أهمية آلية النقد والنقد الذاتي
أهمية آلية النقد والنقد الذاتي
إن آلية النقد والنقد الذاتي هي من الموضوعات التي ترد على الألسنة كثيراً غير أن تطبيقها يعاني قدراً كبيراً من الصعوبة. إنها إحدى الأسلحة الرئيسية التي لا بد منها في عملية بلوغ الأهداف المرجوة في كردستان حيث نواجه مهمة إعادة بناء كل شيء من جديد، هذا الوضع يجعل من الضروري أن نتوقف بالتفصيل عند موضوع النقد والنقد الذاتي وإيصاله إلى أعماق الوعي بشكل سليم. يستحيل تحقيق أي نوع من التطور في بلد مثل كردستان بدون توفير آلية النقد والنقد الذاتي.
نستطيع أن نقول أن النقد والنقد الذاتي سلاح يمنح الحياة لسائر الأسس والمبادئ ويصححها ويطورها مثلما يمكن قلب غياب التنظيم عندنا إلى توفير التنظيم عن طريق الحزب، مثلما السلطة والمركزية الديمقراطية إضافة إلى الجماعية والمبادرة المرتبطين بها تشكل أسساً في تطوير وتحسين فعاليات الحزب ونشاطاته. مما لا شك فيه أنه من غير الممكن القضاء على النواقص الناجمة عن البنية القومية الوطنية والاجتماعية وإزالة التشوه الحاصل في شخصية الإنسان الكردستاني إضافة إلى العيوب الأخرى في الفكر والنظرية والسياسة والتنظيم، إلا من خلال استخدام سلاح النقد والنقد الذاتي بشكل فعال وقوي، أي أن النقد والنقد الذاتي دليل عمل لا يمكن الاستغناء عنه في عملية إزالة الأخطاء وتمكين الأشياء الصحيحة من السيادة.
سيكون من المفيد جداً تناول هذا الموضوع بتفصيل أكثر من زاوية جعلها بشكل أفضل. وبهذه الطريقة سيجري تأمين استخدام هذا السلاح بصورة أفضل مع توجيهه إلى الأهداف الأساسية.
كما هو واضح أن الظاهرة الجديدة تبدأ من نقد القديم وتتحقق من خطوة هامة في عملية ولادة الجديد عبر تنفيذ متطلبات هذا النقد. ولكن التاريخ في كردستان لم يعمل بهذا الاتجاه؛ فالجديد لم ينتقد القديم، ولم يحطمه ليسود بدلاً منه، مما أدى إلى تراكم النواقص والسلبيات وتفاقمها أكثر فأكثر. إن كل ما جرى إقحامه على التاريخ في كردستان بدعوى أنه جديد لم يكن إلا من خلال الاستئذان من القديم وفي خدمة مصالحه وأغراضه. لم يكن مسموحاً لأي تجديد إلا إذا كان منسجماً مع البنية اللاثورية للقديم، ومن المؤكد أن هذا كان تعبيراً عن القبول باحتلال العدو كما هو. وبهذا المعنى لم يقم المجتمع بالنقد الضروري في مختلف المراحل التاريخية ولم ينسف البنى التي لا بد من تغييرها عن طريق الثورة.
بل على النقيض من ذلك، ظلت البنى القديمة تتعزز وتتقوى أكثر فأكثر وتتمكن من سحق أولئك الذين ترتبط مصالحهم بتطور ما هو جديد وتخريب القيم العائدة لهذا القديم. وهكذا ظل المجتمع محروماً من فرض نقد القديم والتوجه إلى الأمام والعمل لتطوير الجديد. لقد أمكن تحويل المجتمع إلى كيان بلا دماغ يفكر بتطوره التاريخي وبسائر قضاياه الحياتية المتعلقة بمصالحه اليومية الراهنة المستقبلية، بلا لسان لينتقد، بلا أذن ليسمع، بلا عين لترى، حتى غداً هذا المجتمع متجمعاً غارقاً في حوار للبكم والصم والمكفوفين وصم وبكم يتلمسون بعضهم بالأيدي ولا يستطيعون التفكير بما يجب التفكير به، والشعور بما ينبغي الشعور به، والإفصاح عما يجب الإفصاح عنه بشأن التاريخ والواقع الرهن اليومي والمستقبل. إذا أكتفينا بالنظر إلى المظاهر الخارجية يمكن أن نقر بوجود قدر هائل من النقد وبأن الناس يحسون بأبسط التحركات أو الهمسات. غير أننا حين نتناول الموضوع من زاوية التطور التاريخي والاجتماعي فإننا نجد أن ذلك الذي خلق الأوهام عندنا ما هو إلا كوميديا ساخرة لحوار هزلي يدار بين الصم والبكم والمكفوفين. هذا هو الواقع المعاش في كردستان، هناك غربة واستلاب رهيبين إزاء الذات من جهة مقابل العجز عن الحقد على العدو الذي أقحم المجتمع في هذا الوضع من الغربة، من توجيه النقد إليه، بل على النقيض من ذلك، هناك من جهة ثانية اتجاهات وميول تدعوا إلى الإقرار بالهوية التي فرضها العدو كما لو كانت هي الهوية الصحيحة. والخلاصة هي أن أولئك الذين ظهروا باسم النقد في كردستان لا يعكسون الجوهر الحقيقي، ولا يقومون بالنقد إلا في إطار القيم المفروضة من قبل العدو، بمعنى أن العدو نفسه هو الذي يؤسس حتى لمنطق النقد تطويره.
إن الإنسان مخلوق يفكر وينتقد باستمرار. وحاجة الإنسان إلى التفكير والنقد هذه مقيدة في كردستان لا يهدف الدفاع عن مصالحه الخاصة، بل بخيانة هذه المصالح. وهكذا تم فرض نوع من ألعاب السيرك البهلوانية على الساحة الاجتماعية. لقد تم تشويه مجتمعنا تماماً حتى بات خالياً من أي شيء يخصه هو. أما ما يطلق عليه اسم الحياة الاجتماعية فليست إلا ألعاب بهلوانية في السيرك.
كنا في هذا الواقع المعاش، مضطرين لأن نتطور بوصفنا حركة نقادة في مجال الفكر فلم يكن من الممكن القيام بأي عمل بدون نقد البنية الخالية تقريباً من أي شيء يمكن تقييمه بأنه إيجابي ومن أي عنصر يمكن استخدامه في انجاز أي تقدم. كان الانطلاق من نقطة النقد هو العمل الصحيح الذي يجب القيام به بالنسبة للناس القادرين على أن يقفوا في وجه الواقع الكردستاني الغارق في الجهل وعدم الإحساس وغياب التنظيم وانعدام المقاومة في القرن العشرين حيث تعيش البشرية عقداً يتم فيه حل المسائل بالفكر والبرمجة والتخطيط لدى سعيهم في سبيل توفير فرصة جديدة لتنفس هذا المجتمع. لقد كنا بوصفنا حركة تنتقد الرأسمالية الأجنبية من جهة والبنية القديمة التي فرضها الاستعمار وحافظ عليها بالقوة والقهر، مضطرين لأن ننشأ ونتطور كحركة يغلب عليها الجانب النقدي أكثر من سائر الحركات الأخرى، وما يزال هذا الجانب هو الأكثر رجحاناً بمعنى التحول إلى قوة مادية في الفكر، بل ونستطيع القول أن الأمر ما زال في بداياته. لا يكون النقد نقداً ثورياً إلا إذا سعى عملاً وتنظيمياً وتحركاً، إلى نسف البنى السلبية التي تجسد أكوام الأفكار والآراء السلبية التي تركها التاريخ، التي يتوجه إليه النقد أساساً؛ إلا إذا كان نقداً لا يكفي بالنقد اللفظي، نقداً لا يكون في مستوى كوميدياً حوار الصم والبكم والمكفوفين، نقداً لا يتخذ شكل التنفيس عن الغضب والتضليل الذاتي الذي يلجأ إليه البرجوازي الصغير. من المؤكد أن ذلك وحده لا يكفي بل لا بد من تشغيل آلية النقد الذاتي الموجهة إلى الداخل لعملية النقد الثورية الذي يكشف ما إذا كانت قد وصلت إلى العظمة التي هي جديرة أم لا، أي لا بد من الانتباه إلى مسألة الالتزام أو عدم مستلزمات النقد الداخلي في الوقت الذي يتم فيه تطوير عملية النقد الموجهة إلى الخارج. بهذه الصورة فقط يمكن تحرير النقد من أن يكون مجرد إدانة ليتحول إلى فكر يمكن تطبيقه بعد أن يصبح تعبيراً عن النقد الحقيقي الصحيح.
لا بد أيضاً من تناول النقد من هذه الناحية أيضاً، أي من جانبه الموجه إلى الذات ومن تطبيقه. وإلا فإن تهرب الشخص من تحقيق ما هو مطلوب عن طريق النقد الذاتي، مهما كان نقده للسلبيات صارماً وحازماً، يؤدي إلى أن تذهب جهوده هباء وبلا جدوى. إن هذا الموقف هو الذي يكشف مدى جدية الانتقادات الموجهة إلى الذات، إلى القديم وإلى السلبيات بهدف تغييرها جميعاً.
فلوا اكتفى المعلمون والقادة الأوائل بالنقد وحده، ولم يبادروا إلى القيام بما هو مطلوب ولم يجهدوا في سبيل تطوير أسلوب النقد الموجه إلى الذات، لما أمكن الحديث اليوم لا عن النظام الاشتراكي ولا عن انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917 . إن تناول النقد من جانب واحد يعني إلغاء دوره البناء والدافع إلى الأمام، أي إلغاء دوره الذي يجعله أساساً لخلق الجديد. إن المعنى العميق للنقد هو ضرورة وضع الأمور والأشياء الصحيحة والملائمة في الوقت الذي يركز فيه على إظهار مدى بطلان ما هو قديم وسلبي.
لنتناول الآن موضوع كيفية استخدام سلاح النقد والنقد الذاتي في إطار التنظيم على ضوء التحديدات العامة التي تمت حول المسألة.
إن لسلاح النقد والنقد الذاتي تأثيراً بناءاً في تمكين التنظيم من الوصول إلى بنية أسلم وشافياً من الأمراض في حال استخدامه استخداماً جيداً وتوجيهه نحو الهدف الفعلي. أما في حال إساءة استخدامه والإخفاق في توجيهه إلى الهدف المحدد تماماً، فإن ذلك يترك تأثيرا هداماً يؤدي إلى اعتلال بنية التنظيم، ولهذا السبب لا بد لكل عضو من أعضاء التنظيم الذي يستخدم هذا السلاح من أن يصبح ماهرا في هذا الاستخدام. إن عدم استخدام هذا السلاح بالمهارة المطلوبة يؤدي إلى الأضرار الناجمة عن عدم استخدامه كلياً، فالنقطة الأساسية للقضية هي طريقة استخدام هذا السلاح أكثر من امتلاكه. إنه في الأساس سلاح لا يمكن الاستغناء عنه. ولهذا السبب نجد أن لشكل استخدامه أهمية أكبر.
كما سبق لنا في أن أكدنا أيضاً لا بد للنقد، وإن كان نوعاً من الإدانة في الوقت نفسه، من أن ينطوي من حيث اتجاهه السياسي على أحلال الجديد والايجابي محل ما هو سلبي. أي لا بد من عدم الاكتفاء بتوجيه اللوم وتوزيع الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال بل والسير قدماً لطرح ما هو صحيح وتمكينه من السيطرة والسيادة. إذا أمكن تشغيل آلية النقد والنقد الذاتي في داخل الحزب بهذا الشكل فإنها عندئذ تؤدي إلى بنية تنظيمية سليمة وإلا فإن هذه البنية معرضة لأن تكون مثقلة بالعلل. نظراً لأن الناس في مجتمعنا ظلوا محرومين من استخدام هذا السلاح بصورة دائمة، فإن الأفراد الذين ينجبهم هذا المجتمع عاجزين عن معرفة أساليب وطرق استخدامه معرفة عميقة، فهو إما أن يستخدمه وينسف كل شيء، بدون أن يطلق النار على الهدف الأساسي، أو لا يستخدمه قط فيقف إزاء الأحداث مكفوفاً، أصم، وأبكم. عن هذا الوضع نجده منعكساً أحيانا في التنظيم وعمله أيضا. فبعض الكوادر لا يستطيعون أن يوجهوا سلاح النقد والنقد الذاتي نحو الهدف الأساسي، أو يعنّفون رفاقهم بأسوأ الأشكال مما يؤدي إلى انتشاره واستفحاله أكثر فأكثر. وبالشكل نفسه يتحاشى بعضهم توجيه سلاح النقد الذاتي لأنفسهم ويرون أنفسهم بلا أخطاء أو نواقص، أو يكونون غير جادين لدى قيامهم بالنقد الذاتي بل ويستخدمونه مثل الأمانة ونوبات التوبة عند الرهبان. من المؤكد أن جميع هذه الظواهر هي من الظواهر التي يجب حظرها حظراً تاماً وقاطعاً في الحياة التنظيمية. أن ممارسة النقد والنقد الذاتي والامتناع بعد ذلك عن التصرف وفق ذلك! أمرا غير مقبول بتاتاً! يا للفهم الخاطئ للمسألة! من الضروري ضرورة قصوى منع الكوادر من استخدام سلاح النقد والنقد الذاتي بهذه الصورة منعاً قاطعاً.
لا بد من تشغيل مختلف القواعد والنظم كما لا بد من مناقشة سائر القضايا والموضوعات ومن أجل الوقوف على مدى الالتزام بذلك يكون النقد ضرورياً جدا.ً غير أن ذلك لا يعني أن يكون الجميع أحرارا في كل الأوقات والأمكنة وأن يمارسوا عملية النقد دون قيود، على النقد أن يلتزم بمبادئ التنظيم مثلما يجب أن يكون بناءاً ودافعاً إلى الإمام. وبما أن عدم رؤية أخطاء اللجان والهيئات والفرق والأعضاء والتنبيه إليها داخل التنظيم من الأمور المستحيلة، فإن من الضروري وجود الية النقد والنقد الذاتي. غير أن هناك فرقاً ما بين نقد ونقد. هناك نقد يساعد على التطور، وهناك نقداً يريد أفساد الجوهر ويسعى إلى دس الأفكار والمفاهيم البرجوازية الصغيرة، وبمقدار ما يكون النقد الأول مفيدا وضرورياً، يكون الشكل الثاني ضاراً ومثقلاً بالأخطاء، لذا لا بد للنقد من أن يكون متفقاً مع البرنامج التنظيمي وداعماً لعملية تعزيز أساس وحدته.
هناك جانب آخر للنقد هو أن يتم بشكل مناسب. يجب معرفة طبيعة الكلام وأين يمكن أن يقال. وإلا فإن النقد الذي يتم في زمان ومكان غير ملائمين يؤدي إلى الأضرار أكثر من الفوائد. أي لا بد من الانتباه، لدى القيام بالنقد، إلى ضرورة عدم تقديم الأسلحة للعدو وعدم الوقوع في مواقف صعبة، من المؤكد أن هذا لا يعني الامتناع عن النقد، بل يعني الانتباه إلى ضرورة اختيار الزمان والظروف الصحيحة للقيام به. إذا كانت الظروف غير ملائمة فإن من الواجب تأجيل الانتقاد إلى الوقت المناسب، لا يجوز ممارسة النقد للنقد، يجب علينا ألا ننسى أن الهدف من النقد هو تعزيز القوة لا الإضعاف. إن النقد سلوك ثوري ولا يتم اللجوء إليه إلا من أجل تحقيق التغيير الثوري.
أما النقد الذاتي فهو الحدث الذي ينطوي على إزالة الخطأ الذي تم الوقوع فيه، إنه سلاح لا غنى عنه ويلعب دوراً دافعاً ومحركاً للتطور كما يحتل مكانة مرموقة في حياة التنظيمات الثورية.
فمدى الجدية التي يتحلى بها أي من الكوادر يكمن في المواقف التي يتخذها من أخطائه. إذا كان يحس حقاً بالمسؤولية تجاه الشعب والثورة فإنه سيبذل جهداً مركزياً وصادقاً بغية الخلاص من أخطائه والاهتداء إلى أسبابها.
إن الكادر ليس من الخطاة الذين يكررون الأخطاء ويتوبون باستمرار وبصورة متكررة. فهو ليس راهباً في الدير. إنه مناضل يعرف كيف ينتبه إلى أخطائه، كيف يكشفها ثم يتقدم بثبات على طريق تصحيحها غير أننا نلاحظ الكثير من أولئك الغارقين في بحار من الأخطاء ولكنهم مستمرون في خوضها مثل الرهبان. من المؤكد أن مثل هذا التصرف مرض خطير يصاب به بعض الكوادر؛ إنه تعبير عن عجز هؤلاء البعض عن معالجة أمراضهم، إن مثل هذا «الكادر » إذا صح تسميته بالكادر، ليس إلا إنسانا مسحوقاً ظل عاجزاً ومشلولاً أمام نواقصه وأخطائه.
ليست هناك أية قاعدة تقول بأن الناس لا يخطؤون؛ فالذين يعملون لا بد لهم، شاءوا أم أبوا، من الوقوع في الخطأ. لقد قال لينين: «ليس العاقل ذلك الذي لا يرتكب أي أخطاء. فمثل هذا الإنسان غير موجود ومستحيل، غير أن العاقل هو ذلك الذي يرتكب أخطاء لا تكون فادحة وخطيرة جدا ومن ثم يبادر إلى إصلاحها بسهولة .»
والمغزى الأساسي للنقد الذاتي أيضاً يكمن هنا، أي في تصحيح الأخطاء. لا معنى للنقد الذاتي بدون تصحيح الأخطاء. إذا كان الكادر يريد أن يرتفع إلى موقع رفيع وأن ينفذ واجباته الثورية فلا بد له من أن يكشف النقاب عن أخطائه وأن ينقض عليها بدون رحمة. فعندما يبادر الكوادر إلى الكشف عن أخطائهم بدون خوف ويتعلمون كيف يتغلبون عليها، يكونون قد أصبحوا كوادر جديرين بالاسم، كوادر يستحيل دحرهم، والقضاء عليهم.
يجب استخدام النقد الذاتي لا في الميادين التنظيمية والشخصية فقط بل وضد السلبيات المعاشة في الحياة الاجتماعية أيضاً. تطبيق النقد الذاتي في الميدان الاجتماعي يتطلب النضال ضد الاستلاب الناجم عن العدو، ضد سائر المظاهر السلبية للتخلف، وضد البنية المحرفة والخارجة عن الطريق الصحيح بفعل البرجوازية الصغيرة؛ والسير قدما لاقتلاع جميع هذه السلبيات من بنية المجتمع عن طريق الثورة. بهذا الشكل فقط يمكن اقتلاع جذور سائر الأمراض التي ظهرت في البنى التنظيمية والشخصية وبالتالي يكون النقد الذاتي قد تحقق بمعناه الصحيح. إن موضوع الشخصية في بلادنا قد تطورت تطوراً مشوها نتيجة تأثير العديد من العوامل السلبية التي تواجهها، فإن من الضروري بالنسبة للشخص أن يعيد النظر في ذاته باستمرار وأن يتحدث عن أخطائه بدون تردد أو خوف وأن يسعى للتغلب عليها، أي من الضروري أن يكون دائم الاستخدام لسلاح النقد الذاتي. أن الخلاص من البدائية والتخلف، من الانحراف والتشوه، من النواقص والعيوب مشروط بتحقيق عملية النقد الذاتي هذه. يجب أن يكون معروفاً أن نضال الفرد ضد ذاته، نضاله ضد نقاط ضعفه وعيوبه التي ظلت مخبأة مصيرية ذات أهمية بالغة. إن التخلص من الأخطاء التي يتم كشفها بسهولة أمر بسيط. إن سلوك الشخص غير المفهوم من قبل الجماهير، مثلاً، يفتضح بسرعة ويجري إصلاحه بسهولة. ولكن أولئك الذين يرتكبون مثل هذا الخطأ الفادح قلة نادرة بين الكوادر.
غير أن الأخطاء الكبيرة التي تكمن في شخصيات أولئك المكلفين بتنفيذ المهمات الثورية المعقدة والصعبة تكون خفية ويصعب كشفها مما يجعلها تنطوي على أخطار أكبر. لذا لا بد من التمسك بسلاح النقد والنقد الذاتي بقوة واستخدامه بمهارة في سبيل امتلاك السمات الضرورية لجعل الثورة ممكنة، ورغم هذه الضرورة فإننا نرى أن النقد الذاتي موجه بصورة عامة إلى الخارج، نحو الغير ويتم تقيمه في الكثير من الأحيان بوصفه وسيلة يتبعها الأفراد للتمويه على نواقصهم وعيوبهم وأخطائهم. كما نرى أن الموضوعات التي تتعرض للانتقاد هي أمور بسيطة وأخطاء تافهة وقع فيه هذا الفرد أو ذلك هنا أو هناك. هذه النواقص والأخطاء يمكن أزالتها ببساطة كبيرة ويمكن أن تزول تلقائياً. أما المسألة المهمة فهي توجيه هذا السلاح إلى الذات إنها يجب أن تنطوي على قيام الأشخاص بتوجيه سلاح النقد الذاتي إلى أخطائهم وعيوبهم الذاتية الكامنة فيهم هم. تلك هي الضرورة التي تفرضها المسؤولية تجاه الثورة.
بسبب الظروف القومية الوطنية والاجتماعية التي نعيشها لا بد لنا من أن نكون في إطار عملية نقد ونقد ذاتي مستمرة. من الواضح أن هذا هو أهم الشروط الذي يجب أن تتوفر في المناضل الذي يريد امتلاك تلك الشخصية المجيدة المؤهلة لأن تلعب دوراً تاريخياً طوال مسيرة النضال لا خلال الفترة التي نعيشها الآن فقط. ذلك أن واقعنا الاجتماعي والتنظيمي متخلف إلى درجة كبيرة ولا يتوفر لدينا أي سلاح يمكننا من القضاء على هذا التخلف سوى سلاح النقد والنقد الذاتي. لذلك فلا بد من الاستمرار في استخدام هذا السلاح بشكل بناء ودافع إلى الأمام ومصحح للأخطاء والانحرافات. وهذا السلاح سلاح يمكن استخدامه في العديد من الميادين والمجالات لا في ميدان واحد فقط. فعلى المناضل أن يستوعبه من كل جوانبه وأن يتقن فن إصابة الهدف بدقة، ومع زيادة مهارة المناضل في استخدام السلاح سيزيد عدد الأخطاء المكشوفة والتغلب عليها وبالتالي سيكون السلاح قد أدى المهمة الموكلة إليه، يجب فهم أهمية ووظيفة سلاح النقد والنقد الذاتي بهذه الصورة كما يجب على المناضلين أن يجعلوا هذا الفهم سمة أساسية من سماتهم الدائمة.