طائر الحرية
طائر الحرية
الاسم والكنية: رشيد عباس
الاسم الحركي: قهرمان
تاريخ الالتحاق: 5\ 2\ 1995
تاريخ الاستشهاد:22/6/2000 كاري
الحياة وبكل ما تملؤها من أحاسيس، خيالات وهواجس كانت تأبى أن تكون طيف تساير تلك الأيام التي كنا نعيش فيها معا وبين جوانح الرفاقية التي تفتح عيناها بين ضحاها ولياليها المقمرة. وهي تأبى أن تشاهد جمال وروعة تلك الآمال والأماني التي كانت تولد من جديد وهي تأبى أن تتدفق مثل ينبوع يحفر طريقه بين الجبال، الصخور والدروب التي تطال كل الأصقاع.
تلك الشخصية التي كانت وللوهلة الأولى تسعى الوقوف على قدميها لتواجه مصاعب العيش بين مسالك الحياة التي غدت ناراً تحترق وتلتهب رويدا – رويدا في عالم لا نهاية له ولا بداية.
فكل الحقائق والشواهد الحية كانت تتطلب مواجهة ومقاومة بإرادة صلبة وروح لا تهاب الصعاب والمستحيل وهي تمثل حقيقة الإنسان الذي يحتل بوجوده مكانا مميز لا يوازيه شيء في هذا الكون الفسيح والواسع.
والرفيق قهرمان كان أحد هؤلاء الأناس الذين كانوا يأبون ومنذ الصغر إن يكتنف السلام والآمان تلك الولادة والشباب، لكي يكتبوا وكما يشتهون في كتاب حياتهم أجمل الأيام واللحظات التي تمرح بين ربوع الوطن وهم ينخرطون بين دروب الحياة بكل جوانحها والتي توهب الإنسان كل شيء جديد ومغاير. وهو يأبى أن يعيش بين أحضان وطن الشمس، مسالما ومطمئن البال والقلب. تلك الحياة التي ستنبعث من جديد وسوف تقوم ببناء نفسها بالاستناد على المبادئ والأخلاق والأسس التي يساند فيه الإنسان أخاه الإنسان ولا تطأها أقدام الاحتلال، الاستبداد والطغيان.
الرفيق قهرمان لم يكن مثل جميع الشباب الذين كانوا يفكرون فقط بحياتهم الشخصية وحياة عوائلهم. بل كان يمتلك أفكار وهواجس كانت توهبه المزيد من التفكير الواسع، النضوج والمعرفة التي كانت السبب في ترجيحه طريق الثورة والعمل الدؤوب لخدمة شعبه وتحقيق أهدافه في الحرية. لذا كانت حركة حزب العمال الكردستاني وفكر القائد آبو خير دليل له ولتخيلاته التي رأت النور، الصرامة، المصداقية الحرية بين أحضانها.
تلك الفلسفة التي تجابه الموت وتخلق الإنسان الحر القادر على مصارعة المجهول، مجابهة المستحيل والسمو بالشخصية القادرة على تمثيل جوهر الشخصية الناجحة والتي لا تهاب العدوان وتقتل الموت في كل زمان ومكان.
كلما كان الرفيق قهرمان يتعرف على حقيقة الثورة والقيادة كان ينخرط أكثر فأكثر بين صفوف النضال وهو يسعى من خلال ذلك اتمام الجوانب الناقصة في شخصيته، لأنه كان يعي تماما أنه وبهذه الشخصية التي بناها النظام والتي ترسبت فيها شوائب وذهنية المستبد لن يستطيع المقاومة أمام كل سياسات العدوان ومساعيه التي تأبى التأثير على الشعب الكردي وجعله عبيداً لا يمتلك هوية، إرادة، تاريخ وكيان سياسي مستقل في الحياة.
ليحلق فيها عاليا بعشقه الحر وهو يمتطي صهوة تلك الجبال التي كانت وما تزال معقل النسور الشجعان، مهد الحضارة وموطن الإباء والأجداد وقلعة المقاومة على مر التاريخ.
مدرسة الحزب التي كانت بالنسبة له منبع الثقة، الأيمان والإرادة وهو يبني فيها شخصيته ويعي حقيقة كل شيء يتعلق بهذا العالم الذي بات ينكشف له خفاياها يوم بعد يوم وبكل وضوح. تلك الشخصية التي كانت تمثل الشخصية الحرة والقيادية في كل مكان يخط بقدميه فيه، ابتداء من القرية ومرورا بحياة المدينة ومن ثم حياة الكريلا وتسلق جبال الحرية والالتحاق بصفوف الثورة والثوار. كل هذه الجوانب الايجابية التي كانت تجتمع وتتدفق من أفكاره وهواجسه الحية، لم تكن تعرف السكون والتخاذل، بل كانت توهبه شخصية مقاومة وقادرة على تمثيل وتجسيد روح الشبيبة ومساندة كل الرفاق، الرفيقات والأصدقاء من حوله. وهو يعمل ليل نهار ومن دون ملل وكلل ويلعب دور المدرس والطالب في نفس الوقت، يعطي ويوهب لمن حوله من أفكاره ويستفيد من رفاقه ما يزيد من قوته ويكسبه كثافة في الأفكار. دونما يأس من العمل والعطاء الذي كان بمثابة ينبوع يتدفق وهو يسقي كل شيء من حوله ويوهب الجمال، الأمل والثقة للجميع.
فبدون التضحية وبذل الكدح، المثابرة، سكب الدماء والنضال المستمر ومن دون هوادة، لا يمكن بناء تلك الحياة التي نسعى إليها والعيش الرغيد فيها بحرية وسلام دائم وبدون كل هذا لن يصبح للحياة لون وطعم. لأن الحياة بمثابة الربيع الذي لا يحل علينا بوردة واحدة وهي تتطلب الأمطار، الدفء والأرض المعطاء التي توهب المرء الحنان، الجمال والأمل بكل ما تحتويه من روعة، عطور ورونق تذكي النفوس وتبرد الصدور.
لذا كانت جبال كردستان بكل عظمتها وجبروتها بالنسبة له تمثل كل شيء في هذه الحياة والتي كانت بمثابة الطريق الوحيد لتحقيق كل مساعيه، طموحاته وأمانيه. لأنها كانت بالنسبة له تمثل الحياة والإنسانية وعش لكل عشاق الحرية.
وكلما كان يتجول على قمم تلك الجبال الشاهقة والعالية ويستنشق من هواء تلك الأرض الوافية والمعطاء للبشر، كان يزداد عشقه، تعلقه وارتباطه بها أكثر فأكثر وهي تسكره بخلابة مناظرها التي تخضر رويداً- رويداً في قلبه. كالطفل الذي يسكر بين أحضان أمه ليتأمل في عيناها ويشاهد فيهما معنى وجوهر المحبة، الأمان وهو لا يأبى أن يهجرها ولو للحظة واحدة.
حبه للوطن كردستان ومنذ الصغر وبكل ما يحتويه من جبال، وديان، ينابيع، أشجار وحيوانات، كانت تسهل وتجعل كل الصعوبات التي تعترض طريقه تزول من دون أن يحسب لها أية حساب. حينها كان يتصدى لها بصدر رحب ومن دون أن ييأس من المهمات والواجبات التي كانت توكل إليه، بروح مضحية لا تبخل ما تمتلكه في سبيل نصرة الحياة والثورة. وقد كانت حقيقة القيادة التي ولدت في واقع كردستان والتي جعلت كل إنسان يعشق الحياة الحرة ويناضل في سبيل الوصول إليها وهو يقوم بحماية الشعب والوطن من الزوال، الضياع وإيصال الإنسانية لبر السلام والأمان في أقرب وقت ممكن. ذلك الإنسان الذي ولد حر لكي يعيش حراً على سطح هذه الأرض بمثابة المرآة التي كانت تعكس له حقيقة المجتمع الكردي وسبيل بناء الشخصية الناجحة القادرة على تحقيق المستحيل. لذا تيقن الرفيق قهرمان الطفل الكردي الذي فتح عيناه على النور في هذه الحياة، بأن الطريق الوحيد لأجل الوصول لتحقيق كل مساعيه وأحلامه في الحياة يمر عبر النضال، التضحية والفداء بالذات وليس هنالك طريق سوى ذلك.
لذا كانت مسيرته البطولية بمثابة الانطلاقة التي توهب الإرادة وتحرر الإنسان من كل القيود والأفكار البالية والسياسات التي لا تخلق سوى الإنسان العبيد والذي لا وجود له في هذه الحياة ولا معنى لوجوده مثل الإنسان المدفون في القبر وهو ما يزال على قيد الحياة.
وصل الرفيق قهرمان لتحقيق آماله، تخيلاته وأحلامه في الوصول للحرية واعتناقها من الجذور بكل كبريائه الحي، بعدما غدا روح وصوت للطبيعة والأرض وذلك في العشرين من حزيران عام 2000 .
حينما سافر برفقة موكب الحرية كرحالة يجوب العمر لتحط به الرحال في وطن الشمس التي وهبته صدراً رحباً وجنة تفتح له جناحيها لكي يطير فيها مع رفاقه وهو يجوب عالم الخلود الذي يظل يخلده أسطورة وتاريخ في سماء القلوب والعيون التي تعشق الحرية.
كرفيق وممثل للشبيبة الكردية وكل الشباب الثائرين على طريق الحرية. وهو يسقي بدمه الطاهر تراب الوطن الخالد وهو يدون بذلك أعظم ملحمة وأسطورة للشهادة بين صفحات التاريخ التي تملؤها قصص الأبطال، نداء الأرواح ومكتوب الشهادة التي يسطرها ..بإرادة طفل يعشق الحرية والسلام.