة الحرية الكردية عندما قام باستهداف جنوب كردستان )باشور(. وعندما استهدف كلا من شنكال ومخمور وهولير وكركوك والمناطق الأخرى رأى قوة الكريلا في وجهه. من ناحية أخرى تشكل حركة الحرية الكردية المشروع السياسي الايديولوجي الوحيد الذي بإمكانه التصدي له في منطقة الشرق الأوسط. فمن خلال مشروع الأمة الديمقراطية الخاص بها تحولت إلى قوة جذب من أجل جميع الشعوب.

فالمشروع الوحيد الذي بإمكانه التصدي لسياسة الحداثة الرأسمالية، وقوى الأنظمة القائمة، والقوى التي تسعى إلى استخدام الإسلام كقوة جديدة للسلطة كداعش المعادية للشعوب هو المشروع العائد لحركة الحرية الكردية. عندما رأى داعش هذا اتفق مع الدولة التركية المعادية لحركة الحرية الكردية للإطاحة بثورة روج آفا معا. فتزامن الهجوم على كوباني مع إطلاق سراح الدبلوماسيين الأتراك تبعاً لهذا الاتفاق.

تتصدر الدولة التركية القوى التي دفعت داعش للهجوم على كوباني. هناك احتمال أن تكون هناك قوى أخرى حثت داعش على الهجوم على كوباني. حيث أن الذين قاموا باستخدام داعش على دراية بأن الكرد هم القوة الديناميكة الوحيدة التي بمقدورها التصدي لداعش وإيقافه. لإدراك كل الألاعيب والسياسات القذرة في الشرق الأوسط يوجد هذا كاحتمال. ولكن الدولة التركية هي القوة الأساسية التي حثت داعش على الهجوم على الكرد من دون أدنى شك.

حيث سعت الدولة التركية إلى خنق ثورة روج آفا وإفقاد حركة الحرية الكردية قوتها ضمن هذا الصراع والتخفيف عن نفسها. انطلاقاً من هذا قام داعش بتسيير الحرب نيابة عن الدولة التركية بكل تأكيد. بالطبع مادام الهدف هو تصفية ثورة روج آفا فإن هذه الهجمات سوف تتعمق أكثر. كما أن هناك الكثير من القوى التي سوف تلقى ولقيت النفع من هذه المقاومة الباسلة التي يتم إبداؤها. وكل من إيران وسوريا من ضمن هذه القوى. وقد أعلنت قوى التحالف الدولية عن استهدافها لداعش بشكل علني إثر هذه المقاومة الباسلة.

داعش هو تنظيم فاشي معادي للثوة. ومن خلال طابعه المعادي للشعوب دفع بحالة الفوضى الموجودة ضمن منطقة الشرق الأوسط لتتحول إلى وضع ثوري. حتى أنه عمق الحالة الثورية الموجودة أكثر من السابق، فمن خلال القيام بحملات ثورية فقط يمكن تحقيق أو خلق وضع اجتماعي سياسي ثقافي ووطني.

وبطابعه هذا حول حالة المحاسبة بين الثورة والثورة المضادة إلى عقدة عمياء. فإما أن تقوم هذه الثورة المضادة بفرض مرحلة الظلام الفاشي على شعوب منطقة الشرق الأوسط أو أن تلقى الهزيمة وتتحول إلى قوة مسببة ومحرضة لولادة مرحلة الحرية والديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. إن تصفية هذه القوة المضادة للثورة تعني الطهارة من دمل الحداثة الرأسمالية لترعرع هذه القوة ضمن دمل الحداثة الرأسمالية.

داعش بطابعه الفاشي حول كل القوى الأخرى إلى أعداء كما حصل قبل الحرب العالمية الثانية، وهو يُعتبر مصدر خطر بالنسبة للجميع. والقوة الوحيدة التي بإمكانها أن تقضي على هذا الخطر وتخوض الحرب ضد هذه القوة هي القوى الكردية المتمحورة حول حركة الحرية الكردية.

فحركة الحرية الكردية، والكرد بشكل عام، في وضعية تشبه وضعية الاتحاد السوفيتي الذي لعب دوراً هاماً في التصدي للفاشية وإلحاق الهزيمة بها في الحرب العالمية الثانية. بهذا المعنى حتى وإن قامت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بتشكيل التحالف الدولي ضد داعش فإن حركة الحرية الكردية ستكون في مركز هذه الحرب التي يتم خوضها ضد داعش. فمقاومة حركة الحرية الكردية هي التي أجبرت تلك القوى على الالتفاف حول ذاك التحالف.

انطلاقا من هذا، وفي الوضع الراهن، تشبيه مقاومة كوباني بستالينغراد هو الأنسب والأكثر معنى. ينبغي الانتباه إلى بعض النقاط الهامة أثناء خوض النضال ضد داعش. يجب ألا ينعكس النضال والحرب ضد داعش على أنه موقف يتم اتخاذه ضد المذهب السنّي للإسلام ولا على أنه موقف ضد العرب بأكمله وعلى هذا الأساس يتم خوض هذا النضال، أي ينبغي ألا ننجرّ إلى مثل هذه الإثارات التي تفتعلها القوى المختلفة. من الناحية الأخرى فالنضال ضد داعش لا يعني فقط النضال العسكري إنما ينبغي تسيير النضال في الساحات الايديولوجية والسياسية والثقافية أيضاً. لهذا السبب فإن مصاحبة جوهر الإسلام الديمقراطي والثقافي، وتحويل هذه القيم إلى قيم ديمقراطية اشتراكية يحوز على أهمية بالغة. وبهذا الشكل فقط يمكن خوض نضال صحيح وتحقيق النتائج المرجوة من النضال الذي نخوضه. تحقق نموذج الأمة الديمقراطية لحركة الحرية الكردية بشكل ملموس ضمن ثورة روج آفا أظهر تأثيره على أنه نموذج الحل للخروج من فوضى الشرق الأوسط. بهذا المعنى فإن هذا النموذج الذي سيحقق لجميع الجماعات الدينية والاثنية حياة تسودها الديمقراطية والحرية والمساواة وصل إلى سوية هامة بعد الهجمات التي قام بها داعش.

نضال هذا النموذج ضد داعش سوف يحقق في الوقت نفسه وحدة الشعوب ويمثل مقاومتها أيضاً.

إن تصنيف المقاومة التي أبدتها كوباني ودخولها جدول أعمال العالم كله، وولادة الهيجان لدى القوى الديمقراطية في المنطقة وفي مقدمتها شعوب تركيا، بالمقاومة المسلحة فقط يبقى ناقصا. فالمقاومة التي تم إبداؤها في كوباني هي مقاومة باسلة وشجاعة، ومقاومة فدائية، وهي مقاومة لا يمكن لأية قوة إبداءها. وهذا نابع من جرأة وجسارة الشعوب في وجه فاشية داعش وكل القوى الرجعية والاستبدادية.

ولكن السبب في تأثير حركة الحرية الكردية على شعوب العالم وقيامها بتحديد جدول أعمالها نابع من فكرها السياسي وتقربها الديمقراطي التحرري من المعتقدات والثقافات والهويات المختلفة.

إن قيام حركة الحرية الكردية بتلبية نداء واستغاثة الشعب الإيزيدي في شنكال بكل شجاعة، ومنعها وقوع مجازر جماعية بحق الإيزيديين لفت انتباه جميع الأطراف وقوبل بتعاطف كبير. إن مصاحبة حركة الحرية الكردية للتركمان الشيعة وليس فقط الإيزيديين، والدفاع عن الذاتية الديمقراطية لكل من آشوريي نينوى، وتركمان تل احفر بقدر إيزيديي شنكال، أظهر ذهنيتها السياسية وتقربها الديمقراطي. تطور المقاومة الباسلة في كوباني بعد هذا الموقف الذي تم ابداؤه في شنكال وتزايد النقاش حول الطابع والهوية السياسية لحركة الحرية الكردية في شخصية وحدات حماية الشعب ساهم في أن تكسب الحركة حب وتعاطف جميع شعوب العالم.

كان الهدف أن تقع كوباني خلال فترة قصيرة. وقيام وسائل الإعلام التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بإظهار أن كوباني سوف تسقط خلال فترة قصيرة كان للتخفيف من الانكسار الذي لحق بالبيشمركة عند هروبهم من مواجهة داعش في منطقة شنكال. وقد كشفوا عن نواياهم وآمالهم من خلال افتعال أكاذيب لا صحة لها؛ كهروب أحد القادة العسكريين من كوباني في حين كان هذا القائد العسكري الذي تم الحديث عنه يبدي مقاومة عظيمة على الرغم من الجراح التي تعرض لها. أي أنهم بهذا الشكل سعوا إلى تحطيم الاعتبار الذي كسبه حزب العمال الكردستاني وحركة الحرية الكردية، كما سعوا إلى محاولة إعادة اعتبارهم الذي فقدوه ضمن المجتمع الكردستاني عن طريق سقوط كوباني. بهذا الشكل أظهروا مقاربات تقوم بخدمة مصالح فردية ضيقة وبسيطة. أما بالنسبة للدولة التركية فهي التي حثت داعش على الهجوم لتسقط كوباني ويتم القضاء أو تصفية ثورة روج آفا.

وكأن أردوغان من خلال تكرار مقولة «سقطت كوباني، ستسقط كوباني » كان يلعب لعبة دق الجرس. وحتى قوى التحالف كانت هي الأخرى قد نظمت مخططاتها على أساس سقوط كوباني. ولكن أبطال وبطلات كوباني قلبوا كل هذه الآمال والحسابات رأساً على عقب، وحطّموا كل أحلام الدولة التركية التي كانت تسعى إلى تحقيقها. بقيت الدولة التركية التي عقدت كل حساباتها وسياساتها بالاستناد إلى سقوط كوباني في وضع لا تحسد عليه أي خابت كل حساباتها ومخططاتها وسياساتها. ودخلت في وضعية تعاكس حلفاء وشركاء التحالف.

كما أن الدولة التركية سعت من خلال مخططها «لتسقط كوباني خلال فترة قصيرة، ولتقوى داعش، وليحتاج الجميع إلي » إلى إفشال مخططات قوى التحالف أيضا. إن رغبتها في انتصار داعش بسبب معاداة الدولة التركية للكرد، وإبداء مقاربة تقوم بابتزاز قوى التحالف وتهدف إلى إفشال مخططها ساهم في تزايد ردود الفعل ضمن الأوساط العالمية ضد الدولة التركية، وظهر هذا بشكل واضح ضمن وسائل الإعلام الغربية.

ومع استمرار مقاومة كوباني وقعت الدولة التركية في الفخ الذي نصبته، وعلقت فيه إلى أبعد الحدود. أما بالنسبة لداعش فقد فقد قوته وتأثيره السياسي جراء الضربات الكبيرة التي لحقت به. فقام بسوق كل قواته المتواجدة في سوريا إلى منطقة كوباني. اصطدم داعش بكل قوته بحواجز كوباني التي حطمت تلك القوة. فمن الآن يتضح انتصار كوباني وهزيمة داعش. وعلى الرغم من رؤية داعش لهذا إلا أنه حتى الآن يقوم بحشد القوات من كل الأماكن وسوقها نحو حواجز كوباني.

هذه المقاومة وحّدت الثوريين، الديمقراطيين، المرأة، الشبيبة، الكادحين، المثقفين، الكتاب، وكل العقائد الدينية وكافة الأثنيات المضطهدة حول كوباني، كما وحّدت القوى الديمقراطية في تركيا حول كوباني. بذلت كل القوى الديمقراطية اليسارية جهوداً كبيرة لتقدم الدعم والمساندة لكوباني. إن موقف الشعب وهذه القوى الديمقراطية في تركيا تحول إلى دعم معنوي كبير لمقاومة كوباني. توافدهم إلى حدود سروج، والتوجه إلى كوباني، والقيام بمسيرات تضامن مع مقاومة كوباني في كل أنحاء تركيا يحوز على أهمية بالغة جدا. سعت كل من الدولة العميقة، ودائرة الحرب الخاصة، والجيتم وكل القوى التي تسعى إلى إبادة الشعب الكردي إلى يومنا الراهن إلى بناء سدود بين القوى الديمقراطية في تركيا وحركة الحرية الكردية. وقد نجحت في هذا وعلى وجه الخصوص خلال الثلاثين عاماً المنصرمة.

السبب الرئيسي والهام في عدم وصول الدولة التركية إلى بناء منطقة تسودها الديمقراطية والحرية نابع من الحواجز التي اصطنعتها بين القوى الديمقراطية في تركيا وحركة الحرية الكردية. بلا شك أثّر هذا الوضع بشكل سلبي على حل القضية الكردية أيضاً. أي أنه تم خلق هذه الحواجز والسدود لإعاقة حل القضية الكردية. ومقاومة كوباني قامت بتحطيم وتجاوز هذه السدود والحواجز بنسبة هامة.

بالتأكيد سيسفر هذا عن نتائج إيجابية بخصوص دمقرطة تركيا وحل القضية الكردية.

سيكون لمقاومة كوباني دور كبير في تحقيق وحدة شعوب تركيا والقوى الديمقراطية مع الشعب الكردي وحركة الحرية الكردية، وخلق حياة مشتركة في وسط تسوده الديمقراطية والحرية. حيث أن اللبنة الأولى في بناء هذه الوحدة سيكون الشهيد صبحي نجاة الذي استشهد في كوباني. فالرفيق صبحي نجاة كما كمال بيري وحقي قرار قوى من وحدة إرادة نضال الشعبين التركي والكردي للعيش في وطن واحد تسوده الحرية والمساواة والحياة الديمقراطية. إن وحدة هذا النضال والرفع من سوية النضال التحرري والديمقراطي والاشتراكي سوف يكون رمزا لتحقيق حياة ديمقراطية حرة ليس للشعوب تركيا فحسب إنما لشعوب منطقة الشرق الأوسط كله.

مقاومة كوباني لم تحث فقط القوى اليسارية والديمقراطية في تركيا على التحرك إنما حثت جميع القوى اليسارية والديمقراطية في العالم على التحرك وإبداء مواقف حازمة.

شكّلت كل القوى الديمقراطية، المرأة، الشبيبة، الكادحين، والمثقفين جبهة ديمقراطية حول كوباني. الجبهة الديمقراطية المتشكلة في الحرب العالمية الثانية تكونت حول مقاومة كوباني مرة أخرى. فكما ساهمت مقاومة كوباني في تعريف الفكر السياسي والنظري والأيديولوجي للقائد آبو وحركة الحرية الكردية، قامت في الوقت نفسه بإظهار إمكانية نضال القوى الديمقراطية وحثتها على التحرك. فتقديم شعوب العالم، والقوى الديمقراطية والمثقفين الدعم لمقاومة كوباني زاد من هذه المقاومة. بلا شك هذا الدعم ونبض قلب الشعب من أجل مقاومة كوباني أكبر قيمة من كل أنواع الدعم المادي والعسكري. فمن دون هذا الدعم الذي يقدمه الشعب والقوى الديمقراطية لا يمكن للذي يستخدم السلاح أن يظهر هذه الروح المعنوية العالية في النضال ويبدي هذه المقاومة الباسلة. روح هذه المقاومة تكمن في نهج القائد آبو ونضال حزب العمال الكردستاني. التضحية هي روح المقاومة لحزب العمال الكردستاني، وهي إرادة المقاومة في أصعب الظروف. فحزب العمال الكردستاني يعني المقاومة والنضال والنصر مهما كانت الظروف صعبة. إن فلسفة وأسلوب نضال حزب العمال الكردستاني وحتى مصدر قوته الأساسية هي «روح المقاومة والنصر في أصعب الظروف » هذه هي القوة الأساسية له. ومن دونها سوف يلقى الهزيمة حتى وإن امتلك أفتك أنواع الأسلحة وتوفر له كل شيء. لأن قانون النصر في كردستان هو روح وأسلوب المقاومة والنجاح في أصعب الظروف. هذا هو قانون نصر ونجاح ثورة كردستان.

ساهمت مساندة ودعم شعوب العالم والمنقطة، الاشتراكيين، الديمقراطيين، والثوريين والمثقفين في تقوية هذه الروح والإرادة أكثر. لا يمكن إنكار دور هذا الدعم والمساندة في استمرار مقاومة كوباني ببسالة. لن تنسى حركة الحرية الكردية هذا أبدا،ً سوف تصون وتطور وتقوي نهجها التحرري والديمقراطي والاشتراكي أكثر من خلال الاستناد إلى هذه القوة المعنوية.

إن إبداء القوى الديمقراطية والاشتراكية في العالم هذه الحساسية والتيقظ تجاه مقاومة كوباني زاد من إمكانية تطوير حركة الحرية الكردية علاقاتها مع القوى الاشتراكية والديمقراطية والنضال سوية. حيث أنه من خلال الاستناد إلى الأرضية التي خلقتها مقاومة كوباني بات من الممكن تطوير هذه العلاقات المستندة إلى التقوية والوحدة والتضامن المتبادل. بالإمكان عقد وحدة وعلاقات جديدة بين الشعوب والقوى الثورية من خلال هذه الأرضية. لهذا السبب فإن تطوير هذه العلاقات والاستمرار فيها ضرورة ومسؤولية لإحياء ذكرى الثوريين الذين استشهدوا في كوباني والوفاء لهم.

أثرت مقاومة كوباني بشكل ملموس على هدف نضال حركة الحرية الكردية الممتد إلى أربعين عاماً وشوق شعبنا منذ مئة عام إلى الوحدة الوطنية والنضال المشترك. بعد المؤامرة الدولية هذه أول انتفاضة شاملة تشمل جميع أجزاء كردستان. حققت الروح المشتركة التي خلقتها المؤامرة قفزة جديدة بمقاومة كوباني الباسلة. فمن خلال التفاف الشعب الكردي حول مقاومة كوباني العظيمة كسبت روحاً وهوية وقيماً جديدة. حيث قام الشعب الكردي بتقوية هويته بقيم جديدة وأغناها أكثر. كما أن الطابع الوطني للكرد حقق أو عايش تطوراً جديداً. لهذا السبب فإن مقاومة كوباني لها قيمة هامة وتاريخية.

إن انتفاضة شعبنا في روج هلات بهذا القدر لأول مرة بعد انتفاضته في أوائل عام 1980 توضح السوية التي وصل إليها الإحساس الوطني، والوحدة الوطنية وقيم الأمة الديمقراطية. وتحولت إلى إثبات لمقاومة الكرد في الأجزاء الأربعة. بات إصرار وعزم الشعب الكردي في الأجزاء الأربعة من كردستان على تحقيق الحياة الديمقراطية الحرة مرئياً من قبل الجميع. أفزع هذا الوضع جميع أعداء الشعب الكردي، وبشكل خاص الدولة التركية المستبدة والمستندة على سياسة الإبادة الثقافية.

توحدت الآن الأجزاء الأربعة مع بعضها. لم يعد وجود الحدود يعني أي شيء. فالكرد من الآن فصاعدا سوف يبدون مواقف موحدة من دون أن تشكل الحدود أية مشكلة.

فمع مقاومة كوباني تم تحطيم الروح النفسية والفكرية التي تشكلت جراء تقسيم كردستان قبل مئة عام. وهذا يُعتبر من أكبر المكاسب التي تم تحقيقها على الإطلاق. كما أنه من خلال الموافق التي أبداها الشعب في جنوب كردستان تم تجاوز القوموية البدائية الموجودة في جنوب كردستان، والتي تفرض الحاكمية على منطقتين على أساس مصالح

 

عائلية وعشائرية، وسياسات وتقربات هادفة إلى صون شكل حياة البرجوازية وتتخذ من عائدات النفط أساساً لها. من هذه الناحية تتشكل روح أمة ديمقراطية جديدة في جنوب كردستان.

لعب الكرد في الخارج وفي مقدمتهم الكرد في أوروبا دورا هاماً وفعالاً ضمن ثورة روج آفا ومقاومة كوباني، حيث أضافوا قوة هامة لمقاومة كوباني من خلال استمرارية الاعتصامات والفعاليات الدبلوماسية التي قاموا بها بهذا الصدد.

أبدى شعبنا في أوروبا نضالاً شبيهاً بالنضال الذي أبداه في بداية أعوام التسعينات ضد الحرب القذرة التي سيّرتها الدولة التركية، وهذه المرة أبدت المقاومة للوفاء وتبني مقاومة كوباني العظيمة الباسلة. حيث تم رؤية مدى الأهمية التي يشكلها الشعب الكردي في أوروبا بالنسبة لنضال حرية الشعب الكردستاني، وتيقظه ومساندته لمقاومة كوباني الباسلة. في يومنا الراهن تتضح وتُدرك أكثر أهمية قيام القائد آبو باستذكار وتوجيه التحية بشكل خاص إلى الشعب في أوروبا وروج آفا في مرافعته الخامسة.

عبّرت انتفاضة الشعب الكردي في كردستان والمدن التركية والقوى الديمقراطية في تركيا، وتحقق أكبر سرهلدان للحرية في تاريخ حرية كردستان، عن ذروة النضال المتطور حول مقاومة كوباني. تم التبني والولاء لمقاومة كوباني من خلال انتفاض جميع فئات المجتمع. حيث أن توسع المقاومة التي بدأت على حدود كوباني-سروج في كردستان وتركيا تحولت إلى انتفاضة وطنية ديمقراطية، وحققت السرهلدان بمعناه الحقيقي في باكور وتركيا ككل. ومرة أخرى تمت رؤية قوة الشعب الكردي وإصراره على الحرية والحياة الديمقراطية. العديد من المدن والمناطق في كردستان هي الآن بيد الشعب الكردي الحر. فرض الشعب سيطرته التامة على تلك المدن والمناطق. حيث أظهر الشعب الكردي للعدو والصديق معاً قوته التحررية. السرهلدانات التي تمت في 6-7 تشرين الأول أظهرت مدى إصرار الشعب الكردي على حل القضية الكردية، وأظهرت لكل القوى السياسية وفي بدايتها الدولة التركية أنه لا يمكن فرض الأنظمة القديمة عليها. وأظهرت حقيقة عشق الشعب الكردي لحريته التي تحققت نتيجة نضال استمر لأربعين عاماً. إن موقف وقوة هذه السرهلدانات كانت الدعم الأكبر لجهود القائد آبو في الحل الديمقراطي السياسي. كما كانت تنبيهاً هاماً لحكومة العدالة والتنمية التي تقوم باستثمار جهود الحل الديمقراطي التي حولتها إلى لعبة إلهاء وخداع. ووجهت رسالة إلى حكومة العدالة والتنمية مفادها؛ «تراجعي عن هذه السياسات، فهذه السياسات ليس لها نهاية، وإن قمت بالإصرار على هذه السياسة سوف تخسرين الكثير .» يمكن تحليل الأبعاد العملية الأخرى لهذه السرهلدانات.

فليس هناك شك بعظمة النتائج والتأثير الذي خلقته. وسوف تؤثر أكثر على التطورات السياسية. إن تمت الاستفادة وتحليل الوسط الذي خلقته هذه السرهلدانات بشكل جيد وفعال، وتم تنظيمها، وتحويلها إلى نهج لمقاومة مستمرة سوف تزداد التطورات والمكاسب في جميع الميادين. حيث لا يمكن الشك بالدعم الذي قدمته هذه السرهلدانات لمقاومة كوباني.

أثرت مقاومة كوباني والسرهلدانات في كردستان وتركيا على العلويين من الأعماق. وساهمت في أن يلتف العلويون أيضا حول حركة الحرية. فبابتعاد العلويين عن حزب الشعب الجمهوري والدولة بدأت مرحلة تقرب العلويين من الشعب الكردي وحركته التحررية. فلماذا أفلست الجهود التي سعت إلى إبعاد العلويين عن حركة الحرية الكردية وحتى التي سعت إلى حثها على معاداتها؟ يُعتبر هذا تطوراً هاما بالنسبة للعلويين؛ من ناحية تحطيم الأغلال التي فُرضت عليهم، ومن ناحية تحقيق انضمامٍ لتنظيم وسياسة صحيحة، ومن ناحية أخرى ستساهم في إكساب النضال الديمقراطي تأثيراً وفعالية أكبر. استناداً إلى هذه الحقيقة فإن تطوير السياسات المتعلقة بالعلويين، وعقد علاقات دائمية مع المؤسسات العلوية يحوز على أهمية بالغة. حيث أن الإمكانيات الديمقراطية والحرية ضمن المجتمع العلوي سوف تظهر أكثر بعد مقاومة كوباني. لهذا السبب ينبغي أن تكون علاقة حركة الحرية الكردية والقوى الديمقراطية مع العلويين مستمرة ودائمية. بلا شك ينبغي في تنظيمهم مراعاة خصوصيتهم. ولكن ينبغي خوض نضال مشترك ومتضامن بالنسبة إلى نضالهم الديمقراطي التحرري. لأن ضمان وجود، هوية، عقيدة، ثقافة العلويين هو إحلال الديمقراطية. وإحلال الديمقراطية الحقيقية يمر عبر حل القضية الكردية. بديمقراطية بهذا الشكل فقط يمكن صون وحماية وجود وهوية وعقيدة وثقافة العلويين. ومن ناحية أخرى يمثل العلويون القاعدة والأرضية الأساسية لنهج الأمة الديمقراطية، الكونفدرالية الديمقراطية، والديمقراطية الكومينالية، والذاتية الديمقراطية لحركة الحرية الكردية.

ستساهم مقاومة كوباني في رؤية هذه الحقيقة بشكل ملموس. دفع تأثير مقاومة كوباني على العالم وتركيا، وتوحد الشعب الكردستاني إلى أن تقوم قوى التحالف بضرب مواقع داعش في كوباني. حيث أن التحالف الذي تم تشكيله كان أمام خيارين فإما أن تنفضح نواياه أو أن يقوم بضرب المواقع المكشوفة لداعش حول كوباني. أي أنه اضطر للقيام بتوجيه الضربات لمواقع داعش. لأنه لم يقم بأية ضربة خلال الأيام 20-25 من المقاومة، والغارات الجوية التي قام بها لم تكن ذات تأثير، بل على العكس تماماً زاد داعش من هجماته في تلك الفترة. ولكن بعد استمرار المقاومة ودخولها جدول أعمال العالم بدأت طائرات التحالف بشن غارات جوية فعالة ضد مواقع داعش. أي أن كل القوى كانت في حالة انتظار سقوط كوباني خلال فترة قصيرة. إلا أنه بعد استمرار المقاومة ودخولها جدول أعمال كل القوى الديمقراطية والرأي العام العالمي حينها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربات لمواقع داعش على أطراف كوباني كي لا تبقى خارج الرأي العام العالمي المتشكل بخصوص كوباني. ففي مقاومة كوباني التف الجميع حول النضال ضد الفاشية كما حصل في الحرب العالمية الثانية. ينبغي النظر إلى انضمام أصحاب الأفكار المختلفة إلى هذه الجبهة بعد وضوح معالم المقاومة وبأنها نتيجة الموقف الموحد ضد الفاشية. فليس هناك أي وحدة سياسية ايديولوجية ولا وحدة في الأهداف.

الجانب المشترك الواحد أو الهدف الوحيد المشترك هو توحيد النضال ضد داعش. فالشيء الموجود هو تشكيل صف واحد للنضال ضد هدف واحد.

إن ادعاء بعض الأطراف بأن حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب، وقوات الدفاع الشعبي اتفقوا مع الولايات المتحدة الأمريكية بعيد عن الواقع الملموس الحاصل ويهدف إلى تشويش العقول. حتى وإن وجدت بعض المخاوف الجدية فإن مثل هذه الأقاويل هي في الأساس ادعاءات تقوم بها الأطراف المعادية للكرد، وهي الأطراف التي تعادي حركة الحرية الكردية، ظناً منهم أنهم بهذه الادعاءات سوف يقومون بالتشهير بحزب العمال الكردستاني وحركة الحرية الكردية وإبعادهما عن القوى اليسارية والديمقراطية. حيث أن قوى الدولة الخفية تقف وراء مثل هذه الأقاويل. إن الوضع الإيجابي الناتج ليس له أي مواقف سياسية وأيديولوجية مشتركة. حيث يمكن للمواقف الأيديولوجية المختلفة أن تتخذ نفس الموقف تجاه وضعٍ ما ضمن جبهة الحرب.

بلا شك ستسعى قوى الحداثة الرأسمالية الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى تحريف وتليين الموقف السياسي والايديولوجي لحزب العمال الكردستاني وحركة الحرية الكردية وعلى وجه الخصوص ضمن الموقف السياسي والايديولوجي لثورة روج آفا. سيكون لها حسابات بهذا الشكل. وستعمل للتأثير على الشخصيات الضعيفة والإدارة المنتخبة أو ممثلي الشعب، حيث أنهم سيستفيدون من قيام بعض رؤساء المجالس بالإدلاء بالعديد من التصاريح يطلبون فيها المساعدة من الخارج. بهذا المعنى سيتم خوض نضال ايديولوجي سياسي فيما بين هذه القوى وقوى ومكونات حركة الحرية.

ولكن يجب ألا ينسى أحد أن قائد هذه الحركة هو قائد الشعب الكردي. وأن كلا من الرفاق حقي قرار، كمال بير، ومظلوم دوغان، خيري دورموش هم الذين أكسبوا الحركة هذه الروح وهذه الهوية. وهذه الحركة فيها ميراث وروح الشهيد صبحي نجاة الذي استشهد في مقاومة كوباني.

وهي تؤمن بالاشتراكية وقدمت الآلاف من الشهداء. إن ضمان ولبنة وجوهر الديمقراطية الاشتراكية هو نهج حرية المرأة وحركتها، وهناك أيضا تاريخ حزب العمال الكردستاني الممتد لأربعين عاماً، كما أن هناك العديد من الكتب «مرافعات وتحليلات « التي دونها وطرحها قائد هذه الحركة. بهذا المعنى لا يمكن لأية قوة أن تقوم بتحريف الهوية السياسية والايديولوجية لهذه الحركة. قد تؤثر في بعض الأفراد في كل الأوقات ولكن لا يمكن تحريف هوية الحركة وروحها. هذه الحركة مرتبطة بقائدها وقد اكتسبت معرفة وتجربة من خلال النضال الذي أبدته ضد من قاموا بالمؤامرة ضد قائدهم. لا يمكن لأية قوة أن تحرف هذه الحركة. يمكن أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية، وقوى التحالف، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعض الأطراف الكردية انطلاقاً من التحرك المشترك ضد تنظيم داعش الفاشي إلى تحريف النهج السياسي والايديولوجي لثورة روج آفا وحركة الحرية الكردية. هذه تبقى نيتهم.

ولكن حزب العمال الكردستاني صاحب تجربة تمتد لأربعين عاماً. وله قيادة ديمقراطية اشتراكية ونهج ايديولوجي. وله قائد تجسدت في شخصه هوية وثقافة الشرق الأوسط. جعل هذا القائد نهجه لبنة هذه الحركة. من هذه الناحية ليس من الصحة أن يقوم البعض بطرح بعض التخمينات بخصوص قيام قوى التحالف باستهداف كوباني كما أنها تظهر سوء نيتهم أيضا. فحزب العمال الكردستاني ليس طري العظم بخصوص خوض النضال السياسي والايديولوجي!

حيث خاض ويخوض وسيستمر بخوض نضاله السياسي والايديولوجي.

النقطة الأخرى هي: هل ستستمر حركة الحرية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي في صون الاعتبار والتأثير الذي اكتسباه؟ حيث أن انتهاء الاعتبار الذي كسبه الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية خلال فترة قصيرة غيّر نظرة القوى الاشتراكية والديمقراطية إلى الاتحاد السوفيتي وكثرت الشبهات حولها. بالطبع تُعتبر هذه تجربة مهمة. إن أحد أهم الأسباب التي ساهمت في فقدان الاتحاد السوفيتي اعتباره هو أنه بالرغم من كونه ضمن مركز الجبهة الديمقراطية لم يسعَ إلى تكوين بنيته الديمقراطية. فعندما لم يستطع امتلاك طابع ديمقراطي خسر الاعتبار الذي كسبه ضمن الجبهة الديمقراطية خلال فترة قصيرة. حيث بدأ بالانفصال عن القيم الديمقراطية وعن الاشتراكية أيضاً. إن وصول كلٍّ من حركة الحرية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي إلى وضع كهذا ليس موضع النقاش، لأنهما وصلا لسوية متقدمة من الناحية النظرية والعملية بخصوص الديمقراطية والدمقرطة. لندع جانباً مسألة التراجع عن الديمقراطية والدمقرطة، فهي تمتلك طابعاً ديمقراطياً تحررياً أكثر تقدماً من ديمقراطية الغرب وقوى التحالف. لهذا السبب فإن خيار ونموذج الحل الوحيد في منطقة الشرق الأوسط هو الطابع الديمقراطي لثورة روج آفا. انطلاقاً من هذا سيزداد تأثير حركة الحرية الكردية أكثر. وستصل إلى وضع تؤثر فيه على شعوب العالم وشعوب منطقة الشرق الأوسط بشكل أكبر.

مقاومة كوباني، كل السرهلدانات المتطورة في العالم، الموقف الإيجابي ومساندة الرأي الديمقراطي العالمي لثورة روج آفا ومقاومة كوباني، وقيام قوى التحالف بضرب مواقع داعش على أطراف كوباني، وتدهور علاقات الدولة التركية مع الغرب، وتراجع علاقة الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني عمّا كانت عليه سابقا، كل هذا ساهم في قيام أحزاب روج آفا المرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه بتغيير موقفهم من ثورة روج آفا ومقاومة كوباني. فبعد رؤيتهم لاكتساب حزب الاتحاد الديمقراطي وثورة روج آفا القابلية والمشروعية أدركوا ضرورة مشاركة القوى الثورية في روج آفا. وعند رؤيتهم إفلاس سياسة التجريد التي كانوا يتبعونها ضد ثورة روج آفا ضمن الأوساط الدولية كما حصل في لقاءات جنيف، وإفلاس سياسة التهميش، وأن هذه السياسة لا تجدي أي نفع التقوا مع حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي في دهوك.

عُقد اجتماع دهوك بمساندة من حركة الحرية الكردية وحزب العمال الكردستاني ومنطومة المجتمع الكردستاني وتم التوصل إلى قرارات مشتركة. وقد عُقد هذا الاجتماع نتيجة النتائج التي خلقتها ثورة روج آفا ومقاومة كوباني وتشجيع حركة الحرية الكردية. استضاف الحزب الديمقراطي الكردستاني هذا الاجتماع. فإن كانوا جادّين وابتعدوا عن الحسابات الضيقة سوف يسفر اتحاد القوى السياسية في روج آفا وتوصلها إلى قرارات مشتركة عن نتائج سياسية هامة. إن اتحاد جميع الأحزاب والشخصيات الكردية من الأجزاء الأربعة من كردستان وتحديد الدبلوماسية والسياسة الوطنية وقراراتها وضرورة الدفاع المشترك سوف يساهم في عقد المؤتمر الوطني في بداية عام 2015 . إن تحملت كل القوى الكردية المسؤولية اللازمة سوف تساهم في خلق تطور بهذا الشكل. وسيُدَوّن هذا في التاريخ على أنه الموقف والتقرب الوطني العظيم الذي خلقته مقاومة كوباني الباسلة. إن تصدر دخول البيشمركة إلى كوباني الأحداث لم يكن نتيجة اجتماع دهوك، إنما كان نتيجة نضال وجهود تم بذلها لمدة شهر لفتح ممر يصل مقاطعات روج آفا ببعضها عن طريق الأراضي التركي. أرادت الدولة التركية تخفيف الضغط الذي شكله فتح هذا الممر عن طريق الحزب الديمقراطي الكردستاني ذي العلاقة الوطيدة معه.

لاضطرارها قامت بإيجاد صيغة بهذا الشكل. وعندما لم يعارض حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب هذا دخلت الحدث. بالطبع ينبغي على تلك القوى العمل بشكل متناسق مع إدارة المقاطعات ووحدات حماية الشعب، لأن هذا هو الشيء المنطقي والصائب والذي يجب أن يكون. الموضوع الآخر الذي دخل الأحدث خلال هذه الفترة هو مرحلة الحل أي اللقاءات التي تتم مع القائد آبو في إمرالي. عندما لم يجد القائد آبو أية نتيجة من هذه اللقاءات حدد الخامس عشر من شهر تشرين الأول كيوم لتحديد مصير هذه المرحلة. بهذا الشكل أراد أن توضح الدولة التركية موقفها بخصوص المرحلة، حيث أن حركة الحرية الكردية كانت قد أعلنت بأن اللقاءات لن تسفر عن أية نتائج لأنها تحولت إلى عملية إلهاء ولم يعد لعملية تجميد العمليات العسكرية أي معنى كما لم يعد هناك مرحلة تسمى بمرحلة الحل. وأعلنت أيضاً بأن مواقف ونضال المرحلة المقبلة سوف تُحدَّد حسب الظروف. بالطبع هذا يعبر عن اتخاذ موقف جديد وهو التمسك بحل القضية الكردية عن طريق النضال. فالشعب الكردي سوف يقوم بإنشاء إدارته الذاتية الديمقراطية ومؤسساته من خلال قوته المنظمة وعند تعرضها للهجمات سوف يدخل في وضعية المقاومة. كان قرار الحركة التحررية واضحاً بشأن هذا الموضوع. هذا الموقف ضغط على الدولة التركية وضيق الخناق عليها، لأن حركة الحرية الكردية أعلنت أنه إذا لم يتم خلق الظروف لحل القضية الكردية فلن تقبل أن يعبر حزب العدالة والتنمية مرحلة الانتخابات الجديدة بسهولة وستقوم بتطوير النضال أكثر فأكثر. ومن الآن فصاعداً لن تصغي للأقاويل بل يجب أن تكون هناك أفعال وممارسة عملية، وأشارت إلى أنه في حال عدم خطو خطوات جدية فلن تسمح بعملية إلهاء جديدة. أظهرت سياسة العدالة والتنمية مقابل مقاومة كوباني مدى صواب موقف حركة الحرية الكردية.

كما أن موقف حركة الحرية الكردية أفشل مخططات العدالة والتنمية بخصوص عام 2015 أيضاً. دخول حزب العدالة والتنمية في حالة ذعر مقابل موقف حركة الحرية الكردية من ناحية، ومن ناحية أخرى دخول حزب العدالة والتنمية حالة صراع مع الجميع ضمن الساحة الإقليمية والساحة الدولية أيضاً أظهر وجود وسط سياسي يمكِّن حركة الحرية الكردية من نيل النتيجة المرجوة في حال خوضها للنضال. في مثل هذا الوضع بالتحديد تطورت السرهلدانات. اصطدم حزب العدالة والتنمية بمقاومة أفقدته سلطته بالكامل، وزادت من حالة الذعر لديه وأصبح لا يعرف ماذا يعمل. فقد حزب العدالة والتنمية المبادرة مقابل السرهلدانات. امتلك الشعب في الكثير من المناطق قوة السيطرة والإدارة الحقيقية. نتيجة هذه التطورات اضطر حزب العدالة والتنمية إلى اللقاء بالقائد آبو مجددا. كما التقى بحزب الشعوب الديمقراطية، وقال بأنه إذا تم تجاوز هذه المرحلة فسوف تتحقق تطورات هامة وسيتم خطو خطوات جدية. حتى أنه قال: « لنمضِ هذه الليلة بسلام وسوف نقوم ببعض الأشياء خلال فترة قصيرة .» بسبب رؤية حكومة العدالة والتنمية إصرار الشعب الكردي وتمسكه بالحرية، وإدراكها للمخاطر المحدقة بالدولة التركية سعى القائد آبو إلى تهدئة الأوضاع وحثّ حكومة العدالة والتنمية على خطو الخطوات اللازمة. في الحقيقة كانت هذه السرهلدانات أكبر دعم على الإطلاق لجهود القائد آبو من أجل الحل السياسي الديمقراطي. وطلب القائد آبو من حكومة العدالة والتنمية خطو خطوات راديكالية متبادلة بعد هذه السرهلدانات يعبر عن هذه الحقيقة.

قامت الحكومة بتقربات غير جدية في هذه المرحلة أيضاً، حيث أبدت مواقف لا يبديها الإنسان البسيط مثل « سنقوم بخطو الخطوات اللازمة بعد أن يتم تحقيق الأمن الكامل وإزالة كل العوامل المهددة للأمن ». ولكي يتم تحقيق الأمن قامت بسن قوانين تساهم في زيادة عمليات الاعتقال والسجن من قبل البوليس. حينها قال القائد آبو «لا يمكن الوصول إلى أي مكان من خلال إصدار قوانين الضغط ، هذا خطأ كبير »، وحثّ الحكومة على خطو الخطوات اللازمة. وأشار إلى أهمية الأسلوب في الحل، فأسلوب العدالة والتنمية هو التقرب بغضب الحاكمية الاستعمارية ولطفها. وكما لم يقبل القائد آبو بهذا التقرب فإن حركة الحرية الكردية وصفت كل هذه التقربات باللاجدية. لهذا السبب فإن المسودة المؤلفة من بعض المواد التي لا تتجاوز نصف صفحة والتي سلّمتها للهيئة لا يمكنها أن تمثل خارطة الطريق ولا مشروع الحل إنما تعني فرض الاستسلام. وأشار إلى أنه إن لم يتم رؤية خطوات جدية وملموسة فلن تكون هناك مرحلة أخرى لتجميد العمليات العسكرية ولن يتم تغيير الموقف مرة أخرى.

سعت الحكومة من خلال استهدافها لحركة الحرية الكردية وقيادتها إلى التخفيف من حدة الارتعاد الذي لحق بها إثر السرهلدانات الأخيرة. ومن ناحية أخرى أبدت مواقف مشبوهة ومتعجرفة ك « سأقوم بكل أنواع الضغط والقتل، ولكن عليك أن لا تبدي أي رد فعل مقابل هذا ». تظهر عدم جدية حزب العدالة والتنمية من خلال الانتقادات التي وجهها القائد آبو له بخصوص أسلوب وطريقة التقرب من الحل. ومن خلال إشارته إلى أن حكومة العدالة والتنمية أنهت هذه المرحلة المبتدئة في نوروز 2013 خلال فترة قصيرة وأوضح بأنه إن لم يتم تغيير هذا المفهوم لا يمكن لأي عمل أن يتقدم. مصير الوضع السياسي خلال المرحلة المقبلة مرتبط بالمواقف التي ستتخذها حكومة العدالة والتنمية. حيث أنه ليس هناك أي مؤشرات تشير إلى أن حكومة العدالة والتنمية سوف تتراجع عن موافقها هذه؛ فقد تقربت بشكل غير مسؤول من الوضع الحساس لكوباني والذي كان يستوجب التقرب بحساسية أكثر. وقولها « إن كوباني هي عين العرب » في الفترة الأخيرة أوضح ماهية الذهنية التي تمتلكها وشراكتها مع داعش في الجريمة. بالطبع من الصعب جداً على حكومة تملك ذهنية بهذا الشكل أن تخطو خطوات نحو حل القضية الكردية وإيجاد حل دائمي لها.

أظهرت السرهلدانات الأخيرة ضرورة أن يكون المجتمع الكردي أكثر تنظيماً. وزادت أهمية تنظيم قوة المقاومة هذه. وهذا سيتحقق عن طريق تنظيم وأسلوب ومفهوم صحيح للكوادر. تم التطرق إلى هذه النقاط في اجتماع المنسقية المركزية لحزب العمال الكردستاني.

إن تكوين المجتمع الديمقراطي بالاستناد إلى إنشاء الذاتية الديمقراطية يتطلب تنظم حركة الحرية الكردية بأشكال متنوعة. بلا شك من دون وجود آلية الدفاع الذاتي لحماية أي تنظيم لا يمكن تطوير هذا التكوين وصونه.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى